أحدث الأخبار مع #قدسنت،


قدس نت
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- قدس نت
اقتصاد البقاء في غزة: حين تفقد النقود قيمتها ويعود الغزيون إلى المقايضة
أحمد زقوت - مع اشتداد الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة منذ أكثر من شهرين، وتوقف دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، باتت الأسواق تعاني من نقص حاد في السلع الأساسية، ما دفع الكثير من السكان إلى إحياء "نظام المقايضة" كوسيلة بديلة لتأمين احتياجاتهم في ظل غياب النقود وفقدانها لقيمتها الفعلية. ومع ندرة السلع وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، أصبح مشهد "التبادل العيني" جزءاً من الحياة اليومية، سواء في الأسواق الشعبية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر منشورات من قبيل: "أبدّل ثلاجة بكيس طحين"، أو "كيس سكر مقابل حليب أطفال"، أو حتى "ملابس جديدة مقابل عبوة غاز"، ما حولها إلى وسيلة مقاومة يومية للبقاء في وجه الجوع والخنق الاقتصادي. الفلسطيني مهدي سرور، أب لستة أطفال من سكان شمال قطاع غزة، يعاني كما الكثير من أهالي القطاع من تداعيات الأزمة الإنسانية الخانقة التي اشتدت بفعل الحرب والحصار المستمر، يقول لـ "قدس نت": "النقود لم تعد وسيلة فعالة وسط ندرة السلع وارتفاع أسعارها، فلجأت إلى المقايضة لتأمين الغذاء لأسرتي"، مضيفاً أنني "عرضت كمية من البقوليات مقابل خبز على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أصبح شراء الطحين أمراً بعيد المنال بسبب ارتفاع سعره بشكل باهظ". ويؤكد سرور، أنّ "الأطفال لا يفهمون تعقيدات الاقتصاد أو شح الموارد، بل يشعرون فقط بالجوع"، مشيراً إلى أنّ "تأمين لقمة العيش بات التحدي الأكبر في ظل واقع يزداد قسوة". من جانبها، تروي أم أحمد محيسن، وهي نازحة من حي الشجاعية وأم لثلاثة أطفال، فصلاً من فصول المعاناة اليومية التي تعيشها في سبيل تأمين لقمة العيش لأطفالها، مشيرة إلى أنها اضطرت إلى استبدال كيلوغرام من العدس بنصف كيلو من السكر، في ظل غياب السيولة النقدية لديها. وتوضح محيسن في حديثها لموقع "قدس نت"، أنّ رصيدها المالي بات بلا قيمة بفعل عمولات السحب الباهظة، ما جعل المقايضة خياراً اضطرارياً للبقاء، رغم عدم تكافؤ القيمة، لافتةً إلى أنّ "موجة الغلاء وغياب الدخل حوّلا تأمين أبسط الاحتياجات إلى معركة يومية من أجل البقاء". أما بشير حمادة، فوجد نفسه مضطراً إلى اتخاذ قرار مؤلم، بعرض ثلاجته المنزلية مقابل كيس من الطحين، عبر أحد جروبات مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما نفد آخر كيلو دقيق كان بحوزته، وبالنسبة له، لم يعد يفكر في الاحتفاظ بما كان يُعدّ يوماً من ضروريات الحياة، بعدما بات تأمين الغذاء أولوية قصوى، حتى وإن تطلّب الأمر التخلي عن مقتنيات شخصية ثمينة، فالثلاجة، التي كانت يوماً رمزاً للاستقرار المنزلي، أضحت اليوم عبئاً صامتاً في زاوية معتمة، لا تُقارن قيمتها بشيء أمام صرخة جوع طفل في البيت. ورغم فداحة الخسارة التي تكبدها نتيجة مقايضة سلعة ثمينة بمادة غذائية كانت تُباع سابقاً بأسعار زهيدة، يرى حمادة في كيس الطحين "كنزاً مفقوداً" لا يُقدّر بثمن، فقد تجاوز سعر الكيس الواحد، الذي يزن 25 كيلوغراماً، حاجز 1500 شيكل- أي ما يعادل أكثر من 400 دولار أمريكي- مبلغ يفوق بكثير قدرة معظم العائلات في القطاع المحاصر، ما يجعل الحصول عليه أشبه بالمعجزة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. من جهتها، المواطنة ابتهال أبو ندى كشفت عن واقع مرير لا مفر منه، حيث اضطرت إلى بيع ملابسها الجديدة لتأمين حليب طفلها وحفاضاته وبعض المستلزمات الضرورية التي باتت تفوق كل شيء أهمية. وتبين أبو ندى في حديثها مع "قدس نت"، أنّ الأوضاع وصلت إلى مستوى لا يُصدَّق من الصعوبة، مؤكدة أن اضطرار أم لبيع ملابسها يعني أنها وصلت إلى ذروة الفقر واليأس الاقتصادي. وتلفت إلى أنّ هذا الواقع المرير ليس استثناءً، بل يعكس معاناة آلاف النساء في غزة، اللواتي تجبرهن المجاعة وندرة المواد الأساسية على