logo
#

أحدث الأخبار مع #محمدبازوم

يورانيوم النيجر يثير الشهية النووية العالمية
يورانيوم النيجر يثير الشهية النووية العالمية

Independent عربية

time١٠-٠٤-٢٠٢٥

  • أعمال
  • Independent عربية

يورانيوم النيجر يثير الشهية النووية العالمية

بعد سنتين من انقلاب مثير عرفته، لا تزال النيجر تتلمس طريقها لترتيب بيتها الداخلي وخصوصاً إعادة ضبط عمليات استغلال ثرواتها التي يعد اليورانيوم أبرزها حيث تعد البلاد رابع منتج عالمي للكعك الأصفر. ولم تتردد قوى عالمية على الدخول على خط هذا الملف، إذ باتت الصين وروسيا من جهة وفرنسا من جهة أخرى في قلب صراع محموم على يورانيوم النيجر الذي يستخدم في صناعة الطاقة النووية والأسلحة. وقدمت الصين وروسيا، أخيراً، عروضاً مغرية إلى النيجر على قاعدة تقليدية تسمى ـ "رابح – رابح" أي أن يستفيد جميع الأطراف من استغلال هذه الثروة، وتسعى بكين وموسكو إلى تعويض باريس التي كانت لها اليد الطولى خلال الأعوام الماضية في هذا المجال. عنصر مهم ومن خلال شركة "أورانو"، استطاعت فرنسا خلال الأعوام الماضية إدارة يورانيوم النيجر، لكن الأمر لم يبق على حاله إثر انقلاب نفذه قائد الحرس الرئاسي عبدالرحمن تياني، في هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا ونجح من خلاله في إسقاط حليف باريس الرئيس المعزول محمد بازوم. إثر ذلك طردت النيجر قوات فرنسا وسفيرها، وذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال إلغاء تراخيص لشركة "أورانو" من أجل استغلال منجم "إيمورارين" أحد أكبر مناجم اليورانيوم في العالم. وقال الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الدولية، نزار مقني، إن "الانقلابات التي حصلت في النيجر ومالي وبوركينا فاسو قامت أصلاً على للحد من الهيمنة والنفوذ الفرنسي، ورفع الانقلابيون شعارات النفود الاقتصادي واستغلال الثروات الطبيعية وتغيير النظام المالي المرتبط رأساً بباريس بالفرنك الفرنسي سابقاً وباليورو بعدها". وأضاف مقني في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" "رغم أن أسعار اليورانيوم تايوم لم تعد تنافسية، فإنها سوق واعدة باعتبار ما تعرفه التكنولوجيا الطاقة النووية من تطور على مستوى المفاعلات النووية، وكذلك بسبب عامل تذبذب سوق الطاقة الأحفورية كالنفط والغاز". وتابع "كما أن الأزمة الطاقية الأخيرة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الأوكرانية جعلت إنتاج الكهرباء بالطاقة النووية يحتل مكانة جديدة على مستوى سلم مصادر الطاقة، ومن ثَم فإن يورانيوم النيجر يعد عنصراً مهماً للنزاع بين روسيا وأوروبا خصوصاً أن موسكو تحاول مواصلة سياسة الاحتواء الطاقي لأوروبا التي أضحت بين فكي كماشة بسبب اعتمادها على الغاز الأميركي الذي عوض الغاز الروسي في وقت تعرف العلاقات الاقتصادية بين أوروبا والولايات المتحدة صدمة بسبب الحرب التجارية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي إذا ردت عليها أوروبا قد يرفع سعر الطاقة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومضى مقني قائلاً "كذلك الصين ترى في تعويض الفحم الذي تعتمد عليه في إنتاج الكهرباء باليورانيوم فرصة أخرى للتخلص من التلوث الذي تسببه محطات إنتاج الكهرباء من طريق الفحم الحجري وتعويضه بالطاقة النووية التي تتيح لهم مردودية أكبر وبكلفة أقل". منافسة استراتيجية ورغم أنها تواجه متاعب فإن شركة "أورانو" الفرنسية لا تزال تدير منجم سومير الواقع شمال النيجر، وتحاول الحفاظ على اتفاقات لإدارة مناجم أخرى، لكن الصين وروسيا قدمتا عروضاً مغرية، بحسب ما ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية والتي قالت إن "الصين وروسيا قدمتا عروضاً أكثر سخاء من خلال مضاعفة الاستثمارات والشراكات المربحة للنيجر وللشركات الصينية – الروسية". وفي رأي الباحث السياسي إيليان ساركيس، فإن "هذه الخطوات تعكس منافسة استراتيجية أكثر منها صراعاً مفتوحاً"، وأضاف في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" أن "النيجر الغنية جداً باليورانيوم، تجذب اهتمام فرنسا الموجودة تاريخياً عبر أورانو، وروسيا من خلال تحالفاتها العسكرية الأخيرة، والصين النشطة بالفعل في مجال التعدين". وأكد أنه "في الوقت الحالي، يبدو أن روسيا تعمل على تعزيز مكانتها على الأرض بفضل علاقاتها مع المجلس العسكري الحاكم، لكن فرنسا تحتفظ بالخبرة والبنية الأساسية، كما أن الصين، التي تتسم بالحذر والفعالية، قد تتمكن من الخروج منتصرة على المدى الطويل". روسيا والصين أقرب ومنذ الانقلاب الذي نفذه تياني في الـ26 من يوليو (تموز) 2023 سرت بالفعل عديد من التكهنات في شأن الجهة التي ستستولي على يورانيوم النيجر، وقد ذكرت تقارير وقتذاك أن إيران قريبة من إبرام صفقة تحصل من خلالها على آلاف الأطنان من اليورانيوم لكن ذلك لم يحصل حتى الآن. ويثير ذلك تساؤلات حول الجهة الأقرب الآن بين روسيا والصين من جهة وفرنسا من جهة أخرى للحصول على تراخيص تمكنها من إدارة يورانيوم النيجر، خصوصاً أن تعثر شركة "أورانو" في إنجاز مشروع إيمورارين وسحب السلطات في نيامي للترخيص الممنوح لها قد يفتح شهية تلك القوى الدولية. وهناك مؤشرات أخرى قد لا تصب في مصلحة فرنسا من أهمها استقدام النيجر لمدربين ومستشارين عسكريين من روسيا لمساعدتها في بسط الأمن.

