أحدث الأخبار مع #علماللغة


شبكة النبأ
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- شبكة النبأ
اللغة هي شكل محتوى الفكر
اللغة إثناء زمنية تفكير العقل بموضوعه صمتا داخليا، تكون ملازمة لعملية تفكير العقل ابجديا ذاتيا، لكنها لا تتقدم تفكير العقل. فليس كل تفكير داخل العقل صمتا يلزم حضور اللغة معه لكنه يلزم حضور التفكير الصوري لغويا. فالعقل بلا تفكير لا قيمة له، لكن... التساؤل كيف تكون اللغة هي الفكرحسب ما تذهب له جميع نظريات علم اللغة واللسانيات المعاصرة، ولماذا يعجز إدراك العقل للاشياء التفريق بينهما أي بين الفكر واللغة. إذا كانا يحملان مدلولين متباينين مختلفين في تعبيرهما عن الموضوع الواحد بأكثر من إدراك وتأويل واحد؟. هنا اللغة والفكر الملازم لها في التعبيرليس بمقدورهما تفسير وجود الاشياء بمعزل أحدهما عن الاخر أي بمعزل اللغة عن الفكر، أو الفكر عن اللغة لأنه يكون ذلك إستحالة إدراكية تعجيزية للعقل. في إمتناع الفكر واللغة التعبير عما يرغب العقل التعبير عنه وجودا مدركا. إن في عجز الفلسفة الخروج عن نظرياتها المفترضة شبه الثابتة أن الفكر هو اللغة المعبّرة عنه، أو أن اللغة هي وعاء الفكر، أو أن اللغة هي بيت الوجود وأن اللغة مبتدأ ومنتهى إدراك وجود الاشياء في العالم الخارجي. جميع هذه التعبيرات الفلسفية تفهم اللغة على أنها فعالية إدراكية عقلية في تحديد الفكرة أو الموضوع في تموضعهما خارجيا كي يتم إدراك الشيء ومعرفته من قبل الآخرين من الذوات العقلية المدركة وهو صحيح الى حد كبيرولا يتوفر مجال إدحاضه في الإحتكام للعقل إدراكه الوجود. في هذه الحالة حين تكون اللغة هي تعبير عن فكرة متموضعة داخل أو خارج العقل،يستحيل الفصل بين اللغة والفكرة أو الموضوع المعّبرعنه بهما. فبهما (الفكر واللغة) أصبح التفكير الذهني العقلي موضوعا ومتعيّنا وجودا في العالم الخارجي بعد تخليقه عقليا، وفي هذا يكون تفكير العقل خارجيا أو بالأحرى من أجل فهم الوجود الخارجي للاشياء المستقلة. صمت اللغة في إشكالية الفصل بين اللغة والفكر حين نقول تفكير العقل الداخلي الاستبطاني المقصود به هو التفكير الصامت، أما تفكير العقل خارجيا فهو عندما يجري تعبير اللغة عن موضوع تفكيرالعقل واقعيا ماديا. وبالواقع أن هذا التفريق في تفكير العقل داخليا صمتا وخارجيا بوسيلة اللغة، إنما هما في الأصل تفكير واحد للعقل في موضوع محدد مشترك يتميّز به بمعزل عن كل موجود مادي أو متخّيل آخر. أي أن العقل واللغة والفكر يجمعهم (وحدة الموضوع) المدرك في زمن واحد، وهكذا هي الحال في تناول أي موضوع أو شيء من العالم الخارجي. إن ادراك العقل للاشياء الواردة له عن طريق الحواس بما لا يحصى في تنوعها وتوقيتاتها الزمنية المتباعدة والمختلفة في نوعيتها، لايعقلها العقل دفعة واحدة، ويعطي الدماغ ردود الافعال الإنعكاسية الإرادية وغير الإرادية لها بعشوائية من دون تراتيبية يعتمدها العقل. ذهبنا الى إستحالة فصل اللغة عن الفكر في حالة إفصاح العقل عن فهمه وتعّينه لموجود أو شيء ما في العالم الخارجي. وليس في التفكير الصامت داخليا للعقل. نذّكر أن علم اللغة واللسانيات تعتبر اللغة والفكر هما وجهين لعملة واحدة ولا تفريق بينهما كما ذكرنا سابقا، فاللغة هي الفكر المعبّر عنه حسب ريكور وفنجشتين ودي سوسيروجومسكي وجميع فلاسفة وعلماء اللغة. بإعتبار اللغة فعالية العقل في تعيين إدركاته للموجودات والاشياء الخارجية. لكننا نجازف بالمباشرقولنا أنه يمكننا فصل الفكر عن اللغة عندما يكون تفكير العقل صمتا داخليا في التفكيربوجود شيء مادي أو خيالي لا يحتاج لغة التعبير عنه بل يحتاج الفكر وحده لأنه وسيلة تفكير العقل المعقدة الوحيدة في تخليقه لموضوعه بوسيلة الفكر لوحدها دونما اللغة، ويكون صمتا داخليا متخيّلا ايضا في تفكير العقل لموضوعه كوجود غير مادي، أي وجود خيالي لا يرتبط وغير ملزم التعبير اللغوي عنه بعد تخليق العقل له. للتوضيح أكثر التفكيرالمادي الصامت هو في معالجته موضوع واقعي أو شيء ما بالتفكير المجرد كمتعيّن موجود في العالم الخارجي، أما في تفكير الصمت (الخيالي) غير المعبّر عنه باللغة فهو إلهام تخييلي في إنتاج العقل موضوعا يدرك خارجيا بلغة جمالية خاصة في حالة من الكمون خلف فهم الوجود الجمالي، لم يكن إدراكه متيّسرا قبل إفصاح العقل له وتخليقه جماليا، كما في خيال إنتاج لوحة فنية أو قطعة نحتية أو أي ضرب من ضروب التشكيل ومعالجات علم الجمال الذي من المتاح الممكن التعبير عنه بغير لغة الكلام أو لغة الكتابة. نأتي الآن الى معالجة أصل إمكانية فصل الفكر عن اللغة، على أنها إستحالة إدراكية في فهم الاشياء والمواضيع في حال وجودها في العالم الخارجي في إستقلالية عن الانسان سواء كانت مواضيع تناولها العقل بالإدراك وأعادها باللغة والفكر ثانية الى عالم الواقع من جديد بعد تخليقها، أو لم يدركها في وجودها المستقل التي أيضا تستطيع الحواس و اللغة التعبير عنها. يبقى عندنا أن التفكير العقلي الصامت ماديا أو خياليا فأن آلية العقل في التفكير تستطيع فصل اللغة عن الفكر طالما هما حاضران ذهنيا في لحظات زمنية وأثناء التفكيربموضوع ما،أي حينما يفكر العقل صمتا فهويفكّربالفكرذاته كوسيط بموضوع الفكرالذي نقلته الحواس المدركة للاشياء أو في موضوع إبتدعه