#أحدث الأخبار مع #معهدواتسونللشؤونالدوليةالعربي الجديد١٠-٠٥-٢٠٢٥سياسةالعربي الجديدالصحافة ليست جريمةيصح أن يكون اليوم العالمي لحرّية الصحافة لهذا العام يوماً لرثاء الصحافة، لما وصلت إليه من قيود غير مسبوقة واعتداءات لا توصف. يحمل العام عنوانَين عريضَين، الأوّل تحوّل صحافيّي غزّة مادّةً للاستهداف، وحجّة القاتل أنهم لاعبون في النزاعات لا ناقلون فحسب لحيثياتها. والثاني انضمام صحافيّي الولايات المتحدة إلى صفوف ضحايا القمع بعدما باتوا هدفاً لحملة شرسة من إدارة ترامب لمعاقبة أيّ نقد لأداء الإدارة في قضايا جدلية أساسية. اعتبرت لجنة حماية الصحافيّين (مركزها نيويورك) أن العام 2024 كان الأخطر على الصحافة على الإطلاق، منذ أن بدأت نشاطها قبل 30 عاماً، وقد أحصت 176 صحافياً وعاملاً إعلامياً على الأقلّ، غالبيتهم قتلوا في حرب الإبادة في غزّة، بينهم صحافيون قتلوا في الضفّة الغربية ولبنان أثناء قيامهم بمهامهم الصحافية (بعضهم نياماً في أسرّتهم فيما يشبه الاغتيال). يرتفع هذا الرقم إلى 213 صحافياً وعاملاً إعلامياً، بحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين، التي استخدمت تعبير "إبادة إعلامية" في وصف الاستهداف المتعمّد للصحافيين في غزّة. وترتفع هذه الحصيلة إلى 230 صحافياً وعاملاً إعلامياً بحسب تقرير صادر عن معهد واتسون للشؤون الدولية والعامّة، وهو مركز أبحاث أميركي، أيّ بمعدّل 13 صحافياً كلّ شهر. في وقت كتابة هذه السطور، أُعلِن مقتلُ الصحافي يحيى صبيح في قصف منطقة شعبية مكتّظة في غزّة راح ضحيته 90 مدنياً، ليضاف إلى لائحة ضحايا الصحافة المحلّية، التي تنقل وحيدةً، ومن دون أيّ دعم، وحشية الإبادة. بات قطاع غزّة المنطقة الأكثر خطراً في العالم للعمل الصحافي. وقد اعتبر التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود الحقوقية أن ثمّة "غيابا واضحا للإرادة السياسية من المجتمع الدولي لإنفاذ مبادئ حماية الصحافيين، وخاصّةً قرار مجلس الأمن رقم "2222"، مشيراً إلى "عدد قياسيٍ من الانتهاكات ضدّ الصحافيين ووسائل الإعلام منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023" في غزّة. في مؤشّر حرّية الصحافة العالمي السنوي للمنظّمة نفسها، احتلّت فلسطين المرتبة 157 من بين 180 دولة ومنطقة شملها المسح، وجاءت ضمن لائحة آخر عشر دول في التصنيف المتعلّق بأمن الصحافيين. الإعلام الغربي في غالبيته العظمى قرّر الاستغناء عن دوره في نقل حرب الإبادة في غزّة إلى جانب القتل، تعرّض العاملون الصحافيون العام الماضي (ولا يزالون) إلى أصناف المضايقات والاعتداءات بما في ذلك السجن والتغييب القسري. بحسب إحصاءات لجنة حماية الصحافيين، ثمّة 360 صحافياً في السجون، الغالبية العظمى منهم في الصين وروسيا وبيلاروسيا، في حين ثمّة 70 صحافياً يُعتبَرون في عداد المفقودين، عدد كبير من هؤلاء فُقدوا في المكسيك والعراق. في الشق الآخر "الليبرالي" من العالم، تتعرّض حرّية الصحافة لضغوط غير مسبوقة من إدارة الرئيس دونالد ترامب التي استعارت بعض أكثر آليات القمع شعبية في قاموس الديكتاتوريات العريقة للضغط على الصحافة الناقدة، أبرزها