logo
حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

لكم٠٧-٠٤-٢٠٢٥

اكتُشفت مؤخرا مستوطنة تعود إلى العصر البرونزي عمرها نحو 4000 عام في شمال المغرب بنواحي تطوان، وتحديدا في منطقة 'كاش كوش' القريبة من نهر 'واد لاو' وهضبة 'كاش كوش'، ما يمثل نقطة تحول جوهرية في فهم تاريخ المغرب الكبير (المَغرِب) وعلاقاته مع الحضارات المحيطة في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويقلب هذا الاكتشاف الجديد النظرة السائدة منذ عقود، والتي كانت تفترض أن المنطقة ظلت شبه خالية من التجمعات البشرية المنظمة قبل وصول الفينيقيين من المشرق حوالي 800 سنة قبل الميلاد.
وفقا لما نشره الباحث حمزة بنعطية، أستاذ ما قبل التاريخ في جامعة برشلونة، في مقال له على منصة 'ذا كونفيرسايشن' ، فإن هذا الاكتشاف جاء نتيجة لحفريات جديدة قادها فريق من الباحثين الشباب المغاربة تابعين للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. ويُعد موقع 'كاش كوش' الآن أقدم مستوطنة معروفة من العصر البرونزي في المغرب الكبير، تعود جذورها إلى نحو 2200 سنة قبل الميلاد، ما يجعلها معاصرة لحضارات البحر الأبيض المتوسط الشرقية مثل الميسينيين Mycenaean.
رغم أن الموقع كان قد تم التعرف عليه لأول مرة عام 1988 وأجريت به حفريات أولية عام 1992، إلا أن التقديرات الأولية اعتمدت على وجود فخار فينيقي، ما جعل الباحثين حينها يظنون أن الاستيطان لم يبدأ إلا بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد. غير أن الحفريات الأخيرة، والتي أجريت خلال موسمي 2021 و2022، مستعينة بتقنيات متطورة مثل الطائرات المسيّرة ونظام التموضع العالمي التفاضلي (Differential GPS)، والنماذج ثلاثية الأبعاد، كشفت عن حقائق جديدة كليا. حيث تم اتباع بروتوكول دقيق لجمع العينات، مما مكن الباحثين من استخراج بقايا نباتية متحجرة، وفحم نباتي، واستخدام تقنيات التأريخ بالكربون المشع لتحديد أزمنة التواجد البشري بدقة.
وتشير النتائج إلى أن الموقع عرف ثلاث فترات سكنية رئيسية، أولاها تمتد من حوالي 2200 إلى 2000 قبل الميلاد، لكنها كانت قصيرة ومحدودة، إذ لم يُعثر إلا على ثلاث شظايا فخارية غير مزخرفة، ورقاقة صوان، وعظمة بقرة. السبب في ندرة اللقى قد يعود لعوامل التعرية الطبيعية أو إلى طبيعة الاستيطان المؤقت. ثم جاءت المرحلة الأهم والتي بدأت حوالي 1300 قبل الميلاد، حيث استقر السكان بشكل دائم. وكان عددهم لا يتجاوز المئة نسمة، وقد بنوا مساكن دائرية من الخشب والقصب والطين، ونقبوا صوامع في الصخور لتخزين محاصيلهم الزراعية.
