#أحدث الأخبار مع #محاوراتهاشمالنحاس»،بوابة الأهرام٠٨-٠٥-٢٠٢٥ترفيهبوابة الأهرامأسس «معهد السيناريو» عام 1963 وكان الأول من نوعه.. صلاح أبوسيف فى شهادة يوسف فرنسيس: «يمتلك عين الناقد».. و«بلغ ذروة الإتقان فى زفاف الموت»لم ينل السينمائى الكبير صلاح أبوسيف (1915 ــ 1996) لقب «مخرج الواقعية» من فراغ. فهو أحد أهم المخرجين الذين حولوا مسار «السينما المصرية» من مجرد الإمتاع والترفيه إلى توجه أساسى وأكثر تأثيرا وأهمية. وهوالتثقيف ونشر الوعى، فأفلامه كانت تتسم بالرؤى الناضجة التى تثير التساؤل لدى المشاهد المصرى والعربى وتوجه تفكيره، بعد أن تكشف الكثير عن واقعه، وتبحث فى أعماقه. وكما صرح أبوسيف نفسه، فإن نشأته فى بيئة شعبية، وما عناه ذلك بالنسبة لتكوينه، جعله يبدع فى تصوير تلك البيئة، وجعل منه رسول البسطاء عبر شاشة السينما. «شهق» رائحة أحياء وأزقة وريف مصر حتى امتلأ قلبه وعقله، وعاد لـ«يزفرها» فى أعماله السينمائية المبدعة، وذلك وفقا لفكر واضح وعقيدة فنية ملهمة، تبينت ملامحها فى لقاءات شتى جمعت مخرج الواقعية بمحرر «الأهرام». ولا أنسب استدعاء أسس هذا الاعتقاد ومعالم هذا الفكر إلى الذكرى الـ110 لميلاد صلاح أبوسيف والتى توافق غدا، العاشر من مايوعام 1915. وذلك وفقا لما ورد فى «الأهرام». وبصحبة إحسان عبدالقدوس ونجوم «الوسادة الخالية» فى 17 مايو 1975، كتب الكاتب والفنان الموسوعى يوسف فرنسيس (1934 ـ 2001) تحت عنوان «نجوم تحت الشمس، لا..الجمهور مش عايز كده»، ويحكى فيه فرنسيس عن اختيار صلاح أبوسيف للمشاركة بثمانية من أفلامه فى مهرجان خاص بـ«جماعة الفن والتجربة الفرنسية» فى باريس، وهى المرة الأولى التى يعرض فيها المهرجان أفلاما مصرية لمخرج واحد. «الفتوة» و«بداية ونهاية»: وأورد فرنسيس ما كان من حوار أجراه مع أبوسيف بمناسبة سفره، ومما جاء فيه: « تتسع ابتسامة صلاح أبوسيف ويقول: أنا ابن بلد مكافح، مثلى الأعلى الإنسان الجدع، الذى يملك صفات الشهامة، إن الاشتراكية بأجلى معانيها فى أولاد البلد، لذلك لا اكتفى بأننى قد ولدت بينهم، ولكن أحب دائما أن أظهرهم فى أفلامى، إنهم نماذج صادقة للسينما». ويعلق فرنسيس واصفا أبوسيف، فيقول: «إنه صلاح أبوسيف ابن البلد الذى يغادر شمس مصر ليعرض أفلامه تحت شمس أخرى، ويثبت أن (الفتوة) الذى أخرجه فى 1956 مازال يملك القدرة على مواجهة أى جمهور». ويعود فرنسيس فى 1985، ليحتفل بالعيد الـ70 لميلاد أبوسيف، فينشر فى عدد 29 أبريل 1985 أدوار أبوسيف الفنية المتعددة ما بين النقد والإخراج وعمل المونتير السينمائى، وذلك تحت عنوان «70 شمعة مع صلاح أبوسيف أستاذا ومخرجا». يتساءل فرنسيس قائلاً: «هل كان ميلاد المخرج مع ميلاد ناقد مجلات أبوالهول والعروبة والصباح؟!