تقييد حقّ الوصول إلى المعلومة، وهو حقّ عضوي لأيّ صحافة مستقلّة. في سابقة كان يصعب إمكان تصوّر حدوثها، مُنعت وكالة أسوشييتد برس من حضور المؤتمرات والفعاليات الإعلامية في البيت الأبيض، ما يُعتبر تعميةً على إمكانية الوصول إلى الخبر، ليس للوكالة فقط، بل أيضاً للمشتركين الذين يعتمدون بشكلٍ أساسٍ على أخبارها في تغطية أحداث السياسة في العاصمة واشنطن. يشكّل استخدام أداة منع الوصول إلى المعلومة السلاح الأمضى في تقويض الصحافة النقدية، باعتبار أن الصحافيين ومالكي وسائل الإعلام باتوا يوازنون بين الانتقاد والاستقصاء من جانب، وخطر فقدان الوصول إلى المصدر السياسي باعتباره حاجةً أساسيةً لأيّ نشاط صحافي، من جانب آخر. تُضاف إلى ذلك إجراءاتٌ غير مسبوقة منها تقييد تمويل الإعلام الإذاعي العام، وإقفال وسائل الإعلام الموجّهة إلى الخارج بما في ذلك صوت أميركا وقناة الحرّة، ما يعني خسارة آلاف الصحافيين والإعلاميين (من العرب وغيرهم) مصدرَ عيشهم، فضلاً عن إعادة فتح تحقيقات لجنة الاتصالات الفيدرالية في قنوات "سي بي أس" و"أي بي سي" و"أن بي سي"، فيما اعتبرته هذه المحطّات محاولةَ تطويع من الإدارة الجديدة. تشكّل هذه الضغوط غير المسبوقة خطراً فعلياً قد يؤدّي إلى تراجع قدرة الإعلام الأميركي الشهير بـ"وقاحته" على مقارعة الإدارات السياسية والتحقيق في ارتكاباتها، في وقت ترتكب إدارة ترامب تجاوزاتٍ غير مسبوقة في قضايا شديدة الحساسية منها الهجرة والحرّيات العامّة، والحرّية الأكاديمية بشكل خاص. تتعرّض حرّية الصحافة لضغوط غير مسبوقة من إدارة الرئيس دونالد ترامب التي استعارت بعض أكثر آليات القمع شعبية في قاموس الديكتاتوريات العريقة الصحافة إذاً ضحية، إلا أنها أيضاً عامل مساهم في الكارثة التي حلّت بها. حالة الانقسام في صفوف الصحافة هو أيضاً غير مسبوق كما حملات التشهير التي يشنّها صحافيون وإعلاميون بارزون بحقّ زملاء لهم خدمةً لأجندات سياسية، أيديولوجية أو مالية. الإعلام الغربي في غالبيته العظمى قرّر الاستغناء عن دوره في نقل حرب الإبادة في غزّة، ليترك المهام لـ"السوشيال ميديا" ومجموعة من المراسلين المحلّيين غير المتمرّسين، الذين باتوا أيضاً هدفاً رئيساً للعنف الإسرائيلي. القليل من المعلومات توافرت حتى حينه حول آليات الرقابة الذاتية التي باتت تستخدم في غرف التحرير الغربية في تبرير تعليب و"تعقيم" التغطية القليلة أساساً، التي تُفرَد لحرب إبادة غير مسبوقة، يُعلِن فيها الجاني رغبته في محو مجموعة بكاملها من دون أن تلقى تصريحاتُه أهمّيةً تذكر من الإعلام، وذلك بحجّة الخوف من فزّاعة معاداة السامية، أو من باب اللامبالاة. قد لا يكون حال الإعلام العربي في غالبيته أفضل كثيراً مع تحوّل رواية الإبادة مادّةً هامشيةً في التغطية الإخبارية. في هذه الظلمة الحالكة، يتوهّج ضوء التجارب الصحافية الحقيقية التي لا تزال تجرؤ على فعل الصحافة كما طمحنا دوماً لممارستها. الاستثناءات القليلة شديدة الأهمية، ولعلّ قلّتها مؤشّر على قدرة الصحافة (أو بعضها) على المقاومة، وهو مؤشّر تتوجّب إضافته إلى مؤشّرات دراسة حال الصحافة. كلّ عام وهذه الصحافة الخارجة عن سربها بخير.
