#أحدث الأخبار مع #ليغانالعربي الجديدمنذ 3 أيامترفيهالعربي الجديدعصر السرعة بقشورها وبذورها ودموعهاكتبت عشرات السيناريوهات السينمائية عن حبكة مشوّقة هي انطلاق مركبة بلا مكابح، وبأقصى سرعة، وعليها مسافرون. نشهد مثلها منذ 18 شهراً في غزّة، بالقطار الذي يقوده نتنياهو، المعطّل المكابح. وثمّة حيلة للقتل قديمة في السينما، هي تعطيل مكابح مركبة البطل لقتله. أقرأ بعض المقالات جملة، وبعضها كلمة كلمة، وكذلك الكتب، حتى إنيّ ليغان على قلبي فأتابع فيلماً وأخباراً معاً، وأحياناً فيلمَين. "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه"، لعل قلبي مشطور، غير عاجل الأخبار. وأجد في وسائل التواصل عشرات المتطوّعين يرشّحون أفضل عشرة أفلام بوليسية أو عاطفية أو تاريخية، فأجد صانع القائمة غرّاً، وقد زهدتُ في الأفلام، لكني أدوس بنزين السرعة في فيديوهات اليوتيوب على السرعة القصوى، بسبب غنى المائدة البصرية المفتوحة، وأكبح مركبتي البصرية أحياناً، وقلّما أتوقّف وأنا أقلّب الأقنية في وسائل التواصل، فقد شاهدت معظم مشاهد الحياة البرية الشهيرة: هجرات الثيران والحمير الوحشية وثيران النو، وهجرات أهلي السوريين وعودتهم، وتربص أمم التماسيح بهم والليوث الضاريات، وكنت مذهولاً يوماً بقصّة الأسد كريستيان، والأسد الأحمر، وشاهدت أفلاماً قصيرةً عن ذكاء الحيوان. يقال: إن ذكاءه مستجد، وشاهدت فيلماً يقارن بين حركات توم (صاحب جيري) وحركات الهرّة، فوجد الفيلم أنها مطابقة للحال، وليست خيالاً من ديزني. لا رحمة في العجلة، فكلها عذاب، وسرعان ما يصيبني الملل والسأم، وإنّ إرسال مقطع فيديو برابط لصديق أمر غير محمود، فكأنك تكرّم حلوانياً بتقديم قطعة حلوى له (نقيض كالعيس في البيد يقتلها الظمأ) وأعاني من كثرة المحلّلين السياسيين حتى ليقتلني الظمأ (وكلّهم طارئون)، ومن كثرة الظرفاء أيضاً، يقال إنّ سبب قصر عمر العصفور هو تسارع وجيب قلبه، وطول عمر السلحفاة معقود بوجيب قلبها البطيء، وليس بصَدَفتها. يربط العلماء السرعة بالذاكرة، وقد ادّخرت نحو ألفي مقطع ورابط على صفحتي مؤونة لساعة الشدّة والحاجة، فلم أعد إليها قط، لأنّ الحياة متسارعة، وسمعت أعلاماً كباراً يجمعون القول إنّ شهر رمضان الذي ولّى هارباً هو أسرع رمضان مشهود، وهو شهر بطيء عادةً، فالجوع بطء، والشبع سرعة، ولا بد أنّ شعبان أيضاً كان سريعاً، فالأشهر قطار وقد عُطِّلت مكابحه، وأخشى ما أخشاه أن يقع ذو الحجة في أرض ذي العقدة، وقد اختلفنا في غرّة هلال رمضان وغرّة شوال. أما أشدّ ما يكون فهو أن يظهر عابد مُستجِدّ، حدث الأسنان، يبشّرنا بدعاء لم يسبقه إليه أحد، يجعل التراب ذهباً، ما إن ينطق به المرء حتى تنهمر عليه الأموال، ثمّ يطيل الديباجة تشويقاً لنا، ومن طال لسانه بطل إحسانه، وننتظره طويلاً (يعني نصف دقيقة أطول من قرن بتعبير إيتماتوف) حتى