أحدث الأخبار مع #نوستالجيا


البلاد البحرينية
منذ 17 ساعات
- ترفيه
- البلاد البحرينية
خلف القضبان: "فوري" يكشف عن جنة الصداقة والإلهام
يذهب المخرج الإيطالي ماريو مارتوني في فيلمه الجديد "فوري" إلى منطقة شديدة الحساسية، حيث يبرز السجن كمحطة أساسية للاكتشاف وإنعاش النبض الإنساني، من أجل بناء صداقات جديدة وتحفيز الذات على الإبداع في مجال الكتابة، وذلك في ظل ثراء الشخصيات المحيطة. تجدر الإشارة إلى أن قائمة الأفلام التي تُقدم عقوبة السجن كتجربة مُحسّنة للحياة ليست قصيرة، بل هي كثيرة ومتعددة. يأخذنا فيلم ماريو مارتوني الأخير "فوري" إلى حكاية الكاتبة الإيطالية الراحلة غولياردا سابينزا، التي قضت خمسة أيام فقط خلف القضبان في منتصف الخمسينيات من عمرها، بتهمة سرقة مجوهرات صديقتها. خرجت سابينزا من السجن مدّعيةً أنها وجدت قبولًا وتفهمًا أكبر بين زملائها السجناء، مقارنةً بالأوساط الفكرية الإيطالية التي أمضت عقودًا في محاولة اختراقها. وسواء كنتَ على دراية بأعمال سابينزا أم لا – وخارج إيطاليا، فالإجابة الأرجح هي "لا" – يبدو هذا مادةً جيدةً لفيلم سيرة ذاتية مُركّز ومؤثر. لكن فيلم مارتوني المُكرر وغير الخطي والمُملّ يُحاول تقديم شيء أكثر انطباعيةً وشموليةً، بنتائج مُكتومة عاطفيًا، وأحيانًا استغلالية بشكلٍ غريب. بعد سلسلة طويلة من الأفلام الروائية التي عُرضت لأول مرة في البندقية، والتي تأثر العديد منها بالتاريخ والتقاليد الوطنية الإيطالية، ويمكن اعتبارها، من الناحية الدبلوماسية، ذات أهمية محلية بالدرجة الأولى، عاد مارتوني إلى مسابقة كان وإلى العديد من أسواق الأفلام الفنية العالمية، بفيلم "نوستالجيا" لعام 2022، وهو دراما جريمة نابولية رائعة وجذابة، يُعززها حضور النجم بييرفرانشيسكو فافينو. وقد عاد أول فيلم روائي طويل للمخرج البالغ من العمر 65 عامًا منذ ذلك الحين إلى قسم الأفلام الروائية في كان، على الرغم من أنه يبدو وكأنه عودة إلى نوع أقل جاذبية على نطاق واسع. ورغم أن اختيار فاليريا جولينو، المخضرمة في مجال الأفلام الروائية المتميزة، لدور سابينزا يمنح الموزعين العالميين شيئًا يتمسكون به، إلا أن هذه الصورة منعزلة وغامضة سرديًا. يشارك في الفيلم إلى جانب فاليريا جولينو كل من ماتيلدا دي أنجيلس، وإيلودي دي باتريزي، وكورادو فورتينا، وعدد من النجوم. وقد تعاون مارتوني مع أبوليتا دي ماجو في كتابة السيناريو، وصاغ الموسيقى التصويرية فاليريو فيغلار الذي أضاف الكثير من المضامين لأبعاد الفيلم الذي ظل يشتغل على ثيمة الصداقة والكتابة واكتشاف الذات في خضم الأزمات. ويبقى أن نقول، فيلم "فوري" (بالإيطالية: "خارج") هو سينما مشبعة بالحس والنبض الإنساني الشذي والثري. تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الإلكترونية الربحية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الإشارة للمصدر.


