أحدث الأخبار مع #محمدأسد


WinWin
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- رياضة
- WinWin
ثورة في الهلال والمريخ تُزيح كبار نجوم السودان
فجّر النجوم الشبان ثورة في صفوف فريقي الهلال والمريخ، حيث سحبوا البساط من تحت أقدام كبار النجوم خلال مشاركتهم في المنافسات المحلية، وقدّم عدد من اللاعبين الواعدين مستويات باهرة، لافتين الأنظار بظهورهم الاستثنائي في الدوري السوداني. وتمكّن الثنائي علي كُبّة وأحمد سالم مبارك من منح الهلال أهدافًا حاسمة في مباريات الفريق، فيما بات هدف محمد أسد أحد الثوابت في لقاءات "الزعيم الأحمر". كما ظهر عدد كبير من المواهب الواعدة بشكل مؤثر، ونجحوا في إثبات جدارتهم، مزيحين كبار اللاعبين عن الواجهة. كُبّة ومبارك يتكفّلان بإنقاذ الهلال واصل مدرب "الموج الأزرق" فلوران إيبينغي، تطبيق فلسفته القائمة على منح الفرصة للعديد من اللاعبين، تماشيًا مع جدول المباريات المزدحم، وسعيًا لتفادي إرهاق التشكيلة الأساسية نتيجة خوض مباراة كل 72 ساعة. هذه السياسة منحت اللاعبين الشبان فرصة مثالية، استثمرها الثلاثي علي كُبّة، أحمد سالم مبارك، وياسر عوض، الذين قدموا أداءً لافتًا وسجّلوا جميع أهداف الفريق في المباريات الأخيرة بالدوري. هدف أسد.. ثابت في تشكيل المريخ على الجانب الآخر، شهد تشكيل المدرب شوقي غريب في المريخ بروز عدد من الأسماء الشابة، من بينهم: أحمد عبد المنعم، مصعب مكين، صلاح ناجي، محمد أسد، موسى حسين، ومبارك عبد الله. وقد بات هدف محمد أسد أحد أبرز سمات الفريق في مبارياته الأخيرة، محققًا قفزة هائلة في مسيرته، بعد انتقاله من الحواري إلى التشكيلة الأساسية للمريخ. كما نال اللاعب ثقة المدربين، إلى جانب زملائه ناجي، عبد المنعم، مكين، و"كانتي السودان"، الذين قدموا جميعًا مستويات تؤكد على نجاح كشافِي الفريق. قبول جماهيري ودعم لنجوم المستقبل يحظى اللاعبون الشبان في الهلال والمريخ بإشادة جماهيرية كبيرة، حيث تعتبر جماهير "النادي الأزرق" الثلاثي ياسر عوض، علي كُبّة، وسالم مبارك نجوماً للحاضر والمستقبل، في انتظار عودة بعض المواهب الأخرى من الإعارة. في المقابل، يلقى كل من أسد، عبد المنعم، ناجي، مكين، ومبارك دعماً جماهيرياً كبيراً في "النادي الأحمر"، بعد أن نجحوا في تقديم الإضافة المطلوبة، بل وتفوقوا على عدد من المحترفين الأجانب الذين لم يحققوا التطلعات. استعادة أمجاد الماضي عبر المواهب الجديدة تأمل جماهير المريخ والهلال في أن تحقق تجربة الاعتماد على نجوم الفئات السنية ثمارها، واستعادة ذكريات الثمانينيات والتسعينيات، حين بزغ نجم العديد من اللاعبين الشبان الذين قادوا الفريقين في سنوات لاحقة، وحققوا إنجازات كبيرة، من أبرزهم: إبراهيم حسين "إبراهومه"، خالد المصطفى، وهبة، عاكف عطا، ومصطفى كومي، الذين تألقوا في نهائيات كأس العالم للناشئين بإيطاليا عام 1991، في إنجاز تاريخي للسودان لم يتكرر حتى اليوم.


