أحدث الأخبار مع #عريبالرنتاوي


وطنا نيوز
منذ 17 ساعات
- سياسة
- وطنا نيوز
عن اختلاف نظرة العرب والغرب لـ'حماس' و'الهيئة'
كتب: عريب الرنتاوي تَطرح الحفاوة العربية والدولية التي قوبل بها قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، سؤالاً جوهرياً، حول الأسباب التي دفعت عواصم عربية ودولية عدة، إلى الانفتاح على 'هيئة تحرير الشام' التي تتولى إدارة المشهد الانتقالي في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، في الوقت الذي ما زالت توصِد فيه أبوابها، في وجه 'حركة المقاومة الإسلامية-حماس'، وتحتفي بتصفية قادتها، وتصنفها حركة إرهابية، بل وتبدي بزعامة واشنطن، تأييداً معلناً حيناً، ومضمراً في أغلب الأحيان، لصيحات اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً، الداعية إلى تصفية الحركة وتفكيكها؟ مع أن عودة سريعة إلى تجربة الحركتين في العقود الفائتة، تظهر أرجحية حماس وأفضليتها على الهيئة في ميزان التطرف والاعتدال، فالحركة، وإن كانت مرجعيتها الفكرية والعقائدية، إخوانية بامتياز، إلا أنها في سلوكها وبرنامجها تنتمي إلى حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وليس 'الجهاد العالمي' من ضمن أجندتها، بخلاف الهيئة، التي نشأت من رحم 'سلفية جهادية'، ومرّ قادتها، ومنهم أحمد الشرع، بمختلف 'طبعاتها' 'الزرقاوية' والداعشية والقاعدية، قبل أن تخضع لمسار طويل من التحولات وإعادة التكيف والتكيّف، لتصل إلى ما انتهت إليه في سوريا. بهذا المعنى، ثمة دماء أميركية وغربية كثيرة، على أيدي التنظيمات الجهادية، وإن كانت بالطبع، أقل من دماء السوريين والعراقيين واللبنانيين، لكننا لم نعرف عن إسرائيلي واحد، تم 'تحييده' على أيدي هؤلاء، بخلاف حركة حماس التي 'حيّدت' كثيراً من الإسرائيليين في عملياتها المختلفة، وبالذات في عامي 'الطوفان'، ولم يُسجل عليها 'جهاد' في 'دار الحرب'، وكل غربي أو أميركي سقط بفعل عملياتها، إمّا أنه كان 'مزدوج الجنسية' أو سقط كـ'عرض جانبي' في عمليات استهدفت الإسرائيليين، وفي 'إسرائيل' حصراً. يعيدنا ذلك إلى ما سبق أن قلناه مراراً وتكراراً في السنوات الماضية: الغرب، والولايات المتحدة بخاصة، يمكن أن يغفر لمن أزهق أرواح مواطنيه، بيد أنه لا يغفر لمن يزهق روحاً إسرائيلية واحدة، ما لم تمنحه تل أبيب 'الصفح' و'صك الغفران'، كما حصل مع فصائل الحركة الوطنية التي انتقلت مع 'أوسلو'، من خنادق 'الكفاح المسلح' إلى موائد التفاوض، خلعت 'الفوتيك' و'السفاري' لترتدي أفخر الملابس الغربية. لكن ذلك، على أهميته، لا يفسر ظاهرة الانفتاح المتسارع على 'الهيئة' والشيطنة المستمرة لـ 'الحركة'…بالتأكيد ثمة عوامل أخرى، أكثر أهمية، تدخل في حسابات هذه الأطراف، بعضها يعود إلى تحولات الهيئة ذاتها، وبعضها الآخر مستمد من موقع سوريا ومكانتها، من دون أن ننسى أثر التدخلات من عواصم الإقليم، التي لطالما استمرأت التعاون مع السلفية الجهادية، وناصبت الإخوان عداءً ظاهراً أو مستتراً، قبل عشرية الربيع العربي، وبالأخص بعدها. أثر 'العامل الإسرائيلي' التحولات في مواقف 'الهيئة' جاءت متسارعة على نحو أذهل أصدقاءها وخصومها على حد سواء، لعل أهمها على الإطلاق، إبداء قدر هائل من التهافت لـ'طمأنة' 'إسرائيل' والغرب، بأن 'سوريا الجديدة' ترغب في سلام مع 'تل أبيب'، وأن التطبيع معها، مُدرج في جدول أعمالها، وأن لحظة صعودها في العربة الخامسة للقطار الإبراهيمي تنتظر التوقيت المناسب… ذهب 'جهاديو الأمس' أبعد من ذلك، ولم تكن لديهم مشكلة بعد أقل من نصف عام على توليهم السلطة، في الانخراط في مفاوضات مباشرة مع 'إسرائيل'، في باكو، وثمة من يقول في 'إسرائيل' ذاتها، بوساطة تركية 'مجربة'، وأحياناً بتدخل خليجي 'إبراهيمي' فعّال. أدرك الشرع وصحبه، أن الطريق إلى 'قلب الغرب' يمر بـ'المعدة الإسرائيلية'، رغم أنها مستعدّة دوماً لابتلاع وهضم المزيد من التنازلات، ورغم أنها لا تعرف الشبع أبداً، إذ كلما ظننا أنها امتلأت، تقول: هل من مزيد… بسط السيادة الإسرائيلية على الجولان، لم يعد كافياً، إخراجها في دائرة التفاوض، هو شرط إسرائيلي يرتقي إلى مستوى 'الخط الأحمر'… تدمير البنى العسكرية السورية وعدم تمكين دمشق من إعادة بناء قدارتها، هو 'أحط أحمر ثانٍ'، لا تراجع عنه، حتى مع الجيش الجديد، الذي فرضت قيوداً صارمة على حركته وانتشاره وتسلحه جنوب دمشق، وفي المحافظات الجنوبية الثلاث… احتلال مساحات 'نوعية' مهمة من الأرض السورية، كأعالي قمم الجبال ومساقط المياه، من جبل الشيخ إلى حوض اليرموك، كل ذلك سيصبح حقاً مكتسباً تحت ذريعة 'عدم تكرار سيناريو السابع من أكتوبر'، 'حلف الأقليات' وتقديم 'إسرائيل' نفسها 'حامية حمى' لها، بات في عداد 'الأمر الواقع'، الذي أسهم في إنعاش هويات ثانوية، وشجع على مطالب الانفصال والإدارة الذاتية شمالاً وجنوباً، وربما ساحلاً في مرحلة لاحقة. والمفارقة اللافتة، أنه كلما استعجلت دمشق إنجاز 'تفاهمات مرّة' مع 'تل أبيب'، استأخرتها الأخيرة، فهي معنية أولاً بالتوصل إلى تفاهمات مع أنقرة للوصول إلى 'آلية لتفادي الاحتكاك'، أما التفاهمات مع دمشق، فتأتي تالياً، بل وتتعمد 'تل أبيب' أن تقابل المحاولات السورية تبريد الجنوب، بتصريحات تكرر انعدام الثقة' بالشرع وقيادته، وتسخر من محاولات وزير خارجيته المتكررة التواصل مع الإسرائيليين، كما تقول صحافة عبرية، وتنقل عن مسؤولين إسرائيليين، ضيقهم بالمكالمات السورية المزعجة التي لا يردون عليها. هذا عامل بالغ الأهمية والخطورة، ولا مكان هنا للمقارنة بين مواقف وسلوك حركة المقاومة الإسلامية – حماس من 'إسرائيل' ومواقف 'الهيئة' منها، لا قبل الثامن من ديسمبر، ولا بعده، وبالأخص مذ أن تولى السيد الشرع، مقاليد حكم شبه مطلق في دمشق، ولنا أن نتخيل أي ديناميات كانت حماس ستطلقها في علاقاتها مع العرب والغرب، وحتى مع 'إسرائيل'، لو أنها تبنّت الخطاب والسردية اللذين تبنتهما الإدارة السورية الجديدة. هل هي انحناءة تكتيكية تُمليها 'التركة الثقيلة' التي خلفها النظام الراحل وسنوات الحرب المديدة والمريرة في سوريا وعليها، أم أننا أمام 'استراتيجية' جديدة لسوريا، وقد استكملت مشوار انتقالاتها وتحولاتها؟ … بعض أصدقاء النظام الجديد، خصوصاً من أنصار المدارس 'الإسلامية'، يروجون فرضية 'الانحناءة' ولا يجدون سوى 'النوايا الطيبة الخبيئة' للنظام الجديد لإضفاء 'الجدية' على رهاناتهم، مع أنهم هم أنفسهم، الأكثر ترديداً لعبارة 'الطريق إلى جهنم معبّد بالنيات الطيبة'… بعض المراقبين، ومنهم من يتمنى الخير لتجربة الانتقال في سوريا، يرى أن طريقاً كهذا، عادة ما يكون 'ذا اتجاه واحد'، لا عودة فيه أو عنه، إلا في حالة واحدة: انقلاب المشهد من جديد في سوريا. أثر 'العامل الإيراني' وثمة عامل آخر، لا يقل أهمية عن 'العامل الإسرائيلي' الذي ميّز 'حماس' عن 'الهيئة'، ويتعلق باختلاف المواقف والمواقع من إيران ومحورها، فحماس انخرطت في علاقة مع طهران وحزب الله وبقية القوى الحليفة والرديفة، وهذه حقيقة، لا يمكن إنكارها بعد أن 'ثمّنها' قادة حماس الميدانيين والسياسيين أنفسهم، كما أنه لا يجوز المبالغة في تضخيمها إلى الحد الذي يدفع بدوائر إسرائيلية، وأخرى عربية ودولية، للزعم بأن 'الحركة' تحوّلت إلى 'ذراع' إيرانية… لا الإنكار ولا المبالغة نجحا في نزع هوية حماس كحركة تحرر وطني فلسطينية، وإن بمرجعية إسلامية (إخوانية)، ولا يقللان من قدرتها على اتخاذ قرارها المستقل، بمعزل عن المحور أو من دون علمه كما في السابع من أكتوبر، أو حتى بالضد من رغباته ومصالحه، كما في خروج الحركة من سوريا في بواكير أزمتها، وانتهاج خط مغاير حيالها، خارج عن إجماع المحور ومكوناته. الغرب، وتحديداً واشنطن ، 'إسرائيل' وكثرة من العرب، وضعوا نصب أعينهم جميعاً، هدف إخراج إيران من سوريا، وتدمير 'أذرع' طهران في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وسبق لهذه الأطراف، حتى قبل عشرية الربيع العربي، أن عملت بنشاط، من أجل 'إعادة توجيه السلفية الجهادية' من استهداف 'الخطر الشيوعي' كما في أفغانستان، إلى التصدي لـ'الخطر الشيعي' في محوره، وثمة وقائع وأحداث في هذه الدول، تدلل على ذلك، وحين يقول آخر سفير أميركي في سوريا جيمس جيفري، بأن علاقات بلاده مع الشرع والهيئة سابقة للتغيير في سوريا، وأن الاتصالات كانت قائمة بين الطرفين، وأن واشنطن وفرت الحماية لهما في مراحل معينة، ومنعت داعش حيناً ونظام الأسد أحياناً، من الانقضاض عليه في 'إدلب'، فمعنى ذلك أن ثمة 'علاقة عمل' يمكن أن تنشأ بين هذه المدرسة 'الجهادية' وذاك 'التحا…


وطنا نيوز
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- وطنا نيوز
الرنتاوي يكتب مجلس رام الله المركزي: خطوة للوراء تستدعي خطوة للأمام
كتب عريب الرنتاوي لولا بعض فضول اجتاح أوساطًا سياسية وشعبية فلسطينية، لمعرفة هُوية من سيصبح 'رجلًا ثانيًا' في منظمة التحرير، لما تابعت هذه الأوساط مجريات ووقائع أعمال الدورة الحالية للمجلس المركزي للمنظمة، ولولا تلك الكلمات التي صدرت عن الرئيس الفلسطيني في حقّ 'حماس'، لما اهتم أحدٌ بخطابه الافتتاحي في الدورة المذكورة. صورة المنظمة والقيادة الفلسطينيتَين، في أذهان الشعب، محمّلة بالشكوك والاتهامات وانعدام الثقة واليقين، تلكم ليست تقديراتنا، تلكم خلاصة عشرات استطلاعات الرأي العام التي أُجريت قبل 'طوفان الأقصى'، وبالأخص بعده. في السياق الدعوة لتفعيلِ منظمة التحرير؛ بعثِها وإحيائِها، ودمقرطتها، صدرت بلسان مبين، عن كل فلسطيني وفلسطينية، استشعر أو استشعرت، خطورة المرحلة وجسامة التحديات الراهنة. لكن هذه الدعوات والمبادرات، التي انخرطت بها أوساط رسمية عربية: (الدوحة، والجزائر، والقاهرة)، ودولية نافذة: (موسكو، وبكين)، ذهبت أدراج الرياح، وظلت صيحات في وادٍ سحيق، لم تقابل إلا بإعلاء جدران الصدّ والتعطيل، من قبل قيادة استمرأت الاستئثار والتفرد، ولم تفكر للحظة واحدة، في إجراء المراجعات المطلوبة، والتخلّي عن الرهانات الخائبة، حتى حين اقتربت نيران الاستيطان والمستوطنين، وهمجية اليمين الفاشي المتحكّم بتلابيب القرار في تل أبيب، من ثيابها إذن، لم تأتِ الدعوة لانعقاد المجلس في سياق الاستجابة لضرورات 'ترتيب البيت الفلسطيني'، وترميم ما أصابه من شقوق وتصدّعات، كما تقول 'ماكينة الدعاية' في رام الله، بل في سياق آخر، مغاير تمامًا. لقد كان واضحًا، أن انعقاد المجلس المركزي الذي اغتصب سلطات أعلى سلطة لدى الشعب الفلسطيني: المجلس الوطني، وصار ينوب عنه، فيما يعنيه وما لا يندرج في إطار صلاحياته، قد جاء فاقدًا لـ'نصابه السياسي'، حتى وإن توفر على نصاب قانوني 'شرعي' ظاهريًا. المجلس انعقد في غياب فصائل المقاومة الأساسية، لم تدعَ حماس إليه، وهي غير ممثلة فيه على أية حال، وكذا الحال بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي، والمجلس انعقد بمقاطعة رسمية معلنة من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمبادرة الوطنية.. مع أن المجلس وضع في صدارة أهدافه، ترتيب البيت الداخلي، والرئيس الذي وصف فصيلًا فلسطينيًا أساسيًا بأقذع الأوصاف، وأكثرها ابتذالًا، هو ذاته الذي زعم أنه وجّه لجنته التنفيذية، للبحث في سبل استعادة الوحدة وترتيب البيت الداخلي. على أية حال، لم يعُد خافيًا على أحد، أن انعقاد المجلس بعد تسعة عشر شهرًا على حرب التطويق والتطهير والإبادة، لم يأتِ في سياق فلسطيني وطني داخلي، يُعنى بِجَبْهِ التحديات والارتقاء إلى مستوى الكارثة والبطولة التي يسطر أهل غزة ومقاومتها، بدمهم الغزير، فصولها وصفحاتها يوميًا، وإنما جاء في سياق التكيف مع إملاءات الخارج، الرامية إلى إعادة تكييف وتأهيل السلطة والمنظمة، للتساوق مع شروط 