أحدث الأخبار مع #ماريشيلي


Independent عربية
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- Independent عربية
الذكاء الاصطناعي لن يشكل خطرا على الفنون والآداب
بين المخاوف والوعود التي تثيرها التكنولوجيات الجديدة كاستبدال الآلة والخوارزميات بالعقل البشري، ثمة طريقة جديدة بدأت ملامحها تلوح في الأفق تقوم على التعاون الوثيق بين الإنسان والآلة الذكية التي يبدو أن فكرتها متجذرة في التاريخ وأدب الخيال العلمي منذ قرون. لاحت تباشير الذكاء الاصطناعي في الأساطير القديمة من خلال شخصية "غوليم"، ذاك الكائن البشري الشكل الذي يفتقر إلى الإرادة الحرة، ولا يعمل إلا بأمر مبدعه، وفي رواية ماري شيلي من خلال شخصية "فرانكنشتاين" أو بروميثيوس الحديث التي وضعتها شيلي عام 1816، راسمة فيها ملامح كائن اصطناعي، شاعر وفيلسوف يتمتع بذكاء وحساسية استثنائيتين. تغيير لوحة فان غوخ "الليل المنجم" (صفحة ديجيتل أرت - فيسبوك) لكن في الآونة الأخيرة، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي كمجال علمي، بات من الممكن أن تتحول هذه الخيالات العلمية إلى حقيقة ملموسة، فاليوم تعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي بصورة رئيسة على فرع التعلم الآلي الذي يستند إلى الإحصاءات لبرمجة الخوارزميات باستخدام البيانات، مما ينتج معلومات بصيغة رقمية. والخوارزميات عبارة عن تراكيب رياضية تتألف من سلسلة من العمليات والتعليمات يجب اتباعها لحل مشكلة معينة، تُبرمج حاسوبياً لتشغيل الذكاء الاصطناعي. من بين أبرز استخدامات هذا الذكاء على سبيل المثال لا الحصر تحسين التعرف إلى الصور وتصنيفها، وكذلك التعرف إلى الصوت، كما في تطبيقات الأوامر الصوتية التي نعطيها لحواسيبنا وهواتفنا الذكية. مقاربتان مختلفتان ثمة مقاربتان متعارضتان للذكاء الاصطناعي تعاقبتا عبر الفترات الزمنية الأخيرة. المقاربة الأولى تعرف بالرمزية، وهي تعتمد على نهج واضح قابل للتفسير. فبغية التعرف إلى سبيل المثال على صورة هرة، تفترض هذه المقاربة إدخال جميع المعايير والقواعد المرتبطة بتحديد الهرة مثل: للهرة أربع أرجل وفراء وخطم، فإذا كان الكائن في الصورة يحوي أكثر من أربع أرجل، فهو ليس هرة... أما المقاربة الثانية فتعرف بالترابطية، وهي لا تعتمد على التفسير المباشر، بل على التعلم الآلي، كأن يتم تدريب نظام الذكاء الاصطناعي على قاعدة بيانات تحوي صوراً للهررة، بحيث يتعلم التمييز بين الصور التي تمثل هرة وتلك التي لا تمثلها. الكتابة رغماً عن الإنسان (صفحة أي. إي - فيسوبك) ظهرت أولى الشبكات العصبية، التي تتكون من طبقة واحدة فحسب، في ستينيات القرن الماضي، لكنها أهملت لمصلحة الحوسبة الدقيقة التي أثبتت كفاءتها العالية. ولم يستأنف البحث في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما في التعلم الآلي، إلا في الثمانينيات، حين وضع بعض العلماء الأسس الأولى للتعلم الآلي العميق، الذي ظل آنذاك صعب التنفيذ بسبب القيود التقنية. قوة الحوسبة اليوم، يفسر رجل الأعمال والمؤلف الفرنسي المتخصص في مجال التكنولوجيا سيرج سودوبلاتوف (مواليد 1954) نجاح التعلم الآلي العميق من خلال ثلاثة عوامل رئيسة: تحسن قوة الحوسبة، والزيادة الكبيرة في البيانات الضرورية لتشغيل الشبكات العصبية المتعددة الطبقات، والتقدم في أبحاث الشبكات العصبية التلافيفية، مما يجعل الذكاء الاصطناعي قادراً على توليد صور وأصوات واقعية للغاية من خلال مواجهة شبكتين عصبيتين ضد بعضهما بعضاً. ولكن يبقى السؤال: هل يقدر الذكاء الاصطناعي المساهمة في المجال الثقافي والإبداع الأدبي؟ الرسم بلا روح (صفحة أي. إي - فيسبوك) يمكن الذكاء الاصطناعي إذاً الاستفادة من كم هائل من البيانات في قطاع صناعة الكتاب، لاستخدامها في تحديد الموضوعات الجديدة التي تهم القراء، وفي تحسين استراتيجيات التسويق والترويج، وأخيراً، في المساعدة على تحديد السوق المستهدفة لأي كتاب جديد، وفي عملية النشر وفقاً لمعايير محددة مسبقاً وفي صدور الكتاب الرقمي. الباب المفتوح كتابة آلية (ديجيتل أرت - فيسبوك) غير أن بعض المهتمين بهذه التكنولوجيات أصبحوا اليوم أكثر قناعة أن الذكاء الاصطناعي بات باباً مفتوحاً على طريق الإبداع الأدبي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، طورت بعض شركات المعلوماتية أنظمة تكنولوجية قادرة على وضع نصوص صحافية وأدبية بصورة تلقائية، وأنظمة أخرى قادرة على توليد قصائد آلية بناءً على كلمة واحدة يمكن لخوارزمية أخرى استخدامها لإنشاء صور مستوحاة من هذه القصائد. ولا أنسى أن كثيراً من المؤلفين في أوروبا وأميركا باتوا اليوم يستخدمون مساعدي الكتابة الذكية، كالكاتب الهندي فيكرام شاندرا (مواليد 1961) الذي استعان بأحد برامج الذكاء الاصطناعي لرسم خريطة العناصر السردية لإحدى رواياته، والكندي ديفيد جاف جونستون المعروف بالشاعر الحاسوبي وكاتب الأدب الإلكتروني وفنان اللغة الرقمية الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي في وضع المسودات الأولى لأعماله، والروائي الأميركي روبين سلون الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في إنشاء الحوارات بين شخصيات رواياته وسردياته. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) غير أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الثقافة يثير كثيراً من المخاوف والجدالات ويطرح علامات استفهام حول عملية الكتابة نفسها، فهل باستطاعة الذكاء الاصطناعي حقاً منافسة الشعراء والأدباء والفنانين؟ ليس سهلاً الإجابة عن هذا السؤال، لكن تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أكاديمية الفنون الجميلة وعدداً من الكتاب والفنانين رفضوا تصنيف التصوير الفوتوغرافي يوم ظهر للمرة الأولى في فرنسا في خانة الفنون الجميلة، لذا لم يظهر الاهتمام بالصورة الفوتوغرافية والاعتراف بها كفن من الفنون إلا في وقت متأخر نسبياً. فخلال النصف الأول من القرن الـ20، وبفضل السوريالية جزئياً، دخل التصوير الفوتوغرافي شيئاً فشيئاً في المجال الفني، قبل أن يشهد خلال السبعينيات من القرن نفسه تسارعاً ملحوظاً أضفى عليه شرعية فنية مدعومة بتبريرات نظرية وجمالية، كذلك أسهم ظهور التكنولوجيا الرقمية في تسريع دمج الصورة الفوتوغرافية في الفن المعاصر، كذلك الأمر، عندما ظهرت الموسيقى الإلكترونية رفض كثير من الموسيقيين التقليديين فكرة دمج العينات الصوتية بالأدوات الموسيقية الكلاسيكية. كل هذا يعني أن ثمة من يخشى أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى استبدال روبوتات "فنانة" بالإبداع البشري أو أن يصبح الإنسان نفسه آلة، لكن، أليس الإبداع البشري نتاجاً لتأثيرات سابقة وتراكمات معرفية؟ وهل يجب أن نحكم على العمل الفني من خلال تقنيته أم من خلال رسالته وتأثيره العاطفي؟ في نهاية المطاف تظل النية والإحساس البشري عنصرين حاسمين في العملية الإبداعية، وهو ما يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي مهما اقترب من محاكاة الإنسان.


