#أحدث الأخبار مع #ناقةصالحةIndependent عربية٠٤-٠٤-٢٠٢٥ترفيهIndependent عربيةسعود السنعوسي: الروائي عين لاقطة تحيل الهامش إلى متنيواصل الكاتب الكويتي سعود السنعوسي استلهام التاريخ واستنطاقه روائياً في ثلاثيته "أسفار مدينة الطين" بعد حفره السابق في هذا المجال في روايته "ناقة صالحة". وهو لا يهدف إلى قنص موضوع من التاريخ، بل يتخذ التاريخ في مجمله كموضوع ليعيد تشكيله، إذ يرى أن الكويت لم تكتب روائياً بعد. ويؤمن السنعوسي بأن التمرد من صميم الفعل الإبداعي بشرط أن يكون مدروساً. وفي هذا الحوار مع "اندبندنت عربية"، يستعرض تفاصيل مغامرته الروائية الأخيرة، متطرقاً أيضاً إلى عوالم أعماله الأخرى، ومن بينها "سجين المرايا" و"ساق البامبو" و"فئران أمي حصة" و"حمام الدار". في "سِفْر العباءة" و"سِفر التَبَّة" و"سِفر العَنْفُوز" التي تشكل ثلاثيته الروائية الضخمة "أسفار مدينة الطين" (منشورات مولاف ودار كلمات ومكتبة تنمية)، تتمثل الرواية التاريخية، أو ذات المرجعية التاريخية بتعبير أدق، على نحو مغاير يخص سعود السنعوسي، من ناحية لعبة الروائي الافتراضي والمعالجة والـ"تكنيك" والتقنيات السردية، ومن قبل ذلك الموضوع والرؤية والثيمة. وإلى جانب اللعب على ثنائية الماضوي والراهن للإسقاط على اللحظة الحالية، هناك ثنائية الحقيقي والمتخيل التي يحققها أيضاً الارتداد إلى سجلات التاريخ، إذ تختلط الوقائع الفعلية الثابتة والأحداث الروائية المصنوعة والمرويات الشعبية والأساطير والفانتازيا والخرافات في قماشة مركبة بالغة التنوع والثراء. الثلاثية الروئاية الجديدة (مولاف وكلمات) بسؤاله عما إذا كانت جغرافيا تجربته الروائية الناضجة بحاجة إلى ذلك الفضاء التاريخي الرحب الممتد إلى أبعد من 100 عام، ليعيد قراءة الواقع الحالي ومساءلته من خلال الماضي وأحداثه وتشابكاته الاجتماعية والسياسية، وكيف جاءت تفاصيل تلك الانعطافة إلى التاريخ والتراث الشعبي في مسيرته الروائية، يوضح سعود السنعوسي في حواره مع "اندبندنت عربية" أن انطلاقه في هذا المسار لم يكُن انعطافة جديدة، إذ ليست حيلة الرجوع إلى التاريخ هي مرّته الأولى مع "أسفار مدينة الطين"، فسبقتها تجربة صغيرة مع "ناقة صالحة" التي عاد بزمنها للوراء، زمن معركة الصريف عام 1901، كمحاولة أولى لخوض غمار تجربة الكتابة عن الماضي بعد روايات عدة تناولت الحاضر. لكن بالتأكيد، يضيف السنعوسي، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عن روايته "ساق البامبو"، أن في "أسفار مدينة الطين" أخذت المواضيع المطروحة امتداداً تاريخياً أكبر وأكثر تشابكاً وتعقيداً. فما كان له أن يناقش كل تلك الثيمات التي طرحتها الرواية إلا بالعودة لجذورها، ثم إسقاطها على الحاضر. ومن هنا كانت فكرة الثلاثية ملحة، ليست مجرد حلم يحاكي أحلام غالبية الروائيين بأن تكون لهم ثلاثية يتوجون بها مسيرتهم الروائية، فالامتداد الزمني في الرواية تطلب كل هذا العدد من الصفحات والنفس الكتابي المتمهل الطويل وفق الأحداث والمتغيرات التي طرأت على الكويت خلال 70 عاماً منذ 1920 حتى 1990. أما في شأن ثنائية الحقيقي والمتخيل، فيضيف السنعوسي أنها "اللعبة أو الحيلة الوحيدة التي تمنحني فرصة مساءلة التاريخ واستنطاقه، بالتالي محاولة فهمه لفهم الحاضر، فما المتخيل في الرواية إلا إجابات محتملة في فراغات الحقيقي التي صمت عنها التاريخ". كتابة الوطن ولربما لم يواكب الروائيون الكويتيون، والخليجيون عموماً، مرحلة ما قبل النفط في حينها، وهي مرحلة بالغة الخصوبة شهدت كثيراً من التحولات والمعارك والاضطرابات، وأثيرت فيها تساؤلات وإشكالات مهمة تمس الجذور والهوية على مستوى البشر والمكان والعلاقة مع الآخر. فهل فراغ تلك المرحلة من روائيين يشرّحونها، له دور في توجه سعود السنعوسي إلى تلك المنطقة، أم أن الدافع الأكبر هو استمرار التشابه بين تلك الفترة وواقعنا الحالي غير المستقر وتشابه مصائر الشخوص، إلى جانب رغبة الكاتب في التخفي النسبي وارتداء قناع يمنحه مزيداً من التحرر في الاصطدام مع الحاضر؟ السنعوسي في أحد لقاءاته (صفحة الكاتب - فيسبوك) يجيب الكاتب الكويتي مؤكداً أنه لم يقصد التخفي وارتداء القناع سعياً إلى مزيد من التحرر في الاصطدام مع الحاضر، إذ إنه كتب الحاضر واشتبك مع قضاياه في أكثر من عمل. ويقول "أؤمن بأن الكويت لم تكتب روائياً بعد. هناك نماذج روائية مهمة وملهمة لأساتذتنا من الأجيال المؤسسة بل حتى من الزملاء المجايلين، لكن في الكويت، وفي الخليج عموماً، هناك مناطق بِكر لم يطأها الروائيون، وهو أمر مغرٍ لأي روائي. لذلك كنت دائماً أقول إننا جيل محظوظ. اغرفْ من المواضيع التاريخية أو المعاصرة، فلم يسبقك إليها أحد! ليس قصوراً فيمن سبقنا، إنما لأن الأدب الروائي بطبيعته جديد عربياً، وأكثر جدّة خليجياً". حتى لو عدنا لما اتفق على أنه العمل الروائي الكويتي الأول "آلام صديق" لفرحان راشد الفرحان، يستطرد السنعوسي، نجد أنها نشرت عام 1948، أي بعد اكتشاف النفط وتصديره، على رغم أن الفرحان عايش مرحلة كبيرة من الفترة التي تسبق النفط، لكن تلك المحاولة المبكرة نسبياً لا تعتبر محاولة ريادية أو تأسيسية لما بعدها. وهناك أعمال رائدة ومؤسسة لا شك جاءت في ما بعد، لكنها بطبيعة الحال قليلة لأسباب عدة "إذا أخذنا تجربة ليلى العثمان على سبيل المثال، فهي من الرائدات في كتابة كويت ما قبل النفط في القصة والرواية، غير أن المواضيع التي كانت تتناولها كانت في مجملها اجتماعية أو مهتمة بقضايا المرأة". وبحسب السنعوسي فإن "إسماعيل فهد إسماعيل هو المؤسس الحقيقي للرواية الكويتية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، غير أن انتماءه المتشظي بين بلد والده الكويتي وبلد أمه العراقي حيث وُلد ونشأ، إضافة إلى التزامه الحزبي، كل هذا جعله يكبر على ضيق مفهوم الوطن بالنسبة إليه، فراح يكتب عن الإنسان في العراق وفلسطين ومصر ولبنان وسريلانكا. أعمال قليلة، على رغم أهميتها، كتبها عن الكويت، على رأسها العمل الروائي التسجيلي ليوميات الغزو 'إحداثيات زمن العزلة'، إذ يقول إنه لم يشعر بأنه كويتي إلا خلال أشهر الاحتلال. وربما وليد الرجيب هو الأكثر تنوعاً في المواضيع الكويتية ضمن رواياته، ولكن كل تلك التجارب على أهميتها كانت تستل مواضيع معينة من التاريخ، وحتى نقول إن الكويت كتبت روائياً فنحن بحاجة إلى تراكم التجارب الروائية". الرواية التي فازت بجائزة بوكر العربية (الدار العربية) ويستطرد: "حينما أردت أن أكتب "أسفار مدينة الطين"، كان حلمي أن أكتب ما كنت أتمنى قراءته، ألا أستل من التاريخ موضوعاً، بل أن أستل التاريخ في مجمله كموضوع أعيد قراءته وكتابته. وكان عام 1920 مثالياً، إذ يمثل بانوراما للكويت بكل تنوعها. فهو واحد من أبرز محطات التاريخ الكويتي، عام بناء السور الثالث ومعركة الجهراء، في ذروة زمن الغوص على اللؤلؤ والسفر بالسفن الشراعية التجارية إلى بلاد فارس والهند، حتى جنوب القرن الأفريقي، وزمن النشاط التبشيري لمستشفى الإرسالية الأميركية الإنجيلية في الكويت ووجود اليهود وانتشار العبودية، في ظل معاهدة الحماية البريطانية وتهديدات حركة إخوان من طاع الله. هو زمن زاخر بالتفاصيل والأحداث". وهكذا يضيف الروائي الكويتي "أردتُ منذ البدء التفكير في أن أكتب عن الإنسان في الكويت وسط كل تلك الظروف، هو عمل تأسيسي لا أدعي أني نجحت في كتابته، لكنني حاولت. ما أردت أن أكتفي بموضوع واحد كالعبودية مثلاً، أو التبشير، أو الحركات الجهادية، ولا عيب في أن يقدم الروائي على معالجة موضوع واحد، غير أني أردت كتابة كل هذا وأكثر في الكويت كما تمنيت أن أقرأها ويقرأها الآخرون". آفاق التجريب في حفره مساره الخاص كصاحب مشروع، تشير مراوغات سعود السنعوسي الروائية إلى تمرد دائم، يمتد للتمرد على ذاته أيضاً من عمل إلى آخر. وبسؤاله هل لمحطات السياحة الزمانية التي ظهرت بوادرها في "ناقة صالحة" وتجلت على نحو موسع في "أسفار مدينة الطين"، أن تمتد في محطات مقبلة، أم أنه يجد نفسه على أعتاب مراوغات جديدة في مدارات أخرى خارج سياق الارتداد إلى التاريخ؟ يجيب مؤكداً أن التمرد من صميم الكتابة الإبداعية، التمرد على السائد وعلى الذات والآخر، لكن يجب أن يكون تمرداً مدروساً لقول شيء، لا أن يكون تمرداً من أجل التمرد فحسب. أما بالنسبة إلى المقبل، فيقول السنعوسي إن "الأفكار كثيرة، خصوصاً نحو مرحلة الناقة والأسفار، فهي مرحلة مغرية لكنها مضنية في البحث، ولكني بأمانة في الفترة المقبلة أتمنى كتابة عمل بعيد، بسيط في موضوعه وفكرته، استراحة لي وللقارئ. وبدأتُ بالفعل فتح ملفات مشاريع قديمة، ولا يمكنني التنبؤ بالخطوة المقبلة. والذي أعرفه بعد كل تجربة أني أفضل مكاناً آخر جديداً من دون تفكير في ضغط المقارنة، فأنا أكتب ما أشتهي كتابته فحسب، وأكتب ما أريد بالشكل الذي أريد، لا أن أكتب عملاً أفضل مما سبقه لأن مسألة الأفضلية هذه أيضاً نسبية بحسب مزاج القارئ. وهذا السؤال يذكرني بالروائي الصديق محسن الرملي، التقيته قبل أيام في مدريد وسألني عن المفاجآت في جديدي، فقلت له إنه عمل هذه المرة بلا تجريب. ضحك وهو يقول، 'تجريبك هذه المرة في أنك لن تجرب... وهذه مفاجأة'. لا أخفيك أنه شجعني على إتمام فكرتي من دون مقارنة ما سوف أكتب بما كتبت". قنص المهمل وسط شيوع الروايات التاريخية، هناك من اقتحم هذا الفضاء معولاً في المقام الأول على الشخصيات المستدعاة، وماذا سيحدث لها في النهاية، وهل ذلك يطابق الحقيقة أو يخالفها، وكأن الفن وسيلة لخدمة التاريخ أو الجدل معه أو مشاكسته وليس غاية قرائية بحد ذاته. ولكن في أعمال سعود السنعوسي، شأن الروائيين المجيدين، يبدو قنص الهامشي والاستغراق في التقاط التفاصيل الحيوية واللحظات المضيئة واصطحاب المتلقي بتلقائية وبساطة إلى موضع الحدث وزمانه لينغمس فيه، من أسرار الإدهاش والإمتاع التي تدفع القارئ إلى مواصلة قراءة العمل الشهي الممتد على مئات الصفحات. بسؤاله عما إذا كان يرى أن رهانات الفن وتأثيراته تبقى دائماً معقودة على جمالياته المجردة في المقام الأول، وسحرية اللغة والمعالجة وآليات التعبير والتصوير، سواء كانت لهذا الفن أجنحة تاريخية إضافية أو لا، يجيب الروائي الكويتي بقوله "تماماً، ليس بالضرورة أن يخدم الفن المسلم من الموروث أو التاريخ أو إعادة إنتاجه، بل على العكس، ربما من أهم أدواره أن يسائله وأن يستنطقه ولو بالخيال، ولهذا السبب صدَّرت في أولى صفحات 'أسفار مدينة الطين' كلمة بقلم الروائي المفترض صادق بوحدب، كاتب الثلاثية، حين كتب إن 'هذا النص بأسمائه وأحداثه، وبطبيعة حاله، لا يعدو كونه رواية، نتخيل بها التاريخ ولا نكتبه'. وأنا كروائي، مثل أي روائي، لست متحمساً لكتابة التاريخ بقدر حماستي لكتابة ما أهمله التاريخ، وإن بالخيال الذي أؤمن بأنه يقارب الحقيقة لو فعّل الروائي خياله وأساليب بحثه، شرط أن يبتكر العمل أدواته، وأن تحقق تلك الأمور شرط المتعة، وهذا ليس أمراً سهلاً". وبأمانة، يستطرد السنعوسي، "توقفت كثيراً في السؤال عند عبارة "قنص الهامشي"، وهذا تماماً ما أهتم به قراءة وكتابة، أن أحيل الهامش إلى متن، وأن أخرج الشخصيات والأحداث من الظل إلى موضع الضوء. والروائي أو الفنان بصورة عامة هو عبارة عن عين لاقطة، عين حساسة تختلف عن أعين الآخرين، تميز ما يصلح للاقتناص وتستثمره كتابة". قضايا الفرد والمجتمع وتتوازى المغامرة في الـ"تكنيك" والشكل وأبجديات الطرح لدى سعود