التضحية بممتلكاتهن الشخصية من أجل إطعام أطفالهن، خاصة في ظل الانهيار المعيشي الكامل الذي تفاقم بفعل الحرب المستمرة. ومع تفاقم أزمة السيولة في غزة، لجأت المحال والبسطات إلى المقايضة كحل ضروري، علاء أبو جلهوم، بائع في سوق الصحابة، يؤكد لـ "قدس نت" أنّه يبادل السكر بالزيت أو الدقيق بالتونة، لمساعدة الزبائن الذين لا يملكون المال، مشيراً إلى أنّ الطلب يتركز على الدقيق والسكر والزيت، وأنّ المقايضة باتت منتشرة بفعل الجوع وغياب النقد. وكشف مسح للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن البطالة في قطاع غزة بلغت 68% وفي الضفة الغربية 31% بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 تشرين الأول 2023، كما يعاني القطاع أيضاً من شلل النظام البنكي وتوقف الرواتب، مع غياب المساعدات الدولية الكافية، مما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها سكان القطاع. ويشير مختصون إلى أن عودة المقايضة لا تعكس فقط قدرة سكان غزة على التكيف مع واقع الحصار والمجاعة، بل تُعتبر مؤشراً خطيراً يُبرز حجم الانهيار الشامل الذي أصاب البنية الاقتصادية والإنسانية في القطاع. بدوره، يرى المحلل الاقتصادي نائل موسى في حديثه لـ"قدس نت" أنّ انتشار ظاهرة المقايضة يعكس انهياراً واسعاً في الاقتصاد المحلي نتيجة الحرب والفقر والبطالة، كما حدث في دول أخرى مثل سوريا والصومال، مشيراً إلى أنّ الحرب الحالية زادت من حدة الفقر في غزة، بعد تدمير مصادر دخل آلاف الأسر واستنزاف مدخراتهم لتلبية الاحتياجات الأساسية. ويُبرز موسى أن العمولات المرتفعة على السحب من الحسابات البنكية، التي تصل أحياناً إلى 35%، تجعل السحب غير مجدٍ مالياً، مما دفع الناس لاعتماد المقايضة "الاقتصاد التبادلي بدلاً من الإنتاجي" كحل بديل، موضحاً المقايضة تعكس ليس فقط نقص السيولة، بل أيضاً فقر الموارد، حيث يتبادل الناس سلعاً غالباً ما تكون مساعدات إنسانية للحصول على ما يحتاجون إليه. ويؤكد موسى أن المقايضة يبقي سكان غزة في دائرة مغلقة من تبادل الاحتياجات دون تحقيق أي تحسُّن اقتصادي، مشدداً على ضرورة معالجة جذرية تشمل وقف الحرب، فتح المعابر، وحل مشكلة السيولة والعمولات المرتفعة. المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة


قدس نت
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- منوعات
- قدس نت
أزمة الدقيق تلاحق الغزيين: طحين فاسد والمعكرونة والبقوليات بدائل الخبز وسط مجاعة خانقة
تقرير أحمد زقوت :- تحولت المعكرونة في غزة من وجبة سريعة إلى بديل مرير للطعام، بعدما أصبح الطحين نادرًا نتيجة الحصار الإسرائيلي الخانق وارتفاع الأسعار الجنوني، ما اضطر العديد من العائلات إلى طحن المعكرونة اليابسة وتحويلها إلى فتات يشبه الدقيق، في محاولة يائسة لسد رمق أطفالهم، لتصبح بذلك رمزًا للبقاء وطوق نجاة في زمن المجاعة. ومنذ الثاني من آذار/ مارس الماضي، توقفت المساعدات الإنسانية كليًا بفعل إغلاق الاحتلال الإسرائيلي الكامل للمعابر، ما فاقم أزمة الجوع التي تهدد حياة السكان، لاسيما الأطفال، في سياق سياسة "التجويع المتعمد" التي يتبعها الاحتلال لزيادة معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة. وجاء الإغلاق في وقت يعاني فيه القطاع أصلاً من نقص حاد في المواد الأساسية، ما زاد من تفاقم الأوضاع الإنسانية، وعمّق أزمة الغذاء، فيما أصبح سكان غزة عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار. في خيمة مهترئة بمخيم جباليا، تجلس أم محمد سويلم منكبة على طحن حبات المعكرونة اليابسة باستخدام حجر يدوي، لتصنع منها رغيف خبز تسد به جوع أطفالها، بعد أن انعدمت سبل توفير الطحين، تقول لـ "قدس نت"، وعيناها تغرورقان بالدمع: "منذ أسابيع ونحن بلا طحين، والكيس الواحد سعره تجاوز 1200 شيكل (نحو 400 دولار)، ونحن بلا دخل ثابت، نعيش على ما تجود به أيدينا من حيل"، مضيفة "أخشى أن أشتري دقيقًا كما فعل جاري الذي اكتشف أنه ممزوج بالرمل والتلف، وتفوح منه رائحة العفن، ما يعرضنا لأمراض قد تفتك بنا". تشير سويلم إلى أنّ رغيف الخبز المصنوع من المعكرونة يتفتت بسهولة، ويصعب خبزه على الحطب بسبب نقص الغاز، لكنها تضطر لتقديمه لأطفالها وهم يظنون أنه "خبز حقيقي". وتتابع: "التجار لا يرحمون، قبل أيام، وبعد تصريح إيجابي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقع فيه حدوث انفراجة خلال 24 ساعة، انخفضت الأسعار بشكل طفيف، لكنها سرعان ما ارتفعت بأضعاف في اليوم التالي. إنهم يتلاعبون بنا ويستغلون أزماتنا لتحقيق مكاسبهم". طحين بالرمل جارتها أم بلال سلمان، فتروي لـ "قدس نت" تجربة مريرة أخرى، حيث أشارت إلى أنّ زوجها اشترى كيس دقيق من أحد التجار، ليتبين لاحقًا أنه كان مخلوطًا بالرمل. وتقول بمرارة: "لم يكن لدينا لا دقيق ولا معكرونة، واضطر زوجي لشراء كيس دقيق من تاجر، وعندما طلب فحصه رفض البائع، وعند فتحه في البيت، اكتشفنا أنّه ممزوج بالرمل"، مبينةً أنّه " دفعنا 1000 شيكل (300 دولار) مقابل كيس مغشوش، وهذا غش فاضح في وقت لا نملك فيه حتى ثمن لقمة تسد الجوع". وتوضح سلمان، أنّ "الكارثة أننا لا نجد ما نأكله، والدقيق أصبح غير مضمون، قد يكون فاسدًا أو مخلوطًا بالرمل كما حدث معنا، ونخشى على أطفالنا من الجوع، فكيف لنا أن نطعمهم؟ كيف سنسكت جوعهم ونحن نعيش في هذا الجحيم؟ كل يوم يمر علينا هو معركة للبقاء، وكل ما نملك من أمل هو مجرد حيلة للبقاء على قيد الحياة". دقيق فاسد وتنظيف بالكُربال من جانبه، يقول المواطن عبد الرحمن خليل، لـ "قدس نت"، معاناته في ظل أزمة الدقيق وارتفاع أسعاره، موضحًا أنه يضطر لاستهلاك طحين فاسد مليء بالديدان، بعد تنظيفه يدويًا و "بالكُربال" لإطعام أطفاله، كما يلجأ إلى طحن المعكرونة وبعض البقوليات مثل العدس لصناعة الخبز، في ظل غياب الدقيق الصالح نتيجة الحصار وإغلاق المعابر وتعمد الاحتلال سياسة التجويع بحق أهالي القطاع. ويشير خليل، إلى أنّ "المعكرونة والبقوليات، التي كانت بديلًا جزئيًا للطحين، ارتفع سعرها بشكل كبير بسبب استغلال التجار، ما جعلها خارج متناول الكثيرين"، معبراً بغضب عن شعوره بالانهيار، وسط واقع لا يُحتمل وتلاعب فاضح بمعاناة الناس يفوق قدراتهم. نفاد المخزون من مؤسسات أممية وفي 27 نيسان/ إبريل الماضي، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن نفاد مخزون الطحين لديها، بعد يوم واحد فقط من إعلان برنامج الأغذية العالمي عن نفاد مخزونه أيضًا، جراء إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات. وأكدت "أونروا" في تصريحاتها، أنّ حوالي 3000 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية جاهزة للدخول، لكن "إسرائيل" تمنع دخولها، فيما يضطر مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة إلى تناول وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة، نتيجة سياسة التجويع الممنهجة. وكانت المخابز المدعومة من برنامج الأغذية العالمي قد توقفت عن العمل منذ نهاية مارس الماضي بسبب نفاد الطحين والوقود، بينما تُحتجز 116 ألف طن من المساعدات الإنسانية تكفي لمليون شخص لمدة أربعة أشهر، في وقت شهدت فيه أسعار الغذاء ارتفاعًا بنسبة 1400%، ما يهدد الشرائح الأشد فقرًا. 50% من منازل غزة باتت بلا دقيق من جهته، حذر رئيس جمعية "أصحاب المخابز" في قطاع غزة، عبد الناصر العجرمي، من "كارثة إنسانية حقيقية" جراء توقف المخابز بشكل كامل، مشيرًا إلى أن "50% من منازل غزة باتت بلا دقيق". كما حذر العجرمي من خطر الانتظار لتنفيذ الخطة الأميركية للمساعدات الغذائية، داعيًا إلى فتح المعابر فورًا لإدخال المواد الغذائية. الحصار يعمق معاناة الفلسطينيين دوره، قال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن استمرار إغلاق المعابر لأكثر من شهرين، ومنع دخول المساعدات، أدى إلى تفاقم أزمة الجوع، وتوقف المخابز، وسط خطر المجاعة الذي يهدد أكثر من 2 مليون فلسطيني. وأكد المركز في بيان، أنّ "سياسة الحصار تستهدف تدمير الفلسطينيين نفسيًا وجسديًا"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر ورفع الحصار. المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة