أحدث الأخبار مع #عمرحرقوص،


نافذة على العالم
منذ 4 أيام
- ترفيه
- نافذة على العالم
أخبار العالم : عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
الاثنين 19 مايو 2025 09:30 مساءً نافذة على العالم - هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيه ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN. يظهر إعلان على وسائل التواصل الاجتماعي يفيد بأن فضل شاكر سيغني في إحدى الدول العربية في رابع أيام عيد الأضحى المقبل. الإعلان لم يُسبق بتمهيد، وترافقه في الخلفية أغنيته الجديدة "وغلبني"، التي تصدرت التريند وتداولها معجبوه، وكأن الفنان الغائب منذ أكثر من عقد يعود فجأة إلى الساحة الفنية. فضل شاكر ليس مجرد فنان غائب، بل هو فارّ من وجه العدالة اللبنانية. تلاحقه تهم عدّة، منها تبييض الأموال والمشاركة في أعمال إرهابية. يختبئ في أحد أكبر مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان، وينفي عبر حساباته الرسمية إقامة أي حفل فني، فهو لم يُنهِ بعد قضاياه في المحاكم ليتمكن من السفر. ومع ذلك، تستمر الضجة، وتبقى أحلام محبيه كبيرة. بين صوته المحبوب وصورته المحفوظة عنه كشاب خجول لم تلطخ سيرته قضايا النساء أو المخدرات، وبين الجرائم المتهم بها، لا يزال جمهوره يردد أغانيه القديمة، ويكتب له: "يا غايب ليه ما ترجع.. أحبابك اللي يحبونك"، متناسين أن الرجل نفسه وُجهت إليه اتهامات بدعم مجموعات مسلحة حاربت الجيش اللبناني في مدينة صيدا بقيادة أحمد الأسير. ورغم تبرئته من قضية قتل عناصر من الجيش، فإن قضايا أخرى ما زالت معلقة أمام المحكمة العسكرية. خلال عرض مسلسل "يا غايب ليه ما تسأل"، ظهر شاكر باكيًا وهو يروي تجربته منذ البداية، ودخوله عالم الغناء، ثم اعتزاله بعد انطلاق الثورة السورية، وانضمامه إلى جماعة الأسير، قبل أن يعود لاحقًا إلى الغناء من مخبئه السري. بعض محبيه يبررون المطالبة بالعفو عنه مستشهدين بواقع عالمي متغيّر، حيث يتعامل المجتمع الدولي مع قادة حركة طالبان في أفغانستان، أو القيادة السورية الجديدة التي تتنقل بين تنظيمات القاعدة وداعش، وكذلك مع قادة الميليشيات في ليبيا والسودان وغيرها من الدول. يشيرون إلى أن كثيرين ممن صدرت بحقهم عقوبات أو مذكرات توقيف دولية يتحركون عبر العالم، من دون أن يجرؤ أحد على معاقبتهم أو إيقافهم، ويستشهدون بلقاءات الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع رؤساء دول، مثل دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون. يرى هؤلاء أنه إذا كان العالم يغفر، فلماذا لا يُغفر للفنان العائد من اختفاء دام أكثر من 12 عامًا؟ هذا العالم المتغير، كما يبدو، يتجه نحو مصافحة الأيادي المتهمة بأنها ملطخة بالدم، من السودان إلى قطاع غزة، وسوريا، وأفغانستان، وليبيا. أما الغرب، الذي أسس فيه مفهوم حقوق الإنسان، فيشهد صعودًا متسارعًا لليمين المتطرف، حتى السويد – التي لطالما عُرفت باحتضان اللاجئين – بدأت تتراجع عن تاريخها، وتبحث عن سبل لسحب الجنسيات ممن وصلوا إليها هاربين من الفقر والحروب، لتعيدهم من شمال الكرة الأرضية إلى الجنوب الفقير المؤهل دائمًا للحرب. في عام 2012، لم يكن فضل شاكر يغني على مسارح الفن، بل في ساحة الشهداء ببيروت، يردد الأناشيد الدينية وسط جماعات متشددة تناصر الثورة السورية. وعلى الطرف المقابل، كان يقف أنصار حزب الله والنظام السوري، يطالبون بمنع تحرك شاكر ورفاقه واعتقالهم. كان صوته جميلًا كما اعتاده جمهوره، لكن كلماته كانت غريبة عن عالم الفن الذي عرفه الناس من خلاله. ورغم ذلك، حين ارتفع صوته، ساد صمت لبعض الوقت في التظاهرتين المتقابلتين، وكأنما صوت "الفنان" اخترق جدار الانقسام، ليناقض تلك المقولة الشائعة: "الفن والإرهاب خطان متوازيان لا يلتقيان". يتساءل صديق: "لماذا يضيّع هذا الرجل عمره بمجالسة المتطرفين؟" سؤال مشروع، لا سيما حين يُستمع إلى صوته الذي لا يزال يحتفظ بعذوبته، رغم السنوات التي غيّرت ملامح شخصيته ومسيرته. يعود شاكر بأغنيته "وغلبني"، متذكرًا ماضيه وحالمًا أن يعود إليه، لا كمطلوب فار، بل كنجم يلاحقه المعجبون لا رجال الأمن. صورته الجديدة تصلنا فقط عبر المعجبين، فيما يظل هو غائبًا، بانتظار أن تُغلق قضاياه، ويعود إلى "نجوميته" التي ضيّعها حينما ظن أن الحرب والإرهاب بديلان عن الفن والغناء. السؤال الذي يردده جمهوره: "يا غايب ليه ما ترجع؟" لا يُطرح على الفنان وحده، بل على العدالة، وعلى الحقيقة، وعلى الخط الرفيع الفاصل بين الفن والجريمة، بين ما نودّ أن نتذكره، وما لا نستطيع أن نغفره. * عمر حرقوص، صحفي، رئيس تحرير في قناة "الحرة" في دبي قبل إغلاقها، عمل في قناة "العربية" وتلفزيون "المستقبل" اللبناني، وفي عدة صحف ومواقع ودور نشر.


CNN عربية
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- CNN عربية
عمر حرقوص يكتب: سوريا بين الساحل العلوي والهجمات ضد الدروز
هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.أعادت مشاهد الاعتداءات التي يقوم بها "متطرفون" ضد الدروز في سوريا، أعادت إلى الذاكرة مشاهد العنف المتتالية التي تعيشها البلاد منذ عام 2011. كانت قوات نظام الأسد مع حلفائها من ميليشيات مرتبطة بالإيرانيين والعراقيين وصولاً إلى حزب الله اللبناني تستخدم العنف ضد أبناء حمص وريف دمشق وصولاً إلى حماه وحلب وغيرها، العنف الشبيه استخدمه أيضاً عناصر تنظيم داعش والمتطرفين الآخرين ومن بينهم "جبهة النصرة" التي تغيرت وصارت لاحقاً "هيئة تحرير الشام"، ليتجدد العنف قبل أكثر من شهر ضد مناطق العلويين ويؤدي إلى ما وصف بمجازر قتلت المئات وما سبقها من معارك ضد مناطق سيطرة الكرد. تحولات متسارعة تعيشها سوريا منذ انهيار نظام الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، سلطة جديدة يقودها "متطرف" أعلن التحول ورفض تاريخه السابق المرتبط بتنظيمي القاعدة وداعش، وبدأ الانفتاح والتعاون مع المحيط، رغم أن الواقع اليومي على الأرض كان مختلفاً، لنرى أن المنظومة الجديدة تعيش صراعها الداخلي بين "حكومة دمشق" التي يرأس جمهوريتها أحمد الشرع وبين "هيئة تحرير الشام" التي يقودها أبو محمد الجولاني. من يحكم فعلياً سوريا الجديدة؟ هل هو أحمد الشرع، الوجه السياسي الذي طُرح كخيار معتدل لمرحلة ما بعد الأسد، أم أن الكلمة الفصل عادت لشخصيته السابقة "محمد الجولاني"، الذي يفترض أنه يملك القوة ويتحالف مع الميليشيات المتعددة ومن بينها مجموعات الأجانب المتطرفين مع حلفائهم. السلطة الانتقالية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة، وهي خطوة ضرورية لاستعادة الحد الأدنى من السيادة. إلا أن هذه الدعوة تصطدم بتحديات عدة، أولها غياب جيش وطني محايد قادر على ضبط الأمن، وثانيها أن الفصائل المتطرفة التي تملك السلاح هي الأكثر تورطاً في الانتهاكات، وهي فصائل لا يمكن للحكومة ضبطها كما يظهر حتى الآن. منذ سقوط النظام السابق، تصاعدت الاعتداءات على مختلف المكونات، بدأت الهجمات تلاحق أبناء الطائفة العلوية، في حمص وريفها، وامتدت لاحقاً إلى الساحل. واليوم، تتكرر مع الطائفة الدرزية، التي تواجه حملات عنف في مناطق مثل جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق. في مشهد يعيد للأذهان ممارسات النظام السابق، تتهاون السلطة الجديدة مع خطاب الكراهية والتحريض، فلا تحرك ساكناً تجاه الدعوات لإبادة الدروز في التظاهرات التي شهدتها مناطق عدة، كما لم تفعل شيئاً حين صدرت دعوات لقتل العلويين في الساحل. الغائب الأكبر عن هذا المشهد هو الشارع السني المدني الوسطي، الذي كان يُعوّل عليه في تقديم بديل مدني معتدل. انسحاب هذا التيار أفسح المجال أمام قوى متشددة لتملأ الفراغ، ما زاد من حدة الاستقطاب وأضعف فرص بناء مشروع وطني شامل. ليس مستغرباً أن تتوجس الأقليات، من الحكومة الانتقالية التي تضم في صفوفها شخصيات من التيار المتشدد. غياب ضمانات سياسية ودستورية لحمايتهم، يهدد بإعادة إنتاج العنف الطائفي ويجعل من سوريا رهينة لحرب أهلية ممتدة. وسط الواقع القاتم، تتعالى الأصوات المنادية بتدخل المجتمع الدولي لحماية الأقليات السورية، ودعم قيام مؤسسات شرعية تقود البلاد نحو حكم مدني قائم على العدالة والمواطنة. فيما المواجهة مستمرة بين الشرع "مرتدي ربطة العنق" وبين الجولاني "المقنع الذي لا تظهر منه إلا عينيه". * عمر حرقوص، صحفي، رئيس تحرير في قناة "الحرة" في دبي قبل إغلاقها، عمل في قناة "العربية" وتلفزيون "المستقبل" اللبناني، وفي عدة صحف ومواقع ودور نشر.


CNN عربية
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- CNN عربية
رأي.. عمر حرقوص يكتب: بندر عباس.. مرفأ بيروت يحضر بالصورة
هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.مشاهد أولى لانفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس الإيرانية لم تمر من دون استحضار الذاكرة لصور سريعة من انفجار مرفأ بيروت عام 2020. بالعادة ليس ضرورياً أن يتذكر المرء حوادث أخرى كلما وقع تفجير ما، وليس بالضرورة أن ترتبط بالتفجيرات، لكن ما وقع في بندر عباس ومشاهد الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي من حريق سبق الانفجار وظهور مادة ارتفع منها لون برتقالي، وما تبع ذلك من قوة انفجار رفعت التراب عن الأرض إلى عباب السماء مع عصف سريع دمر دائرة كبيرة من المنطقة المحيطة، هذا المشهد بحد ذاته كرر صوراً حصلت سابقاً في بيروت. في ذاكرة تلك المدينة على شاطئ البحر المتوسط، كان الحريق في المرفأ يتصاعد ترافقه أصوات قرقعة قوية ومتسارعة، فيتوقف الناس لالتقاط الفيديوهات غير آبهين بما يمكن أن يحصل لاحقاً، لأنهم لم يتوقعوا أن يلي ذلك الحريق انفجار يتحول إلى عصف سريع في الهواء، يدمر كل ما يقف بطريقه من سيارات وأبنية بعيدة مئات الأمتار عن النقطة صفر، ويقتل ويجرح الآلاف دفعة واحدة، ليطغى ذلك المشهد على كل الأخبار العالمية. مشهد انفجار بندر عباس بقوته طغى على لقاء الوفدين الإيراني والأمريكي في عاصمة سلطنة عُمان، مسقط، وحاول المحللون في وسائل الإعلام ربط ما وقع مع المباحثات والملف النووي الإيراني، وتأثير ذلك على المفاوضات، ليشير البعض بشكل عرضي إلى دور إسرائيلي محتمل بالتفجير. كان انفجار بيروت عنيفاً وقاسياً، وقع في مخزن مواد "نيترات أمونيوم" التي تستخدم في صناعة المواد المتفجرة كما تستخدم للزراعة، شحنة ضخمة وجدت طريقها إلى مرفأ بيروت وتُركت لسنوات، كانت خلالها تُسحب أطنان منها في تصنيع "براميل متفجرة" استخدمت بالحرب السورية حسبما أظهرت تحقيقات نقلت عن المحقق اللبناني. أسباب انفجار بندر عباس لن تكون واضحة بسرعة، بين المواد الكيماوية والحريق الذي غطى سماء المنطقة، يحتاج البحث عن الحقيقة إلى وقت، فالمكان كبير ويحتاج لتحقيق موسع تقني يتابع خيوطاً عدة في الموقع للوصول إلى أسباب ما حصل، لكنه بالتأكيد لن يكون مثل التحقيق بما حصل بقضية مرفأ بيروت، حيث وضع مسؤولون حكوميون وحزبيون عراقيل كثيرة لمنع استكمال التحقيق، فرفعوا قضايا ضد المحقق وهددوا القضاء وتدخلوا بعمل النيابة العامة، لتضيع الحقيقة بين الأخذ والرد، وتنبعث اليوم من جديد مع تغير السلطات وبداية عهد جديد. في بيروت اتهم حزب الله بجلب مواد "نيترات الأمونيوم" لاستخدامها بالحرب السورية، وخلال الساعات الأولى للانفجار وجه البعض أصابع الاتهام لإسرائيل، متحدثين عن سماع صوت طائرات حربية تغطي السماء قبل قليل من الانفجار، لكن هذا الاتهام اختفى بظل إرباكات عاشها التحقيق، ليقول بعض السياسيين إن اتهام إسرائيل سيلحق به تأكيد توجيه الاتهام لـ"حزب الله" بخزن مواد شديدة الخطورة بين الناس. أما في إيران، فعمليات البحث عن مصابين وناجين مستمرة وكذلك محاولات إطفاء الحريق الضخم، ولكن التوقعات تقول إن طهران تفضل عدم توجيه الاتهام لإسرائيل بشكل مباشر، وهي قد تكون مضطرة للقول سريعاً قبل صدور أي نتائج تحقيق جدي إن ما حصل عملية مدبرة أو حادث عرضي، والسبب الذي يدعو طهران لذلك الموقف هو عدم تخريب المفاوضات النووية مع واشنطن التي يبدو أن الجدية تحكمها تخوفاً من فشلها وقيام إسرائيل بتوجيه ضربة للمواقع النووية. بين تفجيري