العربي الجديد١٠-٠٥-٢٠٢٥سياسةالعربي الجديدالصحافة ليست جريمةيصح أن يكون اليوم العالمي لحرّية الصحافة لهذا العام يوماً لرثاء الصحافة، لما وصلت إليه من قيود غير مسبوقة واعتداءات لا توصف. يحمل العام عنوانَين عريضَين، الأوّل تحوّل صحافيّي غزّة مادّةً للاستهداف، وحجّة القاتل أنهم لاعبون في النزاعات لا ناقلون فحسب لحيثياتها. والثاني انضمام صحافيّي الولايات المتحدة إلى صفوف ضحايا القمع بعدما باتوا هدفاً لحملة شرسة من إدارة ترامب لمعاقبة أيّ نقد لأداء الإدارة في قضايا جدلية أساسية. اعتبرت لجنة حماية الصحافيّين (مركزها نيويورك) أن العام 2024 كان الأخطر على الصحافة على الإطلاق، منذ أن بدأت نشاطها قبل 30 عاماً، وقد أحصت 176 صحافياً وعاملاً إعلامياً على الأقلّ، غالبيتهم قتلوا في حرب الإبادة في غزّة، بينهم صحافيون قتلوا في الضفّة الغربية ولبنان أثناء قيامهم بمهامهم الصحافية (بعضهم نياماً في أسرّتهم فيما يشبه الاغتيال). يرتفع هذا الرقم إلى 213 صحافياً وعاملاً إعلامياً، بحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين، التي استخدمت تعبير "إبادة إعلامية" في وصف الاستهداف المتعمّد للصحافيين في غزّة. وترتفع هذه الحصيلة إلى 230 صحافياً وعاملاً إعلامياً بحسب تقرير صادر عن معهد واتسون للشؤون الدولية والعامّة، وهو مركز أبحاث أميركي، أيّ بمعدّل 13 صحافياً كلّ شهر. في وقت كتابة هذه السطور، أُعلِن مقتلُ الصحافي يحيى صبيح في قصف منطقة شعبية مكتّظة في غزّة راح ضحيته 90 مدنياً، ليضاف إلى لائحة ضحايا الصحافة المحلّية، التي تنقل وحيدةً، ومن دون أيّ دعم، وحشية الإبادة. بات قطاع غزّة المنطقة الأكثر خطراً في العالم للعمل الصحافي. وقد اعتبر التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود الحقوقية أن ثمّة "غيابا واضحا للإرادة السياسية من المجتمع الدولي لإنفاذ مبادئ حماية الصحافيين، وخاصّةً قرار مجلس الأمن رقم "2222"، مشيراً إلى "عدد قياسيٍ من الانتهاكات ضدّ الصحافيين ووسائل الإعلام منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023" في غزّة. في مؤشّر حرّية الصحافة العالمي السنوي للمنظّمة نفسها، احتلّت فلسطين المرتبة 157 من بين 180 دولة ومنطقة شملها المسح، وجاءت ضمن لائحة آخر عشر دول في التصنيف المتعلّق بأمن الصحافيين. الإعلام الغربي في غالبيته العظمى قرّر الاستغناء عن دوره في نقل حرب الإبادة في غزّة إلى جانب القتل، تعرّض العاملون الصحافيون العام الماضي (ولا يزالون) إلى أصناف المضايقات والاعتداءات بما في ذلك السجن والتغييب القسري. بحسب إحصاءات لجنة حماية الصحافيين، ثمّة 360 صحافياً في السجون، الغالبية العظمى منهم في الصين وروسيا وبيلاروسيا، في حين ثمّة 70 صحافياً يُعتبَرون في عداد المفقودين، عدد كبير من هؤلاء فُقدوا في المكسيك والعراق. في الشق الآخر "الليبرالي" من العالم، تتعرّض حرّية الصحافة لضغوط غير مسبوقة من إدارة الرئيس دونالد ترامب التي استعارت بعض أكثر آليات القمع شعبية في قاموس الديكتاتوريات العريقة للضغط على الصحافة الناقدة، أبرزها تقييد حقّ الوصول