منذ 8 ساعات
البرنامج النووى أم إسقاط النظام؟
فى ضربة استباقية، لم تتوقعها إيران، قامت إسرائيل بهجوم كاسح على إيران، طال مواقع عسكرية حساسة ومنصات الصواريخ ومنشآت نووية، كما اشتمل على أكبر عملية اغتيال لقيادات الصف الأول بالجيش والحرس الثوري، إضافة إلى العشرات من العلماء المسئولين عن برنامجها النووي، مستخدمة طائرات مسيرة انطلقت من داخل الأراضى الإيرانية، فى اكبر عملية اختراق أمنى قام بها الموساد بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات العسكرية، ُتذكر بتفجيرات البيجر التى استخدمت ضد حزب الله فى لبنان العام الماضي، ولكن على نطاق أوسع وأخطر، كما لم تقتصر على أحياء فى العاصمة طهران، ولكن امتدت إلى مدن اخرى كأصفهان وتبريز وشيراز التى تكتسب أهمية استراتيجية بحكم القواعد العسكرية والمفاعلات النووية الموجودة فيها.
وبحسب النيويورك تايمز فإن إسرائيل خططت لهذه العملية الضخمة منذ سنوات، وبالتالى فهى ليست من قبيل الضربات الخاطفة التى تصيب هدفا معينا ثم تتراجع بعده، ولذلك صرح رئيس وزرائها نيتانياهو «أنها ستستمر بقدر ما يلزم من الأيام، لأنه يغير التاريخ».
راهنت طهران على الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، ليقيها من هذا الهجوم الذى سبق للدولة العبرية أن لوحت به مرارا، لكنها تناست أنه خلاف مؤقت وفى التفاصيل بين حليفين، فالقواسم المشتركة والمصالح المتشابكة تكون أكبر وأقوى وأكثر استدامة، والتنسيق بينهما حاضر دوما، وليست مصادفة أن يجيءتوقيت العملية بعد يوم واحد فقط من انتهاء المهلة التى حددها الرئيس الأمريكى وهى 60 يوما للقبول بشروطه بتفكيك كامل مشروعها النووي، ومن ثم لم يدن الهجوم، بل ألقى باللوم على الإيرانيين لعدم توقيعهم على الاتفاق المفترض، وقال إنه أعطاهم فرصة لم يحسنوا استخدامها، ودعاهم للاستجابة لشروطه كفرصة أخيرة، وإلا «لن يتبق لديهم شييء ليتفاوضوا عليه»، ولن يكون أمامهم سوى الاستسلام، ووفق وول ستريت جورنال فإن الإدارة الأمريكية كانت على علم بخطة إسرائيل، بخلاف ما كان يصرح به ترامب. وبالتزامن أيضا، صدر قرارالوكالة الدولية للطاقة الذرية بإدانتها لعدم إيفائها بإلتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانشار النووي، فى أول خطوة من نوعها ضدها منذ 20 عاما، ما يُنذر بتفعيل العقوبات مجددا عليها.
وإلى جانب هذه الضغوط الدولية، فقد عملت إسرائيل طوال الشهور العشرين الماضية لحرب غزة على إضعافها إلى أقصى درجة ممكنة من خلال ضرب وكلائها وأذرعها فى المنطقة ونزع أسلحتهم بدءا من حركة حماس مرورا بحزب الله وانتهاء بمعاقل المقاومة فى سوريا واليمن، حتى تتركها وحيدة مضطرة لخوض معركتها بنفسها فى مواجهة مباشرة معها، والتى يقينا لن تكون متكافئة من حيث توازن القوة، يضاف إلى ذلك أنها ألحقت أضرارا بالغة بدفاعاتها الجوية وقدراتها على انتاج الصواريخ، بفعل غاراتها المتتالية عليها أكتوبر الماضي، لهذا اعتقدت إسرائيل أن لديها فرصة فريدة لمهاجمتها، وثمة سبب آخر، هو أن إيران كانت تقترب بالفعل من انتاج القنبلة النووية بعد أن وصلت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى نحو 60% وبحسب مسئول عسكرى إسرائيلي، فإنها تملك مواد تكفى لصنع 15 قنبلة نووية فى غضون أيام.
