منذ 12 ساعات
حرب ترامب
"إيران لا يمكن أن تنتصر في هذه الحرب"، بهذه العبارة لخّص الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، موقف بلاده من الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران منذ نحو أسبوع. فرغم أن الولايات المتحدة لم تدخل رسمياً في هذه الحرب، وهو أمر بات قريباً جداً، إلا أن كل التصريحات التي يدلي بها الرئيس الأميركي تؤكّد أن هذه حربه نفسه قبل أن تكون حرب إسرائيل، وأن دولة الاحتلال ليست إلا ذراعاً لتنفيذ ما يريده، أو على الأقل هذا ما يريد الإيحاء به.
زاود ترامب على المسؤولين الإسرائيليين في التصريحات الخاصة بالحرب على إيران، ورفع سقف الأهداف الموضوعة لهذه المواجهة، التي قد لا تكون في بال إسرائيل. على سبيل المثال، لم يرد الحديث عن الاستسلام بشكل كامل وغير مشروط على لسان أي من المسؤولين في دولة الاحتلال، لكنه جاء على لسان ترامب في أكثر من مناسبة. والاستسلام هنا يعني تخلي إيران بشكل كامل عن برنامجيها النووي والصاروخي، أي تفكيك كل عناصر القوة التي تمتلكها، بعد إضعاف أذرعها العسكرية في كل من لبنان والعراق واليمن.
من غير الوارد أن توافق طهران على هذه الشروط، فـ"كأس السم" التي تجرّعها المرشد الإيراني آية الله الخميني في ثمانينيات القرن الماضي لوقف الحرب مع العراق لم تكن قاتلة، بل أعطت طهران فرصة لإعادة بناء قواها وتصدير ثورتها إلى أكثر من مكان في العالم العربي. الأمر اليوم مختلف بالكامل، فالانصياع للشروط الأميركية، وفي ظل التغييرات الاستراتيجية الحاصلة في المنطقة خلال العامين الماضيين، يعني إنهاء المبرّر الوجودي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، خصوصاً أن قبول الإملاءات الأميركية سيكون مترافقاً مع وصاية أميركية ودولية كاملة على السياسة الداخلية الإيرانية.
ليس ترامب مجرّد داعم للحرب الإسرائيلية على إيران، بل منخرط بشكل كامل في التخطيط والتمويل والدعم اللوجستي، وهو ما يعترف به بنفسه، فالولايات المتحدة، وإن لم تدخل في الحرب بشكل مباشر بعد، إلا أنها متورّطة فيها بشكل غير مباشر حتى النخاع، فالرجل لا يتوقف عن التبجح بالإنجازات الإسرائيلية وينسبها للولايات المتحدة، فهو من خرج ليعلن السيطرة الكاملة على الأجواء الإيرانية، رغم أن القوات الأميركية غير منخرطة في هذه السيطرة، في حال صحّت. كذلك هو من خرج ليعلن أنه يعرف مكان المرشد الإيراني، علي خامنئي، لكنه لم يقرّر اغتياله بعد، وهو ما لم يعلنه أي من المسؤولين الإسرائيليين.
القرار اليوم لدى ترامب، وهذا ما أعلنه بصراحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تعليقه على جدّية التدخل الأميركي في الحرب الإسرائيلية، خصوصاً بعد الضربة الصاروخية الموجعة التي وجهتها طهران إلى تل أبيب في الساعات الماضية.
وقد لا يكون قرار الدخول الأميركي المباشر في الحرب بعيداً، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى ولع ترامب بالمهرجانات الإعلامية. هذا الولع، الآتي من مشاركة الرئيس الأميركي في كثير من عروض المصارعة الحرّة هو ما يدفع ترامب إلى الخروج بهذه التصريحات التي تتبنّى إنجازاتٍ لا دور مباشراً للولايات المتحدة فيها.
يرى ترامب أن هذه الحرب هي حربه، هو من بدأها في ولايته الأولى التي سلط فيها كل أنواع العقوبات على الجمهورية الإسلامية، والتي كادت تؤدّي إلى انهيار النظام. وهو اليوم لا يمكن أن يترك لإسرائيل قطف ثمار ما بدأه، سواء بإعلان إيران الاستسلام أو سقوط النظام. فحتى ولو كانت الولايات المتحدة داعمة إسرائيل في حربها، لوجستياً واستخبارياً، إلا أن ذلك لن يعطي لترامب الفضل الذي يريده في تحقيق هدف احتواء إيران. وهو فضلٌ لا يمكن أن يتحقق إلا بدور أميركي مباشر، بات قريباً جداً.