logo
#

أحدث الأخبار مع #فوربيدنستوريز

حساب "غزة وود" على "إكس": منصة لبث الأكاذيب ضد الفلسطينيين
حساب "غزة وود" على "إكس": منصة لبث الأكاذيب ضد الفلسطينيين

العربي الجديد

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • العربي الجديد

حساب "غزة وود" على "إكس": منصة لبث الأكاذيب ضد الفلسطينيين

يشكل حساب "غزة وود" على منصة إكس إحدى الأدوات الدعائية العديدة التي لجأت إليها إسرائيل لبث سرديتها وتبرير حربها الإبادية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن تقريراً صدر عن منصة فوربيدن ستوريز، خلال الأسبوع الماضي، بيّن كيف أن منصة تقصي الحقائق المزعومة هذه مسؤولة عن نشر الكثير من المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. يحاكي اسم الحساب "غزة وود" اسم مركز صناعة السينما الأميركية "هوليوود" ، على سبيل السخرية من ما يعانيه الفلسطينيون في غزة، عبر الادعاء بأنّ مقاطع الفيديو الواردة من غزة ليست واقعية، بل مقاطع تمثيلية يزيّفها سكان القطاع لاكتساب تعاطف الرأي العام. وهو يعمل على فضح ما يزعم أنه "أكاذيب فلسطينية" في تغطية العدوان. أحد الأمثلة الحديثة على ذلك، هو تشكيك حساب "غزة وود" في قتل قوات الاحتلال لمراسل قناة الجزيرة حسام شبات في 24 مارس/ آذار الماضي. إذ تساءل القائمون على الحساب عبر منصة إكس بعد يومين: "هل مات حسام شبات حقاً؟ تثير الأدلة شكوكاً جدية، ربما كان موته مُدبراً لأسباب مجهولة". شكّك "غزة وود" في موت شبات على الرغم من تبني الاحتلال للجريمة وتبريرها بأنها "استهداف لإرهابي من حركة حماس"، ووصف لجنة حماية الصحافيين تصفية المراسل بأنّها "جريمة قتل". إضافةً إلى انتشار صور ومقاطع فيديو عديدة تظهر الصحافي ميتاً قرب سيارته. إعلام وحريات التحديثات الحية محكمة روسية تدين "غوغل" لنشرها بيانات جنود روس قتلوا في أوكرانيا وزعم الحساب أن شبات لم يمت، "الأمر برمته مُفبرك. حسام فبرك موته بنفسه". واستند الحساب إلى مزاعم من قبيل عدم وجود أضرار ظاهرة في الأرض من جراء الغارة الإسرائيلية التي أدت لاستشهاده، وأن بقع الدم لا تُطابق أي إصابة حقيقية. وتابع: "نحن لا ندّعي امتلاك الحقائق، بل نطرح الأسئلة الصعبة فقط"، فاتحاً الباب أمام سيلٍ من التكهنات ونظريات المؤامرة. كيف ظهرت تسمية "غزة وود"؟ لفت "فوربيدن ستوريز" إلى أنّ الزعم بأنّ الفلسطينيين يزيفون مأساتهم أمام الإعلام، وهو ما يحاكيه اسم الحساب "غزة وود"، يعود إلى الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000. آنذاك، هزّت اللقطات التي بثتها قناة فرانس 2 لقتل قوات الاحتلال الفتى الفلسطيني محمد الدرة بين أحضان والده العالم، لكنّ المؤرخ الأميركي ريتشارد لانديس كان مقتنعاً بأن مراسل القناة هو من زيّف المشهد بأكمله، وزعم أننا أمام "هوليوود فلسطينية"، أو ما أسما "باليوود" (Pallywood)، في مزيج يجمع كلمتي فلسطين وهوليوود. كان هدف لانديس من هذه العبارة، "الزعم بأن كل ما يأتي من الفلسطينيين هو كذب"، بحسب الباحث في موقع فيك ريبورتر الإسرائيلي، غسان مطر. في الوقت الحالي يملك حساب "غزة وود" أكثر من 70 ألف متابع على "إكس"، ويصل العديد من منشوراته إلى أكثر من مليون مستخدم على المنصة. يتبنى القائمون على الحساب الرواية الإسرائيلية بالمطلق. وفقاً لمطر، يهدف الحساب إلى "تصوير كل ما يصدر عن غزة على أنه كذب". من يقف خلف الحساب؟ من خلال تحقيقات رقمية ومقابلات مع أناس مختلفين تمكن "فوربيدن ستوريز" والمنصات الشريكة له من تحديد هوية صاحب الحساب: إيدان كنوخين، وهو يهودي أرثوذكسي من القدس، عرف بتأليف روايات خيالية للقراء الشباب في السابق. أكّد كنوخين هذه المعلومة، لكنه رفض إجراء مقابلة وأحال صحافيي المنصة إلى شخص آخر مشارك في مشروع "غزة وود"، هو ريتشارد لانديس، المؤرخ الأميركي نفسه الذي أطلق مصطلح "باليوود". أكد لانديس الأمر، ولفت إلى أنّ القائمين على الحساب تواصلوا معه، شارحاً أن الهدف كان "تنظيم مشروع يفضح قضية التمثيل بالكامل". وأوضح المؤرخ أن العميد الإسرائيلي السابق والمدير العام السابق لوزارة الشؤون الاستراتيجية، يوسي كوبرفاسر، شارك أيضاً في مشروع "غزة وود". لكن الأخير ادعى أنه غير مشارك بشكل مباشر، وزعم أن دوره اقتصر على ربط لانديس بأشخاص مختلفين، رفض الإفصاح عن أسمائهم، "لعرض الفكرة عليهم". إعلام وحريات التحديثات الحية صورة طفل بُترت ذراعاه في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو مصنع للأكاذيب وعلى الرغم من بقاء هؤلاء الأشخاص مجهولي الهوية، إلا أن نفوذ "غزة وود" لا يُنكر، وفقاً لـ"فوربيدن ستوريز": إضافة إلى حساب "إكس"، يُدير "غزة وود" موقعاً إلكترونياً وقناة عامة على منصة تليغرام. كما يعتمد على شبكة من المؤثرين يملك بعضهم أعداداً كبيرةً من المتابعين، لإعادة نشر محتواها وإيصاله لأكبر عددٍ ممكن من المتابعين. كان لذلك تأثير في ارتفاع استخدام كلمتي "باليوود" و"غزة وود" على "إكس"، إذ ارتفعت نسبة استخدام الأولى، باللغتين الإنكليزية والعبرية بنسبة 5838%، وشهدت الثانية زيادة أكبر وصلت إلى 29913%، في الفترة ما بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و15 يوليو/ تموز 2024. على الرغم من ادعائها أن مهمتها كشف "التمثيل والكذب الفلسطيني"، إلا أن منصة "غزة وود" مصنعٌ للأكاذيب، بحسب ما بيّنته عملية تحليل منشوراتها. بحسب مطر، كشفت مراجعة 731 منشوراً على حساب "غزة وود"، بين 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023 و25 أغسطس/ آب 2024، أن عدد المنشورات الحقيقية بينها لا يتجاوز 42 منشوراً، أي أن نسبة المنشورات الموثوق بها من الحساب لم تتجاوز 5.75%. أما باقي المحتوى، فيعتمد على "البحث عن أكثر المعلومات سخافة داخل الفيديو للادعاء بأنه مزيف، وهذه ليست آلية تدقيق الحقائق"، بحسب مطر.

آثار خنق وتعذيب وأعضاء مفقودة.. تحقيق يكشف ما حلّ بصحفية أوكرانية بعد أسرها في روسيا
آثار خنق وتعذيب وأعضاء مفقودة.. تحقيق يكشف ما حلّ بصحفية أوكرانية بعد أسرها في روسيا

يورو نيوز

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • يورو نيوز

آثار خنق وتعذيب وأعضاء مفقودة.. تحقيق يكشف ما حلّ بصحفية أوكرانية بعد أسرها في روسيا

اعلان وكانت روشينا قد أُسرت خلال صيف عام 2023 قرب محطة زاباروجيا للطاقة النووية جنوب أوكرانيا. وبعد أشهر من الغموض، اعترفت السلطات الروسية رسميًا في نيسان/ أبريل 2024 بأنها تحتجزها. ثم، في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، أبلغت العائلة بوفاتها، دون أن تقدم أي تفاصيل عن ملابسات موتها أو ظروف احتجازها. إثر ذلك، باشرت شبكة "فوربيدن ستوريز" تحقيقًا استقصائيًا حول ظروف وفاتها. وفي شباط/ فبراير من هذا العام، سلّمت موسكو إلى كييف جثث 757 أوكرانيًا، من بينهم جثمان روشينا، إلا أن الوثائق الروسية صنّفتها على نحو خاطئ على أنها "ذكر مجهول الهوية"، تحت الرقم "757" وبإشارة إلى عبارة "СПАС" (SPAS) التي ترمز في اللغة الروسية إلى "فشل في عضلة القلب". وسرعان ما أكد خبراء الطب الشرعي في أوكرانيا أن الجثمان يعود لامرأة. وأظهر تحليل الحمض النووي الذي أجراه مكتب المدعي العام الأوكراني تطابقًا بنسبة 99% مع عينة من روشينا، ما أكد هويتها. وقد أثارت وفاة روشينا، والظروف المروعة التي أحاطت بها، موجة استنكار واسعة في الأوساط الحقوقية والإعلامية، وسط دعوات لمحاسبة المسؤولين. آثار تعذيب وفقدان أعضاء قال رئيس قسم الحرب في مكتب المدعي العام، يوري بيلوسوف، إن حالة الجثة حالت دون تمكّن الطب الشرعي من تحديد سبب الوفاة بدقة، لكنه أشار إلى أن آثار الإصابات التي وُجدت على جثمانها حدثت قبل الوفاة، ما يعزز فرضية تعرضها للتعذيب. وأوضح بيلوسوف أن جسد روشينا حمل علامات متعددة على سوء المعاملة، شملت كدمات في أنحاء مختلفة من جسدها، بالإضافة إلى ضلع مكسور. كما رجّح الخبراء تعرّضها لصدمات كهربائية أثناء احتجازها. وأظهر التحقيق أن الجثة خضعت لتشريح في روسيا قبل تسليمها إلى أوكرانيا. وأثناء الفحص في كييف، تبين أن عددًا من الأعضاء مفقودة، من بينها الدماغ والعينان وجزء من القصبة الهوائية. Related وزارة الدفاع الروسية تعلن عن عودة 246 جنديا من الأسر في عملية تبادل مع أوكرانيا أوكرانيا والولايات المتحدة تتجهان لإتمام صفقة المعادن بحلول نهاية أبريل عودة 277 جنديًا أوكرانيا في أكبر صفقة تبادل لأسرى الحرب بين موسكو وكييف ووفق المحققين، وُجدت كدمة واضحة على عنق روشينا، إلى جانب وجود اشتباه بكسر في العظم اللامي، وهو من العلامات المرتبطة غالبًا بحالات الخنق، لكن الحالة العامة للجثة حالت دون تحديد السبب الدقيق للوفاة. ويُرجّح أن يكون ما ورد في الوثائق الروسية محاولة لإخفاء الملابسات الحقيقية المحيطة بوفاة الصحفية.

