#أحدث الأخبار مع #مؤسسةالفكرالعربيصوت لبنان٢٣-٠٤-٢٠٢٥منوعاتصوت لبنانأزمة القراءة عند الأطفال العرب: بين المناهج والواقعد. سارة ضاهر - رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان تُعدّ القراءة من الركائز الأساسية في بناء الشخصية الفكرية والثقافية للطفل. فهي لا تقتصر على كونها مهارة لغوية فحسب، بل تمثل نافذة على العالم، ومفتاحًا للابتكار، وأداة لتشكيل الهوية والانتماء. في العالم العربي، تتفاقم أزمة القراءة في أوساط الأطفال، في ظل غياب سياسات تربوية واضحة، وبيئات حاضنة للقراءة، ومنافسة غير متكافئة مع الوسائل الرقمية الترفيهية. واقع القراءة عند الأطفال العرب: إحصاءات مقلقة أشارت دراسة صادرة عن مؤسسة الفكر العربي (2016) إلى أن معدّل قراءة الطفل العربي لا يتجاوز 6 دقائق سنويًا، في مقابل 2190 دقيقة سنويًا للطفل الغربي. كما أظهر 'تقرير التنمية الإنسانية العربية' التابع للأمم المتحدة (2015) أن كل 80 طفلًا عربيًا يشتركون في كتاب واحد سنويًا، في حين يمتلك كل طفل في أوروبا كتابًا خاصًا به على الأقل. تلك الأرقام الصادمة لا تُشير فقط إلى أزمة في العادات، بل إلى غياب البنية التحتية الثقافية والتربوية الداعمة للقراءة الحرة في مراحل الطفولة المبكرة. عوامل تعمّق الأزمة 1. مناهج دراسية تقليدية لا تزال العديد من المناهج العربية تعتمد على التلقين وتفتقر إلى أدوات تنمية التفكير النقدي والخيال. وغالبًا ما يُقدَّم النص القرائي بوصفه وسيلة للاختبار لا للاكتشاف، مما يفقد الطفل حماسه وفضوله. 2. ضعف البيئة المنزلية والثقافية القراءة في معظم البيوت العربية لا تُمارَس كعادة يومية. وغالبًا ما يكون الكتاب غائبًا عن المشهد المنزلي، ما يحرم الطفل من النمو في بيئة تعتبر الكتاب جزءًا من الحياة. 3. غياب القدوة لا يرى الطفل العربي في محيطه نماذج قارئة يُحتذى بها. فالمعلمون، والإعلاميون، والمشاهير قلّما يظهرون في مشاهد تشجّع على القراءة، مما يعمّق الفجوة بين الطفل والكتاب. 4. الإغراء الرقمي والتكنولوجيا الترفيهية أجهزة الهواتف والألواح الذكية باتت تمثل الملاذ الأول للترفيه. في ظل غياب محتوى رقمي قرائي جذّاب باللغة العربية، يميل الأطفال إلى المحتوى المرئي القصير، ما يقلل من قدرتهم على التركيز ويضعف مهارات القراءة الطويلة. مبادرات ناجحة ونماذج ملهمة - تحدي القراءة العربي أطلقته الإمارات عام 2015، ويُعدّ من أكبر مشاريع تحفيز القراءة في العالم العربي. وقد شارك فيه حتى الآن أكثر من 70 مليون طالب من مختلف الدول. - منصات قصصية عربية رقمية مثل منصتي 'براعم' و'أطفالنا'، اللتان تقدّمان محتوى قصصيًا باللغة العربية بتصميم تفاعلي يواكب التطور التكنولوجي ويستهدف الأطفال من عمر 3 إلى 12 سنة. - المكتبات المتنقلة في دول كلبنان، تونس، والأردن، ظهرت مبادرات تهدف إلى إيصال الكتب إلى الأطفال في المناطق النائية، وتجاوز العوائق الجغرافية والاقتصادية التي تحول دون وصولهم إلى مصادر المعرفة. نحو استراتيجيات فاعلة من أجل مواجهة هذه الأزمة البنيوية، ثمة حاجة ماسّة إلى: • تضمين القراءة الحرة في البرامج التربوية الأساسية، بعيدًا عن ضغط التقييم والاختبارات. • إشراك الأهل في مشاريع تشجيع القراءة المنزلية، من خلال تدريبات، وحصص إرشادية، وتوزيع كتب مجانية. • تطوير محتوى قصصي عصري باللغة العربية، يجمع بين البعد الترفيهي والجمالي والقيمي. • تعزيز دور الإعلام والمؤثرين العرب في الترويج للكتاب كجزء من الثقافة اليومية. ختاما، القراءة ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة وجودية وحضارية. إن واقع القراءة عند الأطفال العرب يستدعي تحرّكًا عاجلًا من قبل الأسر، والمؤسسات التعليمية، والوزارات الثقافية، والمجتمع المدني. فالطفل القارئ اليوم هو صانع التغيير غدًا. وما لم نمنحه كتابًا يُنير خياله، فسنجد أنفسنا في مستقبل مُظلم يفتقد إلى الفكرة، والسؤال، والإبداع.
