logo
#

أحدث الأخبار مع #عصام_العطار

ملامح الممارسة السياسية عند عصام العطار
ملامح الممارسة السياسية عند عصام العطار

الجزيرة

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

ملامح الممارسة السياسية عند عصام العطار

إن الرؤية الإسلامية للسياسة قائمة على ركيزة أساسية في فهم الإسلام، وهي أنه دين شامل لكل جوانب الحياة، وهو ليس ديناً كهنوتياً ينأى بنفسه عن واقع الناس، ولا حكماً ثيوقراطياً يحكم الناس باسم الرب. والمسلم ينظر إلى الوجود كله من منظوره الإسلامي؛ فالسياسة والاقتصاد والإدارة والقانون وغيرها ليست بمعزلٍ عن الإسلام، بل إنه ينظر إليها بمرجعيته الإسلامية إلى جانب فهمه لتطورات عصره ومتطلبات واقعه. والسياسة كما أنها في معناها اللغوي راجعة إلى القيام على الشيء بما يصلحه، فهي في الرؤية الإسلامية مستندة إلى تحصيل مصالح العباد، وتحقيق الأصلح في إدارة الشأن العام؛ فالسياسي المسلم يعرك الواقع مجتهداً في درء المفاسد وجلب المصالح، يفهم زمانه وواقعه، ويتقن السياسة وتعقيداتها، ويحترف العلاقات وتشابكها، ويجتهد بنقل هذا التصور النظري إلى واقع الممارسة العملية من خلال حركته المرنة المراعية للمتغيرات، ضمن الإطار الشرعي والقيمي الذي يغلف جميع ممارساته. إن هذا التصور الإسلامي للممارسة السياسية تجلى في مختلف محطات حياة الراحل الأستاذ عصام العطار، حيث تميزت حياته السياسية بالتمسك بالمرجعية الإسلامية ومنظومتها القيمية، إلى جانب المرونة العالية في التطبيق والممارسة. وقد تجلت في حياته السياسية مجموعة من المبادئ الأساسية؛ كالحرص على وحدة الصف، وتمجيد الحرية السياسية، وأهمية شرعية السلطة، وتقديم المصلحة العامة، والثبات في المواقف، والصبر على التضييقات والملاحقات، وغير ذلك من ملامح الممارسة السياسية الرشيدة. لقد نشأ العطار في بيئة دمشقية مهتمة بالسياسة والشأن العام؛ فوالده الشيخ محمد رضا العطار كان أحد رجال القضاء الشرعي والعدلي، ورئيس محكمة الجنايات والتمييز، لذا لم تكن شخصية عصام التي نشأت على مواجهة الاستبداد السياسي طفرةً، فقد خاض والده من قبله كفاحاً ضد جمعية الاتحاد والترقي التركية، حتى حكم عليه والي سوريا جمال باشا السفاح بالإعدام، ما اضطره للهرب إلى حوران، ثم نفي بعد اعتقاله إلى إسطنبول، ليرجع بعد ذلك إلى سوريا بعد تفكك الدولة العثمانية. في شبابه المبكر اعتنى العطار بالثقافة والفكر، ونبغ في علوم العربية والبلاغة، وأتقن الخطابة منذ كان في الابتدائية، واعتنى بتحصيل العلوم الشرعية، حيث كان من طلاب المعهد العربي الإسلامي بدمشق، ثم أشرف على جريدة المنار. ومنذ انطلاقته الأولى؛ كان العطار مؤمناً بقيمة العمل الجماعي، فانتمى إلى جمعية "شباب سيدنا محمد"، ثم إلى جماعة الإخوان المسلمين حيث ظهرت شخصيته المتفوقة مبكراً، فانتُخب عضواً في المكتب التنفيذي للجماعة عام 1954، ثم صار الناطق الرسمي باسمها قبل أن يصبح مراقباً عاماً من منفاه في الأعوام 1964-1973. إن تفوق العطار القيادي جعل المؤتمر الإسلامي الذي يضم كبار علماء وسياسيي سوريا آنذاك ينتخبه بالإجماع أميناً عاماً له عام 1955، وهو ابن 28 سنة. والعطار كشخصية قيادية كان مؤمناً بأن القيادة الحقيقية تعني أن تتقدَّم الرموز صفوفَ الناس، وأن تتواجد في الزمان والمكان