الحدث
منذ 3 أيام
- ترفيه
- الحدث
عودة "فورها" بحفل استثنائي: "نوستالجيا فورها" يُعيد أمجاد الزمن الجميل في جدة
بعد غياب طويل، تعود سلسلة حفلات "فورها" لتُشعل أجواء جدة مجددًا بحفل استثنائي يحمل عنوان "نوستالجيا فورها"، والمقرر إقامته في 13 يونيو المقبل في جدة سوبر دوم. تُعد هذه العودة بمثابة رحلة موسيقية عبر الزمن، حيث ستُعيد إلى الأذهان ذكريات الزمن الجميل بمشاركة نخبة من الفنانين والفنانات الذين أثروا الساحة الفنية بأعمالهم الخالدة. ورغم عدم الإعلان عن الأسماء حتى الآن، إلا أن الترقب يزداد يومًا بعد يوم، مع وعود بالكشف عن قائمة النجوم قريبًا. الجهة المنظمة، 4M Events، تُعِدّ لهذا الحدث بعناية فائقة، واعدةً بتجربة فنية لا تُنسى، تجمع بين الحنين إلى الماضي وروعة الحاضر. ومن المتوقع أن يشهد الحفل حضورًا جماهيريًا كبيرًا، خاصةً مع السمعة الطيبة التي اكتسبتها حفلات "فورها" في مواسمها السابقة. وقال حمزة ناصر، المدير التنفيذي لشركة 4M: "نعد الجمهور بحفلة تفوق التوقعات، تُعيد روح الفن الأصيل وتُشعل حنين الذكريات في قلوب الجميع." للبقاء على اطلاع بأحدث المستجدات حول الحفل، يُنصح بمتابعة الحسابات الرسمية لـ "فورها" على منصات التواصل الاجتماعي، حيث سيتم الإعلان عن أسماء الفنانين المشاركين وتفاصيل التذاكر قريبًا. استعدوا لليلة استثنائية تعيد إليكم أجمل الذكريات وتُحيي فيكم شغف الموسيقى الأصيلة.


الرياض
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الرياض
سياقاتلحظة مادلين العابرة
تخيل نفسك تحتسي شايا مع كعكة إسفنجية صغيرة لتنغمس فجأة في طفولتك. هذا ما حدث بالضبط في حلقة مادلين الشهيرة في رواية (البحث عن الزمن المفقود) لمارسيل بروست، هزة حسية تسحب الراوي إلى الوراء عبر سنوات بعيدة كما لو كانت أمس. أخذ مشهد مادلين باعتباره تعبيرا عن النوستالجيا، أو مرض الحنين، لكنه في الحقيقة صورة دقيقة لما يعرف بالذاكرة اللاإرادية، حيث يفتح الطعم أو الرائحة العادية لحظات منسية منذ فترة طويلة، أطلق عليها بروست نفسه الاسترجاع اللاإرادي. في لحظة واحدة، تنفجر نهارات الطفولة، ليعيش ماضيه مرة أخرى في انتباه غير عادي، عندها يتبين كيف للماضي الذي تتفرع جذوره فينا يقفر فجأة ليقتحم لحظتنا المعاصرة. يؤكد العلم الحديث أن رؤية بروست حقيقية وليست وهما أدبيا. يظهر علم الأعصاب أن جزيئات الرائحة تطلق شرارتها مباشرة إلى مراكز الذاكرة العاطفية لدينا عبر منطقة الشم عابرة بسرعة إلى الجهاز الحوفي في المناطق المخصصة للعاطفة والذاكرة. لا عجب أن نفحة شيء مألوف يمكن أن تشعرك فجأة بحياة تغمرك بالعاطفة. يرى علماء النفس أن الذكريات التي تتكون بسبب الروائح تكون أثرى عاطفيا من التي تسببها الحواس الأخرى. في تجربة تلو الأخرى، سوف تجرف الرائحة في وقت مبكر ذكريات أكثف من الصورة أو الكلمة. يبدو الأمر كما لو أن أدمغتنا تؤرشف الذاكرة لتجهز عند الطلب محفزة بالروائح من حولنا. لقد تنبّه الكُتّاب والفلاسفة منذ زمن بعيد إلى ما تختزنه لحظة المادلين من عمق. فرواية بروست، في جوهرها، ليست