logo
#

أحدث الأخبار مع #لسانالشعب،

الأدب الشعبي السفلي كما تجلى في كتاب "مذكرات نشال"
الأدب الشعبي السفلي كما تجلى في كتاب "مذكرات نشال"

Independent عربية

time٠٩-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

الأدب الشعبي السفلي كما تجلى في كتاب "مذكرات نشال"

. نُشرت هذه المذكرات للمرة الأولى عام 1927 في جريدة "لسان الشعب"، ثم في كتاب عن المطبعة اليوسفية عام 1930، وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني عرض في شهر رمضان الماضي، بعد صدورها في طبعة محققة (دار دوِن) بتوقيع أيمن عثمان. يكتب المنتصر التاريخ، أما المهزوم فيلعق جراحه للأبد. تستعين السلطة بالمؤرخين الثقات كي يعظموا إنجازاتها ويبرروا إخفاقاتها، بينما الناس نفسهم لا يُسمع لهم صوت. لهذا السبب تبدو مدونة التاريخ حافلة بالأكاذيب التي تمجد من يملك القوة والسلطة. فإذا كان "الجلاد" يكتب ما يحلو له، فماذا عن "الضحية"؟ الطبعة الجديدة من الكتاب (دار دون) فكرة الإصغاء إلى المهمشين وسماع أصوات "الضحايا" ليست جديدة تماماً، فمن كان المؤرخون القدامى يصفونهم بنعوت مثل: الرعاع والسوقة والغوغاء والدهماء، أصبح لهم لسان يقص حكاياتهم ويشرح كيف عاشوا وليس كما صوَّرهم المؤرخون الثقات. التاريخ الشعبي يتجلى هذا التوجه لدى فلاسفة ومؤرخين كبار مثل غرامشي، وقد استخدم لوسيان فيبر عبارة "التاريخ يُرى من الأسفل وليس من الأعلى" عام 1932، بينما كتب هوارد زين "تاريخ الشعب في الولايات المتحدة" عام 1982 للإخبار عن الجماهير لا النجوم. لعل التعبير الأكثر دقة هو "التاريخ الشعبي" أي غير الرسمي، عن المهمشين والأقليات وأساطير الناس العادية، ودفاتر اليوميات المهملة، والحكايات الشذرية بعد سقوط السرديات الكبرى. كأن الأسئلة الجوهري: لمن تدين الحياة في تقدمها؟ ومن يدفع عجلة التاريخ إلى الأمام؟ هل هو ذلك "الرجل العظيم" الملهم والبطل الذي لا مثيل له، أم البسطاء عبر صراعهم اليومي مع الحياة؟ إنها أسئلة تجر خلفها ثنائيات كثيرة تتعلق بالأغنياء والفقراء، السادة والعبيد، الزعيم والشعب، من هم في الأعلى ومن عاشوا في الأسفل. ومن بين المؤرخين الذين انشغلوا بالمهمشين والزوايا الاجتماعية الكاتب الراحل صلاح عيسى الذي قدم سيرة مغايرة للأختين "ريا وسكينة"، بل إن نجيب محفوظ نفسه استلهم روايته الشهيرة "اللص والكلاب" من مجرم شغل الناس في مصر مطلع السيتنيات من القرن الماضي هو "محمود أمين سليمان" الشهير ب "سعيد مهران". الطبعة الأولى من الكتاب الصادرة العام 1930 (أرشيف المطبعة اليوسفية) وكثيرًا ما تختلط الرؤى والمواقف إزاء هؤلاء الأبطال الشعبيين مثل: علي الزيبق، وأدهم الشرقاوي. هل هم مجرمون ـ كما صورهم الخطاب الرسمي ـ أم أبطال كما تمنتهم المخيلة الشعبية؟ حكاية النُص أحدث هؤلاء الأبطال هو "عبد العزيز" الشهير ب "النُص" والذي عرض التلفزيون سيرته في مسلسل من تمثيل أحمد أمين، حقق نجاحًا لافتًا، حيث بدا في تحوله من شخص يعيش على سرقة الناس والاحتيال عليهم إلى بطل شعبي يقاوم الإنجليز، كأنه يعيد صياغة لأسطورة علي الزيبق ذي المكر والألاعيب الذي تصدى لظلم المماليك. صحيح أنه "نشال" لكنه أيضاً إنسان يحاول مساعدة شقيقه المريض، ويقرر التوبة والعمل كـ "كمسري"، أي محصل في وسيلة نقل عامة. تدور أحداث القصة في القاهرة في عشرينيات القرن الماضي، فإذا كان محفوظ استلهم شخصيات حقيقية سمع عنها مثل السفاح محمود أمين سليمان، أو الفتوات الذين عاصرهم في الجمالية والحسينية، فهل "النُص" شخصية حقيقية عاشت قبل مئة عام؟ يضاف إلى ذلك وصف المؤرخ خير الدين الزركلي للكاتب حسني يوسف بأنه "رائد مدرسة جديدة في الأدب"، باعتباره يهتم بتصوير الواقع عبر نماذج مهمشة مثل الفتوة والنشال ثم إعلانه عن "مذكرات متشرد". وبخلاف تدوين سلوكيات المهمشين، والمزج بين الفصحى والعامية وغلبة لغة الشارع، فلا يخفى الهدف التجاري من ورائها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أيمن عثمان أعاد نشر السيرة ووثَّقها ووضع لها مقدمة وملاحق وشروح، بينما حسني يوسف حين نشرها فعل ذلك بوصفه الناشر و"صاحب ومحرر جريدة صوت الشعب"، ووضع اسم عبد العزيز النُص كمؤلف، مع الإشارة إلى انها "قصة انتقادية فكاهية"، ما يعزز فرضية أن "النُص" بطل ومؤلف متخيَّل. أيام الفتوات من الواضح أنه عقب ثورة 1919 كان هناك ولع بسير المهمشين والمجرمين والبغايا، كسردية موازية لكتب ومذكرات الساسة والمشاهير. وإذا كان محفوظ أعاد استلهام "الفتوات" في روايات وقصص كثيرة أشهرها "ملحمة الحرافيش"، وارتقى بها إلى نماذج أدبية رفيعة، فإن حسني يوسف قدَّم تصوراً مغايراً للفتوة، من خلال قصة "أدبية فكاهية" عن "المعلم يوسف أبو حجاج" مع الإشارة إلى أنها من تأليف بطلها، لكنها طُبعت على نفقة الناشر. وثمة محاولة حثيثة لترويجها بأنها "ذات مواقف غريبة وحوداث مدهشة"، وايضاً "مكتوبة باللغة الدارجة"، وتباع بخمسة قروش. من الواضح أن الناشر كان مولعاً بالحكايات الشعبية ولذلك أسَّس مجلة "الروايات الأسبوعية"، وكان حريصاً عند نشر مذكرات الفتوة أن يشير في صفحاتها الأخيرة إلى "مذكرات نشال" مع فقرة تشويقية: "إذا أردت أن تعلم ما تم لعبد العزيز النص من حوادث شيقة ومواقف مضحكة، فما عليك إلا أن ترسل عدد ستة طوابع