هذه الأسباب هى التى فرضت التوقيت ومهدت للهجوم الأخير، ويبقى الهدف الرئيسى متعلقا بتجريدها من إمكان امتلاكها للسلاح النووي. فعلى مدى أربعة عقود لم يتوقف النظام الإيرانى عن محاولات التوسع والهيمنة الإقليمية، ولذا كان مصدر قلق وتهديد لغالبية الدول الخليجية، كما يُنظر لمساعيه النووية على أنها سلاح للتمكين لمخططه التوسعي، وهو ما يبرر به نيتانياهو قيامه بهذا الهجوم حيث أشار فى خطاب تليفزيونى «أن التهديد الإيرانى هو تهديد وجودى لإسرائيل وستستمر العملية حتى إزالته»، وأضاف «ضربنا رأس برنامج التسلح النووى الإيراني، وندافع عن أنفسنا وجيراننا العرب». لاشك أن إيران تجد نفسها اليوم فى وضع شديد الصعوبة، ومجبرة على الرد بقوة، وهناك عدة سيناريوهات ستحدد سير المعركة، الأول ويُعتبر أبسطها، أن تطلق وابلا من الصواريخ التى تمتلك الآلاف منها باتجاه تل أبيب، وهو ما حدث بالفعل، حيث أطلقت ما يزيد على الخمسمائة صاروخ، ولكن أغلبها تم اعتراضه وأوقع خسائر محدودة عند الخصم، والثانى أن تحاول استنهاض وكلائها خاصة حزب الله حليفها الرئيسى الذى مازال يمتلك مخزونا هائلا من الأسلحة رغم الضربات الموجعة التى تلقاها، ولكنه سيناريو مشكوك فيه بعد أن أعلن هو نفسه أنه لن يهاجم إسرائيل، هناك أيضا الذراع الحوثية فى اليمن التى لم تتوقف عن اطلاق الصواريخ والمسيرات، إلا أنها ضئيلة التأثير، ولن تغير مسار الحرب، والثالث، أن تقدم على إغلاق مضيق هرمز وتعطيل الملاحة الدولية فى البحر الأحمر شريان التجارة العالمية، إلا أنه سيناريو محفوف بالمخاطر لأنه سيستعدى كل القوى الدولية عليها، والرابع، أن تهاجم حقول النفط، وسبق أن حدث ذلك جزئيا منذ سنوات وأدى إلى خفض الانتاج السعودي، والانتاج العالمى بنسبة 5%، وأخيرا، وهو ضرب القواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة، لكنه سيعنى نوعا من الانتحار، لأنه سيُدخل الولايات المتحدة كطرف مباشر، بما يشبه مهاجمة اليابان لقاعدة «بيرل هاربر» أثناء الحرب العالمية الثانية.
وأيا ما كان المخرج الذى يتحتم على إيران أن تسلكه، فقد أصبحت فى مأزق، فالتداعيات الحاصلة على أرضها تجاوزت معضلتها النووية، إذ أصبح الحديث يدور حول تغيير نظامها السياسي، وهذا ما قاله نيتانياهو، وذكرته صحيفة إسرائيل هيوم التى أكدت أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بعد مكالمته المطولة مع نظيره الأمريكي، وجه تحذيرا للمرشد على خامنئى بأن نظامه فى خطر.
والآن، فالثابت أن فجر الجمعة الثالث عشر من يونيو، بات يشكل تاريخا فارقا، فما قبله لم يعد موجودا، وما كانت تتمسك به وتصر عليه فى المفاوضات لن يكون مطروحا أصلا للنقاش فى أى مفاوضات مقبلة، والتى ستكون جديدة وليس استكمالا لما سبق، ولذا دعاها ترامب إلى الاستسلام غير المشروط، فى الوقت الذى تحدثت فيه السى إن إن عن أن الجيش الأمريكى يستعد لضربة محتملة ضدها.