الشرق الأوسط
٢٣-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
اللاهوت الإسلامي الجدلي في نقد الغرب
تتبعتُ أثر عنوان كتاب محمد أسد (الإسلام على مفترق الطرق) في عناوين مقالات الإسلاميين بعد استعمال سيد قطب لعبارة «مفترق الطرق» في عنوان المقال الأخير من مقالات كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) الصادر عام 1949، فعثرت عليها في هذه العناوين: «العالم على مفترق الطرق» وهي خطبة مرتجلة، كما يقول عنها صاحبها أبو الحسن الندوي، ألقاها في «دار الشبان المسلمين» بالقاهرة، في أثناء زيارته لمصر عام 1951. ما من شك في أن أبا الحسن الندوي يعرف عبارة «مفترق الطرق» من اللغة الإنجليزية مباشرة التي يتقن القراءة بها، ولكنه استعملها لمكانة كتاب محمد أسد العالية في نفسه، وتأثيره الكبير في فكره الإسلامي الأصولي. ففي كتاب من كتبه المتأخرة، وهو كتاب (شخصيات وكتب)، تحدث عن وقع قراءة كتاب (الإسلام على مفترق الطرق) في نفسه؛ إذ نزلت –كما قال– إلى القرار، ومسَّت شغاف القلب. فمن خلال هذا الكتاب –كما أكمل قوله– اطَّلع على نقائص الغرب الحقيقية، وأدرك طبيعة الثقافة الغربية، واستحالة انسجامها مع الثقافة الإسلامية، وعرف التناقص الجذري المبدئي بين هاتين الثقافتين بصورة واضحة وضَّاءة، وبعمق وإمعان. وفي موضع آخر من كتابه، قال عن صلته بكتاب محمد أسد: «وظل يطالع كتب المعاصرين وكتاباتهم، فوجد هذا اللون يغلب عليه الطابع العلمي في كتابات مسلم جديد هو الأستاذ محمد أسد، ومسلم قديم هو الأستاذ أبو الأعلى المودودي، قرأت للأول في الإنجليزية كتابه المشهور (الإسلام على مفترق الطرق)، وقرأت للثاني مقالاته في مجلة (ترجمان القرآن) في نقد الحضارة الغربية وأسسها، ثم جمعت في كتاب سمَّاه (تنقيحات) فرأيتهما يتناولان الحضارة كقضية علمية تصلح للنقاش والبحث، أو كجثة تُعرض للتشريح في كلية الطب والجراحة، في القضايا العلمية والاجتماعية والحضارية، وفي الدراسات المقارنة بين الحضارات والديانات والنظريات والفلسفات عن ثقة واعتماد، وبقوة واعتزاز». قبل أن يتحدث أبو الحسن الندوي عن هذا الأثر الأسدي، كان أحمد أمين ناشر كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) في «لجنة التأليف والترجمة والنشر» قد انتبه لهذا الأمر في المقدمة القصيرة التي كتبها لهذا الكتاب. وهي المقدمة التي حذفها أبو الحسن الندوي ابتداءً من الطبعة الثانية لكتابه، بحجة أنها مقدمة باردة، أضعفت من قيمة الكتاب! قال أحمد أمين في مقدمته القصيرة لهذا الكتاب التي أرَّخ لكتابتها بـ27 أغسطس (آب) سنة 1950: «والكتاب يدور حول فكرة جليلة، وهي محاربة ما في نفوس المسلمين من مركب النقص، بإحساسهم بضعفهم وانحطاط نفوسهم، وإعزازهم للمدينة الغربية وإعلاء شأنها أكثر مما تستحق؛ فقاوم المؤلف الفاضل هذه الفكرة وأفهمهم أنهم يجب أن يعتزوا بدينهم؛ وأفهم الغربيين أنهم ينقصهم روح الإسلام ليسودهم الهدوء والطمأنينة والسلام؛ وهي فكرة جليلة تستحق كل الإعجاب. وقد أذكرني هذا الكتاب ومعالجته لهذه الفكرة بكتاب آخر لمستشرق نمساوي مسلم، سماه (الإسلام في مفترق الطرق)، وهو –أيضاً– يدق على هذا الوتر، فعسى أن تتابع الكتب من هذا القبيل...». عنوان كتاب محمد أسد –كما تعرفون– (الإسلام على مفترق الطرق)، وليس (الإسلام في مفترق الطرق). وهذا الخطأ من أحمد أمين كان سبق قلم. كما أن محمد أسد في هذا الكتاب لا يعد نفسه مستشرقاً، وقد هاجم فيه الاستشراق والمستشرقين عن بكرة أبيهم في كل زمان وفي كل مكان. «إنجلترا والعالم الإسلامي: مفترق الطرق». وهو عنوان مقال لمحمد ضياء الدين الريس، نشر في مجلة (المسلمون) الإخوانية بالقاهرة، بتاريخ 30 يوليو (تموز) 1952. محمد ضياء الدين الريس هو المؤرخ البارز في مجال التاريخ الإسلامي. «العالم الإسلامي على مفترق الطرق». وهو مقال لمحمد الحسني بن عبد العلي الحسني، نشر في تلك المجلة بتاريخ 9 أبريل (نيسان) 1954. هذا الكاتب الإسلامي ابن أخي أبي الحسن الندوي وتلميذ له. في منتصف السبعينات الميلادية جمع مقالات كتبها ما بين عامي 1954 و1975 في كتاب كان عنوانه (الإسلام الممتحن)، وكان أول مقال فيه المقال المشار إليه وآخر مقال فيه، كان عنوانه «حسن البنا في محراب التاريخ الإسلامي». «الإسلام في مفترق الطرق». هذا عنوان كتاب للطبيب والأديب والمناضل الجزائري أحمد عروة، صدر باللغة الفرنسية عام 1969، وترجمه إلى اللغة العربية فيلسوف «الجوَّانية» عثمان أمين، في منتصف السبعينات الميلادية. أحمد عروة صاحب توجه إسلامي، له مجموعة من الكتب توزعت ما بين الطب والبيئة والأدب والفكر الإسلامي. وعدد من الأبحاث العلمية المختصة. ومع أنه صاحب توجه إسلامي فإنه ليس لاسمه وكتبه وأبحاثه حضور في كتب الإسلاميين. لم يسبق لي أن اطلعت على عمل من أعماله سوى هذا الكتاب، والذي اطلعت عليه لغرض شكلي، وهو تتبع ورود عبارة «مفترق الطرق» في عناوين مقالات الإسلاميين