الخيال ايضا يحتاج العقل الفكر كوسيط في تخليقه وإعادته الى عالم الاشياء باللغة المعّبرة عنه. وليس باللغة خارج موضوعه في التفكير الصامت. اللغة في تفكير العقل الصامت لا أهمية ولا وجود لها يتاح إدراكه من غير الشخص الذي يفكربموضوعه عقليا ويبقى الفكر وحده وسيلة العقل في التفكير وتخليقه مواضيع الخيال العقلية. وطالما كانت اللغة والتفكير معطّلان كوظيفة نقل ما يقترحه العقل عليهما نقله الى العالم الخارجي، أي بقاء العقل يفكر ذاتيا صمتا بمعزل عن نقل ما يفكر به لغويا، فأن العقل وسيلة تفكيره الفكر ذاته فقط ولا يحتاج اللغة ألا على أنها جزء من الفكر وملازمة له خارج ألدماغ أو العقل في وجود الاشياء، وتفكير العقل وتخليقه لموضوعه، فلا يدرك خارجيا من غيره إلا بواسطة اللغة فقط الناقلة للفكر من داخل العقل (الدماغ) الى واقع الوجود في عالم الاشياء. وعندما يتجسد ويتعين الموضوع في عالم الاشياء الخارجي بالتعبير عنه لغويا أو بأية وسيلة تعبير غير اللغة الصوتية أو المكتوبة، فهنا لا يصبح فصل الفكرعن اللغة ذات أهمية كبيرة في إتمام عملية الإدراك، ولكن تبقى اللغة في إثناء عملية تفكير العقل (صمتا) في مرتبة ثانوية بعد الفكر في مقارنتها بأولويتها في التعبير عن الوجودات الخارجية في العالم الخارجي والطبيعة خارج هيمنة إدراك الحس والعقل لها بعد تخليقها لموضوعها، عندما تكون اللغة جزءا لا ينفصل عن موضوعها الذي عبّرت عنه في عالم الاشياء والموجودات. بمعنى توضيحي أن اللغة لا تستمد فعاليتها داخل تفكيرالعقل الصامت جوّانيا بموضوعه مع ذاته المستقليّن كليهما عن العالم الخارجي، وإنما تستمد اللغة أقصى فاعليتها في التعبير عن الاشياء في وجودها الخارجي المستقل خارج وعي العقل لها في زمنية محددة تلزم عقلا مفكرا واحدا في موضوع واحد، هو غير مدرك وجودا لغويا لدى غيره من عقول تختلف في إدراكها وتفكيرها والتعبير ربما في نفس الموضوع. وحتى في هذه الحالة فالفكر وتعبير اللغة يبقيان قاصرين عن التعبير عن الموجودات المستقلة من دون إدراك العقل لها وتحديده نوعية الفكر ونوعية اللغة المعبّرةعنها. ويكون وعي الذات هي كينونة متشّكلة من الوجود المدرك، بالمحسوسات، ومن والعقل، وأيضا من الفكر واللغة. لذا عندما يكون تفكير العقل صمتا جوّانيا، يصبح التفكير بالشيء سابق على لغة التعبير عنه خارجيا. فالموضوع المفكّر به صمتا غير لغوي يبقى حبيس ووصاية العقل في التفكير به قبل أهمية إنشغال العقل في التعبير اللغوي خارجيا عنه. اللغة إثناء زمنية تفكير العقل بموضوعه صمتا داخليا، تكون ملازمة لعملية تفكير العقل ابجديا ذاتيا، لكنها لا تتقدم تفكير العقل. فليس كل تفكير داخل العقل صمتا يلزم حضور اللغة معه لكنه يلزم حضور التفكير الصوري لغويا. فالعقل بلا تفكير لا قيمة له، لكن العقل بتفكيره بمقدوره تفعيل حضوره بلا لغة تعبير غير ملزمة لنقل تفكير العقل الى مدركاته الشيئية.


الشارقة 24
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- الشارقة 24
جامعة الشارقة تنظّم المنتدى العلمي الدولي التاسع
الشارقة 24: تحت رعاية الأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي مدير جامعة الشارقة، نظمت مؤسسة الشارقة الدولية لتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين التابعة للجامعة، المنتدى العلمي الدولي التاسع ضمن سلسلة منتديات المؤسسة، تحت شعار "التراث والتقاليد العلمية الإسلامية في الأندلس"، بمشاركة عدد من الباحثين المتخصصين من جامعة الشارقة وإسبانيا، ويمثّل المنتدى منصة فكرية تسلط الضوء على الإرث المعرفي الإسلامي في الأندلس، باعتباره موردًا مستمرًا للإبداع والتجديد العلمي. كما يُجسد جهود جامعة الشارقة في إحياء قضايا التراث الإسلامي من خلال منظور أكاديمي عابر للتخصصات، واستضافة مجموعة من الخبراء والمختصين. بدأ الملتقى بالورقة البحثية التي قدمتها الباحثة الإسبانية الدكتورة مونتسيرات بنيتز فرنانديز بعنوان "مدرسة الدراسات العربية: من بيت موريسكي إلى مركز بحثي معني بالأندلس" تناولت خلالها التحوّل التاريخي لمبنى "كازا ديل تشابيز" في غرناطة، إلى مركز بحثي يُعرف بـ "مدرسة الدراسات العربية"، والتي تأسست عام 1932 لتعزيز الدراسات العربية وحماية التراث العربي الإسلامي في إسبانيا، كما استعرضت الباحثة أبرز المسارات البحثية في اللهجات واللسانيات الاجتماعية. كما قدمت الدكتورة إستفانيا ا موشون دراسة بعنوان الورقة "علم اللغة في الأندلس: التنوع اللغوي والمنهجية في المخطوطات" عرضت فيها التراث اللغوي الذي أنتجه علماء الأندلس، وناقشت التنوع اللساني الموجود في المخطوطات، ودورها في تطوير فهمنا للتاريخ اللغوي للعربية. واختتمت فعاليات الملتقى بالدراسة التي قدمها الدكتور سامي دي جيوزا من جامعة الشارقة، بعنوان "الحضارة المستمرة بالأندلس في الفن والمعرفة" عرض فيها كيف ألهمت الأندلس المعارض الفنية الحديثة في الشارقة تجمع بين الأصالة والرؤية المعاصرة. حضر الملتقى الأستاذة الدكتورة نادية الحساني عميد كلية الفنون الجميلة والتصميم، والأستاذ الدكتور مسعود إدريس مدير مؤسسة الشارقة الدولية لتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين، وعدد كبير من الباحثين وطلبة الدراسات العليا والمهتمين.

