أحدث الأخبار مع #علمالاجتماع،

عمون
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- عمون
الحسد والكراهية في الوسط الأكاديمي: دراسة تحليلية
يُعتبر الوسط الأكاديمي، بمختلف تخصصاته، ساحة يفترض أن تحكمها مبادئ البحث العلمي، النزاهة الفكرية، والجدل الحر المبني على الحجة والدليل. غير أن الواقع يُظهر أن الحسد والكراهية كثيرًا ما يتغلغلان في العلاقات بين الباحثين، سواء في علم الاجتماع، علم النفس، الدراسات الإسلامية، الفلسفة، التاريخ، أو دراسات اللغات العربية والفرنسية. هذه المشاعر السلبية لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تتحول أحياناً إلى ظواهر بنيوية تؤثر على جودة البحث العلمي، وعلى المناخ الأكاديمي نفسه. يهدف هذا المقال إلى تحليل أبعاد هذه الظاهرة عبر مداخل متعددة: علم الاجتماع، علم النفس، الدراسات الإسلامية، الفلسفة، التاريخ، ودراسات اللغات، مبينًا أسبابها وتجلياتها ومآلاتها. أولاً: الحسد والكراهية من منظور علم الاجتماع 1.1. سوسيولوجيا الحسد في الوسط الأكاديمي يرى بيار بورديو (Pierre Bourdieu) أن الحقل الأكاديمي ليس مجرد فضاء للعلم، بل هو أيضاً ساحة صراع على رأس المال الرمزي (الشهادات، الاعتراف، الشهرة). هذا الصراع يولّد مشاعر الحسد تجاه من يحققون صعوداً أسرع أو اعترافاً أوسع. الحسد هنا ليس مجرد انفعال شخصي بل هو نتيجة منطق الحقل نفسه الذي يُؤطر علاقات القوة داخله. المرجع: Pierre Bourdieu, Homo Academicus, Éditions de Minuit, 1984. 1.2. آليات التمييز وإعادة إنتاج الكراهية بناءً على الطروحات السوسيولوجية الحديثة، يتمثل الحسد الأكاديمي أيضاً في محاولات تهميش الباحثين الجدد أو المختلفين، عبر تحالفات ضمنية، وشبكات تكرس التراتبية. يتحول الحسد إلى كراهية حين يُستخدم كسلاح اجتماعي لإقصاء المنافسين، سواء عبر لجان التحكيم، الترقيات، أو التعيينات الأكاديمية. ثانياً: الحسد والكراهية من منظور علم النفس 2.1. النرجسية الأكاديمية وأثرها علم النفس يحلل الحسد الأكاديمي بوصفه نابعًا من نرجسية الفرد الأكاديمي. الباحثون الذين يُعرّفون أنفسهم من خلال منجزاتهم الفكرية قد يشعرون بتهديد شديد أمام نجاحات الآخرين. وفق نظرية 'تهديد الأنا' (ego threat)، فإن تقدير الذات الأكاديمية المتضخم يجعل أي تفوق للآخر يُستقبل بكراهية دفاعية. المرجع: Paul Wachtel, The Poverty of Affluence, Free Press, 1983. 2.2. ميكانيزمات الإسقاط والتحقير في السياق الأكاديمي، قد يلجأ بعض الباحثين إلى الإسقاط (projection)؛ أي نسب مشاعرهم السلبية إلى الآخرين ('هو مغرور' بدلاً من الاعتراف بـ'أنا أحسده'). الكراهية الناتجة تُشرعن عبر تحقير الآخر، وإظهار تفوق أخلاقي أو معرفي مزعوم. ثالثاً: الحسد والكراهية في الدراسات الإسلامية 3.1. النصوص الدينية وتفسير الحسد الأكاديمي ترى بعض الدراسات الإسلامية أن الحسد ظاهرة قديمة، وحذرت منه النصوص القرآنية والحديثية بشدة: 'إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب' (رواه أبو داود). الحسد في السياق الإسلامي الأكاديمي يُفسَّر بأنه تجاوز للحدود الأخلاقية التي ينبغي أن تضبط العلاقة بين الباحثين. 