#أحدث الأخبار مع #عمال_دير_المدينةأخبار السياحةمنذ 2 أيامسياسةأخبار السياحةحكايات عمال قرية دير المدينة ترويها الدكتورة رنا التونسىتروى لنا الدكتورة رنا التونسى رئيس لجنة البحوث والدراسات الأثرية بحملة الدفاع عن الحضارة المصرية، نائب رئيس الحملة أسرار حكايات قرية دير المدينة أسرار حكايات قرية عمال دير المدينة 'ست ماعت' التى ظلت مايقرب من أربعمائة عام في حالة من الاستقرار النسبى ثم بدأ التدهور يصيب القرية خلال نهاية عصر الأسرة العشرون نتيجة لاضطراب أمور الدولة السياسية والاقتصادية وتعرضت بعض المقابر الملكية للسرقة والتعديات وقد بقي مجموعة من العمال في مدينة هابو بالأقصر مظاهر التدهور وتشير الدكتورة رنا التونسى إلى أهم مظاهر التدهور والاضطراب الذى حل بالقرية من سلسلة الإضرابات التي يرجع تاريخها الى السنة التاسعة والعشرين من حكم 'رمسيس الثالث' أي في حوالى أخر عامين من حكمه وتم تدوين تفاصيل هذه الإضرابات بمنتهى الدقة و التفاصيل على 'برديةهاريس' و'بردية تورين' بردية تورين وتنوه الدكتورة رنا التونسى إلى أن أول إضراب منظم عرفه التاريخ ينسب إلى عمال قرية دير المدينة وذلك بعد أن فشلت الدولة في إمداد هؤلاء العمال بمخصصاتهم الشهرية وربما كان سبب ذلك الأزمة الاقتصادية التي كانت تعانيها البلاد ربما بسبب فساد كبار الموظفين والكهنة أو بسبب النزاعات السياسية في تلك الفترة. وذهب البعض إلى أن سبب فشل الحكومة في دفع تلك المخصصات يرجع إلى وباء اجتاح البلد الأمر الذي نتج عنه بعض التدهور في أحوال العمال، ومهما كان السبب فالنتيجة أن أصبح عمال الجبانة جائعين ولم تصلهم الغلال، ولم يتم العثور على أي وثيقة تتحدث عن شكاوى من التعينات أو تأخر رواتب العمال إلا في أواخر عهد الملك 'رمسيس الثالث'. ولكن لوحظ بوضوح خلال العام التاسع والعشرين من حكمه العديد من الإضرابات العمالية بسبب تأخر صرف مقررات العمال أكثر من مرة فقد كان من المقرر صرف حصص العمال في يوم 28 من كل شهر، وفى شهر (برمهات) صرفت متأخرة يوم واحد وفى شهر (برمودة) لم يحصلوا على مخصصاتهم على الإطلاق فأضرب العمال وكما وصفهم المصريون(لم يخرجوا من منازلهم)، وفى 28من شهر (بشنس) تم صرف جميع مستحقاتهم من الذرة كاملة ولكن في 28 (بؤونة) لم تتوفر الذرة ولم يتم سوى توفير 100 قطعة خشبية فذهب العمال إلى عمدة طيبة مطالبين بمخصصاتهم. وفى اليوم التالي ذهبوا إلى والى طيبة وكبير كهنة آمون وتذمروا وقدموا مطالبهم وكانت النتيجة أن الوالي وافق على طلباتهم ودعا الكاتب للمثول أمامه وقال له 'هذه الذرة الخاصة بالحكومة تعطى حصص لعمال المقبرة' وهكذا تم إصلاح المشكلة وبالفعل في نهاية الشهر احتوى دفتر يوميات العمال على هذه الملاحظات 'تسلمنا اليوم حصتنا من الذرة وأعطينا حاملي المروحة صندوقين ولوحة كتابة ' والواضح ان سبب الهدية التي أعطاها العمال لهم لانحيازهم لصفوف العمال وكان لهم دور في مراعاة ادعاءات العمال. وفى نفس العام التاسع والعشرون من حكم الملك رمسيس الثالث بدأت الأمور في التدهور بشكل أسوء فكانت حالة العمال سيئة للغاية ومؤسفة فهم كانوا لا يحصلون على مخصصاتهم الا بعد عناء وفى هذه المرة تركوا المدينة ومعهم زوجاتهم وأولادهم وهددوا بعدم العودة الا إذا تم تحقيق مطالبهم وصرف رواتبهم. كما أن الوثائق أوضحت أن هذه الحالة السيئة البائسة