المناسبَين، وأن أي تأخُّرٍ عن اتخاذ الموقف وبيانه جريمةٌ بحق الناس الذين يتلمّسون قياداتهم ونخبهم ليعلنوا اصطفافهم خلفها، وقد جعل العطار من مسجد جامعة دمشق منبراً لبيان آرائه ومواقفه الوطنية والسياسية. والقيادة بالنسبة للعطار تعني أيضاً المسؤولية، فقد واجه بصلابة معظم الأزمات التي واجهت السوريين في نضالهم ضد الاستبداد، والتي واجهت الحركة الإسلامية حيث كان أبرز رموزها في سوريا، وعندما أصدرت دولة البعث القرار 49 القاضي بإعدام كل منتمٍ إلى الإخوان في سوريا، خرج وعرف بنفسه بصفته المراقب العام للجماعة. ومن ملامح الممارسة السياسية الرشيدة عند العطار حرصه على جمع الكلمة ونبذ الفرقة، فقد كان أيقونة تلتف حولها الأطياف المختلفة، وقبلة يحج إليها الأحرار من أنحاء العالم على اختلاف انتماءاتهم وأوطانهم. لم يفارق مصطلح الوطنية خطاباته السياسية، لإيمانه بالانتماء إلى الوطن ومصالح الوطن ومستقبل الوطن، وليس في هذا تعارض مع إسلاميته؛ فالمسلم أكثر الناس وطنيةً وانتماءً وتضحيةً في سبيل الوطن. وإلى جانب ذلك، كان الأستاذ العطار شخصيةً منفتحةً على جميع التيارات والجماعات التي تتفق أو تختلف مع فكره، مشدِّداً على جمع كلمة مختلف الأطياف السورية حول نقاط مشتركة تؤسس لبناء الدولة، لا سيما في مرحلة ما بعد جلاء الفرنسيين عن سوريا. ولمّا ترك الإخوان أواخر السبعينيات لم يتوقف عن كفاحه السياسي؛ لأنه يرى أن الجماعات إنما هي وسائل لا تتجاوز الفكرة والكفاح السياسي، وهكذا ظل العطار نسراً يحلّق في سماء الحرية، دون أن ينتمي إلى أي تيار، لكنه كان داعماً لكل حراك شعبي من أجل حرية وطنه وشعبه. يقول في إحدى مقابلاته: "أنا لما كنت في سوريا بالنسبة إليّ دافعت عن حق كل إنسان مظلوم ولو كان خصماً لي، دافعت بالفعل وهذا جعل الأكثرية من أبناء الشعب تقف ورائي خلال هذه الفترة في سوريا.. يعني بالفعل دافعت عن قضايا كبرى، مثلاً: قضايا الوحدة، قضايا التحرر من الاستعمار الجديد والقديم، وكذلك قضية مقاومة الأحلاف الإمبريالية الخارجية، وقضايا تحقيق العدالة الاجتماعية، وقضايا الحريات العامة داخل البلاد". ولما سئل عن علاقته بالإخوان المسلمين قال: "طبعاً الإخوان أنا قطعة منهم، مثل ما قلت.. لحمي ودمي، وكثير من الإخوان هم عندي أبنائي وإخواني، لكن الحقيقة لا أفرق بين الإخوان وغير الإخوان على الصعيد العربي والإسلامي، ولا أنظر إلى مصلحة الإسلاميين بمعزل عن مصالح غيرهم". وقف العطار ضد جميع الانقلابات العسكرية في الفترة 1949-1963، بدايةً من انقلاب حسني الزعيم، ثم انقلاب سامي الحناوي عام 1949، مروراً بانقلاب أديب الشيشكلي عام 1951 ومع كونه دمشقياً عتيقاً وسورياً أصيلاً، كان متبنياً لقضايا أمته، لا يترك منبراً في نصرة قضاياها من فلسطين إلى أفغانستان والشيشان، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي التي ردّت للعطار عنفوانه وحيويته، فقد أيد الثوار في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وقال فيهم: "هذه الجماهير التي تتحدى الطاغوت وتفضل الموت على العيش الذليل"، ثم هاجم الأنظمة التي ثارت الشعوب عليها بقوله: "وهذه أنظمة طاغية ظالمة فاسدة، هذه أنظمة جائرة، هذه أنظمة سرقت آمال الأمة، سرقت حرية الأمة، لكن الشعوب تمردت على الخوف". لقد كان