"المعتقلون الأشباح" في روسيا: التحقيقات التي كلفت فيكتوريا روشينا حياتها
"المعتقلون الأشباح" في روسيا: التحقيقات التي كلفت فيكتوريا روشينا حياتها

اليوم 24

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • اليوم 24

"المعتقلون الأشباح" في روسيا: التحقيقات التي كلفت فيكتوريا روشينا حياتها

أعلنت السلطات الأوكرانية عن وفاة الصحفية فيكتوريا روشينا أثناء احتجازها لدى روسيا في أكتوبر 2024، وذلك بعد أشهر من الاعتقال السري أولاً في المناطق الأوكرانية الخاضعة للاحتلال الروسي، ثم في أحد السجون الروسية، وفي فبراير 2025، أعيد جثمانها إلى وطنها. أجرى فريق « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة) تحقيقاً موسعاً في ظروف احتجاز روشينا وملابسات وفاتها، والتي جاءت في أعقاب رحلتها الصحفية إلى منطقة زابوريجيا، حيث كانت تسعى إلى توثيق شهادات المدنيين الأوكرانيين المحتجزين بشكل غير قانوني من قبل القوات الروسية. * أعيدت جثة روشينا إلى أوكرانيا في فبراير 2025؛ وقد ظهرت على الجثة آثار تعذيب وأعيدت من دون بعض الأعضاء. * نجح فريق « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة) في التواصل مع مصدرين في قضية روشينا داخل المناطق الأوكرانية الخاضعة لسيطرة روسيا، إضافة إلى مديرتها التي أكدت أنها سافرت إلى زابوريجيا للتحقيق في عمليات تعذيب المدنيين في مراكز احتجاز غير رسمية. * باشرت روشينا بإعداد قائمة بأسماء المسؤولين الروس عن عمليات الاعتقال والتعذيب، بما في ذلك عملاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. في فبراير 2025، أعادت روسيا إلى أوكرانيا 757 جثة عبر شاحنات إلى مشارح مختلفة لفحصها الجنائي. في الـ 25 من الشهر نفسه، بدأ محققو الطب الشرعي في مشرحة مدينة فينيتسا (غرب وسط أوكرانيا) بفحص عشرات الجثث التي تسلموها من الجانب الروسي. من بين تلك الجثث كانت هناك واحدة مختلفة. جاءت آخر جثة في كيس طبي أبيض، كتب عليها بخط يدوي عبارة « NM SPAS 757″، وهو اختصار روسي مشفر بمعنى (ذكر لم يُذكر اسمه، تلف شديد في الشرايين التاجية، جثة رقم 757). وعند فتح الكيس، وجدوا كيسا أسود يحوي جثة امرأة شابة. ورغم الحالة السيئة للرفات، تمكّن المحققون من العثور على علامة صغيرة مثبتة في قصبة الساق اليمنى، مكتوب عليها « روشينا، ف. ف ». بعد أشهر من عدم اليقين لدى عائلتها والتعتيم الذي مارسه الجانب الروسي، أُعيد جثمان الصحفية الأوكرانية فيكتوريا روشينا. لا ينبغي أن يُفاجئنا إدراج جثة روشينا كونها امرأة، في عملية تبادل أسرى الحرب التي كان معظم المشاركين فيها من الذكور، فقد كان مسارها استثنائياً بعيداً عن المألوف. في صيف عام 2023، سافرت روشينا إلى منطقة زابوريجيا الأوكرانية الخاضعة للاحتلال الروسي، لإعداد تقرير عن ظروف احتجاز الأوكرانيين في السجون الروسية. ولكن تفاصيل ما جرى في الأشهر التالية بقيت غامضة رغم الجهود المضنية لعائلتها لكشفها. فقد اختفت في غشت 2023، وأُودعت لأكثر من عام في مركزين للاحتجاز ، قبل الإعلان عن وفاتها داخل الأسر في أكتوبر 2024. تمثّل إعادة رفات روشينا إلى أوكرانيا نهاية سلسلة طويلة من التساؤلات والآمال الزائفة حول الصحفية الأوكرانية الوحيدة المعروفة حتى الآن التي فارقت الحياة في الأسر الروسي. وفي رسالة موجهة إلى « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة)، أكد المدعي العام الأوكراني بأن رفات روشينا عاد إلى أوكرانيا، مستنداً في تأكيده إلى تطابق الحمض النووي بنسبة 99.9 في المئة مع عينات مأخوذة من أفراد مقربين من أسرتها، وكشف عن وجود علامات تعذيب واضحة على الجثمان. وبحسب يوري بيلوسوف، رئيس وحدة جرائم الحرب في مكتب المدعي العام الأوكراني، فإن فحص الطب الشرعي كشف وجود علامات متعددة للتعذيب وسوء المعاملة على جسد روشينا، شملت سحجات ونزيفاً في مناطق مختلفة من الجسم، وكسور أضلاع، وإصابات في الرقبة، إلى جانب ما قد تكون علامات لتعذيب بصدمات كهربائية على قدميها. وأضاف بيلوسوف أن الجثة أعيدت وعليها آثار تشريح أُجري قبل وصولها إلى أوكرانيا، وكانت تفتقد بعض الأعضاء، ما قد يشير إلى محاولة إخفاء سبب الوفاة، وقد يرقى ذلك إلى جريمة حرب إضافية. وفي اتصالنا بوالد فيكتوريا ومحاميها، قالا إنهما ينتظران تحاليل إضافية من الطب الشرعي، ولا يعترفان بالتحليل الأولي. شكل إعلان وفاة فيكتوريا روشينا في أكتوبر 2024 نقطة انطلاق مشروع « فيكتوريا »، إذ قام فريق « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة) برحلتين إلى أوكرانيا على مدى ثلاثة أشهر، متعاوناً مع 45 صحفيا/ة من 13 وسيلة إعلامية، لتتبّع مسار روشينا داخل الأراضي الأوكرانية المحتلة وداخل روسيا. كما تابع فريق « فوربيدن ستوريز » -الذي يكرّس جهوده لمتابعة عمل الصحفيين الذين يتعرضون للقتل أو السجن أو التهديد- عمل روشينا غير المكتمل حول « المعتقلين الأشباح » في روسيا، والذين يُقدّر عددهم بين 16,000 و20,000 مدني زُجّوا في شبكة من مراكز الاحتجاز والسجون غير الرسمية. وبحسب سيفجيل موساييفا، رئيسة تحرير صحيفة « أوكراينسكا برافدا » الإلكترونية التي تعمل فيها روشينا، فإنها كانت المراسلة الوحيدة التي غطت أخبار المناطق الأوكرانية المحتلة، وكان عملها بالنسبة لها مهما: « كانت الجسر الذي يربط بين أوكرانيا وتلك الأراضي وقدمت معلومات هامة عن الحياة هناك. بعد اختفائها، لا توجد تغطية لما يحدث ». كانت روشينا قد توجهت إلى الأراضي الأوكرانية الخاضعة للاحتلال الروسي لتوثيق قصص هؤلاء « المعتقلين الأشباح »، لكنها سرعان ما أصبحت واحدة منهم. لا يمكن سرد قصة اختفاء روشينا الأخيرة إلا من خلال ومضات متفرقة، وشهادات غير مباشرة، وتخمينات مبنية على عدد من المعارف؛ شخص يعرف آخر، الذي بدوره يعرف ثالثاً. كلمات ترددت عبر جدران السجون، وذكريات ضبابية لمصادر مجهولة، وأب يائس. تبدأ قصة روشينا في قلب المنطقة الصناعية جنوب شرقي أوكرانيا، في زابوريجيا. تمتد هذه المنطقة على مساحة 27 ألفاً و183 كيلومتراً مربعاً، من بحر آزوف حتى ضفاف نهر دنيبر. عام 2022، ضمّت القوات الروسية نحو ثلثي هذه المساحة بشكل غير قانوني. اليوم، تقع زابوريجيا المحتلة خلف ضباب كثيف من خط جبهة راكد، مع قيود مشددة على تدفق المعلومات. تحتفظ أوكرانيا بالسيطرة على الجزء الشمالي من الإقليم، بما في ذلك المناطق المحيطة بمدينة زابوريجيا، فيما يمتد الاحتلال الروسي عبر كامل الجزء الجنوبي، بما يشمل مدينتي ميليتوبول وبرديانسك الرئيسيتين. وُلدت فيكا -كما يناديها أهلها وزملاؤها- عام 1996 في مدينة زابوريجيا، عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، بعد نحو خمس سنوات من انتهاء حقبة الاتحاد السوفييتي. وخلال إحدى رحلاتها الصحفية التأسيسية قبل الغزو الروسي، تناولت قضية جنائية بارزة في مدينة بيرديانسك الساحلية، التي أصبحت تحت الاحتلال الروسي. وبحسب رئيسة تحريرها، سيفجيل موساييفا، كانت فيكا منجذبة بشكل خاص للتغطية في الأراضي