، أم كان ميلاده الحقيقى مخرجا فى حجرة المونتاج باستديومصر، ومساعدا لكمال سليم، متفهما فى صبر عملية صناعة الفيلم؟». عن تلك البدايات، كان صلاح أبوسيف قد روى للمخرج والناقد السينمائى هاشم النحاس، الذى قدم كتاب «صلاح أبوسيف، محاورات هاشم النحاس»، عن ملابسات تقديم أول فيلم روائى طويل يقوم بإخراجه، وذلك فى عام 1946، فيقول: «كانت رغبتى ملحة فى إخراج فيلم روائى طويل، رفض الأستوديو، لأنهم لم يجدوا من يحل محلى فى المونتاج، هددت بترك العمل، حاولوا الاتفاق مع هنرى بركات ليحل محلى، طلب مرتبا أكبر، فعادوا للرفض، حتى عرضت على عقيلة راتب فكرة فيلم مقتبس من فيلم أجنبى، كتبت السيناريووساعدنى فى الحوار سيد بدير، وقرأته على بركات وكمال سليم». كان هذا أول فيلم روائى طويل للمخرج صلاح أبوسيف، وحمل عنوان «دايماً فى قلبى». وبالعودة إلى احتفالية فرنسيس بعيد أبوسيف الـ70، فيجد القارئ أن الكاتب يجيب على ما أسلف وطرحه من أسئلة. فيشرح فرنسيس سر براعة أبوسيف فى مختلف الأدوار الفنية التى لعبها، موضحا: «لا شك أن صلاح أبوسيف يملك عين الناقد الذى يستطيع أن يحتوى الكل الفنى، وعين فنان المونتاج الذى يتحكم فى إيقاع المشهد وتتابع الفيلم، ويصل به فى النهاية إلى الذروة المتقنة». ثم يذكر أمثلة لإبداع أبوسيف:»..المشهد الذى يعتبر نموذجا للمونتاج الخلاق المملوء بالإيحاءات، مشهد زفاف الموت ـ كما أسماه أحد نقاد الغرب ـ فى فيلم ريا وسكينة، حيث رقصة الضحية وسط الدفوف والقطعات العظيمة الفهم فنياً ودرامياً، والنموذج الرائع الذى بهرنا دائماً (بداية ونهاية) لنجيب محفوظ، حيث تصاحب الأحداث الأبطال فى تصاعد مطرد حتى قمة الدراما، وحيث يعيش هذا الفيلم إلى اليوم لا يقبل إضافة كادر واحد أوحذفه». ومن إبداعه كمخرج ومونتير، يتحدث فرنسيس عن إبداع أبوسيف كناقد فنى فيقول: «إن حاسة النقد عند صلاح أبوسيف لما حوله صنعت المادة الأولية لمعظم أفلامه كمحرك درامى أحيانا للأحداث، وهذا ما جعله يتردد ثلاثة أشهر على سوق الخضار قبل اخراج فيلم (الفتوة) لفريد شوقى». عن كواليس ذلك الفيلم ـ «الفتوة» ـ يقول أبوسيف لهاشم النحاس: «فى مكتب فريد شوقى، مر علينا أحد الأصدقاء وقال تصوروا الطماطم النهاردة بـ20 قرشا، ودار الحوار حول التلاعب بأسعار الخضار... أثار الموضوع انتباهي... قضيت نحو شهرين أذهب لسوق الخضار يوميا، أدرس ماذا يجرى فى السوق... ولما كنت أقضى كل يوم دون أن اشترى، الباعة تشككوا فى شخصيتى، وانقذنى منهم واحد من كبار التجار، أخذنى إلى مكتبه، واكتشفت عنده ثلاجة الفاكهة الضخمة، التى أوحت لى بالمشهد المهم داخل الثلاجة فى الفيلم». التجديد فى «بين السماء والأرض» «بين السماء والأرض» و«البداية»: عن علاقة صلاح أبوسيف بطلابه والمخرجين الشباب، يقول فرنسيس: «أستاذية صلاح أبوسيف الحقيقية هى مقدرته العظيمة على زمالة طلبته، بل والاستعانة بهم فى عمله، مؤمنا بالشباب وبالجديد، كان أول من فتح أبواب معهد السيناريوأمامنا، وسعادته بتخريج دفعة عملت معه كانت بالغة». و«معهد السيناريو» ـ كما أشار له هاشم النحاس فى كتابه السابق ذكره ـ أنشأه صلاح أبوسيف فى عام 1963، ويعد أول وآخر معهد من نوعه فى مصر. ظلت أبوابه مفتوحة لمدة أربعة أعوام تقريباً. ولعل هنا، يجدر التمهل أمام تجربة أبوسيف مع أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ (1911 ـ 2006). يروى محفوظ فى كتاب «نجيب محفوظ على الشاشة» بأنه عندما سأل أبوسيف عما هوالسيناريو؟