مرفأي بيروت وبندر عباس مسافة 1500 كيلومتر وأكثر من 4 سنوات من التغيرات التي طالت المنطقة والعالم، في تفجير بيروت كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينهي مرحلة عهده الأولى مودعاً بعد أشهر البيت الأبيض، وفي بندر عباس يبدأ عهده الثاني متسلحاً بأفكار يريد بها "تغيير" أمريكا والعالم، تبدأ بـ"الابتعاد" عن حلفائه الأوروبيين، ومحاولات انفتاح على روسيا والصين وكذلك إيران، التي لن يتسامح مع أي طرف يحاول خلط الأوراق خلال عملية التفاوض الجارية معها. إيران: 4 قتلى ومئات الجرحى بانفجار بندر عباس ومصادر تكشف السبب


النهار
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- النهار
الوداع المّر في قناة "الحرّة": حكايات إنسانية
من داخل الجدران الزجاجية التي كانت تعكس نور الكاميرات وأصوات النشرات، خرج عدد من الصحافيين محمّلين بثقل التجربة والخذلان. لم يكن الأمر مجرّد إغلاق لمكتب أو فسخ عقود، بل كان زلزالاً شخصياً ومهنياً وأخلاقياً، طاول حياة العشرات ممّن وهبوا سنواتهم، وأحلامهم، لقناة "الحرة"، معتقدين أنهم وجدوا فيها مساحة للحرية، وبيتاً يتسع لهم. عمر حرقوص، الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير في مكتب دبي، لا ينسى اللحظة التي شعر فيها بأنه ينتمي بصدقٍ حقيقي. "في لحظة ما، اعتقدتُ أنني أعمل في مكان يمنحني ك الحرية كاملة كي أكتب، كي أتحدث عن العالم بلا قيود، عن الضعفاء والمقهورين بلا خضوع لأجندة سياسية"، يقول بصوت لا يزال يحمل بعضاً من الحنين. كان عمر يكتب عن القضايا المسكوت عنها: الإيزيديين، العلويين، السنّة، اللاجئين، المثليين، ضحايا العنف، والنساء المعنّفات. شعر بأن الصحافة أصبحت امتداداً لروحه، بل وسيلة للبقاء. لكنه اليوم، لا يملك شيئاً. "لحظة طُردت منها، لم أعد أملك أوراقاً رسمية، ولا تأميناً، ولا حماية قانونية. كنت أعيش استقراراً نسبياً، دخلاً شهرياً، سقفاً فوق رأسي، خططاً صغيرة للمستقبل. واليوم، كل شيء تبخّر". أكثر ما يؤلمه ليس الراتب، بل "خسارة الحلم، خسارة مساحة الحرية". يستدرك: "هل تعرفون كيف تشعرون حين تُرمَون من الطابق العاشر وأنتم نائمون؟ هذا تماماً ما جرى". الحال ليس فردياً، بل هو مشترك بين عشرات من زملائه، كما تروي إحدى الموظفات في مكتب واشنطن، ممن جاؤوا إلى الولايات المتحدة بوعود بالإقامة الدائمة، ولم يحصلوا عليها. "أنا واحدة من هؤلاء. جئت بتأشيرة J1، وقيل لنا إن المؤسسة ستُباشر تغيير وضعنا القانوني بعد أشهر. مرّ أكثر من عامين ونصف، ولم يحدث شيء". فجأة، ودون سابق إنذار، وُضعوا أمام خيار الرحيل خلال ثلاثين يوماً، أو البقاء بطريقة غير قانونية. "هذا يعني ببساطة: الترحيل. نحن نتحدث عن أكثر من 30 شخصاً يعيشون هذا الكابوس"، تقول. "ما حدث معنا ليس مجرد أزمة مهنية، بل أزمة حياة". من بيروت، تحكي سارة الخنسا، الصحافية التي أمضت ثلاث سنوات تقريباً في مكتب الحرة، تجربتها التي تركت أثراً عميقاً في قلبها. "كانت تجربة غيّرتني، صقلتني، منحتني