المحتلة. ربما كان هذا هو الدافع وراء استمرارها في السفر، حتى بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022. ففي الفترة بين فبراير 2022 يوليو 2023، سافرت إلى الأراضي -التي تسيطر عليها روسيا في جنوب شرق أوكرانيا- أربع مرات على الأقل، وفقاً لموساييفا. وخلال إحدى هذه الرحلات، في مارس 2022، اعتقلتها أجهزة الاستخبارات الروسية واحتجزتها في بيرديانسك لمدة أسبوع. عند عودتها من تلك الرحلة، ناشدها محرروها وزملاؤها وأفراد عائلتها بالتوقف وعدم السفر إلى هناك، لكنها أصرت على الاستمرار. في يوليو 2023، وبعد نحو عام ونصف من اندلاع الحرب، شرعت فيكا -التي كانت حينها في السادسة والعشرين- في الإعداد لرحلة صحفية أخرى، وبحلول ذلك الوقت، كانت رؤيتها قد اتضحت تماماً. تقول موساييفا: « ناقشنا الأماكن التي قد يتعرض فيها الأوكرانيون للتعذيب، وأعطتني رؤيتها الخاصة للموضوع، أرادت العثور على تلك الأماكن والأشخاص المعنيين. » أكد مصدران التقيا فيكا في تلك الفترة أنها كانت تنوي التحقيق في آليات الاحتجاز الروسية عبر عدة مدن في زابوريجيا. يروي أحدهما، الذي التقاها مرتين في 2023، أنها كانت متوترة بشأن تحقيقها. ويقول « ميكولا » -تم تغيير اسمه لأنه لا يزال يعيش في المنطقة- لفوربيدن ستوريز: « كانت منغلقة. لم تقل الكثير. لا أعرف ما الذي كانت تخشاه، ربما من أن تلتقطها كاميرات الفيديو أو شيء من هذا القبيل ». قام « ميكولا » بتوصيل « فيكا » في جولة حول مدينة « بيرديانسك » الساحلية، بما في ذلك إلى مطعم على شاطئ البحر حيث كانت تعتقد أن عملاء وضباط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يقصودنه. وعندما كانت فيكا تخطط للعودة إلى المنطقة، أرسلت له رسالة نصية تطلب منه أن يوصلها إلى إنرهودار، على بعد أكثر من 200 كيلومتر شمال بيرديانسك. لكنه رفض هذه المرة متذرعاً بعدم امتلاكه جواز سفر روسياً. أولغا، مصدر آخر تمكنت فوربيدن ستوريز من التحدث إليها، وقدمت لنا المزيد من التفاصيل. وفي شهادة حصرية، أكدت السيدة -البالغة 59 عاماً من بلدة صغيرة على شواطئ بحر آزوف، وطلبت أن يُكتفى بذكر اسمها الأول فقط- التقدم الذي أحرزته فيكا في التحقيق. ووفقاً لرواية أولغا، بدأت فيكا في جمع قائمة بأسماء عملاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. تقول أولغا: « كانت تخبرني عن تجربتها في الأسر، وتسألني عن كل شيء، وأدركت أن لديها الكثير من المعلومات، وقاعدة بيانات خاصة بها، عن عملاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ». التقت أولغا بالصحفية فيكا للمرة الأولى في عام 2019. وبعد الغزو، ورغم المخاطرة الكبيرة، بدأت أولغا بإرسال صور لفيكا من الأراضي المحتلة. التقتا مرة واحدة وجهاً لوجه في صيف 2022 عند محطة الحافلات في بيرديانسك، ثم خططتا للقاء ثانٍ في نونبر من نفس العام، إلا أن فيكا اضطرت فجأة للعودة إلى أوكرانيا لأسباب أمنية. ورغم فشل لقائهما، ظلّت فيكا وأولغا على اتصال حتى عام 2023. وفي صيف ذلك العام، تواصلت فيكا مع أولغا مجدداً، طالبة مساعدتها في التواصل مع بعض المصادر داخل الأراضي المحتلة. وبحلول أواخر يوليوز بدأت فيكا بتنفيذ خطتها، متجهة من كييف إلى بولندا عبر حافلة صغيرة، حيث التقط هاتفها إشارة برج اتصالات تابع لشركة بولندية بعد الساعة الثانية ظهراً. وفي اليوم التالي، 26 يوليوز، عبرت الحدود إلى روسيا من خلال نقطة تفتيش لودونكا، وفقاً لسجلات عبور الحدود التي اطلع عليها فريق « فوربيدن ستوريز ». من تلك اللحظة، بات تتبع مسار فيكا أكثر صعوبة. يُرجح أنها توجهت جنوبا عبر الأراضي الروسية للوصول إلى زابوريجيا المحتلة. ووفقاً لوثائق عبور الحدود التي ملأتها عند دخولها روسيا، كانت ميليتوبول هي وجهتها المعلنة. لكنها سافرت أولا إلى إنرهودار عن طريق ماريوبول، بحسب تحقيق مصوّر نشرته في مارس وسائل إعلام أوكرانية من بينها « سليدستفو إنفو »، و »سوسبيلني »، و »غراتي »، بالشراكة مع « مراسلون بلا حدود ». في أوائل غشت، بعثت فيكا رسالة أخرى إلى ميكولا أثناء تواجدها في بيرديانسك، أخبرته فيها بنيتها العودة إلى المدينة الساحلية خلال أسبوعين. ثم انقطعت اتصالاتها تماماً، وتوقفت عن الرد على أي رسائل. في 12 غشت، أعلنت السلطات الأوكرانية عن اختفاء فيكا. وفي الشهر التالي، تقدمت عائلتها ببلاغ رسمي إلى الشرطة ومكتب أمين المظالم. بدأت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية التحقيق، لم يتم تحديد مكان فيكا مجدداً إلا في أبريل 2024 أي بعد مرور ثمانية أشهر. كانت آنذاك محتجزة داخل روسيا، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية تم إرساله إلى والدها. التفاصيل حول ما جرى لفيكا منذ آخر رسالة نصية أرسلتها في غشت 2023 شحيحة ومتناقضة أحياناً. ومع ذلك، تشير الأدلة أولاً إلى أن فيكا كانت تخطط لإجراء تحقيق حول مراكز التعذيب الروسية في مدينة إنرهودار المحتلة. هذه المدينة صغيرة، لكنها بالغة الأهمية الاستراتيجية بفضل احتضانها محطة الطاقة النووية، وبحسب ما أفادت به أولغا. لا يبدو أن فيكا تمكنت من التقدم كثيراً في تحقيقها. وبحسب إفادة رسمية أدلت بها إحدى زميلات الزنزانة لاحقاً، كانت فيكا تعتقد أن طائرة من دون طيار رصدتها في إنرهودار بعد أن تركت حقيبة ظهرها في الشقة التي استأجرتها. وأخبرت رفيقتها في الزنزانة بأنها احتُجزت « لعدة أيام » في مركز شرطة إنرهودار، الذي كان يُستخدم آنذاك « لتصفية » المدنيين الأوكرانيين المشتبه بمقاومتهم للاحتلال. لم تتمكن « فوربيدن ستوريز » من التأكد بشكل مستقل من تفاصيل الاعتقال. وتواصلنا مع رفيقة الزنزانة السابقة، لكنها لم ترغب في الرد على أسئلتنا. يقول ديمتري أورلوف، عمدة إنرهودار السابق، الذي يعيش الآن في المنفى، لـ « فوربيدن ستوريز » إنه من غير المرجح أن تكون فيكا قد رُصدت بواسطة طائرة من دون طيار. وأشار إلى أن المراقبة بالفيديو التي تديرها قوات الاحتلال الروسية قد تكون هي الوسيلة التي تم من خلالها التعرف عليها، لكنه لا يملك أي دليل على ذلك. ما هو مؤكد بدرجة أكبر هو أن فيكا نُقلت من إنرهودار إلى ميليتوبول، المدينة التي تزعم روسيا أنها عاصمتها الإقليمية منذ ضم المنطقة بشكل غير قانوني في عام 2022. هناك، تفيد شهادتان بأن فيكا احتُجزت في مركز تعذيب واحتجاز غير رسمي يُعرف محليا باسم « المرائب ». يقع « المرائب » في منطقة صناعية تحت جسر يربط بين الجزء القديم والجديد من مدينة ميليتوبول، وأصبح « المرائب » سيئ السمعة بسبب المعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها المحتجزون فيه. يقول أحد السكان، وهو قريب لأحد السجناء، إن معظم سكان ميليتوبول يعرفون شخصاً كان محتجزاً في تلك الأماكن وتعذب هناك. ويضيف أن « صرخات الرجال والنساء على حد سواء » يمكن سماعها من ذلك الجزء من المدينة. من المرجح أن فيكا لم تسلم من التعذيب، وربما تعرضت للأشغال الشاقة القسرية أثناء احتجازها، بحسب يفغيني ماركيفيتش، وهو أسير حرب أوكراني التقى فيكا