صوت لبنان٢٣-٠٤-٢٠٢٥منوعاتصوت لبنانأزمة القراءة عند الأطفال العرب: بين المناهج والواقعد. سارة ضاهر - رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان تُعدّ القراءة من الركائز الأساسية في بناء الشخصية الفكرية والثقافية للطفل. فهي لا تقتصر على كونها مهارة لغوية فحسب، بل تمثل نافذة على العالم، ومفتاحًا للابتكار، وأداة لتشكيل الهوية والانتماء. في العالم العربي، تتفاقم أزمة القراءة في أوساط الأطفال، في ظل غياب سياسات تربوية واضحة، وبيئات حاضنة للقراءة، ومنافسة غير متكافئة مع الوسائل الرقمية الترفيهية. واقع القراءة عند الأطفال العرب: إحصاءات مقلقة أشارت دراسة صادرة عن مؤسسة الفكر العربي (2016) إلى أن معدّل قراءة الطفل العربي لا يتجاوز 6 دقائق سنويًا، في مقابل 2190 دقيقة سنويًا للطفل الغربي. كما أظهر 'تقرير التنمية الإنسانية العربية' التابع للأمم المتحدة (2015) أن كل 80 طفلًا عربيًا يشتركون في كتاب واحد سنويًا، في حين يمتلك كل طفل في أوروبا كتابًا خاصًا به على الأقل. تلك الأرقام الصادمة لا تُشير فقط إلى أزمة في العادات، بل إلى غياب البنية التحتية الثقافية والتربوية الداعمة للقراءة الحرة في مراحل الطفولة المبكرة. عوامل تعمّق الأزمة 1. مناهج دراسية تقليدية لا تزال العديد من المناهج العربية تعتمد على التلقين وتفتقر إلى أدوات تنمية التفكير النقدي والخيال. وغالبًا ما يُقدَّم النص القرائي بوصفه وسيلة للاختبار لا للاكتشاف، مما يفقد الطفل حماسه وفضوله. 2. ضعف البيئة المنزلية والثقافية القراءة في معظم البيوت العربية لا تُمارَس كعادة يومية. وغالبًا ما يكون الكتاب غائبًا عن المشهد المنزلي، ما يحرم الطفل من النمو في بيئة تعتبر الكتاب جزءًا من الحياة. 3. غياب القدوة لا يرى الطفل العربي في محيطه نماذج قارئة يُحتذى بها. فالمعلمون، والإعلاميون، والمشاهير قلّما يظهرون في مشاهد تشجّع على القراءة، مما يعمّق الفجوة بين الطفل والكتاب. 4. الإغراء الرقمي والتكنولوجيا الترفيهية أجهزة الهواتف والألواح الذكية باتت تمثل الملاذ الأول للترفيه. في ظل غياب محتوى رقمي قرائي جذّاب باللغة العربية، يميل الأطفال إلى المحتوى المرئي القصير، ما يقلل من قدرتهم على التركيز ويضعف مهارات القراءة الطويلة. مبادرات ناجحة ونماذج ملهمة - تحدي القراءة العربي أطلقته الإمارات عام 2015، ويُعدّ من أكبر مشاريع تحفيز القراءة في العالم العربي. وقد شارك فيه حتى الآن أكثر من 70 مليون طالب من مختلف الدول. - منصات قصصية عربية رقمية مثل منصتي 'براعم' و'أطفالنا'، اللتان تقدّمان محتوى قصصيًا باللغة العربية بتصميم تفاعلي يواكب التطور التكنولوجي ويستهدف الأطفال من عمر 3 إلى 12 سنة. - المكتبات المتنقلة في دول كلبنان، تونس، والأردن، ظهرت مبادرات تهدف إلى إيصال الكتب إلى الأطفال في المناطق النائية، وتجاوز العوائق الجغرافية والاقتصادية التي تحول دون وصولهم إلى مصادر المعرفة. نحو استراتيجيات فاعلة من أجل مواجهة هذه الأزمة البنيوية، ثمة حاجة ماسّة إلى: • تضمين القراءة الحرة في البرامج التربوية الأساسية، بعيدًا عن ضغط التقييم والاختبارات. • إشراك الأهل في مشاريع تشجيع القراءة المنزلية، من خلال تدريبات، وحصص إرشادية، وتوزيع كتب مجانية. • تطوير محتوى قصصي عصري باللغة العربية، يجمع بين البعد الترفيهي والجمالي والقيمي. • تعزيز دور الإعلام والمؤثرين العرب في الترويج للكتاب كجزء من الثقافة اليومية. ختاما، القراءة ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة وجودية وحضارية. إن واقع القراءة عند الأطفال العرب يستدعي تحرّكًا عاجلًا من قبل الأسر، والمؤسسات التعليمية، والوزارات الثقافية، والمجتمع المدني. فالطفل القارئ اليوم هو صانع التغيير غدًا. وما لم نمنحه كتابًا يُنير خياله، فسنجد أنفسنا في مستقبل مُظلم يفتقد إلى الفكرة، والسؤال، والإبداع.