جزايرس
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- جزايرس
تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. يفتح الملتقى المجال أمام التفكير العميق في العلاقة بين اللغة والفلسفة. فكلّما تطوّرت الدراسات اللغوية، ازدادت قدرتنا على فهم كيف تشكّل اللغة الفكر الفلسفي وتؤثّر في تشكيل مفاهيمنا حول العالم. عبر هذا الحدث العلمي، يسعى المشاركون إلى تسليط الضوء على أهمية اللغة كأداة فلسفية واجتماعية، وكيف يمكن استثمارها في تشكيل أيديولوجيات جديدة، وتعميق الحوار حول دور اللغة في تعزيز الفكر النقدي.منذ العصور القديمة، وفقا للديباجة، كان الفلاسفة يطرحون أسئلة محورية حول اللغة ودورها في الفكر البشري. هل هي مجرد أداة للتواصل، أم أن لها تأثيرًا أعمق في تشكيل مفاهيمنا وفهمنا للعالم؟ هذا السؤال يُعتبر جوهرًا في البحث الفلسفي، فقد تناولته المدارس الفلسفية المختلفة في محاولاتها لفهم العلاقة بين الوجود والفكر.في العصور الإسلامية، كانت دراسة اللغة جزءًا من الفكر الفلسفي الشامل، حيث أسهم العلماء العرب والمسلمون في تطوير علم اللغة وفلسفة اللغة بشكل كبير. كان لهم دور بارز في التأصيل لعدد من المفاهيم اللغوية التي تم تبنيها لاحقًا في الدراسات الغربية. لذلك، يسعى الملتقى إلى تسليط الضوء على هذه الإسهامات والتأثيرات الفلسفية التي تركت بصمتها في بناء الفكر اللغوي.وشهدت القرون الأخيرة تحوّلات كبيرة في مفهوم اللغة في الفكر الفلسفي. في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تطوّرت الدراسات اللغوية بشكل جذري، وظهرت مدارس جديدة مثل علم اللغة المقارن واللغويات التاريخية، وهو ما انعكس على تطوّر المفاهيم الفلسفية المرتبطة باللسانيات.اللغة لم تعد تُعتبر مجرّد وسيلة للتواصل، بل أصبحت أداة لفهم كيف يعمل العقل البشري في تنظيم المعرفة والعالم. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو والناقد الفرنسي رولان بارث اللذين قدّما نظريات هامة حول العلاقة بين اللغة والرمز والعلامة، مشيرين إلى أنّ اللغة هي المفتاح لفهم الواقع الاجتماعي والفكري.سيبحث الملتقى أيضًا في كيف أثّرت الاتجاهات الفلسفية المختلفة على فهمنا للغة. فقد ساهمت الفلسفات الماركسية والوجودية والبراغماتية في تحليل العلاقة بين اللغة والسلطة والإيديولوجيا. فقد تناول المفكّرون في تلك المدارس الفلسفية العلاقة بين اللغة ووسائل التعبير الأيديولوجية، وناقشوا كيفية استخدام اللغة في تشكيل المفاهيم الاجتماعية والسياسية. الاهتمام بالتأثيرات المجتمعية للغة يتجاوز الفلسفة البحتة ليشمل تأثيرات اللغة في الخطاب الإعلامي والسياسي، حيث تُعتبر اللغة أداة قوية لتوجيه الفكر الجماعي وتشكيل التصورات العامة.كما أنّ الملتقى سيتناول التحوّلات الكبرى التي شهدها الدرس اللغوي في العصر الحديث. في هذا السياق، يُستعرض مفهوم "المنعطف اللغوي" الذي أُدخل في الفلسفة من قبل عدد من المفكّرين المعاصرين، حيث تركّز هذه المدرسة على اللغة باعتبارها العامل الأساسي في تشكيل الأيديولوجيات والفلسفات. هذه الدراسة تطرح الأسئلة حول كيفية تأثير اللغة في أنظمة السلطة وكيف يمكن فهم الرموز والأيديولوجيات التي يتم نقلها من خلالها.من أهم المواضيع التي سيشملها الملتقى هو دور اللغة في الخطاب الإعلامي. من خلال وسائل الإعلام، تلعب اللغة دورًا أساسيًا في تشكيل الرأي العام والتأثير على مفاهيم الأيديولوجيا والسلطة. في هذا السياق، سيُناقش تأثير الخطاب الإعلامي على القيم الاجتماعية والسياسية، وكيف يتم استخدام اللغة بشكل استراتيجي للتأثير على المجتمع. يُعدّ هذا الملتقى فرصة هامة للباحثين والأكاديميين من مختلف الجامعات الجزائرية والعالمية للالتقاء وتبادل الأفكار حول موضوعات فكرية تشغل الساحة الأكاديمية. يتوجه الملتقى إلى التفكير في كيفية تطوير الأبحاث الفلسفية واللغوية في الجزائر، ومدى تأثيرها في المسار العلمي العالمي. سيشمل الملتقى جلسات نقاش وورش عمل تتيح للمشاركين التفاعل مع قضايا فلسفية ولغوية معاصرة.