لاحقاً. يقول ماركيفيتش لأحد أعضاء فريق فوربيدن ستوريز، مُتكهنا بما يمكن أن تكون قد تعرضت له، رغم أنه لم يكن محتجزاً في نفس المكان: « لقد تم جلدها وتعذيبها على قدم المساواة مع الجميع هناك في ميليتوبول ». وفي شهادتها للسلطات الأوكرانية، أكدت رفيقة فيكا السابقة في الزنزانة هذا الأمر، قائلة إن فيكا كانت تعاني من ندوب تبدو كجروح سكين على يديها وإصابات أخرى. لم تكن ميليتوبول سوى مرحلة واحدة في مسار دخول فيكا متاهة نظام السجون الروسية. ففي نهاية شتنبر، تم نقلها إلى الشرق، إلى مدينة روسية على ضفاف بحر آزوف، أصبحت في ذلك الوقت مرادفاً لأعنف أنواع المعاملة التي يمكن تخيلها: تاغانروغ. بعد أشهر من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، في ماي 2022، فتح مركز احتجاز سابق للأحداث أبوابه أمام أسرى الحرب الأوكرانيين. هذه القلعة المسوّرة في تاغانروغ، التي تم طلاء جدرانها بلون أخضر قرمزي، هو مركز احتجاز الأحداث (SIZO-2). في SIZO-2، يتعرض الجنود الأوكرانيون للضرب المبرح عند وصولهم، وهي عملية تعرف باسم « الاستقبال »، لدرجة أن أربعة منهم سقطوا قتلى على الفور، بحسب معلومات قدمها مصدر في الاستخبارات الأوكرانية. ويزعم أنه حتى خريف 2024، لقي 15 سجيناً أوكرانياً حتفهم في هذا المركز. هنا قضت فيكا، ما يقرب من تسعة أشهر، من أواخر دجنبر 2023 حتى أوائل شتنبر 2024. كانت تتقاسم زنزانة صغيرة مع ثلاث مدنيات أخريات، وفقاً لماركيفيتش، التي كانت زنزانته تقع على بعد بابين فقط من زنزانتها. يتذكر ماركيفيتش أنه كان يسمع صوت فيكا أثناء التفتيش اليومي للغرف، وغالباً ما كانت تصرخ في وجه الحراس. يقول ماركيفيتش: « كانت تصفهم بـ (الجلادين والقتلة). شخصيا، كنت معجباً بها. لم يكن أحد منا هكذا. لم يكن بإمكان أي شخص أعرفه أن يفعل ذلك بنفسه. لم تكن تخشى الموت ». في تاغانروغ، يمتلك السجانون تفويضاً مطلقا لتنفيذ جميع أشكال سوء المعاملة والقسوة، وهو ما لم تفلت منه فيكتوريا روشينا على الأرجح. وصف عشرة معتقلين سابقين لـ »فوربيدن ستوريز » المنشأة التي تم فيها إضفاء الطابع المؤسسي على التعذيب، إذ رووا ما تعرضوا له من ضرب وصعق بالكهرباء وتعليقهم رأساً على عقب لفترات طويلة، وغيره من أشكال المعاملة العنيفة والمهينة. وبحسب ميخائيلو شابليا، وهو أسير حرب كان محتجزاً في تاغانروغ وأُطلق سراحه في شتنبر 2024، فقد طُلب من المحققين أن يتمادوا في تعذيب السجناء إلى أقصى حدود الألم لدرجة قد تؤدي إلى قتلهم. وعندما تعلق الأمر بفيكا، أشار إلى أنهم بالغوا في تعذيبها. ويقول: « أنهم مهتمون بأن يكون السجناء على قيد الحياة، ولكن في حالة سيئة للغاية، إبقاء السجين على قيد الحياة، هو وسيلة لإجراء عملية تبادل ». بحلول صيف 2024، كانت صحة فيكا تتدهور، ولم تكن تأكل. في تلك المرحلة، نُقلت إلى المستشفى. وقالت رفيقتها في الزنزانة في إفادة للسلطات الأوكرانية: « كانت في حالة صحية سيئة لدرجة أنها لم تستطع حتى رفع رأسها عن الوسادة ». وأكد ذلك معتقل سابق آخر قابل فيكا في تاغانروغ. يقول: « لم يكترثوا بها حتى شعرت بحالة سيئة تماماً، وعندها أخرجوها بطريقة ما ». ويضيف: « جاء طبيب وفحصها وأدخلوها إلى المستشفى. لا أحد يعرف أين. عادت وأجبروها على تناول الطعام عبر الحقن الوريدي ». في أواخر غشت 2024، بعد أشهر عدة على دخول فيكا المستشفى، رن هاتف فولوديمير روشين من رقم روسي. عندما فتح الخط، سمع صوت ابنته فيكا للمرة الأولى منذ أكثر من عام. قال فولوديمير إن فيكتوريا كانت تتحدث الروسية وليس الأوكرانية، ما يعني أنها لم تكن وحدها. تحدث إلى « فوربيدن ستوريز » في مقابلة من كريفي ريه، المدينة الصغيرة في شرق أوكرانيا حيث لا يزال يعيش على أصوات الصواريخ الروسية التي تطلق من وراء الحدود مع روسيا. يقول فولوديمير: « لقد وعدتني بالعودة إلى الوطن في شتنبر ». في المحادثة القصيرة التي تلت ذلك، شجع فولوديمير وزوجته فيكا على تناول الطعام. وأكدت فيكا لوالديها أنها ستفعل ذلك؛ ثم ودعتهما. وعندما حاول فولوديمير معاودة الاتصال بالرقم، تلقى رداً آلياً. وبحسب يفجينيا كابالكينا، محامية العائلة، فإن المكالمة كانت نتيجة مفاوضات « رفيعة المستوى » بين الجانبين الروسي والأوكراني. وبالنسبة للعائلة، بدا أن المكالمة كانت تنذر بقرب إطلاق سراح فيكا. وقالت مديرتها موساييفا إنها تحدثت مع صحفي أجنبي علم من مصادر استخباراتية أن فيكا سيطلق سراحها في عملية تبادل الأسرى القادمة المقررة في منتصف شتنبر. ولكن بعد ذلك بأسبوعين، عندما عادت حافلة محملة بأسرى الحرب الأوكرانيين إلى كييف، لم تكن فيكا من بينهم. ومع مرور الأيام، وصولا إلى شهر أكتوبر، بدأ الأمل بالتلاشي. هل يمكن أن تكون فيكا قد اختفت مرة أخرى؟ وفي أكتوبر، تلقى فولوديمير رسالة بالبريد الإلكتروني من وزارة الدفاع الروسية. وبلغة رسمية مقتضبة، كان فحوى الرسالة وفاة ابنته في الأسر الروسي، وتاريخ الوفاة المذكور: 19 شتنبر 2024. في الوقت الحالي، قد تكون القرائن الوحيدة حول سبب وتوقيت وفاتها مكتوبة على الجثة نفسها، وفي همسات المعتقلين السابقين. عند عودتها، كانت جثة فيكتوريا في حالة يرثى لها؛ فقد جُمِّدت وحُنِّطت. وكانت الكدمات على الرقبة متوافقة مع احتمال وجود كسر في عظمة اللامي، وهو كسر نادر يرتبط عادة بالخنق، بحسب مصدر مطلع على التحقيق الرسمي. امتنع المحققون الأوكرانيون -حتى تاريخ النشر- عن تقييم سبب الوفاة. ويرجع ذلك، وفقاً للمصدر نفسه، إلى أن جثة فيكا أُعيدت بعد إزالة أعضاء منها، بما في ذلك أجزاء من الدماغ والحنجرة ومقلة العينين، ما يُشير إلى محاولة محتملة لإخفاء سبب الوفاة. هل يمكن أن تكون فيكا قد خُنقت حتى الموت؟ هل حدث نزيف في دماغها؟ هل حدث خطأ ما في طريق التبادل، أم أن هذه الإصابات قديمة؟ وبحسب مصادر متعددة، تم إخراج فيكتوريا من زنزانتها في 8 شتنبر، أي قبل نحو أسبوعين من تاريخ الوفاة الرسمي. ولكن حتى الآن، لم تتمكن النيابة العامة ولا « فوربيدن ستوريز » من تحديد ما حدث خلال تلك الفترة. ولم يستجب أي من المسؤولين الروس الذين طلبنا منهم التعليق على طلباتنا حول ما ورد في هذا التحقيق، وهم الكرملين، وجهاز الأمن الفيدرالي، ودائرة السجون الفيدرالية، بالإضافة إلى العديد من كبار المسؤولين في تاغانروغ. يتذكر المعتقل السابق في تاغانروغ الذي التقى فيكا ذلك اليوم: « بمساعدة سجينة أخرى، سقطت عندما كان من المفترض أن يقوموا بتبادلها ». « بعد ذلك، جاء أحد ضباط الأمن، وقال إن الصحفية لم تصل إلى عملية التبادل وأن الخطأ خطأها ». ولا يزال فولوديمير روشينا، والد فيكا، متمسكا بالأمل. بينما لا تزال عائلتها ومحاميها ينتظرون إجراء تحليل ثانٍ للحمض النووي، بالإضافة إلى فحوص الطب الشرعي الأخرى. ويقول: « ما زلت لا أعرف ماذا حدث لها، ولماذا لم يتم إدراجها في عملية التبادل في 13 شتنبر 2024 ». ويضيف: « طوال هذا الوقت تدعمني عائلتي، ونحن نصلي من أجل فيكا ونعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام ».