ومحاضراتهم. من اطلاعي على كتابه هذا، رأيت أن خطابه الإسلامي مختلف عن المعهود في خطاب الإسلاميين بمختلف تياراتهم واتجاهاتهم. ولاحظت أن دعوته في هذا الكتاب لإحياء الإسلام (أو النهضة الإسلامية) ومجادلته لقضايا في الفكر الغربي -مثل العلمانية والماركسية وغيرهما- ينطبق عليهما ما يمكن أن يسمى «علم كلام معاصر» رصيناً وهادئاً ومستوعباً ومنفتحاً. وهذا سبب من الأسباب، أو لعله السبب الرئيس الذي جعل كتبه وأبحاثه يغيب ذكرها في كتب الإسلاميين. الكاتب الجزائري ناصر جابي في مقال له عنوانه «مسيرة أحمد عروة التي لخصت تاريخ الجزائر»، منشور في جريدة «القدس العربي» قدم أسباباً أخرى، مدارها الحالة الأصولية والحالة الفرنكفونية في الجزائر. ومن أراد أن يعرف الأسباب التي قدمها، فليرجع إلى مقاله. كتاب أحمد عروة لا يتشابه مع كتاب محمد أسد إلا في العنوان. فأفكار أحمد عروة الإسلامية المنفتحة مختلفة جداً عن أفكار محمد أسد الإسلامية الأصولية. لم يبقَ من الملحوظات التي سقتها في مقالات سابقة، إنشاءً على ملحوظتَي يوسف الشويري وشريف يونس الخاصتين بنقد سيد قطب للحضارة الغربية سوى القليل، وسأوجز تقديمها قدر المستطاع! في أول شهر من عام 1948 صدرت ترجمة كتاب (الإسلام والنظام العالمي الجديد) تأليف مولانا محمد علي، من الإنجليزية إلى العربية. هذا الكتاب ترجمه إلى العربية أحمد جودة السحار، وترجمَتُه إلى العربية صدرت عن «لجنة النشر للجامعيين». الكتاب أصلاً رسالة كتبها مولانا محمد علي باللغة الأردية عام 1942، وكان عنوانها (نظام عالمي جديد)، ثم ترجمها هو بالعنوان نفسه إلى الإنجليزية عام 1944. ومولانا محمد علي هو مترجم القرآن الشهير إلى اللغة الإنجليزية. بتاريخ 4 مارس (آذار) 1946، نشرت مجلة (الرسالة) مقالاً لعباس محمود العقاد، يحتفي فيه بهذا الكتاب، وكان عنوان مقاله (الإسلام والنظام العالمي الجديد). استهل العقاد تعريفه بموضوع الكتاب بتعريفٍ بالدعوة القاديانية وبالدعوة الأحمدية اللاهورية، وإن لم يسمِّ في هذا المقال الدعوة الأخيرة باسمها الحقيقي. مناسبة كتابته لهذا الاستهلال، أن مؤلف كتاب (نظام عالمي جديد) مولانا محمد علي بيَّن في مقدمته أن الكتاب من منشورات الدعوة الأحمدية لإشاعة الإسلام. الدعوة الأحمدية اللاهورية –بتعريف مختصر– هي تحوير ملطَّف ومخاتل للدعوة القاديانية. ظني أن الذي لفت نظر مشروع «لجنة النشر للجامعيين»، وتحديداً عبد الحميد جودة السحار إلى اختيار كتاب مولانا محمد علي (نظام عالمي جديد) لترجمته إلى اللغة العربية، هو مقال العقاد عنه. الذي قادني إلى هذا الظن أن كلمة «الإسلام» غير موجودة في عنوان الكتاب؛ لا باللغة الإنجليزية ولا باللغة الأردية، فهي موجودة –فقط– في عنوان مقال العقاد. وغير بعيد أن الذي أشار على عبد الحميد باختياره للترجمة فكلَّف أخاه أحمد بذلك، هو سيد قطب الذي في التاريخ الذي نُشر فيه مقال العقاد، كان يعمل على إعداد كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام). صلة سيد قطب بمشروع «لجنة النشر للجامعيين»، هي صلة منافع متبادلة بينه وبين بعض أعضاء هذا المشروع، وعلى رأسهم مدير المشروع والمسؤول عنه عبد الحميد جودة السحار. هذا المشروع أسسه عبد الحميد جودة السحار عام 1943، بدعم من أخيه سعيد صاحب «مكتبة مصر». فـ«مكتبة مصر» كانت هي الناشر لسلسلة كتب هذا المشروع. من أبرز أعضاء هذا المشروع: نجيب محفوظ، وعادل كامل، وعلي أحمد باكثير، وأمين يوسف غراب، ومحمد عبد الحليم عبد الله. كتاب مولانا محمد علي –حسب ترجمة عنوانه إلى اللغة العربية– (الإسلام والنظام العالمي الجديد) هو ثاني مصدر تلقف سيد قطب من خلاله فكر «الأصولية الإسلامية»، وكان مصدره الأول فيها كتاب محمد أسد (الإسلام على مفترق الطرق). ومن مفردات الخطاب الإسلامي الأصولي، نقد الحضارة الغربية. وهو نقد يقوم على لاهوت جدلي. وبما أنه يمكن تصنيفه على هذا النحو المنهجي، فهو يتسم بما يتسم به هذا النوع من الجدل من سمات، كالتحامل والمغالطة والحدَّة والعنف والعدوانية. نقد الحضارة الغربية في الخطاب الإسلامي الأصولي يقترن بنقد الديانة المسيحية، وكتابا محمد أسد ومولانا محمد علي مملوآن بنقد الغرب العلماني وبنقد الدين المسيحي. منطلقات مولانا محمد علي في نقد الديانة المسيحية تختلف عن منطلقات محمد أسد في نقده لها، فهي –في الأساس– عند مولانا محمد علي منطلقات «قاديانية» أكثر من كونها منطلقات «إسلامية»، كما هي عند محمد أسد. سيد قطب استفاد في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) أيما استفادة من كتابيهما في نقد هذين الشأنين. كثرة من الباحثين يهملون أثر هذين الكتابين في نشأة فكر «الأصولية الإسلامية» عند سيد قطب، ويركزون على أثر أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي، مع أن هذين الرجلين يمثلان المرحلة التالية والأخيرة في بناء هذا الصنف من الفكر عنده، بناءً كاملاً وتاماً. وللحديث بقية.


