logo
إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق..

إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق..

إيطاليا تلغراف٢١-٠٣-٢٠٢٥

نشر في 21 مارس 2025 الساعة 8 و 48 دقيقة
إيطاليا تلغراف
* * الدكتور عبد الله شنفار
يمثل الدين أحد المرتكزات الأساسية للهوية الثقافية للمجتمعات، وهو ليس مجرد منظومة اعتقادية، بل قوة حيوية تؤثر في السلوك الفردي والجماعي. غير أن المشكلة الأساسية التي تواجه المجتمعات الإسلامية اليوم ليست في غياب الدين، بل في الفجوة بين النص والممارسة، حيث تحول التدين في كثير من الأحيان إلى طقوس شكلية تفتقد الروح الحقيقية التي جاءت بها التعاليم الدينية. هذا التباعد بين النصوص والممارسة أفرز حالة من الجمود الفكري، مما يستدعي مراجعة جذرية للفهم الديني بحيث يكون أكثر تفاعلًا مع الواقع وأكثر قدرة على استيعاب التحولات الاجتماعية.
* إشكالية ردم الفجوة بين الدين والتدين:
إن العلاقة بين الدين والتدين ليست علاقة تطابق بالضرورة، فالتدين هو انعكاس اجتماعي وثقافي لفهم معين للدين، وقد يبتعد هذا الفهم عن مقاصد النصوص الدينية. في المجتمعات الإسلامية، نشأت تدريجيًا حالة من المبالغة في التركيز على الجزئيات الفقهية والطقوس التعبدية، بينما تم إهمال الجوانب الكبرى التي شكلت جوهر الرسالة الإسلامية، مثل العدل الاجتماعي، والمساواة، والحرية.
إن محمداً ابن عبدالله عليه السلام، في خطبة الوداع، وضع أسسًا واضحة لمنظومة أخلاقية واجتماعية عادلة، تتجاوز الأطر الضيقة للعبادات، وتركز على حقوق الإنسان، واحترام كرامة الفرد، وتحقيق التوازن في العلاقات الاجتماعية. غير أن هذه المبادئ غُيِّبت لصالح التركيز على المسائل الشكلية، مما أفرز تيارات دينية تبتعد عن روح النص، وتغرق في التفاصيل الثانوية، بينما تتجاهل الإشكالات الكبرى التي تواجه المجتمعات.
* نحو متطلبات إصلاح ديني: دروس من تجارب أخرى:
إن إصلاح الفهم الديني ليس بدعة، بل هو ضرورة لضمان استمرارية الدين كقوة مؤثرة في الحياة العامة. التاريخ يشهد بأن الأديان الكبرى مرت بمراحل إصلاحية أحدثت تحولات جوهرية في علاقتها بالمجتمع. أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو الإصلاح البروتستانتي في أوروبا، الذي لم يكن مجرد انشقاق ديني، بل كان ثورة فكرية حررت الممارسة الدينية من سلطة رجال الدين، وفتحت الباب أمام اجتهادات جديدة في فهم النصوص.
وعلى الرغم من الاختلاف في السياقات، فإن الفكرة الجوهرية التي يمكن استخلاصها من التجربة البروتستانتية هي الحاجة إلى تحرير الفهم الديني من القيود التي تعطل قدرته على التفاعل مع الواقع. وهذا لا يعني هدم التراث الديني، بل إعادة قراءته في ضوء المستجدات الاجتماعية والعلمية، بحيث يصبح الدين أكثر قدرة على إلهام المجتمعات، لا على إعاقتها.
* إشكالية إقصاء العلوم الإنسانية من الفهم الديني:
من أبرز العوائق التي تواجه إصلاح الفكر الديني في المجتمعات الإسلامية اليوم هو العداء أو التحفظ تجاه العلوم الإنسانية، حيث ينظر البعض إليها على أنها تهديد للفكر الديني، رغم أنها في جوهرها أدوات تحليلية تساعد على فهم المجتمعات وتحولاتها.