مجرد سرد لحياة شخصية، بل تأمل طويل في الزمن كما يُستعاد لا كما يُقاس. كان بروست يرى أن الذكريات التي تفاجئنا دون قصد، كذكرى الطفولة التي فجّرها طعم المادلين، دليل على أن الماضي لا يختفي، بل يظل حيًّا في أعماقنا، ينتظر لحظة عابرة كي يظهر من جديد. المفكر الفرنسي بول ريكور رأى في الذاكرة نسيجًا حيًّا يشكّل هوية الإنسان، فالذات كما يرى لا تُبنى على ما نتذكره عن قصد فقط، بل على تلك اللحظات التي تنبع من أعماق اللاوعي، كأنها تكشف لنا عن ذواتنا العميقة. في نهاية المطاف، يضعنا مشهد المادلين أمام فهم مختلف: ليست الذاكرة أرشيفا نستدعيه متى شئنا، بل قوة حية، تتسلل إلى وعينا دون إذن، وتعيد تشكيل حاضرنا بلحظة واحدة. إنها، كما رآها بروست، دليل على أن الزمن عميق لا يسير إلى الأمام فقط، بل يجري فينا، يحمل ماضينا إلى حاضرنا، ويذكّرنا أننا نعيش أكثر مما نظن. في النهاية، يذكرنا مشهد مادلين لبروست أن الوقت شخصي به تتفرد ذواتنا. يمكن لأبواب الماضي الموصدة حولنا أن تفتح فجأة لتدعونا للدخول. في تلك اللحظات، يخرج الطفل بداخلنا من الماضي، ويعيد حياكة أيامنا التي نعيش لحظتها الضائعة.


Independent عربية
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
هلا شقير تبحث عن النقطة المضيئة في صميم الطبيعة
يشتمل معرض هلا شقير على مجموعة كبيرة من الأعمال هي نتاج ثمانية أعوام من العمل، بأسلوب يتقاطع ما بين التجسيد والتجريد، يخاطب الذائقة البصرية المستمدة من الفن الأقلي والتجريد المندمج في آن واحد مع عالم الأشكال والنباتات والكائنات الصغيرة التي تشكل على رغم صغرها قوام الطبيعة ونظامها وجمالها. تتخطى لوحات هلا شقير نوستالجيا التيمة ومسألة هندسة الفراغ، بأسلوبها القائم على الدقة في الرسم بالريشة، وحبر الأكريليك الرقيق على القماش المطلي غالباً بطبقة الجيسو الناعمة. إنها أدوات بسيطة لكنها تملأ المساحة شيئاً فشيئاً بالإيقاع اللوني، وبسحر التناغمات المتأتية من تدرجات اللون الواحد. ما من مخطط مسبق للوحة، بل هناك تجارب وخبرات تتراكم بالحدس واللاوعي. اليد المدربة تعرف طرائقها ومسالكها، اليد تفكر، والفنانة بلا قلق تصغي لنداءات حدسها الذي يقودها إلى عوالم لم تكن لتتخيلها، ويمضي بها بعيداً نحو تحقيق فرديتها المستقرة فكرياً وعاطفياً، على موقف بسيط وعميق: إيجاد السعادة الحقيقية في التمتع بإمضاء وقت يمر من خلال العمل الفني، إنه الفن الذي يملأ الحياة اليومية بشيء من التسكع والتلذذ والإصغاء إلى إيقاع العمل الفني، الذي يشبه الموسيقى الداخلية لعالم الفنانة ونظامها الخاص. النقاط الخضراء في لوحة (خدمة المعرض) هل يعد إمضاء وقت طويل في إنجاز لوحة ميزة نسوية في الفن؟ ربما، إذ يخطر في البال لفائف قماشات هيكات كالان، وطريقتها في الانكباب عليها ساعات طوالاً بأقلامها الملونة، كما لو أنها تحيكها وتطرزها بزخارف هندسية وعضوية. ونتوقف أيضاً عند رسوم لور غريب، الشبيهة بالتخريمات والمطرزات، المستمدة من عالم طفولتها وحاضرها وذكرياتها. ليست المسألة مسألة وقت فحسب، بل أيضاً نوع الفن وخاماته وملامسه المرتبطة بالخياطة والأشغال اليدوية والفنون التطبيقية، التي تمارسها المرأة أكثر من الرجل. يتجلى ذلك بوضوح في سلسلة "ورقيات" هلا شقير، التي سمتها "بلا تفكير" - وهي من روائعها على الحجم الصغير - لما تنطوي عليه من لعب وابتكار وتلقائية في التعاطي مع الورقة البيضاء، المشغولة بألف حيلة وحيلة: رسماً، وتلويناً، ومروراً بالإبرة والخيط، وتخريقاً، وتثقيباً على شبكة مربعات هندسية، حيث تستبدل بالألوان الخيطان، التي تتشابك وتتقاطع على غير هدى، وفق أكثر من احتمال. وحين يخلو التفكير من الهندسة الرياضية يذهب القلم إلى الخيال في استحضار الطبيعة. عالم النقاط يحاكي عنوان معرض هلا شقير المتصل بـ"النقطة"، عالم النقاط في أعمال الفنانة اليابانية يايوي كوساما، من ناحية آلية التكرار التي تعتمد في صوغ الأشكال. إلا أن التكرار لدى شقير ليس تكراراً مرضياً من نوع الهوس البصري والقهري كما هي الحال عند كوساما، بل هو تكرار آلي سعيد ومبهج يتسم بالوعي والاسترسال والتحكم والاستدراج والبداهة والاختراق والتجاوز، فهي "مراقبة واعية بعمق للعالم الطبيعي، حيث تشرق عينها وأفكارها" - على حد تعبير الكاتبة آمي تودمان في مقدمتها عن المعرض - إذ تقول "بأن ثمة آثاراً للهندسة الصامتة والتفاصيل الدقيقة المكررة الموجودة في أعمال الرسامة الأميركية التجريدية والبسيطة أغنيس مارتن، على سبيل المثال، أو اهتمام بالزائل في توازن دقيق مع الاستقرار الهيكلي للمادة، كما هي الحال في أعمال الأميركية المولودة في ألمانيا إيفا هيس. ومع ذلك فإن خصوصية شقير تكمن في اهتمامها الذي لا ينكر بالتكرار، والذي ينطوي على عنصر لا يقهر من الفوضى الفردية والوحشية الرقيقة والإنسان في الآلة، وفي هذا تبتعد بوضوح عن علاقة أكثر صرامة بالبساطة والتكرار والتجريد". تموجات أفقية (خدمة المعرض) تتفرد هلا شقير بأستطيقيا ومنهج يعلوان على التصنيف والجندرية، وإن كان أسلوبها الفني يحمل مفاهيم تجريدية تنبثق من زوايا تأملية، جاءت في أعقاب نقاشات أثارها الفن النسوي في أميركا، وخلفت تأثيرات غير مباشرة على توجهاتها لا سيما خلال إقامتها في نيويورك، حيث دخلت أعمالها في مجموعات بعض المتاحف الأميركية منها متحف لوس أنجليس للفنون. يتميز أسلوب شقير بأنه غائص عميقاً في الفن البصري، إذ بعيداً من الاختناق والتوتر تبدو لوحاتها كأنها تتنفس الهواء وتعوم في فضاء من الأثير اللوني الرقراق، سواء كان تجريداً أم تشبيهاً فالحال ذاتها من الارتماء والشغف في غمار الحركة البطيئة الدؤوبة والروح المنبثقة من أقل الاهتزازات والانزياحات في الخطوط والتدرجات في السلم اللوني. واللوحة في هذا المقام هي عمل يدوي مجهري بارع في ملمسه وتراكيبه الهندسية غير المنتظمة وغير المتكافئة، بحيث لا تضاهيه الآلة، وليس لها أن تقلده، خصوصاً أنه مبني على الجسيمات الصغيرة المرسومة بالريشة بالتتالي والتتابع والنمو المطرد من تلقائه، في سياق العلاقة بين الجزء (الميكروزوم) والكل (الماكروزوم)، وتقوم هذه الفلسفة على فكرة وجود تناظر وانعكاس بين ما هو صغير وما هو كبير، وكأن كل