جريدة الرؤية
١٨-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- جريدة الرؤية
الرحلة الروحية
فوزي عمار ولد ليوبولد فايس النمساوي المجري في ما يُسمى أوكرانيا الآن عام 1900. وفي عام 1945 كتب كتابه الذي اعتبر من الأعمال الأدبية والفكرية المُهمة التي تسلط الضوء على رحلة الكاتب الروحية والفكرية. يروي الكاتب قصة تحوله من يهودي نمساوي إلى مسلم مقتنع بالإسلام وكيف وجد في الإسلام إجابات للأسئلة الوجودية التي كانت تشغله. زار الكاتب الذي اختار اسم "محمد أسد" بعد إسلامه العالم العربي وتحديدًا الحجاز (مكة المكرمة والمدينة) وتعرف على الثقافة الإسلامية وتحدث في كتابه المعروف "الطريق إلى مكة" كيف وجد الإسلام وبه نظاما متكاملا للحياة ويقدم في الكتاب رؤية عميقة للإسلام من منظور شخصي جاء من خليفة أوروبية وهو سيرة ذاتية تسرد رحلته من أوروبا إلى الجزيرة العربية عن قناعة ليصبح محمد أسد، بعد ذلك أبرز المترجمين والمفسرين للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية. في الحجاز تزوج من امرأة عربية مسلمة وأنجب منها طفلًا، والتقى لاحقًا الزعيم الليبي أحمد السنوسي الذي طلب منه السفر إلى ليبيا؛ حيث التقى في مطلع العام 1931 القائد التاريخي سيدي عمر المختار. وهناك، ساهم محمد أسد في الجهاد ضدّ الاستعمار الإيطالي، وقدّم المشورة والمؤازرة في تمويل المقاتلين، وبقي شهرين في ليبيا تحت الخطر. سافر بعد ذلك أسد إلى الهند؛ حيث التقى العلّامة محمد إقبال، المعروف بـ"الأب الروحي" لباكستان، والذي شجّع أسد على البقاء ومساعدته في صياغة وتوضيح المقدّمات النظرية والفكرية لدولة إسلامية مستقبلية، ستنفصل عن الهند، وتكون بمثابة جسر علمي بين إسلام جنوب آسيا والغرب. في كتابه الأشهر "رسالة القرآن The message of the Quran" يقول محمد أسد: "لقد وجدت في الإسلام ذلك التوازن بين الروح والمادة وبين الفرد والمجتمع وبين العقل والقلب". ويعتبر كتابه "الطريق إلى مكة" عملا في الأدب الروحي واستكشافا عميقا للفكر الإسلامي ويقدم منظورًا فريدًا للإسلام من منظور غربي اعتنق الإسلام وفهم بعمق ثقافات الشرق والغرب معًا. يصف أسد حياته المبكرة في أوروبا وعدم ارتياحه المتزايد من القيم المادية والمجزأة للمجتمع الغربي. لقد شعر أسد أن الغرب فقد جوهره الروحي وأصبح مستهلكًا بالجشع والسطحية طوال الكتاب. ويتأمل أسد في طبيعة الإيمان، وأهمية الخضوع لله (الإسلام)، وعالمية رسالة الإسلام. ويؤكد على ضرورة حياة متوازنة تجمع بين الروحانيات والماديات، ويرفض الانقسام الزائف بين الدين والحداثة. ينتقد أسد تأثير الاستعمار الغربي على العالم الإسلامي، قائلًا إنه عطّل المجتمعات التقليدية وأضعف قيمها الروحية والثقافية. ويحذر من التقليد الأعمى للحداثة الغربية، داعيًا المسلمين إلى الحفاظ على هويتهم وإيمانهم مع التكيف مع تحديات العالم الحديث. ولا تزال رحلة أسد تُلهم القراء، خاصة أولئك الذين يسعون لفهم الأبعاد الروحية والفكرية للإسلام. وأخيرًا كتاب "الطريق إلى مكة" هو نسيج غني من الرحلات والفلسفة والروحانية، يقدم رؤى خالدة عن البحث الإنساني عن المعنى وقوة الإيمان التحويلية.


