logo
مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ

مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ

يا بلاديمنذ 4 أيام

كشف علماء الآثار عن مقابر قديمة وفنون صخرية وأحجار قائمة في شبه جزيرة طنجة، أقصى شمال غرب المغرب، تعود إلى الفترة الممتدة بين 3000 و500 قبل الميلاد. وتتضمن هذه الاكتشافات ثلاثة مقابر لم تكن موثقة من قبل، وحجرين قائمين، بالإضافة إلى ما وصفه الباحثون بأنه أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كيست" في شمال غرب إفريقيا.
نُشرت هذه النتائج في 13 مايو ضمن مقالة صدرت عن Springer Nature ، من إعداد حمزة بن عطية (جامعة برشلونة)، وخورخي أونروبيا-بينتادو (جامعة كاستيا لا مانتشا)، ويوسف بوكبوت (المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث). وقد جاءت هذه الاكتشافات ثمرة لمسوح ميدانية وحفريات واسعة، مسلطة الضوء على تقاليد جنائزية ومناظر طقوسية ما قبل التاريخ، ومبيّنة كيف شكّلت المنطقة خلال الفترة بين 3000 و500 قبل الميلاد «فسيفساء غنية من التقاليد الجنائزية والممارسات الطقوسية والمواقع الرمزية والفنون الصخرية والمعالم المغليثية الفريدة».
تكشف المواقع الجنائزية الثلاثة — داروة زيدان، أولاد زين وواد كسيار — عن خصائص متمايزة لكل منها. يتكوّن موقع داروة زيدان من قبر واحد من نوع "كست"، بينما يضم موقع أولاد زين تلة جنائزية (تلة دفن) وثلاثة قبور على الأقل موزعة على هضبتين متجاورتين. أما موقع واد كسيار، فهو الأكبر، إذ يحتوي على تلّتين جنائزيّتين وثلاث (وربما أربع) مجموعات من القبور موزعة على خمس تلال تطل على نهر واد كسيار.
ورغم الدلائل على تعرض بعض المواقع للنهب — كتحريك الألواح وإلحاق الضرر بالقبور — فإن العديد من القبور احتفظ بهيكلها الأصلي. وتشير السمات المعمارية، مثل الأشكال شبه المنحرفة وتراكم الحجارة الخارجية، إلى طابع ما قبل التاريخ المتأخر. وللحد من خطر النهب، ركز الباحثون أعمال الحفر في الموقع الأكثر خفاءً، وهو داروة زيدان.
أول تأريخ بالكربون المشع لقبر "كست" في شمال غرب إفريقيا
في داروة زيدان، عثر علماء الآثار على قبر شبه منحرف من نوع "كست"، مشيَّد من أربع ألواح حجرية رملية موضوعة عموديًا ولوح تغطية كبير. إلى الشرق من هذا البناء، عُثر على حفرة هلالية الشكل مليئة بالحجارة، يُحتمل أنها كانت تُستخدم كممر دخول. ورغم أن القبر نفسه كان خاليًا، إلا أن بقايا عظام بشرية متناثرة في محيطه دلّت على تعرضه للنهب. وقد تم تأريخ عظمة فخذ مستردة بالكربون المشع بين عامي 2119 و1890 قبل الميلاد، مما يرجح أن عملية الدفن تعود إلى العصر البرونزي المبكر. ويمثل هذا أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كست" في شمال غرب إفريقيا.
كما أظهرت التحليلات النظيرية للعظمة أن النظام الغذائي لصاحبها كان يعتمد أساسًا على موارد أرضية، تشمل البروتينات الحيوانية ونباتات C3، مع اعتماد ضئيل على الأغذية البحرية.
أحجار قائمة وأنشطة طقسية
تضاف إلى هذه الأدلة اكتشاف حجرين قائمين حديثًا. الأول، يتجاوز طوله 2.5 متر، وُجد في ممر يربط بين سهل تهدرت وجبل موسى. أما الثاني، الأصغر والمكسور، فعُثر عليه على طريق داخلي بين تهدرت وتطوان، متفاديًا المناطق الساحلية المعرضة للفيضانات. ويُرجّح أن هذه الأحجار كانت تُستخدم كنقاط مرجعية أو علامات طقسية، ضمن شبكة أوسع من المعالم المغليثية.
وثّق الفريق أيضًا اثني عشر ملجأً صخريًا مزينًا برسوم محفورة. تضمنت هذه الرسوم أشكالًا هندسية مثل المربعات والنقاط والخطوط المتموجة، إلى جانب أشكال بشرية قد تمثل آلهة أو رموزًا إنسانية. واحتوى بعض هذه الملاجئ على «كؤوس» — وهي نقوش دائرية صغيرة غالبًا ما تأتي مرتبة في دوائر أو خطوط متوازية.
ومن أبرز هذه الرسوم نقش يتألف من ثمانية مثلثات متقابلة ومكدسة عموديًا، يُعرف محليًا باسم «ثنائي المثلثات»، وقد سُجّل سابقًا في سياقات إيبيرية حيث يُفسَّر غالبًا كرمز أنثوي.
كما تضمّن الفن الصخري نقوشًا أخرى من مربعات مملوءة بالنقاط والخطوط، وهي أنماط تذكر بالفن الصخري الموجود في الصحراء الكبرى، ما يعزز الصورة الشاملة لمنطقة غنية بالتعبير الرمزي والتقاليد الجنائزية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ
مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ

