logo
#

أحدث الأخبار مع #للمعهدالوطنيلعلومالآثاروالتراث

حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام
حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

لكم

time٠٧-٠٤-٢٠٢٥

  • علوم
  • لكم

حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

اكتُشفت مؤخرا مستوطنة تعود إلى العصر البرونزي عمرها نحو 4000 عام في شمال المغرب بنواحي تطوان، وتحديدا في منطقة 'كاش كوش' القريبة من نهر 'واد لاو' وهضبة 'كاش كوش'، ما يمثل نقطة تحول جوهرية في فهم تاريخ المغرب الكبير (المَغرِب) وعلاقاته مع الحضارات المحيطة في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويقلب هذا الاكتشاف الجديد النظرة السائدة منذ عقود، والتي كانت تفترض أن المنطقة ظلت شبه خالية من التجمعات البشرية المنظمة قبل وصول الفينيقيين من المشرق حوالي 800 سنة قبل الميلاد. وفقا لما نشره الباحث حمزة بنعطية، أستاذ ما قبل التاريخ في جامعة برشلونة، في مقال له على منصة 'ذا كونفيرسايشن' ، فإن هذا الاكتشاف جاء نتيجة لحفريات جديدة قادها فريق من الباحثين الشباب المغاربة تابعين للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. ويُعد موقع 'كاش كوش' الآن أقدم مستوطنة معروفة من العصر البرونزي في المغرب الكبير، تعود جذورها إلى نحو 2200 سنة قبل الميلاد، ما يجعلها معاصرة لحضارات البحر الأبيض المتوسط الشرقية مثل الميسينيين Mycenaean. رغم أن الموقع كان قد تم التعرف عليه لأول مرة عام 1988 وأجريت به حفريات أولية عام 1992، إلا أن التقديرات الأولية اعتمدت على وجود فخار فينيقي، ما جعل الباحثين حينها يظنون أن الاستيطان لم يبدأ إلا بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد. غير أن الحفريات الأخيرة، والتي أجريت خلال موسمي 2021 و2022، مستعينة بتقنيات متطورة مثل الطائرات المسيّرة ونظام التموضع العالمي التفاضلي (Differential GPS)، والنماذج ثلاثية الأبعاد، كشفت عن حقائق جديدة كليا. حيث تم اتباع بروتوكول دقيق لجمع العينات، مما مكن الباحثين من استخراج بقايا نباتية متحجرة، وفحم نباتي، واستخدام تقنيات التأريخ بالكربون المشع لتحديد أزمنة التواجد البشري بدقة. وتشير النتائج إلى أن الموقع عرف ثلاث فترات سكنية رئيسية، أولاها تمتد من حوالي 2200 إلى 2000 قبل الميلاد، لكنها كانت قصيرة ومحدودة، إذ لم يُعثر إلا على ثلاث شظايا فخارية غير مزخرفة، ورقاقة صوان، وعظمة بقرة. السبب في ندرة اللقى قد يعود لعوامل التعرية الطبيعية أو إلى طبيعة الاستيطان المؤقت. ثم جاءت المرحلة الأهم والتي بدأت حوالي 1300 قبل الميلاد، حيث استقر السكان بشكل دائم. وكان عددهم لا يتجاوز المئة نسمة، وقد بنوا مساكن دائرية من الخشب والقصب والطين، ونقبوا صوامع في الصخور لتخزين محاصيلهم الزراعية. أظهرت تحليلات العينات أن السكان زرعوا القمح والشعير والبقوليات، وربّوا الماشية من أبقار وأغنام وماعز وخنازير. كما استخدموا أدوات حجرية لطحن الحبوب، وقطع صوانية، وفخار مزخرف يدويا. وفي مفاجأة أثارت اهتمام الأوساط الأكاديمية، وُثّق أقدم قطعة معدنية برونزية معروفة في شمال أفريقيا (باستثناء مصر)، وهي قطعة قد تكون ناتجة عن إزالة فائض المعدن بعد عملية صبّ في قالب. ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وبالتزامن مع فترة بداية الاستقرار الفينيقي في مواقع قريبة مثل 'ليكسوس'، استمرت الحياة في 'كاش كوش' بنفس النمط السابق، مع دخول عناصر ثقافية جديدة نتيجة التواصل مع الفينيقيين. فقد بدأ بناء منازل مربعة الشكل بجانب المساكن الدائرية التقليدية، باستخدام مزيج من الحجر والطين والخشب، كما ظهرت محاصيل جديدة مثل العنب والزيتون، واُستخدمت أدوات حديدية. كما عُثر على فخار عجيني مصنوع بالعجلة، مثل الأمفورات (Amphorae) والأطباق، وهي كلها من الطراز الفينيقي. وتم التخلي عن الموقع تدريجيا بحلول سنة 600 قبل الميلاد دون دلائل على حدوث عنف، ما يشير إلى انتقال سلمي للسكان نحو مستوطنات مجاورة، ربما نتيجة تحولات اجتماعية واقتصادية. ولا تزال هوية هؤلاء السكان غامضة من حيث التنظيم السياسي أو القبلي، إذ لا توجد مؤشرات واضحة على وجود هرم اجتماعي صارم. لكن يُعتقد أنهم كانوا يعيشون ضمن وحدات عائلية، وربما تحدثوا لغة قريبة من الأمازيغية الحالية، والتي لم تُكتب إلا بعد إدخال الأبجدية الفينيقية. ويقترح الباحثون أن سكان 'كاش كوش' هم على الأرجح أسلاف الموريتانيين الأوائل الذين سكنوا شمال غرب أفريقيا في العصور اللاحقة. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يعيد موضعة شمال أفريقيا داخل خارطة التاريخ المتوسطي القديم. فالاكتشاف يدحض الروايات التقليدية، والتي غالبا ما تأثرت بالمنظور الاستعماري، والتي كانت تُصوّر المغرب الكبير كأرض 'فارغة' أو 'بدائية' إلى أن جاءت 'الحضارة' من الخارج. وتشير أدلة 'كاش كوش' إلى وجود تواصل قديم بين المنطقة ومحيطها المتوسطي والأطلسي، وحتى مع المناطق الصحراوية جنوبا. يرى بنعطية أن هذا الحدث يمثل لحظة فاصلة في البحث الأثري، وفرصة لإعادة كتابة تاريخ شمال أفريقيا، ومنح المنطقة المكانة التاريخية التي لطالما استحقّتها. يدعو هذا الاكتشاف إلى مراجعة شاملة للفرضيات القديمة، وفتح المجال لأبحاث أعمق حول العلاقات الثقافية والتجارية بين ضفتي البحر المتوسط خلال عصور ما قبل التاريخ. بحسب ما جاء في المقال المنشور عبر 'ذا كونفيرسايشن'، فإن هذه النتائج تأتي لتكمل سلسلة من الاكتشافات الحديثة التي أظهرت أن شمال غرب أفريقيا لم يكن معزولا كما افترضت السرديات السابقة، بل كان فاعلا ومشاركا في شبكات التبادل والثقافة منذ آلاف السنين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store