3.2. جدل الرياء والنية في الحقل العلمي تؤكد الدراسات الإسلامية أن النية في العمل العلمي لها دور جوهري؛ فإذا اختلط العمل بطلب الشهرة، كان عرضة للحسد. في بعض المؤسسات الإسلامية، تكون المنافسة بين الباحثين مغطاة بشعارات التقوى، بينما تضمر حروبًا خفية تقوم على الكراهية والحسد. المرجع: الغزالي، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت. رابعاً: الفلسفة والحسد الأكاديمي: معركة العقول 4.1. الفلسفة: الحسد كصراع أنوية في الفلسفة، حيث يُقدَّر الإبداع النظري و'التفكير الحر'، يصبح الحسد أشدّ لأنه يتعلق بمكانة 'العقل المفكر' ذاتها. الفلاسفة الكبار مثل هيغل ونيتشه خاضوا معارك فكرية عنيفة مع معاصريهم، حيث كان التنافس على 'امتلاك الحقيقة' يغذي نزاعات قاسية. المرجع: Friedrich Nietzsche, Ecce Homo, 1888. 4.2. الكراهية الفلسفية وأسطورة التفوق المعرفي الكراهية الفلسفية غالبًا ما تتجلى في محاولة الحطّ من قيمة الخصم معرفيًا. يتحول الجدل الفلسفي أحيانًا من حوار نقدي إلى صراع من أجل تحطيم الخصم، لا من أجل إثبات الحقيقة. خامساً: التاريخ: الحسد على مجد إعادة بناء الماضي 5.1. التاريخ كحقل للصراعات الرمزية الحسد في الوسط التاريخي متجذر في طبيعة المهنة: من يعيد كتابة الماضي يملك قوة رمزية كبيرة في الحاضر. لذلك، فكل عمل تأريخي جديد يهدد مكانة مؤرخين سابقين، مما يولد مشاعر الكراهية والرفض، أحياناً باسم الدفاع عن 'الأمانة العلمية'. المرجع: Michel de Certeau, L'Écriture de l'Histoire, Gallimard, 1975. 5.2. صراع الأجيال الأكاديمية في التاريخ كما في الفلسفة، هناك صراع بين 'الحرس القديم' والباحثين الجدد. الحسد هنا لا يتعلق فقط بالمكانة، بل أيضاً بالخوف من خسارة السلطة على السرديات التاريخية. سادساً: الحسد والكراهية في دراسات اللغات: العربية والفرنسية نموذجاً 6.1. اللغات: الحقول الرمزية الدقيقة في دراسات اللغة العربية أو الفرنسية، تظهر الكراهية عبر التنافس على الأصالة والابتكار في قراءة النصوص. الباحثون الذين يقتحمون مجالات جديدة يُستقبلون أحيانًا بحذر وعداء، خاصة إن قدموا مقاربات تخالف 'التقليد الأكاديمي' السائد. 6.2. التسلط الرمزي عبر اللغة بورديو تحدث عن السلطة الرمزية للغة؛ في الحقول الأكاديمية الخاصة باللغات، يستخدم البعض معرفتهم العميقة للغة كسلاح لتهميش الآخرين، مما يولّد كراهية صامتة وشعوراً بالدونية لدى الباحثين الجدد. المرجع: Pierre Bourdieu, Ce que parler veut dire, Fayard, 1982. خاتمة الحسد والكراهية في الأوساط الأكاديمية، مهما حاول الباحثون إخفاءهما خلف جدران المناهج العلمية والحياد الظاهري، يظلان ظاهرتين متغلغلتين بعمق في البنى النفسية والاجتماعية والثقافية للحقول المعرفية. تتفاوت شدتهما بحسب الحقول؛ من دراسات اللغات التي يشوبها الحذر الصامت، إلى الفلسفة والتاريخ حيث يأخذان طابع المعركة المكشوفة. إن فهم هذه الظواهر لا يهدف إلى تبريرها، بل إلى إدراك آليات اشتغالها من أجل بناء وسط أكاديمي أكثر نزاهة وتحررًا. فكما قال الفيلسوف سبينوزا: 'لا نضحك، لا نبكي، لا نحتقر، بل نفهم'.


