logo
#

أحدث الأخبار مع #ليلىزانا،

ثورة الشعوب تنتصر منذ الأزل
ثورة الشعوب تنتصر منذ الأزل

حزب الإتحاد الديمقراطي

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • حزب الإتحاد الديمقراطي

ثورة الشعوب تنتصر منذ الأزل

محمود عيسى ــ تُعتبر التجربة الكردية واحدة من أبرز النماذج التاريخية التي تجسد قدرة الشعوب على تحويل المعاناة إلى قوة، والهوية إلى سلاح، والإرادة إلى مسار ثوري متجدد. فقد استطاع الشعب الكردي، الذي يُقسم بين أربع دول (تركيا، إيران، العراق، وسوريا)، أن يتجاوز ظروف التشتت والاضطهاد، محولًا إياهما إلى مختبر لإبداع أشكال متعددة من المقاومة، تتراوح بين السلمية والمسلحة، والسياسية والثقافية، مع التركيز على الحفاظ على الذاكرة وبناء المستقبل. برز الأكراد في العقود الأخيرة كفاعل رئيسي في المشهد السياسي السلمي، خاصة في تركيا، حيث نجح حزب الشعوب الديمقراطي HDPفي تمثيل المطالب الكردية عبر البرلمان، رغم الحملات الأمنية والقضائية التي استهدفت قياداته ونوابه. لم تكن تجربة النائبة ليلى زانا، التي قضت عقدًا كاملًا في السجن بسبب دفاعها عن اللغة الكردية، مجرد قضية حقوقية، بل أصبحت رمزًا لتحويل الصمت إلى صوت عالمي. هذه النماذج تؤكد أن الاحتجاج السلمي، رغم بطء نتائجه، قادرٌ على إحداث شرخ في جدار القمع من خلال فضح انتهاكات الأنظمة وكسب التعاطف الدولي. لم تقتصر المقاومة السلمية على العمل البرلماني، بل امتدت إلى تنظيم مسِيرات جماهيرية، وإضرابات عن الطعام، وحملات حقوقية ناجحة، مثل تلك التي أدت إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي. هذه الحركات لم تكن ردود فعل عابرة، بل تعبيرًا عن استراتيجية واعية لبناء شرعية سياسية واجتماعية تؤسس لحقوق الأكراد دون التنازل عن هويتهم. في مواجهة سياسات التتريك والتعريب والتهميش، أصبحت الثقافة الكردية حصنًا منيعًا للحفاظ على الوجود. من تعليم اللغة الكردية سرًا في المنازل التركية والإيرانية، إلى إحياء الفلكلور والأغاني الثورية في المناسبات الاجتماعية. صاغ الأكراد مقاومة يومية ترفض الانصهار في بوتقة الهويات المهيمنة. حتى الفنون التشكيلية والأدب تحولا إلى وسيلتين لسرد تاريخ الشعب الكردي وإعادة إنتاجه كسردية مقاومة بديلة عن الرواية الرسمية للدول. في قرى كردستان النائية، لا تزال الحكايات الشعبية تُنقل شفهياً بين الأجيال، كأرشيف حي لذكرى النضال. أما الأغاني الثورية، مثل تلك التي تُغنَّى باللغة 'الكورمانجية' أو 'السورانية'، فلم تكن مجرد تعبير عن الحنين، بل تحولت إلى نشيد يومي يُذكِّر الأكراد بأن وجودهم قضية لا تُمس. عندما تُغلَق أبواب الحلول السياسية، وتُسحق الحقوق تحت ذرائع 'الأمن القومي'، تتحول المقاومة المسلحة إلى خيار ضروري لبعض المجموعة الكردية. تأسيس وحدات حماية الشعب (YPG/YPJ) في سوريا، على سبيل المثال، لم يكن سوى رد على عقود من التهميش والحرمان، وتحولت لاحقًا إلى قوة فاعلة في محاربة تنظيم داعش، ما أكسبها تعاطفًا دوليًا. ورغم الجدل الأخلاقي حول استخدام السلاح، تظل هذه التجربة دليلاً على أن الشعوب المهمشة قد تضطر لتبني خيارات صعبة عندما تفشل كل سبل الحوار. لكن الثمن كان باهظًا: آلاف الشهداء، وتشريد ملايين المدنيين، وتدمير مدن بأكملها، كما حدث في عفرين وكري سبي/تل أبيض وسري كانية/ رأس العين. هذه التضحيات تطرح أسئلة مُلِحَّة حول حدود فعالية المقاومة المسلحة، وضرورة موازنتها بحسابات سياسية تمنع تحولها إلى حلقة مفرغة من العنف. وراء الأضواء السياسية والعسكرية، تكمن ثورة الإرادة الخفية التي لا تُوثَّق في التقارير الإعلامية: الأم التي تُعلِّم أطفالها الحروف الكردية سرًا، الفلاح الذي يرفض ترك أرضه رغم التهجير، والشباب الذين يحملون هوية آبائهم المفقودين في السجون. هذه التفاصيل الصغيرة هي ما يحفظ جوهر الثورة من التآكل، وتجعلها قادرة على الاستمرار عبر الأجيال. الذاكرة الجمعية هنا ليست مجرد سجل للماضي، بل أداة لصناعة المستقبل. فقصص الشهداء، مثل شهيدات كوباني، تتحول إلى رموز تُلهب الحماس، بينما تحمل الأسماء الكردية (التي كانت محظورة) دلالة على انتصار الهوية. حتى الزراعة في الأراضي المصادرة تصبح عملاً ثوريًا، كما الحال في قرى ديرسم التركية، حيث يُعيد الفلاحون زراعة الأرض كتحدٍّ للسياسات الاستيطانية. لم يعد النضال الكردي محصورًا في الجغرافيا المقسومة، بل تحول إلى رمز عالمي للنضال من أجل الحقوق، فالدعم الدولي للقضية الكردية، سواء عبر منظمات حقوق الإنسان أو حركات التضامن اليسارية، ساهم في كسر العزلة الدولية وفضح انتهاكات الأنظمة. التجربة الكردية تثبت أن تحالف القوى التقدمية قادر على خلق ضغط دولي قد يُغير معادلات محلية، حتى لو بشكل محدود. بعد قرن من اتفاقية سايكس- بيكو (1916) التي قسَّمت كردستان، تظل الثورة الكردية دليلاً على أن هزيمة الشعوب ليست قَدَراً محتوماً. فالشُّعلة التي يحملها طفل يتعلم كلمة كردية في قبو مظلم، أو فلاح يزرع أرضًا مهددة، هي انتصار لا يُقاس بالانتصارات العسكرية، بل بقدرته على خلق أمل متجدد. القضية الكردية، في جوهرها، ليست صراعًا على الأرض فحسب، بل اختبار لإرادة الإنسان في الحفاظ على كرامته وهويته، وهي تذكير بأن الثورات الحقيقية لا تُقاس بمعاركها الميدانية، بل بقدرتها على البقاء كفكرة تُلهم الأجيال. فالشعب الذي يرفض أن يُدفن تحت ثقل التاريخ، لابد أن يُولد من جديد، حاملاً دروس الماضي وأحلام المستقبل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store