تحولات أمنية في الساحل الافريقي: انسحاب النيجر وتأثيراته على الحرب ضد الإرهاب
تحولات أمنية في الساحل الافريقي: انسحاب النيجر وتأثيراته على الحرب ضد الإرهاب

الحركات الإسلامية

time٠٣-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الحركات الإسلامية

تحولات أمنية في الساحل الافريقي: انسحاب النيجر وتأثيراته على الحرب ضد الإرهاب

أثار قرار المجلس العسكري الحاكم في النيجر الانسحاب من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) العديد من التساؤلات حول تداعياته الأمنية والسياسية في منطقة الساحل الأفريقي. في ظل التحولات السياسية التي شهدتها النيجر منذ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم في يوليو 2023، يبدو أن نيامي تعيد تشكيل تحالفاتها الاستراتيجية، مما قد يعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي في غرب أفريقيا. وقد انسحب المجلس العسكري الحاكم في النيجر من القوة الإقليمية التي تقاتل الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة بحيرة تشاد بغرب أفريقيا، مما عزز الانقسام المرير عن الحلفاء السابقين في المنطقة. أُعلن قرار انسحاب قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) في نشرةٍ بثّها التلفزيون الرسمي نهاية الأسبوع. وجاء في النشرة أن هذه الخطوة "تعكس نيةً مُعلنةً لتعزيز أمن المواقع النفطية"، دون تقديم مزيدٍ من التفاصيل. شُكِّلت قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات (MNJTF) عام ٢٠١٥ من قِبل الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا في أعقاب تزايد الهجمات الجهادية على أراضيها. في ذروتها، بلغ عدد جنودها ما يُقدَّر بعشرة آلاف جندي، وقاتلت العديد من الجماعات المسلحة، وخاصةً بوكو حرام وفروعها. لكن أي تقدم جدي أُعيقَ أو حتى تبدَّد بسبب ضعف التعاون والتجهيز، وفقًا للمحللين. قال أولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية ومقره باماكو: "لم تكن القوة بهذه الفعالية قط". وأضاف أن تراجعها "خبر سار للجهاديين، ولكنه خبر سيئ للقرويين على ضفاف البحيرة، والصيادين والمزارعين الذين يرغبون فقط في ممارسة أعمالهم، لكنهم سيتلقون الآن دعمًا عسكريًا أقل". وجاء خروج النيجر من قوة المهام المشتركة بعد أيام من أداء زعيم المجلس العسكري عبد الرحمن تياني اليمين الدستورية رئيسا حتى عام 2030 بموجب ميثاق جديد علق العمل بالدستور وحل جميع الأحزاب السياسية. كما عزلت النيجر نفسها عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بعد أن فرضت إيكواس مجموعة من العقوبات في أعقاب التطورات السياسية التي أطاحت بالرئيس، محمد بازوم، في يوليو 2023. وفي غضون شهرين من هذه التطورات السياسية، انضمت إلى تحالف دول الساحل المنشق إلى جانب بوركينا فاسو ومالي، حيث كانت هناك أيضًا عمليات استيلاء عسكرية منذ عام 2020. ومنذ ذلك الحين، قدمت حكومة نيجيريا جوازات سفر بيومترية جديدة لتحل محل جوازات السفر الإقليمية القديمة، وأعلنت يوم الاثنين عن فرض ضريبة بنسبة 0.5٪ على السلع المستوردة من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وقال إيكيميست إيفيونج، الشريك الإداري في شركة إس بي إم إنتليجنس الاستشارية النيجيرية للمخاطر الجيوسياسية، إن الضريبة وضعت حداً "لتاريخ طويل من التجارة الحرة في جميع أنحاء غرب الساحل" ويمكن أن تغير ديناميكيات مفاوضات إيكواس مع وكالة الطاقة الذرية. وقال إيفيونج "عندما يتماشى هذا مع التزام المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالحفاظ على التجارة والحدود المفتوحة مع دول منطقة جنوب شرق أفريقيا، أعتقد أن هذه [الضريبة] ستجبر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على التخلي عن استراتيجية القفازات المطاطية وأن تكون أكثر حزما مع منطقة جنوب شرق أفريقيا". لا يزال من غير الواضح تأثير انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات على الاتفاقية الأمنية الموقّعة مع نيجيريا المجاورة في أغسطس الماضي. يشترك البلدان في حدود تمتدّ لألف ميل، لكنّ مساعي المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بقيادة نيجيريا للعودة السريعة إلى الحكم الديمقراطي سبّبت خلافات بين البلدين. وقال إيفيونج إن التحركات الأخيرة في العاصمة نيامي، التي تسعى إلى شركاء عسكريين واقتصاديين جدد منذ طرد القوات الفرنسية في عام 2023، ليست مفاجئة. وقال إيفيونج، الذي أشار إلى أن قوة المهام المشتركة المتعددة الأطراف تلقت مساعدات عسكرية واستخباراتية من شركاء غربيين في الماضي، إن "النيجر انسحبت من جميع التزاماتها الإقليمية الثنائية والمتعددة الأطراف الرئيسية، والتي ترى أن الكثير منها متأثر أو مستوحى من الغرب". الدوافع وراء الانسحاب تأتي خطوة النيجر في سياق سلسلة من التحولات التي اتخذها المجلس العسكري الحاكم لتعزيز سيادته وإعادة ترتيب أولوياته الأمنية والسياسية. يمكن رصد عدد من العوامل التي قد تكون دفعت النيجر إلى هذا القرار: التوجه نحو استقلالية القرار الأمني منذ استيلاء المجلس العسكري على السلطة في يوليو 2023، تبنّت القيادة الجديدة في النيجر نهجًا أكثر استقلالية في سياساتها الأمنية. تنظر القيادة العسكرية إلى القوة متعددة الجنسيات على أنها امتداد لنفوذ القوى الغربية، وخصوصًا فرنسا، التي كانت لها علاقات عسكرية وأمنية وثيقة مع النظام السابق. بعد طرد القوات الفرنسية من النيجر في عام 2023، تسارعت وتيرة الانفصال عن الهياكل الأمنية الإقليمية التي تحظى بدعم غربي، حيث يرى المجلس العسكري أن الاعتماد على تلك الآليات قد يقيد سيادته الوطنية ويحدّ من حريته في اتخاذ القرارات الأمنية. إضافة إلى ذلك، تعتقد السلطات في نيامي أن التدخلات الغربية في الشؤون الأمنية لم تحقق الاستقرار الموعود، بل على العكس، تسببت في إطالة أمد الصراع مع الجماعات المسلحة. وعليه، فإن الخروج من هذه الشراكات الأمنية المتعددة الأطراف هو جزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل السياسة الدفاعية للبلاد، وجعلها أكثر اعتمادًا على نفسها، أو على تحالفات إقليمية بديلة تراها أكثر توافقًا مع رؤيتها الاستراتيجية. إعادة ترتيب الأولويات العسكرية أعلن المجلس العسكري أن انسحاب النيجر من القوة المشتركة يهدف إلى "تعزيز أمن المواقع النفطية"، وهو ما يعكس تحولًا في أولويات الدولة من الحرب ضد الجماعات المسلحة إلى تأمين مواردها الاقتصادية الحيوية. فالنيجر تمتلك احتياطيات نفطية مهمة، وتعدّ الموارد الطبيعية عنصرًا حاسمًا في استراتيجيتها الاقتصادية، خاصة في ظل العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بعد الانقلاب. لذا، فإن إعادة توزيع الموارد العسكرية لحماية تلك المواقع يشير إلى رغبة السلطات في تأمين عائدات النفط، التي تعد شريان الحياة للاقتصاد الوطني. علاوة على ذلك، فإن تأمين المنشآت الاقتصادية، مثل حقول النفط والبنية التحتية للطاقة، يُعدّ جزءًا من رؤية أوسع لتعزيز الاستقرار الداخلي. إذ تدرك القيادة العسكرية أن استقرار البلاد اقتصاديًا هو عامل أساسي للحفاظ على سلطتها، لا سيما في ظل الضغوط الدولية والإقليمية. وبذلك، فإن القرار لا يعكس مجرد تحول أمني، بل يعبر عن إعادة هيكلة للأولويات الاستراتيجية للنيجر، حيث بات التركيز ينصبّ أكثر على المصالح الاقتصادية الداخلية بدلاً من الالتزامات العسكرية الخارجية. الخلافات داخل القوة المشتركة منذ إنشائها في عام 2015، واجهت قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات تحديات هيكلية أعاقت فعاليتها في مواجهة الجماعات الجهادية. كانت هناك مشكلات مزمنة في التنسيق بين الدول الأعضاء، حيث لم تتمكن القوة من توحيد جهودها العسكرية بشكل فعّال، ما أدى إلى تباطؤ العمليات الميدانية. كما عانت القوة من نقص التمويل والمعدات، مما جعلها غير قادرة على التعامل بفعالية مع التهديدات المتزايدة في منطقة بحيرة تشاد. يرى المحللون أن غياب استراتيجية واضحة وتقاسم غير متوازن للأعباء العسكرية بين الدول الأعضاء ساهم في تقويض نجاح المهمة. إلى جانب ذلك، كانت هناك شكاوى متكررة من عدم التكافؤ في تحمل المسؤوليات داخل القوة المشتركة. إذ شعرت النيجر بأنها تتحمل عبئًا أمنيًا أكبر مقارنة ببعض الدول الأخرى، بينما لم تكن هناك نتائج ملموسة على الأرض. وبما أن المجلس العسكري يسعى إلى تقليل مشاركته في التحالفات التي يعتبرها غير مجدية، فإن قرار الانسحاب يعكس استياءً متزايدًا من الأداء الضعيف لهذه القوة وعدم تحقيقها للأهداف المرجوة. التحولات الجيوسياسية في المنطقة انسحاب النيجر من القوة المشتركة يأتي ضمن تحولات جيوسياسية أوسع تشهدها منطقة الساحل. فمنذ انقلاب 2023، تتجه نيامي إلى إعادة بناء تحالفاتها بعيدًا عن الإطار التقليدي الذي فرضته المنظمات الإقليمية المدعومة من الغرب. وقد كان انضمامها إلى تحالف الساحل مع بوركينا فاسو ومالي مؤشرًا واضحًا على هذا التوجه، إذ تسعى الدول الثلاث إلى بناء شراكة عسكرية وأمنية جديدة تعتمد على قدراتها الذاتية، بعيدة عن النفوذ الغربي المباشر. في هذا السياق، يمكن النظر إلى القرار على أنه جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليل الاعتماد على الشراكات التقليدية والتحول نحو تحالفات جديدة. ومن المرجح أن يتجه المجلس العسكري في النيجر إلى تعزيز التعاون مع روسيا أو الصين، اللتين أبدتا اهتمامًا متزايدًا بتوسيع نفوذهما في أفريقيا، خصوصًا في الدول التي تسعى إلى تقليل ارتباطها بالغرب. هذا التحول قد يؤدي إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، مع احتمال تصاعد التنافس بين القوى العالمية على النفوذ في الساحل الأفريقي التداعيات الأمنية والسياسية تصاعد تهديد الجماعات المسلحة يمثل انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات فرصة ثمينة للجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، لتوسيع نطاق عملياتها في منطقة بحيرة تشاد. فقد كانت هذه القوة بمثابة حاجز أمني يمنع انتشار هذه التنظيمات، ورحيل النيجر قد يؤدي إلى خلل في هذا التوازن. كما أن الفراغ الأمني الناتج عن هذا الانسحاب قد يتيح للجماعات المتطرفة فرصة إعادة تجميع صفوفها وتكثيف هجماتها على القرى والمناطق الحدودية، مما يزيد من معاناة المدنيين الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الإرهاب وسندان ضعف القوات الحكومية. إلى جانب ذلك، فإن التهديدات الأمنية لا تقتصر فقط على منطقة بحيرة تشاد، بل قد تمتد إلى أجزاء أخرى من النيجر والبلدان المجاورة. فمع ضعف التنسيق الأمني وتراجع الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، قد تصبح النيجر بيئة خصبة لعودة بعض الجماعات الجهادية التي تكبدت خسائر في السنوات الماضية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تصاعد موجات النزوح الداخلي، وزيادة الضغوط الإنسانية على المناطق المتضررة. تراجع التعاون الأمني الإقليمي كان التنسيق بين دول المنطقة أحد العناصر الأساسية في مواجهة التهديدات الإرهابية، حيث لعبت النيجر دورًا محوريًا في العمليات المشتركة ضد الجماعات المسلحة. لكن مع قرارها الانسحاب من قوة المهام المشتركة، من المرجح أن يضعف هذا التعاون الإقليمي، مما يجعل من الصعب احتواء التهديدات الأمنية المتزايدة. وقد تجد الدول الأخرى نفسها مضطرة لتحمل عبء إضافي في غياب الدعم العسكري واللوجستي الذي كانت توفره النيجر، وهو ما قد يؤثر على فاعلية العمليات الأمنية. علاوة على ذلك، فإن هذا الانسحاب قد يدفع بعض الدول الأعضاء الأخرى في القوة المشتركة إلى إعادة تقييم مشاركتها، لا سيما إذا شعرت بأنها تتحمل مسؤوليات أكبر من غيرها. وإذا استمرت هذه الديناميكية، فقد يؤدي ذلك إلى تفكك القوة المشتركة، أو على الأقل تقليص نطاق عملياتها، مما سيصب في مصلحة الجماعات الإرهابية التي تعتمد على ضعف التنسيق الأمني بين دول المنطقة لتعزيز نفوذها. تعميق العزلة الدبلوماسية