السنعوسي دائماً مع الجسارة في انتقاء الموضوع. هكذا عهده في "سجين المرايا" التي تقصت كواليس غزو الكويت، وفي "فئران أمي حصة" التي خاضت في إشكالات آفة الطائفية، وفي "ساق البامبو" التي أثارت سؤال الهوية داخل مجتمعات الخليج العربي، وفي "ناقة صالحة" التي عالجت موضوع الهوية بين البادية والحاضرة و"حمام الدار" التي أثارت أسئلة الروائي الوجودية بين الكاتب والمكتوب، وأيهما يكتب الآخر. بسؤاله عما إذا كان يرى أن "أسفار مدينة الطين" تميل إلى التخفف بعض الشيء من حدة القضايا المطروحة، متجهة أكثر إلى نزعة تصويرية بانورامية، أم أن اختلاف اللون الإبداعي وزيادة خبرات المؤلف وراء تذويب القضايا المطروحة في معالجة أكثر تأملية وهدوءاً وغوصاً في الأعماق وبواطن الأمور؟ يرى السنعوسي أنه على العكس تماماً، ففي "أسفار مدينة الطين" لم يتخفف من فكرة القضايا مثلما اعتاد طرحها في أعماله السابقة، ولربما الأسفار هي العمل الذي طرح أكبر عدد من القضايا الحساسة، ولكنها بعكس الأعمال السابقة عندما كانت القضايا المجتمعية الكبرى تلهمه للكتابة، الاحتلال أو الهوية أو الطائفية، ففي الثلاثية التفت أكثر إلى القضايا الفردية، قضية الشخص الواحد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويوضح الكاتب الكويتي بقوله "حاولت أن أخلص لشخصية كل فرد كما لو أنها قضيتي الشخصية، منحت الفرد لأن يقول على عكس ما درجت عليه كتابة بأن يقول المجتمع قضاياه. فهنا إشكاليات الهوية تبدو أكثر تعقيداً مما طرحته في السابق. وهنا مأزق الهوية يأتي على مستويات عدة، هوية عرقية تتمثل في شخصية العبد، وهوية دينية تتمثل في شخصية المتشكك الحائر المسائل للدين أو شخصية اليهودي الذي يتمنى أن ينتمي إلى مكان لا ينتمي إليه، وهوية جنسية مضطربة تتمثل في شخصية الأمرد الأملس الذي ينعته المجتمع بصفات الخنوثة، وهنا قضية الفرد الأرميني الهارب من مذابح العثمانيين، وهنا قضية المرأة بين زمزم التي تقف أمام الرجل ندّاً لند، أو نصرة التي لا تستطيع المشي إلى جوار زوجها إنما تتخلف عنه بضع خطوات وفق أعراف أهلها. وهنا قضية سليمان الذي رهن حياته بصيتِه، فضحى بكل شيء خوفاً من كلام الناس وقسوة المجتمع النمام، وهنا قضية الحاكم الذي يجد نفسه على المحك بين الرضوخ لإملاءات البريطاني أو تهديدات 'إخوان من طاع الله'... فكل شخصيات العمل مأزومة بصورة أو بأخرى بقضية فردية شديدة الخصوصية. فالأسفار لم تخلُ من قضايا أبداً، لكنها في الغالب قضايا فردية لا جمعية". الرسوم والخيال البصري قد يكون من المألوف مصاحبة الرسوم البصرية الداخلية القصائد في الدواوين الشعرية، ولكن تلك "الاسكتشات" التي تصاحب نصوص السنعوسي ليست مألوفة كثيراً في الروايات. فهل يجد في هذه التجربة توسعة للخيال البصري، التشكيلي والسينمائي الذي يعد سمة مميزة في أعماله، أم ماذا تضيف الصور إلى الرسم بالكلمات؟ يشير سعود السنعوسي في حواره إلى أن مثل هذه الاسكتشات لها أسباب عدة، "أحدها أني أحاكي نمطاً من الكتب كان يصدر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكانت تلك النصوص الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية تلجأ إلى الرسم، والرواية تفترض نفسها مكتوبة بقلم الأديب المتخيل صادق بوحدب ونشرت عام 1990، والسبب الآخر أنني والفنانة مشاعل الفيصل صنعنا ما يشبه التوأمة نصاً ورسماً، وكلانا سعيد بهذه التجربة". أما في شأن إمكان اختلاف الكلمة عن الرسم، فيعترف السنعوسي، "لا أنكر أن هذا يحدث كثيراً، مما يقودنا إلى كثير من النقاش. أحياناً يكمل الرسم ما لم يقُله النص مباشرة، وأحياناً يقول الرسم عكس ما قاله النص. ولا أنكر أن الأمر في كل الأحوال يجيء في مصلحة العمل بجعل القارئ شريكاً فاعلاً يفكر عوض أن يؤدي دور المتلقي السلبي لكل ما يقوله المؤلف".