البلاد البحرينية
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- البلاد البحرينية
أول كتاب عربي يدمج التحليل النحوي والدلالي مع لغة الجسد والانفعالات النفسية للدكتور علي المدني
أصدرت دار الكتاب الجامعي في دولة الإمارات العربية المتحدة كتابًا أكاديميًا جديدًا بعنوان "تطبيقات من العربية تركيبًا ودلالة على ضوء التحليل النفسي السيميائي" من تأليف الأستاذ الدكتور علي محمد نور المدني، أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة البحرين سابقا. ويُعد هذا الكتاب من الإصدارات النوعية الرائدة، حيث يُطرح للمرة الأولى في العالم العربي بمنهجية علمية تجمع بين التحليل اللغوي والتحليل النفسي السيميائي في دراسة اللغة العربية. ويقدم هذا الكتاب فكرة جديدة وفريدة من نوعها في الدراسات اللغوية العربية، حيث يحاول الربط بين علم النحو والدلالة في اللغة العربية وبين حركات الجسد والوجه واليدين التي ترافق الكلام. فاللغة – كما يوضح المؤلف – ليست كلمات تُقال فقط، بل إن طريقة النطق، ونبرة الصوت، والإشارة بالعين أو اليد، وحتى الصمت أحيانًا، تحمل معاني مهمة تساعد على إيصال الرسالة تامة. ويأتي هذا الكتاب ليُظهر لأول مرة كيف يمكن دراسة هذه الجوانب الحركية والانفعالية بطريقة علمية، ضمن إطار علم النفس السيميائي، من خلال أمثلة واقعية من اللغة العربية، وبخاصة من الحديث النبوي الشريف. ويُعنى الكتاب بدراسة البنية النفسية للغة من خلال تحليل التراكيب اللغوية التي تعكس حالات شعورية وانفعالية عند المتكلم، مثل الحذف، والتقديم والتأخير، وتغيير ترتيب العناصر، إلى جانب التأثير الذي تحدثه إشارات الجسد المصاحبة. ويكشف عن أهمية هذه العناصر في تكوين المعنى العميق للجملة، ويؤكد أن فهم اللغة لا يكتمل دون النظر إلى هذه الإشارات المصاحبة للسياق الكلامي. وفي مقدمة الكتاب، يوضح الدكتور المدني أن الدافع العلمي وراء تأليفه كان غياب الدراسات التطبيقية العربية التي تتناول اللغة من هذا المنظور، قائلاً: "إن من أهم ما حملنا على تأليف هذا الكتاب، ويدفعنا إليه دفعًا، ندرة الدراسات العلمية الجادة في فروع متعددة من علم اللغة النفسي... بل أزعم أنها معدومة تقريبًا في السلوك اللغوي النفسي، وفي علم النفس النحوي، والنحو الإشاري، والمقصود بالندرة هنا: نُدرة الدراسات في تطبيق علم النفس على المقاصد النحوية، وعلى المعاني المعجمية، في العربية". ويضيف: "لقد حاولنا أن نجعل من هذا الكتاب مساهمة عربية أصيلة في ميدان لا تزال الجهود فيه مشتتة، بل وغائبة في بعض الفروع الدقيقة، خاصة في تتبع دلالات الحذف والتقديم والتأخير والتركيب في ضوء الإشارات المصاحبة للكلام، وما تنطوي عليه من إيحاءات شعورية وانفعالية". ويتضمن الكتاب تطبيقات تحليلية على الحديث النبوي الشريف، بوصفه نموذجًا لغويًا مركّبًا يجمع بين التعبير اللفظي وغير اللفظي، ويُظهر كيف تؤثر الإشارة، والنظرة، وحركة الجسد تأثيرا دلاليًا عميقًا في نقل المعنى وتثبيته لدى المتلقي. ويُعد الخطاب النبوي في هذا السياق مصدرًا غنيًا لتحليل التراكيب السيميائية والنفسية للكلام، حيث تجتمع فيه الفصاحة مع الإبانة بالحركة؛ مما يعزز من وظيفة اللغة بوصفها أداة شعورية متكاملة. ويمثّل هذا الكتاب إضافة علمية عميقة في مسار الدراسات اللغوية والنفسية العربية، ويضع حجر الأساس لمنهج تطبيقي حديث يدمج بين علوم اللغة وعلوم النفس في تحليل الخطاب العربي. كما يفتح المجال أمام الباحثين العرب لاستكشاف أبعاد جديدة في فهم اللغة بوصفها كائنا حيا متفاعلا مع الإنسان والواقع والوجدان. الدكتور علي محمد نور المدني هو أكاديمي بحريني معروف، وأحد الأسماء المرموقة في ميدان الدراسات اللغوية التطبيقية في العالم العربي، حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية الحديثة من جامعة ليدز في المملكة المتحدة عام 1987. التحق بهيئة التدريس في جامعة البحرين عام 1987 وتدرج في الرتب الأكاديمية حتى حصل على الأستاذية عام 2011، كما شغل منصب رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير وشارك في لجان التحكيم والنشر العلمي. له رصيد علمي متميز يتجاوز ستة عشر بحثًا منشورًا في مجلات محكمة، بالإضافة إلى مساهمات عديدة في المؤتمرات والندوات العلمية. وهو عضو في عدد من الهيئات العلمية والأكاديمية من بينها الهيئة العليا للذخيرة العربية بجامعة الدول العربية، والجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومرصد ملبورن للغة العربية بأستراليا.


ساحة التحرير
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- ساحة التحرير
التحليل الأسلوبي للنص الأدبي!عدنان عويّد