، أوهمه بأن كتابة السيناريولا تختلف عما يكتبه، ويعترف محفوظ قائلاً: «الحقيقة أننى تعلمت كتابة السيناريوعلى يد صلاح أبوسيف، كان يشرح لى فى كل مرحلة ما هوالمطلوب منى بالضبط، وبعد أن أنفذه أعرضه عليه للمناقشة». وبالعودة إلى ما كتبه فرنسيس عام 1985، فإنه يقول : «إذا تكلمنا عن الجديد فى فنه كمخرج، فلا يمكن أن ننسى تجربته الجديدة فى حشد أبطال قصة تدور فى مصعد معطل بين الأرض والسماء». وعن سبب اختيار تلك الفكرة، يحكى أبوسيف فى كتاب هاشم النحاس، فيقول: «كانت زوجتى حاملا وكنا فى الطريق إلى الدكتور، وفى المصعد انقطع التيار الكهربائى لمدة تقرب على ساعة، وشعرنا أن الموت يقترب منا، فى نفس الليلة توجهت إلى نجيب محفوظ فى مقهى بورفؤاد فى شارع فؤاد، وعرضت عليه الفكرة، وأعجبته، وعملنا بها نحو ما يقرب من سنة أو أكثر». وفى حوار أهرامى آخر لمخرج الواقعية نشر بتاريخ 17 فبراير 1986، أجراه مع الصحفية ماجدة حليم، شرح فيه أسباب ابتعاده عن الإخراج، فقال: «أنا لم أمتنع عن الاخراج، فقد كنت احضر لفيلم اليرموك الذى يلى القادسية (إنتاج 1981)، وكان كل شيء جاهزا لكن الظروف منعتني. وفيلمى الجديد هومحاولة لتقديم فيلم سياسى بشكل كوميدى، أبطاله 12 شخصاً وفى مكان واحد، وهم يمثلون المهن المختلفة والأخلاقيات المختلفة، وعندما تضطرهم الظروف للحياة معا سنرى ماذا يحدث». ويقصد هنا فيلم «البداية» من بطولة النجوم جميل راتب وأحمد زكى ويسرا وصفية العمرى وسعاد نصر. عن تلك الفترة يقول صلاح أبوسيف فى كتاب هاشم النحاس: «بعد القادسية مرت بى مرحلة من الضيق النفسى وعدم القابلية للعمل وقرف عام لا أستطيع تحديد أسبابه، وظلت هذه الحالة نحو 6 سنوات، وكان الناقد سمير فريد يعمل فى شركة حسين القلا، فأقترح عليه أن يقوم بإخراج (البداية)، ولكن المنتجين لم يرحبوا بإنتاجه من الشكل الفانتازى الجديد، إلى أن وافق حسين الملا على إنتاجه». وكان فى «البداية» خير تعويض عن فترة الجمود التى مر بها أبوسيف. فوفقا لصفحة السينما فى عدد 31 أغسطس 1987، ولعنوان الخبر «عصا شارلى شابلن الذهبية للمخرج صلاح أبوسيف»، فإن فيلم «البداية» نال «جائزة العصا الذهبية» فى «المهرجان السابع لأفلام الكوميديا»، والمقام فى بلدة «فيفاى» السويسرية، والتى كان يقيم فيها الفنان شارلى شابلن. وعن تلك الجائزة وهذا المهرجان، يروى أبوسيف لهاشم النحاس: «التجاوب المتواصل بالضحك من جمهور المهرجان عندما عرض الفيلم جعلنى أشك فى أن يكون الجمهور من المصريين أوالعرب، وليس من السويسريين، وانتظرت بعد العرض أبحلق فى وجوههم، فلم أجد أحدًا من المصريين أوالعرب... فى حفل الختام بدأت إدارة المهرجان بتوزيع الجوائز الصغيرة، وعندما أعلنوا النتيجة بفوز فيلم البداية بجائزة الجمهور، وجدت نفسى أقفز من مقعدى إلى المنصة، وحصلت على عصا شارلى شابلن من بين 22 دولة». كانت هذه رحلة وإنجاز الفنان الذى يقيم أعماله بعين الناقد. ولذلك فى عام 1992 جمع صلاح أبوسيف