أحدث الأخبار مع #فورينافيرز


شبكة النبأ
منذ 3 أيام
- أعمال
- شبكة النبأ
كيف يمكن لترامب ان يخلع الدولار عن عرشه كعملة عالمية
وإذا نجح ضغط ترامب، فسيضر باستقلال الاحتياطي الفيدرالي ومصداقيته، مما سيضر بدوره بمكانة الدولار العالمية، اذ ستبدأ الدول في الخوف من أن السياسة، وليس الاقتصاد، هي التي توجه السياسة النقدية الأمريكية. ومعروف ان مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو من يضع النظام القائم على الدولار بأكمله، وبمجرد تسييسه لسبب ما... بقلم: ادوارد فيشمان، غوتام جين، ريتشارد نيفيو، نقلا عن مجلة فورين افيرز بقي الدولار الأمريكي العملة المهيمنة في التجارة والتمويل العالميين لأكثر من سبعة عقود. وخلال تلك الفترة، لم يُواجه تهديدٌ حقيقيٌّ لمكانته إلا ازمات محددة. وتعمل الأنظمة الاقتصادية العالمية بجمودٍ كبير. وتُفضّل الجهات الفاعلة الرئيسة، من الحكومات الى البنوك الى الشركات متعددة الجنسيات، آلياتٍ مجرّبة ومُختبرة لإدارة التجارة والتمويل. وكثيرًا ما تُعلن عناوينٌ رئيسةٌ مُثيرةٌ للقلق مفادها أن الدول تبحث عن بدائل للدولار، أو أن تحالفًا جديدًا يُحاول إنشاء عملةٍ منافسة، أو أن الأزمة السياسية الأخيرة في واشنطن ستُنهي أخيرًا مكانة الدولار كاحتياطي. ولكن على الرغم من عقودٍ من النمو الاقتصادي المُتغيّر حول العالم، وفترات الاضطرابات في الأسواق العالمية، والتساؤلات حول مستقبل السياسة الاقتصادية الأمريكية، ظلت هيمنة الدولار راسخة. في 2/ نيسان الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رسوم جمركية جديدة مرتفعة على جميع شركاء الولايات المتحدة التجاريين تقريبًا. وتُعدّ خططه، التي دفعت أسواق الأسهم الأمريكية والعالمية لى الانهيار، أحدث مثال على نهجه الثابت في الحوكمة ومضمونه (تسليح القوة الاقتصادية الأمريكية). فرض ترامب رسومًا جمركية على البضائع الواردة من كندا والمكسيك ردًا على مجموعة متنوعة من المشاكل المزعومة، وأعاد تنشيط حملة الضغط القصوى ضد إيران التي بدأت في ولايته الأولى. إلى جانب هجمات ترامب على سيادة القانون، تُشكّل محاولاته الخرقاء وغير المدروسة لتسليح المزايا الاقتصادية لواشنطن أكبر تهديد حتى الآن لمكانة الدولار كعملة احتياطية. إذا تحقق هذا التهديد، فستكون الولايات المتحدة والعالم في وضع أسوأ. فبدون الدولار لتسهيل التجارة والتدفقات المالية، سيتباطأ النمو وسيزداد فقر الناس في كل مكان. ولن تُحقق عزلة الولايات المتحدة انتعاش الصناعة الذي تدّعي إدارة ترامب أنها تسعى إليه، مع ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة ونضوب أسواق رأس المال. وستكون النتيجة الحقيقية لانخفاض قيمة الدولار هي زوال القوة الاقتصادية ذاتها التي يحاول ترامب استغلالها. العملة المشتركة على الرغم من أن الدولار تفوق على الجنيه الإسترليني البريطاني في منتصف عشرينيات القرن الماضي كعملة رئيسة في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، إلا أن مكانته كعملة احتياطية عالمية لم تتعزز إلا في مؤتمر بريتون وودز قرب نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أسفر هذا المؤتمر عن إنشاء مؤسستين جديدتين، هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ونظام جديد لربط العملات بالدولار الأمريكي، القابل للتحويل الى الذهب بسعر ثابت. وقد وضعت كل من هذه المؤسسات ونظام ربط العملات بالدولار استقرار العملة في صميم الاقتصاد العالمي. ومنذ ذلك الحين، حافظ الدولار على مكانته المهيمنة في مواجهة العديد من الاضطرابات، متجاوزًا حتى الاضطرابات التي أعقبت قرار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام ١٩٧١ بكسر ثبات سعر صرف الدولار مقابل الذهب. تعتمد مكانة الدولار على عدة خصائص يجب أن تتمتع بها أي عملة إذا كانت تأمل في أن تُشكّل النصيب الأكبر من احتياطيات النقد الأجنبي لمعظم الدول. على المستوى الأساسي، يجب أن تكون هذه العملة سائلة - أي سهلة البيع والشراء - ويجب أن يوافق معظم الأفراد والبنوك والشركات على استخدامها في معاملاتهم. لطالما هيمن الدولار على كلا الجبهتين. لأكثر من ثلاثة عقود، كانت نسبة ما بين 85 و90% من المعاملات بين العملات في أسواق الصرف الأجنبي تتم بالدولار. وتُجرى حوالي 50% من المعاملات بالدولار، والتي كانت 