#أحدث الأخبار مع #مجدي_القشاويالشرق الأوسطمنذ 4 أيامترفيهالشرق الأوسطقصص تلعب على وتر الموسيقىفي مجموعته القصصية «شروط الوردة»، الصادرة عن دار «العين» للنشر بالقاهرة، يضع الكاتب المصري مجدي القشاوي أثقال الحياة في مُعادلات شِعرية تتكئ على التأمل والحسّ الإنساني، تبدأ من العنوان نفسه الذي يستند إلى رمز جمالي شفيف؛ فالوردة، رغم دلالتها الحُرّة، تبدو هنا محكومة بشروط - شروط الحياة نفسها - وهي المفارقة التي تنفتح عليها قصص المجموعة؛ إذ تُجاهد الحياة للإنبات، وسط الثغرات التي تُربك مسارها نحو الاكتمال. ما بين «الخضوع» كاستراتيجية للبقاء، والتروّي في اختبار العالم، يُعدّد القشاوي أدوات اتصال أبطاله بالعالم؛ فيمنح «الطبيعة الأم» - التي تمثّل الوردة أحد تجلياتها - سطوتها المغيَّبة في عالم مكتظ بالفوضى البشرية. يتجلّى ذلك بدءاً من رسم مشاهد بصرية في افتتاحيات القصص، كما في قصة «وتر مصاب» حيث «سحابة وحيدة، تقف بعيداً ولا تُواجه»، وصولاً إلى منح الطبيعة مرونة لغوية تتجاوز لغة البشر في كثافتها وشفافيتها؛ فتظهر «الشمس» في فضاء المجموعة وكأنها ألف شمس، تُتولّد بشروقها الحكايات، وتلوح كمنتهى وخلاصة وجودية، وليست ابنة مشهد زمني متكرر: «لما تقدم به العمر، واجتاز مساحات، وشاهد الشمس تُشرق وتغيب على زراعات وصحارٍ، أدرك أن الحكايات لا تصل إلى نهاياتها»، لكنها مع ذلك تفرض هيمنة على الحكاية لتظهر كعنصر سردي راسخ، وسط جنون الطرق: «السيارات المُسرعة تدوس بعجلتيها الأماميتين على أشعّة الشمس السائلة»، أو تعيد تشكيل الزمن: «رأيت الشمس على بشرته تُجاهد لإعادة اللون الذي بهت»، هكذا تتعدد استخدامات الشمس في أكثر من قصة، لتصبح علامة متحوّلة، تجمع بين الزمن والذاكرة والبصيرة. يمنح القشاوي للضعف في المجموعة طاقة مُغايرة؛ إذ يضعه داخل سياقات تأملية تُراهن على قوة المُخيلة، وحُب الحياة؛ فبطل إحدى القصص الغارق في مسؤولياته العائلية يعبر الطريق للمستشفى بخفّة، ويشعر للحظة أنه «راقص»؛ يرسم بعينيه على الأسفلت أوتاراً، يلّف وكأنه في دائرة مُتسعة، فيلحق به كلبان يصاحبان خطواته الراقصة، فنبدو وكأننا أمام عرض مسرحي مُصغّر تكتنفه المفارقة؛ إذ يفتتح البطل بهذا المشهد فصلاً طويلاً من البؤس الذي سيلقاه داخل المستشفى، بما يضيء على أحد ملامح أبطال المجموعة الذين يستقبلون الأقدار بطواعية، ورضا من اختار أن يرى الحياة من نوافذها الصغيرة. أماكن سحرية الحياة «الممكنة» أحد اختيارات أبطال المجموعة، مُتسلحين بطاقات هائلة من الخيال؛ فبطل قصة «إنبات كثيف» يواجه الانتظار الطويل بأن يرسم شجرة ويجلس إلى ظلها، وبطل قصة «الشجر المُغنّي» يقرر بعد أن بلغ سن المعاش أن يزرع أمام بيته أربعاً من أشجار «السرح» التي طالما حاوطته خلال سنوات خدمته في منطقة سانت كاترين بسيناء، فيقرر أن يقوم بنقل أشجار ضخمة منها في موكب إلى قريته الصغيرة، ليظلّ لسنوات حتى رحيله يستمع لغنائها الساحر، ويشاركه