للعمال استمرت حوالى ستة أشهر (أي من شهر بؤونة حتى شهر كيهك) ثم مرت تسعة أيام من شهر (طوبة) دون أن يتسلم العمال مخصصاتهم ويبدوا أنهم اعتادوا على أن حل تأخير حقوقهم ومخصصاتهم هو الإضراب عن العمل ثم فقدوا صبرهم وقاموا بإضراب أخر. وتتابع الدكتورة رنا التونسى بأن العمال قد أحسوا بأهمية اتخاذ موقف قوى ضد التأخر المتكرر في صرف مقرراتهم وأيقنوا أن هذا الأسلوب في الضغط والشكوى يقابله المسئولين عادة بحل الأزمة و صرف مخصصاتهم، فكانوا بعد ذلك يعلقون الإضراب ويعودون لأعمالهم ثم يعاودون الإضرابات بعد التأخير لمرة أخرى حتى يتم صرف مخصصاتهم. وفى اليوم العاشر من شهر (أمشير) عبرت جموع العمال من الجدران الخاصة بالمدينة وصرخوا أول صرخة احتجاج في العالم قائلين 'نحن جائعون نموت جوعًا من ثمانية عشر يوما مرت من الشهر' ثم جلسوا خلف المعبد الجنائزي للملك 'تحتمس الثالث' على حافة الأرض المزروعة وحضر كاتب القبر السرى واثنين من رؤساء العمال واثنان من ممثلي العمال واثنان من الضباط ليحملوهم على العودة ونادوهم قائلين 'عودوا واقسموا ايمانًا مغلظة قائلين: 'يمكنكم أن تعودوا فمعنا أمر الملك'، رفض العمال العودة بشدة ولم يستجيبوا لهم وأمضوا النهار في نفس المكان ولم يعودوا إلى منازلهم الا عندما حل المساء. ظل العمال هذ اليوم خارج المعبد ولكنهم فى اليوم التالي(اليوم الحادي عشر من شهر أمشير) تحركوا لأبعد من ذلك حتى وصلوا عند البوابة الجنوبية لمعبد الملك 'رمسيس الثاني' (الرامسيوم). وفى اليوم الثالث(اليوم الثاني عشر من شهر أمشير) اقتحموا المعبد وقاموا بالتهديد وحضر ضابطتان من الشرطة فى ذلك اليوم إلى العمال وحاول الكهنة أيضا تهدئتهم وكان رد العمال 'لقد دفعنا الجوع والعطش وليس لدينا ملابس وليس لدينا طعام وليس لدينا زيت أكتب لسيدنا الملك بخصوص هذه الأشياء وكذلك أرسلوا للوزير رئيسنا حتى يمدنا بما نعيش به' وبالفعل نجحت جهودهم فى ذلك اليوم و تسلموا مخصصاتهم فى اليوم الثالث عشر من شهر(أمشير) ثم عادوا إلى عملهم فى المقبرة بزوجاتهم وأولادهم وعاد الهدوء السلام ولكنه لم يستمر طويلًا، فقط كان شهر واحدًا، ومرة أخرى عبر العمال سور المدينة واقتربوا من بوابة المدينة وهنا تعامل معهم الحاكم مباشرة وقال لهم: 'ماذا أستطيع أن أعطى لكم حينما تكون المخازن فارغة؟' ولكنه فى نفس الوقت أمر لهم بأن يأخذوا نصف حصصهم المتأخرة لهم. تغير أسلوب العمال في اليوم الثالث عشر بالهجوم على معبد الرامسيوم واقتحامه وكان هذا عملًا إيجابيًا من حيث النتائج ولكن أيضا له خطورته حيث استجاب لهم سريعًا عددًا كبيرًا من المسئولين وكانت نتيجة هذا التطور فى الأحداث أن صرفت لهم مقرراتهم عن الشهر السابق ولكن هذا النجاح الذي حققوه جعلهم يطلبون مخصصاتهم عن الشهر الحالي أيضا. وفى الشهر السابع (برمهات) من العام الثلاثين من حكم الملك تكررت نفس الأزمة وتأخرت المقررات الخاصة بالعمال فعرف العمال الوسيلة لإجبار الحكومة على صرف مستحقاتهم، فلم يكد يحل هذا الشهر حتى قاموا بالإضراب مرة أخرى فعبرت أعدادًا كبيرة منهم الجدران وأقاموا في طيبة وعندما وصل لتهدئتهم ثلاثة من الرؤساء قال العامل 'موسى بن ناخت': 'أقسم بآمون وأقسم بالحاكم الذى قوته أعظم من الموت أن لا يعود'، قاصدًا عدم العودة إلى العمل مما أدى إلى ضربه من قبل الرؤساء وذلك بسبب قسمه