logo
الوداع المّر في قناة "الحرّة": حكايات إنسانية

الوداع المّر في قناة "الحرّة": حكايات إنسانية

النهار١٩-٠٤-٢٠٢٥

من داخل الجدران الزجاجية التي كانت تعكس نور الكاميرات وأصوات النشرات، خرج عدد من الصحافيين محمّلين بثقل التجربة والخذلان. لم يكن الأمر مجرّد إغلاق لمكتب أو فسخ عقود، بل كان زلزالاً شخصياً ومهنياً وأخلاقياً، طاول حياة العشرات ممّن وهبوا سنواتهم، وأحلامهم، لقناة "الحرة"، معتقدين أنهم وجدوا فيها مساحة للحرية، وبيتاً يتسع لهم.
عمر حرقوص، الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير في مكتب دبي، لا ينسى اللحظة التي شعر فيها بأنه ينتمي بصدقٍ حقيقي. "في لحظة ما، اعتقدتُ أنني أعمل في مكان يمنحني ك الحرية كاملة كي أكتب، كي أتحدث عن العالم بلا قيود، عن الضعفاء والمقهورين بلا خضوع لأجندة سياسية"، يقول بصوت لا يزال يحمل بعضاً من الحنين. كان عمر يكتب عن القضايا المسكوت عنها: الإيزيديين، العلويين، السنّة، اللاجئين، المثليين، ضحايا العنف، والنساء المعنّفات. شعر بأن الصحافة أصبحت امتداداً لروحه، بل وسيلة للبقاء.
لكنه اليوم، لا يملك شيئاً. "لحظة طُردت منها، لم أعد أملك أوراقاً رسمية، ولا تأميناً، ولا حماية قانونية. كنت أعيش استقراراً نسبياً، دخلاً شهرياً، سقفاً فوق رأسي، خططاً صغيرة للمستقبل. واليوم، كل شيء تبخّر". أكثر ما يؤلمه ليس الراتب، بل "خسارة الحلم، خسارة مساحة الحرية". يستدرك: "هل تعرفون كيف تشعرون حين تُرمَون من الطابق العاشر وأنتم نائمون؟ هذا تماماً ما جرى".
الحال ليس فردياً، بل هو مشترك بين عشرات من زملائه، كما تروي إحدى الموظفات في مكتب واشنطن، ممن جاؤوا إلى الولايات المتحدة بوعود بالإقامة الدائمة، ولم يحصلوا عليها. "أنا واحدة من هؤلاء. جئت بتأشيرة J1، وقيل لنا إن المؤسسة ستُباشر تغيير وضعنا القانوني بعد أشهر. مرّ أكثر من عامين ونصف، ولم يحدث شيء". فجأة، ودون سابق إنذار، وُضعوا أمام خيار الرحيل خلال ثلاثين يوماً، أو البقاء بطريقة غير قانونية. "هذا يعني ببساطة: الترحيل. نحن نتحدث عن أكثر من 30 شخصاً يعيشون هذا الكابوس"، تقول. "ما حدث معنا ليس مجرد أزمة مهنية، بل أزمة حياة".
من بيروت، تحكي سارة الخنسا، الصحافية التي أمضت ثلاث سنوات تقريباً في مكتب الحرة، تجربتها التي تركت أثراً عميقاً في قلبها. "كانت تجربة غيّرتني، صقلتني، منحتني الشعور بأنني أنتمي إلى مكانٍ يحترمني"، تقول. كان مكتب بيروت عائلة صغيرة، يعمل فيها الجميع كفريق. "لا مكان للتسلّط، لا مكان للفوقية. من يعمل في قسم الإنتاج يمدّ يد العون في المونتاج، ومن يكتب النصوص لا يتردد في حمل الكاميرا".