الدستور
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- الدستور
منحة جامعة كوتش 2025.. فرصة دراسية ممولة بالكامل للطلاب الدوليين فى تركيا
تفتح جامعة كوتش التركية أبوابها أمام الطلاب الدوليين عبر منحتها الدراسية لعام 2025، والتي تعد من أبرز المنح الممولة بالكامل في المنطقة، حيث توفر فرصا متميزة لمتابعة برامج الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، إضافة إلى منح جزئية وكاملة لمرحلة البكالوريوس. وتصنف جامعة كوتش ضمن أفضل الجامعات الخاصة في تركيا، كما تعد واحدة من المؤسسات التعليمية الرائدة على مستوى أوروبا، لما تقدمه من بيئة أكاديمية متقدمة تدمج بين البحث العلمي والتطبيق العملي. مزايا المنحة تغطي المنحة الرسوم الدراسية كاملة للماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى راتب شهري، تأمين صحي، ودعم مالي للأنشطة البحثية والمؤتمرات الأكاديمية، أما برامج البكالوريوس، فتتراوح المنح فيها بين تغطية جزئية وكاملة للرسوم فقط، دون تغطية نفقات المعيشة. ويستفيد الحاصلون على المنحة من انخراطهم في مجتمع أكاديمي نابض بالحياة في إسطنبول، مع فرص للتطوير الأكاديمي والانخراط في مشاريع بحثية رائدة على المستوى الدولي. البرامج الدراسية المشمولة البكالوريوس: إدارة الأعمال، الاقتصاد، الإعلام والتصميم، العلاقات الدولية، علم النفس، علم الاجتماع، القانون، الهندسة بفروعها، العمارة، الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، البيولوجيا الجزيئية والوراثة. (ملاحظة: برنامج الطب البشري غير مشمول). الماجستير: جميع تخصصات الهندسة، علوم الحاسوب، الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا الجزيئية، الاقتصاد، العلاقات الدولية، علم النفس، علم الاجتماع، الفلسفة، الدراسات التركية، إدارة الأعمال (MBA)، المالية، التسويق، علوم الصحة (علم الأعصاب، الطب التناسلي، التمريض). الدكتوراه: تشمل كافة تخصصات الهندسة، العلوم الأساسية، الاقتصاد، السياسة والعلاقات الدولية، علم النفس، علم الاجتماع، الدراسات التركية، إدارة الأعمال، وعلوم الصحة. شروط التقديم للبكالوريوس: أن يكون المتقدم غير تركي. شهادة ثانوية عامة بمعدل مرتفع. تقديم نتائج اختبارات قياسية (SAT أو ACT...). شهادة TOEFL iBT (80 كحد أدنى). رسالة دافع، وقد ترفق رسائل توصية. للدراسات العليا: درجة أكاديمية معتمدة (بكالوريوس أو ماجستير حسب البرنامج). معدل أكاديمي مرتفع. TOEFL iBT بدرجة لا تقل عن 80. GRE أو GMAT (لبعض التخصصات). سيرة ذاتية، بيان دافع، رسائل توصية، مستندات أكاديمية. الموعد النهائي للتقديم: 1 يوليو 2025. ملاحظات هامة: برامج البكالوريوس لا تشمل راتبا شهريا أو تغطية المعيشة. برامج الماجستير والدكتوراه ممولة بالكامل وتشمل كافة جوانب الدراسة والمعيشة. طريقة التقديم من خلال رابط الجامعة مباشرة عبر هذا الرابط تُعد هذه المنحة فرصة ثمينة للطلاب الطموحين الراغبين في بناء مستقبل أكاديمي ومهني في بيئة تعليمية متقدمة، وتحت إشراف نخبة من الأساتذة المرموقين في واحدة من أهم مدن العالم الثقافية والعلمية.