باسم الفرعون وليس بسبب الاحتجاج بشكل عام مما استفز العمال بشكل أكبر فعبرت هذه الأعداد الكبيرة من العمال الأسوار رغم أن الثلاثة رؤساء أطلقوا صيحات عظيمة فى وجوههم عند البوابة بالعودة للعمل ولكنهم لم يفلحوا ولذلك حضر اثنان من ضباط الشرطة واثنان من ممثلي العمال وذلك بواسطة 'آمون نخت' الكاتب السرى للقبر وقد قال العمال لرؤسائهم أنتم تغشون الملك ' لن نأتي قولوا ذلك لرؤسائكم وهم واقفون بين زملائهم وقولوا لهم أننا لم نتخط الأسوار بسبب جوعنا فقط ولكن لدينا إتهام خطير فإن جرائم ترتكب في هذا المكان التابع للملك'. ولا نعلم كيف انتهى أمر الإضراب هذه المرة وأمر هذه التهمة، ولكن هذه المرة نستطيع أن نجد بوضوح أن العمال قد تجرأوا أكثر من قبل فبينما يقولون عن الملك فى إضرابهم الأول: 'فلترسلوا إلى مولانا الطيب الملك'، فتجدهم فى هذه المرة تراهم يعرضون لشخص الملك ويتمردون على رؤسائهم في تحد ظاهر يلوحون إلى حدوث جرائم ترتكب فى مدينة الأموات(كسرقات المقابر)، وهكذا أوشك الأمر أن يتحول من مجرد إضراب للمطالبة بصرف حقوقهم ومقرراتهم إلى ثورة شاملة على الأوضاع الفاسدة التي سادت فى تلك الفترة وذلك تفسيرًاً لقولهم 'أننا لم نتخط الأسوار بسبب جوعنا' بمعنى أن هناك سبب أخر إضافة للجوع. فى اليوم الثامن والعشرين من شهر (برمودة) من نفس العام قام الوزير 'تا' بالسفر إلى الجنوب(مكان إقامة العمال) ويبدو أنه رفض مواجه العمال المضربين فأرسل رئيس الشرطة «نب سمن بن ناحس» إلى ثلاثة من رؤساء العمال كانوا واقفين أمام حصن طيبة الغربية قال لهم: قال الوزير 'إذا كان ينقص أي شيء ، فلن أتوانى فى المجيء وإحضاره لكم' أما عن قولكم «لا تأخذ منا مقرراتنا» فلماذا تقولون ذلك؟ ألم أعطيكم أكثر مما أعطاكم الوزراء الأخرون وإذا كان قد حدث في الأمر شيء؛ وإن لم يكن هناك شيئاً وكانت شونة الغلال فارغة، فسوف أعطيكم كل ما أجده'، وأن الكاتب 'حورى' سوف يعطى لكم نصف مقرراتكم، وسأتولى أنا توزيعها عليكم بنفسي' ويفهم من هذا النص أن العمال وجهوا تهمة الاختلاس والنهب والاستيلاء على مخصصاتهم إلى الوزير نفسه' ويبدو ذلك من جملة 'وعندما تقولون لا تأخذ منا مقرراتنا' وهكذا تمادى العمال في مهاجمة الوزير وقالوا عنه فى إضرابهم الأول «اكتبوا الى الوزير الذي يتولى أمرنا حتى يعطينا ما نعيش به' ونفهم أيضا أن الوزير لم يواجه العمال بنفسه ربما خوفًا من المواجهة أو خوفًا من ردود أفعالهم تجاهه فكتب خطابًا أرسله مع أحد ضباط الشرطة وقرأه على الرؤساء الثلاثة العمال، بل أنه وعد بصرف نصف مقررات العمال وهذا الوعد أيضاً لم يتحقق فلم يصرف لهم أكثر من كيسين من الحبوب مقررًا للشهر كاملًا. ثم تكرر الأمر حيث عانى العمال مرة أخرى من الاحتياج والجوع والنقص فى الموارد مما دفعهم للقيام بإضراب آخر فى اليوم الثاني من شهر 'بشنس' وبالفعل تم الاستجابة وفى اليوم التالي تم تحويل كيسين من الحبوب كإمداد لشهر كامل و من الطبيعي أن هذا التخفيض الذى حل مخصصاتهم لم يكفيهم كما كان سيستشيطهم غضبًا وعندئذ قال لهم رئيس العمال 'انظروا سوف أخبركم، خذوا مقرراتكم ثم اذهبوا إلى الميناء ودعوا موظفوا الوزير «تا» يخبره بذلك' وبالفعل عندما انتهى 'آمون نخت' من إعطائهم مخصصاتهم فذهبوا إلى الميناء تبعًا لما قاله لهم رئيسهم، ولكن عندما مروا بأول سور ذهب إليهم الكاتب 'آمون