لكن حين بدأ الحديث عن الاستغناءات، تغيّر كل شيء. "أحسست بضغط كبير بعد خسارة زملائي في المرحلة الأولى، إذ كنا نعمل كعائلة واحدة. شعرتُ كأن بيتنا يتفكّك". كانت المديرة ميرال مساعد "مثل الأم الثانية لنا"، وحين غادرت، شعر الفريق بأن "البيت انهار فجأة". يوم وصل بريد الإغلاق الرسمي، لم يكن مفاجئاً، لكن لم يكن سهلاً. "قررت أن أمنح نفسي يوماً واحداً للحزن، ثم بدأت أرسم خطة بديلة. قلت لنفسي: لن أستسلم".
اليوم، تعمل سارة مستقلةً في عدة مشاريع. "أُقاوم، وأستمر". وما تزال، مع زملائها، تحاول بناء "الحرة" الخاصة بهم، خارج مبناها.
من داخل المؤسسة نفسها، كانت تجري تطمينات ووعود، لكن ما حدث بعد ذلك أثبت هشاشتها. تقول موظفة أخرى فضّلت عدم ذكر اسمها: "كنا نأخذ وعوداً من ديدرا كلين، نائبة المدير التنفيذي، في اجتماعات يومية، وكانت تكرر علينا الكلام نفسه، لتخديرنا نفسياً". الواقع كان أقسى من أيّ توقع. "لم نحصل على تعويضات نهاية الخدمة، ولا حتى إجازاتنا السنوية المدفوعة. بعضنا لم يتلقَّ حتى إنذار صرف".
إحدى أكثر القصص إيلاماً هي لرجل من مكتب بيروت، وهو أب لثلاثة أطفال، تبلّغ قرار صرفه في اليوم الذي سبق أحد الشعانين، مساء السبت. "لم يُتح له حتى الوقت ليحصل على كتاب الصرف قبل يوم الاثنين"، تقول زميلته. "هؤلاء الزملاء لا يملكون أي مصدر دخل آخر غير راتبهم في الحرة".
تحكي موظفة عملت لأكثر من عامين في قسم الإنتاج الرقمي عن تجربة وصفتها بأنها "مليئة بالإحباط وعدم الشفافية". تقول: "منذ لحظة وصولي، اكتشفت أنني سأتحمّل نفقات لم يُذكر شيء عنها... الضرائب، السكن، حتى ضريبة على المساعدة السكنية التي قدموها لي أول أسبوع". لم يكن لديها هاتف، أو بطاقة مصرفية، أو وسيلة اتصال. "تحمّلت كل شيء وحدي، دون أي دعم".
على المستوى المهني، شعرت بأن النظام الإداري يفتقر إلى أي معايير. "الترقية تعتمد على العلاقات والانتماءات، لا على الكفاءة. حتى مراجعات الأداء كانت شكلية، بلا وضوح أو فاعلية". ثم جاء قرار الفصل. "تلقّيت بريداً إلكترونياً عاماً. أُغلِقت حساباتي فوراً. لم أُمنَح فرصة لوداع الفريق. لم أحصل على تعويض، ولا على راتب آخر شهر، ولا حتى على إجازاتي".
الأشد إيلاماً بالنسبة إليها كان أن من اتخذ هذه القرارات "أشخاص عرب، من بيئتنا، يعرفون تماماً معنى أن تكون مهاجراً على تأشيرة مؤقتة، لكنهم فضّلوا حماية مصالحهم". في لحظة الأزمة، رُقِّي بعض الموظفين ممّن تجمعهم علاقات خاصة مع الإدارة، فيما كان زملاؤهم يفقدون بيوتهم.
ربما كانت قناة "الحرة" تحمل في اسمها ما خالفته في قراراتها الأخيرة. حرية فقدها من آمنوا بها، وعدالة غابت عمّن صمدوا في وجه الأزمات. اليوم، هم فقط يطالبون بما بقي من كرامة، ومن حق في الحياة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الزمالك يرفض عقوبات لجنة المسابقات على جمهوره ويهاجم الحكم
الزمالك يرفض عقوبات لجنة المسابقات على جمهوره ويهاجم الحكم

