logo
#

أحدث الأخبار مع #نجمالدينأربكان

مجموعة الدول النامية الثماني.. هل من عالم جديد؟محمد عبد الشفيع عيسى
مجموعة الدول النامية الثماني.. هل من عالم جديد؟محمد عبد الشفيع عيسى

ساحة التحرير

timeمنذ 7 ساعات

  • أعمال
  • ساحة التحرير

مجموعة الدول النامية الثماني.. هل من عالم جديد؟محمد عبد الشفيع عيسى

مجموعة الدول النامية الثماني.. هل من عالم جديد؟ د. محمد عبد الشفيع عيسى مجموعة الدول النامية الثماني، كان يطلق عليها حين الإعلان عن نشأتها رسميا عام 1997بدعوة من نجم الدين أربكان – رئيس الوزراء التركى الأسبق – مجموعة الدول الثمانى الإسلامية، ومقر أمانتها إسطنبول. وقد عقدت اجتماعها العام الماضى فى القاهرة بتاريخ 25-12-2024، فكان ذلك بمثابة شارة وبشارة، من بين شارات وبشارات عدة، بعالم ربما جديد. وتتكون من مصر، تركيا، إيران، باكستان، بنجلاديش، وإندونيسيا وماليزيا ونيجيريا. ولكن هل هو عالم جديد حقًأ ؟ هذا ما نحاول البحث فيه. ولنبدأ من حيث تكون البداية، حول منظومة الاقتصاد العالمى المعاصرة. ففى منتصف الثمانينيات تقريبًا (1986) من القرن العشرين المنصرم، نضجت مفاوضات تيسير وتحرير تدفقات التجارة العالمية، فيما سمّى (بجولة مفاوضات أوروجواي)، وقد انتهت هذه الجولة بحدث جلل على مستوى تطور النظام العالمي، وهو توقيع اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية واتفاقاتها المكملة فى مدينة مراكش فى مايو 1994. حينذاك بزغ عصر جديد، أو هكذا بدا الأمر، هو ما سمى بعصر (العولمة) Globalization كان من أبرز ثمرات العولمة فى إطار اتفاقية مراكش، اتفاق تحرير التجارة، تحديثًا لما انتهى إليه الاتفاق القديم لتحرير التجارة، المعروف ب (الجات) لعام 1948. وكذلك اتفاق (الجوانب التجارية للاستثمار) TRIMS و(اتفاق الجوانب التجارية للملكية الفكرية – تريبس) TRIPS وهى ربما أشهر الاتفاقات جميعًا. نضجت وتفرعت وتعاظمت نتائج اتفاق التجارة العالمية الجديد، ممثلاً فى اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية WTO وجرى استكمال المفاوضات على مستوى جولات وزارية متتابعة، كان أهمها «اتفاق الدوحة» عام 2001 . ومن عجب أن تكون اتفاقية مراكش نقطة الانطلاق لنظام العولمة، بمثل ما أن «جولة الدوحة» مثلت «نقطة الانكسار»، إن صح التعبير. فلم يستكمل العمل بمقتضى أجندة الدوحة للتنمية، وظلت الأضواء تذوي، حتى صارت العولمة وكأنها «شبح ضئيل». ولربما كان تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة والنفوذ على المستوى العالمى Lonely super power بعد توقيع اتفاق مراكش واتفاقاتها المكملة بقليل، هو المنطلق العالمى (غير عولمي) إن صح التعبير أيضا. حينئذ، أخذت أشباح العولمة فى التواري، لتحل محلها أشباح (اللاعولمة). وقد حل محل العولمة ظل ظليل كبير قائم على (الأقلمة) Regionalization–وتفرعت عن الأقلمة شعبتان : أولاهما ما يمكن تسميتها (الأقلمة الشاملة) وتمثلت فى التوسع الاقتصادى على نطاق جغرافى محدد وربما محدود، وثانيهما شعبة الإقليمية الفرعية. كان من أبرز التكتلات الإقليمية نشوء «اتفاق التجارة الحرة الإفريقية الثلاثية لعام 2014 ؟ وذلك انطلاقًا من عدة تكتلات إقليمية فرعية فى شرق إفريقيا ووسطها والجنوب واتحاد غرب إفريقيا. ومن التنظيمات الفرعية: ميركسور فى أمريكا اللاتينية، و«آسيان» ASEAN فى جنوب شرق آسيا، فضلاً عن تجربة (منطقة التجارة الحرة العربية الكبري) بكل مالها وعليها، مما لا يكون موضوعا للبحث هنا. ولا ننسى (نافتا) أى منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. غير أنه من أحدث وأقوى التجمعات الاقتصادية العابرة للأقاليم وأبرزها، اتفاق تجمع «البريكس» المكون أصلاً من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وأنضمت له مصر يناير 2024 ومعها الأمارات وأثيوبيا وإيران وإن كنا لا نرى فى ذلك ما يشير إلى عالم عولمى متكافئ حقًا. أما على مستوى مجموعة الدول الثمانى النامية، كتجمع عابر للأقاليم ومحدود العضوية، ولكى تكون لبنة حقيقية من لبنات عالم مأمول، فإننا نشير الى بضع شذرات على النحو التالي. من حيث المدخل، نشير إلى أهمية تفعيل التجارة المتبادلة والاستثمارات والمشروعات المشتركة، وإيجاد مصادر مأمونة للتمويل الإقراضى والمساعدات التكنولوجية أما من حيث المسار المستقبلى فإنه ينبغى أيضا العمل فى مسارين متوازيين، أولهما بناء قطاعات إنتاجية على أساس نوع من «تقسيم العمل» المتناسب مع مزايا ومعطيات الموارد الإنتاجية لمختلف الدول الأعضاء، خاصة فى المجال التصنيعى والتكنولوجى. وثانيهما، العمل على تسوية المبادلات التجارية بالعملات المحلية، ويعقبها عمل على المشاركة فى الجهود الرامية لخلق أداة تسوية نقدية عالمية لمواجهة احتكار الدولار لهذا الدور، على نحو ما تحاول مجموعة «البريكس». ‎2025-‎05-‎24

مجموعة الدول النامية الثماني.. هل من عالم جديد؟
مجموعة الدول النامية الثماني.. هل من عالم جديد؟