نخت' وقال لهم: 'لا تذهبوا الى الميناء لقد أعطيتكم كيسان من الحبوب في هذه الساعة ولكن إذا ذهبتم سأقدم للمحكمة كل من يذهب الى هناك وأعادهم مرة اخرى الى حيث جاءوا. فى اليوم الثالث عشرمن شهر (بشنس) اخترق فريق من العمال أسوار المدينة صائحين 'نحن جياع' ثم جلسوا خلف المعبد الجنائزي 'للملك مرنبتاح' ثم استدعوا عمدة طيبة عندما كان يمر فارسل لهم رئيس ملاحظي الماشية ليقول لهم :'أنظروا سوف أعطيكم هذه الخمسين كيسًا من الحبوب لمئونتكم حتى يعطى لكم الملك مقرراتكم' وهكذا قدم عمدة المدينة مساعدة والنجدة اللازمة للعمال الجائعين، مما جعل كبير كهنة آمون الذى تتكدس الغلال فى مخازنه يقدم شكوى ضد عمدة طيبة لأنه اخذ من القرابين الخاصة بمعبد رمسيس الثاني كحصة لإطعام العمال المضربين ووصف عمله بأنه 'جريمة كبرى تلك التي فعلها'. واختتمت الدكتورة رنا التونسى بأن بردية الإضراب لم ترصد أكثر من تلك المعلومات السابق ذكرها ولا يعرف كيف انتهت مشكلة هذا الجيل من العمال والموظفين… هل استطاعوا أن ينظموا أمورهم ويحلوا مشكلاتهم أم فشلوا؟ وعلى ما يبدو أن الأمور لم تستقر استقرارًا تامًا، فمع الأسف استمرت معاناة عمال الجبانة من أجل الحصول على مخصصاتهم وأجورهم وأصبحت الإضرابات التي لن تنقطع بعد ذلك هي الطريقة لحصولهم على حقوقهم. وبعد أربعين عامًا من تاريخ هذه الإضرابات أي فى عهد الملك 'رمسيس التاسع' وتحديدًا فى السنة الثالثة عشر من حكمه نقرأ فى التقارير اليومية لعمال القرية فى هذه الفترة التي قام بتحريرها أحد الكتبة المكلفين بصرف المخصصات للعمال 'أن العمال رفضوا القيام بالعمل لأيام متتالية بسبب تأخر مخصصاتهم خمسة وتسعين يومًا وذكرت أيضاً هذه اليوميات أن بعد ذلك بأربع سنوات استغل العمال فرصة إحدى الزيارات الرسمية للجبانة وقدموا شكواهم قائلين' نحن ضعاف وجياع لأننا لم نأخذ المرتبات التي أعطاها لنا الملك' وأقر كلامهم الوزير ورئيس الخزانة والكهنة وساقى الملك قائلين: 'رجال فرقة الجبانة على حق '. وبحلول العام الثالث من حكم الملك 'رمسيس العاشر' أي بعد خمسين سنة من أول إضراب تذكر اليوميات أن الوزير طلب من رؤساء العمال في الجبانة إرسال رجال لنقل ملابس الملك، ولكن العمال رفضوا الاستجابة لأنهم كانوا في هذا الوقت في حالة ثورة، وقد أجاب عامل لرسول الوزير قائلا 'دع الوزير نفسه يحمل ملابس الملك نفر كار رع وكذلك خشب الارز'، فى نفس العام جميع فرق العمال توقفت عن العمل فى الجبانة وعبروا النهر متجهين إلى المدينة ليتقدموا بشكوى إلى كبار الموظفين، وقال كبير كهنة آمون أنه ليس المختص بصرف مخصصاتهم ليدفع عنهم الجوع وأن هذه المخصصات يجب أن تصرف لهم من رؤسائهم المباشرين ولكن العمال قضوا الليل فى مكتب رئيس الكهنة ليقدموا شكواهم فى الصباح. ودعي كبار الموظفين سكرتير الوزير ونائب وزير الشونة الملكية وطلبوا منهم أن يذهبا إلى غلال الوزير وأن يعطوا لرجال الجبانة مخصصاتهم منها» وقد قام العمال بإهداء صندوقين وأدوات كتابة الى اثنين من كبار الموظفين ربما عرفانًا بالجميل لدورهم في دعمهم، لا يوجد الكثير من المعلومات حول أوضاع العمال فيما بعد ولكن ويبدو أنه بنهاية الاسرة العشرين من أجل الحفاظ على الأمن وإخماد تلك الثورات تم نقل العمال إلى مدينة هابو، ويبدو أن كان لهم دور في إعداد الخبيئة الملكية خلال عصر الأسرة الحادية والعشرون.
