منذ 2 أيام
بين نفي وتأكيد… هل انتهى الحلم النووي الإيراني؟
في خضم مشهد دولي محتقن، حيث تتقاطع الأجندات النووية مع خطوط النار في الشرق الأوسط، اندلعت شرارة حربٍ قصيرة لكن عميقة الأثر بين إيران وإسرائيل، استمرت 12 يومًا، وجعلت من ملف طهران النووي ساحة مواجهة مفتوحة بين محورين متقابلين.
وبينما كانت المنطقة على صفيح ساخن منذ سنوات، جاء التدخل الأميركي المفاجئ، حاملاً معه قنابل ذكية بحجم الجبال، واستهدافًا مباشرًا لأعصاب المشروع النووي الإيراني.
الضربات الأميركية التي استخدمت فيها قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات لم تكن إعلان حرب، لكنها بدت كذلك في نتائجها الأولية، ورغم أنها لم تُسبق بتصريح رسمي أو بيان حرب، إلا أن مشهد الدمار في منشآت مثل 'فوردو' و'نطنز' و'أصفهان'، حمل رسالة شديدة اللهجة مفادها: 'واشنطن لن تنتظر'.
روايات متضاربة… والمعلومة في قلب المعركة
في قلب هذا التوتر، بدأت الروايات تتباين بين المسؤولين الأميركيين، والمحللين، ووسائل الإعلام. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتردد في الإشادة بنجاح العملية، واصفًا إياها بأنها 'ضربة دقيقة أعادت إيران إلى الوراء لعقود'. تصريح يحمل نبرة انتصار، لكنه اصطدم سريعًا بما نشرته شبكة CNN نقلًا عن مصادر في الاستخبارات الأميركية، أن التأثير الحقيقي لتلك الضربات لم يتعدَّ تأخير البرنامج النووي الإيراني بضعة أشهر فقط.
وإذا كان التباين داخل البيت الأبيض بدا محرجًا، فإن الرد الرسمي جاء على لسان المتحدثة باسم الإدارة الأميركية، التي قلّلت من مصداقية التسريب الاستخباراتي، واعتبرته من مصدر 'صغير الرتبة'، وأكدت أن تقييم العمليات العسكرية ما يزال قيد الدراسة، لكن الجميع يعلم -بحسب قولها- ما تفعله قنابل تزن 30 ألف رطل إذا أصابت هدفها: 'تدمير كامل'.
غير أن هذه الثقة قوبلت بتشكيك واضح من جانب متخصصين ونواب. فقد أكد النائب الجمهوري 'مايكل مكول' أن العملية لم تكن استباقية أو قاطعة، بل مجرد محاولة لتعطيل المشروع الإيراني مؤقتًا، بينما ذهب خبير الشؤون النووية جيفري لويس إلى القول بأن ما حدث هو 'خسارة للإيرانيين نعم، لكنه ليس الضربة التي تنهي مشروعًا بأكمله'، مشيرًا إلى أن إيران قادرة على إعادة بناء منشآتها خلال عام أو أقل.
ما الذي جرى فعلًا؟ معلومات استخباراتية على الطاولة
تقرير 'معهد دراسة الحرب' الأميركي، بالتعاون مع 'مشروع التهديدات الحرجة'، وضع الأمور في سياق أكثر تفصيلًا، مشيرًا إلى أن الضربات الأميركية –الإسرائيلية استهدفت منشآت فوردو بدقة، ودمرت عددًا كبيرًا من أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-1 وIR-6، والتي كانت تُستخدم لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة الحرجة لإنتاج سلاح نووي.
التقرير أشار أيضًا إلى أن المنشآت -رغم أنها تحت الأرض ومحاطة بأنظمة دفاعية معقدة- إلا أنها تعرضت لدمار بالغ، مما أدى إلى دفن كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب تحت الأنقاض، ولكن تبقى المشكلة الجوهرية هنا؛ المتفجرات لا تدمر المادة النووية، بل تنثرها أو تدفنها، وهذا ما يفتح الباب أمام إمكانية استخراجها أو إعادة استخدامها.