'اليوم التالي' ومندرجاته. من هنا يمكن تفسير مشاعر الريبة والشك، التي ميّزت نظرة الشعب والفصائل لهذا الحدث، الذي بدا هزيلًا ولا يليق باللحظة الفلسطينية، وما تستبطنه من مخاطر وتحديات جسام. في السياسة أما في السياسة، فكان مؤسفًا هذا الإسفافُ في لغة التخاطب مع مكونات الشعب الفلسطيني وكياناته، وهو أمر غير مسبوق، أو نادر على أقل تقدير، في التجربة الفلسطينية، على أن الإسفاف في اللفظ وحده، لا يختصر المسألة، ولا يقلل من دلالة رسائلها. فالقول بأن قضية 'الرهائن' هي ذريعة إسرائيل للمضي في حرب التطهير والإبادة، مردود على أصحابه تمامًا، بدلالة ما قاله بتسلئيل سموتريتش قبل يوم واحد فقط من انعقاد المجلس المركزي، حين باح بأن تحرير هؤلاء ليس في صدارة أولويات الحرب على غزة، وإنما تدمير حماس وتهجير أهل القطاع، وبسط السيادة الإسرائيلية على الشريط، وبناء مدن استيطانية تكفل غلق هذا الملف، مرة واحدة وإلى الأبد. وإذا كانت قضية الرهائن، أو الأسرى والمحتجزين، والحاجة لـ'تحريرهم' هي 'ذريعة إسرائيل للمضي في حرب الإبادة العرقية، فما هي ذريعتها، وهي تنكل بالضفة الغربية، وتستبيحها طولًا وعرضًا؟! ما هي ذريعتها، وهي تخضع قيادة السلطة، بمن فيها الرئيس شخصيًا ورئيسُ حكومته ووزراؤُه، لأكثر الإجراءات إذلالًا عند الحركة والتنقل، داخل الضفة والقدس، ومنها إلى الخارج؟ ما هي ذريعة إسرائيل وهي تمضي بأقصى سرعة، في عمليات القضم الزاحف للأرض والحقوق والمقدسات الفلسطينية؟ ما هي ذريعتها وهي تسطو على أموال المقاصة، وتفرض تجويعًا حتى على العاملين في أجهزة السلطة ودوائرها؟ ولماذا يتطوّع فلسطينيون في مواقع المسؤولية، وهنا الحديث عن رأس السلطة، لتسويق وتسويغ الرواية الإسرائيلية، في الوقت الذي يتفلت فيه قادة إسرائيل، من المستويين؛ الأمني والسياسي، للكشف عن 'الذرائع المختلقة' التي 'فبركها' نتنياهو وأركان حكومته، للمضي في هذه الحرب، ولتعطيل التوصل إلى اتفاقات لإنهائها، وتبرير التنصل من الاتفاقات حال إبرامها. ألم تَتَناهَ إلى رام الله، اعترافاتُ يوآف غالانت الأخيرة عن 'أنفاق فيلادلفيا' المزعومة، وشهادات رونين بار عمّا كان تفعله الحكومة لإطالة أمد الحرب وتدمير كل فرصة لإنهائها، ومِن خلف الرجلين- بما يمثلان- رهطٌ من كبار المسؤولين ورؤساء الحكومات السابقين، وزعماء المعارضة، الذين ما انفكوا يلقون باللائمة عن استمرار الحرب، على نتنياهو وحكومة اليمين الفاشي. من هنا، حقَّ للفلسطينيين أن ينظروا بعين الريبة والشك لهذا الاجتماع، المحسومة نتائجه سلفًا، فهو لم ينعقد أصلًا، إلا في سياق 'هندسات اليوم التالي'، لطي صفحة المقاومة، وفتح صفحة التساوق مع مخرجات الحل الإسرائيلي المدعوم أميركيًا: ألم يقل ترامب قبل يومين فقط، إنه ونتنياهو يقرآن من الصفحة ذاتها! أما حكاية إصلاح المنظمة، وتجديد دمائها، وتغيير قادة أجهزتها، وانتخاب 'نائب للرئيس'، فتلكم بضاعة لم تعد تجد من يشتريها، لا من الفلسطينيين، ولا من أصدقائهم والعارفين بدهاليز تركيباتهم الداخلية. لم يبقَ فلسطيني واحد، إلا وطالب السلطة والرئاسة باختيار 'نائب للرئيس'، لا سيما مع تمادي الرئيس في الكِبَر، ولطالما كانت نتائج هذه المطالبات، وبالًا على المطالبين بها. اليوم، تستيقظ الرئاسة على الحاجة لترسيم موقع 'الرجل الثاني'، وهي حاجة (والأصح: إملاء) تأتي كمتطلب خارجي مشروط بأن يحتل هذا الموقع، من هو أكثر تساوقًا مع معطيات الهيمنة الإسرائيلية – الأميركية المنفلتة من كل عقال، ودائمًا لضمان وجود 'خاتم' فلسطيني على أية صفقة أو تسوية، تكتيكية كانت في سياق ما بعد الحرب على غزة، أو إستراتيجية تتصل بمستقبل القضية والمشروع الوطنيَين الفلسطينيَين. ليس هذا ما طالب به الفلسطينيون لسنوات طويلة، تلكم إملاءات عواصم دولية، منخرطة في مشروع إعادة تشكيل و'هندسة' الشرق الأوسط، وفي القلب منه، فلسطين. خطوة للوراء.. خطوة للأمام وبدل أن يكون انعقاد المجلس بعد طول تغييب، سببًا يدفع للتفاؤل بإمكانية استرداد العافية للمنظومة السياسية الفلسطينية، وتوحيدها بعد إصلاحها وبعثها، جاء انعقاد المجلس ليعمق الانقسام، ويزيد من حدة وخطورة الشرخ، لا سيما في ضوء المواقف الناضحة بكل مشاعر العداء لقسم لا يستهان به من فصائل العمل الوطني، ذات النفوذ والشعبية الوازنتين. وبات واضحًا لكل أعمى وبصير، أننا أمام خطوة للوراء، وأن ملف المصالحة قد طُوي تمامًا، وأن الرهانات على عودة الوعي ويقظة الضمير الوطني، قد خابت وطاشت سهامها. لم يعد المجلس المركزي، تجسيدًا للتعددية الفلسطينية، السياسية والاجتماعية والجغرافية والثقافية، بل صار أداة مطواعة لفريق متنفذ، يُستدعى 'عند الطلب'، وغالبًا لتمرير وتشريع قرارات وسياسات محفوفة بالالتباسات والشبهات. فقد المجلس صفته التمثيلية الجامعة، وتحوّل إلى غطاء تحتمي به 'ترويكا' القرار في رام الله، بمعزل عن بقية فصائل العمل الوطني، وعن جزء كبير من فتح ذاتها، دع عنك القوى الحيّة من شعب فلسطين، من خارج فصائله وقواه المنظمة. ولهذه الأسباب مجتمعة، بات الفلسطينيون يتحسبون لاجتماعاته ويتوجسون من دوافع الدعوات لانعقاده، بدل أن يستعجلوا انعقاده المنتظم أو الطارئ. تُبقي هذه التطورات الباب مفتوحًا لخيار وحيد، سيشكل إن تم، خطوة للأمام: المضي قدمًا على طريق تشكيل أوسع ائتلاف وطني فلسطيني، في إطار جبهة وطنية متحدة، تضم فصائل المقاومة وألوف الشخصيات الوطنية والحراكات الشبابية والمبادرات المجتمعية، ذودًا عن منظمة التحرير، وبهدف استردادها وتحريرها من أيدي خاطفيها. يبقى الخيار المتاح، الكفّ عن طرق الأبواب الموصدة بإحكام، والعمل على تفتيح أبواب وقنوات التواصل والتفاعل بين القوى الحيّة والفاعلة في الشعب الفلسطيني، من أجل منع مزيد من الانهيارات في جدران الموقف الوطني الفلسطيني، واستنقاذ ما يمكن إنقاذه من منظومة 'الممثل الشرعي الوحيد'، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي لم يواجه يومًا، مخاطر التصفية، مثلما يواجه الآن، وبانخراط