أخبار السياحةمنذ 2 أيامسياسةأخبار السياحةحكايات عمال قرية دير المدينة ترويها الدكتورة رنا التونسىتروى لنا الدكتورة رنا التونسى رئيس لجنة البحوث والدراسات الأثرية بحملة الدفاع عن الحضارة المصرية، نائب رئيس الحملة أسرار حكايات قرية دير المدينة أسرار حكايات قرية عمال دير المدينة 'ست ماعت' التى ظلت مايقرب من أربعمائة عام في حالة من الاستقرار النسبى ثم بدأ التدهور يصيب القرية خلال نهاية عصر الأسرة العشرون نتيجة لاضطراب أمور الدولة السياسية والاقتصادية وتعرضت بعض المقابر الملكية للسرقة والتعديات وقد بقي مجموعة من العمال في مدينة هابو بالأقصر مظاهر التدهور وتشير الدكتورة رنا التونسى إلى أهم مظاهر التدهور والاضطراب الذى حل بالقرية من سلسلة الإضرابات التي يرجع تاريخها الى السنة التاسعة والعشرين من حكم 'رمسيس الثالث' أي في حوالى أخر عامين من حكمه وتم تدوين تفاصيل هذه الإضرابات بمنتهى الدقة و التفاصيل على 'برديةهاريس' و'بردية تورين' بردية تورين وتنوه الدكتورة رنا التونسى إلى أن أول إضراب منظم عرفه التاريخ ينسب إلى عمال قرية دير المدينة وذلك بعد أن فشلت الدولة في إمداد هؤلاء العمال بمخصصاتهم الشهرية وربما كان سبب ذلك الأزمة الاقتصادية التي كانت تعانيها البلاد ربما بسبب فساد كبار الموظفين والكهنة أو بسبب النزاعات السياسية في تلك الفترة. وذهب البعض إلى أن سبب فشل الحكومة في دفع تلك المخصصات يرجع إلى وباء اجتاح البلد الأمر الذي نتج عنه بعض التدهور في أحوال العمال، ومهما كان السبب فالنتيجة أن أصبح عمال الجبانة جائعين ولم تصلهم الغلال، ولم يتم العثور على أي وثيقة تتحدث عن شكاوى من التعينات أو تأخر رواتب العمال إلا في أواخر عهد الملك 'رمسيس الثالث'. ولكن لوحظ بوضوح خلال العام التاسع والعشرين من حكمه العديد من الإضرابات العمالية بسبب تأخر صرف مقررات العمال أكثر من مرة فقد كان من المقرر صرف حصص العمال في يوم 28 من كل شهر، وفى شهر (برمهات) صرفت متأخرة يوم واحد وفى شهر (برمودة) لم يحصلوا على مخصصاتهم على الإطلاق فأضرب العمال وكما وصفهم المصريون(لم يخرجوا من منازلهم)، وفى 28من شهر (بشنس) تم صرف جميع مستحقاتهم من الذرة كاملة ولكن في 28 (بؤونة) لم تتوفر الذرة ولم يتم سوى توفير 100 قطعة خشبية فذهب العمال إلى عمدة طيبة مطالبين بمخصصاتهم. وفى اليوم التالي ذهبوا إلى والى طيبة وكبير كهنة آمون وتذمروا وقدموا مطالبهم وكانت النتيجة أن الوالي وافق على طلباتهم ودعا الكاتب للمثول أمامه وقال له 'هذه الذرة الخاصة بالحكومة تعطى حصص لعمال المقبرة' وهكذا تم إصلاح المشكلة وبالفعل في نهاية الشهر احتوى دفتر يوميات العمال على هذه الملاحظات 'تسلمنا اليوم حصتنا من الذرة وأعطينا حاملي المروحة صندوقين ولوحة كتابة ' والواضح ان سبب الهدية التي أعطاها العمال لهم لانحيازهم لصفوف العمال وكان لهم دور في مراعاة ادعاءات العمال. وفى نفس العام التاسع والعشرون من حكم الملك رمسيس الثالث بدأت الأمور في التدهور بشكل أسوء فكانت حالة العمال سيئة للغاية ومؤسفة فهم كانوا لا يحصلون على مخصصاتهم الا بعد عناء وفى هذه المرة تركوا المدينة ومعهم زوجاتهم وأولادهم وهددوا بعدم العودة الا إذا تم تحقيق مطالبهم وصرف رواتبهم. كما أن الوثائق أوضحت أن هذه الحالة السيئة البائسة للعمال استمرت