الشعور بأنني أنتمي إلى مكانٍ يحترمني"، تقول. كان مكتب بيروت عائلة صغيرة، يعمل فيها الجميع كفريق. "لا مكان للتسلّط، لا مكان للفوقية. من يعمل في قسم الإنتاج يمدّ يد العون في المونتاج، ومن يكتب النصوص لا يتردد في حمل الكاميرا". لكن حين بدأ الحديث عن الاستغناءات، تغيّر كل شيء. "أحسست بضغط كبير بعد خسارة زملائي في المرحلة الأولى، إذ كنا نعمل كعائلة واحدة. شعرتُ كأن بيتنا يتفكّك". كانت المديرة ميرال مساعد "مثل الأم الثانية لنا"، وحين غادرت، شعر الفريق بأن "البيت انهار فجأة". يوم وصل بريد الإغلاق الرسمي، لم يكن مفاجئاً، لكن لم يكن سهلاً. "قررت أن أمنح نفسي يوماً واحداً للحزن، ثم بدأت أرسم خطة بديلة. قلت لنفسي: لن أستسلم". اليوم، تعمل سارة مستقلةً في عدة مشاريع. "أُقاوم، وأستمر". وما تزال، مع زملائها، تحاول بناء "الحرة" الخاصة بهم، خارج مبناها. من داخل المؤسسة نفسها، كانت تجري تطمينات ووعود، لكن ما حدث بعد ذلك أثبت هشاشتها. تقول موظفة أخرى فضّلت عدم ذكر اسمها: "كنا نأخذ وعوداً من ديدرا كلين، نائبة المدير التنفيذي، في اجتماعات يومية، وكانت تكرر علينا الكلام نفسه، لتخديرنا نفسياً". الواقع كان أقسى من أيّ توقع. "لم نحصل على تعويضات نهاية الخدمة، ولا حتى إجازاتنا السنوية المدفوعة. بعضنا لم يتلقَّ حتى إنذار صرف". إحدى أكثر القصص إيلاماً هي لرجل من مكتب بيروت، وهو أب لثلاثة أطفال، تبلّغ قرار صرفه في اليوم الذي سبق أحد الشعانين، مساء السبت. "لم يُتح له حتى الوقت ليحصل على كتاب الصرف قبل يوم الاثنين"، تقول زميلته. "هؤلاء الزملاء لا يملكون أي مصدر دخل آخر غير راتبهم في الحرة". تحكي موظفة عملت لأكثر من عامين في قسم الإنتاج الرقمي عن تجربة وصفتها بأنها "مليئة بالإحباط وعدم الشفافية". تقول: "منذ لحظة وصولي، اكتشفت أنني سأتحمّل نفقات لم يُذكر شيء عنها... الضرائب، السكن، حتى ضريبة على المساعدة السكنية التي قدموها لي أول أسبوع". لم يكن لديها هاتف، أو بطاقة مصرفية، أو وسيلة اتصال. "تحمّلت كل شيء وحدي، دون أي دعم". على المستوى المهني، شعرت بأن النظام الإداري يفتقر إلى أي معايير. "الترقية تعتمد على العلاقات والانتماءات، لا على الكفاءة. حتى مراجعات الأداء كانت شكلية، بلا وضوح أو فاعلية". ثم جاء قرار الفصل. "تلقّيت بريداً إلكترونياً عاماً. أُغلِقت حساباتي فوراً. لم أُمنَح فرصة لوداع الفريق. لم أحصل على تعويض، ولا على راتب آخر شهر، ولا حتى على إجازاتي". الأشد إيلاماً بالنسبة إليها كان أن من اتخذ هذه القرارات "أشخاص عرب، من بيئتنا، يعرفون تماماً معنى أن تكون مهاجراً على تأشيرة مؤقتة، لكنهم فضّلوا حماية مصالحهم". في لحظة الأزمة، رُقِّي بعض الموظفين ممّن تجمعهم علاقات خاصة مع الإدارة، فيما كان زملاؤهم يفقدون بيوتهم. ربما كانت قناة "الحرة" تحمل في اسمها ما خالفته في قراراتها الأخيرة. حرية فقدها من آمنوا بها، وعدالة غابت عمّن صمدوا في وجه الأزمات. اليوم، هم فقط يطالبون بما بقي من كرامة، ومن حق في الحياة.


