#أحدث الأخبار مع #ناهدراشلينالشرق الأوسطمنذ 2 أياممنوعاتالشرق الأوسط«الغريبة» ناهد راشلين... رائدة الرواية الإيرانيّة في المهجربغياب ناهد راشلين، الروائية الإيرانية الأميركية وإحدى أبرز الكاتبات الإيرانيات اللواتي كتبن بالإنجليزية عن تمزقات الهوية، وأوجاع المنفى، وتصادم الثقافات، في الثلاثين من أبريل (نيسان) 2025، عن عمرٍ ناهز الخامسة والثمانين، تُطوى سيرة مُبدعةٍ كانت، وفقاً للنّقاد، «الروائيّة الأكثر انتشاراً بين الكتّاب الإيرانيين في الولايات المتحدة»، وأول من قدّم صورة دقيقة عن الدّاخل الإيراني قبيل إسقاط حكم الشاه. ولدت ناهد روشلين - وهذا اسم الزواج لها، وعائلتها الإيرانية تدعى بوزرجمهر - بمدينة الأهواز في السادس من يونيو (حزيران) 1939، في بيت اختلطت فيه التقاليد الإيرانية بالتأثيرات الغربيّة، وسط عائلة من عشرة أطفال، وكان والدها قاضياً ثم عمل محامياً بعد استقالته من سلك القضاء. ويبدو أن حياتها الأسرية لم تكن مستقرة، إذ أُعطيت في الأشهر الأولى من حياتها إلى عمتها مريم لتربيتها، وعندما بلغت التاسعة، استعادها والدها مخافة أن تزوّجها العمة في هذا العمر الصغير، كما جرى مع والدتها التي زُوّجت، وهي في التاسعة أيضاً. تركت هذه الحادثة أثراً بالغاً في شخصية راشلين، التي شعرت كأنها اختُطفت من أمّها الحقيقية، كما كتبت لاحقاً، ولم تنادِ والدتها البيولوجية أبداً بكلمة «أمي»، وظلّت دائماً تحلم بالعودة إلى العمّة مريم التي كانت تعتبرها الحضن الآمن. في ظلّ هذه البيئة المتوترة، ورغم رفض والدها، أصرت راشلين على السفر إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراستها الجامعية هرباً من قمع العائلة والمجتمع، ومستعينة بأخيها برويز لإقناعه. والتحقت في نهاية المطاف بكلية «ليندوود» النسائية في ميسوري التي حصلت منها على منحة دراسيّة كاملة، ولكنّها سافرت إلى هناك فقط بعدما وعدت أباها بالعودة فور انتهاء دراستها كي تتزوج في إيران. في عالمها الأميركيّ الجديد، واجهت ناهد عزلة من نوع آخر، وكتبت لاحقاً في مذكراتها «فتيات فارسيات - 2006»: «كنت أظن أنني فررت من سجن، لكنني وجدت نفسي في سجن آخر من الوحدة». في سجن عزلتها الجديد هذا وجدت في الكتابة ملاذاً، وفي اللغة الإنجليزية فضاء حريّة لم تجدها في الفارسية عندما خطت كتاباتها الأولى أثناء دراستها الثانوية، وعن ذلك قالت في إحدى المقابلات معها: «الكتابة بالإنجليزية أعطتني حريةً لم أكن أشعر بها حين أكتب بالفارسية». حصلت راشلين على درجة البكالوريوس في علم النفس عام 1961، ولدى تخرجها كتبت لأبيها رسالة موجزة تعلمه فيها بقرارها بعدم العودة إلى إيران، فقاطعها طوال 12 عاماً حصلت خلالها على الجنسيّة الأميركية (1969)، وتزوجت من عالم النفس الأميركي هاوارد راشلين، وأنجبا ابنتهما ليلى. حصلت على زمالة والاس ستغنر في الكتابة الإبداعية. وهناك بدأت كتابة روايتها الأولى «الغريبة» (Foreigner)، التي ستُطلقها في 1978 قبل عامٍ واحد فقط من اندلاع الثورة الإيرانية. رواية «الغريبة» تسرد بإحساس مرهف التحوّل التدريجي لعالمة أحياء إيرانية في أوائل الثلاثينات تُدعى