#أحدث الأخبار مع #غونيلIndependent عربيةمنذ 15 ساعاتسياسةIndependent عربية"الصحوة" رواية فرنسية تفضح فن التلاعب بالبشرتتخذ أحداث رواية "الصحوة" مساراً أفقياً لا تنكسر أفقيته، سوى في نهاية الرواية، في نقطة تتحول فيها الأحداث عن مجراها، وأن عدد الشخوص يقتصر على شخصين اثنين، ينخرطان في حوار غير مباشر، عن بعد، يتمحور حول مسائل فكرية راهنة. وبمعزل عن إشكالية التجنيس، يطرح غونيل في "الصحوة" مسألة على قدر كبير من الأهمية تتعلق بدور الشركات المتعددة الجنسيات في تشكيل العالم وفق مصالحها، وتحويل الإنسان، بالتواطؤ مع السياسيين الذين هم صنيعة هذه الشركات في معظم الأحيان، إلى مجرد رمز مشفر ومزود برقاقة، ورقم مسجل في وزارتي الداخلية والمالية. وبذلك، ينهض غونيل بدور المثقف الذي يختصره نعوم تشومسكي بالبوح بالحقيقة وكشف الأكاذيب، ويقوم بالتكليفين اللذين يصنعان عظمة مهنة الكتابة، على رأي ألبير كامو، وهما "خدمة الحقيقة وخدمة الحرية"، وهو ما يصرح به الكاتب في تذييل الرواية. من هنا، تشكل "الصحوة" صرخة في وجه الشركات المتعددة الجنسيات وصنائعها من السياسيين، من جهة، وانتصاراً لحرية الإنسان، من جهة ثانية. التلاعب بالحشود الرواية بالترجمة العربية (دار نوفل) ذلك أن الشركات المتعددة الجنسيات، كما نرى في المتن الروائي، تتلاعب بالحشود، وتتحكم بغرائز الناس ودوافعهم، وتستغل مخاوفهم، لتسويق منتجاتها. وهي تقتفي في ذلك أثر "لجنة المعلومات العامة" التي شكلها الرئيس الأميركي وودرو ويلسون عام 1917، بهدف إقناع الرأي العام الأميركي بالمشاركة في الحرب العالمية الأولى، وضمت صحافيين ورسامين ومؤثرين محترفين، وكان بينهم إدوارد بيرنيز ابن شقيق فرويد، فوجهت اهتمامها إلى إثارة الغرائز والمشاعر من خلال: اختلاق الأخبار وابتداع القصص وإنتاج الأفلام وطباعة الملصقات وصياغة النشرات اليومية. وهنا، تزخر الرواية بمعلومات شكلت مقدمات تاريخية لنشوء أساليب التلاعب بالحشود التي اتخذتها الشركات الكبرى سلاحاً لتحقيق أهدافها، فراحت تفتعل الأزمات حول العالم، وتجترح الحلول لها، في محاولة منها لمراكمة مزيد من رأس المال وافتتاح الجديد من الأسواق لمنتجاتها، ضاربة عُرض الحائط بصحة الإنسان وسلامة البيئة وحرمة الطبيعة. وذلك، بالتواطؤ مع سياسيين صنَّعتهم، وأسندت إليهم الأدوار القذرة المغلفة بنوازع إنسانية، فأخذوا يسنون القوانين ويصدرون القرارات التي تحقق إستراتيجياتها، مما ترتب عليه تجريد الإنسان من حريته، وتلويث البيئة، وانتهاك حرمة الطبيعة. في هذا السياق، تقول الرواية إن رئيس دولة غربية لا تصرح باسمها لكنها تلمح إلى أنها الولايات المتحدة الأميركية، يقوم بإعلان خمسة حروب متعاقبة على الموت، متمظهراً بحوادث السير وداء السكري والدفع نقداً والاحتباس الحراري والعنف. وتسخر الشركات الكبرى وسائل الإعلام وتتواصل لتضخيم أخطار هذه التمظهرات، بهدف دفع الناس إلى التهافت على الحلول التي تجترحها، والإقبال على استهلاك منتجاتها، مما يجعل من الإنسان مجرد حيوان مستهلك، تتفرد بتشكيله وفق مصالحها، ودائماً