إن العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع، والفلسفة، وعلم النفس، ضرورية لفهم الدين في سياقه الاجتماعي، ولتقديم قراءة أكثر عمقًا للنصوص الدينية. فعلى سبيل المثال، فإن دراسة التاريخ الديني من منظور علم الاجتماع يمكن أن تكشف عن العوامل التي أثرت في تفسير النصوص عبر العصور، وتساعد على فهم لماذا سادت بعض التأويلات، بينما تم تهميش أخرى.
وفي السياق الأوروبي، نجد أن الفاتيكان نفسه تبنّى علوم الاجتماع والنفس في دراساته حول تأثير الدين في المجتمع، مما ساعده على تطوير خطابات دينية أكثر ملاءمة للعصر الحديث. أما في المجتمعات الإسلامية، فلا يزال هناك تردد في إدماج العلوم الإنسانية في مناهج تكوين الفقهاء وعلماء الدين، مما يجعل الخطاب الديني عاجزًا عن استيعاب التحولات الاجتماعية المعقدة.
* التوظيف السياسي للدين: إشكالية العلاقة بين السلطة والمقدس:
إحدى الإشكالات الكبرى التي تعيق تطور الفكر الديني هي العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة. فمنذ قرون، كان هناك خلط بين المجالين، حيث وظفت السلطة الدين لتبرير شرعيتها، بينما حاول بعض الفقهاء إخضاع السياسة لسلطة النصوص الدينية، مما خلق توترات مستمرة بين الديني والسياسي.
إن التجربة التاريخية تثبت أن الحل لا يكمن في القطيعة التامة بين الدين والسياسة، كما أنه لا يكمن في دمجهما بشكل مطلق. فالولايات المتحدة، مثلًا، لم تفصل الدين عن المجتمع، لكنها فصلت بين النصوص الدستورية والخطاب الديني، مما سمح بوجود تأثير روحي دون هيمنة دينية على القرار السياسي.
في السياق الإسلامي، تحتاج العلاقة بين الدين والسياسة إلى إعادة صياغة بحيث يكون الدين مصدرًا للقيّم الأخلاقية العامة، دون أن يتحول إلى أداة لشرعنة السلطة السياسية. وهذا يتطلب تطوير فهم جديد لمفهوم 'الشورى'، بحيث لا يبقى مجرد مصطلح نظري، بل يتحول إلى ممارسة ديمقراطية حقيقيّة تحترم إرادة الشعوب.
* خلاصة أولى:
نحو تجديد الفهم الديني:
إن إصلاح الفهم الديني ليس خيارًا، بل ضرورة تاريخية تفرضها التحولات العميقة التي يشهدها العالم. إن أي محاولة للإبقاء على الفهم التقليدي للدين دون مراجعة نقدية ستؤدي إلى مزيد من الانغلاق، وإلى تعزيز الفجوة بين الدين والمجتمع.
* خلاصة ثانية:
إن المطلوب اليوم هو إعادة قراءة النصوص الدينية بروح جديدة، تستفيد من العلوم الإنسانية، وتفصل بين الدين والسياسة دون إقصاء أي منهما، وتعيد التركيز على المبادئ الكبرى للإسلام، مثل العدل والحرية والمساواة، بدلًا من الانشغال بالجزئيات التي لا تقدم حلولًا حقيقية للمشكلات المعاصرة.
* خلاصة ثالثة:
إن أي نهضة فكرية تبدأ بإصلاح طريقة التفكير، وهذا الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت إرادة جماعية لإعادة بناء المفاهيم الدينية بما يتناسب مع متطلبات العصر، دون أن يفقد الدين جوهره الروحي الذي يشكل أساس هويته.
إيطاليا تلغراف إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق..
السابق
تحليل عسكري بشأن توسيع العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة
التالي
قنبلة سياسية.. ماذا يحدث في إسطنبول؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"لانكبة مع الجهاد"
"لانكبة مع الجهاد"