بوستة من فئة الخمسة مليمات". أي أن نشر مذكرات النشال كاملة يتوقف على على عدد الاشتراكات عبر نظام الدفع المسبق. وبالنظر إلى استهلال "مذكرات فتوة": "حكى المعلم يوسف أبو حجاج تاريخ حياته"؛ فهذا يعني أنه الراوي وليس المؤلف الحقيقي. كما يشير حرص الناشر على أن يختم كتبه بإعلانات عن مذكرات وسير لشخصيات قادمة، إلى أن الأمر كله مزيج من التخييل والترفيه والحس التجاري الشعبي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ففي نهاية الكتاب هناك أكثر من إعلان عن روايات قادمة هي: "سيركوف أو ملك القرصان"، و"زحام على غرام، أو الدهاء في قصور الملوك"، مع تعريف بأنها رواية تاريخية غرامية وقعت أحداثها زمن هارون الرشيد، و"فاطمة، أو الفتاة المعذبة". مذكرات عربجي لم يكن حسني يوسف الوحيد المولع بالروايات والسير الشعبية، فهناك كتاب آخر شهير بعنوان "مذكرات عربجي" تأليف سليمان بك نجيب الممثل القدير ورئيس دار الأوبرا المصرية. وأيضاً تتكرر الفكرة المزدوجة التي تخلط بين الراوي والمؤلف، فسليمان نجيب في إهدائه إلى فكري أباظة يقول: محسوبك كاتب هذا ـ الأسطي حنفي أبو محمود ـ من كان له الشرف أن يقلك في عربته مراراً"، ويوقع الإهداء بالاسمين معاً: حنفي أبو محمود، سليمان نجيب"؛ ما يشير إلى أن الأول قناع للثاني. وينقسم الكتاب إلى عناوين فرعية مثل: المذكرة الأولى، المذكرة الثانية، المذكرة الثالثة"، مع تذييل كل مذكرة بتوقيع: حنفي أبو محمود، حنفي، الأسطى حنفي. وهنا ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن سليمان نجيب لم يتورط في العامية الدارجة كما فعل حسني يوسف، بل استعمل فصحى مقبولة مع تطعيمها بمفردات عامية حيث نقرأ: "وفي أثناء الحديث يا حضرة القارئ تمر عليّ ألفاظ جديدة في اللغة، فأسمعها تقول "حبوب" و"توتو" وهو يقول "قطقوطة" ولا أفهم لها معنى، ولكني علمت أن لكل مقام مقال". بغض النظر عن حقيقة وجود النشال والفتوة والعربجي، وواقعية الحكايات المذكورة على ألسنتهم، فإننا إزاء نصوص معبرة عن الهامش ابتداء من اللغة المستعملة، وطبيعة الحكايات والخلاصات. كما تعبر أيضاً عن عصرها وما تميز به من عادات وتقاليد وقيم أخلاقية. نحن على المستويين الأدبي والاجتماعي، إزاء نصوص تقدم أدباً شعبياً مضاداً للأدب الرسمي، لغة وتصورات وأخيلة، وتعرض تاريخاً اجتماعياً مسكوتاً عنه، ويتضاد مع التاريخ الرسمي، بانحيازه لكل ما هو شعبي. والمؤكد أن تلك النوعية من الروايات لم تكن سيراً حقيقية بالمعنى الدقيق، وإنما هي قصص مختلقة تمنح ألسنة لمهمشين لا صوت لهم، وترينا المجتمع المصري من أسفل، عبر زوايا غير مرئية.

