منذ 16 ساعات
شيخة الجابري تكتب: بين واحات العين ونخيلها
من «لي سَرَتْ مِ العِين سَرّايَه/ والمَلا بالنّوم نعّاس» إلى «يا رشا يا فوعةْ الفلّي» إلى «يا عِلي اعزف بصوتك وغنْ لي» إلى «تختلي بالشوق سرّايه» ذهاباً إلى «البارحة ما ذال جفني يا هَلي» وصولا وليس انتهاء بـ «يا الشامسي لا اتحّير هات القلم والدوايا، و«تصاويب الهوى والحِب مِشكل»، و«يا كحيل الطرف يا ذاك الجميل» و«شرتٍ عيل بصلايف»، وإلى الكثير الذي حمله لنا الزمن الماضي، وأصوات علي بن روغة، والشراري، وحارب حسن، وجابر جاسم، وميحد حمد، وخالد محمد، ومروان الخطيب، وسلطان محمد، والوسمي، إلى الزمن الذي ما عاد يُطربنا فيه إلاّ القليل من الأصوات النادرة.
ومن والدنا القائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان «طيب الله ثراه»، إلى الشاعر الدكتور مانع العتيبة، إلى الشعراء محمد بن سلطان الدرمكي، ومحمد راشد الشامسي، وعوشة بنت خليفة السويدي، وخليفة بن مترف، وبن مهيله، ومحمد وكميدش بن نعمان»، إلى القصائد القلائد التي شدت بها أجمل الحناجر، وبيوت العين الشعبية، وجلسات الضحى وتلك السوالف بين ظليل الغاف، والسدر، وبين ربوع العين الخلاّبة، ومقيض العين، ورطب نخيلها، وهمباها، وخيراتها التي تتجاوز مصايف جنيف وباريس ولندن.
تعود الذكريات كلما أخذنا الحنين إلى القديم، وكلما تهادت صحون «لخلاص، ولخنيزي، وبومعان» وخيرات العين، ومزارعها، وواحتها التي أحبها والدنا الراحل الشيخ زايد بن سلطان «طيب الله ثراه»، وحفر الأفلاج في ربوعها لتستمر يانعة يطيب حصادها للقاطفين، الذين ارتحلوا من أبوظبي إلى العين على ظهور المطايا، وعطايا الله ترافقهم في الطريق، إلى أن يصلوا إلى العين دار الزين، ويطيب لهم المقيض بين غرس وعاضد الموز، ومياه «العِيني والصاروج» تروي العطش وتبهج النفوس شربة هنيئة مريئة في صهد الصحراء، ووقيد القيظ.
أيام حلوةٌ كلما طافت بنا ذكرياتها ذهبنا إلى الأشرطة القديمة التي نحتفظ بها لنُلقمها نافذة صغيرة في «مسجّل جديم» ابتعناهُ من أيام محلات أفغان العامة، والسوق الجديم وسط المدينة، أشياء نعتني بها لأننا نعرف أننا نحتاجها، وأننا ذات يوم سنأخذها تحت ظلّة شريشه أو ليمونه أوهمباه أو حنّاه، ونجلس نستمع لتلك الأصوات والقصائد في طقس العين الصيفي بنسيمه العليل رغم سخونته أحياناً، لكننا نحبّه، لأن نسايم العين ترد الروح كما يقولون.
العين اليوم مدينة حديثة، جميلة، تزدان بحدائقها وبالتطور العمراني والحراك الجميل الذي نشاهده هذه الأيام، كلما مررنا بالواحات، أو ذهبنا نحو الأعمق من الطرق، والأقرب من الدروب التي تزينها النخيل والأشجار الوارفة.