إيطاليا تلغراف

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

"لانكبة مع الجهاد"

د. إدريس أوهنا نشر في 16 مايو 2025 الساعة 20 و 15 دقيقة إيطاليا تلغراف د. إدريس أوهنا النكبة ليست حدثا تاريخيا مضى، نتفاعل مع ذكراه 77، بل هو حدث مستمر في الحاضر في سياق استكمال سرقة أرض فلسطين، وتهجير أهلها قسرا بما نشاهده ويشاهده العالم كله من حصار وتجويع وتقتيل وإبادة جماعية وتطهير عرقي، ضدا على جميع المواثيق والقوانين الدولية، وانتهاكا لكل الأخلاق والحقوق الإنسانية. ولا حل للنكبة الماضية الحاضرة، القديمة والمستمرة، إلا بالجهاد.. هذه الشعيرة العظيمة التي أراد لها أعداء الأمة الإسلامية والمعتدون على أراضيها وأعراضها ومقدساتها أن تصير منسية، أو مرادفة للإرهاب؛ كي لا يقف في وجه عدوانهم واحتلالهم وتوسعهم في العالم العربي والإسلامي شيء. ولذلك أقول لا نكبة مع الجهاد، إنما النكبة عندما تتولى الأمة عن ذروة سنام دينها وسر شرفها وعزتها ألا وهو: الجهاد في سبيل الله. إنما النكبة عندما تنطفئ جذوة الجهاد في قلوب المسلمين، وتندرس معاني الجهاد في وعيهم وثقافتهم؛ ولذلك وجب علينا أكثر من أي وقت مضى أن نعمل على إحياء مفهوم الجهاد بمعناه الخاص وبمعناه العام في أوساط المسلمين، في عقولهم وقلوبهم وثقافتهم، الثقافة بما هي -على حد تعبير مالك بن نبي- نظرية في السلوك قبل أن تكون نظرية في المعرفة. والجهاد بمعناه الخاص هو القتال أو الجهاد العسكري، ومن النصوص الشرعية المؤصلة له في كتاب الله تعالى قوله تعالى: – {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} البقرة 190 -{والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم}، وغيرها كثير. ومن السنة النبوية والحديث في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: -'رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها' -'والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل' رواه البخاري (2797) ومسلم (1876) باختلاف يسير. – وقال في حديث آخر: 'رَأسُ الأَمرِ الإِسلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَاد' [أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، برقم (2408)، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي، وأخرجه غيره] ويدخل في هذا الجهاد إعداد وسائله وأسبابه، أي إعداد القوة العسكرية، عقيدة، وعلما وتقنية، وعدة وعتادا، وما مثال باكستان عنا ببعيد. ولا بد إلى جانب إحياء مفهوم الجهاد بمعناه الخاص في أوساط الأمة من إحياء الجهاد بمعناه العام كذلك، وهو أنواع، يمكن إجمالها في ثلاثة أنواع: – الجهاد المالي، وقد ورد معطوفا على الجهاد بالنفس في آيات، وتقدم الجهاد بالنفس في آيات، ونخص بالذكر في هذا المقام الإسناد المالي للمقاومة الفلسطينية. (دعم المقاومة بالتطوع المالي، وبمال الزكاة أو بعضه، وبثمن أضحية العيد أو بعضه، على قدر استطاعة كل