مقالات النقد التى تناولت أفلامه، ليطبعها فى كتاب حمل عنوان «صلاح أبوسيف والنقاد». وكان هذا الكتاب وراء ما أوردته الصحفية عواطف صادق فى عدد «الأهرام» المؤرخ 28 سبتمبر 1992 بعنوان «صلاح أبوسيف وقهوة الصباح». فكتبت تقول: «كتاب صلاح أبوسيف والنقاد، تجربة فنان مع بعض النقاد يسجل فيه دهشته،فمن كتبوا وصاحبوا أفلامه ثم مدحوها أوأعجبوا بها فيما بعد، وهذا إجحاف بالفنان والكتاب، فهناك كثير من المجهول فى حياة صلاح أبوسيف مع النقاد، فقد عاش عمره ومعظم وقته مع مئات بل آلاف النقاد والصحفيين، ويشهد على ذلك قهوة الصباح التى تبدأ فى السابعة منذ 33 عاماً، انتقلت من «لاباس» إلى «جروبى» إلى «البرازيلى» إلى «سيمندس» وانتهى بها المطاف وحتى الآن فى «كوزموبوليتاين»، لينتظر شباب الصحفيين من كل البلاد آخر رشفة فى القهوة ليبدأ يومه معهم، وتضم قهوة الصباح خليطاً من الشخصيات، مهندسين ومحاسبين ومحامين ومصورين ورجال أعمال، أشخاصًا ليس لهم علاقة بالسينما ولكن يربطهم جميعاً حب الفن والفنانين، وقد استوقفت سينما صلاح أبوسيف النقاد فى الخارج، وقد شاهدت حماسه الشديد لأصغر صحفى مثل كبار النقاد الذين كتبوا عنه، وفى مهرجان لاروشيل منذ شهرين وجدته يحضر أفلامه مع الجمهور ليعيد اكتشافها معه، لأن النقاد والمشاهدين يسألونه فى تفاصيل دقيقة هونفسه لم يلحظها». هكذا كانت بعض ملامح التجربة الفنية والإنسانية لصلاح أبوسيف، مخرج الواقعية صاحب العيد 110، وذلك وفقا لما ورد فى «الأهرام». «كادر» مبدع ومعبر فى فيلم «القاهرة 30»
بوابة الأهرام٠٨-٠٥-٢٠٢٥ترفيهبوابة الأهرامأسس «معهد السيناريو» عام 1963 وكان الأول من نوعه.. صلاح أبوسيف فى شهادة يوسف فرنسيس: «يمتلك عين الناقد».. و«بلغ ذروة الإتقان فى زفاف الموت»لم ينل السينمائى الكبير صلاح أبوسيف (1915 ــ 1996) لقب «مخرج الواقعية» من فراغ. فهو أحد أهم المخرجين الذين حولوا مسار «السينما المصرية» من مجرد الإمتاع والترفيه إلى توجه أساسى وأكثر تأثيرا وأهمية. وهوالتثقيف ونشر الوعى، فأفلامه كانت تتسم بالرؤى الناضجة التى تثير التساؤل لدى المشاهد المصرى والعربى وتوجه تفكيره، بعد أن تكشف الكثير عن واقعه، وتبحث فى أعماقه. وكما صرح أبوسيف نفسه، فإن نشأته فى بيئة شعبية، وما عناه ذلك بالنسبة لتكوينه، جعله يبدع فى تصوير تلك البيئة، وجعل منه رسول البسطاء عبر شاشة السينما. «شهق» رائحة أحياء وأزقة وريف مصر حتى امتلأ قلبه وعقله، وعاد لـ«يزفرها» فى أعماله السينمائية المبدعة، وذلك وفقا لفكر واضح وعقيدة فنية ملهمة، تبينت ملامحها فى لقاءات شتى جمعت مخرج الواقعية بمحرر «الأهرام». ولا أنسب استدعاء أسس هذا الاعتقاد ومعالم هذا الفكر إلى الذكرى الـ110 لميلاد صلاح أبوسيف والتى توافق غدا، العاشر من مايوعام 1915. وذلك وفقا لما ورد فى «الأهرام». وبصحبة إحسان عبدالقدوس ونجوم «الوسادة الخالية» فى 17 مايو 1975، كتب الكاتب والفنان الموسوعى يوسف فرنسيس (1934 ـ 2001) تحت عنوان «نجوم تحت الشمس، لا..