أهل القرية النوم على وقع وشيشها الساحر، فتبدو الطبيعة هنا امتداداً للذات المنزوعة من أماكنها الأليفة، وللزمن الممسوس بالوحدة. كما يبدو الزمن الذي يُقاربه رُواة القصص كأنه مبعوث من آخره؛ إنه زمن الحكمة المتروكة على حواف الحكايات، أشبه بأصداء وصايا قديمة تُستعاد في لحظات الانكسار؛ ففي قصة «ينسحبون من العيون» يستسلم البطل لمنطق الأحلام وتأويلاتها. إنه يؤمن بحكايات الجدات، ويتعثر وهو باتجاه البحر في صديق مُتخيّل يلقّنه الوصايا: «سِر نحو مساحات لا تميّز فيها صوتاً من صوت ولا سعالاً من سعال ولا تنهيدة من تنهيدة، ولو خرج الأمر عن سيطرتك سُدّ بيديك أذنيك - تحديداً - عن بكاء الأطفال. اسلك طرقاً مختلفة لمشاويرك، ولا تدع الفرصة لذات الوجوه أن تقابلك على سلالم سكنك وصباحاتك... حاذر من الاندماج مع بطل أحببته في فيلم... قُم في المنتصف واصنع أصابع البطاطس... لا تُربّ كلباً جميلاً ولا قطة رقيقة، مرّر أصابعك على شعرها بالشارع، وامنحها من طعامك... لا تحفظ نداءات الباعة الذين يمرون أسفل شباكك... لا تزرع أزهاراً ولا نباتات عطرية... الطائر جميل جداً في سمائه، وأنت جميل جداً في أرضك». بهذا المنطق تبدو النجاة في التخلي، والتحرر من التعلّق بالبشر والحجر، عندها فقط «سيقل عدد من ينسحبون من عينيك»، كما يقول الصديق المُتخيّل الذي لا يلبث أن ينسحب هو من الحكاية، ليترك صاحبه في اشتياق لظهوره من جديد بحكمه الهامسة التي تُبدد لديه غيوم الوعي، وعتمة دواخله. «غُصن ووردة» يستثمر الكاتب طاقات الفنون البصرية والموسيقية لخلق مقاربات مع العالم النفسي لأبطاله؛ ففي قصة «غُصن ووردة» يصف البطل فتاة بأنها ترتدي الأسود، وعيناها سوداوان، و«وجهها مضيء بضوء رمبرانتي، اقتات المرض كل عتمة وجهها وروحها، وترك نوراً رائقاً»، ليخلق آصرة بين السرد القصصي والخبرة الجمالية المستندة لتقنية التلوين في أعمال الفنان الهولندي الأشهر رمبرانت التي يغلب عليها توظيف النور من قلب لوحاته لخلق تأثيرات درامية بالضوء. وفي القصة نفسها يمضي في لعبة التداخل بين الفنون؛ فحين يتورط البطل في الإعجاب بالفتاة، تباغته موسيقى لسيد درويش من أغنية «أنا عشقت»، عندها «يرى الموسيقى، ويميّز لها عدة ألوان»، في الوقت نفسه تنفكّ الحواس عن حدودها، لتدخل الكلمة، واللحن، واللون، في شبكة إدراكية واحدة، تمنح التجربة نبضاً شِعرياً. هذه الكثافة الحسيّة تتسلل أيضاً إلى اللغة التي تكتسب شحنة عاطفية ملموسة؛ فبطل إحدى القصص يصف رواية يقرأها بأنها «مثل رائحة ثمرة في غابة»، وفي قصة أخرى تصبح الكلمات نفسها كيانات حائرة، مفقودة في بحر، تحتاج إلى صبر طويل حتى تُفرز حمولتها الشعورية، وكأنها صيد نادر: «يصطاد الحكايات واحدة واحدة، مفضلاً الطازجة منها، الزمن سمكة طازجة، رائحته ولونه يكفيانها». هكذا لا يُقدّم القشاوي الحكاية كحكاية فقط، بل كعالمٍ حسيّ ملموس، يتداخل فيه الزمن بالطعم والرائحة، وتتجاور اللغة مع الضوء، والموسيقى مع ظلال الأشجار.