تضعف الحجة وتتلف المهجة، ثمّ يقول في آخر المقطع مخيّباً آمالنا: إلى الحلقة الثانية. غالباً ما أشاهد الأفلام بسرعة، لكن ثمّة أفلاماً تشاهد بسرعتها العادية لكثافة الأحداث أو دقّة المشاعر، مثل فيلم "303" (الألماني)، وهناك فيلم شاهدتُه سبع مرّات بسرعة هريرة الأعشى: لا ريث ولا عجل، وثمّة حواجز وسواتر للإعلانات لها أثمان تبطئ الوصول إلى الثمرة البصرية، وكان الطاغية يعاقب خصومه بسرقة أوقاتهم بحبسهم، فكأنّه يعيش بأعمارهم، وتجميد أوقاتهم في ثلاجة السجن. قيل إنّ المسافة زمن جامد، والزمن مسافة سائلة، وهما في الإعراب مفعول فيهما، ونحن لا نفعل شيئاً سوى الكلام، وإنّ الانقلاب السياسي حرق للمراحل، فالطاغية من "أصحاب الخطوة" تطوى له المراحل، وكان جميع المنقلبين يبشّروننا بحرق المراحل للوصول إلى العالم الأول في آلة زمنهم، فوجدنا أنفسنا عند متاعنا، بل لم نجد حتى متاعنا فارتددّنا على آثارنا قصصاً. السكوتر دراجة سائقها واقف، ليس عنده وقت للاسترخاء، وكوميدان الستاند أب مستعجل، ليس لنقص في الكراسي، وإنما لإيهام المستمع بالسرعة. قال عبد الوهاب المسيري للجنة امتحان أميركية رسب فيه: أنتم تقيسون السرعة وليس العقل. وقيل في تحديث مقولة دارون إن البقاء للأسرع، وليس للأصرع. جرّبنا طائرات نتنياهو النارية، ونجرّب عربات جدعون الحديدية، عسى أن تكون أسرع سقوطاً من يقظة الضمير العالمي الذي استيقظ من بلهنيته.
العربي الجديدمنذ 3 أيامترفيهالعربي الجديدعصر السرعة بقشورها وبذورها ودموعهاكتبت عشرات السيناريوهات السينمائية عن حبكة مشوّقة هي انطلاق مركبة بلا مكابح، وبأقصى سرعة، وعليها مسافرون. نشهد مثلها منذ 18 شهراً في غزّة، بالقطار الذي يقوده نتنياهو، المعطّل المكابح. وثمّة حيلة للقتل قديمة في السينما، هي تعطيل مكابح مركبة البطل لقتله. أقرأ بعض المقالات جملة، وبعضها كلمة كلمة، وكذلك الكتب، حتى إنيّ ليغان على قلبي فأتابع فيلماً وأخباراً معاً، وأحياناً فيلمَين. "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه"، لعل قلبي مشطور، غير عاجل الأخبار. وأجد في وسائل التواصل عشرات المتطوّعين يرشّحون أفضل عشرة أفلام بوليسية أو عاطفية أو تاريخية، فأجد صانع القائمة غرّاً، وقد زهدتُ في الأفلام، لكني أدوس بنزين السرعة في فيديوهات اليوتيوب على السرعة القصوى، بسبب غنى المائدة البصرية المفتوحة، وأكبح مركبتي البصرية أحياناً، وقلّما أتوقّف وأنا أقلّب الأقنية في وسائل التواصل، فقد شاهدت معظم مشاهد الحياة البرية الشهيرة: هجرات الثيران والحمير الوحشية وثيران النو، وهجرات أهلي السوريين وعودتهم، وتربص أمم التماسيح بهم والليوث الضاريات، وكنت مذهولاً يوماً بقصّة الأسد كريستيان، والأسد الأحمر، وشاهدت أفلاماً قصيرةً عن ذكاء الحيوان. يقال: إن ذكاءه مستجد، وشاهدت فيلماً يقارن بين حركات