logo
#

أحدث الأخبار مع #لعباسكياروستامي

«حادث بسيط» في كان: جعفر بناهي يصوّر تعقيد الإنسان ببساطة مذهلة
«حادث بسيط» في كان: جعفر بناهي يصوّر تعقيد الإنسان ببساطة مذهلة

القدس العربي

timeمنذ 3 أيام

  • ترفيه
  • القدس العربي

«حادث بسيط» في كان: جعفر بناهي يصوّر تعقيد الإنسان ببساطة مذهلة

لا يبدأ الحديث عن فيلم الإيراني جعفر بناهي، من دون التصريح بأن العملَ وُلِد كلاسيكياً. من لحظة انتهاء عرضه الأول، بات الفيلم عظيماً. الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، ونال السعفة الذهبية ، والذي أنجزه بناهي بعد خروجه من السجون الإيرانية في 2023، وقد اعتُقل فيها لعام، الفيلم درس إنساني في السينما، ودرس سينمائي في الإنسانية. هو نصٌّ نظري، بصري، في مدى تركيب الموقف الإنساني البسيط وتعقيده، في حالة كالإيرانية، حيث دولة طاغية تحمل مشاعر الضغينة لشعبها وبالتالي الانتقام، من دون أن يعطب ذلك، بالضرورة، الالتفات الإنساني، الغريزي، لدى الناس، لدى شخصيات هذا الفيلم مثلاً. للفيلم مشهدان، افتتاحي وختامي مذهلان. الختامي تحديداً، حيث انفتاحه على ما بعده، ما سينال الشخصيات من بعد إسدال الستار، وكان بدقيقتين أو ثلاث دقائق، جعله من تلك المشاهد التي تعلق لسنوات في الأذهان، والتي ستصير مرجعيةً فتعلق لسنوات أكثر وأكثر، في الأذهان والنصوص. يبدأ الفيلم بحادث بسيط لرجل مع زوجته وطفلته، في سيارته ليلاً، يصدم كلباً، يتركه ويكمل، تقول ابنته إنه قتل الكلب.. لا يكترث الرجل لشيء. لكن الحادث يتسبب بعطل في السيارة فيضطر للجوء إلى مكانٍ لإصلاحها، في الساعات الأولى من الصباح. هناك يعمل رجل سيتعرف على السائق، والأخير رجل أمن إيراني بساق اصطناعية قام بتعذيب إيرانيين بتهمة معارضة النظام، ولا يتأثر، تماماً كما يدهس كلباً ويكمل مسيرَه. تعرّف الرجل إذن إلى صوت الخطوات بساق اصطناعية، فلحق صاحبها وخطفه. حاول دفنه حياً انتقاماً، لكنه تشكك في هويته. ذهب إلى صديق ليتأكد فدلّه على امرأة، مرّا على أكثر من ضحية لهذا الرجل ذي الساق الصدئة، للتأكد. خلالها، ستتصل الطفلة بأبيها فيردّ الخاطف، تبكي بأن أمها ستموت وتستغيث، على أساسها يتصرف الضحايا السابقين، في موقف هو محكٌّ إنساني. الفيلم المتكامل، أقوى نقاطه السيناريو، تلك الحوارات الطويلة المستدركة واحدها للآخر، المتسارعة المتلاحقة، البسيطة العفوية، التي تبني، طبقةً طبقة، قصةً أخلاقية نموذجية، بحساسية كتابيّة نعرفها عن بناهي. هي أحاديث غير عادية للظرف غير العادي. هي أحاديث يرتفع فيها منسوب التوتر، مشهداً مشهداً. الفيلم بذلك نموذجي في كيف تتقدّم القصة وكيف تتطوّر الشخصيات، لا يحتمل أن تُقطَعَ دقيقةَ منه ولا يحتمل أن تُضافَ أخرى. خلال المشاهدة يخطر لأحدنا أن الفيلم عمل إيراني آخر سيوازي في السنوات المقبلة فيلمَ «طعم الكرز» لعباس كياروستامي في مكانته في تاريخ السينما، وفي مكانة المرجعية التي سينالها فيلم بناهي. سيكون انتقالةً في الهوية السينمائية الإيرانية، في قصصها وشخوصها وتصويرها، في واقعية ذلك وبساطته المركّبة. الفيلم، بعمليات تصويره، تكريس للصورة الإيرانية، تلك الواقعية الأخلاقية، مع نقل لها إلى مستوى آخر. العظمة في القصة الإنسانية لا تكون في الابتكار، بل في تكرار مبتكَر. الفيلم الذي يحكي عن سؤال انتقام الضحية، عن الكارما التي لا تترك ظالماً بحاله، عن إدراك الطفولة البديهي بأنه «قتلَ الكلب»، وتَقابلُ ذلك مع التردد المرتبك للضحايا في التصرّف تشبّهاً بمعذّبهم، الذي، للمناسبة، عُرفت هويته من خلال ساقه التي، للمناسبة أيضا، كانت لفقدانه ساقه في الحرب «من أجل المرشد» كما قال. في سوريا، هذه كارما أخرى لضحايا آخرين. وليست الإشارة المباشرة لمسرحية الأيرلندي صمويل بيكيت «في انتظار غودو» عبثيةً هنا، وإن كان المغزى منها عبثياً في جدوى انتظار العقاب، عقاب الضحية لمعذبها. عقابٌ النقاشُ المرتبك حولها، لإنسانيته، قد يحوّله إلى غودو (المهدي؟) المنتظَر وغير الآتي، غير الموجود، فيمحو العبثُ الرغبةَ بوجوده. تمحو الحواراتُ، في الفيلم والمسرحية من قبله، المعنى والجدوى. الفرد هنا، لا الخرافة، هو معنى الإنسانية وجدواها، وهو هنا ضحية في محك إنسانيتها، في إغواء انتقامها. الحادث في «حادث بسيط» (Un simple accident) ليس بسيطاً كما نرى، هو تتابع لحوادث سابقة وأخرى لاحقة محتملة. للحادث البسيط أثر الفراشة. لحظة واحدة، إدراك صوت الساق الصدئة، حملَ حادثاً بسيطاً كان دهساً لكلب يمرّ عنه الرجل، كما مرّ عن حوادث كانت له بسيطة. تعذيب وقتل، في إيران وسوريا.. هي حوادث بسيطة ستتعثر ببعضها لشدتها وكثرتها، وبصدفة كارميّة أو عبثية أو إلهية فلكل منّا تفسيره، الأكيد أنها بحنكة درامية قبل أن تكون صدفة، في البناء على تاريخ يسبق المشهد الأول، وأحداث «بسيطة» لا تنتهي تلحقه، بذلك كله كان الفيلم، وهو علامة فارقة في مسيرة جعفر بناهي السينمائية وفي التاريخ السينمائي لبلاده، كان الفيلم حقاً درساً في الإنسانية، شديد البساطة في تركيبه، وشديد التركيب في بساطته. كاتب فلسطيني سوري

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store