Independent عربية٠٤-٠٤-٢٠٢٥ترفيهIndependent عربيةسعود السنعوسي: الروائي عين لاقطة تحيل الهامش إلى متنيواصل الكاتب الكويتي سعود السنعوسي استلهام التاريخ واستنطاقه روائياً في ثلاثيته "أسفار مدينة الطين" بعد حفره السابق في هذا المجال في روايته "ناقة صالحة". وهو لا يهدف إلى قنص موضوع من التاريخ، بل يتخذ التاريخ في مجمله كموضوع ليعيد تشكيله، إذ يرى أن الكويت لم تكتب روائياً بعد. ويؤمن السنعوسي بأن التمرد من صميم الفعل الإبداعي بشرط أن يكون مدروساً. وفي هذا الحوار مع "اندبندنت عربية"، يستعرض تفاصيل مغامرته الروائية الأخيرة، متطرقاً أيضاً إلى عوالم أعماله الأخرى، ومن بينها "سجين المرايا" و"ساق البامبو" و"فئران أمي حصة" و"حمام الدار". في "سِفْر العباءة" و"سِفر التَبَّة" و"سِفر العَنْفُوز" التي تشكل ثلاثيته الروائية الضخمة "أسفار مدينة الطين" (منشورات مولاف ودار كلمات ومكتبة تنمية)، تتمثل الرواية التاريخية، أو ذات المرجعية التاريخية بتعبير أدق، على نحو مغاير يخص سعود السنعوسي، من ناحية لعبة الروائي الافتراضي والمعالجة والـ"تكنيك" والتقنيات السردية، ومن قبل ذلك الموضوع والرؤية والثيمة. وإلى جانب اللعب على ثنائية الماضوي والراهن للإسقاط على اللحظة الحالية، هناك ثنائية الحقيقي والمتخيل التي يحققها أيضاً الارتداد إلى سجلات التاريخ، إذ تختلط الوقائع الفعلية الثابتة والأحداث الروائية المصنوعة والمرويات الشعبية والأساطير والفانتازيا والخرافات في قماشة مركبة بالغة التنوع والثراء. الثلاثية الروئاية الجديدة (مولاف وكلمات) بسؤاله عما إذا كانت جغرافيا تجربته الروائية الناضجة بحاجة إلى ذلك الفضاء التاريخي الرحب الممتد إلى أبعد من 100 عام، ليعيد قراءة الواقع الحالي ومساءلته من خلال الماضي وأحداثه وتشابكاته الاجتماعية والسياسية، وكيف جاءت تفاصيل تلك الانعطافة إلى التاريخ والتراث الشعبي في مسيرته الروائية، يوضح سعود السنعوسي في حواره مع "اندبندنت عربية" أن انطلاقه في هذا المسار لم يكُن انعطافة جديدة، إذ ليست حيلة الرجوع إلى التاريخ هي مرّته الأولى مع "أسفار مدينة الطين"، فسبقتها تجربة صغيرة مع "ناقة صالحة" التي عاد بزمنها للوراء، زمن معركة الصريف عام 1901، كمحاولة أولى لخوض غمار تجربة الكتابة عن الماضي بعد روايات عدة تناولت الحاضر. لكن بالتأكيد، يضيف السنعوسي، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عن روايته "ساق البامبو"، أن في "أسفار مدينة الطين" أخذت المواضيع المطروحة امتداداً تاريخياً أكبر وأكثر تشابكاً وتعقيداً. فما كان له أن يناقش كل تلك الثيمات التي طرحتها الرواية إلا بالعودة لجذورها، ثم إسقاطها على الحاضر. ومن هنا كانت فكرة الثلاثية ملحة، ليست مجرد حلم يحاكي أحلام غالبية الروائيين بأن تكون لهم ثلاثية يتوجون بها مسيرتهم الروائية، فالامتداد الزمني في الرواية تطلب كل هذا العدد من الصفحات والنفس الكتابي المتمهل الطويل وفق الأحداث والمتغيرات التي طرأت على الكويت خلال 70 عاماً منذ 1920 حتى 1990. أما في شأن ثنائية الحقيقي والمتخيل، فيضيف السنعوسي أنها "اللعبة أو الحيلة الوحيدة التي تمنحني فرصة مساءلة التاريخ واستنطاقه، بالتالي محاولة فهمه لفهم الحاضر، فما المتخيل في الرواية إلا إجابات محتملة في فراغات الحقيقي التي صمت عنها التاريخ". كتابة الوطن ولربما لم يواكب الروائيون الكويتيون، والخليجيون عموماً، مرحلة ما قبل النفط في حينها، وهي مرحلة بالغة الخصوبة شهدت كثيراً من التحولات والمعارك والاضطرابات، وأثيرت فيها تساؤلات وإشكالات مهمة تمس الجذور والهوية على مستوى البشر والمكان والعلاقة مع الآخر. فهل فراغ تلك المرحلة من روائيين يشرّحونها، له دور في توجه سعود السنعوسي إلى تلك المنطقة، أم أن الدافع الأكبر هو استمرار التشابه بين تلك الفترة وواقعنا الحالي غير المستقر وتشابه مصائر الشخوص، إلى جانب رغبة الكاتب في التخفي النسبي وارتداء قناع يمنحه مزيداً من التحرر في الاصطدام مع الحاضر؟ السنعوسي في أحد لقاءاته (صفحة الكاتب - فيسبوك) يجيب الكاتب الكويتي مؤكداً أنه لم يقصد التخفي وارتداء القناع سعياً إلى مزيد من التحرر في الاصطدام مع الحاضر، إذ إنه كتب الحاضر واشتبك مع قضاياه في أكثر من عمل. ويقول "أؤمن بأن الكويت لم تكتب روائياً بعد. هناك نماذج روائية مهمة وملهمة لأساتذتنا من الأجيال المؤسسة بل حتى من الزملاء المجايلين، لكن في الكويت، وفي الخليج عموماً، هناك مناطق بِكر لم يطأها الروائيون، وهو أمر مغرٍ لأي روائي. لذلك كنت دائماً أقول إننا جيل محظوظ. اغرفْ من المواضيع التاريخية أو المعاصرة، فلم يسبقك إليها أحد! ليس قصوراً فيمن سبقنا، إنما لأن الأدب الروائي بطبيعته جديد عربياً، وأكثر جدّة خليجياً". حتى لو عدنا لما اتفق على أنه العمل الروائي الكويتي الأول "آلام صديق" لفرحان راشد الفرحان، يستطرد السنعوسي، نجد أنها نشرت عام 1948، أي بعد اكتشاف النفط وتصديره، على رغم أن الفرحان عايش مرحلة كبيرة من الفترة التي تسبق النفط، لكن تلك المحاولة المبكرة نسبياً لا تعتبر محاولة ريادية أو تأسيسية لما بعدها. وهناك أعمال رائدة ومؤسسة لا شك جاءت في ما بعد، لكنها بطبيعة الحال قليلة لأسباب عدة "إذا أخذنا تجربة ليلى العثمان على سبيل المثال، فهي من الرائدات في كتابة كويت ما قبل النفط في القصة والرواية، غير أن المواضيع التي كانت تتناولها كانت في مجملها اجتماعية أو مهتمة بقضايا المرأة". وبحسب السنعوسي فإن "إسماعيل فهد إسماعيل هو المؤسس الحقيقي للرواية الكويتية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، غير أن انتماءه المتشظي بين بلد والده الكويتي وبلد أمه العراقي حيث وُلد ونشأ، إضافة إلى التزامه الحزبي، كل هذا جعله يكبر على ضيق مفهوم الوطن بالنسبة إليه، فراح يكتب عن الإنسان في العراق وفلسطين ومصر ولبنان وسريلانكا. أعمال قليلة، على رغم أهميتها، كتبها عن الكويت، على رأسها العمل الروائي التسجيلي ليوميات الغزو 'إحداثيات زمن العزلة'، إذ يقول إنه لم يشعر بأنه كويتي إلا خلال أشهر الاحتلال. وربما وليد الرجيب هو الأكثر تنوعاً في المواضيع الكويتية ضمن رواياته، ولكن كل تلك التجارب على أهميتها كانت تستل مواضيع معينة من التاريخ، وحتى نقول إن الكويت كتبت روائياً فنحن بحاجة إلى تراكم التجارب الروائية". الرواية التي فازت بجائزة بوكر العربية (الدار العربية) ويستطرد: "حينما أردت أن أكتب "أسفار مدينة الطين"، كان حلمي أن أكتب ما كنت أتمنى قراءته، ألا أستل من التاريخ موضوعاً، بل أن أستل التاريخ في مجمله كموضوع أعيد قراءته وكتابته. وكان عام 1920 مثالياً، إذ يمثل بانوراما للكويت بكل تنوعها. فهو واحد من أبرز محطات التاريخ الكويتي، عام بناء السور الثالث ومعركة الجهراء، في ذروة زمن الغوص على اللؤلؤ والسفر بالسفن الشراعية التجارية إلى بلاد فارس والهند، حتى جنوب القرن الأفريقي، وزمن النشاط التبشيري لمستشفى الإرسالية الأميركية الإنجيلية في الكويت ووجود اليهود وانتشار العبودية، في ظل معاهدة الحماية البريطانية وتهديدات حركة إخوان من طاع الله. هو زمن زاخر بالتفاصيل والأحداث". وهكذا يضيف الروائي الكويتي "أردتُ منذ البدء التفكير في أن أكتب عن الإنسان في الكويت وسط كل تلك الظروف، هو عمل تأسيسي لا أدعي أني نجحت في كتابته، لكنني حاولت. ما أردت أن أكتفي بموضوع واحد كالعبودية مثلاً، أو التبشير، أو الحركات الجهادية، ولا عيب في أن يقدم الروائي على معالجة موضوع واحد، غير أني أردت كتابة كل هذا وأكثر في الكويت كما تمنيت أن أقرأها ويقرأها الآخرون". آفاق التجريب في حفره مساره الخاص كصاحب مشروع، تشير مراوغات سعود السنعوسي الروائية إلى تمرد دائم، يمتد للتمرد على ذاته أيضاً من عمل إلى آخر. وبسؤاله هل لمحطات السياحة الزمانية التي ظهرت بوادرها في "ناقة صالحة" وتجلت على نحو موسع في "أسفار مدينة الطين"، أن تمتد في محطات مقبلة، أم أنه يجد نفسه على أعتاب مراوغات جديدة في مدارات أخرى خارج سياق الارتداد إلى التاريخ؟ يجيب مؤكداً أن التمرد من صميم الكتابة الإبداعية، التمرد على السائد وعلى الذات والآخر، لكن يجب أن يكون تمرداً مدروساً لقول شيء، لا أن يكون تمرداً من أجل التمرد فحسب. أما بالنسبة إلى المقبل، فيقول السنعوسي إن "الأفكار كثيرة، خصوصاً نحو مرحلة الناقة والأسفار، فهي مرحلة مغرية لكنها مضنية في البحث، ولكني بأمانة في الفترة المقبلة أتمنى كتابة عمل بعيد، بسيط في موضوعه وفكرته، استراحة لي وللقارئ. وبدأتُ بالفعل فتح ملفات مشاريع قديمة، ولا يمكنني التنبؤ بالخطوة المقبلة. والذي أعرفه بعد كل تجربة أني أفضل مكاناً آخر جديداً من دون تفكير في ضغط المقارنة، فأنا أكتب ما أشتهي كتابته فحسب، وأكتب ما أريد بالشكل الذي أريد، لا أن أكتب عملاً أفضل مما سبقه لأن مسألة الأفضلية هذه أيضاً نسبية بحسب مزاج القارئ. وهذا السؤال يذكرني بالروائي الصديق محسن الرملي، التقيته قبل أيام في مدريد وسألني عن المفاجآت في جديدي، فقلت له إنه عمل هذه المرة بلا تجريب. ضحك وهو يقول، 'تجريبك هذه المرة في أنك لن تجرب... وهذه مفاجأة'. لا أخفيك أنه شجعني على إتمام فكرتي من دون مقارنة ما سوف أكتب بما كتبت". قنص المهمل وسط شيوع الروايات التاريخية، هناك من اقتحم هذا الفضاء معولاً في المقام الأول على الشخصيات المستدعاة، وماذا سيحدث لها في النهاية، وهل ذلك يطابق الحقيقة أو يخالفها، وكأن الفن وسيلة لخدمة التاريخ أو الجدل معه أو مشاكسته وليس غاية قرائية بحد ذاته. ولكن في أعمال سعود السنعوسي، شأن الروائيين المجيدين، يبدو قنص الهامشي والاستغراق في التقاط التفاصيل الحيوية واللحظات المضيئة واصطحاب المتلقي بتلقائية وبساطة إلى موضع الحدث وزمانه لينغمس فيه، من أسرار الإدهاش والإمتاع التي تدفع القارئ إلى مواصلة قراءة العمل الشهي الممتد على مئات الصفحات. بسؤاله عما إذا كان يرى أن رهانات الفن وتأثيراته تبقى دائماً معقودة على جمالياته المجردة في المقام الأول، وسحرية اللغة والمعالجة وآليات التعبير والتصوير، سواء كانت لهذا الفن أجنحة تاريخية إضافية أو لا، يجيب الروائي الكويتي بقوله "تماماً، ليس بالضرورة أن يخدم الفن المسلم من الموروث أو التاريخ أو إعادة إنتاجه، بل على العكس، ربما من أهم أدواره أن يسائله وأن يستنطقه ولو بالخيال، ولهذا السبب صدَّرت في أولى صفحات 'أسفار مدينة الطين' كلمة بقلم الروائي المفترض صادق بوحدب، كاتب الثلاثية، حين كتب إن 'هذا النص بأسمائه وأحداثه، وبطبيعة حاله، لا يعدو كونه رواية، نتخيل بها التاريخ ولا نكتبه'. وأنا كروائي، مثل أي روائي، لست متحمساً لكتابة التاريخ بقدر حماستي لكتابة ما أهمله التاريخ، وإن بالخيال الذي أؤمن بأنه يقارب الحقيقة لو فعّل الروائي خياله وأساليب بحثه، شرط أن يبتكر العمل أدواته، وأن تحقق تلك الأمور شرط المتعة، وهذا ليس أمراً سهلاً". وبأمانة، يستطرد السنعوسي، "توقفت كثيراً في السؤال عند عبارة "قنص الهامشي"، وهذا تماماً ما أهتم به قراءة وكتابة، أن أحيل الهامش إلى متن، وأن أخرج الشخصيات والأحداث من الظل إلى موضع الضوء. والروائي أو الفنان بصورة عامة هو عبارة عن عين لاقطة، عين حساسة تختلف عن أعين الآخرين، تميز ما يصلح للاقتناص وتستثمره كتابة". قضايا الفرد والمجتمع وتتوازى المغامرة في الـ"تكنيك" والشكل وأبجديات الطرح لدى سعود السنعوسي دائماً