أحد) – الجهاد الروحي: وهو جهاد ميدانه النفس الإنسانية والوساوس الشيطانية، وجاء فيه قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} العنكبوت69، وفي هذا النوع من الجهاد قال عليه الصلاة والسلام: 'المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله' [رواه أحمد في المسند (23958)، والحاكم في الإيمان وصححه على شرط مسلم، وغيرهما]. ومن جملة الطاعات الدعاء وباستمرار لإخواننا في غزة وفلسطين وفي كل مكان في صلواتنا وخارج صلواتنا. ويدخل في هذا الجهاد الروحي الصبر على الطاعات عموما بحمل النفس على القيام بها، والصبر على المعاصي بحبس النفس دون ارتكابها، والصبر على المصائب والابتلاءات بترويض النفس على تحملها والرضا والتسليم بقدر الله فيها، وعدم اليأس من رحمة الله وفرجه ونصره. وأساس هذا الجهاد التربية القرآنية الإيمانية التي تبني الشخصية المسلمة بناء قويا متوازنا. – الجهاد المدني: وهو الجهاد السلمي الذي يسهم في إصلاح المجتمع والأمة ويعالج مشكلاتهما، ويسهم من خلال ذلك في نصرة القضية الفلسطينية ودعمها، ويشمل مجالات عدة: ومنها المجال الدعوي الإعلامي باللسان والقلم والصورة، قال الله تعالى في سورة الفرقان خطابا لرسوله صلى الله عليه وسلم: 'فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا' الفرقان52، جاهدهم به: أي بالقرآن، فاعتبر الجهاد بالبيان والقرآن جهادا، بل جهادا كبيرا. وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم' [رواه أحمد في المسند (12246)، والحاكم في الجهاد (ج1، ص81)، وصححه على شرط مسلم، وغيرهما]. ويدخل في المجال الدعوي والإعلامي هذا: البيان الشفهي بالمحاضرات والندوات والكلمات والبودكاستات والخطب والدروس والأشعار.. وكذا البيان التحريري عن طريق الكتب والمجلات والدراسات والبحوث والمقالات، والبيانات والبلاغات، والتدوينات والتغريدات، التي تخاطب الناس على مختلف مستوياتهم ولغاتهم، كل بما يليق به. ويدخل فيه كذلك البيان الإعلامي والمعلوماتي المتمثل في الأعمال الدرامية عن طريق الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والسكيتشات وغيرها، وعن طريق القنوات الإعلامية والفضائيات، وعن طريق شبكة المعلومات العالمية (الإنترنيت)، ووسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها وتنوعها. ومن مجالات الجهاد المدني كذلك ولا يسع الوقت للتفصيل فيها: المجال العلمي والثقافي، والمجال الاجتماعي والأسري، والمجال الاقتصادي كسبا وإنفاقا، والمجال التعليمي والتربوي، والمجال الصحي والطبي(ولا يخفى دور الأطباء وتضحياتهم في مستشفيات غزة جزاهم الله خيرا، ومنهم مغاربة نفخر بهم وبجهادهم…) عموما وختاما أقول: طوفان الأقصى أذن في الأمة بالجهاد والمقاومة سبيلا لعزتها وشرفها وحريتها واستقلالها، ولا نكبة مع الجهاد، وإنه لجهاد نصر أو استشهاد. إيطاليا تلغراف السابق 'صفقة القرن'… عندما تصبح الكرامة العربية سلعة!