Independent عربية
١٦-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
سهرة رعب إنجليزية تتجسد في فيلم سعودي
لعل واحداً من الأفلام السينمائية "العربية" التي أحاطها الظلم أكثر مما فعل بالنسبة إلى أية أفلام أخرى، هو الفيلم "الإنجليزي" الذي حققته السينمائية السعودية هيفاء المنصور قبل نحو عقد من الأعوام، مقتبس بصورة مباشرة من مرحلة أساسية من حياة الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي (1797 – 1851) المعروفة بروايتها "فرانكنشتاين" التي أصدرتها عام 1817 وكانت حين بدأت كتابتها في الـ17 من العمر. وعلى رغم أن الفيلم الذي حققته هيفاء المنصور أنتج وعرض عام 2017 تقريباً وكنوع من الاستذكار للمئوية الثانية لمولد تلك الرواية، لم يحقق النجاح الكبير الذي كان مأمولاً له والذي يمكن للمرء حتى اليوم إذ يشاهد الفيلم يعرض ويعاد عرضه على شاشات التلفزيون، أن يدهش لأنه لم يتحقق. ففي النهاية يمكن اعتبار الفيلم واحداً من أفضل أفلام السير الأدبية التي حققت خلال الأعوام الأخيرة، وربما أيضاً واحداً من أقوى وأجمل الأفلام التي حققها مبدعون عرب على الساحة الدولية. ولنقل في هذا السياق، إن التلفزة في استعادتها عروض هذا الفيلم قدمت له شيئاً من تعويض يستحقه. بل ربما ليس له وحده، بل لشخصيته المحورية، الكاتبة ماري شيلي نفسها التي يلفتنا الفيلم ولو مواربة، إلى أنها لم تكتب روايتها أصلاً إلا كنوع من التحدي محوره قدرة المرأة على أن تكون كالرجل مبدعة كل الإبداع وتحت كل ظرف من الظروف. نسوية من دون التباس من هنا حتى نَعُد فيلم "ماري شيلي" من إخراج هيفاء المنصور فيلماً نسوياً، خطوة لا بد من قطعها، ولو أيضاً على ضوء سينما هذه الفنانة السعودية المميزة التي جعلت دائماً من مكانة المرأة وحضورها في مجتمعها كما غيره، هماً أساسياً، من همومها وحتى من قبل فيلمها المميز "وجدة" الذي كان أول فيلم سعودي طويل يصور في البلاد على أية حال. والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا يتعلق باختيار "ماري شيلي" موضوعاً لفيلم طويل ثان أتى بعد "وجدة"، تخوض المخرجة عبره سينماها المميزة والرائدة. والحقيقة أن الوصول إلى جواب عن هذا السؤال يحتاج إلى مشاهدة الفيلم والتمعن في أبعاده النسوية التي لا شك أنها كانت هي ما حرك فيلم المنصور وجهودها. وفي انتظار ذلك، لا بد من وقفة هنا عند الحكاية التي يرويها الفيلم، وهي بالطبع حكاية تلك الفتاة التي تحدرت من أبوين كاتبين وفنانين وكانت لا تزال في سن المراهقة حين تزوجت بأشهر شاعر في زمانه برسي شيلي، المعروف بعلاقته بزميله الكاتب والشاعر والمغامر لورد بايرون، حيث شكل الثلاثة رفقة طيبة تسودها لقاءات ونقاشات وأمسيات يدور معظمها حول قضايا المجتمع وقضايا الأدب. والحقيقة أن كل شيء كان سيبدو وكأنه جزء من أفضل العوالم الممكنة، لولا ذلك الشعور الذي راح يطغى لدى ماري بأنها غالباً ما تُنحى جانباً خلال النقاشات، لكونها... امرأة. ومن هنا تبدأ حكايتها الحقيقية وبالتأكيد حكاية تلك الرواية التي انكبت على كتابتها والثلاثة في جنيف، بعد أمسية ساد بينهم خلالها نقاش فلسفي - أدبي ستجد نفسها خلاله أمام تحد من نوع جديد عليها وقد أدركت فجأة أنه بات عليها انطلاقاً من تلك اللحظة الحاسمة في حياتها، إما أن تستجيب للتحدي أو أن تسكت... إلى الأبد. لكنها لم تكن من النوع الذي يسكت. وهذا في الأقل، ما كانت هيفاء المنصور مصرة على قوله منذ بداية فيلمها الشيق. ليلة خريفية في جنيف كانت السهرة الأدبية الصاخبة تلك، في جنيف السويسرية التي