التحليل الأسلوبي للنص الأدبي! د. عدنان عويّد* هناك فرق كبير برأيي بين الدراسات النقديّة للأدب من وجهة نظر الدراسات الأسلوبيّة, وبين الدراسات القائمة على مناهج النقد الأدبي السياقيّة منها أوالنسقيّة, كـ (البنيويّة, والتفكيكيّة, والشكلانيّة, والواقعيّة, والواقعيّة الاشتراكيّة ونظريّة الانعكاس..) وغير ذلك. هذا بالرغم من أن الدراسات الأسلوبيّة تتضمن بعض معطيات هذه المناهج بالضرورة, إلا أن الدراسات الأسلوبيّة أكثر علميّة من جهة, وأكثر شموليّة وتعقيداً من جهة أخرى. ونظراً لأهميّة اللغة كقاسم مشترك بين علم الأسلوبيّة والعلم المنهجي في النقد الأدبي, فثمة علاقة وطيدة تكامليّة بين علم الأسلوب وعلم اللغة أيضاً, فكل منهما يكمل الآخر, فَعَاِلمُ الأسلوب يحتاج في دراساته التحليليّة إلى قدر من علم اللغة يكفيه لفهمه اللغوي للنصوص، كما يحتاج عالِم اللغة إلى قدر من المقولات الأدبيّة تكفيه بالمقابل للإحاطة اللغويّة بالنصوص الأدبيّة. ونظراً لتعدد المستويات التي يشتغل عليها الأسلوب كما سيمر معنا لاحقاً لذلك يفضل في الدراسات الأسلوبيّة تناول مستوى واحداً من مستويات الأسلوبيّة عند دراسة أي نص أدبي, لتلافي الدخول في متاهات تلك المستويات إذا ما اجتمعت في دراسة واحدة كما سيتبين معنا لا حقاً, وعلى هذا يأتي اختيارنا لدراستنا هنا للمستوى البلاغي في التحليل الأسلوبي. دون إهمال لبقية المستويات ولو من باب التعريف بها. مستويات التحليل الأسلوبي للنص الأدبي: المستوى البلاغي في علم الأسلوب: يدين التحليل الأسلوبي في نشأته وتطوره إلى علم اللغة, وقد أستفاد منه النقد الأدبي واعتبره واحداً من مجالات نقد الأدب, باعتباره – أي التحليل الأسلوبي – يشتغل على بنية لغويّة ينتجها الأديب عن وعي وقصد تامين, إضافة إلى اعتناء التحليل الأسلوبي بدراسة (النص الأدبي) ووصف طريقة صياغته والتعبير عنه, وتزويد علم البلاغة بالنتائج التي يصل إليها من قراءة النصوص وتحليلها، وذلك بعد استخلاص التحليلات النصيّة وقراءة ما وراء السطور, كالمضمر والمسكوت عنه, وإبراز أشكال المجاز, وأنساق الصور الفنيّة, وطريقة تكوين البنية التخيليّة في النص بأكمله. وهذه المهمة للتحليل الأسلوبي الأدبي تعتبر من أهم وجوه الدراسة الأسلوبيّة، وذلك لما في هذه الدراسة من تخطٍ للخصائص الجزئيّة للعمل الأدبي، والنظر إليه بشموليته التي توضح خصائصه المميزة له عن غيره من الأعمال الأدبيّة. وليس هناك من مبالغة في القول بأن الأسلوبيّة أحيانًا تكون جزءاً من نموذج التواصل البلاغي، وتنفصل أحيانًا عن هذا النموذج أو تتسع حتى تكاد أن تمثل البلاغة كلها باعتبارها ـ الأسلوبيّة ـ بلاغة مختزلة أو مكثفة, على اعتبار المستوى البلاغي يدرس الصور الفنيّة والاستعارات والمجازات، واستخدام المحسنات البديعيّة، وأساليب الإنشاء الطلبي. كـ (اﻷﻣﺮ واﻟﻨﻬﻲ واﻻﺳﺘﻔﻬﺎم واﻟﺘﻤﻨﻲ واﻟﻨﺪاء. وغير الطلبي, كـ ( المدح، والذم، والقسم، والتعجب والرجاء, وفي المدح والذم (1). والاستفهام، والأمر، والنهي، والقسم، والتعجب، والنداء، والدعاء، وما تؤدّيه كل هذه الأساليب من معان. (2). على العموم إن دراسة التحليل الأسلوبي على المستوى البلاغي تُساعد في الوصول إلى استنتاجات كثيرة يتضمنها النص المسلط عليه ضوء هذا التحليل, كما تساعد على امتلاك القدرة في الربط بين مفردات النص بكل مكوناتها، وجعل القارئ يتعمق فيما وراء السطور ليكتشف ما يريده كاتب النص. إن عالم الأسلوب ينظر إلى النص الأدبي من زاوية بلاغيّة النص نظرة خاصة, تهدف إلى كشف جوانب جماليّة اللغة ودورها ومكانتها في جميع ظواهرها أو تجلياتها, بدءا بالأصوات, مروراً بحسن اللفظ وجودة المعنى, وصولاً إلى أبنيّة الجمل الأكثر تركيباً. وهو علم يحدد قدرة الأديب أو المبدع أيضاً على استعمال أصوات وتراكيب اللغة استعمالا فنيّا جماليّا من خلال تفاعل العناصر اللغويّة كلّها في ما بينها داخل النص، ثم مدى تأثير كلّ تلك العناصر اللغويّة على المتلقي وما تحدثه من أثر جميل فيه، وبناء على ذلك يتخذ علم الأسلوب ثلاثة مقوّمات أساسيّة لتحليل النص الأدبي لغوياً هي: أولها: يتعلق باختيارات الكاتب المتنوّعة من إمكانات اللغة الهائلة. وثانيها: استخدامه الانزياحات اللغويّة عن النمط المعهود للغة بما تحمله هذه الانزياحات من تشبيه واستعارة وكناية وتقديم وتأخير أو انزياحات نحوية وصرفية وغير ذلك من مفردات البلاغة. وثالثها: قوالبه التي يختارها للتعبير. حتى يمكن القول إنّ أسلوب الكاتب لمحة عن حياته أو هو الكاتب أو الأديب ذاته. أما أهم المفردات التي يشتغل عليه الأسلوب في علاقته مع البلاغة: أولا حسن اللفظ : إن اللفظ مثلاً يجب يكون سمحاً, سهل مخارج الحروف في مواضعها, عليه رونق الفصاحة, وأن لا تكون اللغة وحشية بحاجة للقواميس اللغوية, وأن لا تكون متنافرة الحروف. فالكلام الفصيح هو الظاهر البين الذي يستلذ له السمع ويميل إليه, ولحاسة السمع الدور كبير في استحسان اللفظ أو النفور منه. لذلك يجب أن تكون الألفاظ مسبوكة مع الخلو من البشاعة. فجزالة اللغة تستخدم عادة في مواقف القوة والفخر وما شابه. أما اللغة الرقيقة العذبة في الفم واللذيذة في السمع, والرقيقة الحاشية والناعمة الملمس, فنجدها في الغزل ووصف ما هو جميل وما جرى مجراهما. هذا ويجب أن تكون معاني الجزالة والرقة تنسجم مع ألفاظهما, وأن حسن اللفظ قائم على رنته الموسيقية اللذيذة في الأذن, وأن تكون اللفظة الواحدة منسجمة مع بقية أجزاء الكلام, ففي إتقان السبك أو براعة الصياغة يكمن سر فن التعبير. وعلى هذا يمتاز الكلام الجديد بسلاسته ونصوعه وسهولته وتخير لفظه وإصابة معناه, وجودة مطالعه ولين مقاطعه واستواء تقاسيمه وتعادل أطرافه. إن الأديب الشاعر أو القاص أو الروائي, عندما يقوم بوصف معاناة الإنسان في ظروف الفقر والمرض والجوع والحروب على سبيل المثال، نراه مبدياً مشاركته الوجدانيّة مع هذه الحالات, ومختاراً المفردات