الجمهور مش عايز كده»، ويحكى فيه فرنسيس عن اختيار صلاح أبوسيف للمشاركة بثمانية من أفلامه فى مهرجان خاص بـ«جماعة الفن والتجربة الفرنسية» فى باريس، وهى المرة الأولى التى يعرض فيها المهرجان أفلاما مصرية لمخرج واحد. «الفتوة» و«بداية ونهاية»: وأورد فرنسيس ما كان من حوار أجراه مع أبوسيف بمناسبة سفره، ومما جاء فيه: « تتسع ابتسامة صلاح أبوسيف ويقول: أنا ابن بلد مكافح، مثلى الأعلى الإنسان الجدع، الذى يملك صفات الشهامة، إن الاشتراكية بأجلى معانيها فى أولاد البلد، لذلك لا اكتفى بأننى قد ولدت بينهم، ولكن أحب دائما أن أظهرهم فى أفلامى، إنهم نماذج صادقة للسينما». ويعلق فرنسيس واصفا أبوسيف، فيقول: «إنه صلاح أبوسيف ابن البلد الذى يغادر شمس مصر ليعرض أفلامه تحت شمس أخرى، ويثبت أن (الفتوة) الذى أخرجه فى 1956 مازال يملك القدرة على مواجهة أى جمهور». ويعود فرنسيس فى 1985، ليحتفل بالعيد الـ70 لميلاد أبوسيف، فينشر فى عدد 29 أبريل 1985 أدوار أبوسيف الفنية المتعددة ما بين النقد والإخراج وعمل المونتير السينمائى، وذلك تحت عنوان «70 شمعة مع صلاح أبوسيف أستاذا ومخرجا». يتساءل فرنسيس قائلاً: «هل كان ميلاد المخرج مع ميلاد ناقد مجلات أبوالهول والعروبة والصباح؟!، أم كان ميلاده الحقيقى مخرجا فى حجرة المونتاج باستديومصر، ومساعدا لكمال سليم، متفهما فى صبر عملية صناعة الفيلم؟». عن تلك البدايات، كان صلاح أبوسيف قد روى للمخرج والناقد السينمائى هاشم النحاس، الذى قدم كتاب «صلاح أبوسيف، محاورات هاشم النحاس»، عن ملابسات تقديم أول فيلم روائى طويل يقوم بإخراجه، وذلك فى عام 1946، فيقول: «كانت رغبتى ملحة فى إخراج فيلم روائى طويل، رفض الأستوديو، لأنهم لم يجدوا من يحل محلى فى المونتاج، هددت بترك العمل، حاولوا الاتفاق مع هنرى بركات ليحل محلى، طلب مرتبا أكبر، فعادوا للرفض، حتى عرضت على عقيلة راتب فكرة فيلم مقتبس من فيلم أجنبى، كتبت السيناريووساعدنى فى الحوار سيد بدير، وقرأته على بركات وكمال سليم». كان هذا أول فيلم روائى طويل للمخرج صلاح أبوسيف، وحمل عنوان «دايماً فى قلبى». وبالعودة إلى احتفالية فرنسيس بعيد أبوسيف الـ70، فيجد القارئ أن الكاتب يجيب على ما أسلف وطرحه من أسئلة. فيشرح فرنسيس سر براعة أبوسيف فى مختلف الأدوار الفنية التى لعبها، موضحا: «لا شك أن صلاح أبوسيف يملك عين الناقد الذى يستطيع أن يحتوى الكل الفنى، وعين فنان المونتاج الذى يتحكم فى إيقاع المشهد وتتابع الفيلم، ويصل به فى النهاية إلى الذروة المتقنة». ثم يذكر أمثلة لإبداع أبوسيف:»..المشهد الذى يعتبر نموذجا للمونتاج الخلاق المملوء بالإيحاءات، مشهد زفاف الموت ـ كما أسماه أحد نقاد الغرب ـ فى فيلم ريا وسكينة، حيث رقصة الضحية وسط الدفوف والقطعات العظيمة الفهم فنياً ودرامياً، والنموذج الرائع الذى بهرنا دائماً (بداية ونهاية) لنجيب محفوظ، حيث تصاحب الأحداث الأبطال فى تصاعد مطرد حتى قمة الدراما، وحيث يعيش هذا الفيلم إلى اليوم لا يقبل إضافة كادر واحد أوحذفه». ومن إبداعه كمخرج ومونتير، يتحدث فرنسيس عن إبداع أبوسيف كناقد فنى فيقول: «إن حاسة النقد