مع الجسارة في انتقاء الموضوع. هكذا عهده في "سجين المرايا" التي تقصت كواليس غزو الكويت، وفي "فئران أمي حصة" التي خاضت في إشكالات آفة الطائفية، وفي "ساق البامبو" التي أثارت سؤال الهوية داخل مجتمعات الخليج العربي، وفي "ناقة صالحة" التي عالجت موضوع الهوية بين البادية والحاضرة و"حمام الدار" التي أثارت أسئلة الروائي الوجودية بين الكاتب والمكتوب، وأيهما يكتب الآخر. بسؤاله عما إذا كان يرى أن "أسفار مدينة الطين" تميل إلى التخفف بعض الشيء من حدة القضايا المطروحة، متجهة أكثر إلى نزعة تصويرية بانورامية، أم أن اختلاف اللون الإبداعي وزيادة خبرات المؤلف وراء تذويب القضايا المطروحة في معالجة أكثر تأملية وهدوءاً وغوصاً في الأعماق وبواطن الأمور؟ يرى السنعوسي أنه على العكس تماماً، ففي "أسفار مدينة الطين" لم يتخفف من فكرة القضايا مثلما اعتاد طرحها في أعماله السابقة، ولربما الأسفار هي العمل الذي طرح أكبر عدد من القضايا الحساسة، ولكنها بعكس الأعمال السابقة عندما كانت القضايا المجتمعية الكبرى تلهمه للكتابة، الاحتلال أو الهوية أو الطائفية، ففي الثلاثية التفت أكثر إلى القضايا الفردية، قضية الشخص الواحد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويوضح الكاتب الكويتي بقوله "حاولت أن أخلص لشخصية كل فرد كما لو أنها قضيتي الشخصية، منحت الفرد لأن يقول على عكس ما درجت عليه كتابة بأن يقول المجتمع قضاياه. فهنا إشكاليات الهوية تبدو أكثر تعقيداً مما طرحته في السابق. وهنا مأزق الهوية يأتي على مستويات عدة، هوية عرقية تتمثل في شخصية العبد، وهوية دينية تتمثل في شخصية المتشكك الحائر المسائل للدين أو شخصية اليهودي الذي يتمنى أن ينتمي إلى مكان لا ينتمي إليه، وهوية جنسية مضطربة تتمثل في شخصية الأمرد الأملس الذي ينعته المجتمع بصفات الخنوثة، وهنا قضية الفرد الأرميني الهارب من مذابح العثمانيين، وهنا قضية المرأة بين زمزم التي تقف أمام الرجل ندّاً لند، أو نصرة التي لا تستطيع المشي إلى جوار زوجها إنما تتخلف عنه بضع خطوات وفق أعراف أهلها. وهنا قضية سليمان الذي رهن حياته بصيتِه، فضحى بكل شيء خوفاً من كلام الناس وقسوة المجتمع النمام، وهنا قضية الحاكم الذي يجد نفسه على المحك بين الرضوخ لإملاءات البريطاني أو تهديدات 'إخوان من طاع الله'... فكل شخصيات العمل مأزومة بصورة أو بأخرى بقضية فردية شديدة الخصوصية. فالأسفار لم تخلُ من قضايا أبداً، لكنها في الغالب قضايا فردية لا جمعية". الرسوم والخيال البصري قد يكون من المألوف مصاحبة الرسوم البصرية الداخلية القصائد في الدواوين الشعرية، ولكن تلك "الاسكتشات" التي تصاحب نصوص السنعوسي ليست مألوفة كثيراً في الروايات. فهل يجد في هذه التجربة توسعة للخيال البصري، التشكيلي والسينمائي الذي يعد سمة مميزة في أعماله، أم ماذا تضيف الصور إلى الرسم بالكلمات؟ يشير سعود السنعوسي في حواره إلى أن مثل هذه الاسكتشات لها أسباب عدة، "أحدها أني أحاكي نمطاً من الكتب كان يصدر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكانت تلك النصوص الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية تلجأ إلى الرسم، والرواية تفترض نفسها مكتوبة بقلم الأديب المتخيل صادق بوحدب ونشرت عام 1990، والسبب الآخر أنني والفنانة مشاعل الفيصل صنعنا ما يشبه التوأمة نصاً ورسماً، وكلانا سعيد بهذه التجربة". أما في شأن إمكان اختلاف الكلمة عن الرسم، فيعترف السنعوسي، "لا أنكر أن هذا يحدث كثيراً، مما يقودنا إلى كثير من النقاش. أحياناً يكمل الرسم ما لم يقُله النص مباشرة، وأحياناً يقول الرسم عكس ما قاله النص. ولا أنكر أن الأمر في كل الأحوال يجيء في مصلحة العمل بجعل القارئ شريكاً فاعلاً يفكر عوض أن يؤدي دور المتلقي السلبي لكل ما يقوله المؤلف".