العطار يرى في ثورات الشعوب بريق الأمل الذي سيغيّر واقع أمتنا، ولطالما خاف على هذه الثورات وعلى تضحيات الشعوب، فخاطب الجموع مركزاً على ضرورة الحفاظ على الاستقلالية ونبذ التبعية. لقد مجَّد الأستاذ العطار الحرية واعتبرها أم القيم السياسية، لذا كانت رؤيته في منح الشعب حقه في اختيار من يحكمه ويسوسه، وأن يعيش كريماً له الحق في التعبير عن رأيه بعيداً عن الإرهاب والسجون والمعتقلات، وقد كان واثقاً أن بيئة الحرية في أوطاننا لن ترفع إلا قيم الدين، ولن تُعلي إلا الثقافة الإسلامية التي تنتمي إليها. ومن أقواله في ذلك: "إن الإسلام يكفر بالديكتاتورية جمهوريةً كانت أو ملكية، يكفر بالاستبداد مهما كان شكل هذا الاستبداد. من الذي يقول إن الإسلام لا يريد حكم الشورى… لا يريد أن يكون للشعب ممثلوه الذين يقررون في أمره ويقررون في شأنه؟ من الذي يقول إن الإسلام يفرض على الناس ملوكاً أو شيوخاً أو أمراء؟". وانطلاقاً من ذلك؛ فقد كان الوقوف في وجه الاستبداد السياسي يمثل أبرز ملامح الممارسة السياسية في حياة العطار، لذا كان دائمَ التركيز على شرعية السلطة، وضرورة أن يكون الحُكم شرعياً، فهو يرى أن شرعية الحكم إنما تستمد من اختيار الناس، لا من قهرهم وإجبارهم، ولما طالب الأسد في بداية الثورة السورية في تصويره الشهير بالاستقالة، قال له: "قم بإعادة شرعية السلطة إلى الناس". من هنا، فقد وقف العطار ضد جميع الانقلابات العسكرية في الفترة 1949-1963، بدايةً من انقلاب حسني الزعيم، ثم انقلاب سامي الحناوي عام 1949، مروراً بانقلاب أديب الشيشكلي عام 1951، حيث صدر الأمر باعتقاله ثم نفيه إلى مصر. كما أنه رفض المشاركة في العروض المتكررة التي حاولت استمالته للمشاركة في الحكومات التي انبثقت عن الانقلابات، كحكومة معروف الدواليبي رغم أنه كان في وقتها نائباً برلمانياً عن دمشق، وكحكومة بشير العظمة؛ رفضها جميعاً وأصرَّ على التمسك بمبدأ شرعية السلطة، فكيف يقبل المشاركة في حكم يراه غير شرعي؟ لا يمكن أن ينقلب العطار على مبادئه وقيمه. وفي مرحلة الوحدة بين سوريا ومصر، كان العطار مؤيداً للوحدة رغم موقفه من جمال عبد الناصر، لكن صاحب الروح الحرة لا يطيب له أن يعيش تحت نير الاستبداد، وقد كان العطار قوياً في الحق، يعلن موقفه بكل وضوح ويعبر عما يؤمن بكل جرأة وشجاعة، فعندما بدأ عبد الناصر يتخذ القرارات الجائرة بعد الوحدة، وقف العطار في وجه الاستبداد الناصري، فقد كان الأستاذ عصام يرى أن تكون الوحدة مبنية على أساس برلماني ديموقراطي، لكنه على الرغم من ذلك رفض التوقيع على وثيقة الانفصال التي وقع عليها القوميون في ذلك الوقت، مؤكداً أن الوحدة أكبر من أخطائها. ظلَّ العطار منسجماً مع مبادئه وشعاراته في مواجهة الاستبداد ورفض الانقلابات، وعندما كانت دبابات الانقلاب البعثي تحتل شوارع العاصمة، كان العطار من فوق منبر مسجد الجامعة يعلن موقفه الراسخ، ويصرخ متحدياً: صفحتنا أنصع من أي صفحة، وجبهتنا أرفع من أي جبهة، وطريقنا أقوى من ‏أي طريق، وأنا أتحدى كل إنسان كائناً من كان أن يضع ذرّة من الغبار، لا أقول ‏على جباهنا المرتفعة، ولكن على أحذيتنا وأقدامنا، وأعلن أنني أرفض أي ضرب ‏من ضروب الحكم الديكتاتوري الاستبدادي، والطغاة الماضون سقطوا طاغية بعدَ ‏طاغية بعد طاغية تحت أقدامنا ونحن