عند صلاح أبوسيف لما حوله صنعت المادة الأولية لمعظم أفلامه كمحرك درامى أحيانا للأحداث، وهذا ما جعله يتردد ثلاثة أشهر على سوق الخضار قبل اخراج فيلم (الفتوة) لفريد شوقى». عن كواليس ذلك الفيلم ـ «الفتوة» ـ يقول أبوسيف لهاشم النحاس: «فى مكتب فريد شوقى، مر علينا أحد الأصدقاء وقال تصوروا الطماطم النهاردة بـ20 قرشا، ودار الحوار حول التلاعب بأسعار الخضار... أثار الموضوع انتباهي... قضيت نحو شهرين أذهب لسوق الخضار يوميا، أدرس ماذا يجرى فى السوق... ولما كنت أقضى كل يوم دون أن اشترى، الباعة تشككوا فى شخصيتى، وانقذنى منهم واحد من كبار التجار، أخذنى إلى مكتبه، واكتشفت عنده ثلاجة الفاكهة الضخمة، التى أوحت لى بالمشهد المهم داخل الثلاجة فى الفيلم». التجديد فى «بين السماء والأرض» «بين السماء والأرض» و«البداية»: عن علاقة صلاح أبوسيف بطلابه والمخرجين الشباب، يقول فرنسيس: «أستاذية صلاح أبوسيف الحقيقية هى مقدرته العظيمة على زمالة طلبته، بل والاستعانة بهم فى عمله، مؤمنا بالشباب وبالجديد، كان أول من فتح أبواب معهد السيناريوأمامنا، وسعادته بتخريج دفعة عملت معه كانت بالغة». و«معهد السيناريو» ـ كما أشار له هاشم النحاس فى كتابه السابق ذكره ـ أنشأه صلاح أبوسيف فى عام 1963، ويعد أول وآخر معهد من نوعه فى مصر. ظلت أبوابه مفتوحة لمدة أربعة أعوام تقريباً. ولعل هنا، يجدر التمهل أمام تجربة أبوسيف مع أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ (1911 ـ 2006). يروى محفوظ فى كتاب «نجيب محفوظ على الشاشة» بأنه عندما سأل أبوسيف عما هوالسيناريو؟، أوهمه بأن كتابة السيناريولا تختلف عما يكتبه، ويعترف محفوظ قائلاً: «الحقيقة أننى تعلمت كتابة السيناريوعلى يد صلاح أبوسيف، كان يشرح لى فى كل مرحلة ما هوالمطلوب منى بالضبط، وبعد أن أنفذه أعرضه عليه للمناقشة». وبالعودة إلى ما كتبه فرنسيس عام 1985، فإنه يقول : «إذا تكلمنا عن الجديد فى فنه كمخرج، فلا يمكن أن ننسى تجربته الجديدة فى حشد أبطال قصة تدور فى مصعد معطل بين الأرض والسماء». وعن سبب اختيار تلك الفكرة، يحكى أبوسيف فى كتاب هاشم النحاس، فيقول: «كانت زوجتى حاملا وكنا فى الطريق إلى الدكتور، وفى المصعد انقطع التيار الكهربائى لمدة تقرب على ساعة، وشعرنا أن الموت يقترب منا، فى نفس الليلة توجهت إلى نجيب محفوظ فى مقهى بورفؤاد فى شارع فؤاد، وعرضت عليه الفكرة، وأعجبته، وعملنا بها نحو ما يقرب من سنة أو أكثر». وفى حوار أهرامى آخر لمخرج الواقعية نشر بتاريخ 17 فبراير 1986، أجراه مع الصحفية ماجدة حليم، شرح فيه أسباب ابتعاده عن الإخراج، فقال: «أنا لم أمتنع عن الاخراج، فقد كنت احضر لفيلم اليرموك الذى يلى القادسية (إنتاج 1981)، وكان كل شيء جاهزا لكن الظروف منعتني. وفيلمى الجديد هومحاولة لتقديم فيلم سياسى بشكل كوميدى، أبطاله 12 شخصاً وفى مكان واحد، وهم يمثلون المهن المختلفة والأخلاقيات المختلفة، وعندما تضطرهم الظروف للحياة معا سنرى ماذا يحدث». ويقصد هنا فيلم «البداية» من بطولة النجوم جميل راتب وأحمد زكى ويسرا