الأيام
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الأيام
كلية الآداب ظهر المهراز تخلد خمسينية جامعة فاس بمنتدى النشر العلمي
تستعد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس لتنظيم منتدى النشر العلمي والتدبير الثقافي، تخليدا للذكرى الخمسين لتأسيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وذلك خلال الفترة بين 21 و23 أبريل الجاري برحاب الكلية، تحت عنوان: ' 50 كتابا و50 مؤلفا'. ويهدف هذا اللقاء العلمي والثقافي إلى تقديم إصدارات أساتذة الكلية والتعريف بها، في إطار حركية علمية تشهدها الكلية، حيث تغطي الإصدارات المقترحة للتقديم مجالات متنوعة، منها علم الاجتماع، وعلم النفس، والتاريخ، والجغرافيا، والنقد الأدبي، والفلسفة، واللغات، والديداكتيك، والتحقيق وغيرها. وفي تصريح بالمناسبة، قال جمال بوطيب، مدير النشر العلمي والتدبير الثقافي بالكلية، إن هذه الفعالية التي تتزامن مع خمسينية الجامعة واليوم العالمي للكتاب، تعد موعدا سنويا لتقريب الكتاب الأكاديمي من جمهور الباحثين والقراء، من خلال تقديم الكتب وعرض مضامينها ومناقشتها. وأضاف أن الهدف الأسمى هو تطوير آليات النشر الجامعي والبحث عن صيغ جديدة لتلقي المعرفة داخل الجامعة وخارجها. ويشارك في المنتدى أزيد من خمسين كاتبا وأكاديميا، من أبرزهم محمد مبتسم، وأحمد شراك، وعبد الرزاق صالحي، والحسن حمدوشي، والحسين زروق، وعبد الرحمان يجيوي، وعبد الحي القرشي، وشكيب التازي، ومحمد البنعيادي، وعبد الغني زياني، ولطيفة بلفقير، ومحمد بلمقدم، وحاتم أمزيل، ولطيفة بلخير، وادريس الصنهاجي، وسلام شكري، والخمار العلمي، ومحمد اعبابو، وخالد حادجي، ومحمد العلوي، وعبد النبي سفير، ومحمد أبركان. وعلى هامش الفعالية، ينظم معرص للكتب يضم منشورات الكلية طيلة خمسة عقود، بالإضافة إلى الإصدارات الجديدة للباحثين المشاركين في التظاهرة.


جو 24
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- جو 24
عن حقّ أهل غزّة بالعيش.. والأبواق الرخيصة! #عاجل
جو 24 : كتب كمال ميرزا - منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" المباركة، وإعلام العدو الصهيو - أمريكي وأذنابه في المنطقة يحاول تكريس فكرتين خبيثتين في أذهان الناس: أولاً: الفصل بين فصائل المقاومة الفلسطينيّة وحاضنتها الشعبيّة، وكأنّ أبطال المقاومة زرع شيطانيّ نبت من فراغ، أو كائنات فضائية هبطت من المريخ! ثانياً: تصوير أهالي غزّة (ومخيّمات الضفّة) وكأنّهم "مُختطَفين" من قِبَل فصائل المقاومة، وأنّ "المقاومة" هو خيار تفرضه عليهم الفصائل فرضاً.. خلافاً لحقيقة أن فصائل المقاومة هي انعكاس لحالة "المقاومة" و"الرفض" و"الثبات" التي يمثلها ويجسّدها المجتمع الغزّاوي بكليّته، وأنّ فصائل المقاومة هي ابنة حاضنتها الشعبيّة ونتاجها وليس العكس. ومن هنا مثلاً نجد أنّه في الوقت الذي يركّز فيه بعض المتصهينون العرب الأغرار على الاعتبارات الأمنيّة والإجرائيّة والإداريّة المباشرة فيما يتعلّق بما يطلقون عليه هم والعدو اسم "اليوم التالي في غزّة" وكيفيّة احتواء "الحالة الغزّاويّة".. نرى بعض الأنظمة العربيّة الضالعة في صهيونيّتها أكثر من الكيان الصهيونيّ نفسه تولي تركيزها لاعتبارات أعمق وأدق وأبعد مدى، وتحديداً المدارس