١٠-٠٦-٢٠٢٥
سلاح عين الحلوة... الخرطوشة الأخيرة في مخزن التوتير
دخول الصحافيين إلى مخيم عين الحلوة الكائن في صيدا جنوبي لبنان ممنوع من استخبارات الجيش اللبناني، والسبب عدم إمكان تحمّل مسؤولية حمايتهم من الدولة.
إنتهى العيد وبدأت مع نهايته تشديدات أمنية على حواجز الجيش الستة المحيطة بمداخل المخيم، السيارات تخضع لفتح الصندوق الخلفي، والمستجدّ هو إجبار السائقين على فتح الصندوق الأمامي أيضًا، أمرٌ لم يكن سائدًا قبل إثارة موضوع سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات وخارجها.
الحياة داخل المخيم طبيعية لكنها لا تخلو من الهدوء الحذِر نتيجة إجراءات احترازية قامت بها حركة فتح التابعة للسلطة الفلسطينية في الأحياء الخاضعة لسيطرتها وتحديدًا في الشارع "الفوقاني" العُلوي وحيّ الزيب في الشارع "التحتاني" السُفلي.
مصدر قيادي في تحالف الفصائل الإسلامية كشف لـ"المدن" أنَّ فتح سُئلت عن موضوع "التدشيم" داخل المخيّم فتلقّى الجواب بأنّه إجراء طبيعي، وهو جوابٌ لم تقتنع به الفصائل الإسلامية لأنَّ الإجراءات هذه تشبه تلك التي سبقت المعركة الأخيرة في المخيم إثرَ مقتل القيادي الفتحاوي العميد محمد حسن العرموشي المعروف ب"أبو أشرف" مع 4 من مرافقيه في حي "البساتين" في آب/أغسطس عام 2023 وقد اتُهِمت مجموعة "الشباب المسلم" باغتياله فيما اتهمت المجموعة مدير استخبارات "السلطة الفلسطينية" ماجد فرج، بالمسؤولية عن الاشتباكات في المخيم، بعد تدبير اغتيال العرموشي.
الفصائل الإسلامية ترفض التهميش
وتتخوف مصادر مقربة من "القوى الإسلامية" وهي تنتمي إلى فصيل إسلامي يُعدُّ الأكثر حضورًا وقوةً في المخيّم من استبعاد القوى الإسلامية من نقاش مسألة سحب السلاح الفلسطيني، وتؤكد أنَّ جميع الفصائل ترفض اقتراح تسليم السلاح المقدَّم من نجل رئيس السلطة الفلسطينية ياسر محمود عباس الذي قابل عددًا من المسؤولين الأمنيين في لبنان ورئيس الحكومة نواف سلام.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ القوى الإسلامية ممثلة في القوة الأمنية المشتركة لحفظ الأمن في مخيم عين الحلوة، وهي موجودة ضمن هيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تم توقيعها من رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ويشير المصدر إلى أنَّ لهذه القوى الإسلامية باعًا طويلًا في التعاون مع الدولة اللبنانية وأجهزتها لما فيه مصلحة المخيمات وجوارها، ويذكّر المصدر بطلب وزير الداخلية مروان شربل من القوى الإسلامية التدخل من أجل فتح طريق الجنوب حين قطعها الشيخ أحمد الأسير وأنصاره في العام 2013، ويذكّر أيضًا بطلب النواب والأحزاب اللبنانية التدخل من قبل القوى الإسلامية في أحداث السابع من أيار/ مايو عام 2008 تفاديًا لانتقال التوترات إلى صيدا.
ويتساءل المصدر قائلًا: "إذا كانت الحكومة اللبنانية والدولة والجيش يدعوننا إلى الاجتماعات للنقاش والتعاون لحل المشكلات هل يستطيع فصيل فلسطيني خارج لبنان أن يستبعدنا ويناقش قضايانا من دون حضورنا"؟
الشباب المسلم
وفي دردشة مع الشيخ أسامة الشهابي المعروف ب"أبو الزهراء الزبيدي" كشف أنَّ الضغط الأول بدأ على الفلسطينيين من خلال تقليص وكالة غوث اللاجئين الفلسطينين (الأونروا) المساعدات المالية التي تخصصها ل 56 ألف لاجئ فلسطيني في المخيمات والتي كانت عبارة عن خمسين دولارًا تُمنح لهم كل ثلاثة أشهر، حتى تم إلغائها أخيراً بحجة عدم وجود المال.
ورأى أنَّ تصفية القضية الفلسطينية بدأت فعلًا من خلال مقترحات ستُقدّم للفصائل الفلسطينية الموجودة ومن هذه المقترحات:
ترحيل المطلوبين بتُهم الإرهاب إلى سوريا، والعفو العام عن المطلوبين بتُهم لا تشمل العنف والإرهاب وقتال الجيش، وبتوطين اللاجئين الآخرين في لبنان ومنحهم الحقوق المدنية والاجتماعية مثل حقّ التملّك والحصول على رخص البناء وحق العمل، بعدما كانت هذه الحقوق ممنوعة على اللاجئين الفلسطينين بذريعة مكافحة أسباب التوطين.