ما في الكون الكبير يتكرر على نحو ما في الكائن الصغير. حبر اكريليك على القماش (خدمة المعرض) الخداع البصري على مشارف عالمها الخاص ثمة أمواج ترغي وتزبد، وخطوط غرافيكية متعرجة على هيئة زيك زاك، كدقات القلب، وورود تتفتح مآقيها على نسائم الصباح، وسلاسل متوالية في مسارات معقدة ومتشابكة، وحزوز وتضاريس وأخاديد وثنايا، كأنها نسيج أو شبكة من شاش رقيق يتمزق، أو كنزة صوف تنفرط خيوطها وتختبئ في جيوبها أحلام طفولة ضائعة. من أي جهة؟ من أي هامش أو فراغ تبدأ الريشة رحلتها؟ حتى تغدو اللوحة كأنها خلايا تتحرك وتتقاطع، أو شاشة أحلام وردية، أو حديقة ربيعية خضراء. لا يمكن للعين أن تلتقط سوى لوحات محبوكة كنسيج رقيق، شفاف، لعوب، مؤلف من دوائر وحلقات وسلاسل ودوامات وأزهار على الأغصان، وعوالم خيالية لما تحت البحار أو في أعماق الغابات أو على مجاري الأنهار حيث الحصى والرمل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لكأن الطبيعة حاضرة في الذهن والعين واللاوعي، حضوراً خفيا يتجلى في الوهم الذي تتلمسه العين في تحولات اللون والشكل معاً. فألوان الباستيل تهيمن على أعمالها: الأخضر والأصفر والأزرق والبنفسجي، فتبدو الألوان شفافة، مخففة من وطأة التناقضات، في تقشف ظاهري يعتمد على طيف لوني واحد أو اثنين. وفي حقول الفن البصري التي تفرشها شقير أمام العين، ما يفسح المجال للحركة أن تنبع من ذاتها، بفعل تطور العلاقة بين الجسيمات الخطية الصغيرة والمدى اللوني. هكذا تبدو سطوح لوحاتها التجريدية متحركة، بل متموجة، بين علو وهبوط، أو اتساع وانكماش. هذه الإثارات تولد أحياناً خداعاً بصرياً ناجماً عن التأمل، كأنها شكل من أشكال التفكير الحر، يتجاوز حدود المشاهدة العابرة، ليغدو تجربة وجودية تعكس العلاقة العميقة بين الذات والعالم.


Independent عربية
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
لهذه الأسباب نحن جيل المثقف السعيد
كل الأشياء العتيقة الجميلة تهاوت، أو أكثرها، وعلى أنقاضها نبتت قيم جديدة مثيرة للتساؤل الفلسفي والسياسي والأخلاقي والجمالي، بعض تلك القيم العتيقة سقطت في مربع الـ"نوستالجيا" وبعضها الآخر وضعت على رفوف المتاحف وبعض انزلق نحو مقبرة النسيان. لهذه الأسباب نحن جيل المثقف السعيد. السعادة نضال وتمرد وشقاء، السعادة عسل الطريق، لا نهايته. نحن جيل المثقف الذي عاش تحت عين معلم محترم مهاب، بطقم وربطة عنق وحذاء ملمع ومحفظة خاصة، نحن جيل كبر في حضور معلمة ترتدي الفستان الملون وتربط شعرها بمشبك بسيط جميل، تمشي وتقف وتجلس بأناقة، تفرض الاحترام بكلامها وصرامتها ودقة مواعيدها. نحن جيل المثقف الذي ترعرع على قراءة الكتب تحت ضوء شمعة تلعب بها الريح القادمة من فراغ تحت الباب اللوحي المنخور. نحن جيل المثقف الذي كبرت عواطفه على انتظار ساعي البريد يمر بالحارة عند الساعة الـ10 أو بعدها بقليل يحمل له رسائل مهربة فيها أشواق العشق وفيها أثر دموع الحبيبة على أطراف الورقة. نحن جيل المثقف الذين تربينا على سقي الماء الشروب على ظهر الحمير من البئر العمومية، وكانت هذه البئر