النهار

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • النهار

الزمالك يرفض عقوبات لجنة المسابقات على جمهوره ويهاجم الحكم

أعلن نادي الزمالك اليوم الأحد رفضه عقوبات لجنة المسابقات برابطة الأندية على جماهيره عقب مباراته أمام المصري بالجولة الثالثة في مجموعة التتويج بالدوري المصري الممتاز لكرة القدم الخميس الماضي. وانتهت المباراة بتعادل الفريقين سلبياً مما تسبب في تراجع الزمالك في سباق التتويج باللقب. ويحتل الفريق المركز الثالث برصيد 39 نقطة متأخرا بفارق ثماني نقاط عن بيراميدز المتصدر، بينما يحل المصري رابعاً بمجموع 35 نقطة. وقررت رابطة الأندية أمس إقامة مباراتين للزمالك من دون جمهور وتغريمه 200 ألف جنيه بسبب توجيه جمهوره سباباً لحكم المباراة. بيان من نادي الزمالك 🚨 #Zamalek | #MostTitledIn20C | #الزمالك_أولًا | #أكبر_قلعة_رياضية — Zamalek SC (@ZSCOfficial) May 3, 2025 وأعرب الزمالك، في بيان عبر صفحته بفيسبوك، عن أسفه إزاء أي تصرف من جانب "قلة من الجماهير أثناء المباراة". وقال "لكن يجب التأكيد أن هذا التصرف كان رد فعل أمام غياب العدالة من حكم المباراة بعد إلغاء الهدف الذي سجله ناصر منسي إلى جانب القرارات الأخرى التي تضرر منها الفريق". وطالب الزمالك "بعدم إسناد أي مباراة قادمة للفريق إلى كل من الحكم أمين عمر والحكم محمد الصباحي نظرا لتكرار الأخطاء منهما بشكل أثر سلبيا على نتائج مباريات الفريق". وأضاف الفريق المصري " ندرك تماماً أن هذا النوع من العقوبات الموقعة على جماهيره يأتي في توقيت حاسم من عمر مسابقة الدوري مما يؤكد - بما لا يدع مجالا للشك - التحيز والتحفز ضد الزمالك واتباع سياسة الكيل بمكيالين وسط معايير مزدوجة". وتابع البيان "شاهدنا في نفس الجولة غض الطرف من جانب أحد الحكام عن معاقبة لاعب جذبه من ملابسه" في إشارة إلى جذب إمام عاشور لاعب الأهلي قميص حكم مباراة فريقه أمام بتروجيت. وأعاد الزمالك التذكير بالقرارات المنتظرة بشأن أزمة مباراة القمة أمام الأهلي. وقال "لن نخضع لأي شكل من أشكال الضغط خاصة وأننا على بعد أيام قليلة من القرار النهائي للجنة التظلمات باتحاد الكرة بخصوص القرار الصادر من مجلس إدارة الرابطة بشأن مباراة القمة، ونؤكد مجددا تمسكنا بتطبيق اللوائح والعدالة بدلا من الالتفاف عليها كما يحاول البعض".

قصة "أشهر قناع موت بالتاريخ".. إقرأوا التفاصيل
قصة "أشهر قناع موت بالتاريخ".. إقرأوا التفاصيل

ليبانون 24

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • ليبانون 24

قصة "أشهر قناع موت بالتاريخ".. إقرأوا التفاصيل

منذ قرون، اتجه البشر لصنع ما عرف بأقنعة الموت بهدف الحفاظ على تقاسيم الشخص المتوفى. وحسب التقنيات المعتمدة حينها، يتم سكب الجص أو الشمع على وجه المتوفى للحصول على نوع من المجسمات الأخيرة لوجهه. ولاحقا، يتم استخدام هذا القناع لأغراض عديدة حيث يعتمد أساسا كنموذج لرسم لوحة أو بناء تمثال للشخص المتوفى. ومع ظهور التصوير الفوتوغرافي، اختفت تقنية إعداد أقنعة الموت بشكل تدريجي بعد أن عرفت ذروتها ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر. إلى ذلك، يصنف قناع الموت الذي تم إعداده لمجهولة نهر السين، أو كما تعرف أيضا بفتاة نهر السين المجهولة، كواحد من أشهر أقنعة الموت بالعالم حيث حقق الأخير رواجاً كبيراً على الرغم من عدم تحديد هوية صاحبته. قناع جنائزي مجهول الهوية ووفقا للقصة الشائعة، استخرجت خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر جثة فتاة من نهر السين (Seine) بالقرب من رصيف اللوفر بباريس. إلى ذلك، لم تحمل هذه الجثة أي آثار عنف. وبسبب ذلك، رجّح كثيرون انتحار صاحبة الجثة عن طريق إلقاء نفسها بنهر السين. وحسب أطوار القصة، أعجب أخصائي التشريح بتقاسيم وجه جثة الفتاة مجهولة الهوية والتي لقبت فيما بعد بمجهولة نهر السين. وبسبب ذلك، قرر الأخير صناعة قناع موت لوجه الفتاة. وأثارت قصة قناع مجهولة نهر السين العديد من التساؤلات حيث شكك المؤرخون في هويتها وأكدوا أن ملامحها لا تتطابق مع ملامح جثة إنسان غارق استخرجت من النهر. وعلى إثر ذلك، ظهرت العديد من القصص حول هوية صاحبة القناع. ومن ضمن هذه القصص، تحدث الرسام الفرنسي جورج فيلا (Georges Villa) عن سماعه لأحاديث قدمها أحد معلميه أكد خلالها أن صاحبة القناع هي فتاة توفيت بسبب مرض السل الذي كان منتشرا بتلك الفترة. وبينما حدد الأخصائيون عمر صاحبة القناع بنحو 16 سنة، نقل عدد من الفرنسيين إشاعات تحدثوا من خلالها أن صاحبة القناع هي ابنة رجل ألماني مختص بمجال صناعة الأقنعة الجنائزية. وعلى الرغم من عدم تحديد هوية صاحبته بدقة وتلقيبه فقط بقناع مجهولة نهر السين، حقق هذا القناع شهرة كبيرة حيث بيعت مئات النسخ منه بأسعار باهظة. وبإيطاليا، أنتجت ورشة لورينزي (Lorenzi)، بشكل متسلسل، أعدادا كبيرة من هذا القناع الذي تحول لقطعة ديكور اقتناها الأثرياء لتزيين منازلهم بها. ومنذ القرن العشرين، ألهم قناع مجهولة نهر السين العديد من الأدباء والفنانين. وبسبب ذلك، ظهر بالعديد من الأعمال الفنية والأدبية حيث خصص له الأديب الفرنسي جول سوبرفيل قصة وقدم له الشاعر الروسي فلاديمير نابوكوف قصيدة ووضع الكاتب الفرنسي لويس فرديناند سيلين صورة القناع بكتاب الكنيسة (L'église). وبداية من العام 1950، عرفت مجهولة نهر السين شهرة امتدت لمعظم أرجاء العالم. فخلال ذلك العام، ابتكر صانع ألعاب الأطفال النرويجي أسموند لايردال (Asmund Laerdal) الدمية المستخدمة خلال التدريبات بعمليات الإنقاذ والإنعاش. وحينها، اعتمد المخترع النرويجي على صورة قناع فتاة نهر السين كمصدر إلهام ومنح الدمية ملامح وجهها. (العربية نت)