فري من مزاج حياة أميركية هادئة رتيبة في ضواحي بوسطن الباردة طوال 14 عاماً إلى هوية إيرانية محافظة بعد عودتها لبلدها الأم. وتسجّل الرواية كيف بدأت وجهات النظر الغربيّة الطابع لبطلة الرواية بالتلاشي في أجواء المجتمع الإيراني تدريجياً حتى تفقد تمايزها تماماً، فتترك زوجها الأميركي، ووظيفتها، وتستسلم لضغوط ارتداء الحجاب، لتتساءل الناقدة آن تايلر في مراجعتها للرواية في «نيويورك تايمز»: «هل أميركا مستقرة ومنظمة وسلمية، بينما إيران مضطربة وفوضوية وغير عقلانية؟ أم أن أميركا مجرد مجتمع بارد عقيم بينما إيران بلاد شغوفة ومنفتحة القلب؟»، فيما قال عنها الكاتب الترينيدادي ف. س. نايبول إن «(الغريبة) بطريقتها الخفيّة وغير المسيسة أنذرت بهستيريا الانتفاضات الشعبية التي أسقطت نظام الشاه، وتنبأت بالجمهورية الثيوقراطية تحت قيادة الخميني». لم تُنشر روايات ناهد في إيران في مرحلة ما قبل الثورة، فقد منعتها الرّقابة بزعم أنها تُسيء لصورة مجتمعها، خصوصاً ما وصفته من أحياء فقيرة وفنادق متداعية تُناقض خطاب الحداثة الذي روّج له نظام الشاه، واستمر المنع بعد الثورة في عهد حكومة الخميني، التي لم تتسامح مع تصويرها البلاد على أنها فاسدة أو منهارة اجتماعياً. وهكذا لم يُترجم أي من أعمالها إلى الفارسية، وظلّت كتبها محرّمة في بلدها الأصلي. كتبت ناهد أيضاً «متزوجة من غريب - 1983» وهي رواية تُصوّر بحدّة كيف تمكنت ثيوقراطية الخميني من فرض سطوتها على المجتمع الإيراني، وتوالت بعدها أعمالها الأدبية: «رغبة القلب - 1995»، «القفز فوق النار - 2006»، «السراب - 2024»، بالإضافة إلى مجموعتين قصصيتين: «حجاب - 1992» و«طريق العودة - 2018»، كما نشرت مذكراتها بعنوان «فتيات فارسيات - 2006»، وستصدر آخر رواياتها «أُعطيت بعيداً» في عام 2026، وتحكي قصة فتاة إيرانية قاصرة زُوّجت مبكراً، مُستلهمة من حياة أمها. في كل أعمالها، كانت راشلين تنبش جروح إيران في النصف الثاني من القرن العشرين: القمع السياسي، هيمنة التقاليد، اختفاء المعلّمين والكتّاب المعارضين، وسطوة جهاز «السافاك»، وأيضاً ذلك الحنين الحارق لطفولتها المبتورة، وآلام انشطار الهويّة. وكذلك لم تغب ثيمة الأمومة عن كتاباتها؛ من علاقتها المعقدة بأمها البيولوجية، إلى حبّها العميق لعمتها، وصولاً إلى علاقتها بابنتها ليلى، التي وصفتها بأنها «أفضل صديقاتي على الإطلاق». عبّرت راشلين من خلال اللغة عن أدق مشاعرها المتشظيّة بين عالمين، لكن لحظة الفقد الأعمق في حياتها جاءت في 1981 حين تلقت خبر وفاة شقيقتها المقرّبة باري، بعد سقوطها عن السلم. هدّها الحزن ولم تتمكن من الكتابة عن الراحلة طوال 25 عاماً، لكنّها خصّصت لها فصلاً حميماً في ختام مذكراتها، وكتبت: «نعم، يا باري العزيزة، أكتب هذا الكتاب لأعيدكِ إلى الحياة». تُوفيت ناهد راشلين في نيويورك بعد إصابتها بجلطة دماغية - وفق ابنتها -، وبرحيلها فقدت الرواية الإيرانية المهجرية أعمق كاتباتها، وصوتاً نادراً امتلك شجاعة المواجهة، وشفافية الحنين معاً، والتقط بدقة صورة الازدواج النفسي والثقافي الذي عايشه جيل من الإيرانيين كان قدره أن تمزّق بين الشرق والغرب.