الشرق الأوسط
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- الشرق الأوسط
من «مفترق الطرق» إلى «معالم في الطريق»
لشدة إعجابِ سيد قطب بكتاب محمد أسد «الإسلام على مفترق الطرق» استعار من عنوان الكتاب عبارة «مفترق الطرق» فجعلها عنواناً للفصل الأخير من كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، وهو العنوان الذي كان بمثابة خاتمة لكتابه، فكان عنوان هذا الفصل أو الخاتمة «في مفترق الطرق». عبارة «على مفترق الطرق» أو «في مفترق الطرق» أو «عند مفترق الطرق» عبارة أجنبية على اللغة العربية وعلى الثقافة العربية، لكنْ لها تاريخ مديد في الثقافة الغربية. «At the crossroads»، هذه العبارة الإنجليزية تترجم إلى العربية بعبارة «على مفترق الطرق»، وتعني عند نقطة تلاقٍ أو نقطة تحوُّل. وهي المكان الذي يتقاطع فيه طريقان، وكان لها في الغرب في أزمنة غابرة مغزى، أو دلالة أو أهمية خاصة. فبعض قبائل أوروبا استخدمت منطقة تقاطع طريقين أو تقاطع طرق حيِّزاً مكانياً لتقديم النذور والقرابين في هذه المنطقة. وقد تكون ممارسة هذا الطقس في هذا النوع من الأمكنة سبباً في أزمان تالية، لأن يصير هذا النوع من الأمكنة المكان المختار لإزهاق الأرواح الآدمية عقوبة أو قصاصاً. في الأزمنة المسيحية كان يوضع صليب عند نقطة مفترق الطرق لدفن الخطاة (القتلة والمنتحرين) فيها لتنبيه المسيحيين الأتقياء وإعلامهم بأنه في هذا المكان دُفن أشرار آثمون. فهؤلاء كان يحظر حظراً باتاً دفنهم في الأراضي التابعة للكنيسة، لأن قدسيتها قدسية غير محدودة. ملتقى الطرق كان أيضاً المكان المُفضل لعمليات نصب الكمائن والفِخاخ للمتجولين والمسافرين. مع قِدم عبارة «عند مفترق الطرق» إلا أنه بدأ تداولها بانتظام في بريطانيا منذ القرن الثامن عشر، وصارت تعني -مجازاً- وقتاً يقتضي فيه القيام باختيار صعب ودقيق؛ لأنه وقت جاء في مرحلة مصيرية. وبهذا المعنى المجازي استخدم محمد أسد هذه العبارة في متن كتابه وفي عنوانه. المفارقة أن المعنى الغربي الحديث لعبارة «مفترق الطرق»، كان هو المعنى الذي استخدمه فيه شاعر اليونان القديم ثيوغنيس (570 ق م – 485 ق م) في قوله في مرثية من مرثياته: «ها أنا أقف في مفترق الطرق». في اللغة العربية كانت تستخدم كلمة «مجمع» وكلمة «ملتقى» وكلمة «ملقى»، والكلمتان الأخيرتان هما مترادفتان في المعنى مع معنى الكلمة الأولى. تستخدم هذه الكلمات الثلاث عوضاً عن كلمة «مفترق». وتستخدم كلمة «السبيل» لا كلمة «الطريق»، وكلمة «السبل» لا كلمة «الطرق»، هذه الكلمات كانت تستخدم في عناوين كتب تراثية. المثقف المصري ذو الثقافة الأوروبية، إسماعيل مظهر، استخدم كلمتين من هذه الكلمات الثلاث في شرح نظرية علمية حديثة في عنوان كتابه «ملقى السبيل في مذهب النشوء والارتقاء» الصادر في عام 1926. كلمة «مجمع» وردت في آيتين من القرآن، هما: «وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً». «فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سرباً». ووردت كلمة «السبيل» بمعنى الطريق في 25 آية قرآنية، ووردت كلمة «طريق» في 4 آيات قرآنية. قد يكون أول استعمال للعبارة «مفترق الطرق» في عنوان تقرير سياسي لم يرفق به اسم كاتبه، نشر في مجلة «الهلال» بتاريخ 1 مايو (أيار) 1920، وكان العنوان «سوريا في مفترق الطرق». وترددت هذه العبارة قليلاً في عناوين مقالات ما بين ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي. ففي ثلاثينات القرن الماضي نجدها في عنوان خاطرة كتبها الأديب اللبناني راجي الراعي، نشرت في مجلة «الهلال» بتاريخ 1 مايو 1934، وكان عنوان الخاطرة «في مفترق الطرق». ونجدها في عنوان مقال سياسي للأديب السوري حنا خبَّاز، نشر في مجلة «المقتطف» بتاريخ 1 يناير (كانون الثاني) 1938، وكان عنوان هذا المقال «الارتداد عن الثورة العالمية: روسيا على مفترق الطرق». وفي أربعيناته نجدها عنواناً لقصة