35% قبل عقد من الزمن، على نظام المراسلة المالية المعروف باسم سويفت، والذي تستخدمه البنوك الدولية لتبادل عشرات التريليونات من الدولارات يوميًا. عامل مساعد أيضًا هو أن سوق سندات الحكومة الأمريكية هو الأكبر عالميًا، حيث يبلغ حجمه حوالي 28 تريليون دولار، أي ما يزيد عن ربع السوق العالمية للديون الحكومية. كما تُعد سندات الحكومة الأمريكية (المعروفة عادةً باسم سندات الخزانة) أكثر أشكال الديون الحكومية سيولة، حيث يبلغ متوسط معاملاتها اليومية حوالي 900 مليار دولار. هذه السهولة في الشراء والبيع تمنح البنوك المركزية شعورًا بالاطمئنان بأن سندات الخزانة ملاذ آمن للسيولة. وبالنظر الى هذه العوامل مجتمعة - السيولة، والاستخدام الواسع، والأمان - فليس من المستغرب أن يشكل الدولار غالبية الاحتياطيات الدولية، وقد ظل كذلك لعقود. واحدة من نوعها الميزة الكبيرة الاخرى التي يتمتع بها الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية هي انه لا يواجه اي منافسين موثوقين. يلوح الرنمينبي الصيني (او ما يعرف باليوان) في الافق، لكن الصين تفتقر الى اسواق مالية سائلة ومفتوحة وهو احد اهم متطلبات العملة الاحتياطية. العملة الصينية لا يمكن تعوميها بحرية في بورصات العملات المحلية. وتقيد الحكومة الصينية التدفق الحر لرأس المال من خلال معايير منها مثلا السيطرة على الاستثمارات الواردة والصادرة والقيود على تحويلات البنوك الدولية. ويواجه الاجانب عقبات تنظيمية عند الاستثمار في الاسواق المالية الصينية، تتضمن سوق السندات المحلية التي تفتقر الى السيولة. وحاولت الصين الترويج لنظامها المحلي في التحويلات CIPS، وهو نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك، والمنافس لنظام سويفت SWIFT، خاصة وان العقوبات استبعدت بعض اكبر البنوك الروسية من سويفت عام 2022. ولكن حتى الآن، اجتذب CIPS (0.2%) فقط من حجم معاملات سويفت. العملة المنافسة الاقرب للدولار الاميركي هو اليورو، الذي تتوافر فيه الكثير من الشروط لاستخدامه كعملة احتياطية عالمية. ومنطقة اليورو لديها اسواق مالية سائلة، كما ان اليورو هو ثاني أكثر العملات تداولًا في العالم وثاني أكثر العملات الاحتياطية شيوعًا. ومع ذلك، لا تتضمن منطقة اليورو اتحادًا ماليًا، وكانت ألمانيا، أكبر دولة في الاتحاد، حتى وقت سابق من هذا العام، مترددة في إصدار كميات كبيرة من الديون الحكومية. وأدى عدم وجود سياسة مالية موحدة لمنطقة اليورو الى أزمة الديون الأوروبية 2010-2012، والتي تسببت بدورها في انخفاض حاد في أحجام تداول اليورو في أسواق الصرف الأجنبي، ومعاملات SWIFT المقومة باليورو، وحصة اليورو في احتياطيات البنوك المركزية. وقد تفاقمت عيوب تصميم منطقة اليورو بسبب حقيقة أن الأسهم الأمريكية قد حققت عائدًا يقارب خمسة أضعاف نظيراتها الأوروبية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، مما دفع موزعي الأصول الى تركيز الاستثمارات في الولايات المتحدة. ولجعل الأمور أسوأ بالنسبة لليورو، فإن التهديد الجيوسياسي الذي تشكله الإمبريالية الروسية على أوروبا، أعطى البنوك المركزية سبباً آخر لتجنب العملة الأوروبية الموحدة. لم تُفلح جهود الترويج لعملات احتياطية ناشئة أخرى حتى الآن. اذ طرحت مجموعة البريكس، وهي نادٍ يضم اقتصادات رئيسية غير غربية، عملة جديدة محتملة تُنافس الدولار. على المدى القريب، على الأقل، لن تُشكل هذه العملة الجديدة، التي يُفترض أن تدعمها سلة عملات من الدول المشاركة، أي تهديد لهيمنة الدولار. ليس فقط أنه لا توجد خطة لإنشاء اتحاد نقدي أو مالي مشترك داخل مجموعة البريكس، بل إن الدول المشاركة تختلف اختلافًا كبيرًا في أولوياتها المحلية والدولية. كما إن عملة تُنشئها مجموعة دول تشهد انقسام واختلاف في اولوياتها السياسية والاقتصادية اكثر بكثير من منطقة اليورو نفسها، لا يُتوقع أن تُصبح الخيار الأمثل للأعمال التجارية العالمية، خاصة وأن مجموعة البريكس لم تُوضح بعد كيفية عملها. ولم تُحقق البدائل الأكثر بريقًا، مثل البيتكوين والذهب، نجاحًا يُذكر. اذ تفتقر العملات المشفرة الى العديد من الخصائص اللازمة للعمل كعملات احتياطية، بما في ذلك السيولة، واستقرار الأسعار، والدعم الحكومي أو أي مصدر واضح آخر للقيمة. استُخدم الذهب كعملة لآلاف السنين، وشكّل أساسًا للعديد من