موظّفو "الحرة" المفصولون يحتجّون في واشنطن
موظّفو "الحرة" المفصولون يحتجّون في واشنطن

النهار

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • النهار

موظّفو "الحرة" المفصولون يحتجّون في واشنطن

نظمت مجموعة من الموظفين السابقين في شبكة الشرق الأوسط للبث MBN (قناة "الحرة") اعتصاماً أمام النادي الوطني الصحافة في واشنطن العاصمة، احتجاجاً على المعاملة غير العادلة التي تلقاها موظفو الشبكة عقب عمليات التسريح الجماعي التي جرت في وقت سابق من هذا الشهر. وسلط الاحتجاج الضوء على الفصل المفاجئ لأكثر من 500 موظف دون مكافأة نهاية الخدمة أو تعويض عن الإجازات المدفوعة غير المستخدمة، في انتهاك للمعايير الأخلاقية والمهنية. وأرجعت شبكة الشرق الأوسط للبث سبب عمليات التسريح إلى تخفيضات التمويل من وكالتها الأم، الوكالة الأميركية للإعلام العالمي (USAGM). لكنّ الموظفين المفصولين يؤكدون أن طريقة التعامل مع عمليات التسريح تعكس انعدام الشفافية والتعاطف والمسؤولية من جانب إدارة الشبكة. قال أحد المتظاهرين: "تستغل شركة MBN تخفيضات ميزانية USAGM كغطاء لتبرير معاملتها غير الأخلاقية لموظفيها المخلصين الذين خدموا المنظمة ورسالتها لسنوات. لسنا مجرد أرقام في ميزانية، بل نحن مهنيون نستحق أن نُعامل بكرامة". بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة غير المدفوعة وإجازة مدفوعة الأجر، لم تُبدِ قيادة MBN أي اهتمام بالموظفين العاملين بموجب تأشيرات J-1، وهم الأفراد الذين يواجهون الآن خطر الترحيل الوشيك بسبب عمليات التسريح المفاجئة. وبموجب شروط التأشيرة، يجب على هؤلاء الموظفين السابقين مغادرة الولايات المتحدة في غضون 30 يوماً من انتهاء خدمتهم. وقال المتظاهرون: "الأمر لا يتعلق بالوظائف فحسب، بل يتعلق بحياة الناس وعائلاتهم ووضعهم القانوني في هذا البلد. إن لامبالاة القيادة غير إنسانية وغير مسؤولة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store