والمناهج والمساجد، وذلك من أجل ضمان تفكيك "حالة المقاومة" برمّتها، وتشويه ومسخ وتمييع "المجتمع الغزّاوي" على المدى الطويل كما فعلوا بمجتمعاتهم من قبل، وتحويلها إلى مجتمعات استهلاكيّة من "الأنعام.. بل أضل سبيلاً" شعارها في الحياة: أكلَ.. شرب.. نام.. تكاثر.. هتف بحياة الزعيم! وعندما نقول أنّ "المجتمع الغزاويّ" و"الحاضنة الشعبيّة الغزّاويّة" يمثّلان حالة مقاومة، فهذا لا يعني أن كلّ شخص طبيعيّ واعتباريّ في هذا المجتمع، وكلّ أسرة، وكلّ عائلة، وكلّ جماعة أو مجموعة أو تجمّع، وكلّ مختار أو وجيه أو شيخ عشيرة.. الخ هو مقاوم بالضرورة، أو يتبنّى فكر المقاومة، أو يناصر فصائل المقاومة، أو يمتلك إرادة المقاومة! المجتمع الغزاوّي شأنه شأن أي مجتمع إنسانيّ آخر، فيه تباينات، وفيه تعرّجات، وفيه نتوءات، وفيه تناقضات، وفيه كامل الطيف الإنسانيّ من المشاعر والانفعالات والمواقف والسلوكيات والتوجّهات والانتماءات والأفكار والقناعات. وحتى ما قبل "طوفان الأقصى"، هناك في داخل غزّة مَن هم ضد فصائل المقاومة لاعتبارات وانتماءات فصائليّة أخرى، أو لأنّهم ضدّ مبدأ المقاومة نفسه، أو مَن هم متصالحون مع حالة الاحتلال والحصار والوضع القائم، أو مَن يدينون بالولاء الخيانة والعمالة للكيان الصهيونيّ أو لغيره من الأنظمة العربيّة والأجنبيّة وأجهزتها الأمنيّة، أو مَن لا تعنيهم كلّ هذه الأمور أساساً وهمّهم في الحياة هو "العيش" بمعناه اليوميّ المباشر، أو حتى مَن هم سقط وهمل وزعران ومدمنين وسرسريّة و"بايعينها بصرماية" كما يقول التعبير الدارج. مرّة أخرى، شأن المجتمع الغزّاوي في هذا هو شأن أي مجتمع إنساني آخر، والعبرة هنا هي في ماهيّة الموقف أو الحالة التي تمثّل "النمط العامّ" و"السمة الغالبة" في هذا المجتمع، أو ما هو "النموذج المتوسّط" لهذا المجتمع بلغة علم الاجتماع، أو "نزعته المركزيّة" بلغة الرياضيات والإحصاء. ولا يخفى على أحد أنّ "المقاومة" هي "النمط العام" و"السمة الغالبة" و"النموذج المتوسط" و"النزعة المركزيّة" للمجتمع الغزاويّ بكليّته، وما دون ذلك فهي أنماط "فرعيّة" أو "هامشيّة" أو حتى "شاذة" قياساً للنمط السائد. وما تحاول الأبواق الرخيصة فعله في هذه المرحلة الدقيقة والحساسّة من المواجهة هو الإتيان بحالات ومشاهدات تمثّل الأنماط الفرعيّة أو الهامشيّة أو الشاذة (أو حتى اختلاقها)، وبدلاً من تصويرها باعتبارها "الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة"، وضعها تحت الأضواء والعدسة المكبّرة، وتضخيمها وتهويلها، وتصويرها زوراً وبهتاناً باعتبارها تعبير عن لسان حال المجتمع الغزّاوي. سلوك هذه الأبواق الرخيصة، والتي تنطق الآن كفراً بعد أن صمتت دهراً طوال الخمسة عشر شهراً الماضية، يتقاطع مع الخطاب الخبيث الذي يحاول العدو تكريسه الآن، وهو اختزال كلّ ما يحدث بطريقة ابتزازيّة رخيصة في "حركة حماس"، وتعنّت حركة حماس، ورفضها إطلاق سراح الأسرى الصهاينة (المساكين يا حبّة عيني)، وتمسّكها بالحكم في غزّة، ورفضها التخلي عن سلاحها من أجل حقن دماء الناس.. ولفت أنظار الناس عن "مخطط الإبادة والتهجير" الذي هو قبل حماس، وأكبر من حماس، ويتجاوز حماس، ويتجاوز حدود قطاع غزّة برمّته. وخطورة هذه الأبواق الرخيصة لا تكمن في منطقها المتهاوي والمتهالك رغم