حديث في ذكرى تأسيس الأمن الوطني
حديث في ذكرى تأسيس الأمن الوطني

إيطاليا تلغراف

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

حديث في ذكرى تأسيس الأمن الوطني

إيطاليا تلغراف نشر في 16 مايو 2025 الساعة 11 و 41 دقيقة إيطاليا تلغراف بقلم: عزيز لعويسي تحتفي المديرية العامة للأمن الوطني ومعها الشعب المغربي قاطبة بالذكرى 69 لتأسيس الأمن الوطني، الذي شكل وقتها، إلى جانب القوات المسلحة الملكية، إحدى تجليات المغرب المستقل، وتعبيرات السيادة المغربية، بعد خروج شاق وعسير من عهد الحجر والحماية، وفي هذا الإطار، وبقدر ما تفرض المناسبة، الوقوف وقفة إجلال واحترام أمام أسرة مؤسسة الأمن الوطني، تقديرا لأدوارها المتعددة الزوايا، في حماية الأمن القومي، وضمان الحق الفردي والجماعي في الأمن، بقدر ما تقتضي استحضار روح محدثها ومؤسسها، الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله، الذي وضع لبنات التأسيس، وخلفه ووارث سره، الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، الذي مكن المؤسسة الأمنية الناشئة، مما تحتاجه من رعاية ودعم وتطوير، لتكون في صلب تحولات ومتغيرات ومتطلبات المغرب المستقل؛ وإذا كان التاريخ يسجل للملكين الراحلين، إحداث وتأسيس مؤسسة الأمن الوطني وإرساء لبناتها وقواعدها الأولى، ووضعها على السكة الصحيحة في اتجاه النهوض والإصلاح والتطوير، فإن عهد خلفهما، الملك محمد السادس حفظه الله، ميزه تحديث حقيقي للشرطة المغربية، بانتقالها من مؤسسة تقليدية إلى مؤسسة حديثة مواطنة، محافظة على النظام العام، ومكرسة للإحساس الفردي والجماعي بالأمن، حامية للوطن، وقريبة من المواطنين ومستجيبة لمختلف حاجياتهم ومتطلباتهم الأمنية، ومنخرطة بحرفية، في صلب القضايا المجتمعية؛ برؤية ملكية سديدة، وتجربة تحديثية رائدة، يقودها المدير العام للأمن الوطني، عبداللطيف حموشي، الذي يرأس المديرية العامة للأمن الوطني منذ عشر سنوات، برز نموذج مدرسة أمنية مغربية خالصة، تحظى ليس فقط، بالإشادة والاحترام الدوليين، بل وباتت لاعبا محوريا في صناعة الأمن والاستقرار الدوليين، لما اكتسبته من خبرة ومهنية وحرفية عالية، ويكفي الإشارة في هذا الصدد، إلى التنظيم الأمني المحكم، الذي طبع زيارة البابا الراحل فرنسيس للمغرب، في واحدة من الأحداث التي شدت أنظار العالم إلى المملكة، كأرض للسلام والتعايش والأمن والاستقرار والعيش المشترك، وإلى انخراط مصالح الأمن الوطني المغربي، في تأمين تظاهرات وأحداث رياضية عالمية، من قبيل مونديال قطر وأولمبياد باريس، واحتضان المغرب هذه السنة، للدورة 93 للجمعية العامة لمنظمة الإنتربول، وهو حدث 'يعكس ثقة المجتمع الدولي في الأجهزة الأمنية المغربية، كشريك موثوق به في حفظ الأمن عبر العالم'… وعلاوة على ذلك، تحول الأمن الوطني المغربي، إلى نموذج للنجاح الأمني في إفريقيا، وبات مؤسسة داعمة للأمن الإفريقي، سواء بوضع خبرته رهن إشارة البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة، أو بتمكين الشرطيين الأفارقة من تكوينات أساسية أو تخصصية، برحاب المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، الذي ظل على الدوام، في صلب معركة تحديث المرفق الأمني، وبات صرحا إفريقيا وعربيا رائدا، في مجال التكوين الشرطي؛ عملية هيكلة وتحديث المرفق الأمني، بقدر ما طالت بنيات الاستقبال، ووسائل وتقنيات العمل والتدخل، ومناهج التكوين، بقدر ما همت العنصر البشري، الذي ظل على الدوام في صلب العناية