يا بلادي

timeمنذ 4 أيام

  • يا بلادي

مقابر القديمة في طنجة تكشف عن تاريخ غني يعود لما قبل التاريخ

كشف علماء الآثار عن مقابر قديمة وفنون صخرية وأحجار قائمة في شبه جزيرة طنجة، أقصى شمال غرب المغرب، تعود إلى الفترة الممتدة بين 3000 و500 قبل الميلاد. وتتضمن هذه الاكتشافات ثلاثة مقابر لم تكن موثقة من قبل، وحجرين قائمين، بالإضافة إلى ما وصفه الباحثون بأنه أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كيست" في شمال غرب إفريقيا. نُشرت هذه النتائج في 13 مايو ضمن مقالة صدرت عن Springer Nature ، من إعداد حمزة بن عطية (جامعة برشلونة)، وخورخي أونروبيا-بينتادو (جامعة كاستيا لا مانتشا)، ويوسف بوكبوت (المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث). وقد جاءت هذه الاكتشافات ثمرة لمسوح ميدانية وحفريات واسعة، مسلطة الضوء على تقاليد جنائزية ومناظر طقوسية ما قبل التاريخ، ومبيّنة كيف شكّلت المنطقة خلال الفترة بين 3000 و500 قبل الميلاد «فسيفساء غنية من التقاليد الجنائزية والممارسات الطقوسية والمواقع الرمزية والفنون الصخرية والمعالم المغليثية الفريدة». تكشف المواقع الجنائزية الثلاثة — داروة زيدان، أولاد زين وواد كسيار — عن خصائص متمايزة لكل منها. يتكوّن موقع داروة زيدان من قبر واحد من نوع "كست"، بينما يضم موقع أولاد زين تلة جنائزية (تلة دفن) وثلاثة قبور على الأقل موزعة على هضبتين متجاورتين. أما موقع واد كسيار، فهو الأكبر، إذ يحتوي على تلّتين جنائزيّتين وثلاث (وربما أربع) مجموعات من القبور موزعة على خمس تلال تطل على نهر واد كسيار. ورغم الدلائل على تعرض بعض المواقع للنهب — كتحريك الألواح وإلحاق الضرر بالقبور — فإن العديد من القبور احتفظ بهيكلها الأصلي. وتشير السمات المعمارية، مثل الأشكال شبه المنحرفة وتراكم الحجارة الخارجية، إلى طابع ما قبل التاريخ المتأخر. وللحد من خطر النهب، ركز الباحثون أعمال الحفر في الموقع الأكثر خفاءً، وهو داروة زيدان. أول تأريخ بالكربون المشع لقبر "كست" في شمال غرب إفريقيا في داروة زيدان، عثر علماء الآثار على قبر شبه منحرف من نوع "كست"، مشيَّد من أربع ألواح حجرية رملية موضوعة عموديًا ولوح تغطية كبير. إلى الشرق من هذا البناء، عُثر على حفرة هلالية الشكل مليئة