الأنظمة النقدية حتى وقت قريب نسبيًا، لكن نقاط ضعفه باتت واضحة الآن. فمن ناحية، لا تستطيع الحكومات التحكم في العرض، لذا فأن الاعتماد على الذهب يُقيد قدرتها على الاستجابة للأزمات الاقتصادية. هذه المرة مختلفة على الرغم من قوة الدولار، إلا أن عودة ترامب الى منصبه قد خلقت تهديدًا حقيقيًا لمكانته لأول مرة منذ أجيال. ونظرًا لعدم وجود بدائل جاهزة، فمن غير المرجح أن يكون الضرر قاتلاً على الفور، ولكن خطر التراجع النهائي، ووتيرة التراجع المحتملة، قد ازدادتا. وعلى أقل تقدير، ستؤدي تصرفات ترامب الى تآكل العوامل الداعمة لهيمنة الدولار. ففي الأسابيع الأولى في منصبه، اتبع ترامب سياسات أدت الى قوة الدولار، ولكن منذ ذلك الحين، انخفض الدولار مقابل العملات الأخرى. في البداية، ارتفع الدولار مع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على خلفية سياسات ترامب التضخمية، بما في ذلك التعريفات الجمركية والترحيل والتخفيضات الضريبية المقترحة. ومع ذلك، فإن هذه السياسات نفسها، وما خلقته من عدم يقين اقتصادي، تثقل كاهل الدولار الآن، اذ تتوقع الأسواق أن تضر بالنمو الأمريكي بشكل كبير، خاصة بعد إعلان ترامب عن التعريفات العالمية الصارمة والواسعة النطاق. كذلك فان اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الحرب التجارية، ونقص العمالة الناجم عن عمليات الترحيل، وعدم اليقين السياسي العام، تُلحق ضررًا بثقة الشركات والمستهلكين، مما يؤدي الى انخفاض الإنفاق، وتباطؤ النمو، وانخفاض أسعار الفائدة. وبسبب سياسات ترامب، فقد تفوقت الأسهم الأوروبية على مؤشر الأسهم الأمريكي الرائد بنحو 20% خلال الربع الأول من عام 2025، وهو أكبر هامش ربح منذ أكثر من ثلاثة عقود. إذا نظرنا الى ما بعد الامد القريب، فستجد أن مخاطر سياسات ترامب أكبر. بدايةً، الرسوم الجمركية العالمية الهائلة التي فرضها ترامب، فضلا عن زعزعة استقرار الاقتصاد الأمريكي، ستُلحق ضررًا لا رجعة فيه بمصداقية الولايات المتحدة كشريك تجاري. وهذا بدوره سيُقوّض الحاجة الى الدولار واستخدامه. سيُعاني حلفاء الولايات المتحدة من الضرر الأكبر، إذ سيواجه العديد منهم معدلات تعريفات جمركية أعلى من تلك التي يواجهها خصوم الولايات المتحدة. على سبيل المثال، تخضع إسرائيل واليابان والاتحاد الأوروبي جميعًا لمعدلات تعريفات أعلى من تلك التي تُفرض على إيران أو روسيا. وقد أظهر الاقتصاديون أن الدول أكثر ميلًا للاحتفاظ باحتياطيات من العملات من شركائها الجيوسياسيين. وبتنفير أقرب حلفاء الولايات المتحدة، يُبعد ترامب الدول التي كانت الأكثر استعدادًا للاعتماد على التجارة المُيسّرة بالدولار. إن قرار ترامب بالانقلاب على أوكرانيا في صراعها مع روسيا، وتشكيكه العلني في التزام الناتو بالدفاع المشترك بموجب المادة الخامسة، يُفاقم المخاوف بشأن استعداد الولايات المتحدة للوفاء بوعودها. في حين تبحث البلدان عن طرق للحد من تعرضها لأهواء ترامب، فمن غير المرجح أن تعمل بسرعة على تقليص اعتمادها على الدولار، ولكن مع مرور الوقت، فإن العلاقات التجارية المتنامية مع الصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى قد تعطي الشركات حافزاً لاستبدال الدولار ببعض المعاملات. ستوفر العقوبات سببًا آخر للبحث عن بدائل أخرى. تشير حملة الضغط الأقصى التي شنتها الإدارة الأمريكية على إيران، والإجراءات الصارمة التي اتخذتها ضد فنزويلا، الى أن الاستخدام الواسع النطاق للعقوبات قد يتصاعد أكثر في ولاية ترامب الثانية. ومع خضوع المزيد من الدول للعقوبات الأمريكية، ستتحفز هذه الدول على اتباع نهج روسيا بعد عام 2018، وتقليل اعتمادها على الدولار في التجارة عبر الحدود واحتياطيات العملات. وحتى لو لم تتخلى هذه الدول عن الدولار كليًا أو تستبدله ببديل مهيمن وحيد، فقد تبدو أنظمة دفع أخرى مثل نظام CIPS أكثر جاذبية. تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري لنحو ثلثي دول العالم؛ فإذا أصبح نظام CIPS هو السبيل الوحيد للتعامل التجاري مع الشركات الصينية، فسيكون لدى المؤسسات المالية في تلك الدول حافز قوي للانضمام. فبدلًا من إعادة تشكيل أنماط تجارتها لتتناسب مع تفضيلات الولايات المتحدة، ستعيد الدول تشكيل بنيتها التحتية المالية للحفاظ على تدفق التجارة. ربما التهديد الاخطر لهيمنة الدولار