والاهتمام الملكي، باعتباره صانع النجاح والتميز، ومحرك الإصلاح والتحديث وصمام أمانه، وفي هذا الصدد، تم تعديل المراسيم المتعلقة بالنظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني خلال سنتي 2010 و2019، وكان من ثمرة ذلك، إقرار زيادات مادية معتبرة وغير مسبوقة في أجور نساء ورجال الأمن الوطني، والرفع من التعويضات، فضلا عن تجويد نظام الترقي المهني، مقارنة مع سنوات خلت ميزها التأخر والانتظار والحيف، وقد تعزز ذلك، بإحداث مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني، التي رأت النور سنة 2010 بتعليمات ملكية سامية، لتضطلع بمهام تعزيز وتطوير الخدمات الاجتماعية لفائدة موظفي الأمن الوطني وأسرهم، لتكون بذلك، الواجهة الاجتماعية لأسرة الأمن الوطني؛ ما وصلت إليه المؤسسة الأمنية من حرفية وخبرة وكفاءة عالية، بقدر ما يقوي مشاعر الفخر والاعتزاز بهذه المؤسسة الوطنية الحيوية والاستراتيجية، التي باتت إحدى تعبيرات القوة المغربية الناعمة، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، موسوم بالقلق والتوتر والاضطراب، بقدر ما يدعو إلى الإبقاء على نفس درجة حرارة الجاهزية والاستعداد والاجتهاد واليقظة، ليس فقط لصون المكتسبات المحققة، بل ولتكون علاوة على ذلك، في مستوى الرهانات والتحديات المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا، سواء تعلق الأمر بمواكبة متغيرات جغرافية الجريمة بأبعادها ومستوياتها المختلفة، أو بتخليق المرفق الأمني، عبر التصدي الحازم، لبعض الممارسات التي تمس بصورة الشرطة المغربية وسمعتها، أو بتعزيز مرتكزات الحكامة الأمنية الرشيدة، أو بالنهوض بالأوضاع المادية والاجتماعية لنساء ورجال الأمن الوطني، ليكونوا في صلب التحول الأمني، أو بتطوير مناهج وبرامج ومقاربات التكوين الشرطي، من أجل بلوغ وإدراك ما يحتاجه حاضر ومستقبل الشرطة العصرية، من قدرات ومهارات صلبة وناعمة، أو على مستوى احترام حقوق الإنسان وخدمة ثقافتها، أو بالدفاع عن المصالح العليا للوطن وقضاياه المصيرية… . ونختم بتوجيه رسالة شكر وامتنان لنساء ورجال الأمن الوطني، مثمنين حجم التضحيات التي يقدمونها، في سبيل حماية الوطن والمواطنين، وضمان الحق في الأمن، والاستجابة للحاجيات الأمنية للمواطنين، منوهين بكل المدراء العامين، الذي تعاقبوا على المديرية العامة للأمن الوطني منذ تأسيسها، وكافة أطرها وموظفيها الشرفاء والنزهاء، ممن تركوا بصمة في تطوير وتحديث المنظومة الأمنية، لتصل إلى ما وصلت إليه من كفاءة وحرفية، تليق بمغرب يتحرك وينهض، باتت اليوم، محل تقدير واحترام دوليين؛ وحتى لا نبخس الناس أشياءها، لا يمكن البتة، استحضار مسار تطور وتحديث منظومة الأمن الوطني، دون التوقف عند المدير العام الحالي عبداللطيف حموشي، الذي يجمع منذ عشر سنوات، بين 'الحسنيين' إذا ما جاز التوصيف، ونقصد هنا 'المديرية العامة للأمن الوطني' و'المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني'، وهذه التوليفة، التي تستند إلى رؤية ملكية متبصرة، منحت للرجل، فرص الاجتهاد والإبداع والخلق، وأفقا للتفكير الاستراتيجي، كان من نتائجه، بروز نموذج أمني مغربي خالص، يستحق كل الثناء والتشجيع والتنويه. فهنيئا للشرطة المغربية والقوات المسلحة الملكية، بعيدها الوطني، وألف شكر وتحية، لكل المرابطين في الحدود.. لكل عيون الوطن التي لا تنــــــام … إيطاليا تلغراف السابق حماس تؤكد أن إدخال المساعدات إلى القطاع هو 'الحد الأدنى' للمفاوضات