للنيجر لم يأت انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة في فراغ، بل جاء في سياق أوسع من التوترات الدبلوماسية المتصاعدة بين نيامي وجيرانها، وخاصة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس). فقد أدى الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في عام 2023 إلى فرض عقوبات صارمة على النيجر، مما زاد من عزلتها الإقليمية. وبانسحابها من القوة المشتركة، ترسل النيجر إشارة واضحة إلى أنها لم تعد ترغب في الالتزام بالترتيبات الأمنية التقليدية التي تنظمها القوى الإقليمية المدعومة من الغرب. على المستوى الاقتصادي، قد يؤدي هذا الانسحاب إلى مزيد من الضغوط على النيجر، حيث تعتمد البلاد بشكل كبير على التعاون الاقتصادي مع دول الجوار. ومع تدهور علاقاتها مع نيجيريا، التي تعد شريكًا تجاريًا رئيسيًا، قد تجد النيجر نفسها مضطرة للبحث عن بدائل اقتصادية وعسكرية، مما قد يدفعها أكثر نحو تعزيز علاقاتها مع قوى مثل روسيا والصين. هذا التحول قد يعيد رسم خارطة التحالفات في المنطقة، لكنه في الوقت ذاته قد يزيد من حدة التوترات مع الدول الغربية التي تنظر بعين الريبة إلى التقارب المتزايد بين دول الساحل الأفريقي وخصومها الجيوسياسيين التقليديين السيناريوهات المستقبلية تعزيز التعاون مع تحالف الساحل من المتوقع أن تسعى النيجر إلى تعزيز تحالفها مع بوركينا فاسو ومالي، اللتين شهدتا أيضًا انقلابات عسكرية مماثلة، لتأسيس إطار أمني بديل يتجاوز الهياكل الإقليمية التقليدية مثل قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات أو إيكواس. هذا التعاون قد يشمل تشكيل قوات عسكرية مشتركة، وتكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية، فضلاً عن تبني سياسات أمنية متقاربة تتماشى مع التوجه المناهض للنفوذ الغربي في المنطقة. ومن شأن هذا التحالف أن يوفر للدول الثلاث منصة لمواجهة التهديدات الإرهابية وفق أولوياتها الخاصة، دون تدخل مباشر من القوى الغربية. مع ذلك، فإن هذا المسار لا يخلو من التحديات، إذ إن هذه الدول تعاني من ضعف القدرات العسكرية مقارنة بالقوى الغربية التي كانت توفر لها الدعم اللوجستي والاستخباراتي. كما أن غياب التمويل الكافي قد يعيق قدرة التحالف على تنفيذ عمليات فعالة ضد الجماعات المسلحة، مما قد يؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني في المنطقة. وإذا لم يتمكن هذا التحالف من تحقيق نجاحات ملموسة، فقد يواجه صعوبات في استقطاب دعم شعبي محلي، مما يضعف شرعيته على المدى البعيد. زيادة النفوذ الروسي والصيني مع انسحاب النيجر من الهياكل الأمنية التي كانت مدعومة من الغرب، قد تجد نيامي نفسها مضطرة لتعزيز علاقاتها مع قوى دولية أخرى، مثل روسيا والصين، لسد الفراغ الأمني والاقتصادي. روسيا، التي وسعت نفوذها في إفريقيا عبر مجموعة فاغنر وغيرها من القنوات العسكرية والدبلوماسية، قد تستغل الوضع لتعزيز وجودها في النيجر، سواء من خلال تقديم مساعدات عسكرية مباشرة أو عبر دعم أنظمة الدفاع المحلية. ومن المرجح أن تسعى موسكو إلى تقديم نفسها كبديل أكثر موثوقية من الشراكات الغربية، خاصة بعد تزايد مشاعر العداء للوجود الفرنسي والأمريكي في دول الساحل. أما الصين، فقد تركّز دعمها على الجوانب الاقتصادية، مثل الاستثمار في البنية التحتية والتعدين، وقد يكون لها دور متزايد في تقديم قروض وتمويل مشاريع استراتيجية مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية. ومع ذلك، فإن تحول النيجر نحو هذه القوى قد يزيد من تعقيد علاقاتها الإقليمية، خاصة مع استمرار الضغوط الغربية والعقوبات المحتملة التي قد تفرض عليها نتيجة هذا التحول. وفي حال تصاعد التوترات بين القوى الكبرى في المنطقة، فقد تجد النيجر نفسها في وضع حساس بين المصالح المتضاربة. تفكك محتمل لقوة المهام المشتركة قد يؤدي انسحاب النيجر إلى تأثير متسلسل يدفع دولًا أخرى إلى إعادة النظر في مشاركتها ضمن قوة المهام المشتركة. فالدول الأعضاء المتبقية، مثل نيجيريا وتشاد، قد تجد نفسها أمام تحديات متزايدة في ملء الفراغ العملياتي الذي تركته النيجر، مما قد يضعف فعالية القوة ويجعلها غير قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد الجماعات الإرهابية. ومن دون دعم كافٍ، قد تواجه القوة المشتركة مزيدًا من التآكل في قدراتها، ما قد يفتح الباب أمام إعادة هيكلة أو حتى تفككها بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانقسامات السياسية بين الدول الأعضاء قد تعمق من أزمة هذه القوة. إذ إن غياب التوافق حول الأولويات الأمنية والاستراتيجية قد يجعل من الصعب على هذه الدول الحفاظ على تعاونها العسكري بنفس الكفاءة السابقة. وإذا لم يتم التوصل إلى حلول جديدة لتعزيز التنسيق العسكري بين الدول الأعضاء المتبقية، فقد تتجه بعض الدول نحو حلول أحادية أو تحالفات جديدة، ما قد يسرّع من انهيار القوة المشتركة ويترك المنطقة عرضة لتصاعد النشاط الإرهابي بشكل غير مسبوق خاتمة يأتي انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة في سياق تحول أوسع في سياساتها الأمنية والسياسية، حيث تسعى البلاد لتعزيز سيادتها واستقلالها عن التأثيرات الغربية. هذه الخطوة تشير إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية، ولكنها في الوقت ذاته تفتح المجال لفراغ أمني قد يستفيد منه الجهاديون والجماعات المسلحة. غياب التنسيق الأمني الفعّال بين دول المنطقة قد يعمق حالة عدم الاستقرار، مما يزيد من هشاشة الوضع في منطقة الساحل الأفريقي. المستقبل القريب سيكشف ما إذا كانت النيجر وحلفاؤها الجدد، مثل بوركينا فاسو ومالي، قادرين على صياغة استراتيجية أمنية بديلة تعزز من قدرتهم على مواجهة التهديدات الإرهابية. ومع استمرار الأزمات الإقليمية، يبقى التساؤل حول ما إذا كانت هذه التحولات ستؤدي إلى مزيد من الفوضى وانعدام الاستقرار في المنطقة أم ستتمكن هذه الدول من بناء إطار أمني جديد يعيد التوازن الإقليمي.