CNN عربية
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- CNN عربية
رأي.. عمر حرقوص يكتب: وداعاً قصة "الحرة"
هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.كانت 7 أعوام مليئة بالأخبار المتواصلة والثورات والحروب والتظاهرات والانفجارات، ومواضيع فرضت نقاشات صعبة واختلافات ضمن غرفة الأخبار الواحدة باختلاف منابت العاملين فيها، وتنازلات قدمناها أحيانا لأجل أن يكون الخبر كما هو محايداً وموضوعياً، ومنحازاً بالتأكيد للقتلى واللاجئين والمهاجرين من وصلوا منهم، أو الغارقين في البحر والمخطوفين والرهائن والمعتقلين والنساء والأطفال، كذلك الأقليات كل الأقليات في منطقتنا بدون استثناء. من تأسيس "قسم الأخبار" في مكتب دبي ووضع أسس كتابة الخبر والتقرير وشكل الصورة كقناة قررت إحدى إداراتها إعادة الانطلاق عام 2018، إلى البحث عن الحقيقة في سباق مع الأقنية ومحطات التلفزة لإيصال الصورة والمعلومة بدءاً من العواجل وتطوير "القصة" إلى انتظار ردود فعل الناس على الأرض وفي وسائل التواصل. كنت هناك خلال 7 أعوام مرت فيها تغيرات إدارية مرتبطة بالتغيرات السياسية في واشنطن، بعضها كان حراً بالكامل وبعضها أحياناً يطالب بالانحناء أمام عواصف عاتية أو الصمود لأقصى قدر، لكن كل الظروف لم تمنع إعلان الموقف نفسه المدافع عن الحقيقة كما هي. كانت التهديدات التي يتعرض لها زملاؤنا على الأرض تفرض علينا أحياناً أن نتعاطى بحذر مع ملفات محددة، أو نفتش فيها عن زوايا يمكن منها العبور إلى الحقيقة، في العراق كنا نلاحق قصص هشام الهاشمي وثوار تشرين حين يقتلهم رصاص راكب دراجة نارية أو قناص يختبئ في مبنى، وفي بيروت كنا مع قتلى انفجار المرفأ وقبلهم ثوار تشرين ورافقنا لقمان سليم لنرى كيف تضيع قضيته في بلدان العدالة المفقودة بعدما قتلته رصاصات الغدر، كما كنا مع المتظاهرين في السودان حين هاجمهم "العسكر" أمام مقر القيادة فقتلوا منهم المئات وأخفيت جثثهم، نحمل قصتهم ونحكي عنهم كما نحكي عن مهسا أميني والمتظاهرين في إيران الذين ذبحوا بينما العالم يتفرج. كانت الحرة تلاحق الملفات الممنوعة عن النقاش عربياً كل الملفات، تحكي بحرية عن الأيزيديين والبهائيين، وتروي قصص السوريين الذين قتلهم نظام الأسد وسلسلة حلفائه، وبعدهم أهل الساحل الذين قتلهم "أبو دجانة" وسلسلة حلفائه أيضاً، كنا مع أهالي غزة منذ اليوم الأسود المشؤوم في السابع من أكتوبر واستمرينا معهم في جهنم التي يعيشونها، وكيف يموتون بعدما قُتل مئات الإسرائيليين وعاث القتل بحياتهم واختطفوا وعاشت عائلاتهم تحت الرعب وانتظرت عودتهم، نربط قصص الناس هنا وهناك كأنهم بيت واحد، لأنهم بيت واحد، نتابع وجعهم لنحلم بوقف الحرب وحلول السلام في المنطقة التي لن ينجو منها أحد بسيطرة المتطرفين على جهتي القتال، قلنا الحقيقة عن كل ما يحصل بمعيار وحيد "ضد السلاح كل السلاح" ومع السلام لأجل الغد الذي سيعيشه أولادنا. عشنا مع "الحرة" ملفات كثيرة لا تنتهي وستستمر إلى أن يأتي زمن العدالة والحرية وهو حلم أيضاً صعب التحقيق ولا أعرف إن كان سيجد مكانه بيننا في يوم ما. لكن "الحرة" انتهت، أقفلت الباب بعد 21 عاماً على تأسيسها، صارت من الماضي المستمر في منطقتنا، ولم تستطع الصمود أمام قبضة ترامب القاضية، التي تصنع عالماً جديداً لا نعرفه اليوم لكننا نشهد على نشوئه.* عمر حرقوص، صحفي، رئيس تحرير في قناة "الحرة" في دبي قبل إغلاقها، عمل في قناة "العربية" وتلفزيون "المستقبل" اللبناني، وفي عدة صحف ومواقع ودور نشر.