بوابة الأهرام

timeمنذ 21 ساعات

  • أعمال
  • بوابة الأهرام

مجموعة الدول النامية الثماني.. هل من عالم جديد؟

مجموعة الدول النامية الثماني، كان يطلق عليها حين الإعلان عن نشأتها رسميا عام 1997بدعوة من نجم الدين أربكان – رئيس الوزراء التركى الأسبق - مجموعة الدول الثمانى الإسلامية، ومقر أمانتها إسطنبول. وقد عقدت اجتماعها العام الماضى فى القاهرة بتاريخ 25-12-2024، فكان ذلك بمثابة شارة وبشارة، من بين شارات وبشارات عدة، بعالم ربما جديد. وتتكون من مصر، تركيا، إيران، باكستان، بنجلاديش، وإندونيسيا وماليزيا ونيجيريا. ولكن هل هو عالم جديد حقًأ ؟ هذا ما نحاول البحث فيه. ولنبدأ من حيث تكون البداية، حول منظومة الاقتصاد العالمى المعاصرة. ففى منتصف الثمانينيات تقريبًا (1986) من القرن العشرين المنصرم، نضجت مفاوضات تيسير وتحرير تدفقات التجارة العالمية، فيما سمّى (بجولة مفاوضات أوروجواي)، وقد انتهت هذه الجولة بحدث جلل على مستوى تطور النظام العالمي، وهو توقيع اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية واتفاقاتها المكملة فى مدينة مراكش فى مايو 1994. حينذاك بزغ عصر جديد، أو هكذا بدا الأمر، هو ما سمى بعصر (العولمة) Globalization كان من أبرز ثمرات العولمة فى إطار اتفاقية مراكش، اتفاق تحرير التجارة، تحديثًا لما انتهى إليه الاتفاق القديم لتحرير التجارة، المعروف ب (الجات) لعام 1948. وكذلك اتفاق (الجوانب التجارية للاستثمار) TRIMS و(اتفاق الجوانب التجارية للملكية الفكرية - تريبس) TRIPS وهى ربما أشهر الاتفاقات جميعًا. نضجت وتفرعت وتعاظمت نتائج اتفاق التجارة العالمية الجديد، ممثلاً فى اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية WTO وجرى استكمال المفاوضات على مستوى جولات وزارية متتابعة، كان أهمها «اتفاق الدوحة» عام 2001 . ومن عجب أن تكون اتفاقية مراكش نقطة الانطلاق لنظام العولمة، بمثل ما أن «جولة الدوحة» مثلت «نقطة الانكسار»، إن صح التعبير. فلم يستكمل العمل بمقتضى أجندة الدوحة للتنمية، وظلت الأضواء تذوي، حتى صارت العولمة وكأنها «شبح ضئيل». ولربما كان تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة والنفوذ على المستوى العالمى Lonely super power بعد توقيع اتفاق مراكش واتفاقاتها المكملة بقليل، هو المنطلق العالمى (غير عولمي) إن صح التعبير أيضا. حينئذ، أخذت أشباح العولمة فى التواري، لتحل محلها أشباح (اللاعولمة). وقد حل محل العولمة ظل ظليل كبير قائم على (الأقلمة) Regionalization–وتفرعت عن الأقلمة شعبتان : أولاهما ما يمكن تسميتها (الأقلمة الشاملة) وتمثلت فى التوسع الاقتصادى على نطاق جغرافى محدد وربما محدود، وثانيهما شعبة الإقليمية الفرعية. كان من أبرز التكتلات الإقليمية نشوء «اتفاق التجارة الحرة الإفريقية الثلاثية لعام 2014 ؟ وذلك انطلاقًا من عدة تكتلات إقليمية فرعية فى شرق إفريقيا ووسطها والجنوب واتحاد غرب إفريقيا. ومن التنظيمات الفرعية: ميركسور فى أمريكا اللاتينية، و«آسيان» ASEAN فى جنوب شرق آسيا، فضلاً عن تجربة (منطقة التجارة الحرة العربية الكبري) بكل مالها وعليها، مما لا يكون موضوعا للبحث هنا. ولا ننسى (نافتا) أى منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. غير أنه من أحدث وأقوى التجمعات الاقتصادية العابرة للأقاليم وأبرزها، اتفاق تجمع «البريكس» المكون أصلاً من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وأنضمت له مصر يناير 2024 ومعها الأمارات وأثيوبيا وإيران وإن كنا لا نرى فى ذلك ما يشير إلى عالم عولمى متكافئ حقًا. أما على مستوى مجموعة الدول الثمانى النامية، كتجمع عابر للأقاليم ومحدود العضوية، ولكى تكون لبنة حقيقية من لبنات عالم مأمول، فإننا نشير الى بضع شذرات على النحو التالي. من حيث المدخل، نشير إلى أهمية تفعيل التجارة المتبادلة والاستثمارات والمشروعات المشتركة، وإيجاد مصادر مأمونة للتمويل الإقراضى والمساعدات التكنولوجية أما من حيث المسار المستقبلى فإنه ينبغى أيضا العمل فى مسارين متوازيين، أولهما بناء قطاعات إنتاجية على أساس نوع من «تقسيم العمل» المتناسب مع مزايا ومعطيات الموارد الإنتاجية لمختلف الدول الأعضاء، خاصة فى المجال التصنيعى والتكنولوجى. وثانيهما، العمل على تسوية المبادلات التجارية بالعملات المحلية، ويعقبها عمل على المشاركة فى الجهود الرامية لخلق أداة تسوية نقدية عالمية لمواجهة احتكار الدولار لهذا الدور، على نحو ما تحاول مجموعة «البريكس».