إيطاليا تلغراف
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
مجلس رام الله المركزي: خطوة للوراء تستدعي خطوة للأمام
إيطاليا تلغراف عريب الرنتاوي كاتب ومحلل سياسي أردني لولا بعض فضول اجتاح أوساطًا سياسية وشعبية فلسطينية، لمعرفة هُوية من سيصبح 'رجلًا ثانيًا' في منظمة التحرير، لما تابعت هذه الأوساط مجريات ووقائع أعمال الدورة الحالية للمجلس المركزي للمنظمة، ولولا تلك الكلمات التي صدرت عن الرئيس الفلسطيني في حقّ 'حماس'، لما اهتم أحدٌ بخطابه الافتتاحي في الدورة المذكورة. صورة المنظمة والقيادة الفلسطينيتَين، في أذهان الشعب، محمّلة بالشكوك والاتهامات وانعدام الثقة واليقين، تلكم ليست تقديراتنا، تلكم خلاصة عشرات استطلاعات الرأي العام التي أُجريت قبل 'طوفان الأقصى'، وبالأخص بعده. في السياق الدعوة لتفعيلِ منظمة التحرير؛ بعثِها وإحيائِها، ودمقرطتها، صدرت بلسان مبين، عن كل فلسطيني وفلسطينية، استشعر أو استشعرت، خطورة المرحلة وجسامة التحديات الراهنة. لكن هذه الدعوات والمبادرات، التي انخرطت بها أوساط رسمية عربية: (الدوحة، والجزائر، والقاهرة)، ودولية نافذة: (موسكو، وبكين)، ذهبت أدراج الرياح، وظلت صيحات في وادٍ سحيق، لم تقابل إلا بإعلاء جدران الصدّ والتعطيل، من قبل قيادة استمرأت الاستئثار والتفرد، ولم تفكر للحظة واحدة، في إجراء المراجعات المطلوبة، والتخلّي عن الرهانات الخائبة، حتى حين اقتربت نيران الاستيطان والمستوطنين، وهمجية اليمين الفاشي المتحكّم بتلابيب القرار في تل أبيب، من ثيابها. إذن، لم تأتِ الدعوة لانعقاد المجلس في سياق الاستجابة لضرورات 'ترتيب البيت الفلسطيني'، وترميم ما أصابه من شقوق وتصدّعات، كما تقول 'ماكينة الدعاية' في رام الله، بل في سياق آخر، مغاير تمامًا. لقد كان واضحًا، أن انعقاد المجلس المركزي الذي اغتصب سلطات أعلى سلطة لدى الشعب الفلسطيني: المجلس الوطني، وصار ينوب عنه، فيما يعنيه وما لا يندرج في إطار صلاحياته، قد جاء فاقدًا لـ'نصابه السياسي'، حتى وإن توفر على نصاب قانوني 'شرعي' ظاهريًا. المجلس انعقد في غياب فصائل المقاومة الأساسية، لم تدعَ حماس إليه، وهي غير ممثلة فيه على أية حال، وكذا الحال بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي، والمجلس انعقد بمقاطعة رسمية معلنة من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمبادرة الوطنية.. مع أن المجلس وضع في صدارة أهدافه، ترتيب البيت الداخلي، والرئيس الذي وصف فصيلًا فلسطينيًا أساسيًا بأقذع الأوصاف، وأكثرها ابتذالًا، هو ذاته الذي زعم أنه وجّه لجنته التنفيذية، للبحث في سبل استعادة الوحدة وترتيب البيت الداخلي. على أية حال، لم يعُد خافيًا على أحد، أن انعقاد المجلس بعد تسعة عشر شهرًا على حرب التطويق والتطهير والإبادة، لم يأتِ في سياق فلسطيني وطني داخلي، يُعنى بِجَبْهِ التحديات والارتقاء إلى مستوى الكارثة والبطولة التي يسطر أهل غزة ومقاومتها، بدمهم الغزير، فصولها وصفحاتها يوميًا، وإنما جاء في سياق التكيف مع إملاءات الخارج، الرامية إلى إعادة تكييف وتأهيل السلطة والمنظمة، للتساوق مع شروط 'اليوم التالي' ومندرجاته. من هنا يمكن تفسير مشاعر الريبة والشك، التي ميّزت نظرة الشعب والفصائل لهذا الحدث، الذي بدا هزيلًا ولا يليق باللحظة الفلسطينية، وما تستبطنه من مخاطر وتحديات جسام. في السياسة أما في السياسة، فكان مؤسفًا هذا الإسفافُ في لغة التخاطب مع مكونات الشعب الفلسطيني وكياناته، وهو أمر غير مسبوق، أو نادر على أقل تقدير، في التجربة الفلسطينية، على أن الإسفاف في اللفظ وحده، لا يختصر المسألة، ولا يقلل من دلالة رسائلها. فالقول بأن قضية 'الرهائن' هي ذريعة إسرائيل للمضي في حرب التطهير والإبادة، مردود على أصحابه تمامًا، بدلالة ما قاله بتسلئيل سموتريتش قبل يوم واحد فقط من انعقاد المجلس المركزي، حين باح بأن تحرير هؤلاء ليس في صدارة أولويات الحرب على غزة، وإنما تدمير حماس وتهجير أهل القطاع، وبسط السيادة الإسرائيلية على الشريط، وبناء مدن استيطانية تكفل غلق هذا الملف، مرة واحدة وإلى الأبد. وإذا كانت قضية الرهائن، أو الأسرى والمحتجزين، والحاجة لـ'تحريرهم' هي 'ذريعة إسرائيل للمضي في حرب الإبادة العرقية، فما هي ذريعتها، وهي تنكل بالضفة الغربية، وتستبيحها طولًا وعرضًا؟! ما هي ذريعتها، وهي تخضع قيادة السلطة، بمن فيها الرئيس شخصيًا ورئيسُ حكومته ووزراؤُه، لأكثر الإجراءات إذلالًا عند الحركة والتنقل، داخل الضفة والقدس، ومنها إلى الخارج؟ ما هي ذريعة إسرائيل وهي تمضي بأقصى سرعة، في عمليات القضم الزاحف للأرض والحقوق والمقدسات الفلسطينية؟ ما هي ذريعتها وهي تسطو على أموال المقاصة، وتفرض تجويعًا حتى على العاملين في أجهزة السلطة ودوائرها؟ ولماذا يتطوّع فلسطينيون في مواقع المسؤولية، وهنا الحديث عن رأس السلطة، لتسويق وتسويغ الرواية الإسرائيلية، في الوقت الذي يتفلت فيه قادة إسرائيل، من المستويين؛ الأمني والسياسي، للكشف عن 'الذرائع المختلقة' التي 'فبركها' نتنياهو وأركان حكومته، للمضي في هذه الحرب، ولتعطيل التوصل إلى اتفاقات لإنهائها، وتبرير التنصل من الاتفاقات حال إبرامها. ألم تَتَناهَ إلى رام الله، اعترافاتُ يوآف غالانت الأخيرة عن 'أنفاق فيلادلفيا' المزعومة، وشهادات رونين بار عمّا كان تفعله الحكومة لإطالة أمد الحرب وتدمير كل فرصة لإنهائها، ومِن خلف الرجلين- بما يمثلان- رهطٌ من كبار المسؤولين ورؤساء الحكومات السابقين، وزعماء المعارضة، الذين ما انفكوا يلقون باللائمة عن استمرار الحرب، على نتنياهو وحكومة اليمين الفاشي. من هنا، حقَّ للفلسطينيين أن ينظروا بعين الريبة والشك لهذا الاجتماع، المحسومة نتائجه