قصص من السماء... تحقيق في استهداف إسرائيل صحفيي الدرون بغزة
قصص من السماء... تحقيق في استهداف إسرائيل صحفيي الدرون بغزة

اليوم 24

time٢٧-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • اليوم 24

قصص من السماء... تحقيق في استهداف إسرائيل صحفيي الدرون بغزة

قبل أربع سنوات، بدأ سمير إسليم، المعروف باسم محمود البسوس، بمراسلة الطباطيبي على وسائل التواصل الاجتماعي، طالباً منه أكثر من مرة أن يعلّمه التصوير بالطائرة من دون طيار (الدرون). لم يعر الطباطيبي، أحد أشهر صحفيي الدرون بغزة، اهتماماً كبيراً في البداية. ولكن مع إصرار البسوس، وافق الطباطيبي: « في فرق بالعمر بيني وبينه، لكن بحب الشخص المجتهد، ويسعى إنه يطور من نفسه، فلقيت الحاجة دي عند محمود ». أصبحا قريبين من بعضهما البعض. بدأ البسوس ينضم إلى الطباطيبي في مهمات تصوير. عندما بدأت الحرب، انتقل الطباطيبي، الذي كان يعمل مع وكالة أنباء دولية، إلى الجنوب. وبقي البسوس في الشمال. ومع قطع الحركة بين المنطقتين من قبل الجيش الإسرائيلي، بقيا على اتصال. بدأ الطباطيبي تكليفه بالتصوير. كما بدأ البسوس العمل مع وسائل إعلام دولية، بما في ذلك وكالة « رويترز » ووكالة « أنباء الأناضول » التركية. وحتى بعد مغادرة الطباطيبي إلى مصر، استمر التواصل بينهما. يوم السبت 15 مارس، كان البسوس يصور افتتاح توسعة مخيم للنازحين واستعدادات لإفطار رمضاني في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، لصالح « مؤسسة الخير » البريطانية، عندما ضربت غارتان جويتان إسرائيليتان المنطقة. قُتل سبعة أشخاص على الأقل، من بينهم البسوس. « كنت في حالة صدمة… ما كنت متوقعها واحد بالمية، ليش؟ لأنه نحنا في هدنة »، يقول الطباطيبي. أصبح البسوس، خامس صحفي يعمل بطائرة درون يُقتل على يد إسرائيل، منذ بدء الحرب على غزة في تشرين أكتوبر 2023. يقول متحدث باسم رويترز: « شعرنا بحزن عميق عندما علمنا بمقتل الصحفي البسوس، الذي نشرت رويترز أعماله في الأسابيع الأخيرة، في غارة إسرائيلية أثناء قيامه بمهمة لصالح مؤسسة الخير ». في مطلع مارس، تعاونت « فوربيدن ستوريز » مع البسوس لتصوير لقطات درون من مخيمي جباليا والشاطئ، لإعداد هذا التحقيق ضمن الجزء الثاني من « مشروع غزة ». وقبل بضعة أيام من الغارة التي أودت بحياته، أكمل البسوس المهمة. كتب أحد الزملاء في مجموعة خاصة بالمشروع: « عاد الصحفي إلى المنزل وهو بأمان ». كانت فوربيدن ستوريز تنسق عملية التصوير وتطلع شركاءها بانتظام على مستجدات العمل. الصحفي الذي كان يعمل على قصة عن قتل صحفيي الدرون، صار جزءاً منها. أصبحت غزة أخطر مكان في العالم بالنسبة للصحفيين. وفقاً للجنة حماية الصحفيين (CPJ)، فإن الحرب على غزة هي أكثر الصراعات دموية بالنسبة للصحفيين. فقد قُتل ما لا يقل عن 165 صحفياً فلسطينياً (حتى تاريخ نشر هذا التحقيق)؛ أي أكثر مما قُتل خلال ست سنوات من الحرب العالمية الثانية. ويواجه صحفيو الدرون خطراً أكبر. فقد قُتل خمسة منهم وأصيب واحد بجروح خطيرة، من بين مجموعة من نحو عشرة صحفيين، كانوا يعملون في غزة بداية الحرب، وفقاً للصحفي الطباطيبي. وثقت أريج وفوربيدن ستوريز وشركاؤهما، أن قتل أو إصابة هؤلاء الصحفيين، جاء بعد التقاط الصور الجوية في كل الحالات تقريباً. وفي بعض هذه الحالات، بما في ذلك غارة 15 مارس، اتهمت إسرائيل الصحفيين الذين قتلتهم بالانتماء لتنظيمات مسلحة، لكنّها لم تقدم أدلة قاطعة. وتشير المقابلات مع جندي احتياط إسرائيلي سابق، ووثائق داخلية مسربة، إلى غياب أي قواعد اشتباك واضحة، عندما يتعلق الأمر بصحفيي الدرون. نظراً لحجم الدمار الهائل في غزة، غالباً ما تكون لقطات الدرون هي الطريقة الوحيدة لتصوير حجم هذا الدمار. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، مقطع فيديو مدته دقيقة -نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في يناير، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ- يُظهر حجم الدمار في رفح. استُخدمت طائرات الدرون في غزة منذ عام 2014، عندما أدخلها الصحفي والمخرج أشرف مشهراوي لأول مرة في التغطية الصحفية. وقد استُخدمت على نطاق واسع لتوثيق الدمار بعد حرب عام 2014. يعتقد الطباطيبي أن استخدام الدرون كان ضرورياً لتصوير حجم الدمار خلال الحرب الحالية، وهو أمر لم يستطع التصوير الأرضي إظهاره؛ لذا استمر في التصوير، حتى يناير 2024. في 7 يناير 2024، كان من المفترض أن ينضم الطباطيبي إلى صديقه مصطفى ثريا في جلسة تصوير. كان الاثنان يتشاركان خيمة واحدة، ويغطيان الحرب معاً. لكن في ذلك الصباح، لم يخرج الطباطيبي برفقة ثريا، وبقي لمساعدة زوجته في تطعيم ابنتهما حديثة الولادة. قُتل ثريا، -الذي كان يعمل مع وكالة الصحافة الفرنسية وقناة الجزيرة- في غارة جوية إسرائيلية، بعد تصويره آثار غارة سابقة بطائرة درون، ليكون أول صحفي درون يُقتل في الحرب. وقال الجيش الإسرائيلي إنه « حدد وقتل إرهابياً كان يُشغّل جهازاً طائراً يشكل تهديداً للقوات الإسرائيلية ». لكنّ تحقيقاً أجرته صحيفة واشنطن بوست يناقض هذا الادعاء. حلّلت الصحيفة لقطات حصلت عليها من الدرون الخاصة بمصطفى، ولم تجد أي جنود إسرائيليين أو طائرات أو معدات عسكرية قريبة من موقع التصوير. ساقان مبتورتان في 24 فبراير، أصيب عبد الله الحاج، وهو صحفي درون آخر، بجروح خطيرة في غارة إسرائيلية بعد انتهاء تصويره في مخيم الشاطئ للاجئين. يقول الحاج: « بمجرد أن انتهيت من التصوير ووضعت الدرون داخل حقيبتي، تم استهدافي ». بُترت ساقا الحاج جراء إصابته. وبعد عدة أيام من الهجوم، تعرض منزله للقصف، ويرى الحاج أن استهداف منزله كان بهدف تدمير الأرشيف الذي جمعه على مدى 20 عاماً. وفي تعليقه على حادثة يوم 24 فبراير، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنه ضرب « خلية إرهابية تستخدم طائرة درون ». وينفي الحاج أي علاقة له بالتنظيمات المسلحة، واصفاً هذا الادّعاء « بالكاذب ». وقال إن القوات الإسرائيلية دققت هويته مرتين؛ الأولى في مستشفى الشفاء، والثانية قبل مغادرته غزة للعلاج في قطر. ويضيف: « لو كنت من حماس لما تمكنت من مغادرة قطاع غزة لتلقي العلاج ». فقدان شقيقين في آن واحد في أبريل، تلقى الطباطيبي مكالمة من المصور إبراهيم الغرباوي، الذي كان قد اشترى طائرة درون وطلب المساعدة في تعلم تشغيلها. نصحه الطباطيبي بعدم استخدامها، قائلاً إن الوضع « مخيف ». كان إبراهيم وشقيقه أيمن قد نزحا مع أسرتهما إلى رفح. في 26 أبريل، ذهبا إلى خان يونس لتصوير الدمار الذي خلفه الاجتياح الإسرائيلي، وفقاً لشقيقهما عبد الله. تقول إيناس زوجة إبراهيم، إنه اتصل ليخبرها بالانتهاء من التصوير، وإنهما في