أظهرت تحليلات العينات أن السكان زرعوا القمح والشعير والبقوليات، وربّوا الماشية من أبقار وأغنام وماعز وخنازير. كما استخدموا أدوات حجرية لطحن الحبوب، وقطع صوانية، وفخار مزخرف يدويا. وفي مفاجأة أثارت اهتمام الأوساط الأكاديمية، وُثّق أقدم قطعة معدنية برونزية معروفة في شمال أفريقيا (باستثناء مصر)، وهي قطعة قد تكون ناتجة عن إزالة فائض المعدن بعد عملية صبّ في قالب.
ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وبالتزامن مع فترة بداية الاستقرار الفينيقي في مواقع قريبة مثل 'ليكسوس'، استمرت الحياة في 'كاش كوش' بنفس النمط السابق، مع دخول عناصر ثقافية جديدة نتيجة التواصل مع الفينيقيين. فقد بدأ بناء منازل مربعة الشكل بجانب المساكن الدائرية التقليدية، باستخدام مزيج من الحجر والطين والخشب، كما ظهرت محاصيل جديدة مثل العنب والزيتون، واُستخدمت أدوات حديدية. كما عُثر على فخار عجيني مصنوع بالعجلة، مثل الأمفورات (Amphorae) والأطباق، وهي كلها من الطراز الفينيقي.
وتم التخلي عن الموقع تدريجيا بحلول سنة 600 قبل الميلاد دون دلائل على حدوث عنف، ما يشير إلى انتقال سلمي للسكان نحو مستوطنات مجاورة، ربما نتيجة تحولات اجتماعية واقتصادية.
ولا تزال هوية هؤلاء السكان غامضة من حيث التنظيم السياسي أو القبلي، إذ لا توجد مؤشرات واضحة على وجود هرم اجتماعي صارم. لكن يُعتقد أنهم كانوا يعيشون ضمن وحدات عائلية، وربما تحدثوا لغة قريبة من الأمازيغية الحالية، والتي لم تُكتب إلا بعد إدخال الأبجدية الفينيقية. ويقترح الباحثون أن سكان 'كاش كوش' هم على الأرجح أسلاف الموريتانيين الأوائل الذين سكنوا شمال غرب أفريقيا في العصور اللاحقة.
وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يعيد موضعة شمال أفريقيا داخل خارطة التاريخ المتوسطي القديم. فالاكتشاف يدحض الروايات التقليدية، والتي غالبا ما تأثرت بالمنظور الاستعماري، والتي كانت تُصوّر المغرب الكبير كأرض 'فارغة' أو 'بدائية' إلى أن جاءت 'الحضارة' من الخارج. وتشير أدلة 'كاش كوش' إلى وجود تواصل قديم بين المنطقة ومحيطها المتوسطي والأطلسي، وحتى مع المناطق الصحراوية جنوبا.
يرى بنعطية أن هذا الحدث يمثل لحظة فاصلة في البحث الأثري، وفرصة لإعادة كتابة تاريخ شمال أفريقيا، ومنح المنطقة المكانة التاريخية التي لطالما استحقّتها. يدعو هذا الاكتشاف إلى مراجعة شاملة للفرضيات القديمة، وفتح المجال لأبحاث أعمق حول العلاقات الثقافية والتجارية بين ضفتي البحر المتوسط خلال عصور ما قبل التاريخ.
بحسب ما جاء في المقال المنشور عبر 'ذا كونفيرسايشن'، فإن هذه النتائج تأتي لتكمل سلسلة من الاكتشافات الحديثة التي أظهرت أن شمال غرب أفريقيا لم يكن معزولا كما افترضت السرديات السابقة، بل كان فاعلا ومشاركا في شبكات التبادل والثقافة منذ آلاف السنين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ
مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ

يا بلادي

timeمنذ 5 أيام

  • يا بلادي

مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ

كشف علماء الآثار عن مقابر قديمة وفنون صخرية وأحجار قائمة في شبه جزيرة طنجة، أقصى شمال غرب المغرب، تعود إلى الفترة الممتدة بين 3000 و500 قبل الميلاد. وتتضمن هذه الاكتشافات ثلاثة مقابر لم تكن موثقة من قبل، وحجرين قائمين، بالإضافة إلى ما وصفه الباحثون بأنه أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كيست" في شمال غرب إفريقيا. نُشرت هذه النتائج في 13 مايو ضمن مقالة صدرت عن Springer Nature ، من إعداد حمزة بن عطية (جامعة برشلونة)، وخورخي أونروبيا-بينتادو (جامعة كاستيا لا مانتشا)، ويوسف بوكبوت (المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث). وقد جاءت هذه الاكتشافات ثمرة لمسوح ميدانية وحفريات واسعة، مسلطة الضوء على تقاليد جنائزية ومناظر طقوسية ما قبل التاريخ، ومبيّنة كيف شكّلت المنطقة خلال الفترة بين 3000 و500 قبل الميلاد «فسيفساء غنية من التقاليد الجنائزية والممارسات الطقوسية والمواقع الرمزية والفنون الصخرية والمعالم المغليثية الفريدة». تكشف المواقع الجنائزية الثلاثة — داروة زيدان، أولاد زين وواد كسيار — عن خصائص متمايزة لكل منها. يتكوّن موقع داروة زيدان من قبر واحد من نوع "كست"، بينما يضم موقع أولاد زين تلة جنائزية (تلة دفن) وثلاثة قبور على الأقل موزعة على هضبتين متجاورتين. أما موقع واد كسيار، فهو الأكبر، إذ يحتوي على تلّتين جنائزيّتين وثلاث (وربما أربع) مجموعات من القبور موزعة على خمس تلال تطل على نهر واد كسيار. ورغم الدلائل على تعرض بعض المواقع للنهب — كتحريك الألواح وإلحاق الضرر بالقبور — فإن العديد من القبور احتفظ بهيكلها الأصلي. وتشير السمات المعمارية، مثل الأشكال شبه المنحرفة وتراكم الحجارة الخارجية، إلى طابع ما قبل التاريخ المتأخر. وللحد من خطر النهب، ركز الباحثون أعمال الحفر في الموقع الأكثر خفاءً، وهو داروة زيدان. أول تأريخ بالكربون المشع لقبر "كست" في شمال غرب إفريقيا في داروة زيدان، عثر علماء الآثار على قبر شبه منحرف من نوع "كست"، مشيَّد من أربع ألواح حجرية رملية موضوعة عموديًا ولوح تغطية كبير. إلى الشرق من هذا البناء، عُثر على حفرة هلالية الشكل مليئة بالحجارة، يُحتمل أنها كانت تُستخدم كممر دخول. ورغم أن القبر نفسه كان خاليًا، إلا أن بقايا عظام بشرية متناثرة في محيطه دلّت على تعرضه للنهب. وقد تم تأريخ عظمة فخذ مستردة بالكربون المشع بين عامي 2119 و1890 قبل الميلاد، مما يرجح أن عملية الدفن تعود إلى العصر البرونزي المبكر. ويمثل هذا أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كست" في شمال غرب إفريقيا. كما أظهرت التحليلات النظيرية للعظمة أن النظام الغذائي لصاحبها كان يعتمد أساسًا على موارد أرضية، تشمل البروتينات الحيوانية ونباتات C3، مع اعتماد ضئيل على الأغذية البحرية. أحجار قائمة وأنشطة طقسية تضاف إلى هذه الأدلة اكتشاف حجرين قائمين حديثًا. الأول، يتجاوز طوله 2.5 متر، وُجد في ممر يربط بين سهل تهدرت وجبل موسى. أما الثاني، الأصغر والمكسور، فعُثر عليه على طريق داخلي بين تهدرت وتطوان، متفاديًا المناطق الساحلية المعرضة للفيضانات. ويُرجّح أن هذه الأحجار كانت تُستخدم كنقاط مرجعية أو علامات طقسية، ضمن شبكة أوسع من المعالم المغليثية. وثّق الفريق أيضًا اثني عشر ملجأً صخريًا مزينًا برسوم محفورة. تضمنت هذه الرسوم أشكالًا هندسية مثل المربعات والنقاط والخطوط المتموجة، إلى جانب أشكال بشرية قد تمثل آلهة أو رموزًا إنسانية. واحتوى بعض هذه الملاجئ على «كؤوس» — وهي نقوش دائرية صغيرة غالبًا ما تأتي مرتبة في دوائر أو خطوط متوازية. ومن أبرز هذه الرسوم نقش يتألف من ثمانية مثلثات متقابلة ومكدسة عموديًا، يُعرف محليًا باسم «ثنائي المثلثات»، وقد سُجّل سابقًا في سياقات إيبيرية حيث يُفسَّر غالبًا كرمز أنثوي. كما تضمّن الفن الصخري نقوشًا أخرى من مربعات مملوءة بالنقاط والخطوط، وهي أنماط تذكر بالفن الصخري الموجود في الصحراء الكبرى، ما يعزز الصورة الشاملة لمنطقة غنية بالتعبير الرمزي والتقاليد الجنائزية.

حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام
حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

لكم

time٠٧-٠٤-٢٠٢٥

  • لكم

حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

اكتُشفت مؤخرا مستوطنة تعود إلى العصر البرونزي عمرها نحو 4000 عام في شمال المغرب بنواحي تطوان، وتحديدا في منطقة 'كاش كوش' القريبة من نهر 'واد لاو' وهضبة 'كاش كوش'، ما يمثل نقطة تحول جوهرية في فهم تاريخ المغرب الكبير (المَغرِب) وعلاقاته مع الحضارات المحيطة في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويقلب هذا الاكتشاف الجديد النظرة السائدة منذ عقود، والتي كانت تفترض أن المنطقة ظلت شبه خالية من التجمعات البشرية المنظمة قبل وصول الفينيقيين من المشرق حوالي 800 سنة قبل الميلاد. وفقا لما نشره الباحث حمزة بنعطية، أستاذ ما قبل التاريخ في جامعة برشلونة، في مقال له على منصة 'ذا كونفيرسايشن' ، فإن هذا الاكتشاف جاء نتيجة لحفريات جديدة قادها فريق من الباحثين الشباب المغاربة تابعين للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. ويُعد موقع 'كاش كوش' الآن أقدم مستوطنة معروفة من العصر البرونزي في المغرب الكبير، تعود جذورها إلى نحو 2200 سنة قبل الميلاد، ما يجعلها معاصرة لحضارات البحر الأبيض المتوسط الشرقية مثل الميسينيين Mycenaean. رغم أن الموقع كان قد تم التعرف عليه لأول مرة عام 1988 وأجريت به حفريات أولية عام 1992، إلا أن التقديرات الأولية اعتمدت على وجود فخار فينيقي، ما جعل الباحثين حينها يظنون أن الاستيطان لم يبدأ إلا بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد. غير أن الحفريات الأخيرة، والتي أجريت خلال موسمي 2021 و2022، مستعينة بتقنيات متطورة مثل الطائرات المسيّرة ونظام التموضع العالمي التفاضلي (Differential GPS)، والنماذج ثلاثية الأبعاد، كشفت عن حقائق جديدة كليا. حيث تم اتباع بروتوكول دقيق لجمع العينات، مما مكن الباحثين من استخراج بقايا نباتية متحجرة، وفحم نباتي، واستخدام تقنيات التأريخ بالكربون المشع لتحديد أزمنة التواجد البشري بدقة. وتشير النتائج إلى أن الموقع عرف ثلاث فترات سكنية رئيسية، أولاها تمتد من حوالي 2200 إلى 2000 قبل الميلاد، لكنها كانت قصيرة ومحدودة، إذ لم يُعثر إلا على ثلاث شظايا فخارية غير مزخرفة، ورقاقة صوان، وعظمة بقرة. السبب في ندرة اللقى قد يعود لعوامل التعرية الطبيعية أو إلى طبيعة الاستيطان المؤقت. ثم جاءت المرحلة الأهم والتي بدأت حوالي 1300 قبل الميلاد، حيث استقر السكان بشكل دائم. وكان عددهم لا يتجاوز المئة نسمة، وقد بنوا مساكن دائرية من الخشب والقصب والطين، ونقبوا صوامع في الصخور لتخزين محاصيلهم الزراعية. أظهرت تحليلات العينات أن السكان زرعوا القمح والشعير والبقوليات، وربّوا الماشية من أبقار وأغنام وماعز وخنازير. كما استخدموا أدوات حجرية لطحن الحبوب، وقطع صوانية، وفخار مزخرف يدويا. وفي مفاجأة أثارت اهتمام الأوساط الأكاديمية، وُثّق أقدم قطعة معدنية برونزية معروفة في شمال أفريقيا (باستثناء مصر)، وهي قطعة قد تكون ناتجة عن إزالة فائض المعدن بعد عملية صبّ في قالب. ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وبالتزامن مع فترة بداية الاستقرار الفينيقي في مواقع قريبة مثل 'ليكسوس'، استمرت الحياة في 'كاش كوش' بنفس النمط السابق، مع دخول عناصر ثقافية جديدة نتيجة التواصل مع الفينيقيين. فقد بدأ بناء منازل مربعة الشكل بجانب المساكن الدائرية التقليدية، باستخدام مزيج من الحجر والطين والخشب، كما ظهرت محاصيل جديدة مثل العنب والزيتون، واُستخدمت أدوات حديدية. كما عُثر على فخار عجيني مصنوع بالعجلة، مثل الأمفورات (Amphorae) والأطباق، وهي كلها من الطراز الفينيقي. وتم التخلي عن الموقع تدريجيا بحلول سنة 600 قبل الميلاد دون دلائل على حدوث عنف، ما يشير إلى انتقال سلمي للسكان نحو مستوطنات مجاورة، ربما نتيجة تحولات اجتماعية واقتصادية. ولا تزال هوية هؤلاء السكان غامضة من حيث التنظيم السياسي أو القبلي، إذ لا توجد مؤشرات واضحة على وجود هرم اجتماعي صارم. لكن يُعتقد أنهم كانوا يعيشون ضمن وحدات عائلية، وربما تحدثوا لغة قريبة من الأمازيغية الحالية، والتي لم تُكتب إلا بعد إدخال الأبجدية الفينيقية. ويقترح الباحثون أن سكان 'كاش كوش' هم على الأرجح أسلاف الموريتانيين الأوائل الذين سكنوا شمال غرب أفريقيا في العصور اللاحقة. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يعيد موضعة شمال أفريقيا داخل خارطة التاريخ المتوسطي القديم. فالاكتشاف يدحض الروايات التقليدية، والتي غالبا ما تأثرت بالمنظور الاستعماري، والتي كانت تُصوّر المغرب الكبير كأرض 'فارغة' أو 'بدائية' إلى أن جاءت 'الحضارة' من الخارج. وتشير أدلة 'كاش كوش' إلى وجود تواصل قديم بين المنطقة ومحيطها المتوسطي والأطلسي، وحتى مع المناطق الصحراوية جنوبا. يرى بنعطية أن هذا الحدث يمثل لحظة فاصلة في البحث الأثري، وفرصة لإعادة كتابة تاريخ شمال أفريقيا، ومنح المنطقة المكانة التاريخية التي لطالما استحقّتها. يدعو هذا الاكتشاف إلى مراجعة شاملة للفرضيات القديمة، وفتح المجال لأبحاث أعمق حول العلاقات الثقافية والتجارية بين ضفتي البحر المتوسط خلال عصور ما قبل التاريخ. بحسب ما جاء في المقال المنشور عبر 'ذا كونفيرسايشن'، فإن هذه النتائج تأتي لتكمل سلسلة من الاكتشافات الحديثة التي أظهرت أن شمال غرب أفريقيا لم يكن معزولا كما افترضت السرديات السابقة، بل كان فاعلا ومشاركا في شبكات التبادل والثقافة منذ آلاف السنين.