الشرق الأوسطمنذ 4 أيامترفيهالشرق الأوسطقصص تلعب على وتر الموسيقىفي مجموعته القصصية «شروط الوردة»، الصادرة عن دار «العين» للنشر بالقاهرة، يضع الكاتب المصري مجدي القشاوي أثقال الحياة في مُعادلات شِعرية تتكئ على التأمل والحسّ الإنساني، تبدأ من العنوان نفسه الذي يستند إلى رمز جمالي شفيف؛ فالوردة، رغم دلالتها الحُرّة، تبدو هنا محكومة بشروط - شروط الحياة نفسها - وهي المفارقة التي تنفتح عليها قصص المجموعة؛ إذ تُجاهد الحياة للإنبات، وسط الثغرات التي تُربك مسارها نحو الاكتمال. ما بين «الخضوع» كاستراتيجية للبقاء، والتروّي في اختبار العالم، يُعدّد القشاوي أدوات اتصال أبطاله بالعالم؛ فيمنح «الطبيعة الأم» - التي تمثّل الوردة أحد تجلياتها - سطوتها المغيَّبة في عالم مكتظ بالفوضى البشرية. يتجلّى ذلك بدءاً من رسم مشاهد بصرية في افتتاحيات القصص، كما في قصة «وتر مصاب» حيث «سحابة وحيدة، تقف بعيداً ولا تُواجه»، وصولاً إلى منح الطبيعة مرونة لغوية تتجاوز لغة البشر في كثافتها وشفافيتها؛ فتظهر «الشمس» في فضاء المجموعة وكأنها ألف شمس، تُتولّد بشروقها الحكايات، وتلوح كمنتهى وخلاصة وجودية، وليست ابنة مشهد زمني متكرر: «لما تقدم به العمر، واجتاز مساحات، وشاهد الشمس تُشرق وتغيب على زراعات وصحارٍ، أدرك أن الحكايات لا تصل إلى نهاياتها»، لكنها مع ذلك تفرض هيمنة على الحكاية لتظهر كعنصر سردي راسخ، وسط جنون الطرق: «السيارات المُسرعة تدوس بعجلتيها الأماميتين على أشعّة الشمس السائلة»، أو تعيد تشكيل الزمن: «رأيت الشمس على بشرته تُجاهد لإعادة اللون الذي بهت»، هكذا تتعدد استخدامات الشمس في أكثر من قصة، لتصبح علامة متحوّلة، تجمع بين الزمن والذاكرة والبصيرة. يمنح القشاوي للضعف في المجموعة طاقة مُغايرة؛ إذ يضعه داخل سياقات تأملية تُراهن على قوة المُخيلة، وحُب الحياة؛ فبطل إحدى القصص الغارق في مسؤولياته العائلية يعبر الطريق للمستشفى بخفّة، ويشعر للحظة أنه «راقص»؛ يرسم بعينيه على الأسفلت أوتاراً، يلّف وكأنه في دائرة مُتسعة، فيلحق به كلبان يصاحبان خطواته الراقصة، فنبدو وكأننا أمام عرض مسرحي مُصغّر تكتنفه المفارقة؛ إذ يفتتح البطل بهذا المشهد فصلاً طويلاً من البؤس الذي سيلقاه داخل المستشفى، بما يضيء على أحد ملامح أبطال المجموعة الذين يستقبلون الأقدار بطواعية، ورضا من اختار أن يرى الحياة من نوافذها الصغيرة. أماكن سحرية الحياة «الممكنة» أحد اختيارات أبطال المجموعة، مُتسلحين بطاقات هائلة من الخيال؛ فبطل قصة «إنبات كثيف» يواجه الانتظار الطويل بأن يرسم شجرة ويجلس إلى ظلها، وبطل قصة «الشجر المُغنّي» يقرر بعد أن بلغ سن المعاش أن يزرع أمام بيته أربعاً من أشجار «السرح» التي طالما حاوطته خلال سنوات خدمته في منطقة سانت كاترين بسيناء، فيقرر أن يقوم بنقل أشجار ضخمة منها في موكب إلى قريته الصغيرة، ليظلّ لسنوات حتى رحيله يستمع لغنائها الساحر، ويشاركه أهل القرية النوم