باسم الحرص على مصلحته. ففي مقابل التهويل بالأخطار التي تشكلها حوادث السير ورفد الرأي العام بإحصاءات يومية مبالغ فيها بعدد الضحايا، تخترع الشركات سيارات ذاتية القيادة وتغري الناس باقتنائها. وفي مقابل التهويل بأخطار داء السكري، تخترع المستشعر الحيوي لزرعه في جسم الإنسان وإشعاره بمعدلات السكر فيه. وفي مقابل التهويل بأخطار الدفع نقداً، تخترع البطاقة المصرفية. وفي مقابل التهويل بالاحتباس الحراري، تحدد الحد الأقصى لاستهلاك الطاقة وتفرض الضرائب على المخالفين. وفي مقابل التهويل بالعنف، يتم اختراع الكاميرات التي ترصد ملامح الوجوه وتتنبأ سابقاً بالدوافع الجرمية قبل ارتكاب الجرائم. وتتمكن بالترغيب والترهيب من فرض منتجاتها المختلفة على الناس. منظوران روائيان الروائي الفرنسي لوران غونل وروايته (فناك) إزاء هذه الوقائع، ثمة منظوران روائيان اثنان مختلفان تنطوي عليهما "الصحوة". والمفارق أنهما يصدران عن صديقين، لكل منها مكان إقامته ورؤيته ونمط عيشه المختلف عن الآخر، ومع هذا، يتواصلان ويتبادلان الرأي ويمثلان خطين متوازيين، خلال مجرى الأحداث، حتى إذا ما شارفت الرواية نهايتها، يتقاطعان بأن يتبنى أحدهما وجهة نظر الآخر، وتتحقق الصحوة بعد فوات الأوان. المنظور الأول يؤيد الإجراءات المتخذة في مواجهة الأخطار المفتعلة، ويعبر عنه المهندس الشاب توم الذي يقيم في الولايات المتحدة، ويلتزم سائر الحلول التي تجترحها الشركات الكبرى، معتبراً أنها تصب في مصلحة الإنسان، فيقتني السيارة الذاتية الدفع، ويدس المستشعر الحيوي في جسده، ويستخدم البطاقة المصرفية، ويستخدم الأدوات الكهربائية المحددة الطاقة، ولا يمانع في تعريض وجهه لكاميرات المراقبة. ويترتب على التزامه هذه الحلول ترديه في الاكتئاب والوحدة واعتزال الناس والشعور أنه موضع مراقبة وافتقاد الحرية. ومع هذا، يصر على صحة خياراته. المنظور الثاني يشكك في خلفيات الشركات المضمرة وأهدافها المعلنة، ويعبر عنه الشاب اليوناني كريستوس أناستوبولوس المقيم في أثينا الذي درس الفلسفة في المهجر. ويرى في الإجراءات المتخذة في مواجهة الأخطار المفتعلة تنويعاً على الأساليب الشيوعية للاستجواب القسري التي وردت في تقرير العالم الاجتماعي الألماني ألبرت د. بيدرمان، ويطبقها على صديقه توم الراضخ لها، وينحاز إلى الطبيعة والحرية، ويصدر عن الحكمة التاوية في مقاربة الأشياء، معتبراً أن الإمبراطوريات المصطنعة خلافاً للطبيعة تحمل في صميمها بذور انهيارها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) هذان المنظوران ينتظمهما مسلكان سرديان، يتعاقبان بالتناوب في النص، ويتوازيان في الرأي، ويختلفان في المنطلقات والنتائج، ويتقاطعان، في الشكل، مرات عدة، من خلال الهاتف والرسائل الإلكترونية. ويتقاطعان، في المضمون، مرة واحدة، في نهاية الرواية، حين يقتنع توم بوجهة نظر صديقه كريستوس، ويترجم قناعته المستجدة إلى فعل هرب من المدينة إلى الطبيعة، وينسى أنه مراقب من خلال الرقاقة المغروسة في جسده والكاميرات التي تترصده، فيتم القبض عليه وإعادته إلى "القفص"، وبذلك، تأتي خطوته بعد فوات الأوان، في إشارة روائية إلى سيطرة الشركات على مسارات الناس ومصائرهم. على أن هذا التحول ما كان له أن يتحقق لولا مراسلات دورية تشتمل على قوائم بأدوات التلاعب بالحشود يرسلها كريستوس إلى صديقه توم، ولولا اكتشافه أن منتجات الشركات قابلة للاختراق ومضرة بالإنسان، فالسيارات الذكية يتحكم بها قراصنة وتودي بسائقيها إلى الموت، والمستشعر الحيوي يرسل بيانات الجسم الصحية إلى جهة معينة، والبطاقة المصرفية تتحول إلى جاسوس على حاملها، والكاميرا تقرأ نوايا الإنسان، مما يجعله يشعر بالاختناق حتى إذا ما خرج في طلب الحرية يكون قد فات الأوان. وهنا ينفتح الفضاء الروائي على الخيال العلمي بعدما انطلق من فضاء تاريخي. في نهاية الرواية، يهرب توم من كل الأماكن التي تحاصره إلى فضاء طبيعي في حديقة المدينة، فيتعقبه شرطيان ويلقيان القبض عليه في إشارة روائية إلى تأخره في الهرب، والعاقبة الوخيمة للرضوخ لأحكام الشركات، والمآل القاتم لنمط العيش الذي يمثله. وفي المقابل، نرى كريستوس في غمرة السعادة والحرية وهو يفترش رمل الشطآن في واجهة بحرية بعدما "التقى أصدقاءه في العشية، فأكلوا وشربوا وطربوا في مطعم من مطاعم الواجهة البحرية، ثم طاب له قضاء الليل بأسره في الهواء الطلق" (ص 129)، في إشارة روائية إلى أهمية العلاقات الاجتماعية ونمط العيش المختار في تحقيق سعادة الإنسان. وهكذا، ينتصر المنظور الطبيعي على المصطنع، والنقد على الرضوخ، والحرية على القيود، والإنسان على الشركات المتعددة الجنسيات.
Independent عربيةمنذ 15 ساعاتسياسةIndependent عربية"الصحوة" رواية فرنسية تفضح فن التلاعب بالبشرتتخذ أحداث رواية "الصحوة" مساراً أفقياً لا تنكسر أفقيته، سوى في نهاية الرواية، في نقطة تتحول فيها الأحداث عن مجراها، وأن عدد الشخوص يقتصر على شخصين اثنين، ينخرطان في حوار غير مباشر، عن بعد، يتمحور حول مسائل فكرية راهنة. وبمعزل عن إشكالية التجنيس، يطرح غونيل في "الصحوة" مسألة على قدر كبير من الأهمية تتعلق بدور الشركات المتعددة الجنسيات في تشكيل العالم وفق مصالحها، وتحويل الإنسان، بالتواطؤ مع السياسيين الذين هم صنيعة هذه الشركات في معظم الأحيان، إلى مجرد رمز مشفر ومزود برقاقة، ورقم مسجل في وزارتي الداخلية والمالية. وبذلك، ينهض غونيل بدور المثقف الذي يختصره نعوم تشومسكي بالبوح بالحقيقة وكشف الأكاذيب، ويقوم بالتكليفين اللذين يصنعان عظمة مهنة الكتابة، على رأي ألبير كامو، وهما "خدمة الحقيقة وخدمة الحرية"، وهو ما يصرح به الكاتب في تذييل الرواية. من هنا، تشكل "الصحوة" صرخة في وجه الشركات المتعددة الجنسيات وصنائعها من السياسيين، من جهة، وانتصاراً لحرية الإنسان، من جهة ثانية. التلاعب بالحشود الرواية بالترجمة العربية (دار نوفل) ذلك أن الشركات المتعددة الجنسيات، كما نرى في المتن الروائي، تتلاعب بالحشود، وتتحكم بغرائز الناس ودوافعهم، وتستغل مخاوفهم، لتسويق منتجاتها. وهي تقتفي في ذلك أثر "لجنة المعلومات العامة" التي شكلها الرئيس الأميركي وودرو ويلسون عام 1917، بهدف إقناع