طريق العودة. كان هذا آخر اتصال بينهما. وفي وقت لاحق من تلك الليلة، علمت أنهما قُتلا في غارة جوية إسرائيلية. كان فقدان شقيقين في آن واحد مفزعاً. يقول عبد الله: « لا تمر لحظة إلا ونذكرهما ونتذكرهما، ونبكي عليهما ». « شعرت أن كل شيء تجمد للحظة » « بعد أن تم استهدافه (يقصد إبراهيم)، قررت إنه كفى.. خلاص ». قرر الطباطيبي المغادرة إلى مصر، وباع طائرته الدرون لزميله المصور محمد أبو سعادة (31 عاماً). بعد ثلاثة أشهر، قُتل أبو سعادة في غارة جوية على خيمة عمه في خان يونس، حيث ذهب لاستخدام الإنترنت لتحميل لقطات فيديو. يقول ابن عمه سيف، الذي كان معه في ذلك الوقت: « كانت الساعة 5:29 (مساء)، أذكر أنني كنت أنظر إلى الهاتف. بالكاد ابتعدت (عن المكان الذي كانوا يجلسون فيه)، عندما سقط صاروخ… شعرت أن كل شيء تجمد للحظة ». لقي أبو سعادة وثلاثة من أشقاء سيف حتفهم. يظهر محمد أبو سعادة في آخر منشور مع طائرته وهو يصور الدمار في بني سهيلا شرق خان يونس، قبل نحو أربعة أشهر من مقتله، وكان الصحفي الوحيد الذي لم يُقتل مباشرة بعد تصويره في الميدان. يقول سيف إن ابن عمه لم يكن يستخدم الدرون: « كنا نعلم جميعاً أن أي شخص يستخدم واحدة منها سيتم استهدافه ». بحسب مسؤولين سابقين في الجيش الإسرائيلي، ومنهم مايكل عوفر زيف، وهو جندي احتياط سابق، فإنه لم تكن هناك إرشادات واضحة حول كيفية التعامل مع طائرات الدرون ذات الاستخدام المدني. ويقول عوفر زيف: « لم أتلقَ في أي مرحلة من مراحل هذه الحرب وثيقة رسمية تحدد قواعد الاشتباك، وهذه مشكلة، لأنها تترك مجالاً كبيراً للتأويل ». ويضيف عوفر زيف أن الأجواء العامة في غرفة العمليات كانت واضحة: « إذا رأينا أي شخص يقوم بتشغيل طائرة درون ليست لنا، كان التوجّه هو إسقاط الطائرة وقتل الشخص الذي يتحكم بها، دون أي تساؤلات ». تُظهر رسائل بريد إلكتروني مسرّبة تعود لعام 2020، تمت مشاركتها مع فوربيدن ستوريز، أن مسؤولين في وزارة العدل الإسرائيلية كانوا يحذرون من الإشارة إلى أن الصحفيين الذين يستخدمون الدرون قد يتم الخلط بينهم وبين المقاتلين، حيث يمكن أن يُنظر إلى ذلك على أنه عدم التزام من إسرائيل بقوانين الحرب. وتُظهر الرسائل نقاشاً بين مسؤولين رفيعين (اثنين) في مكتب المدعي العام الإسرائيلي، حول قتل الصحفي ياسر مرتجى خلال « مسيرة العودة الكبرى » في أبريل عام 2018. ويشيران إلى تصريح أدلى به وزير الدفاع آنذاك أفيغدور ليبرمان: « لا أعرف من هو، مصور أم ليس مصوراً، من يُشغّل طائرات الدرون فوق جنود الجيش الإسرائيلي يجب أن يفهم أنه يعرض نفسه للخطر ». يشير المسؤولان إلى أن مثل هذا التصريح، الذي تم الاستشهاد به في تقرير تحقيق للأمم المتحدة حول مسيرات الحدود في غزة، قد يُنظر إليه على أنه تشويش للخط الفاصل بين الصحفيين والمسلحين، وهو ما حذرا من احتمالية استخدامه « لتقويض مزاعم إسرائيل بأنها تلتزم بقوانين الحرب بشكل عام، ومبدأ التمييز بشكل خاص ». لم نرصد في تحقيقنا أي تحذير إسرائيلي رسمي للصحفيين من استخدام طائرات الدرون للتصوير. يقول المشهراوي، الصحفي الذي كان أول من أدخل الدرون إلى غزة: « لم يصلنا أو نسمع بأي بيان منه (الجيش الإسرائيلي)، ولكن كان هناك نمط واضح في استهداف أي صحفي يستخدم الدرون ». ويضيف: « لديهم أدوات لتعطيلها أو حتى الاستيلاء عليها، من دون الحكم على الصحفي بالموت. هناك العديد من الخيارات الأخرى قبل إطلاق الصاروخ ». في ثلاث من الهجمات الأربع التي قتل فيها صحفيون يعملون بطائرات درون، والتي وثقها هذا التحقيق، نجت الطائرات، ولم ينجُ أصحابها. توجه فريق مشروع غزة (الجزء الثاني)، بأسئلة للجيش الإسرائيلي عما إذا كانت لديه سياسة محددة بشأن طائرات الدرون في غزة، وكيف يميز بين المدنيين والأهداف العسكرية. كما طلبنا معلومات حول العديد من الحوادث. لم يردّ الجيش الإسرائيلي على الأسئلة المتعلقة بحوادث محددة، لكنه قال إنه « يرفض بشكل قاطع الادعاء بوجود هجوم ممنهج على الصحفيين ». ويقول الجيش في ردّه إنه « يتخذ جميع التدابير الممكنة للتخفيف من الأذى الذي يلحق بالمدنيين، بمن فيهم الصحفيون ». وأضاف أنه لا يستهدف سوى « الأهداف العسكرية » والأفراد المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، وأن الحالات الاستثنائية تخضع للمراجعة الداخلية، من دون أن يُحدّد ما إذا كانت أي من الحالات الواردة في هذا التحقيق قد خضعت لتحقيق داخلي. في أعقاب غارات 15 مارس، التي أدت إلى مقتل البسوس، ادّعى الجيش الإسرائيلي أنه استهدف « إرهابيين »، من بينهم اثنان كانا يُشغّلان طائرة من دون طيار، ونشر قائمة بالأسماء والصور. لكنّ بيان الجيش تضمن أسماء أشخاص تم تحديد هويتهم بشكل خاطئ، وشخصاً واحداً على الأقل لم يُقتل في الغارات، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة. لم يورد البيان اسم أو صورة البسوس الذي كان يصور بالدرون. وبدلاً من ذلك، أدرج الجيش الإسرائيلي اسم شخص آخر مشابهاً، ووصفه بأنه « إرهابي من حماس يعمل تحت غطاء صحفي »، وأشار إلى وجود صلة بين طائرة الدرون التي استُخدمت في بيت لاهيا وحركة الجهاد الإسلامي. وقالت مؤسسة الخير إنها « تدحض تماماً » أي ادعاءات بأن فريقها كان على صلة بالمسلحين. وأضافت أن أعضاء الفريق تم استهدافهم عمداً، أثناء قيامهم « بمهمة إنسانية بحتة ». أدرجت لجنة حماية الصحفيين على موقعها الإلكتروني الصحفيين الخمسة الذين قُتلوا بطائرات من دون طيار، بمن فيهم البسوس. وصنّفت مقتله « جريمة قتل »، وهو تصنيف تحتفظ به المنظمة للحالات التي يبدو فيها أن الصحفي قد استُهدف عمداً. في مقابلات أجرتها أريج وشركاؤها في الجولة الأولى من مشروع غزة العام الماضي (2024)، يقول كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، مدير البرامج في لجنة حماية الصحفيين: « هناك نمط من الجيش الإسرائيلي في اتهام الصحفيين بأشياء مختلفة، وأحياناً تصريحات متناقضة في غضون أيام، لأن هذه هي الطريقة التي تعمل بها البروباغاندا، في البداية تزرع بذرة الشك… لكن لا يوجد دليل من أي نوع ». يقول المشهراوي إن شركته أوقفت استخدام الدرون بسبب مخاوف على سلامة الفريق، خاصة بعد غارة 15 مارس: « سيتم استئناف التصوير بالدرون في حال التأكد التام من عدم استهداف الصحفيين بسبب استخدامهم له خلال عملهم الصحفي ». الساعة الواحدة والنصف صباحاً في الليلة التي سبقت مقتل البسوس، يتذكر الطباطيبي مكالمة هاتفية معه تحدثا فيها عن أمور حياتهما. كان البسوس (25 عاماً) يخطط للزواج. يقول الطباطيبي ضاحكاً بهدوء رغم الألم: « احنا في غزة بنتزوج بدري ». تحدثا لأكثر من ساعة، وهي أطول مكالمة بينهما منذ فترة. لم يكن يعلم أنها ستكون الأخيرة.