تحولات أمنية في الساحل الإفريقي.. انسحاب النيجر وتأثيراته على الحرب ضد الإرهاب
تحولات أمنية في الساحل الإفريقي.. انسحاب النيجر وتأثيراته على الحرب ضد الإرهاب

البوابة

time٠٣-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • البوابة

تحولات أمنية في الساحل الإفريقي.. انسحاب النيجر وتأثيراته على الحرب ضد الإرهاب

أثار قرار المجلس العسكري الحاكم في النيجر الانسحاب من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) العديد من التساؤلات حول تداعياته الأمنية والسياسية في منطقة الساحل الأفريقي. في ظل التحولات السياسية التي شهدتها النيجر منذ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم في يوليو 2023، يبدو أن نيامي تعيد تشكيل تحالفاتها الاستراتيجية، مما قد يعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي في غرب أفريقيا. وقد انسحب المجلس العسكري الحاكم في النيجر من القوة الإقليمية التي تقاتل الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة بحيرة تشاد بغرب أفريقيا، مما عزز الانقسام المرير عن الحلفاء السابقين في المنطقة. أُعلن قرار انسحاب قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) في نشرةٍ بثّها التلفزيون الرسمي نهاية الأسبوع. وجاء في النشرة أن هذه الخطوة "تعكس نيةً مُعلنةً لتعزيز أمن المواقع النفطية"، دون تقديم مزيدٍ من التفاصيل. شُكِّلت قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات (MNJTF) عام ٢٠١٥ من قِبل الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا في أعقاب تزايد الهجمات الجهادية على أراضيها. في ذروتها، بلغ عدد جنودها ما يُقدَّر بعشرة آلاف جندي، وقاتلت العديد من الجماعات المسلحة، وخاصةً بوكو حرام وفروعها. لكن أي تقدم جدي أُعيقَ أو حتى تبدَّد بسبب ضعف التعاون والتجهيز، وفقًا للمحللين. قال أولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية ومقره باماكو: "لم تكن القوة بهذه الفعالية قط". وأضاف أن تراجعها "خبر سار للجهاديين، ولكنه خبر سيئ للقرويين على ضفاف البحيرة، والصيادين والمزارعين الذين يرغبون فقط في ممارسة أعمالهم، لكنهم سيتلقون الآن دعمًا عسكريًا أقل". وجاء خروج النيجر من قوة المهام المشتركة بعد أيام من أداء زعيم المجلس العسكري عبد الرحمن تياني اليمين الدستورية رئيسا حتى عام 2030 بموجب ميثاق جديد علق العمل بالدستور وحل جميع الأحزاب السياسية. كما عزلت النيجر نفسها عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بعد أن فرضت إيكواس مجموعة من العقوبات في أعقاب التطورات السياسية التي أطاحت بالرئيس، محمد بازوم، في يوليو 2023. وفي غضون شهرين من هذه التطورات السياسية، انضمت إلى تحالف دول الساحل المنشق إلى جانب بوركينا فاسو ومالي، حيث كانت هناك أيضًا عمليات استيلاء عسكرية منذ عام 2020. ومنذ ذلك الحين، قدمت حكومة نيجيريا جوازات سفر بيومترية جديدة لتحل محل جوازات السفر الإقليمية القديمة، وأعلنت يوم الاثنين عن فرض ضريبة بنسبة 0.5٪ على السلع المستوردة من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وقال إيكيميست إيفيونج، الشريك الإداري في شركة إس بي إم إنتليجنس الاستشارية النيجيرية للمخاطر الجيوسياسية، إن الضريبة وضعت حدًا "لتاريخ طويل من التجارة الحرة في جميع أنحاء غرب الساحل" ويمكن أن تغير ديناميكيات مفاوضات إيكواس مع وكالة الطاقة الذرية. وقال إيفيونج "عندما يتماشى هذا مع التزام المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالحفاظ على التجارة والحدود المفتوحة مع دول منطقة جنوب شرق أفريقيا، أعتقد أن هذه [الضريبة] ستجبر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على التخلي عن استراتيجية القفازات المطاطية وأن تكون أكثر حزما مع منطقة جنوب شرق أفريقيا". لا يزال من غير الواضح تأثير انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات على الاتفاقية الأمنية الموقّعة مع نيجيريا المجاورة في أغسطس الماضي. يشترك البلدان في حدود تمتدّ لألف ميل، لكنّ مساعي المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بقيادة نيجيريا للعودة السريعة إلى الحكم الديمقراطي سبّبت خلافات بين البلدين. وقال إيفيونج إن التحركات الأخيرة في العاصمة نيامي، التي تسعى إلى شركاء عسكريين واقتصاديين جدد منذ طرد القوات الفرنسية في عام 2023، ليست مفاجئة. وقال إيفيونج، الذي أشار إلى أن قوة المهام المشتركة المتعددة الأطراف تلقت مساعدات عسكرية واستخباراتية من شركاء غربيين في الماضي، إن "النيجر انسحبت من جميع التزاماتها الإقليمية الثنائية والمتعددة الأطراف الرئيسية، والتي ترى أن الكثير منها متأثر أو مستوحى من الغرب". الدوافع وراء الانسحاب تأتي خطوة النيجر في سياق سلسلة من التحولات التي اتخذها المجلس العسكري الحاكم لتعزيز سيادته وإعادة ترتيب أولوياته الأمنية والسياسية. يمكن رصد عدد من العوامل التي قد تكون دفعت النيجر إلى هذا القرار: التوجه نحو استقلالية القرار الأمني منذ استيلاء المجلس العسكري على السلطة في يوليو 2023، تبنّت القيادة الجديدة في النيجر نهجًا أكثر استقلالية في سياساتها الأمنية. تنظر القيادة العسكرية إلى القوة متعددة الجنسيات على أنها امتداد لنفوذ القوى الغربية، وخصوصًا فرنسا، التي كانت لها علاقات عسكرية وأمنية وثيقة مع النظام السابق. بعد طرد القوات الفرنسية من النيجر في عام 2023، تسارعت وتيرة الانفصال عن الهياكل الأمنية الإقليمية التي تحظى بدعم غربي، حيث يرى المجلس العسكري أن الاعتماد على تلك الآليات قد يقيد سيادته الوطنية ويحدّ من حريته في اتخاذ القرارات الأمنية. إضافة إلى ذلك، تعتقد السلطات في نيامي أن التدخلات الغربية في الشؤون الأمنية لم تحقق الاستقرار الموعود، بل على العكس، تسببت في إطالة أمد الصراع مع الجماعات المسلحة. وعليه، فإن الخروج من هذه الشراكات الأمنية المتعددة الأطراف هو جزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل السياسة الدفاعية للبلاد، وجعلها أكثر اعتمادًا على نفسها، أو على تحالفات إقليمية بديلة تراها أكثر توافقًا مع رؤيتها الاستراتيجية. إعادة ترتيب الأولويات العسكرية أعلن المجلس العسكري أن انسحاب النيجر من القوة المشتركة يهدف إلى "تعزيز أمن المواقع النفطية"، وهو ما يعكس تحولًا في أولويات الدولة من الحرب ضد الجماعات المسلحة إلى تأمين مواردها الاقتصادية الحيوية. فالنيجر تمتلك احتياطيات نفطية مهمة، وتعدّ الموارد الطبيعية عنصرًا حاسمًا في استراتيجيتها الاقتصادية، خاصة في ظل العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بعد الانقلاب. لذا، فإن إعادة توزيع الموارد العسكرية لحماية تلك المواقع يشير إلى رغبة السلطات في تأمين عائدات النفط، التي تعد شريان الحياة للاقتصاد الوطني. علاوة على ذلك، فإن تأمين المنشآت الاقتصادية، مثل حقول النفط والبنية التحتية للطاقة، يُعدّ جزءًا من رؤية أوسع لتعزيز الاستقرار الداخلي. إذ تدرك القيادة العسكرية أن استقرار البلاد اقتصاديًا هو عامل أساسي للحفاظ على سلطتها، لا سيما في ظل الضغوط الدولية والإقليمية. وبذلك، فإن القرار لا يعكس مجرد تحول أمني، بل يعبر عن إعادة هيكلة للأولويات الاستراتيجية للنيجر، حيث بات التركيز ينصبّ أكثر على المصالح الاقتصادية الداخلية بدلًا من الالتزامات العسكرية الخارجية. الخلافات داخل القوة المشتركة منذ إنشائها في عام 2015، واجهت قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات تحديات هيكلية أعاقت فعاليتها في مواجهة الجماعات الجهادية. كانت هناك مشكلات مزمنة في التنسيق بين الدول الأعضاء، حيث لم تتمكن القوة من توحيد جهودها العسكرية بشكل فعّال، ما أدى إلى تباطؤ العمليات الميدانية. كما عانت القوة من نقص التمويل والمعدات، مما جعلها غير قادرة على التعامل بفعالية مع التهديدات المتزايدة في منطقة بحيرة تشاد. يرى المحللون أن غياب استراتيجية واضحة وتقاسم غير متوازن للأعباء العسكرية بين الدول الأعضاء ساهم في تقويض نجاح المهمة. إلى جانب ذلك، كانت هناك شكاوى متكررة من عدم التكافؤ في تحمل المسؤوليات داخل القوة المشتركة. إذ شعرت النيجر بأنها تتحمل عبئًا أمنيًا أكبر مقارنة ببعض الدول الأخرى، بينما لم تكن هناك نتائج ملموسة على الأرض. وبما أن المجلس العسكري يسعى إلى تقليل مشاركته في التحالفات التي يعتبرها غير مجدية، فإن قرار الانسحاب يعكس استياءً متزايدًا من الأداء الضعيف لهذه القوة وعدم تحقيقها للأهداف المرجوة. التحولات الجيوسياسية في المنطقة انسحاب النيجر من القوة المشتركة يأتي ضمن تحولات جيوسياسية أوسع تشهدها منطقة الساحل. فمنذ انقلاب 2023، تتجه نيامي إلى إعادة بناء تحالفاتها بعيدًا عن الإطار التقليدي الذي فرضته المنظمات الإقليمية المدعومة من الغرب. وقد كان انضمامها إلى تحالف الساحل مع بوركينا فاسو ومالي مؤشرًا واضحًا على هذا التوجه، إذ تسعى الدول الثلاث إلى بناء شراكة عسكرية وأمنية جديدة تعتمد على قدراتها الذاتية، بعيدة عن النفوذ الغربي المباشر. في هذا السياق، يمكن النظر إلى القرار على أنه جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليل الاعتماد على الشراكات التقليدية والتحول نحو تحالفات جديدة. ومن المرجح أن يتجه المجلس العسكري في النيجر إلى تعزيز التعاون مع روسيا أو الصين، اللتين أبدتا اهتمامًا متزايدًا بتوسيع نفوذهما في أفريقيا، خصوصًا في الدول التي تسعى إلى تقليل ارتباطها بالغرب. هذا التحول قد يؤدي إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، مع احتمال تصاعد التنافس بين القوى العالمية على النفوذ في الساحل الأفريقي التداعيات الأمنية والسياسية تصاعد تهديد الجماعات المسلحة يمثل انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات فرصة ثمينة للجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، لتوسيع نطاق عملياتها في منطقة بحيرة تشاد. فقد كانت هذه القوة بمثابة حاجز أمني يمنع انتشار هذه التنظيمات، ورحيل النيجر قد يؤدي إلى خلل في هذا التوازن. كما أن الفراغ الأمني الناتج عن هذا الانسحاب قد يتيح للجماعات المتطرفة فرصة إعادة تجميع صفوفها وتكثيف هجماتها على القرى والمناطق الحدودية، مما يزيد من معاناة المدنيين الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الإرهاب وسندان ضعف القوات الحكومية. إلى جانب ذلك، فإن التهديدات الأمنية لا تقتصر فقط على منطقة بحيرة تشاد، بل قد تمتد إلى أجزاء أخرى من النيجر والبلدان المجاورة. فمع ضعف التنسيق الأمني وتراجع الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، قد تصبح النيجر بيئة خصبة لعودة بعض الجماعات الجهادية التي تكبدت خسائر في السنوات الماضية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تصاعد موجات النزوح الداخلي، وزيادة الضغوط الإنسانية على المناطق المتضررة. تراجع التعاون الأمني الإقليمي كان التنسيق بين دول المنطقة أحد العناصر الأساسية في مواجهة التهديدات الإرهابية، حيث لعبت النيجر دورًا محوريًا في العمليات المشتركة ضد الجماعات المسلحة. لكن مع قرارها الانسحاب من قوة المهام المشتركة، من المرجح أن يضعف هذا التعاون الإقليمي، مما يجعل من الصعب احتواء التهديدات الأمنية المتزايدة. وقد تجد الدول الأخرى نفسها مضطرة لتحمل عبء إضافي في غياب الدعم العسكري واللوجستي الذي كانت توفره النيجر، وهو ما قد يؤثر على فاعلية العمليات الأمنية. علاوة على ذلك، فإن هذا الانسحاب قد يدفع بعض الدول الأعضاء الأخرى في القوة المشتركة إلى إعادة تقييم مشاركتها، لا سيما إذا شعرت بأنها تتحمل مسؤوليات أكبر من غيرها. وإذا استمرت هذه الديناميكية، فقد يؤدي ذلك إلى تفكك القوة المشتركة، أو على الأقل تقليص نطاق عملياتها، مما سيصب في مصلحة الجماعات الإرهابية التي تعتمد على ضعف التنسيق الأمني بين دول المنطقة لتعزيز نفوذها. تعميق العزلة