حوالى ستة أشهر (أي من شهر بؤونة حتى شهر كيهك) ثم مرت تسعة أيام من شهر (طوبة) دون أن يتسلم العمال مخصصاتهم ويبدوا أنهم اعتادوا على أن حل تأخير حقوقهم ومخصصاتهم هو الإضراب عن العمل ثم فقدوا صبرهم وقاموا بإضراب أخر. وتتابع الدكتورة رنا التونسى بأن العمال قد أحسوا بأهمية اتخاذ موقف قوى ضد التأخر المتكرر في صرف مقرراتهم وأيقنوا أن هذا الأسلوب في الضغط والشكوى يقابله المسئولين عادة بحل الأزمة و صرف مخصصاتهم، فكانوا بعد ذلك يعلقون الإضراب ويعودون لأعمالهم ثم يعاودون الإضرابات بعد التأخير لمرة أخرى حتى يتم صرف مخصصاتهم. وفى اليوم العاشر من شهر (أمشير) عبرت جموع العمال من الجدران الخاصة بالمدينة وصرخوا أول صرخة احتجاج في العالم قائلين 'نحن جائعون نموت جوعًا من ثمانية عشر يوما مرت من الشهر' ثم جلسوا خلف المعبد الجنائزي للملك 'تحتمس الثالث' على حافة الأرض المزروعة وحضر كاتب القبر السرى واثنين من رؤساء العمال واثنان من ممثلي العمال واثنان من الضباط ليحملوهم على العودة ونادوهم قائلين 'عودوا واقسموا ايمانًا مغلظة قائلين: 'يمكنكم أن تعودوا فمعنا أمر الملك'، رفض العمال العودة بشدة ولم يستجيبوا لهم وأمضوا النهار في نفس المكان ولم يعودوا إلى منازلهم الا عندما حل المساء. ظل العمال هذ اليوم خارج المعبد ولكنهم فى اليوم التالي(اليوم الحادي عشر من شهر أمشير) تحركوا لأبعد من ذلك حتى وصلوا عند البوابة الجنوبية لمعبد الملك 'رمسيس الثاني' (الرامسيوم). وفى اليوم الثالث(اليوم الثاني عشر من شهر أمشير) اقتحموا المعبد وقاموا بالتهديد وحضر ضابطتان من الشرطة فى ذلك اليوم إلى العمال وحاول الكهنة أيضا تهدئتهم وكان رد العمال 'لقد دفعنا الجوع والعطش وليس لدينا ملابس وليس لدينا طعام وليس لدينا زيت أكتب لسيدنا الملك بخصوص هذه الأشياء وكذلك أرسلوا للوزير رئيسنا حتى يمدنا بما نعيش به' وبالفعل نجحت جهودهم فى ذلك اليوم و تسلموا مخصصاتهم فى اليوم الثالث عشر من شهر(أمشير) ثم عادوا إلى عملهم فى المقبرة بزوجاتهم وأولادهم وعاد الهدوء السلام ولكنه لم يستمر طويلًا، فقط كان شهر واحدًا، ومرة أخرى عبر العمال سور المدينة واقتربوا من بوابة المدينة وهنا تعامل معهم الحاكم مباشرة وقال لهم: 'ماذا أستطيع أن أعطى لكم حينما تكون المخازن فارغة؟' ولكنه فى نفس الوقت أمر لهم بأن يأخذوا نصف حصصهم المتأخرة لهم. تغير أسلوب العمال في اليوم الثالث عشر بالهجوم على معبد الرامسيوم واقتحامه وكان هذا عملًا إيجابيًا من حيث النتائج ولكن أيضا له خطورته حيث استجاب لهم سريعًا عددًا كبيرًا من المسئولين وكانت نتيجة هذا التطور فى الأحداث أن صرفت لهم مقرراتهم عن الشهر السابق ولكن هذا النجاح الذي حققوه جعلهم يطلبون مخصصاتهم عن الشهر الحالي أيضا. وفى الشهر السابع (برمهات) من العام الثلاثين من حكم الملك تكررت نفس الأزمة وتأخرت المقررات الخاصة بالعمال فعرف العمال الوسيلة لإجبار الحكومة على صرف مستحقاتهم، فلم يكد يحل هذا الشهر حتى قاموا بالإضراب مرة أخرى فعبرت أعدادًا كبيرة منهم الجدران وأقاموا في طيبة وعندما وصل لتهدئتهم ثلاثة من الرؤساء قال العامل 'موسى بن ناخت': 'أقسم بآمون وأقسم بالحاكم الذى قوته أعظم من الموت أن لا يعود'، قاصدًا عدم العودة إلى العمل مما أدى إلى ضربه من قبل الرؤساء وذلك بسبب قسمه باسم الفرعون وليس