كتبها نجيب محفوظ، منشورة بمجلة «الرسالة» بتاريخ 1 أغسطس (آب) 1941، وكان عنوانها «مفترق الطرق». ونجدها في عنوان مقال لمحمد عبد الواحد خلَّاف نشر في مجلة «الثقافة»، بتاريخ 28 ديسمبر (كانون الأول) 1943، وكان العنوان «المسلمون في مفترق الطرق». وفي العام الذي ترجم فيه كتاب محمد أسد «الإسلام على مفترق الطرق» عام 1946، نجدها في عنوان مقال لأحمد حسن الزيات، نشر في مجلة «الرسالة» بتاريخ 22 أبريل (نيسان) 1946، وكان عنوان المقال «الأزهر في مفترق الطرق». الشيخ محمد المدني كتب تعقيباً على هذا المقال، نشر بتاريخ 29 أبريل 1946، وكان عنوان التعقيب -أيضاً- «الأزهر في مفترق الطرق». لسيد قطب قصيدة عنوانها «في مفرق الطريق» منشورة في مجلة «الرسالة» بتاريخ 18 أغسطس 1941. وله مقال في مجلة «الشؤون الاجتماعية» العدد 11، نوفمبر (تشرين الثاني) 1943، عنوانه «في مفرق الطرق بين القومية والعالمية». عبارة «في مفرق الطريق» سيختارها عنواناً لمقالة من مقالات كتابه «السلام العالمي والإسلام» الصادر في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 1951، لكن بصيغة الجمع. هذه المقالة بالعنوان نفسه «في مفرق الطرق» نشرت في مجلة «الرسالة» بتاريخ 8 أكتوبر 1951، وكتب في تقديمها هذا التنويه «من كتاب السلام العالمي والإسلام، يصدر بعد أيام». وكما ترون فإن المقالة هي التي نشرت قبل صدور الكتاب بأيام! عبارتا «مفرق الطريق» و«مفرق الطرق» استعملهما سيد قطب في تفسير عدد من آيات القرآن في كتابه «في ظلال القرآن». عبارة «مفرق الطرق» مثلها مثل عبارة «مفترق الطرق» هي ترجمة للكلمة الإنجليزية «Crossroads»، فهل سيد قطب في عنوان قصيدته «في مفرق الطريق» سكَّ هذه العبارة بالعربية ترجمة عن الإنجليزية، أو هو حوَّر كلمة «مفترق» -التي كانت مستعملة قليلاً- إلى كلمة «مفرق»؟ الإجابة هي: أن سيد قطب استعار عنوان قصيدته من عنوان مسرحية كتبها الأديب اللبناني المتمصر بشر فارس. عنوان هذه المسرحية هو «مفرق الطريق» نشرها في كتاب بالقاهرة عام 1938، ثم ترجمها إلى اللغة الفرنسية، ونشرت في مجلة فرنسية عام 1950. بشر فارس كان من روَّاد الرمزية في الأدب العربي في المسرح وفي الشعر. برهاني على أن سيد قطب استعار عنوان قصيدته من عنوان مسرحية بشر فارس، أن عنوان القصيدة متطابق مع عنوان المسرحية. المسرحية مسرحية رمزية، وسيد قطب كان قد كتب فوق عنوان قصيدته عنواناً تعريفياً بها، هو: «من الشعر الرمزي»! قبل أن يستعمل بشر فارس كلمة «مفرق» في عنوان مسرحيته استعملها المؤرخ المصري محمد شفيق غربال في بحث له منشور في مجلة كلية الآداب بالجامعة المصرية في مايو عام 1936. هذا البحث عبارة عن نشر وتعليق، وعنوانه هو: «مصر عند مفرق الطرق 1798 – 1804 (المقالة الأولى) ترتيب الديار المصرية في عهد الدولة العثمانية، كما شرحه حسين أفندي أحد أفندية الروزنامة في عهد الحملة الفرنسية». رأى شعبان يوسف في كتابه «مجلة صباح الخير: سيرة ثقافية» أن سيد قطب سرق عنوان كتابه «معالم في الطريق» من افتتاحية للعدد المزدوج -العدد الثاني والعدد الثالث- من مجلة «الغد» الصادر في 1 يوليو (تموز) 1953، كتبها صلاح حافظ، فعنونها بـ«معالم في الطريق». مجلة «الغد» مجلة شيوعية أسسها عبد الرحمن الشرقاوي وحسن فؤاد وصلاح حافظ، وتولَّى الثاني رئاسة تحريرها، وصدر أول عدد منها في 1 مايو 1953. افتتاحية العدد المزدوج «معالم في الطريق» من هذه المجلة التي أشار إليها شعبان يوسف تحولت في أعداد تالية إلى باب ثابت فيها مكون من عدة صفحات، يتضمن أخباراً وتعليقات. هذه المجلة لما سُمح لها بإعادة إصدارها، بعد إيقافها مدة من الزمن، فصدرت في أول شهر من عام 1959، استأنفت الباب الثابت فيها «معالم في الطريق» ذا الصفحات الكثيرة. إن الرأي الذي ذهب شعبان يوسف إليه رأي صحيح، فسيد قطب استعار هذا العنوان استعارة حرفية من الافتتاحية التي كتبها صلاح حافظ، وقد