بالحجارة، يُحتمل أنها كانت تُستخدم كممر دخول. ورغم أن القبر نفسه كان خاليًا، إلا أن بقايا عظام بشرية متناثرة في محيطه دلّت على تعرضه للنهب. وقد تم تأريخ عظمة فخذ مستردة بالكربون المشع بين عامي 2119 و1890 قبل الميلاد، مما يرجح أن عملية الدفن تعود إلى العصر البرونزي المبكر. ويمثل هذا أول تأريخ بالكربون المشع لقبر من نوع "كست" في شمال غرب إفريقيا. كما أظهرت التحليلات النظيرية للعظمة أن النظام الغذائي لصاحبها كان يعتمد أساسًا على موارد أرضية، تشمل البروتينات الحيوانية ونباتات C3، مع اعتماد ضئيل على الأغذية البحرية. أحجار قائمة وأنشطة طقسية تضاف إلى هذه الأدلة اكتشاف حجرين قائمين حديثًا. الأول، يتجاوز طوله 2.5 متر، وُجد في ممر يربط بين سهل تهدرت وجبل موسى. أما الثاني، الأصغر والمكسور، فعُثر عليه على طريق داخلي بين تهدرت وتطوان، متفاديًا المناطق الساحلية المعرضة للفيضانات. ويُرجّح أن هذه الأحجار كانت تُستخدم كنقاط مرجعية أو علامات طقسية، ضمن شبكة أوسع من المعالم المغليثية. وثّق الفريق أيضًا اثني عشر ملجأً صخريًا مزينًا برسوم محفورة. تضمنت هذه الرسوم أشكالًا هندسية مثل المربعات والنقاط والخطوط المتموجة، إلى جانب أشكال بشرية قد تمثل آلهة أو رموزًا إنسانية. واحتوى بعض هذه الملاجئ على «كؤوس» — وهي نقوش دائرية صغيرة غالبًا ما تأتي مرتبة في دوائر أو خطوط متوازية. ومن أبرز هذه الرسوم نقش يتألف من ثمانية مثلثات متقابلة ومكدسة عموديًا، يُعرف محليًا باسم «ثنائي المثلثات»، وقد سُجّل سابقًا في سياقات إيبيرية حيث يُفسَّر غالبًا كرمز أنثوي. كما تضمّن الفن الصخري نقوشًا أخرى من مربعات مملوءة بالنقاط والخطوط، وهي أنماط تذكر بالفن الصخري الموجود في الصحراء الكبرى، ما يعزز الصورة الشاملة لمنطقة غنية بالتعبير الرمزي والتقاليد الجنائزية.

المعرض الدولي للنشر والكتاب 2025: حسن بوسيتا يقدم قراءة جديدة للتاريخ والسياسة بين المغرب وبلجيكا
المعرض الدولي للنشر والكتاب 2025: حسن بوسيتا يقدم قراءة جديدة للتاريخ والسياسة بين المغرب وبلجيكا

يا بلادي

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • يا بلادي

المعرض الدولي للنشر والكتاب 2025: حسن بوسيتا يقدم قراءة جديدة للتاريخ والسياسة بين المغرب وبلجيكا

DR مدة القراءة: 8' يبدأ كتابك بتتبع التاريخ العريق لبلجيكا والمغرب، وصولا إلى الزمن المعاصر. كيف تعاملت مع توثيق هذه الفترات؟ انطلقت فكرة هذا العمل من تأثيرات متعددة، بدءا من عملي الأكاديمي حول الهجرة المغربية الذي بدأ قبل ثلاثة عقود، في عام 1994، والذي أثمر عن أطروحة دكتوراه تناولت الهجرات المغربية في سياقها المعاصر. بعدها انخرطت في الحياة الاجتماعية والسياسية، وساهمت في العديد من المبادرات المتعلقة بذاكرة الهجرة، أبرزها في عام 2004، عندما ترأست مبادرة "فضاء ذاكرة الهجرة" التي أحيت ذكرى توقيع اتفاقيات العمالة. في عام 2024، شاركت في إحياء الذكرى الستين لهذه الاتفاقيات، التي حملت أبعادا جديدة. بينما سمحت لنا ذكرى عام 2004 بإعادة قراءة التاريخ الاجتماعي لبلجيكا بعد الحرب، قادتنا ذكرى عام 2024 إلى استكشاف الجذور التاريخية للمجتمع المغربي، والتساؤل عن التفاعلات بين بلجيكا والمغرب عبر الزمن. من هنا نشأت فكرة هذا العمل. عند استعراض التاريخ، ندرك أن العلاقات بين البلدين ليست وليدة اللحظة، بل كانت الهجرة العمالية هي الجسر الذي فتح باب التواصل بين مجتمعين قد نعتقد خطأً أنهما لم يلتقيا قط. هذه الفكرة غير صحيحة تماما. فالمجتمعات تنتمي إلى فضاء جغرافي يعتبر ممرا أطلسيا، حيث تنقل الناس منذ العصور القديمة. في الواقع، أبدأ بتذكير بالاكتشافات الحديثة للبروفيسور بن نصر من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث (INSAP) والبروفيسور هوبلين من معهد ماكس بلانك في لايبزيغ، اللذين وثقا وجود أقدم إنسان عاقل في المغرب منذ 300,000 عام. هذا الإنسان انتشر في جميع أنحاء العالم وأصبح الإنسان الذي نعرفه اليوم. هذا يوضح أن التواصل كان موجودا منذ الأزل. عملي لا يتبنى دور المؤرخ، بل يسعى إلى تقديم رؤية شاملة للتاريخ، مبرزا كيف كانت الذاكرة انتقائية، حيث احتفظنا ببعض الأحداث ونسينا أخرى. في أوروبا، نتذكر أن أسلافنا هم الغال، لكن لا أحد يذكر أن أسلافنا أفارقة وأن لدينا هوية أساسية كرجل أفريقي متنقل. إعادة وضع هذه العناصر التاريخية في منظورها الصحيح، التي تتبناها الذاكرة أحيانا وترفضها أحيانً أخرى، كان أمرا جوهريا بالنسبة لي. لدينا آثار للنوميديين والممالك الأمازيغية التي كانت جزءا من الجيوش الرومانية لحماية حدود الإمبراطورية الرومانية في مناطق بلجيكا وألمانيا الحالية. كانت التنقلات والاتصالات داخل هذه المساحات قديمة، لكنها لم تكن موضوع بناء ذاكرات. يتعلق الأمر بتوضيح، في 260 صفحة من هذا العمل، أن بلجيكا لديها تاريخ خارج حدودها وكذلك المغرب. يمكننا القيام بنفس التمرين بالنسبة للمغرب وفرنسا، لفرنسا وإسبانيا، لفرنسا والبرتغال، ولعلاقات أخرى. لدينا عدد لا يحصى من التفاعلات التي تم إنشاؤها ويمكننا رسم خريطة لهذه العلاقات. إنها في البداية لقاءات فردية، من علماء وفنانين، ثم لدينا التجار. العلاقات التجارية بين الضفتين هي على الأرجح الأكثر هيكلة تاريخيا، تليها لحظات المواجهة العسكرية. يجب القول إن بلجيكا والمغرب لم يواجهوا بعضهم البعض علنا أبدا، لأن بلجيكا دولة حديثة، ولكنهم كانوا أحيانا حلفاء في مواقف مثل الحملات الصليبية الإسبانية. ثم كانت هناك الهجرات الإنسانية في القرن العشرين. تتناول أيضا مسألة الاستقلالات والفترة ما قبل الاستعمار. هل كانت تلك فترة تحول في العلاقات بين الضفتين، كما تسميها في كتابك، في ضوء احتلال الجزائر من قبل فرنسا؟ أظن أن هذا الكتاب يراهن على المزج بين التاريخ الممتد واللحظات الزمنية القصيرة. يتوقف عند الزمن الطويل، حيث أخصص فصلا أولا مطولا عن عصور ما قبل التاريخ حتى عام 1830، الذي يمثل لحظة مفصلية مع تأسيس بلجيكا. قبل ذلك، كانت هذه المنطقة موجودة بأشكال وهويات متعددة. كنا تحت حكم النمسا، وتحت حكم إسبانيا، وتحت الهيمنة الفرنسية أو البورغندية. نلاحظ أن القرن التاسع عشر سيكون فترة تسارع شديد الأهمية. الدولة المغربية الأقدم، الإمبراطورية الشريفة، كانت مطمعا لأوروبا والتحدي لها هو الحفاظ على سيادتها وحمايتها. احتلال الجزائر من قبل فرنسا يضع المغرب، وكذلك تونس، أمام تحد كبير. فصل مهم في هذا الكتاب يوضح أنه منذ عام 1838، بدأت بلجيكا علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب. سرعان ما ستنشأ مصالح بلجيكية في المغرب، خاصة من قبل ليوبولد الثاني، المعروف على المستوى الدولي بأنه من استعمر الكونغو، أولا بصفته الشخصية، ثم باسم الدولة البلجيكية. أصبح الكونغو البلجيكي ملكه في عام 1885، بعد مؤتمر برلين الذي نظم تقسيم الأراضي الأفريقية. لكن ليوبولد الثاني لم يكن ملكا لبلجيكا بعد، كان دوق برابانت وولي العهد، ولكنه كان بالفعل في المغرب. في عام 1862، قام بزيارته الأولى، قبل 25 عاما من مؤتمر برلين. كان يأتي بشكل منتظم جدا محاولا تطوير مشروع. كانت فكرته هي إنشاء مركز تجاري وتطوير وجود بلجيكي، كما حاول في مصر وفي مناطق أخرى من العالم، لكنه لم ينجح. ومع ذلك، اكتشف البلجيكيون أن ليوبولد الثاني معروف كمستعمر للكونغو، دون أن يضع قدمه هناك. في المقابل، قضى جزءًا كبيرًا من حياته محاولًا الحصول على شيء في المغرب، دون جدوى. من المفيد تذكير الناس بذلك في النقاش العام، لأن الذاكرة محته تماما. هذا التمرين لاستكشاف تاريخ المغرب وبلجيكا يظهر لنا بشكل خاص أن الدبلوماسية البلجيكية كانت منتشرة في المغرب في القرن التاسع عشر، حتى اللحظة التي تحول فيها مصير المملكة الشريفة تدريجيا نحو الحماية الفرنسية والاستعمار الإسباني، مع مؤتمر الجزيرة الخضراء، وأيضا ما يسمى بالاتفاق الودي بين المملكة المتحدة وفرنسا، الذي أعطى الأسبقية للمملكة المتحدة على مصر وللفرنسة على المغرب. لقد مررنا الآن بفترة 1830-1912، معاهدة فاس التي أنشأت الحماية. بلجيكا ستغير موقفها في المغرب، بعد أن اعتمدت، وفقا للظروف، على مساعدة ألمانيا أو المملكة المتحدة أو فرنسا. ما كان دائما قوتها الدبلوماسية الكبيرة، هو أنها لم تكن دولة مهددة للقوى الأوروبية الكبرى، مما مكنها من التعاون مع شركائها المختلفين. استثمر الدبلوماسيون البلجيكيون في طنجة، المنطقة الدولية، الدار