يأتي من تهديدات ترامب لحكم القانون، وهو الامر الذي سيهز الاساس الذي يرتكز عليه الدولار. لا يقتصر الخطر على احتمال تسبب الإدارة في أزمة دستورية بتحديها للمحاكم، بل يمتد الى ترسيخ نظام حكم أكثر فسادًا وشخصانية في ظل رئيس يميل الى عقد الصفقات مع أصدقائه ومعاقبة أعدائه. إن حكم القانون، أو بالأحرى غيابه، هي عائقٌ خطير أمام اعتماد الرنمينبي الصيني: فالشركات تُفضّل اللجوء الى المحاكم الأمريكية بدلًا من المحاكم الصينية في أي يوم من أيام الأسبوع. وإذا ما تآكلت هذه الميزة الأمريكية، فقد تكون النتائج كارثية. الدين الحكومي الاميركي، والذي اعلن مكتب الموازنة في الكونغرس الاميركي انه سيرتفع من 100% من الناتج المحلي الاجمالي الى ما يقارب 150 % عام 2050، سيولد خطرا اضافياً. فإذا خفّض الكونغرس الضرائب أكثر دون كبح الإنفاق (بغض النظر عن الحيل المالية المُستخدمة في هذه العملية)، فإن الدين الناتج سيعني أن حصة أكبر من الإيرادات الحكومية ستُخصّص لسداد الفوائد بدلًا من أولويات الإنفاق الأخرى، مما يُلحق الضرر بالنمو الاقتصادي طويل الأجل وجاذبية الأصول الأمريكية. وقد طرح بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية أفكارًا، غالبًا تحت عنوان "اتفاقية مار-أ-لاغو" المقترحة، من شأنها أن تُفاقم هذه المشكلة بشكل كبير. وتشمل هذه الأفكار إجبار المستثمرين الأجانب على مبادلة حيازاتهم من سندات الحكومة الأمريكية بسندات بفائدة صفرية لأجل مئة عام، مما سيُضرّ بمصداقية الولايات المتحدة كمقترض، وبالتالي، بمكانة الدولار. وان إجبار الدول على تحمّل خسارة في حيازاتها من السندات الأمريكية سيُخيف المشترين المستقبليين، وإذا كانت العملية غير طوعية، فقد تُصنّفها وكالات التصنيف الائتماني على أنها تخلف عن السداد. أخيرًا، إذا ضعف الاقتصاد، كما تتوقع العديد من بنوك وول ستريت الآن، فقد يجد ترامب نفسه في مسار تصادمي مع الاحتياطي الفيدرالي، كما حدث في ولايته الأولى. فقد أشار الاحتياطي الفيدرالي الى أنه سيحتاج الى مزيد من الوضوح بشأن التأثير التضخمي لرسوم ترامب الجمركية قبل خفض أسعار الفائدة أكثر، في حين يطالب ترامب بالفعل بسياسة نقدية أكثر مرونة لتحفيز الاقتصاد المتباطئ، وهو ضغط من المرجح أن يزداد. وإذا نجح ضغط ترامب، فسيضر باستقلال الاحتياطي الفيدرالي ومصداقيته، مما سيضر بدوره بمكانة الدولار العالمية، اذ ستبدأ الدول في الخوف من أن السياسة، وليس الاقتصاد، هي التي توجه السياسة النقدية الأمريكية. ومعروف ان مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو من يضع النظام القائم على الدولار بأكمله، وبمجرد تسييسه لسبب ما، سيكون من الأسهل تسييس عملياته لأسباب أخرى. على سبيل المثال، ستخشى البنوك المركزية في بلدان مثل كندا واليابان وأوروبا، عن حق، من أن الاحتياطي الفيدرالي الخاضع للسياسة قد يقطع، في أوقات الأزمات، قدرته الثمينة على اقتراض الدولارات من خلال خطوط المبادلة في محاولة للحصول على تنازلات. حتى لو لم تُطيح هذه التهديدات بالدولار تمامًا، فإن أي تراجع في مكانته ستكون له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة والعالم. ويوفر وضع الدولار كاحتياطي فوائد هائلة للولايات المتحدة، بما في ذلك انخفاض أسعار الفائدة على الديون الحكومية والقدرة على فرض عقوبات قاسية. كما تجد دول أخرى سهولة في التعامل مع الاقتصاد العالمي بفضل عملة سهلة التحويل وعالية السيولة وموثوقة تستخدمها معظم الجهات الفاعلة. وستنعكس نتائج تراجع الدولار بصورة ارتفاع التكاليف، وتعقيد التجارة، وانخفاض مستويات المعيشة - على الأقل حتى تحل محله عملة أخرى. ........................................... رابط المقال الاصلي:


اليمن الآن
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- اليمن الآن
فورين أفيرز: غياب استراتيجية أميركية شاملة تجاه اليمن والاكتفاء بالحلول العسكرية المؤقتة قد يؤدي إلى تداعيات إقليمية خطيرة