نجم الدين أربكان.. 14 عاما على رحيل مؤسس الحركة الإسلامية بتركيا
نجم الدين أربكان.. 14 عاما على رحيل مؤسس الحركة الإسلامية بتركيا

الجزيرة

time٢٧-٠٢-٢٠٢٥

  • علوم
  • الجزيرة

نجم الدين أربكان.. 14 عاما على رحيل مؤسس الحركة الإسلامية بتركيا

14 سنة مرت على رحيل رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان ، القائد المؤسس لحركة "الرؤية الوطنية" وأحد أبرز الشخصيات السياسية الإسلامية في تاريخ تركيا. وكرّس أربكان حياته السياسية لتوحيد صفوف المسلمين حول العالم، ونادى بضرورة تحقيق وحدة سياسية وتكنولوجية وثقافية واقتصادية بين الدول الإسلامية، مؤمنا بأن هذه الوحدة هي مفتاح النهضة والتقدم. وكان من أبرز إنجازاته تأسيس مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، والتي قدمها لتكون "وصفة إنقاذ" للعالمين التركي والإسلامي، واضعا نصب عينيه هدف توحيد المسلمين تحت مظلة واحدة. المولد والنشأة وُلد نجم الدين أربكان يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1926، بولاية سينوب شمال تركيا. ونظرا لعمل والده رئيسا لمحكمة الجنايات، تنقل بين عدة مدن خلال طفولته، وبدأ تعليمه الابتدائي في مدرسة الجمهورية بولاية قيصري (وسط البلاد)، وأكمله في مدينة طرابزون المطلة على البحر الأسود (شمال البلاد). وفي عام 1943، أنهى دراسته الثانوية بمدرسة إسطنبول للبنين بتفوق، ليلتحق بعدها بجامعة إسطنبول التقنية، حيث بدأ دراسته مباشرة من السنة الثانية نظرا لتفوقه، وتخرج عام 1948 من كلية الهندسة الميكانيكية، ليبدأ بعدها العمل معيدا في قسم محركات الاحتراق الداخلي بالجامعة نفسها. وفي عام 1951، أتم إيفاده من قِبل جامعة إسطنبول التقنية إلى جامعة آخن التقنية في ألمانيا لإجراء أبحاث علمية، وهو ما شكل نقطة تحول بارزة في حياته. خلال فترة دراسته بألمانيا، أعد 3 أطروحات بحثية، إحداها لنيل درجة الدكتوراه، وذلك في أثناء عمله في مركز البحوث الألماني (DVL)، المتخصص في الأبحاث الخاصة بالجيش الألماني، وهو ما لفت انتباه وزارة الاقتصاد الألمانية إلى إنجازاته العلمية. وفي إطار تلك الدراسات، قدم أربكان تقريرا حول كيفية تقليل استهلاك الوقود في المحركات، كما أعد أطروحة الدكتوراه حول التفسير الرياضي لكيفية احتراق الوقود في محركات الديزل. وبفضل هذه النجاحات، دُعي أربكان للعمل في أكبر مصنع للمحركات في ألمانيا، وهو المصنع المسؤول عن إنتاج محركات دبابات ليوبارد ، حيث عمل مهندسا رئيسيا، وأجرى أبحاثا متقدمة حول محركات الدبابات. أول محرك محلي بعد إطلاق حملة الصناعات الثقيلة استلهم نجم الدين أربكان رؤيته حول حملة التصنيع الثقيل في تركيا من تجربته بألمانيا، وجعل هذا الهدف جزءا أساسيا من مشروعه السياسي تحت مظلة "الرؤية الوطنية". وفي مواجهة الآراء التي كانت تسود آنذاك والتي ادعت أن تركيا غير قادرة على الإنتاج، قرر أربكان عام 1956، إلى جانب مجموعة من زملائه، إنشاء مصنع "غوموش موتور" لإنتاج أول محرك محلي في تركيا. بدأ المصنع بإنتاج محركات ذات أسطوانة واحدة وأسطوانتين، بمعدل استهلاك للديزل أقل من نظيراتها الأوروبية، حيث كان استهلاكها لا يتجاوز 5.5 لترات في الساعة. لاحقا، انتقلت ملكية معظم أسهم المصنع إلى اتحاد مزارعي الشمندر ومصانع السكر، وتم تغيير اسم المصنع إلى "بنجر موتور"، وبدأ الإنتاج المتسلسل في مارس/آذار 1960. من اتحاد الغرف التجارية إلى عالم السياسة وفي عام 1966، عُيّن أربكان رئيسا لدائرة الصناعة في اتحاد الغرف التجارية، ثم أصبح أمينا عاما للاتحاد، قبل أن يُنتخب عضوا في مجلس الإدارة، وبعد عام واحد فاز برئاسة الاتحاد. وخلال هذه الفترة، تزوج من نرمين ساعاتجي أوغلو، وأنجبا 3 أولاد، هم زينب وإليف ومحمد فاتح. لعب أربكان دورا نشطا في دعم رأس المال المحلي، وسعى إلى تعزيز الاستثمار في الأناضول، لكن انتخابات رئاسة اتحاد الغرف التجارية اعتُبرت غير نافذة، وتم الطعن فيها أمام مجلس الدولة، مما أدى إلى إبعاده عن منصبه بقرار من ولاية أنقرة، وهو ما دفعه إلى دخول المعترك السياسي. كل ربيع يبدأ بزهرة عند اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1969، سعى أربكان للترشح عن حزب العدالة، الذي كان من أبرز الأحزاب في تلك الفترة، لكنه لم يُقبل ضمن قائمة الحزب. وبدلا من ذلك، قرر الترشح مستقلا بمدينة قونية، وفاز بمقعد برلماني بعد حصوله على عدد من الأصوات يكفي لانتخاب 3 نواب. وفي أثناء فترة عمله البرلماني عن قونية، واجه انتقادات من بعض السياسيين، في حين وصف البعض نجاحه بالقول "زهرة واحدة لا تصنع الربيع"، فرد عليهم قائلا "نعم، زهرة واحدة لا تصنع الربيع، لكن كل ربيع يبدأ بزهرة". تأسيس حزب النظام الوطني في 26 يناير/كانون الثاني 1970، أسس أربكان بصفته نائبا عن قونية، حزب النظام الوطني بمشاركة 17 من رفاقه. ومنذ تأسيس الحزب تبنى أربكان سياسة مناهضة للرأسمالية والتوجهات الغربية. كما شكلت مواجهة الصهيونية أحد المحاور الرئيسية في خطابه السياسي، وساهم في إبراز القضية الفلسطينية في الساحة السياسية التركية وجعلها موضوعا للنقاش العام. وبوصفه زعيما لحركة "الرؤية الوطنية"، ركز