البيضاء، الرباط، أكادير... عندما تسيطر فرنسا على المغرب، سيتعاون الصناعيون والدبلوماسيون البلجيكيون مع التنمية التي ينظمها الحماية. لم تعد بلجيكا تبحث عن مشروع مستقل، بل تندمج في الجهود الفرنسية، لا سيما عند اكتشاف مناجم الفحم في جرادة، أو رواسب المعادن في الريف، والشرق، وتويسيت. ستنشط مشاريع أخرى كبيرة في القطاع الزراعي، وصناعة السكر، بواسطة رواد الأعمال البلجيكيين. لكن يجب أن نعلم أنه في ذلك الوقت، كان البلجيكيون والفرنسيون يأملون بشكل خاص في استغلال النفط. اكتشفوا الموارد، الحديد، النحاس، الفحم، لكن أملهم الكبير لم يتحقق. نحاول تسليط الضوء على هذه الفترة بشهادات لا تزال ممكنة من فترة 1912-1956. ثم ننتقل إلى المغرب المستقل. لتناول الاستقلال، تبرز مواضيع التاريخ الأكثر حداثة، بمنظور سياسي. ثم تظهر شخصيات معاصرة من المجتمع المدني، والمؤسسات، والفاعلين الثنائيين في الحياة العامة وأصوات التعبير الثقافي المتنوعة. هل يعكس ذلك التغيير في العلاقات البلجيكية المغربية الذي يميز عن النظرة الاستعمارية لعصر مضى؟ بالتأكيد، السياق، الهجرات المغربية إلى بلجيكا ستفرض تغييرا في المنظور، لا سيما بعد توقيع اتفاقية عام 1964 التي تنظم وصول العمال. عندما نقرأ تاريخ العلاقات البلجيكية المغربية من الوثائق المنتجة في بلجيكا، نجد شيئا من نوع العلاقة المسيطرة-المسيطر عليها، رؤية استعمارية. كتاب إدموند بيكار هو خاص يعبر عن ذلك، حيث يروي مهمة بلجيكية في زيارة لدى السلطان الحسن الأول في مكناس. يعتبر العمل واحدا من الأعمال الرمزية للنظرة الغربية والبلجيكية في ذلك الوقت تجاه المغرب. إنها نظرة مهينة، متعالية. أشير أيضا إلى إدوارد سعيد، لتوضيح الطريقة التي بنى بها الغرب شرقا متخيلا، مع مسافة وشعور بالتفوق. ستعيد العلاقات في القرن العشرين التوازن للأمور ونحن دائما في إعادة توازن مستمر، والتي تظل معركة اليوم لإنتاج نظرة أكثر هدوءا بين الضفتين، وهذا العمل جزء من ذلك. نعود إلى عصرنا المعاصر. تظهر شخصيات جديدة في العلاقات البلجيكية المغربية، تتناول العلاقات الاقتصادية والقفزة الجديدة التي شهدتها بين المغرب وبلجيكا... في الفصل الأخير، نرى بوضوح ديناميكية جديدة، رهانات جديدة، احترافية، تزايد في المهارات من كلا الجانبين، نضج المشاريع، تقنية أكبر، حجم الاستثمارات. هذا التقدم لا يمكن أن يحدث إلا عندما ننظر إلى جميع المعارك التي كان يجب خوضها لفتح الأبواب، كما أوضح في الفصل الرابع. جيل سابق من النقابيين، الأشخاص الذين قاتلوا على الأرض الجمعوية لتطوير حقوق الجنسية، التشريعات المضادة للتمييز، حقوق العمال... كل هذه المجالات سمحت لأجيال جديدة بحمل المشاريع إلى أبعد من ذلك. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا إلا أن نلاحظ أنه نظرا لحجم الهجرة المغربية إلى بلجيكا، فإن العلاقات الاقتصادية البلجيكية المغربية لا تزال عند مستوى منخفض جدًا مقارنة بما ينبغي أن تكون عليه. ربما هذا ما سيحدث في الفصل السادس، إذا كان يجب أن يكون هناك واحد، بعد 20 عاما.

حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام
حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

لكم

time٠٧-٠٤-٢٠٢٥

  • لكم

حفريات تكشف عن أقدم استقرار بشري بشمال المغرب.. 'مستوطنة برونزية' تُوثق حياة متكاملة قبل 4000 عام

اكتُشفت مؤخرا مستوطنة تعود إلى العصر البرونزي عمرها نحو 4000 عام في شمال المغرب بنواحي تطوان، وتحديدا في منطقة 'كاش كوش' القريبة من نهر 'واد لاو' وهضبة 'كاش كوش'، ما يمثل نقطة تحول جوهرية في فهم تاريخ المغرب الكبير (المَغرِب) وعلاقاته مع الحضارات المحيطة في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويقلب هذا الاكتشاف الجديد النظرة السائدة منذ عقود، والتي كانت تفترض أن المنطقة ظلت شبه خالية من التجمعات البشرية المنظمة قبل وصول الفينيقيين من المشرق حوالي 800 سنة قبل الميلاد. وفقا لما نشره الباحث حمزة بنعطية، أستاذ ما قبل التاريخ في جامعة برشلونة، في مقال له على منصة 'ذا كونفيرسايشن' ، فإن هذا الاكتشاف جاء نتيجة لحفريات جديدة قادها فريق من الباحثين الشباب المغاربة تابعين للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. ويُعد موقع 'كاش كوش' الآن أقدم مستوطنة معروفة من العصر البرونزي في المغرب الكبير، تعود جذورها إلى نحو 2200 سنة قبل الميلاد، ما يجعلها معاصرة لحضارات البحر الأبيض المتوسط الشرقية مثل الميسينيين Mycenaean. رغم أن الموقع كان قد تم التعرف عليه لأول مرة عام 1988 وأجريت به حفريات أولية عام 1992، إلا أن التقديرات الأولية اعتمدت على وجود فخار فينيقي، ما جعل الباحثين حينها يظنون أن الاستيطان لم يبدأ إلا بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد. غير أن الحفريات الأخيرة، والتي أجريت خلال موسمي 2021 و2022، مستعينة بتقنيات متطورة مثل الطائرات المسيّرة ونظام التموضع العالمي التفاضلي (Differential GPS)، والنماذج ثلاثية الأبعاد، كشفت عن حقائق جديدة كليا. حيث تم اتباع بروتوكول دقيق لجمع العينات، مما مكن الباحثين من استخراج بقايا نباتية متحجرة، وفحم نباتي، واستخدام تقنيات التأريخ بالكربون المشع لتحديد أزمنة التواجد البشري بدقة. وتشير النتائج إلى أن الموقع عرف ثلاث فترات سكنية رئيسية، أولاها تمتد من حوالي 2200 إلى 2000 قبل الميلاد، لكنها كانت قصيرة ومحدودة، إذ لم يُعثر إلا على ثلاث شظايا فخارية غير مزخرفة، ورقاقة صوان، وعظمة بقرة. السبب في ندرة اللقى قد يعود لعوامل التعرية الطبيعية أو إلى طبيعة الاستيطان المؤقت. ثم جاءت المرحلة الأهم والتي بدأت حوالي 1300 قبل الميلاد، حيث استقر السكان بشكل دائم. وكان عددهم لا يتجاوز المئة نسمة، وقد بنوا مساكن دائرية من الخشب والقصب والطين، ونقبوا صوامع في الصخور لتخزين محاصيلهم الزراعية. أظهرت تحليلات العينات أن السكان زرعوا القمح والشعير والبقوليات، وربّوا الماشية من أبقار وأغنام وماعز وخنازير. كما استخدموا أدوات حجرية لطحن الحبوب، وقطع صوانية، وفخار مزخرف يدويا. وفي مفاجأة أثارت اهتمام الأوساط الأكاديمية، وُثّق أقدم قطعة معدنية برونزية معروفة في شمال أفريقيا (باستثناء مصر)، وهي قطعة قد تكون ناتجة عن إزالة فائض المعدن بعد عملية صبّ في قالب. ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وبالتزامن مع فترة بداية الاستقرار الفينيقي في مواقع قريبة مثل 'ليكسوس'، استمرت الحياة في 'كاش كوش' بنفس النمط السابق، مع دخول عناصر ثقافية جديدة نتيجة التواصل مع الفينيقيين. فقد بدأ بناء منازل مربعة الشكل بجانب المساكن الدائرية التقليدية، باستخدام مزيج من الحجر والطين والخشب، كما ظهرت محاصيل جديدة مثل العنب والزيتون، واُستخدمت أدوات حديدية. كما عُثر على فخار عجيني مصنوع بالعجلة، مثل الأمفورات (Amphorae) والأطباق، وهي كلها من الطراز الفينيقي. وتم التخلي عن الموقع تدريجيا بحلول سنة 600 قبل الميلاد دون دلائل على حدوث عنف، ما يشير إلى انتقال سلمي للسكان نحو مستوطنات مجاورة، ربما نتيجة تحولات اجتماعية واقتصادية. ولا تزال هوية هؤلاء السكان غامضة من حيث التنظيم السياسي أو القبلي، إذ لا توجد مؤشرات واضحة على وجود هرم اجتماعي صارم. لكن يُعتقد أنهم كانوا يعيشون ضمن وحدات عائلية، وربما تحدثوا لغة قريبة من الأمازيغية الحالية، والتي لم تُكتب إلا بعد إدخال الأبجدية الفينيقية. ويقترح الباحثون أن سكان 'كاش كوش' هم على الأرجح أسلاف الموريتانيين الأوائل الذين سكنوا شمال غرب أفريقيا في العصور اللاحقة. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يعيد موضعة شمال أفريقيا داخل خارطة التاريخ المتوسطي القديم. فالاكتشاف يدحض الروايات التقليدية، والتي غالبا ما تأثرت بالمنظور الاستعماري، والتي كانت تُصوّر المغرب الكبير كأرض 'فارغة' أو 'بدائية' إلى أن جاءت 'الحضارة' من الخارج. وتشير أدلة 'كاش كوش' إلى وجود تواصل قديم بين المنطقة ومحيطها المتوسطي والأطلسي، وحتى مع المناطق الصحراوية جنوبا. يرى بنعطية أن هذا الحدث يمثل لحظة فاصلة في البحث الأثري، وفرصة لإعادة كتابة تاريخ شمال أفريقيا، ومنح المنطقة المكانة التاريخية التي لطالما استحقّتها. يدعو هذا الاكتشاف إلى مراجعة شاملة للفرضيات القديمة، وفتح المجال لأبحاث أعمق حول العلاقات الثقافية والتجارية بين ضفتي البحر المتوسط خلال عصور ما قبل التاريخ. بحسب ما جاء في المقال المنشور عبر 'ذا كونفيرسايشن'، فإن هذه النتائج تأتي لتكمل سلسلة من الاكتشافات الحديثة التي أظهرت أن شمال غرب أفريقيا لم يكن معزولا كما افترضت السرديات السابقة، بل كان فاعلا ومشاركا في شبكات التبادل والثقافة منذ آلاف السنين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store