الصوتيّة الرئيسة المعبرة في مثل هذه الحالات الاجتماعيّة, كالإغراق في الحزن والشكوى لما تثيره من أسف وتحسر على المظاهر البادية له. لذلك نجد في متن النص الأدبي مفردات صوتيّة مثل: (عجفاء- مسلولة – هزال – ميتة – مخالب – عمياء – الجوع – يقتل – عواء – الجثة – الكفن.) وغير ذلك. وكذا الأمر حين ننظر إلى الصور التي يرسمها الشاعر أو القاص أو الروائي من خلال التراكيب نحو : (الخيمة العجفاء – مخالب الريح – أغرق في ذكرياتي – تعفن الجسد – مثخن بالجراح –عواء الريح.). فهذه الصور سوداويّة قاتمة يسكنها الحزن القوي المغموس بالألم. أما في حالات الفرح والانتصار والنجاح وغير ذلك, لا شك أن المفردات الصوتيّة والصور ستكون مشبعة بالفرح والمسرة والهناء والسعادة. ثانياً علاقة اللفظ والمعنى: لا يمكن أن تكون هناك جماليّة حقيقة للفظ إذا لم يرتبط اللفظ بالمعنى, فاللفظ جسم وروحه المعنى. وطرفي المعادة هذه تتطلب: 1- جودة المعنى: إن جودة المعنى تأتي من اتفاق المقال مع واقع الحال. فلكل مقام مقال. فهناك المديح والهجاء والرثاء والوصف والتشبيه, والمبالغة والاشارة والارداف. وهناك (النسيب وهو الشعر الذي يبين فيه التهالك في الصبابة, والإفراط في الوجد واللوعة, ونجد فيه من التصابي والرقة أكثر من الخشن والجلادة, و فيه من الخشوع والذلة أكثر من الإباء والأنفة والعز, وأن يكون جماع الأمر فيه, ما ضاد التحفظ والعزيمة, ووافق الانحلال والرخاوة.).(3). ومن عيوب المعاني يأتي فساد المقابلات, وفساد التفسير, والاستحالة, والتناقض, ومخالفة العرف, وعدم إصابة الوصف والتشبيه. ويأتي أيضاً: ( الإخلال: 'وهو أن يترك من اللفظ ما يتم به المعنى . والحشو: 'وهو أن يحشى البيت بلفظ لا يحتاج إليه لإقامة الوزن' . والتثليم: 'وهو أن يأتي الشاعر بأسماء يقصر عنها العروض، فيضطر إلى ثلمها والنقص منها'. والتذنيب: 'وهو عكس التثليم، وذلك أن يأتي الشاعر بألفاظ تقصر عن العروض، فيضطر إلى الزيادة فيها'. والتغيير: وهو أن يحيل الشاعر الاسم عن حاله وصورته إلى صور أخرى، إذا اضطرته العروض إلى ذلك'. والتفصيل: وهو ألا ينتظم للشاعر نسق الكلام على ما ينبغي لمكان العروض، فيقدم ويؤخر). (4). ومن أهم أغراض الشعراء أيضا, تأتي: (المعاني الشعرية الخالصة: وخير المعاني هنا ما مال القلب إلى قبولها أسرع من اللسان إلى وصفها.(5). وهناك (اللحظة الشعريّة: وهي بالضرورة كتابة شاقة، ذلك لأنها من المفترض أن تستجلي كوامن الذات، وتكشف عن تلك الشحنة التي تتلبس الشاعر في لحظة، وهي بالضرورة لحظة زمنيّة، يسموا إليها الشاعر بوثبة من وثبات خياله, ويكفي فيها قول النقاد بأنها تهز النفوس وتخلب الألباب).(6). رابعاً هناك أيضاٍ التكرار في الشعر: يُعدّ التكرار ظاهرة فنيّة عرفها الشعر العربي منذ القديم، وأقبل علی توظيفها كبار الشعراء، للتعبير عن أفكارهم وتطلّعاتهم, فالتكرار يحمل في ثناياه دلالات نفسيّة وانفعاليّة مختلفة تفرضها طبيعة السياق، ويُعدّ وسیلة من وسائل تشكيل الموسيقي الداخليّة, ومحفزاً لإثراء دلالات النص، وإغناء الخطاب جمالاً وائتلافاً نسقيّاً. وللتكرار أيضاً أهمية خاصة إذ هو أسلوب تعبيري يصوّر انفعالات النفس وخلجاتها، واللفظ المكرَّر هو المفتاح الذي ينشر الضوء على الصورة، لاتّصاله الوثيق بالوجدان, فالمتكلّم إنّما يكرّر ما يثير اهتماماً عنده، وهو يحبّ في الوقت نفسه أن ينقله إلى نفوس مخاطبيه، أو مَن هم في حكم المخاطبين ممّن يصل القول إليهم على بُعد الزمان والمكان, ولذا اتُّخذ التكرار وسيلة لتحقيق الموسيقى كما بينا قبل قليل، التي هي بلا شك أقوى وسائل الإيحاء، وأقربُ إلى الدلالات اللغويّة النفسيّة في سيولة أنغامها. (7). كما يعد التكرار أحد العوامل التي ترتبط بالقدرة على الفهم, فالفهم يكون أسرع في حالة استخدام التكرار بالألفاظ نفسها داخل القصيدة الحديثة. و التكرار هو أساس الإيقاع بجميع صوره، فنجده في الموسيقى بطبيعة الحال، كما نجده أساسا لنظرية القافية في الشعر, وللتكرار مدلول نفسي (سيكولوجي) يساعد الناقد على تحليل نفسيّة الشاعر، والدوافع الحقيقية التي لا يخفيها عن الآخرين, أو التي لا يشاء أن يفصح عنها فيهدينا إليها التكرار، مما يجعلها على تماسك مباشر واندماج سريع من أحداث القصيدة, ثم إنّ تعبير الشاعر عن هذه الجوانب يعيد التوازن إلى حالته الطبيعيّة, فهو مضطر إلى أن يفرغ هذه المشاعر التي يكون التكرار وسيلة من وسائل الترفيه عن النفس. وللتكرار فوائد كثيرة في الحقيقة، فهو أداة أدبية لها دور جمالي في النص مثل كل الأساليب البلاغية الأخرى، بشرط أن يأتي التكرار في مكانه في النص، لكي يقوم بدوره الجمالي، وسيظل التكرار بشكل عام في معظم النصوص الأدبيّة وسيلة لتحرير أعمق الأسرار الأدبيّة. وسائل تحقّق التكرار في النصّ الأدبي: يتحقق التكرار في النص الأدبي عبر أشكال عدّة، منها: 1- تكرار الحرف: وهو يقتضي تكرار حروف بعينها في الكلام، ممّا يعطي الألفاظ التي ترد فيها تلك الحروف أبعاداً تكشف عن حالة الشاعر النفسيّة. فتكرار الحرف (من أبسط أنواع التكرار وأقلّها أهميّة في الدلالة، وقد يلجأ إليه الشاعر بدوافع شعورية، لتعزيز الإيقاع في محاولة منه لمحاكاة الحدث الذي يتناوله، وربما جاء للشاعر عفواً دون قصد.). (8). 