كان الثلاثة يزورونها وفي رفقة صديق لهم هو الدكتور بوليدوري الذي لا شك أنه مثل الجانب العلمي من مسار النقاش فيما مثلت ماري جانباً فلسفياً ورثته من والدها المفكر المعروف الدكتور ويليام غودوين، فيما دافع الشاعران الصديقان عن وجهة نظر أدبية إبداعية. وكان في خلفية النقاش اطلاعهم جميعاً على أمهات أدب الرعب والأشباح الألماني في ترجماتها الفرنسية التي كانت حاضرة بقوة آنذاك. ولقد كانت نتيجة النقاش أن قام بين الأربعة تحد فحواه أن يحاول كل منهم أن يكتب قصة تتعلق بالأشباح. وسرعان ما تبين أن ماري هي الوحيدة التي استجابت حقاً للتحدي. وكانت استجابتها عبر كتابتها قصة طويلة ستضع لها عنواناً طموحاً هو "فرانكنشتاين، أو بروموثيوس المعاصر". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والحقيقة أن ماري حين اشتهرت روايتها وارتبط بها اسمها وحياتها إلى الأبد، لم تتوان عن أن تشير دائماً إلى أن الفضل الكبير في كتابتها ذلك النص إنما يعود من ناحية إلى رغبتها في محاكاة أدب الرعب والحكايات الغرائبية الذي كان منتشراً منذ عقود حينذاك، ومن ناحية ثانية إلى متابعتها بدقة وانتباه لتلك المناقشات العميقة التي كانت تصغي إليها تجري بين صديقيها الأقرب، اللورد بايرون من جهة وزوجها الحبيب الشاعر شيلي من جهة أخرى. غير أن الباقي جاء من عندها كاشفاً عن موهبة كانت تحاول دائماً السكوت عنها، أي من بنات أفكارها المستندة إلى قدرة أدبية كانت تطويها في داخلها مضحية بها على مذبح الزواج والحياة العائلية وكانت ستنفجر لو لم تعبر عنها بفضل تلك السهرة كما بفضل تلك المناقشات. طبيب ووحش وإنسان تدور الحكاية إذاً من حول فرانكنشتاين الذي أعار اسمه للرواية إلى درجة أن كثراً من الذين لم يقرأوها يعتقدون أنه هو الوحش المعني. لكنه ليس الوحش، وفي ظاهر الأمور في الأقل كما سنرى بعد سطور على أية حال، بل هو طبيب وعالم خلق الوحش من صلب أفكاره وبالاستناد إلى معرفته جاعلاً من خليقته وحشاً مرعباً، لكنه في حقيقة أمره، إنسان مفعم بالإنسانية في عمق أعماقه، بل إنسان يمكن أن يحمل اسم آدم أو قايين أو اسم الشيطان نفسه. ففي نهاية الأمر واضح أن الكاتبة إنما أرادت أن تجمع كل تلك الشخصيات في شخصية واحدة تختصر بحثاً واحداً وتساؤلاً مؤلماً واحداً يتحلق من حول الشرط الإنساني... من حول الإنسان نفسه حين يخوض تمرداً لا يعد بشيء وليس له أي غد واضح. فتكون النتيجة أن يقتصر أذاه على خالقه وحسب. ولعل اللافت هنا هو أن الكاتبة التي جعلت اسم الطبيب العالم، فرانكنشتاين، يدور على كل شفة ولسان، فضلت ألا تعطي للوحش الذي خلقه أي اسم. ومن هنا انتهى الأمر بالقراء إلى إعطاء المخلوق اسم خالقه. صحيح أن ماري شيلي لم تكن تقصد ذلك، لكنها بالتأكيد لم تكن مستاءة منه وفي بعد فلسفي لا شك فيه. وبخاصة أن الوحش، ومن منظور الكاتبة نفسها، حين ارتكب جرائمه التي كان معظمها بدافع الانتقام، أو الانتقام المفترض، للدكتور ممن أساءوا إليه، كان كملاك انتقام ينفذ ما يخيل إليه أن الدكتور يريد منه أن يفعله! وهنا أفلا يمكننا أن نختتم هذا الجانب بالتساؤل عما إذا لم تكن محاولة الوحش في النهاية، أن يقتل الدكتور، نوعاً من محاولة "انتحار" على النمط الذي يقوم به مرتكب مجموعة من الجرائم حين ينجز مخططه ولا يعود أمامه إلا وضع حد لذلك كله؟ من المؤكد أنهم ليسوا كثراً أولئك الذين يوافقون على هذه الفرضية، ولكن من المؤكد في المقابل أنها تكمن في خلفية فكرة ماري شيلي حول روايتها لكنه لم تجاهر بها... وربما لأن الزمن كان أبكر من أن يسمح بذلك.