يكون صلاح حافظ سكَّه، أو أنه سُك بعد تشاور صحافي عقائدي شيوعي حول صيغته من قبل محرري مجلة «الغد». أعزز رأي شعبان يوسف بذكر المعطيات التالية: سيد قطب معنيٌّ بمتابعة ما يكتب بالمطبوعات الشيوعية المصرية من الأربعينات الميلادية، وربما قبلها، للاستفادة منها للاطلاع على الفكر الماركسي من جهة، ولبلورة موقف نقدي مضاد لهذا الفكر من جهة أخرى. الافتتاحية نشرت قبل اعتقاله الأول مع الإخوان المسلمين في 13 يناير 1954، الذي استمر لمدة شهرين وأربعة عشر يوماً. إرفاق كلمة «معالم» بكلمة «الطريق» تعبير لا تخطئه العين بأنه تعبير ماركسي بامتياز، ومن السهل أن تهتدي إليه صياغة، إن كنت داعية إلى الماركسية متشبعاً بعقيدتها. سيد قطب كان يبحث عن هذه الصيغة من التعبير «معالم في الطريق» منذ أن كان في مرحلته الإسلامية واقفاً «على مفترق الطرق» يأمر المسلمين باتخاذ «الوجهة الصحيحة» إلى الإسلام، لكنه لم يهتدِ إلى هذه الصيغة. ومع عثوره عليها في مجلة شيوعية، رأى أن من حقه الأدبي الكامل ومن حقه الروحي التام أن يستولي عليها. فهو منذ تأليفه كتابه الإسلامي الأول «العدالة الاجتماعية في الإسلام» كان يخط للمسلمين «معالم الطريق إلى التطرف الإسلامي». وللحديث بقية.


الشرق الأوسط
٠٩-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
محمد أسد و«مفترق طرقه»
هأنذا أكملُ ملحوظاتي التفصيليةَ التي كنتُ سُقتُها في المقالِ السابق، إنشاءً على ملحوظتَي يوسف الشويري المتعلقتينِ بنقدِ سيد قطب للحضارةِ الغربية. قبل أن يقرأَ سيد قطب كتابَ ألكسيس كاريل «الإنسان ذلك المجهول» في عام 1961 أو في عام 1962 أو ربما في عام 1960، كان قد قرأ في عام 1946 كتاب محمد أسد «الإسلام على مفترق الطرق» الصادر باللغة الإنجليزية عام 1934، والمترجم إلى العربية في العام الذي قرأ سيد قطب فيه هذا الكتاب. في هذا الكتاب تعرّف سيد قطب – لأول مرة – على نقد جذري وشامل للحضارة الغربية بموروثها الديني المسيحي، وبموروثها الروماني الوثني، في الفصل الثاني وفي الفصل الثالث منه اللذين حملا هذين العنوانين: «روح الغرب» و«شبح الحروب الصليبية». محمد أسد (أو ليوبولد فايس سابقاً) في نقده الجذري والشامل للحضارة الغربية فصل الحضارة الغربية عن موروثها الإغريقي بمرحلته القديمة أو الكلاسيكية، وبمرحلته الهيلّينية المنفتحة والمتفتحة، ولم يتعرض لهما بنقد، ولا نسب لهما الفضل في انبعاث المدنية الأوروبية ونهضتها وتطورها في كل المجالات. لماذا قام بهذا الفصل؟ قام بهذا الفصل؛ لأنَّه رأى أنَّ الحضارة الإسلامية - هي وحدها - من انتفعت بخيرات الثقافة الإغريقية والثقافة الهيلّينية العلمية والفلسفية. ورأى أنه عن طريق الحضارة الإسلامية انبثقت المدنية الأوروبية، ووُلدت أوروبا الجديدة! كما أنَّه فصل الموروث المسيحي عن الموروث اليهودي. ولأنَّه قام بهذا الفصل؛ فإنَّه لم يوجّه نقداً للديانة اليهودية؛ فنقده لأوروبا ما بعد تاريخها الروماني الوثني اقتصر على نقد الديانة المسيحية، رغم أنَّ الاتجاه إلى اعتبار الديانة اليهودية مع الديانة المسيحية هما الموروث الديني (بالمعنى الأخلاقي أكثر من معناه اللاهوتي) للحضارة الغربية، كان قائماً في أوروبا في وقت تأليفه كتابه. هذا الاتجاه بدأ بالظهور في أوروبا من عام 1821. قد يكون سبب عدم توجيهه نقداً للديانة اليهودية؛ لأنَّها وشعبها العبراني كانا وقت تأليفه كتابه ما يزالان مصنّفَين بأنَّهما شرقيان لا غربيان، آسيويان لا أوروبيان، ساميّان لا آريّان. وقد يكون السبب أنَّه تردَّد لدى بعض العلماء اليهود من أوروبا المتخصصين في الحضارات القديمة، قول لدحض دعاوى الحركة المضادة للسامية. هذا القول هو أن الثقافة العبرية السامية هي من مناهل الثقافة الهيلّينية لا أوروبا الرومانية الآرية. وقد يكون هذان السببان تضافرا معاً. ومع قولي بهذا التفسير إلا أنه لفت نظري أنَّ محمد أسد في كتابه لم يذكر