بسبب الاحتجاج بشكل عام مما استفز العمال بشكل أكبر فعبرت هذه الأعداد الكبيرة من العمال الأسوار رغم أن الثلاثة رؤساء أطلقوا صيحات عظيمة فى وجوههم عند البوابة بالعودة للعمل ولكنهم لم يفلحوا ولذلك حضر اثنان من ضباط الشرطة واثنان من ممثلي العمال وذلك بواسطة 'آمون نخت' الكاتب السرى للقبر وقد قال العمال لرؤسائهم أنتم تغشون الملك ' لن نأتي قولوا ذلك لرؤسائكم وهم واقفون بين زملائهم وقولوا لهم أننا لم نتخط الأسوار بسبب جوعنا فقط ولكن لدينا إتهام خطير فإن جرائم ترتكب في هذا المكان التابع للملك'. ولا نعلم كيف انتهى أمر الإضراب هذه المرة وأمر هذه التهمة، ولكن هذه المرة نستطيع أن نجد بوضوح أن العمال قد تجرأوا أكثر من قبل فبينما يقولون عن الملك فى إضرابهم الأول: 'فلترسلوا إلى مولانا الطيب الملك'، فتجدهم فى هذه المرة تراهم يعرضون لشخص الملك ويتمردون على رؤسائهم في تحد ظاهر يلوحون إلى حدوث جرائم ترتكب فى مدينة الأموات(كسرقات المقابر)، وهكذا أوشك الأمر أن يتحول من مجرد إضراب للمطالبة بصرف حقوقهم ومقرراتهم إلى ثورة شاملة على الأوضاع الفاسدة التي سادت فى تلك الفترة وذلك تفسيرًاً لقولهم 'أننا لم نتخط الأسوار بسبب جوعنا' بمعنى أن هناك سبب أخر إضافة للجوع. فى اليوم الثامن والعشرين من شهر (برمودة) من نفس العام قام الوزير 'تا' بالسفر إلى الجنوب(مكان إقامة العمال) ويبدو أنه رفض مواجه العمال المضربين فأرسل رئيس الشرطة «نب سمن بن ناحس» إلى ثلاثة من رؤساء العمال كانوا واقفين أمام حصن طيبة الغربية قال لهم: قال الوزير 'إذا كان ينقص أي شيء ، فلن أتوانى فى المجيء وإحضاره لكم' أما عن قولكم «لا تأخذ منا مقرراتنا» فلماذا تقولون ذلك؟ ألم أعطيكم أكثر مما أعطاكم الوزراء الأخرون وإذا كان قد حدث في الأمر شيء؛ وإن لم يكن هناك شيئاً وكانت شونة الغلال فارغة، فسوف أعطيكم كل ما أجده'، وأن الكاتب 'حورى' سوف يعطى لكم نصف مقرراتكم، وسأتولى أنا توزيعها عليكم بنفسي' ويفهم من هذا النص أن العمال وجهوا تهمة الاختلاس والنهب والاستيلاء على مخصصاتهم إلى الوزير نفسه' ويبدو ذلك من جملة 'وعندما تقولون لا تأخذ منا مقرراتنا' وهكذا تمادى العمال في مهاجمة الوزير وقالوا عنه فى إضرابهم الأول «اكتبوا الى الوزير الذي يتولى أمرنا حتى يعطينا ما نعيش به' ونفهم أيضا أن الوزير لم يواجه العمال بنفسه ربما خوفًا من المواجهة أو خوفًا من ردود أفعالهم تجاهه فكتب خطابًا أرسله مع أحد ضباط الشرطة وقرأه على الرؤساء الثلاثة العمال، بل أنه وعد بصرف نصف مقررات العمال وهذا الوعد أيضاً لم يتحقق فلم يصرف لهم أكثر من كيسين من الحبوب مقررًا للشهر كاملًا. ثم تكرر الأمر حيث عانى العمال مرة أخرى من الاحتياج والجوع والنقص فى الموارد مما دفعهم للقيام بإضراب آخر فى اليوم الثاني من شهر 'بشنس' وبالفعل تم الاستجابة وفى اليوم التالي تم تحويل كيسين من الحبوب كإمداد لشهر كامل و من الطبيعي أن هذا التخفيض الذى حل مخصصاتهم لم يكفيهم كما كان سيستشيطهم غضبًا وعندئذ قال لهم رئيس العمال 'انظروا سوف أخبركم، خذوا مقرراتكم ثم اذهبوا إلى الميناء ودعوا موظفوا الوزير «تا» يخبره بذلك' وبالفعل عندما انتهى 'آمون نخت' من إعطائهم مخصصاتهم فذهبوا إلى الميناء تبعًا لما قاله لهم رئيسهم، ولكن عندما مروا بأول سور ذهب إليهم الكاتب 'آمون نخت' وقال لهم: 