الرأي العام الأميركي بالمشاركة في الحرب العالمية الأولى، وضمت صحافيين ورسامين ومؤثرين محترفين، وكان بينهم إدوارد بيرنيز ابن شقيق فرويد، فوجهت اهتمامها إلى إثارة الغرائز والمشاعر من خلال: اختلاق الأخبار وابتداع القصص وإنتاج الأفلام وطباعة الملصقات وصياغة النشرات اليومية. وهنا، تزخر الرواية بمعلومات شكلت مقدمات تاريخية لنشوء أساليب التلاعب بالحشود التي اتخذتها الشركات الكبرى سلاحاً لتحقيق أهدافها، فراحت تفتعل الأزمات حول العالم، وتجترح الحلول لها، في محاولة منها لمراكمة مزيد من رأس المال وافتتاح الجديد من الأسواق لمنتجاتها، ضاربة عُرض الحائط بصحة الإنسان وسلامة البيئة وحرمة الطبيعة. وذلك، بالتواطؤ مع سياسيين صنَّعتهم، وأسندت إليهم الأدوار القذرة المغلفة بنوازع إنسانية، فأخذوا يسنون القوانين ويصدرون القرارات التي تحقق إستراتيجياتها، مما ترتب عليه تجريد الإنسان من حريته، وتلويث البيئة، وانتهاك حرمة الطبيعة. في هذا السياق، تقول الرواية إن رئيس دولة غربية لا تصرح باسمها لكنها تلمح إلى أنها الولايات المتحدة الأميركية، يقوم بإعلان خمسة حروب متعاقبة على الموت، متمظهراً بحوادث السير وداء السكري والدفع نقداً والاحتباس الحراري والعنف. وتسخر الشركات الكبرى وسائل الإعلام وتتواصل لتضخيم أخطار هذه التمظهرات، بهدف دفع الناس إلى التهافت على الحلول التي تجترحها، والإقبال على استهلاك منتجاتها، مما يجعل من الإنسان مجرد حيوان مستهلك، تتفرد بتشكيله وفق مصالحها، ودائماً باسم الحرص على مصلحته. ففي مقابل التهويل بالأخطار التي تشكلها حوادث السير ورفد الرأي العام بإحصاءات يومية مبالغ فيها بعدد الضحايا، تخترع الشركات سيارات ذاتية القيادة وتغري الناس باقتنائها. وفي مقابل التهويل بأخطار داء السكري، تخترع المستشعر الحيوي لزرعه في جسم الإنسان وإشعاره بمعدلات السكر فيه. وفي مقابل التهويل بأخطار الدفع نقداً، تخترع البطاقة المصرفية. وفي مقابل التهويل بالاحتباس الحراري، تحدد الحد الأقصى لاستهلاك الطاقة وتفرض الضرائب على المخالفين. وفي مقابل التهويل بالعنف، يتم اختراع الكاميرات التي ترصد ملامح الوجوه وتتنبأ سابقاً بالدوافع الجرمية قبل ارتكاب الجرائم. وتتمكن بالترغيب والترهيب من فرض منتجاتها المختلفة على الناس. منظوران روائيان الروائي الفرنسي لوران غونل وروايته (فناك) إزاء هذه الوقائع، ثمة منظوران روائيان اثنان مختلفان تنطوي عليهما "الصحوة". والمفارق أنهما يصدران عن صديقين، لكل منها مكان إقامته ورؤيته ونمط عيشه المختلف عن الآخر، ومع هذا، يتواصلان ويتبادلان الرأي ويمثلان خطين متوازيين، خلال مجرى الأحداث، حتى إذا ما شارفت الرواية نهايتها، يتقاطعان بأن يتبنى أحدهما وجهة نظر الآخر، وتتحقق الصحوة بعد فوات الأوان. المنظور الأول يؤيد الإجراءات المتخذة في مواجهة الأخطار المفتعلة، ويعبر عنه المهندس الشاب توم الذي يقيم في الولايات المتحدة، ويلتزم سائر الحلول التي تجترحها الشركات الكبرى، معتبراً أنها تصب في مصلحة الإنسان، فيقتني السيارة الذاتية الدفع، ويدس المستشعر