سلفًا، فهو لم ينعقد أصلًا، إلا في سياق 'هندسات اليوم التالي'، لطي صفحة المقاومة، وفتح صفحة التساوق مع مخرجات الحل الإسرائيلي المدعوم أميركيًا: ألم يقل ترامب قبل يومين فقط، إنه ونتنياهو يقرآن من الصفحة ذاتها! أما حكاية إصلاح المنظمة، وتجديد دمائها، وتغيير قادة أجهزتها، وانتخاب 'نائب للرئيس'، فتلكم بضاعة لم تعد تجد من يشتريها، لا من الفلسطينيين، ولا من أصدقائهم والعارفين بدهاليز تركيباتهم الداخلية. لم يبقَ فلسطيني واحد، إلا وطالب السلطة والرئاسة باختيار 'نائب للرئيس'، لا سيما مع تمادي الرئيس في الكِبَر، ولطالما كانت نتائج هذه المطالبات، وبالًا على المطالبين بها. اليوم، تستيقظ الرئاسة على الحاجة لترسيم موقع 'الرجل الثاني'، وهي حاجة (والأصح: إملاء) تأتي كمتطلب خارجي مشروط بأن يحتل هذا الموقع، من هو أكثر تساوقًا مع معطيات الهيمنة الإسرائيلية – الأميركية المنفلتة من كل عقال، ودائمًا لضمان وجود 'خاتم' فلسطيني على أية صفقة أو تسوية، تكتيكية كانت في سياق ما بعد الحرب على غزة، أو إستراتيجية تتصل بمستقبل القضية والمشروع الوطنيَين الفلسطينيَين. ليس هذا ما طالب به الفلسطينيون لسنوات طويلة، تلكم إملاءات عواصم دولية، منخرطة في مشروع إعادة تشكيل و'هندسة' الشرق الأوسط، وفي القلب منه، فلسطين. خطوة للوراء.. خطوة للأمام وبدل أن يكون انعقاد المجلس بعد طول تغييب، سببًا يدفع للتفاؤل بإمكانية استرداد العافية للمنظومة السياسية الفلسطينية، وتوحيدها بعد إصلاحها وبعثها، جاء انعقاد المجلس ليعمق الانقسام، ويزيد من حدة وخطورة الشرخ، لا سيما في ضوء المواقف الناضحة بكل مشاعر العداء لقسم لا يستهان به من فصائل العمل الوطني، ذات النفوذ والشعبية الوازنتين. وبات واضحًا لكل أعمى وبصير، أننا أمام خطوة للوراء، وأن ملف المصالحة قد طُوي تمامًا، وأن الرهانات على عودة الوعي ويقظة الضمير الوطني، قد خابت وطاشت سهامها. لم يعد المجلس المركزي، تجسيدًا للتعددية الفلسطينية، السياسية والاجتماعية والجغرافية والثقافية، بل صار أداة مطواعة لفريق متنفذ، يُستدعى 'عند الطلب'، وغالبًا لتمرير وتشريع قرارات وسياسات محفوفة بالالتباسات والشبهات. فقد المجلس صفته التمثيلية الجامعة، وتحوّل إلى غطاء تحتمي به 'ترويكا' القرار في رام الله، بمعزل عن بقية فصائل العمل الوطني، وعن جزء كبير من فتح ذاتها، دع عنك القوى الحيّة من شعب فلسطين، من خارج فصائله وقواه المنظمة. ولهذه الأسباب مجتمعة، بات الفلسطينيون يتحسبون لاجتماعاته ويتوجسون من دوافع الدعوات لانعقاده، بدل أن يستعجلوا انعقاده المنتظم أو الطارئ. تُبقي هذه التطورات الباب مفتوحًا لخيار وحيد، سيشكل إن تم، خطوة للأمام: المضي قدمًا على طريق تشكيل أوسع ائتلاف وطني فلسطيني، في إطار جبهة وطنية متحدة، تضم فصائل المقاومة وألوف الشخصيات الوطنية والحراكات الشبابية والمبادرات المجتمعية، ذودًا عن منظمة التحرير، وبهدف استردادها وتحريرها من أيدي خاطفيها. يبقى الخيار المتاح، الكفّ عن طرق الأبواب الموصدة بإحكام، والعمل على تفتيح أبواب وقنوات التواصل والتفاعل بين القوى الحيّة والفاعلة في الشعب الفلسطيني، من أجل منع مزيد من الانهيارات في جدران الموقف الوطني الفلسطيني، واستنقاذ ما يمكن إنقاذه من منظومة 'الممثل الشرعي الوحيد'، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي لم يواجه يومًا، مخاطر التصفية، مثلما يواجه الآن، وبانخراط مباشر وغير مباشر، من بعض الفلسطينيين وأبناء جلدتِهم.


جو 24
٠٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- جو 24
الحرب الأميركية على إيران إن اندلعت... هل يمكن تحويل الوضع السيئ إلى وضع حسن؟
جو 24 : كتب عريب الرنتاوي * سماء الخليج، وجواره، تبدو ملبّدةً بنذر حرب واسعة، لا نعرف متى ستبدأ، ولا كيف ستنتهي. واشنطن وطهران على سكة صدام، قد يكون وشيكاً، وعمليات بناء "الأصول الحربية" الأميركية تجري على قدم وساق، ودائماً على نحو يضمن إبقاء إيران في مرمى النيران. وبينما ترجّح تقديرات لخبراء ومراقبين "خِيارَ الجحيم"، الذي يُشهره ترامب يُمنةً ويسرة، فإن أصحاب هذه الترجيحات يُبقون الباب مفتوحاً للدبلوماسية وما قد تجترحه من "معجزات". هو، إذاً، سباق الحرب والدبلوماسية، يجري في ظروف غير مواتية لطهران، وفي مناخات تفشّي "العربدة" و"التنمر" و"نزعات الهيمنة" على نظام عالمي يُعاد تشكيله بسرعة فائقة، تحت وقع الضربات الأميركية المتلاحقة؛ نظام قائم على "الجشع" و"التوحش"، ولا مطرح فيه لقانون دولي ولا لأمم متحدة وميثاقها ومنظماتها؛ نظام يُراد به وضعُ الولايات المتحدة على قمة الهرم القيادي العالمي، وتثبيتها سطوتها وهيمنتها، وكنتيجة ثانية لذلك، وضع "إسرائيل" في موقع المهيمن على "المشرق الكبير"، الممتد من قزوين إلى ضفاف المتوسط، مروراً بوادي النيل والهضبة التركية. مهمة الدبلوماسية في سعيها اللاهث لمنع الحرب، أن تجسر الفجوة، بين حدّ أقصى أميركي، يريد اتفاقاً مع طهران على غير الأسس التي قام عليها اتفاق فيينا (2015)، وحدٍّ أدنى إيراني، يصعب الهبوط عنه. وهنا لم يعد الأمر محصوراً في تقييد البرنامج النووي الإيراني، بل في تفكيكه، ولم تعد المفاوضات مقتصرة على هذا البرنامج، بل تتخطاه إلى البرنامج الصاروخي و"دور إيران المزعزع للاستقرار" في المنطقة، ومصير ما تعدّه واشنطن "أذرعاً إيرانية"، في فلسطين ولبنان والعراق واليمن. لا نعرف، حتى الآن، إن كانت المطالب الأميركية، هي فعلاً ما تريده إدارة ترامب وتتمسك به، أم أنها "مدخل تفاوضي/فتحة عداد" لمسار تفاوضي، ستتخلى في سياقاته عن بعضٍ منها، لكننا ندري، أتم الدراية، أن طهران، إن قبلت هذه المطالب، فستكون أجهزت، بنفسها، على عصب استثماراتها طوال العقود الخمسة الماضية، وأضاعت "درة تاج" إنجازات ثورتها الإسلامية، وباتت مكشوفة الظهر، لخصوم الداخل