الديانة اليهودية فيه حتى ولو على نحو عابر، ولم يتطرق إلى اليهود بوصفهم كياناً اجتماعياً واقتصادياً ومللياً في المجتمع المسيحي الأوروبي في القرون الوسطى وفي القرون الحديثة. الإشارة الوحيدة إليهم كتبها مترجم الكتاب عمر فروخ في تعليق له، قال فيه: «وهنا أضيف على هذا الإرث الروماني الوثني المادي عنصر مادي جديد، وأخذوا يعبدون المال كما عبد بنو إسرائيل العجل المسبوك الذي صنعه لهم هارون في غياب موسى من حلي نسائهم». وكما ترون، فإنَّ هذه الإشارة الوحيدة هي إشارة طفيفة، كما أن قائلها مترجم الكتاب المسلم لا مؤلفه اليهودي السابق. ظن نفر من المثقفين من البلدان العربية في أول الأمر، بمن فيهم مترجم كتاب «الإسلام على مفترق الطرق» عمر فروخ، ومقدم طبعته العربية والمقترح على عمر فروخ ترجمته إلى العربية مصطفى الخالدي، أن هذا المسلم النمساوي الجديد مؤلف الكتاب محمد أسد – بسبب تكريسه النقد للديانة المسيحية مع مقارنة تفضيلية للإسلام – متحول إلى الإسلام من الديانة المسيحية، ولم يعلموا بأنَّه متحول من الديانة اليهودية إلى الإسلام. إنَّ هذا الكتاب هو أول كتاب تُرجم إلى اللغة العربية يقول بأفول الغرب، أو تدهور الغرب، أو انحلال الغرب، أو انحطاطه. وهو القول الذي راج عند بعض الفلاسفة والمؤرخين الأوروبيين بصورة بارزة قبيل الحرب العالمية الأولى، وبين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. محمد أسد مثل هؤلاء القوم الذين كانوا معبرين عن آيديولوجيا التشاؤم الحضاري. والاختلاف بين الصحافي والمثقف المنظِّر محمد أسد وبينهم، أنَّه وجد البديل الديني في الإسلام، ووجد البديل الثقافي والبديل الحضاري في الثقافة الإسلامية وفي الحضارة الإسلامية. كتاب محمد أسد أثّر في سيد قطب بالغ الأثر في أكثر من جانب. من هذه الجوانب النقد المبغض للغرب ولتاريخه، ووضع ستار حديدي يمنع نهل الثقافة العربية والثقافة الإسلامية من معين الثقافة الغربية والتأثر الإيجابي بها، وبعث إسلام جديد. سيد قطب بداية من كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام» صار يستعمل عبارة «روح الإسلام»؛ يستعملها بإعنات وصلف ليحدد بها ما هو من الإسلام وما هو ليس من الإسلام، من زمن البعثة النبوية إلى منتصف ستينات القرن الماضي، وفق «إسلام جديد» يدعو له، جازماً بأنه هو وحده الإسلام الصحيح والإسلام المستقيم الذي لا يكتنفه ذرة من خطأ، ولا تخالطه شائبة من انحراف ولا نتفة من ضلال. هذه العبارة استمدها سيد قطب من عنوان الفصل الثاني من كتاب محمد أسد، وحوّرها من «روح الغرب» إلى «روح الإسلام». وإن كانت «روح الغرب» في كتاب أسد رجيمة ودنسة وآثمة، فـ«روح الإسلام» كما يستعمل سيد قطب هذه العبارة بالغة النقاء والطهارة والسمو والسموق. محمد أسد كان يستعمل هذه العبارة في كتابه بمضمونها لا بلفظها. في فصول كتابه استعملها بلفظها مرة واحدة في آخر صفحة من الفصل الأخير «روح السنّة» من كتابه، وقال في هذه المرّة القليل عما يقصده بها. أما سيد قطب فقد أبدى القول فيها وأعاده في كتبه، وكان يستعملها بوصفها أداة منهجية حاسمة. وموجز القول: أنَّ عبارة «روح الإسلام» عند سيد قطب تمثل روح وجوهر إسلامه الجديد المبتدع، ولا تمثل روح وجوهر إسلام النَّص وإسلام التاريخ. لقد كُتب الكثير عن كلمة «الإهداء» في كتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» التي كتب في أولها: «إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين، فوجدتهم في واقع الحياة قائمين...»، والتي ظن شباب «الإخوان المسلمين» – خطأً – أنها موجهة لهم، لكن لم يُكتب أن هذا الإهداء الرومانتيكي الثوري الديني ما هو إلّا احتذاء وتقليد لكلمة «الإهداء» في كتاب «الإسلام على مفترق الطرق» التي جاءت في جملة تقريرية قصيرة وبسيطة، هي: «إلى الشباب المسلم»؛ ليس فيها التحليق الأدبي والبلاغي الذي صاغ به سيد قطب «إهداء» كتابه. وللحديث بقية.