وأشار إلى أنَّ الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين في سلطة محمود عباس يعلمون جيدًا أنَّ الفصائل الإسلامية والفلسطينية داخل مخيم عين الحلوة لا تملك السلاح الثقيل ، وأنَّ كل ما يقال عن وجود سلاح ثقيل في عين الحلوة هو خلاف الحقيقة.
وأكد أنه كان وإخوانه يطمحون إلى قتال جيش الاحتلال الإسرائيلي مشددًا على أنه واجب شرعي على كل مسلم قادر على حمل السلاح.
ولفت إلى أنه ومن معه قد جهزوا أنفسهم للقتال اليهود عندما ظنّوا أنَّ الجيش الإسرائيلي سيدخل منطقة الأولي، واصفًا قتال المحتلّ بالأمر الجميل لأنه وكل المجاهدين ليسوا بأفضل من أهل غزة الذين "يُزفون إلى الجنة كل يوم بالعشرات".
حركة فتح
ترجّح مصادر قيادية في مخيم عين الحلوة أنَّ معظم كوادر حركة فتح وضباطها يرفض تسليم السلاح الفلسطيني رغم انضواء الحركة تحت خيمة السلطة الفلسطينية السياسية والرسمية.
وتشير المصادر إلى أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حاول تجميد مخصصات الفتحاويين المالية لكنه لم يُوفَّق لسببين الأول هو المحافظة على من يمثّل السلطة داخل المخيّم حتى لو لم يكن منسجمًا مع طروحاتها، والثاني المحافظة على ماء الوجه أمام اللاجئين الفلسطينين الذين يحتاجون كلّ أنواع المساعدات بعد شحّ التقديمات من وكالة غوث اللاجئين "الأونروا".
وكشف مصدر أمني أنَّ زيارة محمود عبّاس الأخيرة كانت تتضمّن جدولة مؤتمر صحافي لكنَّ مراجع الدولة اللبنانية العليا حالت دون حصوله تفاديًا لأي توتر داخل مخيمات اللجوء الفلسطيني، وعزا المصدر التقارب بين الفتحاويين المنقسمين داخل المخيم بين قيادتي العميد محمود عيسى "أبو العبد اللينو" والعميد منير المقدح "أبو حسن" إلى التقارب السعودي الإماراتي وأولوية التكاتف بين المكونات الفلسطينية الفتحاوية بعدما حشرها ملف سحب السلاح الفلسطيني في خندق واحد.
إشادة بموقف عون
مستشار أحد قادة الفصائل الإسلامية رأى أنَّ الدولة اللبنانية بشخص رئيسها جوزاف عون تصرفت بمسؤولية تجاه مقاربة السلاح الفلسطيني مؤكدًا أنَّ معالجة هذا الموضوع تحتاج هدوءًا وروية بعيدينِ من الضجيج الإعلامي، وعزا سبب رفض الفصائل الإسلامية الظهور الإعلامي إلى عدم التصريح بأي موقف يُحسب عليها بدل أن يُحسب لها.
ووضع ما يجري من نقاش للسلاح في إطار الضجة الإعلامية البعيدة من الواقع والهادفة إلى ممارسة ضغط لتوتير الأجواء داخل المخيم لافتًا إلى ضرورة الرهان على الحكمة التي تحلّى بها مسؤولو الفصائل طوال فترة الحرب السورية والتي نجحت في عدم تصدير أي عمل أمنيّ تخريبي من داخل المخيم إلى الأراضي اللبنانية حفاظًا على أمن اللاجئين أولًا وعلى العلاقة مع الدولة اللبنانية ثانيًا.
حزب الله والموقف من سلاح المخيمات
لم يصدر عن حزب الله أي موقف بشأن سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات بسبب انشغال الحزب في مواجهة مطلب نزع سلاحه، لكنّ مصادر أمنية تؤكد أنَّ الحزب متضرر من سحب السلاح الفلسطيني، وقد بدا ذلك واضحًا في مواقف مسؤول الحزب الشيخ زيد ضاهر خلال المعارك التي جرت في صيف عام 2023. وأكدت المصادر أنَّ الحزب كان داعمًا للفصائل الإسلامية المقاتلة ومن ضمنها "الشباب المسلم" الخصم اللدود للحزب بسبب تعرّض مصالح الحزب الأمنية والسياسية للخطر فيما لو رجحت كفّة حركة فتح التابعة للسلطة الفلسطينية في تلك المعركة وفي كل معركة.