2- تكرار اللفظة أو الكلمة: وهو تكرار الألفاظ الواردة في الكلام لإغناء دلالاتها وإكسابها قوةً تأثيريّة. فتكرار الكلمة يمتلك في النصّ أثراً عظيماً في موسَقَته, إذ تکون القيمة السمعيّة لهذا التكرار أكبر من قيمة تكرار الحرف الواحد في الكلمة. ويكون هذا التكرار ناتجاً عن أهمية هذه المفردة وأثرها في إيصال المعنى، حيث تأتي مرّة للتأكيد أو التحريض ولكشف اللبس، فضلاً عن ما تقوم به من إيقاع صوتي داخل النصّ الشعري.(9). 3- تكرار الترکيب: يعد تكرار الترکيب أو الجملة هو تكرار يعكس الأهميّة التي يوليها المتكلّم لمضمون تلك الجمل المكرّرة بوصفه مفتاحاً لفهم المضمون العام الذي يتوخّاه المتكلّم، فضلاً عمّا تحقّقه من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه, وربّما تكون هذه العبارة هي المرتكز الأساس الذي يقوم عليه البناء الدلالي للنصّ، فضلاً عن المهمّة النغميّة التي يؤدّيها التكرار. ويحتاج تكرار التراکيب إلى مهارة ودقّة, بحيث يعرف الشاعر أين يضعه، فيجيء في مكانه اللائق، وأن تلمسه يد الشاعر تلك اللمسة السحرية التي تبعث الحياة في الكلمات. ويعدّ تكرار الكلمة في النصّ، وتكرار الجملة في السياق ذا أثر عظيم في توافر الجانب الموسيقيّ، ولهذا التكرار من القيمة السمعيّة ما هو أكبر ممّا هو لتكرار الحرف الواحد في الكلمة أو في الكلام (10). والتكرار أخيراً يُظهر الأهميّة لقدرة الشاعر على تكوين سياقات شعريّة ذات دلالات فنيّة تخيليّة مثيرة للمتلقي، تعمل على جذب انتباهه, ليتمثل القارئ النصَّ الشعريَّ الذي يصوّره الشاعر.(11). فضلاً عمّا تحقّقه من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه كما بينا قبل قليل. ومن أهم المستويات التي يسلط عليها النقد الأسلوبي الأدبي مبضعه أيضاً يأتي: – المستوى الصوتي: إن النص الأدبي بنية لغويّة كما في أساسه كما بينا في موقع سابق, ومن هذا المنطلق تبدأ الأسلوبيّة بالإفادة من الإمكانات التعبيريّة الكامنة في المادة الصوتيّة التي هي كل ما يحدث إحساسات سمعيّة عند المتلقي. كالأصوات وما يتألف منها، وتعاقب الرنات المختلفة للحركات، والإيقاع والشدّة وطول الصوت والتكرار والتجانس، وغيرها من الإمكانات التعبيريّة الصوتيّة. كما ويُدرس فيه الوزن، والقافية، والتنغيم، والنبر، والقطع، وصفات الأصوات من همس وجهر وشدّة ورخاوة, وأثر كل ذلك في المعنى.(12). وهناك عناصر الإلقاء الصوتي كالنطق واللفظ وطبقة الصوت. (ويتضمن الإلقاء الفعّال ثلاثة عناصر رئيسيّة هي: الصوت، والجسد واللغة، ويتضمن الإلقاء الصوتي معدل السرعة والتوقفات، حجم الصوت، طبقة الصوت وتغيراتها، نوعية الصوت، النطق واللفظ. بينما تتضمن عناصر الإلقاء الجسدي المظهر، الوقوف، تعابير الوجه، الاتصال البصري، الحركة، الإيماءات..). (13). – المستوى الصرفي: ويُدرس فيه الصيغ الصرفية، والعناصر الصوتيّة وما ينتج عنها من معاني صرفيّة أو نحويّة، وتأثير الصرف على المعاني النحويّة. والانتباه للاشتقاقات، والعلاقات القائمة بينها، فإن القاعدة اللغوية التي تقول: (إن كل زيادة في المبنى تؤدي إلى زيادة في المعنى). صحيحة, إلا أنه لابد من الانتباه إلى أن هذه الزيادة في المعنى لا تؤدي إلى قطع الصلة بين الأصل والاشتقاق. – المستوى النحوي أو التركيبي: وتُدرس فيه الجملة من حيث طولها و قصرها، والفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، والتقديم والتأخير، والإضافة، والتعريف والتنكير، والصفة والموصوف، والعدد والمعدود، والصلة والموصول، والتذكير والتأنيث، والروابط وما تشمله من حروف وأفعال وتراكيب مكانيّة وزمانيّة، والبنية العميقة والبنية السطحيّة، والمبني للمعلوم والمبني للمجهول، والقرائن اللفظية أو المعنوية التي يستخدمها الكاتب، وطبيعة الضمائر، وغيره الكثير، مما له من دور في المعنى. وهنا ينتقل المحلل الأسلوبي من الأصوات المفردة إلى الكلمة التي تتكون من مجموعة متضامه من الأصوات اللغويّة منتجة دلالات خاصة أو متعددة يستدعيها السياق النصي الذي ينتجه المبدع عن وعي وقصد, ويتجسد في اختيار مجموعة معينة من المفردات اللغوية دون غيرها, فالمفردات اللغوية تشكل رصيدًا ضخمًا من الوسائل الأسلوبيّة التي يتم انتقاء الكلمة المناسبة منها، وما المترادفات والمشتركات وتنوع دلالات الألفاظ والتطور الدائم في ذخيرة المفردات والمرونة في اختيار الكلمة والعبارات الجاهزة والأقوال المأثورة سوى الأساس الذي يعتمد عليه التنويع في البناء الأسلوبي .(14). – المستوى الدلالي: ويُدرس فيه العتبات كـالعناوين، والكلمات المفاتيح، والسياق اللغوي، والصيغ اللغوية والاستفهاميّة، وطبيعة المعجم اللغوي المستخدم في النص، والرموز، وعلامات التأنيث والتذكير، والجمع والتعريف. – مستوى الصورة: وهنا يرصد المحلل الأسلوبي في هذا المستوى, المظاهر التعبيريّة التي يستخدمها المبدع في النص من خلال عمليّة التصوير الفني، فالصورة الفنيّة أو الأدبيّة إن هي إلا انحرافات دلاليّة لبعض المفردات اللغويّة، والانحراف أو الانزياح ـ في المصطلح الأسلوبي ـ ينتج عددًا من القيم الأسلوبيّة التي تُسهم في الثراء الدلالي للنص الأدبي، وهذا ما يبرز جليًّا في المستوى الحقيقي والمجازي، حيث الأول هو الأصل والثاني انحراف متعمد عنه, لأنه ينتج قيمًا فنيّة ودلاليّة لا ينتجها المستوى الحقيقي ،(15). على العموم : إن دراسة مستويات التحليل الأسلوبي، تستلزم محللًا أسلوبيًّا، بدلًا من الناقد الأدبي، وذلك لما بينهما من فرق وظيفيّ، فالمحلل الأسلوبي يُعنى بالبحث عن البنى الأسلوبيّة التي تُحدِث توترًا في النص، وتؤثّر على القارئ، وهو كثيرًا ما يستخدم حتى الإحصاء للبحث عما يعرف بالانزياحات الأسلوبيّة داخل النص, وعن قوانين الصوت وقواعد النحو والدلالة والبلاغة، ومدى تكرار هذه الانزياحات وتواترها. أما الناقد الأدبي، فلا يلتفت لتلك البنى الأسلوبيّة، إلا فيما تحدثه من أثر جمالي كبير في النص، ويقدّم للنص نقدًا انطباعيًّا ذاتيًّا، تكون تلك البنى الأسلوبيّة جزءًا من نقد النص, كما أن عمل الناقد الأدبيّ في النقد الأدبي يتعامل مع الظروف الذاتيّة والموضوعية التي تحيط بالأديب, ويكون أكثر حريّة. التحليل الأسلوبي من زاوية المتلقي : يظل للمتلقي دور هام في العمليّة الإبداعيّة, فهو الحكم على جودة النص، أو رداءته ومن ثم قبوله أو رفضه، وذلك يحتم على المبدع أن يطوع لغته حتى تخدم فكرته، بحيث تكون اللغة خاضعة لما هو سائد في عصره من طرائق تعبيريّة درج عليها مجتمعه، وهذه الحتميّة إنما تراعي دور المتلقي الذي سوف يصل إليه النص، فالنص الأدبي يكتب ليقرأ لا ليظل حبيس أدراج المكاتب. لذلك فلا يوجد إحساس بقيمة النص الأدبي إلا بمتلقيه، وتكمن قدرة صاحب النص في نجاحه وقدرته على إيقاظ ذهن القارئ، وذلك عن طريق المجيء بما لا ينتظره القارئ، أي اللجوء إلى غير المتوقع والتوجه إلى غير المألوف0 فالمبدع في نصه إنما عليه أيضاً مراعاة حالة المتلقي وثقافته، فلكل مقام مقال. وخطاب الإنسان لابد أن يكون ملائماً لدرجة فهمه, حتى لا ينصرف عن قراءة النص الذي يُعد وسيطاً لغويّاً يقوم بنقل فكر المؤلف إلى قارئه. ملاك القول: لاشك أنَّ النظريّةَ الأسلوبيّةَ هي لغويّةٌ أساسًا كما بينا في موقع سابق, وبالتالي فهي تتعرَّضُ بالدرس للنصوص الأدبيّة وغير الأدبية, إلا أنها تقوم بوصفُ النَّصِّ الأدبي بِنَاءً على مناهجَ مأخوذةٍ من علم اللغة كما يُعَرِّفُهَا الناقد الفرنسي ( مايكل ريفاتير) بأنها منهجٌ لغوي في الأساس, وذلك على أساسِ أنَّ النَّصَّ الأدبي نَصٌّ لغوي لا يمكن إدراكُ كُنْهِهِ أو سبرُ أغواره دونَ تحليلِ العلاقات اللغويّة التي ينطوي عليها . وقد تختلفُ الأسلوبيّةُ عن بعض نظريات النقد الأدبي من حيثُ اعتمادِهَا على منهجٍ موضوعيٍّ مأخوذٍ من مبادئِ علم اللغة, ولكنها فيما عدا ذلك تتفقُ مع غيرها من النظريات النقديّة المعاصرة من حيثُ التركيز على النَّصِّ الأدبي واعتباره نقطةَ البداية والنهاية في عمليات التحليل. لكنَّ العلاقةَ الوثيقةَ بينَ الأسلوبيّةِ وعلم اللغة جعلت للأسلوبيّة مكانًا في النقد الأدبي فأصبحت تحتلُّ المكانةَ التي كانت تحتلُّهَا الدراساتُ السيكولوجيّة والسوسيولوجيّة وغيرها من الدراسات التي قدَّمَتْ مناهجَ عديدةً للتفسير. وعلى هذا الأساس ساعدت الأسلوبية الناقد على التخلي عن هذه الدراسات التقليديّة التي يمكن أن تشتِّتَ الانتباهَ بعيدًا عن النص الأدبي, واقتربت بالناقد أكثر فأكثر من جوهر وظيفته التي تتمثل في تحليل العلاقات اللغويّة للنص الأدبي الذي ينهضُ عليها في أساسياته. وهذا برأي ما جعل الأسلوبيّة تقع في فخ الشكلانيّة, بل هي إذا ما أعطيناها صفة المنهج ليست إلا منهجاً شكلانيّاً في النقد الأدبي. كاتب وباحث من سوريا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش: 1– (في حقيقة الإنشاء وتقسيمه – موقع هنداوي -). 2- لدراسة هذه المستويات بشكل موسع يراجع – الأسلوبيّة النصيّة، تنظير وتطبيق لتحليل النصوص الأدبية، النص الشعري نموذجًا – د. ياسر عبد الحسيب رضوان. ). 3- ( الغزل والنسيب – موقع هنداوي). 4- (- عيوب المعـــاني والأساليب في تراث العرب – أ.د. محمد رفعت زنجير. موقع اللغة العربيّة.). 5- (استجابات الجمهور لقصائد أبي العتاهية في كتاب الأغاني دراسة ضمن مشروع بلاغة الجمهور – رحمة القرشي – وزارة الثقافة السعوديّة – 6- (اللحظة الشعرية تنثر القلق في جنبات القصيدة –عثمان حسن – موقع الخليج -). 7- (قراءات نقدية ظاهرة التكرار ودلالاتها الفنيّة في شعر الدكتور علي مجيد البديري- د. رسول بلاوي – موقع – صحيفة المثقف – بتصرف). 8- (لغة الشعر العراقي المعاصر، عمران خضير، ط1، الكويت، وكالة المطبوعات، 1982: 144.). بتصرف. 9- (قراءات نقدية ظاهرة التكرار ودلالاتها الفنيّة في شعر الدكتور علي مجيد البديري- د. رسول بلاوي – موقع – صحيفة المثقف – بتصرف). 10- ( التكرار بين المثير والتأثير، عزّ الدين علي السيّد، ط2، بيروت، عالم الكتب، 1978: ص80). بتصرف. 11- (التكرار وعلاقته بالنص الشعري: شعر لسان الدين بن الخطيب أنموذجًا -عبد الفتاح محمد سالم صالح السيد- موقع جامعة قطر.). بتصرف. 12- (النظرية الأدبية الحديثة – تقديم مقارن – ترجمة سمير مسعود – وزارة الثقافة – دمشق 1992م). بتصرف. 13- (عناصر الإلقاء الصوتي النطق واللفظ وطبقة الصوت – د. محمد ابراهيم بدره – موقع – ttps:// ). 14- (الشعر والتجربة – ترجمة سلمى الخضراء – مراجعة توفيق صايغ – دار اليقظة العربية ومؤسسة فرانكلين 1963 0). بتصرف. 15- (الشعر والتجربة – ترجمة سلمى الخضراء – مراجعة توفيق صايغ – دار اليقظة العربية ومؤسسة فرانكلين 1963 0). بتصرف. 2025-04-10