منذ 8 ساعات
سياسة التأجيل مقابل سياسة التنفيذ
إنّ سياسة التأجيل والمماطلة أصبحت متأصّلة في جذورنا، وحتى في حمضنا النووي (DNA). فكل القرارات المصيرية تُصبح كرة نار يتراشقها السياسيّون، وتُرمى من منصة إلى أخرى، ومن عهد إلى آخر، ومن فريق عمل قديم إلى فريق عمل جديد، فأصبحت هذه الممارسة تُشبه التدمير الذاتي لعدم التطوير والسَير إلى الأمام.
على سبيل المثال لا الحصر، إنّ مشروع إعادة هيكلة المصارف، وإعادة بناء القطاع المالي الحديث مجمّد منذ نحو 6 سنوات، فنقرأ تحليلات واستراتيجيات وخططاً وهمية ووعوداً كاذبة، أمّا في الحقيقة، إنّ النيّة الحقيقية بعيدة جداً من التنفيذ الصريح والشفاف، لا بل من الهدف المبطّن وهو فقط التأجيل والمماطلة أكثر فأكثر.
فكرة النار الجديدة تُرمى من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، ومن ثم إلى اللجان، واللجان المشتركة، والهدف الحقيقي هو عدم اتخاذ أي قرار قبل الإنتخابات النيابية المقبلة، لأسباب سياسية وشعبَوية وانتخابية.
فالإقتصاد اللبناني يخسر كل يوم، والمودع يُطعَن من جديد، من دون أن يرفّ جفن السياسيِّين في سبيل تحقيق أهدافهم الشخصية والإنتخابية.
فالتأجيل والمماطلة في هذا الملف الشائك، يُكلّفان المودعين، أكثر فأكثر، كما يكلّفان شركات القطاع الخاص والإقتصاد والناتج المحلي خسائر فادحة. فمن دون قطاع مالي ونقدي ومصرفي لا يُمكن إعادة الإنماء ولا إعادة تكوين إقتصادنا، الذي تدهور من 50 مليار دولار إلى 18 ملياراً من دون أي رؤية أو نيّة لإعادة البناء والإنماء.
من دون قطاع مصرفي جديد لا يُمكن إعادة الإستثمار وجذب المستثمرين، وإعادة بناء الثقة، في وجود إقتصاد الكاش المدمّر، الذي يجذب المبيّضين والمهرّبين والمروّجين، هذا الإقتصاد الكاش الذي كلّفنا إدراج لبنان على القائمة الرمادية بحسب منظمة «فاتف» وعلى القائمة السوداء بحسب المنظمة الأوروبية، فبعدما خسر المودعون 85% من ودائعهم منذ العام 2019، ها هم يخسرون ويُطعنون من جديد جرّاء خسائرهم اليومية من قيمة القدرة الشرائية وممّا تبقّى من ودائعهم، فقيمة العملة الخضراء خسرت أكثر من 30% في السنوات الـ 5 الأخيرة، أمّا قيمة الفوائد التي لم يتقاضونها في السنوات الـ 5 الأخيرة، فقد تُقيّم بـ 30% إضافية. فجرّاء سياسة التأجيل والمماطلة، خسر اللبنانيّون والإقتصاد والمودعون ما يقارب 60% من بعد بدء الأزمة، جرّاء التضخُّم وخسارة جزء من القدرة الشرائية، وقيمة الأموال.
فالإقتصاد والشركات والمودعون يتكبّدون الخسائر المتراكمة جرّاء التأجيل والمماطلة، أمّا السياسيّون فيتّكلون على هذا التأخير لإعادة بناء قوّتهم وكسب الوقت بوعود كاذبة ووهمية، وتأجيل كل القرارات غير الشعبَوية لما بعد الإنتخابات، لطعن شعبهم وحتى مناصريهم من جديد، من دون حياء أو قلق.
في المحصّلة، إنّ سياسة المماطلة والتأجيل في لبنان، تتوالى متابعة لسياسة التدمير الذاتي. فبعد 6 سنوات من التأخير المتعمّد، طُعن المودعون واللبنانيّون عندما خسروا قيمة ودائعهم للمرّة الأولى، ويُطعنون من جديد بعد خسارة قيمة ودائعهم مرّة ثانية.
ألم يَحِن الوقت لطَي صفحة هذه السياسة المؤذية، والتركيز على التنفيذ والإنتاج والإنتاجية والملاحقة بشجاعة وشفافية؟