أربكان على مفهوم "الأخلاق أولا، والروح المعنوية"، وسعى إلى ترسيخ هذا المبدأ بين الشباب وأعضاء حزبه من خلال أنشطة حزب النظام الوطني. الدعوة للصلاة في آيا صوفيا أثارت التوجهات السياسية لأربكان ورفاقه اهتمام عديد من الأوساط، خاصة بعد انقلاب 12 مارس/آذار 1971، حيث أُغلق حزب النظام الوطني في مايو/أيار من العام نفسه بتهمة "مخالفة مبادئ العلمانية". وكان من بين الأسباب التي أوردتها المحكمة في قرار إغلاق الحزب، دعوة أربكان في خطاباته العامة إلى إقامة الصلاة في جامع آيا صوفيا (وكان متحفا وقتئذ)، وهو ما اعتُبر تحديا للنظام العلماني. وبعد إغلاق الحزب، لم يتراجع أربكان عن مسيرته السياسية، بل أسس حزب "السلامة الوطني" في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1972، إلى جانب رفاقه السابقين. وتمكن الحزب من تحقيق نجاح ملحوظ في انتخابات عام 1973، حيث حصل على 48 مقعدا في البرلمان، إضافة إلى 3 مقاعد في مجلس الشيوخ، ليصل مجموع ممثليه في البرلمان إلى 51 نائبًا. عقب الانتخابات، أجرى أربكان مفاوضات مع رئيس حزب الشعب الجمهوري وقتها، بولنت أجاويد، وأسفرت هذه المفاوضات عن تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزبين، شغل فيها أربكان منصب نائب رئيس الوزراء. "المجاهد أربكان" ودوره في عملية قبرص في تلك الفترة، تصاعدت قضية جزيرة قبرص لتصبح الشغل الشاغل للساسة الأتراك، وتقدمت على سائر القضايا الداخلية. وخلال هذه الأزمة، لعب أربكان دورا بارزا في دعم العملية العسكرية التي نفذها الجيش التركي في 20 يوليو/تموز 1974، والتي عُرفت باسم "عملية السلام في قبرص"، وبسبب موقفه الحازم تجاه القضية، بدأ يُلقب في الأوساط السياسية بـ"المجاهد أربكان". لكن سرعان ما ظهرت خلافات بينه وبين شريكه في الحكومة بولنت أجاويد بشأن ملف قبرص، مما أدى إلى انهيار الائتلاف الحكومي بين حزب الشعب الجمهوري وحزب السلامة الوطني في 17 سبتمبر/أيلول 1974. رغم ذلك، استمر حزب السلامة الوطني في المشاركة في الحكومات الائتلافية التي تشكلت لاحقا، لكن الساحة السياسية شهدت حالة من الاضطراب، خاصة مع فضائح "حكومة الأحد عشر"، و"سوق النواب"، و"اتفاق فندق كونش"، التي شغلت الرأي العام عام 1978. وبعد انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980 العسكري، أصبح أربكان وحركته السياسية من بين الأهداف الرئيسية للنظام العسكري الجديد، حيث تم تعليق الأنشطة الحزبية وإبعاد عديد من السياسيين عن المشهد السياسي. رحلة السجن كان "تجمّع القدس" -الذي نظمه حزب السلامة الوطني في قونية في السادس من سبتمبر/أيلول 1980- أحد الأسباب التي استند إليها الانقلاب العسكري في قرار حظر الحزب. وخلال هذه المرحلة، أطلق على نضال أربكان السياسي اسم "القضية"، والتي كانت الأساس الذي تربى عليه جيل جديد من السياسيين في تركيا، ليصبح لاحقا من ركائز التغيير السياسي في البلاد. وبعد الانقلاب، احتُجز أربكان لفترة طويلة في مدينة إزمير (غرب)، ثم جرى عرضه على المحاكمة وصدر بحقه حكم بالسجن، ليمضي بعدها 9 أشهر خلف القضبان، لكن خروجه من السجن لم يكن نهاية المطاف، بل بدأ فورا في التخطيط لتأسيس حزب جديد يكمل مسيرته السياسية. تأسيس حزب الرفاه رغم الحظر السياسي المفروض عليه، ساهم أربكان بتأسيس حزب الرفاه يوم 19 يوليو/تموز 1983 ليكون بديلا عن حزب السلامة الوطني الذي تم حله. وتولى أحمد تكدال رئاسة الحزب في البداية، حتى رُفع الحظر السياسي عن أربكان، ليعود بقوة إلى المشهد السياسي وينتخب بالإجماع رئيسا لحزب الرفاه خلال المؤتمر العام الذي عُقد يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 1987. وبعد توليه رئاسة الحزب، ازدادت شعبيته زيادة ملحوظة، خاصة بعد نجاح حزب الرفاه في إدارة البلديات التي فاز بها في الانتخابات المحلية. في هذه المرحلة، بدأت أفكار "الرؤية الوطنية" التي تبناها أربكان تأخذ طابعا عمليا، حيث قدم حزب الرفاه نموذجا جديدا للإدارة المحلية، وحقق نتائج لافتة في انتخابات 27 مارس/آذار 1994، حيث فاز برئاسة بلديات كبرى مثل إسطنبول وأنقرة، إلى جانب عديد من المدن الأخرى. حزب الرفاه يصبح القوة السياسية الأولى خاض أربكان الانتخابات البرلمانية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1991، وعاد إلى البرلمان نائبا عن قونية، لكن الانتصار الأكبر جاء في الانتخابات العامة لعام 1995، عندما حصل الحزب على 21.7% من الأصوات، ليصبح الحزب الأول في تركيا. إعلان دخل أربكان البرلمان مجددا نائبا عن قونية، لكن الرئيس سليمان دميريل رفض تكليفه بتشكيل الحكومة، مما دفع أحزاب اليمين التقليدية، وهما حزبا " الطريق القويم" و" الوطن الأم" إلى تشكيل حكومة ائتلافية لم تستمر سوى 3 أشهر قبل أن تنهار. تولي رئاسة الوزراء أخيرا، كلف الرئيس دميريل نجم الدين أربكان بتشكيل الحكومة، فتوصل إلى اتفاق مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر ، وتمكن من تشكيل الحكومة الـ54، ليصبح رئيسا للوزراء في 28 يونيو/حزيران 1996. وخلال رئاسته للحكومة، ركّز أربكان على تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية، وعمل