إلى المعلومة، وهو حقّ عضوي لأيّ صحافة مستقلّة. في سابقة كان يصعب إمكان تصوّر حدوثها، مُنعت وكالة أسوشييتد برس من حضور المؤتمرات والفعاليات الإعلامية في البيت الأبيض، ما يُعتبر تعميةً على إمكانية الوصول إلى الخبر، ليس للوكالة فقط، بل أيضاً للمشتركين الذين يعتمدون بشكلٍ أساسٍ على أخبارها في تغطية أحداث السياسة في العاصمة واشنطن. يشكّل استخدام أداة منع الوصول إلى المعلومة السلاح الأمضى في تقويض الصحافة النقدية، باعتبار أن الصحافيين ومالكي وسائل الإعلام باتوا يوازنون بين الانتقاد والاستقصاء من جانب، وخطر فقدان الوصول إلى المصدر السياسي باعتباره حاجةً أساسيةً لأيّ نشاط صحافي، من جانب آخر. تُضاف إلى ذلك إجراءاتٌ غير مسبوقة منها تقييد تمويل الإعلام الإذاعي العام، وإقفال وسائل الإعلام الموجّهة إلى الخارج بما في ذلك صوت أميركا وقناة الحرّة، ما يعني خسارة آلاف الصحافيين والإعلاميين (من العرب وغيرهم) مصدرَ عيشهم، فضلاً عن إعادة فتح تحقيقات لجنة الاتصالات الفيدرالية في قنوات "سي بي أس" و"أي بي سي" و"أن بي سي"، فيما اعتبرته هذه المحطّات محاولةَ تطويع من الإدارة الجديدة. تشكّل هذه الضغوط غير المسبوقة خطراً فعلياً قد يؤدّي إلى تراجع قدرة الإعلام الأميركي الشهير بـ"وقاحته" على مقارعة الإدارات السياسية والتحقيق في ارتكاباتها، في وقت ترتكب إدارة ترامب تجاوزاتٍ غير مسبوقة في قضايا شديدة الحساسية منها الهجرة والحرّيات العامّة، والحرّية الأكاديمية بشكل خاص. تتعرّض حرّية الصحافة لضغوط غير مسبوقة من إدارة الرئيس دونالد ترامب التي استعارت بعض أكثر آليات القمع شعبية في قاموس الديكتاتوريات العريقة الصحافة إذاً ضحية، إلا أنها أيضاً عامل مساهم في الكارثة التي حلّت بها. حالة الانقسام في صفوف الصحافة هو أيضاً غير مسبوق كما حملات التشهير التي يشنّها صحافيون وإعلاميون بارزون بحقّ زملاء لهم خدمةً لأجندات سياسية، أيديولوجية أو مالية. الإعلام الغربي في غالبيته العظمى قرّر الاستغناء عن دوره في نقل حرب الإبادة في غزّة، ليترك المهام لـ"السوشيال ميديا" ومجموعة من المراسلين المحلّيين غير المتمرّسين، الذين باتوا أيضاً هدفاً رئيساً للعنف الإسرائيلي. القليل من المعلومات توافرت حتى حينه حول آليات الرقابة الذاتية التي باتت تستخدم في غرف التحرير الغربية في تبرير تعليب و"تعقيم" التغطية القليلة أساساً، التي تُفرَد لحرب إبادة غير مسبوقة، يُعلِن فيها الجاني رغبته في محو مجموعة بكاملها من دون أن تلقى تصريحاتُه أهمّيةً تذكر من الإعلام، وذلك بحجّة الخوف من فزّاعة معاداة السامية، أو من باب اللامبالاة. قد لا يكون حال الإعلام العربي في غالبيته أفضل كثيراً مع تحوّل رواية الإبادة مادّةً هامشيةً في التغطية الإخبارية. في هذه الظلمة الحالكة، يتوهّج ضوء التجارب الصحافية الحقيقية التي لا تزال تجرؤ على فعل الصحافة كما طمحنا دوماً لممارستها. الاستثناءات القليلة شديدة الأهمية، ولعلّ قلّتها مؤشّر على قدرة الصحافة (أو بعضها) على المقاومة، وهو مؤشّر تتوجّب إضافته إلى مؤشّرات دراسة حال الصحافة. كلّ عام وهذه الصحافة الخارجة عن سربها بخير.