أنظار العالم تتجه نحو المغرب.. اكتشاف قرية ما قبل التاريخ ضواحي تطوان
أنظار العالم تتجه نحو المغرب.. اكتشاف قرية ما قبل التاريخ ضواحي تطوان

تليكسبريس

time١٩-٠٢-٢٠٢٥

  • تليكسبريس

أنظار العالم تتجه نحو المغرب.. اكتشاف قرية ما قبل التاريخ ضواحي تطوان

تمكن فريق بحث أثري يشرف عليه عالم الآثار المغربي يوسف بوكبوط، الأستاذ بالمعهد المغربي لعلوم الآثار والتراث، من اكتشاف أول قرية ما قبل تاريخية من العصر البرونزي في المغرب الكبير قبل وصول الفينيقيين، ومن المنتظر أن يخلق هذا الاكتشاف العلمي غير المسبوق، المنشور في المجلة العلمية الإنجليزية العالمية 'Antiquity' ثورة في المعطيات العلمية المتعلقة بتاريخ المغرب وشمال إفريقيا. ذلك انه وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن المجتمعات الأمازيغية القديمة بشمال إفريقيا لم تكن متطورة كثيرا قبل وصول التجار الفينيقيين المشارقة، فإن هذا البحث كشف عن وجود مجتمعات محلية نشيطة تمارس الزراعة وتربية الماشية ولها علاقات تجارية وتلاقحات ثقافية بمجتمعات حوض البحر الأبيض المتوسط والصحراء الكبرى. وأشارت المجلة إلى أن هذا الاكتشاف سيغير النظرة السائدة عن المستوى الحضاري للسكان المحليين لشمال إفريقيا ومدى مساهمتهم في بناء الحضارة وانتشارها، ومدى انفتاحهم على كل ما يدور في محيطهم الإقليمي والقاري، وذلك في الفترات المتأخرة لما قبل التاريخ، وتحديدا خلال فترة استعمال معدني النحاس والبرونز، والتي تؤرخ بـ4400 إلى 2900 سنة مضت، وسيبرز هذا الاكتشاف المزيد من المعطيات التي همشت في السابق، والتي من شأنها أن تعيد كتابة التاريخ المغاربي انطلاقا من الداخل، وليس عبر نظارات أجنبية. وتتناول المقالة الاكتشافات التي تمت في موقع 'كاش كوش' ظهر المودن (وادي لاو) والتي تشهد على الاستيطان البشري بين 2200 و600 قبل الميلاد، وتقع قرية كاش كوش على نتوء صخري ، وتحتل موقعا استراتيجيا بالقرب من مضيق جبل طارق، وكان من شأن هذا المكان أن يسمح لسكان المنطقة بالسيطرة على ممر بين البحر الأبيض المتوسط وجبال الريف، وبالتالي تسهيل التبادل التجاري والثقافي مع المناطق الأخرى. وقد أتاحت الحفريات تحديد ثلاث مراحل من الاستيطان البشري، وهي المرحلة الأولى 2200-2000 قبل الميلاد، وتتوافق هذه المرحلة مع المرحلة الانتقالية بين العصر النحاسي والعصر البرونزي، إذ تم العثور على بقايا قليلة، مما يشير إلى استيطان محدود، وتشمل الأشياء النادرة التي تم اكتشافها شظايا فخارية وأحجار الصوان وعظام الماشية. أما المرحلة الثانية التي تتعلق بالفترة 1300-900 قبل الميلاد، وخلال هذه الفترة أصبح الموقع قرية زراعية مستقرة، مع منازل من الطوب اللبن وحفر محفورة في الصخر لتخزين المنتجات الزراعية، ويعتمد الاقتصاد على الزراعة (القمح والشعير والبقوليات) والثروة الحيوانية (الخنازير والأبقار). وتوجد أيضا روابط مع شبه الجزيرة الأيبيرية ومناطق أخرى في البحر الأبيض المتوسط، كما يتضح من اكتشاف قطعة معدنية برونزية. أما المرحلة الثالثة، فتخص القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وتتزامن هذه المرحلة، التي تتوافق مع الفترة التي يطلق عليها الآن اسم الموريتانية الأولى، مع وصول الفينيقيين إلى المنطقة وتأسيس ليكسوس. وكشفت التحاليل الأثرية النباتية عن وجود القمح والشعير والفاصوليا والحمص، مما يدل على ممارسة الزراعة المتطورة منذ المرحلة الثانية. وخلال المرحلة الثالثة، ظهرت محاصيل جديدة، وخاصة الكروم وأشجار الزيتون، مما يشير إلى التأثير المتوسطي، وكانت تربية الماشية متنوعة أيضًا: حيث كانت الأغنام والماعز هي المسيطرة، ولكن الخنازير والأبقار كانت موجودة أيضًا، وقد تم التعرف على آثار صناعة الجلود والحرف اليدوية الأخرى، مما يدل على وجود مجتمع منظم جيدًا ومكتف ذاتيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store