على تأسيس مجموعة "الدول الثماني" (D-8)، التي جمعت بين 8 دول إسلامية ناشئة، في مبادرة لمواجهة نفوذ القوى الكبرى مثل مجموعة السبع الصناعية. مرحلة 28 فبراير/شباط وانقلاب ما بعد الحداثة أصبحت حكومة نجم الدين أربكان، التي تشكلت بالتحالف مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر، محور الجدل السياسي، حيث وُجهت إليها اتهامات بـ "تهديد النظام". وفي 24 يناير/كانون الثاني 1997، وجه المدعي العام لمحكمة التمييز تحذيرا رسميا إلى حزب الرفاه، وذلك بسبب ظهور أعضاء من الحزب خلال زيارة أربكان إلى قيصري، مرتدين زيًا موحدا وقبعات عسكرية. وبعد حملة إعلامية مكثفة استمرت لعدة أيام، وقع التدخل العسكري الذي عُرف لاحقا باسم "انقلاب 28 فبراير/شباط ما بعد الحداثة"، حيث فرض الجيش قيودا على الحكومة من دون اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة. وكُشف لاحقا أن أربكان، الذي عاد من اجتماع مجلس الأمن القومي في ذلك اليوم متوترا وحزينا، كان قد خطط لإلقاء خطاب إلى الأمة، لكنه قرر إلغاء البث بعد الاجتماع. الاستقالة من رئاسة الحكومة وفي 27 مايو/أيار 1997، رفع المدعي العام لمحكمة التمييز، ورال ساواش، دعوى أمام المحكمة الدستورية للمطالبة بحل حزب الرفاه نهائيا. وفي 30 يونيو/حزيران 1997، قدم نجم الدين أربكان استقالته إلى الرئيس سليمان دميريل، وذلك وفقا لاتفاق التحالف، الذي كان من المفترض أن ينقل رئاسة الحكومة إلى حزب الطريق القويم بقيادة تانسو تشيلر. لكن دميريل لم يُكلف تشيلر بتشكيل الحكومة الجديدة، بل منح هذه المهمة إلى رئيس حزب الوطن الأم، مسعود يلماز، الذي شكل الحكومة الـ55. وبعد ذلك، أصدرت المحكمة الدستورية في 16 يناير/كانون الثاني 1998 قرارا بحل حزب الرفاه ومنع 6 من قادته، بمن فيهم نجم الدين أربكان، من ممارسة السياسة لمدة 5 سنوات. وعلّق أربكان وقتها على هذا القرار قائلا: "هذا القرار ليس سوى نقطة بسيطة في مجرى التاريخ، لا يمكن لهذا القرار أن يؤثر قيد أنملة على حزب الرفاه أو على مبادئه. بل على العكس، الشيء الوحيد الذي سيترتب على هذا القرار هو أن حزب الرفاه سيصل إلى الحكم منفردًا في المستقبل. ومن الواضح تماما أن هذه القضية ستنمو وتتوسع أكثر من أي وقت مضى". تأسيس حزب الفضيلة قبل حظر حزب الرفاه لم ينتظر أعضاء حزب الرفاه صدور قرار حظره، فبادروا في 17 ديسمبر/كانون الأول 1997 إلى تأسيس حزب الفضيلة، ليكون رابع الأحزاب التي تمثل تيار الرؤية الوطنية، وتولى رجائي قوطان رئاسة الحزب. وشهد المؤتمر العام لحزب الفضيلة في 14 مايو/أيار 2000 تنافسا بين جناحين داخل الحزب، أحدهما يعرف بـ"التقليدي" بقيادة رجائي قوطان، والآخر بـ"التجديدي" بقيادة عبد الله غل ، حيث حصل كل منهما على دعم مؤيديه. في تلك الأثناء، رفع المدعي العام لمحكمة التمييز، ورال ساواش، دعوى لحظر حزب الفضيلة أيضا، ليتم حله في 22 يونيو/حزيران 2001 بقرار من المحكمة الدستورية، بناء على الأدلة التي قدمها المدعي العام صبيح قاناد أوغلو، الذي عُين في المنصب بعد تولي أحمد نجدت سيزر رئاسة الجمهورية. وعقب قرار الحظر، علق نجم الدين أربكان على الأمر قائلًا "لقد فقدنا حصاننا، ولكن طريقنا لا يزال مفتوحا". وبعد شهر واحد فقط، أسس أتباع أربكان حزب السعادة، ليكون خامس الأحزاب التي تمثل تيار الرؤية الوطنية. في المقابل، أسس مجموعة من السياسيين المنشقين عن تيار الرؤية الوطنية، بقيادة رجب طيب أردوغان وعبد الله غل، حزب العدالة والتنمية ، الذي فاز في الانتخابات المبكرة عام 2002 وتمكن من تأسيس الحكومة منفردا، بينما لم يتمكن حزب السعادة من تجاوز العتبة الانتخابية ودخل في عزلة سياسية. العودة إلى الساحة السياسية ورئاسة حزب السعادة بعد انتهاء فترة منعه من العمل السياسي التي استمرت 5 سنوات، عاد أربكان إلى قيادة حزب السعادة في مايو/أيار 2003، حيث انتُخب رئيسا للحزب. وفي 30 يناير/كانون الثاني 2004 اضطر أربكان إلى الاستقالة من رئاسة الحزب والتخلي عن عضويته، بعد الحكم عليه بالسجن في القضية المعروفة إعلاميا باسم "قضية التريليون ليرة المفقودة"، التي تتعلق بالمخالفات المالية في حسابات حزب الرفاه. ونظرا لحالته الصحية، تم قبول طلبه بتأجيل تنفيذ العقوبة، وخلال إعادة المحاكمة أبقت المحكمة الجنائية التاسعة في أنقرة على حكم السجن الصادر بحق أربكان لمدة عامين و4 أشهر، لكنها قررت أن يقضي عقوبته في منزله تحت الإقامة الجبرية. وفي 19 أغسطس/آب 2008، أصدر رئيس الجمهورية آنذاك عبد الله غل، عفوا خاصا عن أربكان بسبب "حالته الصحية الدائمة"، مما أدى إلى رفع الإقامة الجبرية عنه. في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2010، انتُخب أربكان مجددا رئيسا لحزب السعادة خلال مؤتمر استثنائي للحزب. وبعد بضعة أشهر، وفي الذكرى الـ14 لانقلاب ما بعد الحداثة (انقلاب 28 فبراير/شباط)، فارق أربكان الحياة في 27 فبراير/شباط 2011، بسبب فشل في الجهاز التنفسي وقصور في القلب. ونُقل جثمانه إلى المقابر في الأول من مارس/آذار 2011، بعد صلاة جنازة مهيبة، أقيمت في مسجد الفاتح بإسطنبول، تنفيذا لوصيته التي طلب فيها عدم إقامة جنازة رسمية له.