وصفية العمرى وسعاد نصر. عن تلك الفترة يقول صلاح أبوسيف فى كتاب هاشم النحاس: «بعد القادسية مرت بى مرحلة من الضيق النفسى وعدم القابلية للعمل وقرف عام لا أستطيع تحديد أسبابه، وظلت هذه الحالة نحو 6 سنوات، وكان الناقد سمير فريد يعمل فى شركة حسين القلا، فأقترح عليه أن يقوم بإخراج (البداية)، ولكن المنتجين لم يرحبوا بإنتاجه من الشكل الفانتازى الجديد، إلى أن وافق حسين الملا على إنتاجه». وكان فى «البداية» خير تعويض عن فترة الجمود التى مر بها أبوسيف. فوفقا لصفحة السينما فى عدد 31 أغسطس 1987، ولعنوان الخبر «عصا شارلى شابلن الذهبية للمخرج صلاح أبوسيف»، فإن فيلم «البداية» نال «جائزة العصا الذهبية» فى «المهرجان السابع لأفلام الكوميديا»، والمقام فى بلدة «فيفاى» السويسرية، والتى كان يقيم فيها الفنان شارلى شابلن. وعن تلك الجائزة وهذا المهرجان، يروى أبوسيف لهاشم النحاس: «التجاوب المتواصل بالضحك من جمهور المهرجان عندما عرض الفيلم جعلنى أشك فى أن يكون الجمهور من المصريين أوالعرب، وليس من السويسريين، وانتظرت بعد العرض أبحلق فى وجوههم، فلم أجد أحدًا من المصريين أوالعرب... فى حفل الختام بدأت إدارة المهرجان بتوزيع الجوائز الصغيرة، وعندما أعلنوا النتيجة بفوز فيلم البداية بجائزة الجمهور، وجدت نفسى أقفز من مقعدى إلى المنصة، وحصلت على عصا شارلى شابلن من بين 22 دولة». كانت هذه رحلة وإنجاز الفنان الذى يقيم أعماله بعين الناقد. ولذلك فى عام 1992 جمع صلاح أبوسيف مقالات النقد التى تناولت أفلامه، ليطبعها فى كتاب حمل عنوان «صلاح أبوسيف والنقاد». وكان هذا الكتاب وراء ما أوردته الصحفية عواطف صادق فى عدد «الأهرام» المؤرخ 28 سبتمبر 1992 بعنوان «صلاح أبوسيف وقهوة الصباح». فكتبت تقول: «كتاب صلاح أبوسيف والنقاد، تجربة فنان مع بعض النقاد يسجل فيه دهشته،فمن كتبوا وصاحبوا أفلامه ثم مدحوها أوأعجبوا بها فيما بعد، وهذا إجحاف بالفنان والكتاب، فهناك كثير من المجهول فى حياة صلاح أبوسيف مع النقاد، فقد عاش عمره ومعظم وقته مع مئات بل آلاف النقاد والصحفيين، ويشهد على ذلك قهوة الصباح التى تبدأ فى السابعة منذ 33 عاماً، انتقلت من «لاباس» إلى «جروبى» إلى «البرازيلى» إلى «سيمندس» وانتهى بها المطاف وحتى الآن فى «كوزموبوليتاين»، لينتظر شباب الصحفيين من كل البلاد آخر رشفة فى القهوة ليبدأ يومه معهم، وتضم قهوة الصباح خليطاً من الشخصيات، مهندسين ومحاسبين ومحامين ومصورين ورجال أعمال، أشخاصًا ليس لهم علاقة بالسينما ولكن يربطهم جميعاً حب الفن والفنانين، وقد استوقفت سينما صلاح أبوسيف النقاد فى الخارج، وقد شاهدت حماسه الشديد لأصغر صحفى مثل كبار النقاد الذين كتبوا عنه، وفى مهرجان لاروشيل منذ شهرين وجدته يحضر أفلامه مع الجمهور ليعيد اكتشافها معه، لأن النقاد والمشاهدين يسألونه فى تفاصيل دقيقة هونفسه لم يلحظها». هكذا كانت بعض ملامح التجربة الفنية والإنسانية لصلاح أبوسيف، مخرج الواقعية صاحب العيد 110، وذلك وفقا لما ورد فى «الأهرام». «كادر» مبدع ومعبر فى فيلم «القاهرة 30»