الدبلوماسية للنيجر لم يأت انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة في فراغ، بل جاء في سياق أوسع من التوترات الدبلوماسية المتصاعدة بين نيامي وجيرانها، وخاصة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس). فقد أدى الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في عام 2023 إلى فرض عقوبات صارمة على النيجر، مما زاد من عزلتها الإقليمية. وبانسحابها من القوة المشتركة، ترسل النيجر إشارة واضحة إلى أنها لم تعد ترغب في الالتزام بالترتيبات الأمنية التقليدية التي تنظمها القوى الإقليمية المدعومة من الغرب. على المستوى الاقتصادي، قد يؤدي هذا الانسحاب إلى مزيد من الضغوط على النيجر، حيث تعتمد البلاد بشكل كبير على التعاون الاقتصادي مع دول الجوار. ومع تدهور علاقاتها مع نيجيريا، التي تعد شريكًا تجاريًا رئيسيًا، قد تجد النيجر نفسها مضطرة للبحث عن بدائل اقتصادية وعسكرية، مما قد يدفعها أكثر نحو تعزيز علاقاتها مع قوى مثل روسيا والصين. هذا التحول قد يعيد رسم خارطة التحالفات في المنطقة، لكنه في الوقت ذاته قد يزيد من حدة التوترات مع الدول الغربية التي تنظر بعين الريبة إلى التقارب المتزايد بين دول الساحل الأفريقي وخصومها الجيوسياسيين التقليديين السيناريوهات المستقبلية تعزيز التعاون مع تحالف الساحل من المتوقع أن تسعى النيجر إلى تعزيز تحالفها مع بوركينا فاسو ومالي، اللتين شهدتا أيضًا انقلابات عسكرية مماثلة، لتأسيس إطار أمني بديل يتجاوز الهياكل الإقليمية التقليدية مثل قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات أو إيكواس. هذا التعاون قد يشمل تشكيل قوات عسكرية مشتركة، وتكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية، فضلًا عن تبني سياسات أمنية متقاربة تتماشى مع التوجه المناهض للنفوذ الغربي في المنطقة. ومن شأن هذا التحالف أن يوفر للدول الثلاث منصة لمواجهة التهديدات الإرهابية وفق أولوياتها الخاصة، دون تدخل مباشر من القوى الغربية. مع ذلك، فإن هذا المسار لا يخلو من التحديات، إذ إن هذه الدول تعاني من ضعف القدرات العسكرية مقارنة بالقوى الغربية التي كانت توفر لها الدعم اللوجستي والاستخباراتي. كما أن غياب التمويل الكافي قد يعيق قدرة التحالف على تنفيذ عمليات فعالة ضد الجماعات المسلحة، مما قد يؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني في المنطقة. وإذا لم يتمكن هذا التحالف من تحقيق نجاحات ملموسة، فقد يواجه صعوبات في استقطاب دعم شعبي محلي، مما يضعف شرعيته على المدى البعيد. زيادة النفوذ الروسي والصيني مع انسحاب النيجر من الهياكل الأمنية التي كانت مدعومة من الغرب، قد تجد نيامي نفسها مضطرة لتعزيز علاقاتها مع قوى دولية أخرى، مثل روسيا والصين، لسد الفراغ الأمني والاقتصادي. روسيا، التي وسعت نفوذها في إفريقيا عبر مجموعة فاغنر وغيرها من القنوات العسكرية والدبلوماسية، قد تستغل الوضع لتعزيز وجودها في النيجر، سواء من خلال تقديم مساعدات عسكرية مباشرة أو عبر دعم أنظمة الدفاع المحلية. ومن المرجح أن تسعى موسكو إلى تقديم نفسها كبديل أكثر موثوقية من الشراكات الغربية، خاصة بعد تزايد مشاعر العداء للوجود الفرنسي والأمريكي في دول الساحل. أما الصين، فقد تركّز دعمها على الجوانب الاقتصادية، مثل الاستثمار في البنية التحتية والتعدين، وقد يكون لها دور متزايد في تقديم قروض وتمويل مشاريع استراتيجية مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية. ومع ذلك، فإن تحول النيجر نحو هذه القوى قد يزيد من تعقيد علاقاتها الإقليمية، خاصة مع استمرار الضغوط الغربية والعقوبات المحتملة التي قد تفرض عليها نتيجة هذا التحول. وفي حال تصاعد التوترات بين القوى الكبرى في المنطقة، فقد تجد النيجر نفسها في وضع حساس بين المصالح المتضاربة. تفكك محتمل لقوة المهام المشتركة قد يؤدي انسحاب النيجر إلى تأثير متسلسل يدفع دولًا أخرى إلى إعادة النظر في مشاركتها ضمن قوة المهام المشتركة. فالدول الأعضاء المتبقية، مثل نيجيريا وتشاد، قد تجد نفسها أمام تحديات متزايدة في ملء الفراغ العملياتي الذي تركته النيجر، مما قد يضعف فعالية القوة ويجعلها غير قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد الجماعات الإرهابية. ومن دون دعم كافٍ، قد تواجه القوة المشتركة مزيدًا من التآكل في قدراتها، ما قد يفتح الباب أمام إعادة هيكلة أو حتى تفككها بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانقسامات السياسية بين الدول الأعضاء قد تعمق من أزمة هذه القوة. إذ إن غياب التوافق حول الأولويات الأمنية والاستراتيجية قد يجعل من الصعب على هذه الدول الحفاظ على تعاونها العسكري بنفس الكفاءة السابقة. وإذا لم يتم التوصل إلى حلول جديدة لتعزيز التنسيق العسكري بين الدول الأعضاء المتبقية، فقد تتجه بعض الدول نحو حلول أحادية أو تحالفات جديدة، ما قد يسرّع من انهيار القوة المشتركة ويترك المنطقة عرضة لتصاعد النشاط الإرهابي بشكل غير مسبوق. خاتمة يأتي انسحاب النيجر من قوة المهام المشتركة في سياق تحول أوسع في سياساتها الأمنية والسياسية، حيث تسعى البلاد لتعزيز سيادتها واستقلالها عن التأثيرات الغربية. هذه الخطوة تشير إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية، ولكنها في الوقت ذاته تفتح المجال لفراغ أمني قد يستفيد منه الجهاديون والجماعات المسلحة. غياب التنسيق الأمني الفعّال بين دول المنطقة قد يعمق حالة عدم الاستقرار، مما يزيد من هشاشة الوضع في منطقة الساحل الأفريقي. المستقبل القريب سيكشف ما إذا كانت النيجر وحلفاؤها الجدد، مثل بوركينا فاسو ومالي، قادرين على صياغة استراتيجية أمنية بديلة تعزز من قدرتهم على مواجهة التهديدات الإرهابية. ومع استمرار الأزمات الإقليمية، يبقى التساؤل حول ما إذا كانت هذه التحولات ستؤدي إلى مزيد من الفوضى وانعدام الاستقرار في المنطقة أم ستتمكن هذه الدول من بناء إطار أمني جديد يعيد التوازن الإقليمي.