حذّرت مجلة "فورين افيرز" الامريكية من أن غياب استراتيجية أميركية شاملة تجاه اليمن، والاكتفاء بالحلول العسكرية المؤقتة، قد يؤدي إلى تداعيات إقليمية خطيرة، بينها تصاعد تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية واستقرار المنطقة، واحتمال انهيار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، مما قد يمهد الطريق لتوسع حوثي جديد أو عودة القاعدة في جنوب اليمن. وبحسب المجلة فانه بعد أكثر من سبعة أسابيع من الضربات الجوية الأميركية المكثفة التي استهدفت أكثر من 1000 موقع للحوثيين في اليمن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مفاجئ وقف العمليات العسكرية ضد الجماعة، مكتفياً بالقول إن الحوثيين "لا يريدون القتال بعد الآن" وإن واشنطن "ستقبل كلمتهم"، لافتة إلى أن الإعلان الذي جاء خلال لقائه برئيس الوزراء الكندي مارك كارني، أعقبه تأكيد من وزير الخارجية العُماني أن بلاده توسطت في اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، يلتزم فيه الحوثيون بعدم استهداف الولايات المتحدة، دون أي التزامات تجاه إسرائيل أو السفن المرتبطة بها. واعتبرت مجلة "فورين أفيرز" في تحليل بعنوان "لماذا لم تستطع أمريكا كسر الحوثيين"، أن ما يثير الدهشة في هذا التحول هو أن الوضع الميداني والسياسي للحوثيين لم يتغير كثيراً عن لحظة بدء حملة "الفارس الخشن" في 15 مارس، مشيرة إلى أن الحوثيين لم يكونوا يستهدفون السفن الأميركية أساساً، بل ركزوا عملياتهم على السفن "الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل"، واستمروا في استهدافها حتى بعد وقف الضربات، مؤكدين أن هجماتهم مرتبطة باستمرار الحرب في غزة. بمعنى آخر، فإن الاتفاق لم ينتزع من الحوثيين أي تنازل فعلي، بينما اعتبروه هم انتصاراً سياسياً وعسكرياً. حملة مكلفة دون مكاسب استراتيجية ووفق المجلة، فان الحملة الأميركية التي تُعد الأكبر في عهد ترامب من حيث النطاق والكلفة، كلّفت أكثر من ملياري دولار، وشملت استخدام حاملتي طائرات وقاذفات "بي-2" وطائرات "ريبر"، إضافة إلى نشر أنظمة "باتريوت" و"ثاد" للدفاع الجوي. ورغم الضغط العسكري والاقتصادي الهائل، بما في ذلك إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، لم تتمكن واشنطن من تحقيق أهدافها الاستراتيجية. فقد حافظ الحوثيون على بنيتهم القيادية، وتمكنوا من الاستمرار في تهديد الملاحة، بل ونفذوا في مطلع مايو هجوماً صاروخياً استهدف محيط مطار بن غوريون في تل أبيب. اعتبارات سياسية داخلية وخارجية واعتبرت المجلة أن وقف الحملة لم يكن فقط استجابة لثبات الحوثيين، بل أيضاً نتيجة حسابات داخلية أميركية. فالحملة أثارت قلقاً متزايداً داخل واشنطن من الانزلاق إلى حرب طويلة جديدة في الشرق الأوسط، خاصة مع تصاعد الكلفة البشرية والمادية، وتنامي الضغط على القدرات العسكرية الأميركية الموزعة بين دعم أوكرانيا وإسرائيل، والتصدي للتهديدات الصينية. كما أن الخطأ في ضرب مواقع مدنية، مثل مرفأ رأس عيسى ومركز احتجاز مهاجرين، قوّض مصداقية الحملة وأثار انتقادات حقوقية. ما بعد وقف الحملة: تحديات مستمرة ولفتت المجلة إلى أنه يُنظر إلى القرار الأميركي على أنه منح الحوثيين فرصة لإعادة التموضع والادعاء بالنصر، مما قد يعزز من طموحاتهم في الداخل اليمني والإقليم. في المقابل، تلاشى أمل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في الحصول على دعم أميركي لشن هجوم بري لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. هذا الوضع يهدد بحدوث انهيار داخل الحكومة اليمنية، ما قد يفتح المجال لتوسع الحوثيين أو لعودة تنظيم القاعدة في جنوب البلاد. دعوة لاستراتيجية بديلة وترى المجلة أن واشنطن بحاجة إلى نهج أكثر توازناً يقوم على الضغط السياسي والاقتصادي المنسق مع الحلفاء، خاصة السعودية والإمارات، مع دعم جهود الأمم المتحدة للوصول إلى اتفاق سياسي شامل يفرض قيوداً على تسليح الحوثيين ويضمن تقاسماً عادلاً للسلطة في اليمن. فالتعامل مع التهديد الحوثي كقضية معزولة عن الوضع الداخلي في اليمن، كما عبّر عنه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، يُعد خطأ استراتيجياً، لأن مصدر قوة الحوثيين ينبع من غياب توازن داخلي فعّال يقيّد طموحاتهم. ولفتت مجلة "فروين افيرز" إلى أنه رغم الضربات الأميركية المكثفة، خرج الحوثيون من المواجهة أكثر جرأة، بعد أن صمدوا أمام واحدة من أعنف الحملات الجوية الأميركية منذ سنوات. وإذا لم تتحرك واشنطن سريعاً بالتنسيق مع حلفائها لإعادة التوازن داخل اليمن، فإن الجماعة ستواصل تهديداتها للملاحة الدولية والإقليمية، ولن تكون الضربات العسكرية كافية لردعها مستقبلاً.