الولاءات الضيّقة وأزمة تمثيل تنوع المجتمع المغربي..
الولاءات الضيّقة وأزمة تمثيل تنوع المجتمع المغربي..

إيطاليا تلغراف

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

الولاءات الضيّقة وأزمة تمثيل تنوع المجتمع المغربي..

إيطاليا تلغراف نشر في 28 أبريل 2025 الساعة 20 و 30 دقيقة إيطاليا تلغراف * الدُّكتُور عَبْدُ اللَّهِ شَنْفَارْ «لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر؛ خرجنا من معركة التحرر الوطني إلى معركة بناء الإنسان وتشييد الدولة العادلة.» (العهد الملكي لجلالة الملك محمد الخامس، خطاب الاستقلال.) سؤال بناء الدولة الوطنية في المغرب، منذ لحظة الاستقلال، رهين معضلتين أساسيتين: ولاءات اجتماعية ضيقة لم تستوعب تعددية البنية المجتمعية، ومشروع سياسي حداثي ظل معلقاً بين الشعارات ومتطلبات الواقع المركب. لقد كان الرهان المركزي يتمثل في تحويل تنوع الأعراق والثقافات إلى رافعة للوحدة الوطنية، غير أن الخيال السياسي المحدود للنخب الصاعدة، وعجزها عن تأسيس عقد اجتماعي متين، قاد إلى تفويت هذه الفرصة التاريخية. يندرج هذا المقال ضمن محاولة نقديّة لتفكيك هذه الأزمة المركبة، بالاستناد إلى قراءة تحليليّة وتركيبيّة لمحطات التأسيس الأولى للدولة، واستلهام خلاصات بعض الأبحاث العلميّة الكبرى، وعلى رأسها دراسة باسكون ونجيب بودربالة حول علاقة القانون بالواقع في المجتمع المغربي المركب. كما نسعى إلى إبراز كيف أن الولاءات التقليديّة، والعجز عن إدارة التنوع الثقافي، أسهما معاً في خلق بنية سياسيّة واجتماعيّة هشة لا تزال ترهن تطلعات المغرب إلى اليوم. لم تكن لحظة الاستقلال المغربي نهاية معركة الاستعمار فحسب، بل بداية معركة أعقد: معركة بناء الدولة الوطنيّة الحديثة. هذا، وقد اختصر جلالة الملك محمد الخامس، طيّب الله ثراه، هذا التحول الجوهري حين قال: «لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، مشيراً إلى أن معركة التحرر من الاستعمار العسكري كانت أيسر بكثير مقارنة بمعركة بناء الإنسان والمجتمع والدولة. كان الرهان الأساسي يتمثل في تحويل تنوع المجتمع العرقي والثقافي إلى قوّة دافعة نحو الوحدة، لا إلى قنبلة موقوتة تحت جلد الكيان الوطني. غير أن الولاءات الضيقة التي طبعت ملامح الفعل السياسي والاجتماعي في مغرب ما بعد الاستقلال، سرعان ما كشفت عجزها عن استيعاب هذا التنوع في تركيبة المجتمع واحتواء الصراع، بل وعن هشاشتها البنيويّة أمام تحديات العصرنة والدمقرطة. لإزالة الألغام من حقل هذه الدراسة؛ سأتناولها من خلال خمسة محاور رئيسيّة: 1. المحور الأول: نخبة عاجزة وخيال سياسي محدود: حين نقرأ في 'محاضن' النخب التي تولت القيادة بعد الاستقلال، ندرك أننا أمام نخب غير مؤهلة لا معرفياً ولا تاريخياً ولا أيديولوجياً لاحتضان المرحلة. لقد افتقرت هذه النخب إلى الخيال الاستثنائي القادر على تصور مجتمع جديد واكتفت بامتلاك خيال حرج ودفاعي، يرى إلى العالم بعين الريبة والتوجس. هذا، ولما عجزت عن تعبئة الجماهير الشعبيّة وبناء عقد اجتماعي جامع، لجأت إلى شبكات الطبقات التقليديّة: تراهن على أعيان المدن والبوادي والوجهاء والفلاحين والتجار الكبار والمستثمرين ومشايخ القبائل والشرفاء، مستثمرة نفوذهم الموروث لإحكام السيطرة السياسيّة والاجتماعيّة. غير أن هذا الرهان لم يكن سوى إدارة وتدبير مؤقت للأزمة، إذ رسّخ البنية التقليديّة وأبقى قوى المجتمع الحيّة رهينة لوكلاء النظام القديم. 2. المحور الثاني: قشور الحداثة ومشاريع الإخفاق: رفعت الدولة المغربية بعد الاستقلال شعارات الحداثة والتنمية والتعليم، وكان من أبرز مظاهرها الحديث عن فرص تعليم اجباري طال تعليم الرحل وإدماج الهوامش من خلال سياسات الاستقرار والتوطين والتعريب والمغربة. غير أن هذه المشاريع غالباً ما اقتصرت على القشور: مدارس بدون رؤية حقيقيّة ومناهج منفصلة عن واقع الرحل والهوامش ومبادرات تنمويّة تخضع لمنطق الرشوة السياسيّة أكثر من حاجيات السكان الفعليّة. وهكذا ظل أبناء الهوامش يرزحون تحت نير الأمية والجهل، رغم كل الدعاوى الرسميّة بالإنجاز. تحول الرحل إلى مجرد 'أرقام' في تقارير حكوميّة لا أكثر، فيما استمرت البنية الاجتماعيّة في إعادة إنتاج وتدوير الإقصاء والتهميش والفقر باسم 'التنميّة البشريّة'. 