توم (صاحب جيري) وحركات الهرّة، فوجد الفيلم أنها مطابقة للحال، وليست خيالاً من ديزني. لا رحمة في العجلة، فكلها عذاب، وسرعان ما يصيبني الملل والسأم، وإنّ إرسال مقطع فيديو برابط لصديق أمر غير محمود، فكأنك تكرّم حلوانياً بتقديم قطعة حلوى له (نقيض كالعيس في البيد يقتلها الظمأ) وأعاني من كثرة المحلّلين السياسيين حتى ليقتلني الظمأ (وكلّهم طارئون)، ومن كثرة الظرفاء أيضاً، يقال إنّ سبب قصر عمر العصفور هو تسارع وجيب قلبه، وطول عمر السلحفاة معقود بوجيب قلبها البطيء، وليس بصَدَفتها. يربط العلماء السرعة بالذاكرة، وقد ادّخرت نحو ألفي مقطع ورابط على صفحتي مؤونة لساعة الشدّة والحاجة، فلم أعد إليها قط، لأنّ الحياة متسارعة، وسمعت أعلاماً كباراً يجمعون القول إنّ شهر رمضان الذي ولّى هارباً هو أسرع رمضان مشهود، وهو شهر بطيء عادةً، فالجوع بطء، والشبع سرعة، ولا بد أنّ شعبان أيضاً كان سريعاً، فالأشهر قطار وقد عُطِّلت مكابحه، وأخشى ما أخشاه أن يقع ذو الحجة في أرض ذي العقدة، وقد اختلفنا في غرّة هلال رمضان وغرّة شوال. أما أشدّ ما يكون فهو أن يظهر عابد مُستجِدّ، حدث الأسنان، يبشّرنا بدعاء لم يسبقه إليه أحد، يجعل التراب ذهباً، ما إن ينطق به المرء حتى تنهمر عليه الأموال، ثمّ يطيل الديباجة تشويقاً لنا، ومن طال لسانه بطل إحسانه، وننتظره طويلاً (يعني نصف دقيقة أطول من قرن بتعبير إيتماتوف) حتى تضعف الحجة وتتلف المهجة، ثمّ يقول في آخر المقطع مخيّباً آمالنا: إلى الحلقة الثانية. غالباً ما أشاهد الأفلام بسرعة، لكن ثمّة أفلاماً تشاهد بسرعتها العادية لكثافة الأحداث أو دقّة المشاعر، مثل فيلم "303" (الألماني)، وهناك فيلم شاهدتُه سبع مرّات بسرعة هريرة الأعشى: لا ريث ولا عجل، وثمّة حواجز وسواتر للإعلانات لها أثمان تبطئ الوصول إلى الثمرة البصرية، وكان الطاغية يعاقب خصومه بسرقة أوقاتهم بحبسهم، فكأنّه يعيش بأعمارهم، وتجميد أوقاتهم في ثلاجة السجن. قيل إنّ المسافة زمن جامد، والزمن مسافة سائلة، وهما في الإعراب مفعول فيهما، ونحن لا نفعل شيئاً سوى الكلام، وإنّ الانقلاب السياسي حرق للمراحل، فالطاغية من "أصحاب الخطوة" تطوى له المراحل، وكان جميع المنقلبين يبشّروننا بحرق المراحل للوصول إلى العالم الأول في آلة زمنهم، فوجدنا أنفسنا عند متاعنا، بل لم نجد حتى متاعنا فارتددّنا على آثارنا قصصاً. السكوتر دراجة سائقها واقف، ليس عنده وقت للاسترخاء، وكوميدان الستاند أب مستعجل، ليس لنقص في الكراسي، وإنما لإيهام المستمع بالسرعة. قال عبد الوهاب المسيري للجنة امتحان أميركية رسب فيه: أنتم تقيسون السرعة وليس العقل. وقيل في تحديث مقولة دارون إن البقاء للأسرع، وليس للأصرع. جرّبنا طائرات نتنياهو النارية، ونجرّب عربات جدعون الحديدية، عسى أن تكون أسرع سقوطاً من يقظة الضمير العالمي الذي استيقظ من بلهنيته.