الوطن الخليجية
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الوطن الخليجية
مجلة أمريكية: خطط تهجير الفلسطينيين إلى الأردن تهدد عمان بالتقويض التام
قالت مجلة فورين افيرز الأميركية إن خطط تهجير الفلسطينيين إلى الأردن كما تروج الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية تهدد عمان بالتقويض التام. وأبرزت المجلة أن هذه الخطط يمكن أن تضعف الأردن اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وستكون تداعيات ذلك محسوسة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك إسرائيل. وبحسب المجلة فقد أدت عودة ترامب إلى البيت الأبيض إلى دفع الشرق الأوسط إلى أزمة أعمق وهو الذي كان يعاني بالفعل من اضطرابات منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. وقد حاول ترامب إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وتجميد المساعدات الخارجية لجميع الدول باستثناء إسرائيل ومصر في غضون أسابيع من توليه منصبه، ثم طرح خلال اجتماع مع الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير حسين في الأردن في فبراير خطته لـ'إخلاء' غزة، ووضعها تحت سيطرة الولايات المتحدة، و'إعادة توطين' سكانها بالكامل في الدول العربية المجاورة. رفض الملك عبد الله، بدعم من مصر وقطر والسعودية والإمارات، بشكل قاطع ومباشر اقتراح ترامب، متحدياً تأكيد ترامب في يناير بأن الأردن 'سينفذ ذلك' لأن الولايات المتحدة 'تفعل الكثير من أجله'. لطالما واجه الأردن حروبًا خارجية وداخلية، وموجات من اللاجئين، وجيرانًا غير مستقرين، وأزمات اقتصادية عميقة، لكن هذه الأزمة الأخيرة قد تكون وجودية. تعد الولايات المتحدة الحليف الأقرب للأردن، لكن الحكومة الأردنية والمعارضة السياسية والمجتمع المدني في البلاد واجهوا خطة إعادة التوطين التي طرحها ترامب بندرة غير معتادة من الوحدة والغضب العارم، رافضين بشدة أي عملية نقل قسري للفلسطينيين إلى الأردن. ما عقد الموقف، هو علاقة الأردن الوثيقة مع الولايات المتحدة، حيث تواجه عمّان الآن المهمة المستحيلة المتمثلة في التصدي لواشنطن مع استمرار اعتمادها عليها، فقد اعتادت الحكومة الأردنية على الامتثال لرغبات السياسة الأمريكية حتى عندما كانت هذه الرغبات لا تحظى بشعبية لدى الرأي العام الأردني. للأردن، على عكس معظم جيرانها العرب، معاهدة سلام كاملة مع إسرائيل، لكن الغضب الجماعي للأردنيين يجعل أي محاولة من إدارة ترامب لإجبار البلاد على قبول لاجئي غزة غير واردة، وينبغي على الولايات المتحدة أن تستمع إلى مناشدات حليفها المخلص وأن تتجنب كارثة تهدد الفلسطينيين والأردن والمنطقة بأسرها. تحدي التحالف؟ تاريخيا، تمتع رؤساء الولايات المتحدة وملوك الأردن بعلاقات ودية، بدءًا من الاجتماع الأول للملك حسين مع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور عام 1959، واستمراراً حتى عهد الملك عبد الله اليوم. يدعم هذا التحالف الثنائي المستمر منذ ما يقرب من سبعين عامًا السمعة الدولية التي بناها الأردن بعناية كدولة معتدلة في منطقة مضطربة، فقد وصف وزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر المملكة في عام 2008، بأنها جزء من 'الوسطية العربية'. في عام 2001، وقع الأردن أول اتفاقية تجارة حرة بين الولايات المتحدة ودولة عربية، وهو أيضًا من بين أكبر المستفيدين من المساعدات الخارجية الأمريكية، ويحافظ منذ عام 1994 على معاهدة سلام كاملة ورسمية مع إسرائيل، بالإضافة إلى علاقاته مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، كما أن للأردن والولايات المتحدة تاريخًا طويلًا من التعاون في الشؤون العسكرية والأمنية، ففي عام 2014، عندما بدأت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عمليات عسكرية ضد تنظيم داعش، استضاف الأردن قوات أمريكية ولعب دور قاعدة عمليات متقدمة للتحالف. استمرت هذه العلاقة المستقرة إلى حد كبير دون انقطاع، باستثناء جزئي واحد: الولاية الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، فقد قام ترامب في عام 2018 – على الرغم من معارضة الأردن – بقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي الوكالة الرئيسية التي تقدم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن نفسه، وعلى الرغم من استمرار المساعدات الرسمية والتعاون بين الولايات المتحدة والأردن دون انقطاع، شعر العديد من المسؤولين الأردنيين بأن إدارة ترامب لم تعد تعطي الأولوية للمملكة، بل اتجهت بدلاً من ذلك نحو تحالف فعلي مع إسرائيل والسعودية والإمارات، حيث سعت الإدارة