'لا تذهبوا الى الميناء لقد أعطيتكم كيسان من الحبوب في هذه الساعة ولكن إذا ذهبتم سأقدم للمحكمة كل من يذهب الى هناك وأعادهم مرة اخرى الى حيث جاءوا. فى اليوم الثالث عشرمن شهر (بشنس) اخترق فريق من العمال أسوار المدينة صائحين 'نحن جياع' ثم جلسوا خلف المعبد الجنائزي 'للملك مرنبتاح' ثم استدعوا عمدة طيبة عندما كان يمر فارسل لهم رئيس ملاحظي الماشية ليقول لهم :'أنظروا سوف أعطيكم هذه الخمسين كيسًا من الحبوب لمئونتكم حتى يعطى لكم الملك مقرراتكم' وهكذا قدم عمدة المدينة مساعدة والنجدة اللازمة للعمال الجائعين، مما جعل كبير كهنة آمون الذى تتكدس الغلال فى مخازنه يقدم شكوى ضد عمدة طيبة لأنه اخذ من القرابين الخاصة بمعبد رمسيس الثاني كحصة لإطعام العمال المضربين ووصف عمله بأنه 'جريمة كبرى تلك التي فعلها'. واختتمت الدكتورة رنا التونسى بأن بردية الإضراب لم ترصد أكثر من تلك المعلومات السابق ذكرها ولا يعرف كيف انتهت مشكلة هذا الجيل من العمال والموظفين… هل استطاعوا أن ينظموا أمورهم ويحلوا مشكلاتهم أم فشلوا؟ وعلى ما يبدو أن الأمور لم تستقر استقرارًا تامًا، فمع الأسف استمرت معاناة عمال الجبانة من أجل الحصول على مخصصاتهم وأجورهم وأصبحت الإضرابات التي لن تنقطع بعد ذلك هي الطريقة لحصولهم على حقوقهم. وبعد أربعين عامًا من تاريخ هذه الإضرابات أي فى عهد الملك 'رمسيس التاسع' وتحديدًا فى السنة الثالثة عشر من حكمه نقرأ فى التقارير اليومية لعمال القرية فى هذه الفترة التي قام بتحريرها أحد الكتبة المكلفين بصرف المخصصات للعمال 'أن العمال رفضوا القيام بالعمل لأيام متتالية بسبب تأخر مخصصاتهم خمسة وتسعين يومًا وذكرت أيضاً هذه اليوميات أن بعد ذلك بأربع سنوات استغل العمال فرصة إحدى الزيارات الرسمية للجبانة وقدموا شكواهم قائلين' نحن ضعاف وجياع لأننا لم نأخذ المرتبات التي أعطاها لنا الملك' وأقر كلامهم الوزير ورئيس الخزانة والكهنة وساقى الملك قائلين: 'رجال فرقة الجبانة على حق '. وبحلول العام الثالث من حكم الملك 'رمسيس العاشر' أي بعد خمسين سنة من أول إضراب تذكر اليوميات أن الوزير طلب من رؤساء العمال في الجبانة إرسال رجال لنقل ملابس الملك، ولكن العمال رفضوا الاستجابة لأنهم كانوا في هذا الوقت في حالة ثورة، وقد أجاب عامل لرسول الوزير قائلا 'دع الوزير نفسه يحمل ملابس الملك نفر كار رع وكذلك خشب الارز'، فى نفس العام جميع فرق العمال توقفت عن العمل فى الجبانة وعبروا النهر متجهين إلى المدينة ليتقدموا بشكوى إلى كبار الموظفين، وقال كبير كهنة آمون أنه ليس المختص بصرف مخصصاتهم ليدفع عنهم الجوع وأن هذه المخصصات يجب أن تصرف لهم من رؤسائهم المباشرين ولكن العمال قضوا الليل فى مكتب رئيس الكهنة ليقدموا شكواهم فى الصباح. ودعي كبار الموظفين سكرتير الوزير ونائب وزير الشونة الملكية وطلبوا منهم أن يذهبا إلى غلال الوزير وأن يعطوا لرجال الجبانة مخصصاتهم منها» وقد قام العمال بإهداء صندوقين وأدوات كتابة الى اثنين من كبار الموظفين ربما عرفانًا بالجميل لدورهم في دعمهم، لا يوجد الكثير من المعلومات حول أوضاع العمال فيما بعد ولكن ويبدو أنه بنهاية الاسرة العشرين من أجل الحفاظ على الأمن وإخماد تلك الثورات تم نقل العمال إلى مدينة هابو، ويبدو أن كان لهم دور في إعداد الخبيئة الملكية خلال عصر الأسرة الحادية والعشرون.