الحيوي في جسده، ويستخدم البطاقة المصرفية، ويستخدم الأدوات الكهربائية المحددة الطاقة، ولا يمانع في تعريض وجهه لكاميرات المراقبة. ويترتب على التزامه هذه الحلول ترديه في الاكتئاب والوحدة واعتزال الناس والشعور أنه موضع مراقبة وافتقاد الحرية. ومع هذا، يصر على صحة خياراته. المنظور الثاني يشكك في خلفيات الشركات المضمرة وأهدافها المعلنة، ويعبر عنه الشاب اليوناني كريستوس أناستوبولوس المقيم في أثينا الذي درس الفلسفة في المهجر. ويرى في الإجراءات المتخذة في مواجهة الأخطار المفتعلة تنويعاً على الأساليب الشيوعية للاستجواب القسري التي وردت في تقرير العالم الاجتماعي الألماني ألبرت د. بيدرمان، ويطبقها على صديقه توم الراضخ لها، وينحاز إلى الطبيعة والحرية، ويصدر عن الحكمة التاوية في مقاربة الأشياء، معتبراً أن الإمبراطوريات المصطنعة خلافاً للطبيعة تحمل في صميمها بذور انهيارها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) هذان المنظوران ينتظمهما مسلكان سرديان، يتعاقبان بالتناوب في النص، ويتوازيان في الرأي، ويختلفان في المنطلقات والنتائج، ويتقاطعان، في الشكل، مرات عدة، من خلال الهاتف والرسائل الإلكترونية. ويتقاطعان، في المضمون، مرة واحدة، في نهاية الرواية، حين يقتنع توم بوجهة نظر صديقه كريستوس، ويترجم قناعته المستجدة إلى فعل هرب من المدينة إلى الطبيعة، وينسى أنه مراقب من خلال الرقاقة المغروسة في جسده والكاميرات التي تترصده، فيتم القبض عليه وإعادته إلى "القفص"، وبذلك، تأتي خطوته بعد فوات الأوان، في إشارة روائية إلى سيطرة الشركات على مسارات الناس ومصائرهم. على أن هذا التحول ما كان له أن يتحقق لولا مراسلات دورية تشتمل على قوائم بأدوات التلاعب بالحشود يرسلها كريستوس إلى صديقه توم، ولولا اكتشافه أن منتجات الشركات قابلة للاختراق ومضرة بالإنسان، فالسيارات الذكية يتحكم بها قراصنة وتودي بسائقيها إلى الموت، والمستشعر الحيوي يرسل بيانات الجسم الصحية إلى جهة معينة، والبطاقة المصرفية تتحول إلى جاسوس على حاملها، والكاميرا تقرأ نوايا الإنسان، مما يجعله يشعر بالاختناق حتى إذا ما خرج في طلب الحرية يكون قد فات الأوان. وهنا ينفتح الفضاء الروائي على الخيال العلمي بعدما انطلق من فضاء تاريخي. في نهاية الرواية، يهرب توم من كل الأماكن التي تحاصره إلى فضاء طبيعي في حديقة المدينة، فيتعقبه شرطيان ويلقيان القبض عليه في إشارة روائية إلى تأخره في الهرب، والعاقبة الوخيمة للرضوخ لأحكام الشركات، والمآل القاتم لنمط العيش الذي يمثله. وفي المقابل، نرى كريستوس في غمرة السعادة والحرية وهو يفترش رمل الشطآن في واجهة بحرية بعدما "التقى أصدقاءه في العشية، فأكلوا وشربوا وطربوا في مطعم من مطاعم الواجهة البحرية، ثم طاب له قضاء الليل بأسره في الهواء الطلق" (ص 129)، في إشارة روائية إلى أهمية العلاقات الاجتماعية ونمط العيش المختار في تحقيق سعادة الإنسان. وهكذا، ينتصر المنظور الطبيعي على المصطنع، والنقد على الرضوخ، والحرية على القيود، والإنسان على الشركات المتعددة الجنسيات.