نجم الدين أربكان.. مهندس الحركة الإسلامية التركية
نجم الدين أربكان.. مهندس الحركة الإسلامية التركية

الحركات الإسلامية

time٢٧-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الحركات الإسلامية

نجم الدين أربكان.. مهندس الحركة الإسلامية التركية

يلقّبه البعض بـ"مهندس الحركة الإسلاميّة في تركيا". هو الوجه الأبرز بين تيار الإسلام السياسي في تركيا، وصاحب تاريخ سياسي مثير ومتشابك، تنقّل فيه من نائب مستقل، إلى زعيم حزب، فأحزاب، فرئيس حكومة… ذاق النفي والسجن، لم ييأس يوماً من تأسيس الأحزاب التي كان يتمّ حلّها الواحد تلو الآخر من قبل السلطة العلمانيّة (وبقوّة الجيش غالباً)، حتّى بات الملهم للكثير من حركات الإسلام السياسي في تركيا والعالم الإسلامي.. فمن هو هذا الرجل؟ نشأته: ولد نجم الدين أربكان في 29 أكتوبر لعام 1926 في مدينة "سينوب" على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية سنة 1943، ثمّ التحق بكليّة الهندسة الميكانيكيّة في جامعة اسطنبول التقنيّة، وتخرج في عام 1948، وكان متفوّقاً فتمَّ تعيينه معيداً في نفس الكلية. ثمّ أوفد في بعثة إلى ألمانيا في عام 1951، حيث نال في عام 1953 من جامعة آخن شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات. عاد أربكان إلى تركيا حيث تولّى تدريس مادّة المحرّكات في كليّة الهندسة بجامعة إسطنبول التقنيّة منذ العام 1954 إلى العام 1966. كما كان عضوًا بارزًا في حزب العدالة برئاسة سليمان ديميريل (الذي كان زميل صفٍّ له أثناء دراسته الجامعيّة)، وكذلك لمع اسمه كواحد من رجال الصناعة في تركيا بعدما تولى عددًا من المناصب التجارية والاقتصادية خلال عقد الستينيات من القرن الماضي. الظروف السياسيّة حينها: كانت تركيا، تعيش في ظلّ نظام سياسي علماني، يشكّل الجيش القوّة الأساسيّة فيه، فهو المسؤول عن حماية العلمانيّة في الدولة. ورغم انّ الأتاتوركيّين كانوا قد بدأوا يميلون إلى تقبّل المظاهر الإسلاميّة (التي كان قد بالغ الى حد ما في محاربتها أتاتورك وحزبه، حزب الشعب الجمهوري)، خصوصاً بعد إقرار نظام التعدّدية الحزبيّة عام 1945، وظهور أحزاب "محافظة"، إلا أنّ الإسلام كان لا يزال يختبئ في تكايا الدراويش وأحاديث الخلوات، لم يكن يجرؤ أي حزب أن ينتقد العلمانيّة أو ينادي بتطبيق مبادئ الإسلام في الدولة. كانت الأحزاب اليمينيّة "المحافظة" تحظى بتأييد قاعدة شعبيّة "إسلاميّة"، منها الحزب الديمقراطي الذي فاز عام 1950 في الانتخابات، بزعامة عدنان مندريس، وبدأ يسيطر على الحياة السياسيّة في تركيا، إلا أنّ الجيش قام بانقلاب في 28 مايو 1960 (الانقلاب العسكري الأوّل في الجمهوريّة التركيّة) لحماية العلمانيّة في البلاد. وقد أعدم على إثره الزعيم عدنان مندريس وبعض رفاقه. عادت الحياة السياسيّة إلى البلاد عام 1961، وظهر حزب العدالة (الذي انتسب إليه أربكان) بزعامة سليمان ديميريل، الذي اعتبر نفسه امتداداً لرسالة الحزب الديمقراطي. وفي العام 1965 فاز هذا الحزب في الانتخابات وسيطر على الحياة السياسيّة حتى العام 1971، تاريخ الانقلاب العسكري الثاني. أربكان يدخل المعترك السياسي: شكّل خوض نجم الدين أربكان الانتخابات مستقلاً عام 1969، ونجاحه في الانتخابات النيابية عن محافظة قونية، مدخلاً نحو محطة تاريخيّة ومهمّة، في سياق التجاذب والصراع بين العلمانيين والإسلاميين، ألا وهو تأسيس أوّل حزب إسلامي سياسي في تركيا، هو "حزب النظام الوطني" كان أربكان عضواً في حزب العدالة الذي رفض ترشيحه عن قونية في انتخابات عام 1969. فما كان منه إلا الترشّح بصورة مستقلّة والفوز. وكان هذا مشجّعاً له لسحب الورقة الإسلامية من حزب العدالة، وتأسيس حزب النظام الوطني في 26 يناير عام 1970. ويؤكد بيان تأسيس الحزب على الماضي الإسلامي لتركيا، دون ذكر كلمة إسلام (كانت كلمة الإسلام تستبدل بمفاهيم كنظام السعادة، النظام العادل)، لحظر القانون تأسيس أحزاب على أسس دينيّة، ويشدّد الحزب على أنّ الإسلام هذا، أساس ومصدر الحياة والنظام، وكل معرفة وفضيلة، وهو شرط تحرّر ليس تركيا فقط، بل العالم كذلك، وهو بذلك يتعارض مع المفهوم العلماني التقليدي للدولة. وقد تمثّل الحزب في البرلمان من خلال أربكان ونائبين آخرين انتقلا إليه من حزب العدالة هما: حسين آقصاي (أضنة) وعارف حكمت غونه (ريزة). التقسيم الإداري لتركيا حسب المحافظات: لكنّ الحزب لم يعمّر طويلاً، إذ حدث انقلاب 12 مارس 1971، الذي حظر حزب النظام الوطني لمخالفته العلمانيّة. غادر أربكان إلى سويسرا مدة قصيرة، ثمّ عاد ليؤسّس بنفسه الحزب الإسلامي الثاني في تاريخ تركيا، وهو حزب السلامة الوطني، وذلك في أكتوبر 1972. ويشارك الحزب للمرّة الأولى في انتخابات 14 أكتوبر 1973 وينال 11,8 % من الأصوات، أي 48 نائباً