لتحقيق هدفها الرئيسي في المنطقة: اتفاقيات إبراهيم. بدا فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 وكأنه أعاد الأردن إلى موقعه المعتاد كحليف مهم للولايات المتحدة، ووقعت واشنطن وعمّان مذكرة تفاهم في عام 2022، ووعدت واشنطن بتقديم 1.45 مليار دولار من المساعدات الأمريكية للمملكة على مدى سبع سنوات، ولكن في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، ومع اقتراب الشرق الأوسط من حرب إقليمية، أوقف بايدن تمويل الأونروا لمدة عام، وعاد التوتر ليخيم على العلاقة الأمريكية-الأردنية مع عودة ترامب إلى الرئاسة، مما أربك العديد من المسؤولين الأردنيين الذين توقعوا من واشنطن أن تُبدي مزيدًا من الحساسية تجاه المصالح الإقليمية لعمان وهشاشتها الداخلية. الشعب المتحد تعتبر الملكية الهاشمية التعاون العسكري والاقتصادي مع الولايات المتحدة أمرًا حيويًا للأمن الوطني الأردني، وبقيت سياساتها متماشية مع التزاماتها تجاه الولايات المتحدة بالرغم من ان إدانة الأردن القوية للحرب الإسرائيلية على غزة مثلت خروجًا عن خطابه التقليدي الحذر. أدانت المملكة بشكل متكرر القصف الإسرائيلي واعتبرته مفرطًا، وسلطت الضوء على العدد الهائل للضحايا المدنيين، وطالبت باستمرار بوقف فوري لإطلاق النار، وندد الملك عبد الله بالقصف الإسرائيلي في قمة عربية طارئة بالقاهرة في أكتوبر 2023، واصفًا إياه بأنه 'انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي' و'جريمة حرب'. ومع ذلك، عندما شنت إيران هجومًا بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل في أبريل 2024، ساعد الأردن في إسقاطها، مما أثار انتقادات داخلية واسعة، وبررت الحكومة هذا القرار باعتباره مسألة أمن وسيادة وطنية، حيث صرح الملك عبد الله بشكل قاطع بأن 'الأردن لن يكون ساحة معركة لأي طرف'. لكن علاقة الأردن بالولايات المتحدة تخضع أيضًا لانتقادات شديدة داخل المملكة، فقد اعتقدت العديد من الحركات المعارضة منذ فترة طويلة أن ارتباط الأردن الوثيق بواشنطن يقوض سيادته وأمنه، ويجعله عرضة للضغوط الخارجية، وأعادت الحرب في غزة تنشيط الحركات المعارضة، ورغم الإدانة الرسمية للحكومة لإسرائيل، استمر المتظاهرون في الضغط عليها لإحداث تغيير جذري في سياساتها، وطالبوا بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وإنهاء اتفاقية الغاز المثيرة للجدل معها، وطرد القوات الأمريكية والأجنبية من المملكة، ووقف أي إمدادات تصل إلى إسرائيل عبر الأراضي الأردنية طالما استمرت الحرب. أثار إسقاط الصواريخ الإيرانية في أوائل 2024 غضبًا شعبيًا خاصًا، وتصاعد الضغط على الحكومة بعد ذلك، ومع تصاعد أصوات المعارضة في البرلمان وتجدد الاحتجاجات الشعبية التي تضم قوى علمانية وإسلامية، ستواجه الدولة مقاومة حقيقية لسياستها الخارجية، لكن حتى مع اختلاف المعارضة مع الدولة في العديد من القضايا، هناك إجماع واضح ضد أي عملية تهجير جماعي للفلسطينيين من غزة – وربما من الضفة الغربية أيضًا. لا أرض أخرى أكدت قرارات ترامب في السياسة الخارجية خلال بداية ولايته الثانية صحة مخاوف منتقديه إلى حد كبير. كان الأردن من بين الدول التي أوقفت الإدارة الأمريكية مساعداتها لها، كما أثار سعي ترامب لنقل أكثر من مليوني فلسطيني من غزة إلى مصر والأردن غضبًا واسعًا ليس بين الشعب الأردني فحسب، ولكن أيضًا داخل الحكومة. قبل أيام فقط من تنصيب ترامب في يناير 2025، دخل وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، مما أدى إلى توقف مؤقت للقصف والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولكن بدلاً من استغلال الهدنة لتهدئة الأوضاع في المنطقة، قامت الإدارة الجديدة على الفور بتجميد جميع المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا، وقطعت التمويل بالكامل عن الأونروا، وحاولت إلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) تمامًا. كانت آثار هذا التجميد كارثية على الأردن بشكل خاص؛ فلا توجد دولة في الشرق الأوسط تعتمد على الأونروا أو USAID أكثر من الأردن، ومن المحتمل أن يؤدي إنهاء USAID إلى إيقاف مئات المشاريع التنموية التي تدعم خدمات أساسية مثل الصحة العامة، والتعليم، وإمدادات المياه، والحكم المحلي، والشركات الصغيرة، والمدارس، كما أنه سيؤدي إلى شل شبكة المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المرتبطة بالمساعدات الأمريكية، والتي توظف عشرات الآلاف من الأردنيين. أما حديث ترامب العابر عن 'نقل' كامل لسكان غزة فقد زاد من الصدمة الأولية. رفض كل من مصر والأردن الفكرة