كما بيَّنت التقارير أن تقييم الضرر ما يزال جاريًا، وأن المنشآت لم تنهار بالكامل، بل فقدت القدرة التشغيلية مؤقتًا، ما يعني أن إيران ما تزال تملك بعض أدوات العودة.
إيران… بين الإنكار والمناورة
في الجانب الآخر، بدت طهران حريصة على احتواء الموقف داخليًا دون تهوين حقيقي من حجم الضربة. فقد اعترف رئيس منظمة الطاقة الذرية بوقوع أضرار 'غير كارثية' في منشأة فوردو، في حين أكد المسؤول العسكري الإيراني محسن رضائي أن مخزون اليورانيوم تم نقله إلى أماكن آمنة مسبقًا، وهو ما أكده لاحقًا مسؤولون في مركز السلامة النووية الإيرانية، والذين شددوا على عدم رصد أي تسرّب إشعاعي خارج المواقع المستهدفة.
التقارير الإيرانية حاولت إرسال رسائل تطمينية للشعب، مفادها أن النظام مستعد، وأن الخطة كانت محسوبة، والضربة كانت متوقعة، ومع ذلك، تشير معلومات استخباراتية أوروبية إلى أن بعض أجزاء المشروع تأثرت فعليًا، وأن البنية التحتية ستحتاج إلى وقت لإعادة البناء، رغم أن إيران تملك بالفعل مئات من أجهزة الطرد المركزي الاحتياطية، وربما تسعى لنقل النشاط إلى مواقع جديدة.
لا
مفاوضات… والملف في حالة استنفار
السياسيون الإيرانيون، من جانبهم، لم يتركوا مجالًا للشك في نواياهم، فالموقف الرسمي كان واضحًا: لا عودة لطاولة التفاوض، ولا تراجع عن تخصيب اليورانيوم. هذا التصعيد السياسي يترجم حقيقة واحدة: الحلم النووي لا يزال حيًا؛ فهو ليس فقط مشروعًا علميًا أو صناعيًا، بل هوية استراتيجية بُنيت عليها عقيدة النظام الإيراني منذ عقود، وأحد عناصر قوته التفاوضية والدبلوماسية في المنطقة.
مشهد ضبابي… والقرار مؤجل
مع كل هذه التقديرات والتصريحات، يظل الوضع غائمًا، فالمعلومات متضاربة، والنتائج النهائية لم تُحسم بعد. إسرائيل تقول إن البرنامج 'غير قابل للعمل حاليًا'، والولايات المتحدة تزعم تحقيق نصر نوعي، بينما تؤكد إيران أنها قادرة على العودة للعمل خلال أشهر، وقد شرعت فعليًا في وضع خطة لاستعادة البنية التحتية وتشغيل البرنامج من جديد.
وبين الروايات الثلاث، يقف العالم منتظرًا، هل ينهض المشروع الإيراني من تحت الركام؟ أم أن حسابات ما بعد الضربة ستفرض على طهران واقعًا جديدًا؟
في النهاية… هل انتهى الحلم الإيراني في امتلاك سلاح نووي؟
هذا السؤال لا يملك أحد إجابة قاطعة عنه بعد. لكن ما يبدو مؤكدًا هو أن الضربة كانت قوية، لكنها لم تكن قاضية، وملف إيران النووي، كما كان دومًا، لا يُغلق بضربة عسكرية أو باتفاق دولي، بل هو نتاج إرادة سياسية متجذرة، وصراع إقليمي طويل النفس، لا تنهيه القنابل، بل تعيد ترتيبه فقط.
هل نشهد فصلًا جديدًا من مغامرة إيران نحو النووي؟ أم أن العواصف التي خلفتها القنابل الأميركية ستغير قواعد اللعبة للأبد؟ الجواب، كما يبدو، لا يزال مدفونًا تحت أنقاض فوردو.
الكاتب مي محمد المرسي مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم . كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
مي محمد المرسي عبد الرحمن بشير