لحن القول وتزويق الكلام، ولا تكمن في وجود منصّات ومؤسسات إعلاميّة كبرى أكثر رخاصة تسخّر لهؤلاء إمكاناتها وتمنحهم صفحاتها وأثيرها وفضائها.. خطورة هذه الأبواق هو وجود "سمّاعون لهم" بيننا، ربما لأنّ الكثير منّا قد أصابهم الملل، لا من مناظر الدم والقتل والدمار التي ألفوها، بلّ ملّوا من إحساسهم بالتخاذل والتقصير والعجز، ويريدون أي شيء ينافقون به أنفسهم ليبرروا نكوصهم وتهرّبهم من المسؤوليّة كلّ في حدود قدرته واستطاعته. وهنا تأتي أهمية "معركة الوعي"، فالحل هنا أن يرفض المرء بشكل واعٍ ومقصود وإراديّ هذه الأصوات، وينبذها، ويشيح عنها، ولا يتداول سمومها ولا يشاركها، ولا حتى ينفعل أو يتفاعل معها بما يضفي عليها وجاهةً ويمنحها حقّ الوجود والانتشار.. وفي المقابل علينا أن نذكّر أنفسنا مرّة بعد مرّة بعد مرّة، وأيضاً بشكل واعٍ ومقصود وإراديّ، بـ "ثوابت" هذه الجولة من الصراع التي لم تتغيّر قيد أنملة: ـ ما تشنّه أمريكا وحلفاؤها وأعوانها عبر الكيان الصهيونيّ على أهل غزّة هي منذ اليوم الأول "حرب إبادة وتهجير"، وما تزال "حرب إبادة وتهجير"، وستبقى حتى إشعار آخر "حرب إبادة وتهجير" (ولا علاقة لها بتحرير الأسرى مثلاً أو إنهاء حكم حماس). ـ مخطط "الإبادة والتهجير" هو مخطط سابق لـ "طوفان الأقصى"، و"طوفان الأقصى" قد جاء كـ "ضربة استباقيّة" لهذا المخطط من أجل إفشاله أو إعاقته أو تصعيب مهمّته على أقل تقدير. ـ ما يُسمّى "النظام الرسميّ العربيّ" هو بتخاذله جزء من مخطط الإبادة والتهجير، ولولا تخاذل النظام الرسميّ العربيّ إزاء مخطط الإبادة والتهجير لما أمكن لهذا المخطط أن يكون بهذا الحجم، ويتّخذ هذا الشكل، ويستمر لغاية الآن. ـ مخطط الإبادة والتهجير هو جزء من مخطط أكبر من أجل إعادة رسم شكل المنطقة، وتصفية أي حركات أو جيوب أو مظاهر للمقاومة فيها، وإعادة إنتاج علاقات الهيمنة والاستلاب والتبعيّة لعقود قادمة.. تحت مسمّيات كاذبة ومقولات مزيفة مثل التعايش، والسلام الاقتصادي، وصفقة القرن، والأخوّة الإبراهيميّة، والازدهار. ـ الكيان الصهيونيّ هو جيب استعماريّ وقاعدة متقدّمة للنظام الرأسماليّ الإمبرياليّ الصهيونيّ في المنطقة، وما تُسمّى "صفقة القرن"، ومشروع "إسرائيل الكبرى" برمّته، هو جزء من تصفية منظومة الدول والمجتمعات "التقليديّة" القائمة في المنطقة إيذاناً بدخولها هي ومقدّراتها وثرواتها رسميّاً في طور "حكم الشركات" و"الصناديق السياديّة". والأنظمة والنخب الحاكمة في الدول العربيّة هي بمثابة حملة أسهم، أو وكلاء إقليميّين وقُطريّين، أو مدراء تنفيذيّين، أو حتى مجرد "سماسرة" لهذه الشركات، أو متعاقدين من الباطن يزودونها بخدمات أمنيّة ولوجستيّة منافِسة بأقل التكاليف! نعم، من حقّ الشعب الغزاويّ أن يعيش، بل هو أجدر شعوب الأرض قاطبة بالعيش في هذه المرحلة من عمر البشريّة.. ولكن لأنّ من حقّه أن يعيش فلا يحقّ لأحد أن يطالبه بالكفّ عن مقاومته والتشبث بحقّه بالحرية والكرامة والاستقلال على ترابه الوطنيّ.. ولأنّ من حقه أن يعيش فلا يحقّ لأحد أن يسلبه وينكر عليه الأثمان الفادحة التي دفعها طوال السنوات ولغاية الآن ويطالبه بأن يستسلم ويضع سلاحه ببساطة! تابعو الأردن 24 على


إيطاليا تلغراف
٢١-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق..