فورًا، وسرعان ما انضمت إليهما دول حليفة مثل قطر والسعودية والإمارات في رفض أي تهجير قسري للفلسطينيين، وهو الأمر الذي يعتبره غالبية الأردنيين بمثابة تطهير عرقي، وعقد الحلفاء العرب اجتماعًا في القاهرة في مارس، حيث عرضت مصر قيادة خطة بديلة لإعادة إعمار غزة لا تتضمن أي تهجير جماعي للفلسطينيين، لكن إدارة ترامب رفضت الاقتراح تمامًا حتى الآن. هذا الموقف المتقلب وضع القيادة الأردنية في حيرة، خاصة وأن الأردن دعم باستمرار حل الدولتين بما يتماشى مع الموقف الأمريكي الرسمي لعقود، ليجد أن هذا الموقف يتم تقويضه الآن بخطة ترامب، التي، في حال تنفيذها، ستحول إسرائيل وغزة والضفة الغربية إلى دولة واحدة بدون فلسطينيين. ورغم أن ترامب قد يعتقد أنه قادر على فرض خطته على حليف يعتمد على الولايات المتحدة، إلا أن الأوضاع في الأردن تجعل مشاركة الحكومة في مثل هذا المخطط مستحيلة، فبالرغم من اقتصاد الأردن الضعيف وافتقاره للموارد الطبيعية، استضافت المملكة بالفعل موجات من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، بالإضافة إلى العراقيين الفارين من حروب الخليج، واللاجئين السوريين الهاربين من الحرب الأهلية منذ عام 2011. لا يملك الأردن القدرة الاقتصادية لاستيعاب ملايين اللاجئين الفلسطينيين، كما أن وصول هؤلاء اللاجئين قد يخلّ بالتوازن الديمغرافي الذي يعتبره العديد من الأردنيين حساسًا بين الأردنيين من أصل فلسطيني، الذين تعود جذورهم إلى غرب نهر الأردن، و'أبناء العشائر' (أو الأردنيين الشرقيين)، الذين تعود جذورهم إلى شرق النهر. وينظر القوميون المتشددون، ومن بينهم برلمانيون ومسؤولون أمنيون، بعين الريبة إلى أي خطة قد تغيّر الوضع الديمغرافي القائم. لكن حتى بالنسبة للعديد من الأردنيين الذين يرفضون هذا الخطاب القومي المتشدد، فإن تهديد التهجير الجماعي للاجئين الفلسطينيين إلى الأردن يبدو بشكل مقلق وكأنه تحقيق لما كانوا يخشونه منذ عقود: ما يُسمى بـ 'الخيار الأردني' الذي تروج له الأوساط اليمينية المتطرفة في إسرائيل، والذي تسعى إسرائيل من خلاله إلى 'حل' القضية الفلسطينية على حساب الأردن، عبر إجباره على أن يصبح الدولة الفلسطينية بحكم الأمر الواقع. يُعرف هذا المخطط في الأردن، بـ 'الوطن البديل'، وقد اعتبره المسؤولون الأردنيون خطًا أحمر منذ زمن طويل. لخّص رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي، موقف المجلس التشريعي في يناير، بالقول: 'لا للتوطين، لا للوطن البديل. فلسطين للفلسطينيين، والأردن للأردنيين'. وأوضح وزير الخارجية أيمن الصفدي موقف المملكة الثابت قائلاً: 'فلسطين ملك للفلسطينيين، وحقهم في إقامة دولتهم على ترابهم الوطني غير قابل للمساومة، وهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة'. نداء استغاثة لا توجد أي إغراءات يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة للأردن لجعل قبول مئات الآلاف من الغزيين خيارًا اقتصاديًا أو سياسيًا قابلاً للتطبيق بالنسبة للحكومة الأردنية. قد يكون ترامب يحاول إجبار أطراف أخرى في الشرق الأوسط على تقديم تنازلات من خلال التلويح بخطة إعادة توطين جذرية، لكن مجرد التهديد بحد ذاته يزعزع استقرار الأردن، ويؤدي إلى عزله كحليف رئيسي، ويزيد من الضغوط على الدولة لتغيير سياساتها وربما الابتعاد عن الولايات المتحدة—وهو أمر لا يرغب المسؤولون الأردنيون في القيام به. يجب أن يدفع الإجماع بين المسؤولين الحكوميين الأردنيين والمعارضين والمواطنين العاديين ضد خطة ترامب الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في مقاربتها لخطة غزة وتجميد المساعدات، فمثل هذا الإجماع نادر جدًا في السياسة الأردنية ويعكس الطبيعة الوجودية للأزمة الحالية. اعتاد الأردنيون على التحذيرات، التي غالبًا ما تكون مبالغًا فيها وتصدر من خارج المملكة، بأن البلاد على شفا الانهيار، لكن حالة الذعر الواسعة والمعارضة الموحدة داخل الأردن تشير إلى أن الأزمة الحالية فريدة من نوعها في خطورتها. يمكن لمقترحات إدارة ترامب أن تضعف الأردن اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وستكون تداعيات ذلك محسوسة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك إسرائيل ولكن لم يفت الأوان بعد لكي تعيد الولايات المتحدة التزاماتها السابقة بالمساعدات، والأهم من ذلك، أن تتوقف عن الدعوات إلى التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة. على الولايات المتحدة أن تصغي إلى حليفها، فبالنظر إلى عقود من العلاقات الوثيقة بين واشنطن وعمان، يستحق الأردن أن ان يكون له صوت فيما يجري.