تهريب الكبتاغون: التحقيق لا يزال محظوراً على الصحفيين السوريين
تهريب الكبتاغون: التحقيق لا يزال محظوراً على الصحفيين السوريين

عمان نت

time١٠-٠٢-٢٠٢٥

  • عمان نت

تهريب الكبتاغون: التحقيق لا يزال محظوراً على الصحفيين السوريين

قُتل الصحفي السوري محمود الحربي بعد أن خرق الحظر المفروض على الاتجار بالكبتاغون، جنوب البلاد في عهد بشار الأسد. وعلى الرغم من سقوط النظام قبل نحو شهرين، لا يزال التحقيق في هذه التجارة المربحة محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للصحفيين السوريين. وقد أرسل ثلاثة صحفيين سوريين نتائج ما توصلوا إليه لموقع "فوربيدن ستوريز" (قصص محظورة)، لمواصلة عملهم. النتائج الرئيسية: ● يستمر تهريب الكبتاغون على الحدود بين سوريا والأردن، على الرغم من سقوط نظام بشار الأسد، الذي كانت عائلته (الأسد) تسيطر على هذه التجارة المربحة. ● أحد المشتبه فيهم بقتل الصحفي محمود الحربي، هو حر طليق الآن، ولا يزال على علاقة بتجار الكبتاغون. ● لم يوقف سقوط النظام تهريب الكبتاغون في المنطقة. وبالنسبة للصحفيين السوريين، فإن التحقيق في تهريب الكبتاغون لا يزال مميتاً. في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، كان محمود الحربي الكفري على وشك الانطلاق بسيارته على طريق في قرية معربة السورية، لكنّ وابلاً من الرصاص انهال عليه. لم يرحمه قاتلوه، كما تُظهر لقطات فيديو من كاميرات المراقبة، التي تمكنت "قصص محظورة" من الوصول إليها. كان الحربي، وهو صحفي في موقع "درعا 24" الإعلامي، قد كشف قبل عشرة أيام عن تورط عائلة محلية في الاتجار بالكبتاغون؛ وهو مخدر مُصنَّع له تأثيرات محفزة. وفي المادة المنشورة، لم يُذكر اسم الصحفي "الحربي"، الذي قال إن "أحد أفراد عائلة الرويس (ر.ا) ينحدر من قبيلة بدوية ومتهم بالعمل في تجارة المخدرات... وقد تم إخلاء مزرعته المُستخدمة كمستودع أو معمل لتصنيع الكبتاغون، وذلك بعد القصف الأردني لمقرات التهريب في درعا والسويداء". تقع هاتان المدينتان جنوب سوريا، مع الحدود الأردنية، وقد أصبحتا مركزين لتهريب الكبتاغون الذي يُعدّ بوابة استراتيجية لدول الخليج، حيث يمكن شراء قرص "أمفيتامين" بمبلغ يصل إلى 20 دولاراً للقرص الواحد. درعا 24، وسيلة إعلامية محلية أُسست في المدينة التي تحمل الاسم نفسه عام 2018 -في ظل حكم نظام بشار الذي لا يرحم- وتقدم نفسها على أنها "شبكة إعلامية مستقلة غير مرتبطة بأي كيان سياسي أو عسكري". ينشر الموقع المقالات والمواد الصحفية من دون أسماء كتابها، ولا يُطلب من الصحفيين الكشف عن هوياتهم. اكتسب فريق التحرير، الذي يبلغ قوامه نحو 30 شخصاً، سمعة قوية عبر عدة سنوات من العمل، نُشر خلالها العديد من المقالات حول التجارة غير المشروعة للكبتاغون، التي تقدر أرباحها بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، وفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية. أخبرنا ميكاد* (وهو اسم مستعار لصحفي سوري من زملاء الحربي) أن "تجارة الكبتاجون أكبر بثلاث مرات من تلك التي تقوم بها الكارتلات المكسيكية؛ لذا علينا فضحه". رئيس تحرير موقع "درعا 24"، شخص متكتم حذر، بمثابة "الظل" حتى بالنسبة لزملائه؛ وهو يحاول ضمان سلامتهم بأي ثمن. ويضيف ميكاد: "لا أستطيع أن أقول على وجه التحديد أي تقرير أو خبر أدى إلى وفاته (الحربي)، ما أعرفه هو أنه قُتل على يد أحد رجال الميليشيا المرتبطين بأباطرة الكبتاغون". أظهرت كاميرات المراقبة هُوية أحد المدانين بقتل الحربي: محمد العارف العباس، الذي حُكم عليه بالإعدام في الثاني من آذار/مارس 2024، قبل أن يهرب من السجن بعد شهر تقريباً في ظروف غامضة. "كنت أعرف أنني يجب أن أبقى بعيداً عنه، لقد شاهدت كل شيء، لكنني لم أنشر سوى تقارير عن المضبوطات الرسمية التي وضعها النظام". سلطان الحلبي، صحفي سوري لم تكن المليارات من حبوب الكبتاغون التي تُصدّر إلى جميع أنحاء العالم، بعيدة عن يد عائلة الأسد أبداً؛ حتى إن المخدرات أصبحت على مر السنين الدعامة الاقتصادية الأساسية للنظام الذي خنقته الحرب والعقوبات الدولية. إنه موضوع فضّل صحفيون محليون مثل سلطان الحلبي، الذي يستخدم اسماً مستعاراً، عدم التطرق إليه. يقول سلطان الحلبي، وهو صحفي سوري مقيم في السويداء، المدينة ذات الغالبية الدرزية التي تبعد نحو مئة كيلومتر الى الجنوب من دمشق: "كنت أعرف أنني يجب أن أبقى بعيداً عنه، لقد رأيت كل شيء، لكني لم أنشر سوى تقارير عن المضبوطات الرسمية التي طرحها النظام". ويؤكد أن الكبتاغون كان في كل مكان في المدينة، لكنهم لم يتمكنوا من الحديث عنه إلا ظاهرياً. على الرغم من أن منطقة السويداء كانت بمنأى عن الاعتقالات التعسفية والتفجيرات في ظل النظام "الديكتاتوري"، لكنّ نظام المراقبة شمل جميع السكان والصحفيين المحليين. أصبح ذلك جلياً للحلبي بعد هروب الأسد وسقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024. فقد عُثر في أرشيف أجهزة المخابرات السورية على دفتر بعنوان "معلومات"، سُجّلت فيه مختلف تفاصيل حياته (الحلبي) من قبل جهاز المخابرات: "متزوج، لم يؤدِ خدمته العسكرية الإلزامية، وكان ضمن المتظاهرين في السويداء". وحتى الساعات الأخيرة من حكم حزب البعث، كان عملاء المخابرات يسجلون كل تفاصيل حياته، إلى جانب تفاصيل حياة مئة صحفي وناشط آخر من محافظته. هذه المراقبة المستمرة، بالإضافة إلى عهد الإرهاب في سوريا، زادت من المخاطر التي يتعرض لها أولئك الذين تجرأوا بالكتابة عن الكبتاغون. ويعترف أحمد، وهو صحفي في موقع الراصد نيوز، وأب لطفلين، بأنه كان يفرض رقابة ذاتية على نفسه لحماية عائلته. يقول: "اقتصرنا على المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام المقربة من النظام، كان من الخطورة بمكان الذهاب إلى أبعد من ذلك". بعد عام من مقتل الحربي، اكتشف فريق "درعا 24" مقطع فيديو يُظهر أحد المشتبه فيهم بقتله وهو يحضر حفل زفاف أحد أبناء محمد الرفاعي، المعروف بأبي علي اللحام، والمطلوب لدى السلطات الجديدة، وفقًا لقناة الجزيرة القطرية. يُتهم اللحام -وهو قائد ميليشيا يزعم تبعيتها لجهاز المخابرات الجوية الذي كان جهازاً أساسياً لنظام الأسد في قمع السوريين- بجرائم الاختطاف والقتل، إضافة إلى تدبير تهريب الكبتاغون إلى الأردن. "عندما علمنا بمقتل الحربي... وصلتنا رسالة واضحة: لا تقتربوا من هذا الموضوع". سلطان الحلبي، صحفي سوري بالنسبة للصحفيين في المنطقة، فإن مقتل الحربي مثّل خطاً أحمر لا يجب تجاوزه، وفقاً لميكاد. يقول سلطان الحلبي: "لقد علمنا بما نشره موقع درعا 24 بشجاعة عن عصابات الكبتاغون، حين عرفنا بمقتله (الحربي)... وقد أرسل لنا ذلك رسالة واضحة: لا تتطرقوا إلى هذا الموضوع". وأضاف أنه حتى بعد سقوط النظام، "لا يزال موضوع الكبتاغون من المحرمات في المنطقة". منذ فرار الأسد إلى روسيا، يقول الحلبي إن مسلحين يُخفون هويتهم يجوبون شوارع السويداء، ويضيف: "لقد فرّ عدد قليل منهم، لكن غالبية عناصر الميليشيات لا يزالون هناك، وسقوط (الأسد) لم يغير أي شيء من ذلك". وعند سؤاله عما إذا كان يفكر في التخلي عن اسمه المستعار، كان رده واضحاً: "لا… أعلم أن العديد من الصحفيين كشفوا عن هوياتهم، لكنني أُقدّر الحرية التي يمنحني إياها اسمي المستعار، ومع ذلك، حتى أثناء العمل تحت اسم مستعار، لا يمكنك الوصول إلى جميع المصادر حول الكبتاغون، لأنه لا يزال موضوعاً خطيراً". وبسبب عدم قدرتهم على نشر بعض المعلومات الحساسة التي بحوزتهم، قرر الحلبي وأحمد وميكاد إرسالها إلى منظمة "فوربيدن ستوريز" (قصص محظورة)، على أمل كسر حاجز الصمت المفروض على تهريب الكبتاغون، وهو الشر الذي لا يزال يفتك بمناطق السويداء ودرعا. في السويداء: أباطرة الكبتاغون ينجون من سقوط الأسد تُعدّ السويداء، جنوب سوريا، مركزاً لتهريب الكبتاغون؛ وهو مخدر صناعي أغرق الشرق الأوسط منذ عقد من الزمن، وكان الدعامة الاقتصادية لنظام بشار الأسد. وبعد الإطاحة به، وعد خلفاء الأسد بإنهاء هذه التجارة غير المشروعة. لكنّ الواقع على الأرض مختلف تماماً. فمن الميليشيات المحلية المرتبطة بالحكومة الجديدة، إلى المهربين والمشتبه في تواطؤهم، تبدو نهاية الكبتاغون مجرد وهم. ● على الرغم من سقوط بشار الأسد قبل شهرين، لا يزال الحصول على حبوب الكبتاغون أمراً سهلاً. ● في مدينة السويداء الدرزية، لا تزال ميليشيا "الكرامة"، التي أعلنت ولاءها للنظام الجديد وتستعد للاندماج في قوات الجيش النظامية، تتعامل بغموض مع قضية التهريب. ● على الحدود مع الأردن، لا يزال تهريب المخدرات قائماً رغم العمليات التي ينفذها الجيش الأردني لمكافحة عمليات التهريب من سوريا. "في أول مرة تناولت فيها ربع حبة كبتاغون، شعرت وكأنني محارب فايكينغ قادر على هزيمة عشرة رجال في المعركة". يُعرف الكبتاغون باسم "كابتي"، وأيضاً باسم "الكابتن ماجد"، في إشارة إلى أبطال الأنيمي الياباني "كابتن تسوباسا" (المعروف عربياً بماجد)؛ وهذا ليس شيئاً جديداً بالنسبة لهذا الشاب البالغ من العمر 27 عاماً، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه. في السويداء، بالقرب من الحدود الأردنية، كان يعمل (هذا الشاب) في "كولبات"، وهي أكشاك على الطرقات تبيع المشروبات الساخنة والبنزين، ولكن داخل بعضها، "لا شيء ممنوع". كان تجار الكبتاغون يبيعون بحرية أقراصهم ذات اللون "البيج"، وهي نسخة مقلدة من دواء منشط تم تطويره في الأصل لعلاج الاكتئاب وإزالة الشعور بالتعب. كان يتناولها مرتين في الأسبوع لمساعدته على تحمل نوبات العمل الليلي. خمس دقائق وأقل من يورو واحد للحبة حتى بعد سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لا