النيجر تنسحب من الفرانكفونية ومالي وبوركينافاسو على الطريق
النيجر تنسحب من الفرانكفونية ومالي وبوركينافاسو على الطريق

الديار

time١٨-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الديار

النيجر تنسحب من الفرانكفونية ومالي وبوركينافاسو على الطريق

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في خطوة تعكس رفض أفريقيا استمرار الهيمنة الفرنسية، أعلنت السلطات الحاكمة في النيجر انسحابها من المنظمة الدولية للفرانكفونية. وجاء قرار الانسحاب في بيان مقتضب موجه إلى البعثات الدبلوماسية، وقعه الأمين العام لوزارة الخارجية لاوالي لابو، جاء فيه "لقد قررت النيجر بشكل سيادي انسحابها من المنظمة الدولية للفرانكفونية". وكانت المنظمة بوصفها هيئة جامعة للدول الناطقة بالفرنسية، قد علقت عضوية النيجر بعد انقلاب 26 تموز 2023، وطالبت العسكريين بإطلاق سراح محمد بازوم وترك السلطة للمدنيين. وفي كانون الأول من العام الماضي، علق المجلس العسكري في نيامي جميع أشكال التعاون مع المنظمة، وقال، إنها أداة لخدمة مصالح فرنسا ولم تعد إطارا ثقافيا يؤسس للتعاون بين الحكومات الناطقة بلغة مشتركة. واعتبر المجلس، أن الوقت قد حان لإنهاء استعمار العقول، والتوجه نحو تعزيز اللغات الوطنية. وجاء قرار الانسحاب الجديد بعد إجراءات داخلية قام بها المجلس العسكري لتعزيز مسار التحرر من الهيمنة الفرنسية، مثل استبدال الشوارع والساحات التي كانت تحمل أسماء شخصيات فرنسية بأخرى وطنية وأفريقية. ففي تشرين الأول 2024 غيرت السلطات في نيامي اسم شارع ديغول الذي يقع وسط العاصمة إلى شارع "جيبو باكاري" أحد زعماء جيل الاستقلال. كما تم استبدال اسم "ساحة لفرانكفونية" بساحة "تحالف دول الساحل" الذي يجمع النيجر ومالي وبوركينافاسو، وأطلق على المركز الثقافي الفرنسي، اسم مصطفى آلاسان، أحد المثقفين الوطنيين العاملين في المجال السينمائي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store