السحرية فضاء لولادة حكايات علاقات اجتماعية وعاطفية مثيرة بيننا نحن الشباب الذكور وبنات الأعمام وبنات العمات وبنات الأخوال وبنات الخالات، كانت ساعة السقي هي ساعة منتظرة، تضرب فيها المواعيد وتدق فيها القلوب. نحن جيل المثقف الذي كان يذهب إلى الحمام العمومي مرة كل أسبوع أو كل 10 أيام، وكان الحمام فضاء لحكايات عن الأجساد والمغامرات الوهمية والحقيقية أيضاً. نحن جيل المثقفين الذين نشأنا على مشاهدة الأفلام الهندية والمصرية والإيطالية المليئة بالممثلات الجميلات وبالرقص والدموع والغناء واللقاءات والفراق، وكبرنا على جهاز الراديو نسمع للإذاعة بصلاة وخشوع، ونعرف ونحب المذيعات والمذيعين من أصواتهم الجميلة المدهشة، نسمع برنامج "ما يطلبه المستمعون" وفيه تقرأ رسائل المستمعين مكتوبة بصدق، فيها إهداء للأغاني بالمناسبات المختلفة كالزواج والخطوبة وأعياد الميلاد والأعياد الدينية والوطنية، في الإذاعة تكبر بعض الأغاني ويروج لها وبشكل طبيعي تصبح أسماء بعض المغنين والمغنيات تشكل جزءاً من حياتنا اليومية، ومن الإذاعة كنا نسمع برامج أدبية مؤثرة شكلت بداية طريقنا نحو الأدب منها "ناشئة الأدب" أو "همسات" أو "الشعر على كل الجبهات" ومن خلالها تعرفنا إلى أسماء أدبية أصبحت لاحقاً نجوماً في الأدب الشعري أو القصصي أو الروائي. نحن جيل الجريدة الورقية، كنا ننتظرها تصل القرية مع وصول أول حافلة على الساعة السادسة صباحاً أو قبل ذلك بقليل، فنسرع عند البقال نخطف نسختنا، لم يكن هناك كشك للجرائد والمطبوعات، بقالية المواد الغذائية تبيع الجرائد، ولم يكن هناك عدد يبيت من دون أن تأخذه يد للقراءة، وكان فصل الشتاء مزعجاً لنا نحن عشاق الجريدة، فحين تسقط الأمطار بغزارة، وكانت الأمطار غزيرة لا تتوقف في الشتاء ليس كمثل هذه الأيام اليابسة، وكان حين يفيض النهر ويخرج عن سريره يتعذر على الحافلة الوصول إلى قريتنا، فنحزن لعدم وصول الجريدة في يومها وفي موعدها، وحين يفتح الطريق وتعود حركة المرور إلى طبيعتها وتصل الحافلة نقتني جريدة البارحة والجريدة الجديدة، ونقرأ العددين أو الثلاثة بشهية. نحن جيل تربى على الذهاب للمكتبة البلدية، التي كانت تحتوي عيون الآداب العالمية والعربية باللغة العربية وبالفرنسية، كنا نقرأ الكتب من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، كانت الروايات جزءاً من حياتنا، يفتخر بعضنا على بعض بالانتهاء من قراءة كتاب، وحين أصبحنا لاحقاً نشتري بعض الكتب من مالنا الخاص الشحيح، وجدنا أنفسنا نعامل هذه الكتب بحنان ورقة ونقرأها بشغف وبطقوس تشبه طقوس الصلاة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) نحن جيل كان يصنف الكاتب في خانة الأنبياء، كانت صورة طه حسين والعقاد وكامو وجبران خليل جبران ونجيب محفوظ، وكذلك أندري جيد وجان سيناك ومحمد ديب وإحسان عبد القدوس ومولود معمري، إلى جانب آسيا جبار وغادة السمان ومارغريت دوراس وغيرها من الأسماء كائنات بأجنحة لا تأكل مما نأكل ولا تشرب مما نشرب، كائنات ورقية أو نصف آلهة. نحن جيل رسم للمثقف صورة خاصة ومحددة (الكاتب والشاعر