يزال الصحفيون السوريون يواجهون صعوبات كبيرة في التحقيق بشأن تهريب الكبتاغون؛ لذا أرسل ثلاثة صحفيين نتائج تحقيقاتهم إلى منظمة "فوربيدن ستوريز" لضمان استمرار البحث وكشف الحقيقة. السلطات الجديدة، التابعة لجماعة هيئة تحرير الشام (HTS)، وعدت بوضع حد لتهريب الكبتاغون، الذي كان ركيزة أساسية في اقتصاد نظام الأسد منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011. لكن في السويداء، لم يتغير شيء، بحسب الرجل الذي يعمل في الكشك. يضيف: "قبل سقوط النظام، كنت أمشي عشرة أمتار فقط لشراء الكبتاغون، اليوم عليّ أن أمشي 20 أو 25 متراً". في 11 كانون الثاني/يناير 2025، رافق فريق فوربيدن ستوريز هذا الرجل أثناء شرائه حبة كبتاغون. ذهب إلى أحد الأكشاك دون أي تنسيق، وعاد بعد خمس دقائق فقط، ممسكاً بالحبة في يده، مبتسماً وهو يقول: "ترى! لم يتغير شيء!". السعر: عشرة آلاف ليرة سورية (نحو 0.70 يورو)، مقارنةً بـ 15,000 ليرة سورية لسعر علبة سجائر متوسطة. جندي من هيئة تحرير الشام (HTS) يعرض حبوب كبتاغون من مختبر تم اكتشافه في يعفور (كانون أول/ديسمبر 2024). المصدر: AFP في السويداء، يوجد على الطريق ما لا يقل عن 40 من أكشاك بيع الكبتاغون. مدمن "الكابتي" (الذي نسير معه) حدد معظمها في شارع مزدحم شرق المدينة، يؤدي إلى الملعب المحلي، حيث يكون النشاط التجاري والتهريب في أوجه. في الوقت نفسه، تُروج السلطات السورية الجديدة لحملتها ضد الكبتاغون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنشر صوراً ومقاطع فيديو لاكتشاف مستودعات تابعة للنظام السابق وتدميرها. في 7 كانون الثاني/يناير، تم توقيع اتفاق مع الأردن يهدف إلى إنهاء نشاط التهريب، وتعهد حينها وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد حسن الشيباني قائلاً: "عندما يتعلق الأمر بالكبتاغون وتهريب المخدرات، نعدكم بأنه (هذا النشاط) قد انتهى ولن يعود؛ مستعدون للتعاون بشكل واسع في هذا الشأن". جندي من هيئة تحرير الشام (HTS) داخل مختبر لتصنيع الكبتاغون تم اكتشافه في يعفور (كانون أول/ديسمبر 2024). المصدر: AFP كارولين روز، مديرة مشروع تجارة الكبتاغون لدى مركز الأبحاث الأمريكي "New Lines Institute"، تعترف بوجود جهود حقيقية لتفكيك المختبرات الكبرى لإنتاج المخدرات، مضيفة أن التحديات لا تزال كبيرة: "المختبرات السرية الصغيرة، المتنقلة والمتخفية، يصعب اكتشافها كثيراً". وتشرح روز هذه التحديات بالقول: "في منطقة حدودية مثل السويداء، التي تجذب العديد من المهربين، فإن التحديات اللوجستية والجغرافية هائلة، هل تمتلك السلطات أنظمة مراقبة متطورة أو معدات فعالة لتأمين الحدود؟ حتى الآن، يبدو أنها لا تملك ذلك". منذ سقوط النظام، لا تزال محافظة السويداء تحت سيطرة الميليشيات المحلية، وأقواها ميليشيا الكرامة، التي أعلنت ولاءها لهيئة تحرير الشام. وفقاً لمصادر متعددة تحدثت إليها فوربيدن ستوريز، فإن الميليشيا تعلن رسمياً رفضها تهريب الكبتاغون، لكن دورها في التجارة لا يزال غامضاً. أحد الرجال الذين تحدثت إليهم فوربيدن ستوريز كان قد شكّل ميليشيا مناهضة للكبتاغون، لكنه سُجن في عام 2020 على يد نظام الأسد. يقول عن ميليشيا الكرامة: "هم لا يهاجمون المهربين، إنهم يقضون على المنافسة". ويضيف: "في السجن، رأيتهم يعتقلون تجاراً صغاراً ثم يرسلونهم إلى سجون يسيطر عليها النظام، الأسد و(ميلشيا) الكرامة سيّان، كلاهما سيء". في عام 2022، تردد أنه تمّ اعتقال راجي فلحوط، قائد مجموعة مسلحة متهمة بالتهريب ومرتبطة بالمخابرات العسكرية السورية. بعد حصار منزله، اختفى فلحوط بشكل غامض، وتم العثور على مكابس كبتاغون في منزله. انتشرت في وسائل الإعلام مزاعم بأن الكرامة كانت "تنظف المدينة"، لكن بعض الصحفيين المحليين شككوا في ذلك. يقول أحد الصحفيين الذين تابعوا القضية: "الكرامة قبضت عليه، ثم اختفى، لقد اعتقلوه، ثم ساعدوه على الفرار قبل أن يعلنوا مسؤوليتهم عن العملية". حتى إن أحد أفراد ميليشيا الكرامة لديه شكوك مماثلة. في عام 2023، عندما اكتشف هذا العضو الشاب ورشة سرية لإنتاج الكبتاغون، منعهم قائد الميليشيا، أبو حسن يحيى النجار، من التدخل. "الكرامة كانت أقوى مجموعة تحت حكم الأسد، وما زالت كذلك"، يقول هذا العضو، الذي بقي في الميليشيا لحماية نفسه، مضيفاً: "سقوط الأسد لم يوقف التهريب، بل عرقل نشاط أباطرة المخدرات لفترة مؤقتة، لا شيء تغير هنا". نتيجة لذلك، يزعم أنه لا تزال عائلة مزهر تهيمن على المشهد في السويداء. العائلة، التي يتابعها أكثر من سبعة آلاف شخص على فيسبوك، يتردد أنها كانت مقربة من نظام الأسد. انضم عدة أفراد منها إلى جمعية أسستها أسماء الأسد لدعم عائلات الجنود القتلى. وفقاً لتحقيقات "سوريا على طول" (Syria Direct)، شكّلت عائلة مزهر محركاً رئيسياً في تهريب الكبتاغون، مستغلة علاقاتها بالنظام. في 2013، انتشرت شائعة في السويداء بأن العائلة وجدت كنزاً؛ ما يفسر ثروتها المفاجئة. اليوم، تمتلك عدة "فلل فاخرة" وسط المدينة. يقول أحد الصحفيين المحليين، الذي امتنع عن نشر هذه المعلومات خوفاً على أسرته: "يديرون مصنع كبتاغون على بعد سبعة كيلومترات من حيّهم، وهم متورطون بشكل كبير في التهريب". وأضاف الصحفي: "إذا واجهت مشكلة، اذهب إليهم، يمكنهم حل أي شيء، خلال الحرب، كانت هناك عمليات خطف مرتبطة بعصابات الكبتاغون، وكانوا هم من يتولون التفاوض على إطلاق سراح المخطوفين". زارت فوربيدن ستوريز حيّ العائلة في مدينة السويداء القديمة، بدت المنطقة وكأنها حبيسة الزمن؛ حيث يقل وجود المباني ذات الطراز الحديث، مقابل منازل حجرية تقليدية؛ ما يعطي انطباعاً وكأنها قرية معزولة داخل المدينة. تعيش عائلة مزهر -التي تُعدّ من أنصار الأسد- تحت حماية مشددة. عند مدخل منطقتهم، يُغلق الطريق بجرار زراعي، وتُقام حواجز منخفضة لحجب المداخل الأخرى. وعلى الرغم من كل المزاعم والاتهامات الموجهة ضدهم، لم يُعتقل أي فرد من عائلة مزهر حتى الآن. غارات أردنية ضد تهريب الكبتاغون كان دور نظام الأسد في إدخال وانتشار الكبتاغون في سوريا محورياً. خالد، جندي سابق في الفوج 405 (تم تغيير اسمه)، يروي تجربته: "في عام 2013، أعطاني أحد رفاقي حبة وقال لي: تبدو متعباً، خذ هذه، كان الأمر شائعاً جداً لدرجة أن أحد زملائي طلبها من صيدلية، ظناً منه أنها دواء عادي". لم يدرك الجنود أن هذه الحبوب لم تكن مجرد غنائم حرب من العدو، بل كانت من إنتاج النظام نفسه، الذي كان يصنع الكبتاغون على نطاق واسع لتمويل حربه ضد الفصائل المتمردة، متجاوزاً العقوبات الدولية. كان النظام يعتمد على الفرقة الرابعة المدرعة، التي يقودها شقيق الأسد ماهر الأسد، للسيطرة على طرق التهريب والبنية التحتية للإنتاج، بمساعدة الميليشيات التابعة له. تحولت السويداء إلى نقطة ساخنة لتهريب الكبتاغون، حيث انتشر النشاط إلى أطراف المحافظة؛ خاصة على طول الحدود الأردنية. منذ الإطاحة بالأسد، لا تزال محاولات تهريب المخدرات إلى الأردن مستمرة، يُقابلها قصف للقوات الأردنية على المناطق الحدودية بشكل منتظم؛ للحد من عمليات التهريب. في 13 كانون الثاني/يناير 2025، استهدفت غارتان قرية الشعب الصحراوية، التي تُعدّ نقطة انطلاق رئيسية في تجارة الكبتاغون. في اليوم التالي للقصف، دافع الشيخ محمد عوض الرمثان، الذي أجرى موقع فوربيدن ستوريز مقابلة معه، عن مجتمعه بالقول: "لا يمكننا مراقبة 375 كيلومتراً من الحدود، نعم بعض الشباب متورطون في التهريب، ولكننا لا نعرفهم، وهم يتاجرون في الحبوب القديمة". الشيخ محمد عوض الرمثان - قرية الشعب المصدر: فوربيدن ستوريز في هذه المناطق النائية، تُعدّ الوجوه الملثمة والسيارات ذات النوافذ الملونة دليلاً على ازدهار التجارة السرية (الكبتاغون)، على الرغم من الغارات الجوية والاعتقالات. قبل التقاط أي صورة، كان الصحفي المحلي المرافق لفريق فوربيدن ستوريز في سوريا يحذر محاوريه دائماً عند ظهورهم في الكادر: "غطوا وجوهكم إذا كنتم تعملون في مجال الكبتاغون". وفي 20 كانون الثاني/يناير 2025، أصدر "تجمع عشائر الجنوب" بياناً أعلن فيه "تشكيل دوريات لمنع استخدام أراضي بلداتهم في عمليات الاتجار أو التهريب". ويُعدّ (ف.س) من بين الشخصيات التي استهدفتها السلطات الأردنية في حربها ضد الكبتاغون، وهو في الأصل من عرمان بالقرب من قرية الشعب. وافق (ف.س)، وهو تاجر مواشٍ لديه عدة إدانات بالتهريب منذ التسعينيات، على التحدث إلى فوربيدن ستوريز للمرة الأولى، في غرفة خاصة في أرقى مقاهي السويداء. كان يرتدي سترة سوداء وكوفية حمراء وبيضاء مثبتة معاً بعقال أسود، ويتحدث بصوت عالٍ. وضع (ف.س) يده على قلبه عدة مرات، وكأنه يشهد على براءته. ونفى أي تورط له في تجارة الكبتاغون، مؤكداً أن محافظة السويداء لم تتأثر بهذه التجارة، وأن مزارعه لا تحتوي سوى على المنتجات الزراعية والماشية. يقول عضو نافذ في ميلشيا الكرامة: "لا نملك القوة لإيقاف (آل مزهر)، قوتهم تضمن السلم الاجتماعي، نحن عائلة درزية واحدة كبيرة". منذ سقوط نظام الأسد، لم يتم تنفيذ أي اعتقالات ولم يتم اكتشاف أي مواقع لإنتاج الكبتاغون تتعلق بهذه "العائلة الدرزية الكبيرة" في السويداء. في كانون الثاني/يناير 2024، دمرت الكرامة مقراً واحداً لصناعة الكبتاغون، ولم يتم استهداف أي مقر آخر منذ ذلك الحين. وبالعودة إلى دمشق، لا يزال شبح الكبتاغون حاضراً في كل مكان، حتى في الحياة اليومية. في أحد المقاهي، يمكن سماع صوت النادل ينادي: "هل أنت متعب؟ خذ كبتاغون، هل تريد القليل؟ سأحضر لك بعضاً منها في الحال".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store