من أصل 450. اعتبر ذلك نصراً كبيراً لأنّ أيّاً من الحزبين الآخرين، الشعب الجمهوري (اليساري) والعدالة (اليميني)، لم ينل بمفرده الغالبيّة المطلقة من الأصوات، الأمر الذي يجبرهما على التحالف مع حزب السلامة الوطني للنجاح في تشكيل حكومة جديدة. أي أنّ أربكان تحوّل حزباً- مفتاحاً وعلى هذا، شارك حزب السلامة الوطني للمرّة الأولى في ائتلاف حكومي في تركيا في 26 يناير 1974. تولّى أربكان منصب نائب رئيس الحكومة، التي كان يرأسها زعيم حزب الشعب الجمهوري بولنت أجاويد، وتولّى أتباع أربكان وزارات أساسيّة، مثل الداخليّة والعدل والصناعة. وقد ساهمت مشاركة "الإسلاميين" في السلطة للمرّة الأولى في تعزيز النفوذ الإسلامي على إدارات الدولة وفي الحياة العامّة. وفي عهد هذه الحكومة تمّت عمليّة غزو شمال قبرص، التي ينسب أربكان لنفسه فضل التفكير بها والإعداد لها. حزب الرفاه: تأسّس حزب الرفاه في 19 يوليو 1983. وهو امتداد طبيعي لحزب السلامة الوطني الذي حظر نشاطه، مع غيره من الأحزاب السياسيّة التركيّة، بعد انقلاب 12 سبتمبر 1980، وفيما كانت قيادات حزب السلامة الوطني، وعلى رأسهم نجم الدين أربكان وشوكت قازان وياسين خطيب أوغلو وسواهم، قيد الإقامة الجبريّة أو النفي أو في السجن، تداعى من بقي حرّاً طليقاً من أعضاء الحزب إلى تجميع شملهم والسعي لتأسيس حزب جديد على أنقاض الحزب المحظور. وهكذا ولد الحزب الجديد، حزب الرفاه، بقيادة أحمد تكدال، وبتنسيق مع زعامات السلامة الوطني الممنوعة قانونيّاً من ممارسة النشاط السياسي. لكن بعد رفع الحظر عن نشاط زعماء حزب السلامة الوطني، إلى جانب زعماء الأحزاب السياسيّة الأخرى، مثل بولنت أجاويد وسليمان ديميريل وآلب أرسلان توركيش، في استفتاء وطني جرى عام 1987، عاد نجم الدين أربكان إلى زعامة حزب الرفاه في أكتوبر من عام 1987. شارك حزب الرفاه منذ تأسيسه بفعاليّة في الحياة السياسيّة التركيّة. وإذ لم يتمكّن من المشاركة في الانتخابات النيابيّة العامّة الأولى بعد انقلاب 1980، والتي جرت في 6 نوفمبر 1983 بسبب منعه من ذلك من جانب الانقلابيين العسكريين، إلا أنّه مارس دوره كاملاً في جميع الانتخابات النيابيّة والبلديّة اللاحقة وبدءاً من عام 1984. وتجدر الإشارة إلى أنّ الفوز الكاسح في انتخابات العام 1983 كان من نصيب حزب الوطن الأم، بزعامة طورغوت أوزال، وهو حزب يمينيّ ليبرالي مدعوم من المؤسّسة العسكريّة. وقد طبع هذا الحزب مرحلة الثمانينيّات بطابعه. وقد تمكَّن حزب الرفاه من الحصول على الأغلبيّة البرلمانيّة (185 مقعداً) في الانتخابات النيابية التي جرت في شهر ديسمبر من عام 1996، ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان التركي وعلى الساحة السياسية التركية، حيث حصل حزب الطريق القويم (اليساري) على 135 مقعداً، وحصل حزب الوطن الأم على 133 مقعداً، وحصل اليسار الديمقراطي على 75 مقعداً وتوزعت المقاعد المتبقية وعددها 49 مقعداً على أحزاب أخرى وعلى المستقلين. وبعد هذا الفوز الكاسح الذي حققه حزب "الرفاه" في الانتخابات، شكّل أربكان أوّل حكومة يترأسها إسلاميّ في تركيا، حيث شكَّل ائتلافاً حكوميّاً برئاسته، وبشراكةٍ مع حزب الطريق القويم بزعامة السيدة طانسو تشيللر التي شغلت منصب نائب رئيس. تطوّر أصوات اليمين واليسار والرفاه وآخرون بين عامي 1987 و1995 المؤتمر الخامس لحزب الرفاه: انعقد يوم الأحد في 13 أكتوبر 1996 المؤتمر العام الخامس لحزب الرفاه الإسلامي، منذ ان تأسّس في 19 يوليو من العام 1983. وقد تميّز هذا المؤتمر بالكثير من المظاهر والمؤشرات والمواقف التي تجعل منه مؤتمراً تاريخيّاً بكل معنى الكلمة؛ لقد كان بنظر الكثير من المراقبين مؤتمر "التحوّلات الكبرى" في الحزب على مختلف الأصعدة: ففي قاعة أتاتورك الرياضيّة في أنقرة، حيث انعقد المؤتمر، ارتفعت للمرّة الأولى صورة ضخمة لمؤسّس الجمهوريّة التركيّة العلمانيّة مصطفى كمال أتاتورك، وهذا لم يحدث سابقاً في مؤتمرات الرفاه السابقة. فيما اكتفي برفع اعلام الرفاه وصورة نجم الدين أربكان. وخلفة المنصّة الرئيسيّة كتابة تحمل: "من جديد تركيا عظيمة". وخلال ذلك افتقد الحضور ما كان يميّز المؤتمرات السابقة: الرايات الإسلاميّة الخضر، الكتابات باللغة العربيّة (القرآنيّة خصوصاً)، هتافات التكبير، التي عندما حاولت مجموعة صغيرة المباشرة بها سارع النائب الرفاهي نقدر باش أغميز إلى "قمع" هذه المبادرة بالقول: "لا تقعوا في الفخ!"