نشر في 21 مارس 2025 الساعة 8 و 48 دقيقة إيطاليا تلغراف * * الدكتور عبد الله شنفار يمثل الدين أحد المرتكزات الأساسية للهوية الثقافية للمجتمعات، وهو ليس مجرد منظومة اعتقادية، بل قوة حيوية تؤثر في السلوك الفردي والجماعي. غير أن المشكلة الأساسية التي تواجه المجتمعات الإسلامية اليوم ليست في غياب الدين، بل في الفجوة بين النص والممارسة، حيث تحول التدين في كثير من الأحيان إلى طقوس شكلية تفتقد الروح الحقيقية التي جاءت بها التعاليم الدينية. هذا التباعد بين النصوص والممارسة أفرز حالة من الجمود الفكري، مما يستدعي مراجعة جذرية للفهم الديني بحيث يكون أكثر تفاعلًا مع الواقع وأكثر قدرة على استيعاب التحولات الاجتماعية. * إشكالية ردم الفجوة بين الدين والتدين: إن العلاقة بين الدين والتدين ليست علاقة تطابق بالضرورة، فالتدين هو انعكاس اجتماعي وثقافي لفهم معين للدين، وقد يبتعد هذا الفهم عن مقاصد النصوص الدينية. في المجتمعات الإسلامية، نشأت تدريجيًا حالة من المبالغة في التركيز على الجزئيات الفقهية والطقوس التعبدية، بينما تم إهمال الجوانب الكبرى التي شكلت جوهر الرسالة الإسلامية، مثل العدل الاجتماعي، والمساواة، والحرية. إن محمداً ابن عبدالله عليه السلام، في خطبة الوداع، وضع أسسًا واضحة لمنظومة أخلاقية واجتماعية عادلة، تتجاوز الأطر الضيقة للعبادات، وتركز على حقوق الإنسان، واحترام كرامة الفرد، وتحقيق التوازن في العلاقات الاجتماعية. غير أن هذه المبادئ غُيِّبت لصالح التركيز على المسائل الشكلية، مما أفرز تيارات دينية تبتعد عن روح النص، وتغرق في التفاصيل الثانوية، بينما تتجاهل الإشكالات الكبرى التي تواجه المجتمعات. * نحو متطلبات إصلاح ديني: دروس من تجارب أخرى: إن إصلاح الفهم الديني ليس بدعة، بل هو ضرورة لضمان استمرارية الدين كقوة مؤثرة في الحياة العامة. التاريخ يشهد بأن الأديان الكبرى مرت بمراحل إصلاحية أحدثت تحولات جوهرية في علاقتها بالمجتمع. أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو الإصلاح البروتستانتي في أوروبا، الذي لم يكن مجرد انشقاق ديني، بل كان ثورة فكرية حررت الممارسة الدينية من سلطة رجال الدين، وفتحت الباب أمام اجتهادات جديدة في فهم النصوص. وعلى الرغم من الاختلاف في السياقات، فإن الفكرة الجوهرية التي يمكن استخلاصها من التجربة البروتستانتية هي الحاجة إلى تحرير الفهم الديني من القيود التي تعطل قدرته على التفاعل مع الواقع. وهذا لا يعني هدم التراث الديني، بل إعادة قراءته في ضوء المستجدات الاجتماعية والعلمية، بحيث يصبح الدين أكثر قدرة على إلهام المجتمعات، لا على إعاقتها. * إشكالية إقصاء العلوم الإنسانية من الفهم الديني: من أبرز العوائق التي تواجه إصلاح الفكر الديني في المجتمعات الإسلامية اليوم هو العداء أو التحفظ تجاه العلوم الإنسانية، حيث ينظر البعض إليها على أنها تهديد للفكر الديني، رغم أنها في جوهرها أدوات تحليلية تساعد على فهم المجتمعات وتحولاتها. إن العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع، والفلسفة، وعلم