الشرق الأوسطمنذ 2 أياممنوعاتالشرق الأوسط«الغريبة» ناهد راشلين... رائدة الرواية الإيرانيّة في المهجربغياب ناهد راشلين، الروائية الإيرانية الأميركية وإحدى أبرز الكاتبات الإيرانيات اللواتي كتبن بالإنجليزية عن تمزقات الهوية، وأوجاع المنفى، وتصادم الثقافات، في الثلاثين من أبريل (نيسان) 2025، عن عمرٍ ناهز الخامسة والثمانين، تُطوى سيرة مُبدعةٍ كانت، وفقاً للنّقاد، «الروائيّة الأكثر انتشاراً بين الكتّاب الإيرانيين في الولايات المتحدة»، وأول من قدّم صورة دقيقة عن الدّاخل الإيراني قبيل إسقاط حكم الشاه. ولدت ناهد روشلين - وهذا اسم الزواج لها، وعائلتها الإيرانية تدعى بوزرجمهر - بمدينة الأهواز في السادس من يونيو (حزيران) 1939، في بيت اختلطت فيه التقاليد الإيرانية بالتأثيرات الغربيّة، وسط عائلة من عشرة أطفال، وكان والدها قاضياً ثم عمل محامياً بعد استقالته من سلك القضاء. ويبدو أن حياتها الأسرية لم تكن مستقرة، إذ أُعطيت في الأشهر الأولى من حياتها إلى عمتها مريم لتربيتها، وعندما بلغت التاسعة، استعادها والدها مخافة أن تزوّجها العمة في هذا العمر الصغير، كما جرى مع والدتها التي زُوّجت، وهي في التاسعة أيضاً. تركت هذه الحادثة أثراً بالغاً في شخصية راشلين، التي شعرت كأنها اختُطفت من أمّها الحقيقية، كما كتبت لاحقاً، ولم تنادِ والدتها البيولوجية أبداً بكلمة «أمي»، وظلّت دائماً تحلم بالعودة إلى العمّة مريم التي كانت تعتبرها الحضن الآمن. في ظلّ هذه البيئة المتوترة، ورغم رفض والدها، أصرت راشلين على السفر إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراستها الجامعية هرباً من قمع العائلة والمجتمع، ومستعينة بأخيها برويز لإقناعه. والتحقت في نهاية المطاف بكلية «ليندوود» النسائية في ميسوري التي حصلت منها على منحة دراسيّة كاملة، ولكنّها سافرت إلى هناك فقط بعدما وعدت أباها بالعودة فور انتهاء دراستها كي تتزوج في إيران. في عالمها الأميركيّ الجديد، واجهت ناهد عزلة من نوع آخر، وكتبت لاحقاً في مذكراتها «فتيات فارسيات - 2006»: «كنت أظن أنني فررت من سجن، لكنني وجدت نفسي في سجن آخر من الوحدة». في سجن عزلتها الجديد هذا وجدت في الكتابة ملاذاً، وفي اللغة الإنجليزية فضاء حريّة لم تجدها في الفارسية عندما خطت كتاباتها الأولى أثناء دراستها الثانوية، وعن ذلك قالت في إحدى المقابلات معها: «الكتابة بالإنجليزية أعطتني حريةً لم أكن أشعر بها حين أكتب بالفارسية». حصلت راشلين على درجة البكالوريوس في علم النفس عام 1961، ولدى تخرجها كتبت لأبيها رسالة موجزة تعلمه فيها بقرارها بعدم العودة إلى إيران، فقاطعها طوال 12 عاماً حصلت خلالها على الجنسيّة الأميركية (1969)، وتزوجت من عالم النفس الأميركي هاوارد راشلين، وأنجبا ابنتهما ليلى. حصلت على زمالة والاس ستغنر في الكتابة الإبداعية. وهناك بدأت كتابة روايتها الأولى «الغريبة» (Foreigner)، التي ستُطلقها في 1978 قبل عامٍ واحد فقط من اندلاع الثورة الإيرانية. رواية «الغريبة» تسرد بإحساس مرهف التحوّل التدريجي لعالمة أحياء إيرانية في أوائل الثلاثينات تُدعى فري من مزاج حياة أميركية هادئة رتيبة في ضواحي بوسطن الباردة طوال 14 عاماً إلى هوية إيرانية محافظة بعد عودتها لبلدها الأم. وتسجّل الرواية كيف بدأت وجهات النظر الغربيّة الطابع لبطلة الرواية بالتلاشي في أجواء المجتمع الإيراني تدريجياً حتى تفقد تمايزها تماماً، فتترك زوجها الأميركي، ووظيفتها، وتستسلم لضغوط ارتداء الحجاب، لتتساءل الناقدة آن تايلر في مراجعتها للرواية في «نيويورك تايمز»: «هل أميركا مستقرة ومنظمة وسلمية، بينما إيران مضطربة وفوضوية وغير عقلانية؟ أم أن أميركا مجرد مجتمع بارد عقيم بينما إيران بلاد شغوفة ومنفتحة القلب؟»، فيما قال عنها الكاتب الترينيدادي ف. س. نايبول إن «(الغريبة) بطريقتها الخفيّة وغير المسيسة أنذرت بهستيريا الانتفاضات الشعبية التي أسقطت نظام الشاه، وتنبأت بالجمهورية الثيوقراطية تحت قيادة الخميني». لم تُنشر روايات ناهد في إيران في مرحلة ما قبل الثورة، فقد منعتها الرّقابة بزعم أنها تُسيء لصورة مجتمعها، خصوصاً ما وصفته من أحياء فقيرة وفنادق متداعية تُناقض خطاب الحداثة الذي روّج له نظام الشاه، واستمر المنع بعد الثورة في عهد حكومة الخميني، التي لم تتسامح مع تصويرها البلاد على أنها فاسدة أو منهارة اجتماعياً. وهكذا لم يُترجم أي من أعمالها إلى الفارسية، وظلّت كتبها محرّمة في بلدها الأصلي. كتبت ناهد أيضاً «متزوجة من غريب - 1983» وهي رواية تُصوّر بحدّة كيف تمكنت ثيوقراطية الخميني من فرض سطوتها على المجتمع الإيراني، وتوالت بعدها أعمالها الأدبية: «رغبة القلب - 1995»، «القفز فوق النار - 2006»، «السراب - 2024»، بالإضافة إلى مجموعتين قصصيتين: «حجاب - 1992» و«طريق العودة - 2018»، كما نشرت مذكراتها بعنوان «فتيات فارسيات - 2006»، وستصدر آخر رواياتها «أُعطيت بعيداً» في عام 2026، وتحكي قصة فتاة إيرانية قاصرة زُوّجت مبكراً، مُستلهمة من حياة أمها. في كل أعمالها، كانت راشلين تنبش جروح إيران في النصف الثاني من القرن العشرين: القمع السياسي، هيمنة التقاليد، اختفاء المعلّمين والكتّاب المعارضين، وسطوة جهاز «السافاك»، وأيضاً ذلك الحنين الحارق لطفولتها المبتورة، وآلام انشطار الهويّة. وكذلك لم تغب ثيمة الأمومة عن كتاباتها؛ من علاقتها المعقدة بأمها البيولوجية، إلى حبّها العميق لعمتها، وصولاً إلى علاقتها بابنتها ليلى، التي وصفتها بأنها «أفضل صديقاتي على الإطلاق». عبّرت راشلين من خلال اللغة عن أدق مشاعرها المتشظيّة بين عالمين، لكن لحظة الفقد الأعمق في حياتها جاءت في 1981 حين تلقت خبر وفاة شقيقتها المقرّبة باري، بعد سقوطها عن السلم. هدّها الحزن ولم تتمكن من الكتابة عن الراحلة طوال 25 عاماً، لكنّها خصّصت لها فصلاً حميماً في ختام مذكراتها، وكتبت: «نعم، يا باري العزيزة، أكتب هذا الكتاب لأعيدكِ إلى الحياة». تُوفيت ناهد راشلين في نيويورك بعد إصابتها بجلطة دماغية - وفق ابنتها -، وبرحيلها فقدت الرواية الإيرانية المهجرية أعمق كاتباتها، وصوتاً نادراً امتلك شجاعة المواجهة، وشفافية الحنين معاً، والتقط بدقة صورة الازدواج النفسي والثقافي الذي عايشه جيل من الإيرانيين كان قدره أن تمزّق بين الشرق والغرب.