3. المحور الثالث: التنوع العرقي وأسباب التعسف الثقافي: يتكوّن المغرب من خليط إثني وثقافي ثري: ومن مكونات الهوية المغربية نجد: الهوية العربية والإسلاميّة والأمازيغيّة ومن روافدها: الحسّانيّة واليهوديّة والأندلسيّة والمتوسطيّة والأفريقيّة. غير أن التنوع، بدل أن يكون ثراءً حضارياً، استُخدم في أحيان كثيرة كذريعة لممارسات تعسفيّة ثقافياً وسياسياً. فقد فُرضت ثقافة رسميّة موحدة وهوية قوميّة واحدة، في تجاهل متعمد للتعدد اللغوي والهوياتي، مما أسّس لمظالم صامتة تأجل انفجارها إلى توترات وحراكات اجتماعيّة لاحقة. لقد أدى غياب الاعتراف الحقيقي بالتنوع إلى صراعات تحتيّة خفيّة بين مكونات المجتمع، وأنتج ثقافة سياسيّة تنظر إلى الاختلاف باعتباره تهديداً وليس إمكانية للاغتناء. * نافذة تحليلية: قراءة في ضوء باسكون وبودربالة: لقد سبق للباحثين بول باسكون ونجيب بودربالة، في دراستهما المرجعية «Le Droit et le Fait dans la Société Composite»، أن نبها إلى عمق التعقيد البنيوي الذي ميّز النظام القانوني والاجتماعي المغربي عقب الاستقلال. ففي مجتمع مركب، حيث تتقاطع الأعراف والقوانين الوضعية والشرائع الدينية، بيّن الكاتبان كيف أن 'الحق والقانون' و'الواقع' يسيران غالباً في مسارين متوازيين، بل أحياناً متناقضين. وهذا التوتر بين 'الحق والقانون والأعراف' و'الواقع' لم يكن مجرد ظاهرة قانونيّة سطحية، بل كان تعبيراً عن أزمة عميقة في تمثيل التنوع وفي بناء عقد اجتماعي حقيقي جامع. من هذا المنظور، فإن الولاءات الضيقة التي انتقدناها آنفاً، لم تكن مجرد خيار سياسي عابر، بل كانت امتداداً لبنية مزدوجة ترى في التنوع خطراً ينبغي احتواؤه عبر 'تدبير القوانين والأعراف' أكثر من بناء وحدة وطنيّة فعليّة. 4. المحور الرابع: الدستور يستهدف ثلاث قضايا رئيسية كبرى وهي: 1. قضية وجود؛ وتعني ضمان وجود الدولة والإنسان على رقعة أرضية. 2. قضية أمن واستقرار واستمرار؛ أي ضمان استمرارية وغياب كل مسببات العنف وكل ما من شأنه زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. 3. قضية تنمية وبناء وعمران؛ وتعني تطور وازدهار في جميع الميادين والمجالات. ثانيًا: محور تحقيق الأمن والسكينة والطمأنينة والصحة والسلامة للساكنة؛ التي بدونها لا يمكن تحقيق الاستقرار. 5. المحور الخامس: الإدارة والتدبير الذي من مقوماته: وجود ثلاث عناصر وهي: الإنسان؛ والموارد الطبيعية أو التراب؛ ثم عامل الوقت أو الزمن. وتوجد خمسة أركان تقوي وجود الدولة؛ من خلال تركيز تفكير الشعوب والأمم؛ على الأبعاد والركائز الأساسية التالية:‏ 1. العمل الوطني المشترك؛ 2. السلم والسلام الاجتماعي؛ لتحقيق الأمن المجتمعي؛ 3. تحقيق ألأمن القضائي والقانوني والعدالة؛ 4. ترسيخ قيم المواطنة الحقيقية؛ 5. عمليات التسويات والتوافقات والتراضي العادل؛ وتغييب التناحر اللامتناهي في الزمان والمكان؛ وبالتالي، فإن المشروع الحداثي الرسمي ظل رهين استراتيجيات ترميميّة فوقيّة، لم تُفلح في تأسيس شرعيّة قانونيّة ومجتمعيّة متصالحة مع تعدديّتها الذاتيّة. * خلاصة مفتوحة: اليوم، وبعد مرور عقود على الاستقلال، يعود سؤال الوحدة الوطنيّة ليفرض نفسه من جديد: كيف يمكن للمغرب أن يبني مشروعاً وطنياً جامعاً لا يقوم على إقصاء التنوع، بل على تحويله إلى طاقة خلاقة؟ وهل تملك النخب الجديدة خيالاً سياسياً رحباً يخرجنا من أسر الولاءات الضيقة، أم أننا محكومون بإعادة إنتاج نفس الحلقة المفرغة بتسميات أكثر حداثة ولكن بنفس الجوهر القديم؟ إيطاليا تلغراف التالي جلالة الملك يعين عددا من السفراء الجدد

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store