وأعداء الخارج. سيكون النظام "قامر" بوجوده واستقراره وبقائه، إن هو بلغ في مفاوضاته مع الجانب الأميركي، ما دون سقف اتفاق فيينا، بل وما دونه بكثير، كما هو مطلوب أميركياً. الدبلوماسية، بهذا المعنى، في حاجة إلى اجتراح "معجزة" في زمن انقطعت فيه معجزات السماء، ولاسيما بوجود "صقور" متحفزة للانقضاض على إيران، تعتقد أن لديها "ثارات" قديمة – جديدة يتعين الأخذ بها مع الجمهورية الإسلامية، في واشنطن ومراكز صنع القرار فيها، وخصوصاً في "تل أبيب"، تحت قيادة اليمين الفاشي، ولاسيما أن "ضرب إيران" من القضايا القليلة، التي ما زالت موضع إجماع في "إسرائيل"، يشمل المعارضة بتلاوينها المتعددة، والائتلاف الحاكم، الذي تفوح منه الروائح النتنة للفاشية والعنصرية والإبادة والتطهير. ونقول إن طهران تواجه "سيناريو الجحيم" في ظروف غير مواتية، لأنها فقدت، أو تكاد تفقد، خطوط دفاعها المتقدمة الأولى، ولاسيما على ضفاف المتوسط، وعلى مقربة من الخليج، بعد التداعيات التي لحقت بـ"محورها" و"هلالها" و"ممرها البري" في إثر طوفان الأقصى وما تلاه. وأحسب أن من الخطل الاستمرار في التبشير بأن الإقليم سيشتعل إن شرعت واشنطن في حرب جديدة على إيران، وأن شرارات هذه الحرب ستحرق الأخضر واليابس، لا في إيران وحدها، بل في عموم المنطقة أيضاً. قد تندلع الحرب في أسابيع أو أشهر قليلة مقبلة، وقد لا تندلع، مع أن الكفة ترجح لمصلحة اندلاعها، لكن الإقليم لن يشتعل، ولن ينفجر، فليس ثمة في بلدان الإقليم وساحاته من هو متملك فتيل التفجير، أو قادرٌ على إشعاله، بعد الإنهاك المنهجي المنظم، المتدرج والمتعاقب، لحلقات المحور وأطرافه، وفي مناخات العربدة والاستباحة الإسرائيلية، وفي أجواء "الذعر" التي تجتاح العالم من جرّاء انفلات الثور الأميركي الهائج من كل عقال، أخلاقي أو قانوني، وميله الجارف إلى الهيمنة الاستعمارية، وفق المقاييس والمعايير للقرن التاسع عشر، وليس القرن الحادي والعشرين. لا يعني ذلك أنه لن تكون هناك تداعيات وعواقب لهذه الحرب، أو لما سبقها من حروب، في المديين المتوسط والبعيد، ذلك سيحدث، وسيحدث حتماً، بفعل قوانين "الاحتلال والمقاومة" و"الاستعمار والتحرر الوطني"، و"الاستبداد والحرية"، لكنه يتعين على الأفرقاء، من أبناء هذه المنطقة بالذات، التفريق بين ما هو راهن، بكل الشروط التي تكبله وتشكله، وبين ما هو مستقبلي، بكل ما يحمله من فرص وتحديات. عليهم التفريق بين السياسة والنبوءة. في السياسة، لا يبدو أن إيران ستجد عوناً جدياً من أطراف فاعلة على الأرض. أما في عوالم الاستشراف والتنبؤات، فإن هذا الإقليم لن يعرف الاستقرار لأجيال وعقود مقبلة، ولن يرفع الراية البيضاء للاستعلاء والغطرسة والهيمنة، مهما طال الزمن، وغلت التضحيات. إذاً، دعونا من "حكاية" انفجار الإقليم واشتعاله، فتلكم مقولة لم تعد كافية لاستدرار مزيدٍ من "الأدرينالين" في عروق الحلف غير المقدس، بين صهيونية فاشية وإمبريالية متوحشة وفساد واستبداد مستكينَين إلى حدّ التخاذل والتواطؤ. يعني ذلك أن على طهران أن تُجري حساباتها، في الميدان كما إلى موائد التفاوض، بأنها ستخوض المواجهة وحيدةً، كما يفعلها أنصار الله الحوثيون، هذه الأيام بصعوبة فائقة، وهي إن نجحت في "تحييد" بلدان عربية عن المشاركة في الحرب، أو إقناعها بـ"عدم السماح" لواشنطن، بالفعل لا بالقول فقط، باستخدام أراضيها وأجوائها وقواعدها، للانقضاض عليها، فسيكون ذلك بمنزلة نجاح كبير للدبلوماسية الإيرانية. ولأن الشيء بالشيء يُذكَر، فإن واشنطن هي التي قصدت أن تُضمّن هجماتها على اليمن رسائل ودروساً لمن يهمهم الأمر. فهي أرادت أن تُرِي إيران، لا أن تُسمعها، كيف ستكون الحال إن اندلعت الحرب. وهي تسعى لبتر آخر "ذراع" نشطة ومؤثّرة من "أذرع الأخطبوط" الإيراني، على حدّ تعبيرها. وهي تختبر، بالنار، عجز الحلفاء عن مدّ يد العون إلى صنعاء. وهي، وإن أقصت "إسرائيل" عن الفعل الميداني المباشر ضد اليمن، فإنها لا تُخفي أن "تل أبيب" كانت مصدراً مهماً لـ"داتا المعلومات" و"بنك الأهداف". يرجّح ذلك سيناريو ذهاب واشنطن منفردةً إلى حربٍ مع إيران، من دون "إسرائيل"، وأنها قد تكتفي باستخدام "مخزون استخباراتها عن إيران، ويبدو أنه مخزون "ثقيل"، ودلّلت تجربة الأعوام الفائتة على أنه لا يجوز الاستخفاف فيه، في حال من الأحوال. إسرائيل "توّاقة" إلى المشاركة في استهداف المنشآت النووية الإيرانية، وهي تقدمها على منشآت الغاز والطاقة، وهي ستظل "تتفلّت" ليكون لها "نصيب" في هذه العملية. وربما تنسحب الحال على لندن، شريكة واشنطن التاريخية، في جميع المهمّات القذرة في الشرق الأوسط الكبير، وغيره من بقاع العالم. وأياً كانت نتائج السباق بين الحرب والدبلوماسية، فإن إيران ستكتشف، إن لم تكن قد اكتشفت الآن، أنها تتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية عمّا آلت إليه معادلات القوة وتوازناتها. فلا "الصبر الاستراتيجي" نجح، هذه المرة، في تأمين الغلبة لها ولحلفائها زمن الطوفان والإسناد، ولا "العقيدة النووية" القاضية بـ"تحريم القنبلة" شكلت سدّاً في وجه الشهية الأميركية – الإسرائيلية المفتوحة إلى الهيمنة والتوسع. "التردد" في إدارة كِلا الملفين وضع إيران في موقع غير مواتٍ، في الميدان كما في غرفة التفاوض. لا يعني ذلك أن إيران فقدت جميع أوراقها، وباتت لقمة سائغة لواشنطن و"تل أبيب". طبيعة الردّ الإيراني على أي ضربة أميركية كفيلة باستحداث فارق كبير. وفي ظني أن استراتيجية ردّ مركزة وكثيفة، فورية وغير مترددة، ضد أهداف استراتيجية إسرائيلية، كفيلة باستحداث انقلاب في المشهد الإقليمي. أما التلهي بمطاردة أشباح الأساطيل والقواعد الأميركية المتناثرة هنا وهناك، أو ربما استهداف دول مجاورة، خليجية في الأساس، فقد يأتي بمردود معاكس. ستكسب إيران معركة العقول والقلوب إن اهتزت المنشآت الاستراتيجية