النفس، ضرورية لفهم الدين في سياقه الاجتماعي، ولتقديم قراءة أكثر عمقًا للنصوص الدينية. فعلى سبيل المثال، فإن دراسة التاريخ الديني من منظور علم الاجتماع يمكن أن تكشف عن العوامل التي أثرت في تفسير النصوص عبر العصور، وتساعد على فهم لماذا سادت بعض التأويلات، بينما تم تهميش أخرى. وفي السياق الأوروبي، نجد أن الفاتيكان نفسه تبنّى علوم الاجتماع والنفس في دراساته حول تأثير الدين في المجتمع، مما ساعده على تطوير خطابات دينية أكثر ملاءمة للعصر الحديث. أما في المجتمعات الإسلامية، فلا يزال هناك تردد في إدماج العلوم الإنسانية في مناهج تكوين الفقهاء وعلماء الدين، مما يجعل الخطاب الديني عاجزًا عن استيعاب التحولات الاجتماعية المعقدة. * التوظيف السياسي للدين: إشكالية العلاقة بين السلطة والمقدس: إحدى الإشكالات الكبرى التي تعيق تطور الفكر الديني هي العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة. فمنذ قرون، كان هناك خلط بين المجالين، حيث وظفت السلطة الدين لتبرير شرعيتها، بينما حاول بعض الفقهاء إخضاع السياسة لسلطة النصوص الدينية، مما خلق توترات مستمرة بين الديني والسياسي. إن التجربة التاريخية تثبت أن الحل لا يكمن في القطيعة التامة بين الدين والسياسة، كما أنه لا يكمن في دمجهما بشكل مطلق. فالولايات المتحدة، مثلًا، لم تفصل الدين عن المجتمع، لكنها فصلت بين النصوص الدستورية والخطاب الديني، مما سمح بوجود تأثير روحي دون هيمنة دينية على القرار السياسي. في السياق الإسلامي، تحتاج العلاقة بين الدين والسياسة إلى إعادة صياغة بحيث يكون الدين مصدرًا للقيّم الأخلاقية العامة، دون أن يتحول إلى أداة لشرعنة السلطة السياسية. وهذا يتطلب تطوير فهم جديد لمفهوم 'الشورى'، بحيث لا يبقى مجرد مصطلح نظري، بل يتحول إلى ممارسة ديمقراطية حقيقيّة تحترم إرادة الشعوب. * خلاصة أولى: نحو تجديد الفهم الديني: إن إصلاح الفهم الديني ليس خيارًا، بل ضرورة تاريخية تفرضها التحولات العميقة التي يشهدها العالم. إن أي محاولة للإبقاء على الفهم التقليدي للدين دون مراجعة نقدية ستؤدي إلى مزيد من الانغلاق، وإلى تعزيز الفجوة بين الدين والمجتمع. * خلاصة ثانية: إن المطلوب اليوم هو إعادة قراءة النصوص الدينية بروح جديدة، تستفيد من العلوم الإنسانية، وتفصل بين الدين والسياسة دون إقصاء أي منهما، وتعيد التركيز على المبادئ الكبرى للإسلام، مثل العدل والحرية والمساواة، بدلًا من الانشغال بالجزئيات التي لا تقدم حلولًا حقيقية للمشكلات المعاصرة. * خلاصة ثالثة: إن أي نهضة فكرية تبدأ بإصلاح طريقة التفكير، وهذا الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت إرادة جماعية لإعادة بناء المفاهيم الدينية بما يتناسب مع متطلبات العصر، دون أن يفقد الدين جوهره الروحي الذي يشكل أساس هويته. إيطاليا تلغراف إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق.. السابق تحليل عسكري بشأن توسيع العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة التالي قنبلة سياسية.. ماذا يحدث في إسطنبول؟