على وقع وشيشها الساحر، فتبدو الطبيعة هنا امتداداً للذات المنزوعة من أماكنها الأليفة، وللزمن الممسوس بالوحدة. كما يبدو الزمن الذي يُقاربه رُواة القصص كأنه مبعوث من آخره؛ إنه زمن الحكمة المتروكة على حواف الحكايات، أشبه بأصداء وصايا قديمة تُستعاد في لحظات الانكسار؛ ففي قصة «ينسحبون من العيون» يستسلم البطل لمنطق الأحلام وتأويلاتها. إنه يؤمن بحكايات الجدات، ويتعثر وهو باتجاه البحر في صديق مُتخيّل يلقّنه الوصايا: «سِر نحو مساحات لا تميّز فيها صوتاً من صوت ولا سعالاً من سعال ولا تنهيدة من تنهيدة، ولو خرج الأمر عن سيطرتك سُدّ بيديك أذنيك - تحديداً - عن بكاء الأطفال. اسلك طرقاً مختلفة لمشاويرك، ولا تدع الفرصة لذات الوجوه أن تقابلك على سلالم سكنك وصباحاتك... حاذر من الاندماج مع بطل أحببته في فيلم... قُم في المنتصف واصنع أصابع البطاطس... لا تُربّ كلباً جميلاً ولا قطة رقيقة، مرّر أصابعك على شعرها بالشارع، وامنحها من طعامك... لا تحفظ نداءات الباعة الذين يمرون أسفل شباكك... لا تزرع أزهاراً ولا نباتات عطرية... الطائر جميل جداً في سمائه، وأنت جميل جداً في أرضك». بهذا المنطق تبدو النجاة في التخلي، والتحرر من التعلّق بالبشر والحجر، عندها فقط «سيقل عدد من ينسحبون من عينيك»، كما يقول الصديق المُتخيّل الذي لا يلبث أن ينسحب هو من الحكاية، ليترك صاحبه في اشتياق لظهوره من جديد بحكمه الهامسة التي تُبدد لديه غيوم الوعي، وعتمة دواخله. «غُصن ووردة» يستثمر الكاتب طاقات الفنون البصرية والموسيقية لخلق مقاربات مع العالم النفسي لأبطاله؛ ففي قصة «غُصن ووردة» يصف البطل فتاة بأنها ترتدي الأسود، وعيناها سوداوان، و«وجهها مضيء بضوء رمبرانتي، اقتات المرض كل عتمة وجهها وروحها، وترك نوراً رائقاً»، ليخلق آصرة بين السرد القصصي والخبرة الجمالية المستندة لتقنية التلوين في أعمال الفنان الهولندي الأشهر رمبرانت التي يغلب عليها توظيف النور من قلب لوحاته لخلق تأثيرات درامية بالضوء. وفي القصة نفسها يمضي في لعبة التداخل بين الفنون؛ فحين يتورط البطل في الإعجاب بالفتاة، تباغته موسيقى لسيد درويش من أغنية «أنا عشقت»، عندها «يرى الموسيقى، ويميّز لها عدة ألوان»، في الوقت نفسه تنفكّ الحواس عن حدودها، لتدخل الكلمة، واللحن، واللون، في شبكة إدراكية واحدة، تمنح التجربة نبضاً شِعرياً. هذه الكثافة الحسيّة تتسلل أيضاً إلى اللغة التي تكتسب شحنة عاطفية ملموسة؛ فبطل إحدى القصص يصف رواية يقرأها بأنها «مثل رائحة ثمرة في غابة»، وفي قصة أخرى تصبح الكلمات نفسها كيانات حائرة، مفقودة في بحر، تحتاج إلى صبر طويل حتى تُفرز حمولتها الشعورية، وكأنها صيد نادر: «يصطاد الحكايات واحدة واحدة، مفضلاً الطازجة منها، الزمن سمكة طازجة، رائحته ولونه يكفيانها». هكذا لا يُقدّم القشاوي الحكاية كحكاية فقط، بل كعالمٍ حسيّ ملموس، يتداخل فيه الزمن بالطعم والرائحة، وتتجاور اللغة مع الضوء، والموسيقى مع ظلال الأشجار.