الإسرائيلية على وقع صواريخها، وستضغط على "يد واشنطن المجروحة" إن هي فعلت ذلك، وسيصبح في الإمكان تحويل الوضع السيئ إلى وضع حسن. وبخلافه، لن يرف جفنٌ لواشنطن، حتى إن اهتزت مدنٌ خليجية أو تناثرت الصواريخ في طول المحيط والخليج وعرضهما. ستهتزّ واشنطن والاقتصاد العالمي، إن أغلقت طهران مضيق هرمز، وليس باب المندب فقط، وستُصاب مشاريع ترامب، التي عبّر عنها "يوم التحرير" و"الاستقلال الاقتصادي"، في مقتل. إن اندلعت الحرب، فلن تتوقف عند ضرب البرنامجين النووي والصاروخي، ولا عند تقليم أظافر حلفاء طهران ومخالبهم. الحرب، بتداعياتها، لن تقف إلا في حالة انقلاب تامة على النظام والجمهورية الإسلامية. إيران تأمل اشتعال الإقليم، وواشنطن تخطّط إشعال الداخل الإيراني. وبين هذين السيناريوهين، تبدو مقولات، من نوع "الصبر الاستراتيجي"، أو "التدرج وضبط النفس"، مفرَغة من أي معنى، وعواقبها وخيمة على أصحابها. * مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية تابعو الأردن 24 على


وطنا نيوز
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- وطنا نيوز
كيف ستواجه إيران البلدوزر الأميركي؟
عريب الرنتاوي تقترب العلاقات الأميركية – الإيرانية من لحظة الحقيقة، البلدان في مسار تصادمي، وحرب الاتهامات والتهديدات تبلغ ذروة غير مسبوقة، والتقديرات بشأن مآلات هذه العلاقات، تراوح ما بين اتفاق جديد، يخصم من رصيد إيران في اتفاق فيينا 2015، و'سيناريو الجحيم' الذي وعد به دونالد ترامب، القيادة الإيرانية، مرورًا بمروحة من الخيارات التي قد تزاوج ما بين الاحتمالَين. ليست الحرب على إيران، قدرًا لا رادّ له، لكن من 'الحماقة' استبعاد احتمالاتها الراجحة وفقًا لمراقبين كثر. ولا يستند هذا التقدير إلى ما يقوم به البنتاغون من تجهيز و'بناء القوة اللازمة'، بل من سياق تَفَاقم في عامي 'الطوفان'، وسط رجحان كفّة فريق متحمس للحرب، يتمتع بمواقع نفوذ في واشنطن وتل أبيب على حدٍ سواء، حيث تُستحضر بقوة هذه الأيام، نظرية نفتالي بينيت القائلة بأولوية ضرب رأس الأُخطبوط وعدم الاكتفاء بتقطيع أذرعه المتعددة والممتدة. ركام التصريحات الأميركية، وبعضها قد يناقض الآخر، يشي بأن ثمة 'تباينًا' داخل هذه الإدارة، ولا أقول انقسامًا، بين من يريد إعطاء الدبلوماسية فرصة إضافية، مصحوبة بـ'أقصى الضغوط'، ومن يريد الانتقال مباشرة، إلى آخر العلاج، 'الكيّ بالنار': أحاديث عن عقوبات إضافية وتجفيف موارد وخنق اقتصادي، مصحوبة بتكثيف قنوات التفاوض 'غير المباشر'، وربما المباشر، الله أعلم، مقابل تجييش وتحشيد عناصر القوة الصلبة، من حاملات وقاذفات وقنابل عملاقة، يجري استنفارها لليوم الموعود، حين يقرّر ترامب، فتح أبواب جهنّم على إيران وقيادتها. وفي حين يراهن مراقبون، وأوساط سياسية إقليمية ودولية، على أنّ 'التلويح بالجحيم'، ليس سوى تكتيك تفاوضي، وشكل من أشكال التباحث تحت النار، باعتبار أنّ إدارة ترامب، لا تريد حروبًا، وأن الرجل جاء إلى البيت الأبيض بوعد صنع 'سلام القوة'، يرى آخرون، أن طوفان التوحّش والحرب الاقتصادية، الذي أطلقته الإدارة، وانجرفت إليه على كل الجبهات، ومع الأصدقاء قبل الأعداء، يجعل من الصعب استبعاد سيناريو الانفجار، فالحد الأدنى مما تريده واشنطن، قد لا يلتقي مع الحد الأقصى من التنازلات التي ترغب القيادة الإيرانية بتقديمها، أو بالأحرى، تقوى على تقديمها. ذروتا الضعف والتوحّش تخوض إيران غمار هذا الاشتباك المحتدم، مع واشنطن، وهي في ذروة ضعف، لم تبلغها منذ ربع قرن، إن لم نقل منذ انتصار ثورتها الإسلامية، ذلك أن 'الطوفان' وما بعده، قد أجهز على كثير من أوراق القوة التي بنتها بصبر وتكلفة، طيلة أزيد من عشرين عامًا، وانتهت بتحويل الإقليم الممتد من قزوين حتى شرق المتوسط، 'مجالًا حيويًا' لنفوذها ودورها الإقليمي، ووفرت لها فرصة نادرة للدفاع والهجوم، ذودًا عن مصالحها القومية، أو تضخيمًا لها، خارج حدودها، وعلى أرض ليست أرضها. حروب وكالة وأصالة، خاضتها بأدوات غير إيرانية، وكانت حتى الأمس القريب، تحتل مكانة متميزة في حسابات القوى وقواعد الاشتباك ونظرية 'الردع المتبادل'. كل هذا انتهى، أو اقترب من نقطة النهاية بعد الطوفان، فلا حزب الله ظل كابوسًا يؤرّق مضاجع إسرائيل، ولا سوريا حافظت على موقع 'درة تاج' المحور و'الهلال الشيعي'، وحماس والمقاومة الفلسطينية في وضعية 'إنقاذ ما يمكن إنقاذه'، والحوثي يجد صعوبة في حماية مقدراته ورؤوس قادته، فيما العراق، يزحف شيئًا فشيئًا بعيدًا عن الدور الذي رسمته له، طهران وحلفاؤها المحليون. وثمة 'قراءة مبكّرة'، تقترح أن إيران ما كان لها أن تبلغ هذا الدرك من الانكماش والتراجع، لو أنها تصرفت في عام الطوفان الأول على نحو مغاير، ليثبت أن حصاد 'الصبر الإستراتيجي'، قد لا يأتي دائمًا لصالح 'الصابرين المحتسبين'، بل قد يرتدّ عليهم بـ'هزيمة إستراتيجية' من العيار الثقيل، ولتصحّ مقولة إن 'القرار الصائب' يفقد الكثير من صوابه، إن جاء متأخرًا، وبعد كثير من التردد (هذا إن جاء). وإليكم بعضًا مما يعتقد مراقبون – وبعضهم من بيئة المحور – أنها فرصٌ ضيّعتها إيران، لبناء ميزان ردع مع إسرائيل، كان بالإمكان تفاديها، ولم يعد ممكنًا استحضارُها من جديد. منها، إحجامها – أو عدم قدرتها – عن توجيه ردود رادعة لإسرائيل عندما ضربت قنصليتها في دمشق ومسّت عمقها في الداخل، وقتلت إسماعيل هنية في قلب المربع الحصين من عاصمتها، وبعد ذلك تتالت فصول 'ضبط النفس' و'الصبر الإستراتيجي' اللذين لم يقرآ في تل أبيب وواشنطن، إلا تعبيرًا عن 'الارتداع' والضعف واستمرار الرهانات الخائبة على قدرة 'الإصلاحيين' و'المعتدلين' الإيرانيين على تجنيب البلاد، ويلات الجشع والتوحش اللذين يضربان عميقًا في حكومة نتنياهو وإدارة ترامب. هنا نفتح قوسين للقول بأن الحاجة باتت ماسّة، لإعادة تقليب صفحات التحقيق