مسلسل "النُّص".. حين يصبح "النشال" بطلا قوميا
مسلسل "النُّص".. حين يصبح "النشال" بطلا قوميا

الجزيرة

time١٦-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الجزيرة

مسلسل "النُّص".. حين يصبح "النشال" بطلا قوميا

تكمن خطورة الدراما في قدرتها على إضفاء البطولة على أي شخصية حتى ولو كان سارقا أو قاتلا، ولعل انقلاب الهرم في العالم وفي الغرب بصفة خاصة يعود في جزء كبير منه إلى موجة الأفلام الهوليودية التي انحازت إلى زعماء العصابات، وأشهرها "العراب" 1972 للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، و"رفاق طيبون" 1990 لمارتن سكورسيزي. وفي تاريخ الفن المصري تعد ملحمة "أدهم الشرقاوي الإذاعية" 1962 واحدة من أكثر حالات سوء الفهم التي سببتها الدراما حين اقتحمت عالم "أدهم الشرقاوي" الغامض وأظهرته بطلا ومناضلا وطنيا خالصا، في حين أكد عدد من معاصريه أنه لم يكن إلا شخصا منحرفا أسال الدماء في قريته وقتل الكثير من الأبرياء. ويلعب الفارق الزمني والاجتماعي بين حالتي القاتل أدهم الشرقاوي والنشال عبد العزيز النص بطل مسلسل "النُّص" لصالح الأول فنيا، لكنه يسجل حقيقة جديدة لصالح النشال التائب ولصالح الجمهور أيضا، وهي ذلك النضوج الذي تلقى جمهور المشاهدين به العمل، واعتبار أنه لم يكن إلا عملا فنيا جيدا. نشال في سبيل الوطن يعتمد مسلسل "النُّص" -الذي يُعرض منذ بداية رمضان- على تكييف درامي لعمل صحفي/ أدبي مستوحى من "مذكرات نشال" التي كتبها الصحفي المصري أيمن عثمان، مستندا إلى نصوص تعود إلى المعلم عبد العزيز النُّص، وهو نشال سابق عاش في مصر خلال عشرينيات القرن الماضي. ونُشرت هذه المذكرات لأول مرة عام 1927 في جريدة "لسان الشعب"، وأثارت حينها جدلا واسعا نظرا لطبيعتها الفريدة، إذ تسرد تفاصيل تجارب شخصية حقيقية لنشال يصف مغامراته في عالم الجريمة بأسلوب غير مألوف. وشارك في كتابة سيناريو المسلسل كل من عبد الرحمن جاويش وسارة هجرس ووجيه صبري، في حين قدّم أحمد أمين دور البطل عبد العزيز النُّص، ليضفي على العمل طابعا خاصا. تميز المسلسل بأسلوبه المختلف عن المعتاد، إذ وظف أمين فكرة تقديم معلومات مكتوبة توضح المفردات الاجتماعية والتاريخية المستخدمة في حوار كل حلقة، مما جعل المشاهدة أشبه بتجربة قراءة كتاب، فيتنقل المشاهد بين متن الحكاية وهوامشها لفهم أبعادها التاريخية والاجتماعية بعمق أكبر. ورغم أن نشال العمل الأصلي -الذي قدمه المؤلف أيمن عثمان في كتابه- لم يكن صاحب دور وطني في مقاومة الإنجليز إبان احتلالهم مصر فإن المسلسل حوّله من مجرد نشال إلى "نشال في سبيل الوطن"، وهو أمر يبدو مخيفا في ظل التداخل القيمي بين سلبية صورة "النشال" الذي هو سارق يستحق العقاب والاحتقار الاجتماعي وبين القيمة الإيجابية لمن يناضل في سبيل وطنه، وبالتالي يمكن ببساطة أن يغفر له نهبه الأبرياء والمساكين مقابل عمله من أجل الوطن. يثبت أحمد أمين في "النُّص" مكانته بصفته مبدعا شاملا، وليس مجرد ممثل فقط، ويؤكد رغم اقتصار عمله على الدراما التلفزيونية دون السينما أنه يقف في مقدمة صناع الدراما المشرقة التي تقدم التشويق والإثارة بشكل ناضج لا مراهقة فيه، كما تقدم الترفيه والمعرفة دون مبالغة أو تعقيد. تدور أحداث مسلسل "النُّص" في النصف الأول من القرن الـ20 حينما كان المجتمع المصري منقسما اقتصاديا بين طبقتين واضحتين: الأولى تضم الملك وحاشيته والإنجليز الذين ينعمون بالثراء والسلطة، في حين تتألف الطبقة الثانية من الأغلبية الفقيرة من الشعب المصري التي تكافح من أجل لقمة العيش. عبد العزيز النُّص -وهو نشال تائب- يعمل "كمسري" (محصّل التذاكر) في ترام القاهرة، ويتولى رعاية شقيقه الأصغر الذي يدرس بكلية الحقوق، لكن سرعان ما تتعقد حياته عندما يُقبض على شقيقه بسبب انتمائه إلى تنظيم فدائي سري يقاوم الاحتلال البريطاني. يحاول عبد العزيز بكل الطرق تأمين الإفراج عن أخيه، لكنه