… كما غابت نهائيّاً شعارات "النظام العادل" الذي يدعو إليه الرفاه، والذي يبطن "النظام الإسلامي" هذا في الشكل، أمّا في المضمون فقد كان التحوّل الكبير في الخطاب الجديد للحزب الذي قدّمه أربكان. ابتعد أربكان بقوّة عن الخطاب الراديكالي الإسلامي الذي عرف عنه وتعاظمت شعبيّته بسببه، فغاب للمرّة الأولى شعار مركزي للرفاه وهو "تحرير القدس"، فيما كان يحضر المؤتمر للمرّة الأولى كذلك ممثّل من السفارة الإسرائيليّة. وتكلّم أربكان بحرارة لافتة عمّن كان يوصف بأنّه "عدوّ الإسلام"، أي أتاتورك، معتبراً أنّ الرفاه هو امتداد للأتاتوركيّة! وهو الذي كان يردّد لو أنّ أتاتورك كان حيّاً لانضمّ إلى حزب الرفاه… باختصار لقد بدا أربكان كمن يريد كسب عطف المؤسّسة العسكريّة وطمأنة الغرب. وقد اعتبر مراقبون أنّ هذه التنازلات الكبيرة التي قدّمها الرفاه هدفها الاحتفاظ بالسلطة التي لطالما سعى إليها. في رئاسة الحكومة: شهد عهد أربكان توقيع أهمّ الاتفاقيّات العسكريّة بين تركيا وإسرائيل، والتي كان يعارضها بشدّة قبل تولّيه الحكومة. كما انقلب أربكان على الكثير من الشعارات التي كان يرفعها فيما يتعلّق بالمسألة الكرديّة والاتحاد الأوروبي والعلاقة مع واشنطن. وفيما أكد أربكان حرصه على عدم المساس بالنظام العلماني، اتسمت سياسته بالبراغماتيّة، فهو سعى إلى الانفتاح بقوة على العالم الإسلامي، وبدأ ولايته بزيارة إلى كلٍّ من ليبيا وإيران، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلادش وماليزيا. يفسّر المراقبون سياسة أربكان على أنّها نتيجة الواقعيّة في التعاطي مع العلمانيّين (شركاءه في الحكومة)، والتفاهم معهم في وقت كان الاتحاد السوفياتي قد انهار، والولايات المتحدة وجّهت عداءها للإسلام، "العدو البديل"، خصوصاً بعد مرحلة الثورة الإسلاميّة في إيران. حزب الفضيلة: وفي عام 1998 تم حظر حزب الرفاه، وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة، منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية، فلجأ إلى المخرج التركي التقليدي ليؤسس حزباً جديداً باسم "حزب الفضيلة" بزعامة أحد معاونيه، وبدأ يديره من خلف الكواليس. لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضاً في عام 2000. ومن جديد يدفع أربكان لتأسيس حزب "السعادة" بزعامة رجائي قوطان، وحينها أيضاً تأسس حزب "العدالة والتنمية" بزعامة تلميذه رجب طيب أردوغان رئيس بلدية إسطنبول. لكن خصوم أربكان من العلمانيين تربصوا به ليجري اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم على الرجل بسنتين سجناً وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاماً. خرج أربكان من العمل السياسي الفعلي، وربما يكون تقدّمه بالعمر أحد الأسباب، لكنّ الزعيم الإسلامي كان يمكن أن يستمر في العمل السياسي إلى النهاية لولا الضغوط الشديدة والمتكررة التي تعرض لها من قبل التيار العلماني، واتخذت أشكالاً مختلفة من الانقلابات العسكرية إلى استخدام القضاء والصحافة، وشقّ صفوف أتباعه الذين لم يجرؤ أحد منهم على تكرار ما قام به زعيمهم. الطابع الديني للعمل السياسي لأربكان: لم يدّع أربيكان يوماً أنّه، بخلاف جميع زعماء الأحزاب الإسلاميّة، رجل دين. كما لم تعرف قيادات الرفاه الأخرى ما يمكن اعتباره، تقليديّاً، رجل دين. وفي ذلك يفترق زعماء حزب الرفاه عن غيرهم من قيادات الأحزاب الإسلاميّة في العالم التي يتزعّمها رجال دين عادةً (الخميني في إيران، حسن البنا في مصر، راشد الغنوشي في تونس) نشأ أربكان في عائلة متديّنة، وتلقّى ثقافته الدينيّة من جامع الفاتح، المحاذي لمنزل أهله، حيث لم يكن في الثلاثينيّات أي مركز يؤمّن مثل هذه الثقافة في تركيا. إلا أنّه عندما شبّ لم يلتحق بكليّة الإلهيّات بجامعة إسطنبول، بل دخل عام 1943 جامعة إسطنبول التقنيّة، وبعد تخرّجه عام 1948 لم يقصد، كما كان يفعل الشبان المسلمون الأتراك آنذك (وما زالوا)، مصر لكي ينال الدكتوراه من جامعة الأزهر، بل تابع دراسته في ألمانيا، في جامعة "آخن"، حيث أنهى دكتوراه بالاختصاص نفسه عالم 1953. لم يتعلّم أربكان حينها اللغة العربيّة بل الألمانيّة، ولم يكن يرتدي جبّة بل بذلة أوروبيّة. وهذا ما ساعده في وجه العلمانيّين في تركيا، إذ لم يكن لشخصيّته أي طابع إسلامي تقليدي، إنّما كان "علمانيّ المهنة والمظهر" وفاته: توفي نجم الدين أربكان في يوم الأحد 27 فبراير 2011، في إحدى مستشفيات أنقرة، عن عمر ناهز 84 عاماً. شيّعه حشدٌ مهيب من الأتراك، وذلك بمشاركة الرئيس التركي عبد الله جول، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وقتها، والذي قطع زيارة رسميّة لأوروبا لحضور جنازة "المعلّم" والمؤسس للحركة الإسلامية الحديثة في تركيا. كما حضر التشييع عدد من الزعماء إسلاميين، منهم المرشد العام السابع لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وقتها محمد مهدي عاكف، وعن حزب النهضة في تونس الشيخ راشد الغنوشي، وممثلون عن حركة حماس، وزعماء إسلاميون، والكثير من العلماء والقيادات الإسلامية في العالم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store