في حادثة الهليكوبتر، التي أودت بحياة الرئيس رئيسي ووزير الخارجية حسين عبداللهيان، لا سيما في ضوء واقعة 'البيجر' واللاسلكي، التي ضربت حزب الله في مقتل، وكادت أن تفقده توازنه بالكامل. نقول ذلك ونحن نؤمن بأن التاريخ ليس مؤامرة، وإن كان حافلًا بالمؤامرات، خصوصًا أننا نعيش زمن 'الذكاء الاصطناعي' وحروب الجيل السادس و'السيبرانيات' متعددة الاستخدامات. ونضيف إلى ما سبق، أن إيران خاضت تجربة الطوفان، في ظل انقسامات وتباينات داخلية، وانشغالات في صراعات الإصلاحيين والمتشددين، فيما على الجبهة المقابلة، كان الموقف موحدًا وصلبًا، حيال كل ما يمس إيران وحلفاءها، يصحّ ذلك في زمن إدارة بايدن، وبات أكثر صحة مع هبوب رياح 'الترامبية' على مؤسسات صنع القرار في واشنطن، اختصم أعداء إيران حول كل شيء إلا على استهدافها، فقد كانوا موحّدين. ظل الخطاب الإيراني منقسمًا بين أصوات تدعو للتهدئة و'حفظ الذات'، و'عدم الانجرار'من جهة، وأخرى تتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور من جهة ثانية، لا الأولى فعلت فعلها في كبح الشهية العدوانية لإسرائيل وحليفتها، ولا الثانية، نجحت في إرساء قواعد ردع متبادل. مكّن التردد الإيراني إسرائيل والولايات المتحدة، من الانفراد بجبهة غزة وجبهات الإسناد الواحدة تلو الأخرى، سقط مفهوم 'وحدة الساحات' وحلّ محله مفهوم تعاقبها وتتاليها، الذي تطور وفقًا لمقتضيات الحرب والجبهات من الطرف الآخر، فكان لأصحابه ما أرادوا، بدءًا بغزة وليس انتهاء بلبنان، مرورًا بـ'انقلاب المشهد' في سوريا، وتبادل الأدوار في استهداف أنصار الله بين الحليفتين الإستراتيجيتين، وصولًا لوضع طهران في أضيق الزوايا. وحتى حين تأكد لإيران أن فتح جبهات الإسناد لم يوقف الزحف الهمجي على غزة ومقاومتها، وهو الهدف الذي من أجله، فُتِحَت الجبهات، اعتمدت طهران 'تكتيك إنقاذ ما يمكن إنقاذه'، بدل اللجوء إلى ما كان يراهن عليه بعضٌ من حلفائها: فتح الجبهات بكليّتها، وفي تزامنٍ وتوازٍ، لا لإزالة إسرائيل كما ظَنّ المفرطون في تفاؤلهم، بل أقله، للوصول إلى 'صفقة شاملة'، أكثر إنصافًا لفلسطين ولبنان، انطلاقًا من قراءة لطوفان الأقصى، لا بوصفه نهاية مطاف، بل جولة تتبعها جولات. ومن الآيات الأخرى الدالّة على هذا 'التردّد'، أداء إيران حيال برنامجها النووي، الذي يحظى اليوم بمكانة مركزية في التفكير الإستراتيجي الأميركي (قُلِ الإسرائيلي)، إذ بدا في سياقات 'الطوفان'، وبعد صدور أصوات في الكنيست والكونغرس، تطالب باستخدام 'النووي' ضد غزة، أن طهران بصدد مراجعة 'عقيدتها النووية'، وأنها قررت اجتياز 'العتبة' والدخول إلى نادي الردع النووي. وصدرت تصريحات عدة، عن وزير الخارجية عبداللهيان وخلفه عراقجي، وغيرهما، ساهمت في إشاعة الاعتقاد بأن طهران قررت حماية نفسها بامتلاك القنبلة، وكما قال عراقجي في آخر نسخة من الحوار العربي – الإيراني، بأن العقيدة المعمول بها منذ ربع قرن، لم تردع الأعداء، ولم ترفع العقوبات، ولم تدفع الغرب لتَخلِيَة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، بل ولم تُقنع أوساطًا نافذة فيه، بحق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي، بدورة تخصيب كاملة، تحت السيادة الإيرانية. خلقت هذه المواقف، انطباعًا لم تبدده مواقف مترددة صدرت عن فريق إيراني آخر، بأن طهران ستجري أول تفجير نووي قبل رحيل إدارة بايدن، وربما في الفترة 'الرخوة' بين إدارتين. لكن ذلك لم يحصل كذلك. فقدت إيران مظلتها النووية، وفقد برنامجها مظلته الدفاعية بعد الضربات المؤلمة التي تعرضت لها على يد سلاح الجو الإسرائيلي، بتسهيل من القواعد وحاملات الطائرات الأميركية المنتشرة في المنطقة. اليوم، تواجه إيران وضعًا شديد الدقة والتعقيد، وهي في مكانة أضعف مما كانت عليه زمن التفاوض على اتفاق فيينا. والولايات المتحدة، ليست متحمسة لمفاوضات تحت مظلة '5+1″، وهي لن تكتفي بضمانات عدم تسليح وعسكرة برنامجها النووي، بل ثمة أصوات تطالب بتفكيك البرنامج السلمي، وتجريد إيران من حقها في امتلاك دورة تخصيب، وبضمانات ورقابات أميركية مشددة. صحيح أنّ واشنطن، لا تتعامل مع إيران بوصفها أوكرانيا ثانية، ولا مع قيادتها على أنها 'زيلينسكي 2″، ولكن الصحيح أن نهج الإدارة الجديدة، يدفعها، ومن خلفها تل أبيب، إلى الذهاب لأبعد شوطٍ في تجريد إيران من عناصر قوتها واقتدارها، لا العسكرية منها فحسب، بل والعلمية والتكنولوجية كذلك. وإذا كان المفاوض الإيراني، قد نجح طيلة عشرين عامًا في فصل الملف النووي عن بقية الملفات الخلافية مع الغرب، من بينها 'البرنامج الصاروخي' و'دور إيران المزعزع للاستقرار'، فإن واشنطن اليوم، تحت قيادة الرئيس ترامب الذي 'لا يمزح' في التطلع لولاية ثالثة، تريد وضع هذه الملفات جميعها، على مائدة التسويات، تحت طائلة الخنق الاقتصادي والجحيم العسكري. وكما قلنا، لا يعني ذلك للحظة واحدة، ويجب ألا يعني، أن ما تريد واشنطن فرضه من إملاءات على طهران، قد بات قدرًا لا رادّ له، وأن الضغوط الأميركية ستنجح في انتزاع ما تريد من مكاسب لها ولحليفتها، أو أنها ستسهل خوض غمار حرب جديدة في الإقليم، قد تتسع وتطال شراراتها مصالح أميركية و'حليفة' ثمينة. لكن الصحيح أن طهران تخوض غمار مواجهتها مع واشنطن اليوم، من أدنى نقطة بلغتها خلال ربع القرن الأخير، فيما غريمتها، في لحظة 'اغترار بالقوة'، وشهية تل أبيب مفتوحة للعربدة وإغلاق الملفات وصولًا 'للنصر المطلق'، لا على حماس وحدها، بل وعلى طهران أساسًا. هذه الحالة، بعضها 'موضوعي'، يتصل بموازين القوى وتوازناتها، وباللحظة الحرجة في نظام العلاقات الدولية، بيد أنها في جزء منها على الأقل، 'ذاتي'، ويتصل بأداء النظام الإيراني في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حيث خابت بعض الرهانات وطاشَ كثير من السهام، وتبددت معها، فرص عديدة.