يجد أن راتبه من عمله الشريف لا يكفي لتغطية أتعاب المحامي، فيجد نفسه مضطرا للعودة إلى عالم النشل لجمع المال اللازم. ومع عودته إلى مهنته السابقة يعيد عبد العزيز إحياء علاقاته القديمة في عالم الجريمة، لكنه يلتزم بمبدئه الأساسي: عدم سرقة الفقراء، وخلال إحدى عملياته يسرق رجلا إنجليزيا ثريا، ليجد نفسه لاحقا في مواجهة غير متوقعة، إذ يستعين به ضابط شرطة وطني في خطة تهدف إلى إحباط عمليات تهريب الآثار المصرية من قبل قوات الاحتلال. وهكذا يتحول عبد العزيز من نشال عادي إلى نشال وطني مستخدما مهاراته لخدمة المقاومة، ويلتحق به آخرون ممن يرغبون في المشاركة في النضال بأسلوبهم الخاص. أحمد وأسماء وحمزة شهد مسلسل "النُّص" مباراة في الأداء التمثيلي كان طرفاها أحمد أمين بطل العمل والممثل ذو الألف وجه حمزة العيلي الذي جسّد دور "درويش" صاحب الطموحات الفنية بلا قدرات، والذي يعمل على هامش الفن في مخزن ملابس أحد المسارح، لكنه يرى أن مكانه هو خشبة المسرح، في حين لا يستطيع أن يتحدث بشكل سليم. يشكل "درويش" أو حمزة العيلي تلك المفارقة الأبدية بين الأحلام والقدرات التي تؤدي بصاحبها إلى أن يتحول إلى مسخ في أنظار الآخرين، وقد نجح حمزة دون افتعال في إتقان تقديم الشخصية في حالاتها المختلفة بشكل آسر ومفجع. وعلى العكس، قدمت أسماء أبو اليزيد دور رسمية المحتالة الجميلة، لتبدو بين أجواء العمل كما لو كانت قادمة من المستقبل، فقد أكد إيقاع حديثها وأدائها وحركتها أنها تنتمي إلى اللحظة الحالية، ويبدو غياب دور المخرج معها واضحا. إعلان وقدّم الممثل عبد الرحمن محمد دور "زقزوق" ابن زوجة "النص" ورفيقه في رحلة النهب والوطنية بشكل مميز، ويعد بكوميديان جيد في المستقبل. الانسحاب إلى الماضي لطالما اتبعت الدراما المصرية نهج "الموجات"، إذ يؤدي نجاح عمل معين إلى ظهور مجموعة من الأعمال المشابهة في المواسم اللاحقة، فعندما يحقق مسلسل تاريخي نجاحا تمتلئ الشاشات في رمضان التالي بعدد من المسلسلات التي تسير على النهج ذاته. ومن أبرز هذه الظواهر "موجة دراما الطرابيش" التي اجتاحت الدراما المصرية في العقد الأول من القرن الـ20، تماما كما يحدث في السينما، إذ تتحول الاهتمامات الإنتاجية بين مواضيع مختلفة، من أفلام تجارة المخدرات إلى أفلام المغامرات بحسب النجاح الذي يحققه كل نوع. وفي هذا السياق، جاء مسلسل "عمر أفندي" من تأليف مصطفى حمدي وبطولة أحمد حاتم ورانيا يوسف وآية سماحة ومصطفى أبو سريع، وإخراج عبد الرحمن أبو غزالة، ليعيد إحياء روح "دراما الطرابيش" لكن بأسلوب مختلف. فبينما كانت هذه الدراما في السابق تدور حول قصور الباشوات ونواديهم الفاخرة اختار "عمر أفندي" أن ينقل الأحداث إلى عالم البسطاء، مقدما رؤية أكثر التصاقا بالحياة اليومية لعامة المصريين، وهو ما ساعده في تحقيق نجاح كبير عند عرضه في سبتمبر/أيلول الماضي. أما مسلسل "النُّص" فقد اتخذ طريقا أكثر عمقا في تصوير المجتمع المصري، إذ لم يكتفِ بتقديم أماكن وبيوت تعكس حياة تلك الفترة، بل أعاد إحياء القاموس اللغوي للثلاثينيات، مما أضفى على العمل طابعا كوميديا خاصا، إذ بدت المصطلحات التي يستخدمها الأبطال وكأنها قطع أثرية لغوية مستخرجة من متحف التاريخ. هذا الاهتمام بالتفاصيل جعل العمل ثريا بصريا ولغويا، وأتاح للمشاهدين فرصة الغوص في أجواء زمن ماضٍ، ربما بدافع الحنين إليه أو للهروب من قسوة الحاضر، خاصة في ظل التحولات الحادة التي شهدها المجتمع المصري منذ الثلاثينيات وحتى الآن. بهذا الشكل، نجح مسلسل "النُّص" -وهو تعبير عامي يشير إلى "النصف"- في حجز مكانه على قمة دراما رمضان، ليس فقط بسبب ارتفاع نسب مشاهدته، بل لأنه قدّم عملا يحترم عقل المشاهد ويمنحه تجربة درامية تتجاوز حدود اللحظة الآنية، في زمن بات أكثر قبحا وتعقيدا، ليصبح بمثابة نافذة على ماضٍ أكثر دفئا وأصالة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store