على هذا المنبر، وسيذهب الطغاة الجدد ‏كما ذهب الطغاة القدماء. حاول البعثيون بعد ذلك استمالة العطار وشخصيات وطنية أخرى للتغطية على انقلابهم المشؤوم؛‏ فبعد تعيين مجلس وطني لقيادة الثورة بقيادة لؤي الأتاسي، تمت دعوته للمشاركة في استلام الحكم، لكنه رفض قائلاً: لا يمكنني القبول بالمشاركة في حياة تقول إنها ديمقراطية ولكنها جاءت بانقلاب عسكري، وهذه الانتخابات لن تعيش طويلاً حتى يتم الانقلاب عليها من جديد. ولم تكن تلك محاولتهم الأخيرة، فقد دعاه حافظ الأسد لاحقاً كي يعود إلى سوريا، لكنه رفض وطالب بالحرية لوطنه وشعبه، وعندما عُيّنت أخته نجاح العطار نائبة لبشار الأسد عام 2014، عرضت عليه العودة مجدداً لكنه رفض، وقال: تعيينها -يقصد أخته- لا يعنيني بشيء، ولا يرتبط بموقف بأي حال من الأحوال. تعاظم دور العطار السياسي وتأثيره الاجتماعي في دمشق، حتى خاف النظام البعثي من شعبيته. وبعد فشل اغتياله عام 1963، قرر البعث منعَ العطار من العودة إلى سوريا بعد أدائه الحج عام 1964، لتبدأ رحلة الابتلاء المريرة، والهجرة الطويلة، من لبنان إلى بلجيكا التي أصيب فيها بالشلل عام 1968، ليحطّ رحاله في آخن بألمانيا، ولما عجز زبانية الأسد عن الوصول إليه لم يجدوا إلا النيل من زوجته السيدة الدمشقية بنان، ابنة أديب العلماء وعالم الأدباء علي الطنطاوي، وحدث هذا عام 1981، لكن ذلك لم يفت في عزيمة العطار، بل ظل محافظاً على ثوريته ومواقفه وصلابته حتى وافته المنية في آخن بألمانيا في 2 مايو/ أيار عام 2024. ذاق التهجير عن وطنه فعاش في المنافي مطارداً من بلد إلى بلد، ثم ابتلي بصحته فأصيب بالشلل، لكن جسده المنهك لم يمنعه من الاستمرار في التحليق. لقد كان شديد التفاؤل، دائم الأمل، بعودته لوطنه وانتصار الشعب السوري على حكم الأسد لقد عاش الأستاذ عصام العطار حياةً حافلةً بالعطاء والعمل، ذاخرةً بالمواقف النبيلة، عامرةً بمحبة الوطن والحنين إلى الديار، زاهدةً بكل المناصب والنياشين، ولو أراد لمُنحت له أكبر المناصب، ولو داهن لحصل على أعلى الرتب، لقد حمل روحاً حرةً يضيق عليها جسدٌ أرهقته الحياة الطويلة والابتلاءات الثقيلة. لقد أظهر خلال حياته ثباتاً في المواقف، وصبراً على الابتلاءات، وجلداً في مواطن المساومة.. ذاق التهجير عن وطنه فعاش في المنافي مطارداً من بلد إلى بلد، ثم ابتلي بصحته فأصيب بالشلل، لكن جسده المنهك لم يمنعه من الاستمرار في التحليق. لقد كان شديد التفاؤل، دائم الأمل، بعودته لوطنه وانتصار الشعب السوري على حكم الأسد. هاك كلماته تتردد اليوم في ساحات الشام الحرة معطرةً بعبق الياسمين: وباسـم الفجــر عبر الأفـق نلـمحه .. يهــفو لملــقاتنا غــاراً ونســرينــا وقـــادمَ الـنـــصـر أحــياه وأَلمسـه .. الله أكَّـــده فـالـنــصـــر آتـيـــنـــــا وقــد يكــون بـنـا والعمـر منفسـحٌ .. وقــد يـكــون بأجــيـال تـوالـيــنــا فإن ظـفـرنا فـقـد نلـــنا مطــالبـنـا .. وإن هلكـــنا فـإن الله جــازيــنــــا الموت في طاعة الرحمن يسـعدنا .. والعيش في سخط الرحمن يشقينا أما الـمـنيــة في عـزٍّ وفي شـرفٍ .. فهـي الأثيـرةُ نطـريها وتطـريـنـا نرجو الشـهادة أو نصـراً يواتـينا .. نُعطي الحياة فنعلي الحق والدِّينـا

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store