والقاص والروائي) فجعلنا منه كائناً جبلاً من مادة خارقة، فهو الباشا والخواجة والأستاذ والشيخ والمعلم والمجنون والمتمرد، وكذلك الجريء والمسافر والمقيم وهو القاموس والطريق السالك في الحياة، هو النبي الذي لم يوحَ إليه. نحن جيل كبرنا على مناشير سياسية لأحزاب يسارية ممنوعة، كنا نتبادلها كما تسوق اليوم المحرمات والمخدرات، كنا نغرف من هذا الممنوع الجميل منذ بداية طريقنا فجمعنا ما بين الرومانسية الأدبية والطفولة اليسارية، وكنا نجد في ذلك متعة مغموسة في الخوف وفي التحدي وفي الحلم والمغامرة. لهذه الأسباب أدناه نحن جيل المثقف السعيد أيضاً. اليوم كل شيء تغير، بعد جفاف بئر الأسرار وافتراق بنات العم والخال، وما عاد هناك انتظار لحبيب أو حبيبة، جفت البئر وجف الزمن وذبلت أشجار الانتظار، وافترق الرفاق والخلان ورحلت البنات الجميلات، أصبحن أمهات في بلاد الله الواسعة أو في المهاجر، ها هي الحنفيات تدخل إلى البيوت ومعها فاتورة شركات الماء، وبعد انطفاء نور الشمعة، مدت خيوط الكهرباء ووصل نور المصباح الكهربائي إلى كل الغرف وإلى الرواق وإلى الشارع ومعه فاتورة الكهرباء والغاز، وبين الحين والآخر حديث قلق عن انقطاع التيار والخوف من فساد ما في الثلاجة من دواء ومأكولات ومصبرات، لكن مع ذلك فقدت الحياة كثيراً من متعتها. اختفى ساعي البريد، رسول الحب، وجاء الهاتف العمومي فكنا ننتظر في الطابور كي نهاتف قلباً ينتظر المكالمة بعيداً من عين الرقيب التي لا تنام، ثم جاءت المرسلات الإلكترونية وأصبح لنا عنوان إلكتروني، ثم جاء الإنترنت بوسائل التواصل الاجتماعي فخلقت فوضى عارمة في الحواس وأخلطت أوراق العلاقات، وفقدت العلاقات الاجتماعية والعاطفية كثيراً من صدقها. اليوم على رغم كثرة المدارس والجامعات ما عاد الشباب ينتظر وصول الجريدة الورقية، ولا تثير فيهم أي رغبة أو إحساس، الجميع بالهواتف الذكية بين عقول غير ذكية أو إلا قليلاً. اليوم اختفت سحرية الراديو الذي كنا نستمع إليه بلهفة، أو على الأقل لم تعد هناك برامج أدبية وثقافية جميلة تشد الناس، ولم يعد هناك مسرح إذاعي يجتمع أفراد الأسرة لسماع المسرحيات بشغف ولا نشرات الأخبار بصوت جهوري مدفعي، وهجر المستمع سحر المذياع إلى برودة شاشة الهاتف ليغرق في فيديوهات "تيك توك" و"إنستغرام" و"إكس" و"يوتيوب" وما إلى ذلك من سلع ثقافية استهلاكية معلبة بطريقة مزوقة ومؤثرة، وبردت العواطف وتأججت نار عاطفة الاستهلاك. اليوم اختفى المثقف الذي كان يتجلى في صورة تشبه صورة الأنبياء، لم يعد هناك مثقف مركزي، يشكل رمزية في المحيط الاجتماعي والثقافي القريب والبعيد، باسم دمقرطة المعرفة ودمقرطة وسائل الاتصال والتواصل، أصبح باستطاعة كل واحد أن يدلو بدلوه من دون رقيب أو حسيب معرفي أو أخلاقي. نحن جيل يشهد تراجع صورة المثقف والمبدع المجتهد لمصلحة جيش مما يسمونه بـ "صناع المحتوى" حيث لا محتوى إلا الصخب والشعوذة، وتراجعت صورة المثقف المنتج للاجتهادات الفكرية والخيالية والإبداعية لمصلحة نوع من "المؤثرين" الذين أصبحوا يوجهون المجتمع نحو قيم استهلاكية غير نقدية.