#أحدث الأخبار مع #نيكولاسمييالهيصحيفة الخليج٢٥-٠٤-٢٠٢٥علومصحيفة الخليجعودة الإمبراطوريات في عصر الرقمنةيعيش العالم في المرحلة الراهنة مسارات متعددة من الاتصال، تتجاوز نطاق الاتصال الذي شهده خلال عقود من الزمن، وقد قادت هذه التحولات إلى نشأة وضعيات جيوسياسية جديدة في العلاقات تنتظم حول شتات متعدد من الدول مثل مجموعة البريكس ورابطة دول جنوب آسيا المعروفة اختصاراً ب «أسيان»، ومنظمة شنغهاي في المنطقة الأوراسية التي أضحت رمزاً لبروز دول صاعدة يمرّ عبرها القسم الأكبر من التجارة الدولية. وقد أشار أحد الخبراء الروس إلى أن منظمة شنغهاي قد تكون نواة لتحالف عسكري جديد يهدف إلى مواجهة تمدّد حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق آسيا، كما ذهب محللون آخرون إلى أن النجاح غير المتوقع الذي حققته الصين في التوفيق بين السعودية وإيران، يحمل بعداً رمزياً قوياً يرتبط بحركة الاتصال الجديدة التي يشهدها العالم. ويحدث أهم عنصر من عناصر هذا الاتصال الجديد المتشابك، على مستوى سلاسل التوريد العالمية التي تمثل رهاناً كبيراً بالنسبة لاستقرار وأمن الدول والمجتمعات راهناً ومستقبلاً. وهنا يطرح الكثيرون السؤال المحوري المتعلق بهوية الجهات التي تتحكم في الشبكات اللوجستية، التي كان الإنسان هو المهيمن عليها كلياً، وبدأ الوضع يتغير بشكل تدريجي عندما بدأت تقنيات المعلوماتية توجِّه وتتحكّم في القسم الأكبر من نشاط المعاملات التجارية، بعد أن أصبح الإنسان متعوّداً على الحصول على الكثير من حاجياته من خلال استخدام المنصات الرقمية التي تستجيب لمتطلباته في زمن قياسي، وعليه، فإنه وخلف هذه السهولة في التعامل التجاري، كما يقول المتابعون، نجد سلسلة معقدة مجهولة الهوية وعابرة للأوطان، تتكوّن من مصانع ومنصات للتوزيع وشركات لنقل السلع، متحرِّرة من هيمنة مؤسسات الدول التي تسعى إلى الدفاع عن سيادتها. وتقودنا هذه الوضعيات التي تتحكم فيها شبكات المعلوماتية، إلى الحديث عمّا يسميه البعض ومن بينهم نيكولاس مييالهي بعودة الإمبراطوريات في سياق المقاربة الجيوسياسية للذكاء الاصطناعي، وقد عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأهمية التي أصبح الذكاء الاصطناعي يمثلها بالنسبة للرهانات الجيوسياسية بقوله، أمام طلاب مدارس روس وصحفيين سنة 2017، «من يصبح رائداً في مجال الذكاء الاصطناعي سيكون قائداً للعالم»، وقال إيلون ماسك صاحب «منصة إكس» في السياق نفسه: «إن الصراع بين الأمم من أجل التفوق في الذكاء الاصطناعي من المحتمل أن يتسبّب بنشوب الحرب العالمية الثالثة»، وبالتالي، فإن التطور السريع الحاصل في هذا المجال يجعل من هذا الذكاء أداة قوية على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لأنه يمثل أبرز تجليات الثورة الرقمية، الأمر الذي يجعله يُسهم، بحسب الخبراء، في تحديد توجهات النظام الدولي خلال العقود المقبلة في سياق تسارع ديناميكي في مرحلة تقوم فيها السلطة والتكنولوجيا بدعم بعضهما، بشكل سيُفضي إلى خلق تصورات وعلاقات غير تقليدية بين الأقاليم والمعطيات الزمانية والمكانية. ومن الواضح أنه وفي سياق هذه التحولات الرقمية، تتقاسم الإمبراطوريتان الرقميتان: أمريكا والصين، الهيمنة على العالم وتحدِّدان المسارات الجيوسياسية الدولية خلال السنوات وربما العقود المقبلة، وتفرضان على القوى الأخرى إعادة التفكير في الرهانات المتعلقة بالسيادة الرقمية، خاصة أن الدول الأوروبية، على سبيل المثال، فقدت قدراتها التنافسية على المستوى الرقمي عندما تعاملت مع التقنية الرقمية الأمريكية وكأنها ملكية غربية مشتركة، الأمر الذي حرص الأمريكيون على تفنيده في مناسبات عديدة. ويفرض علينا مسار التحليل بداية، التساؤل مع السيد نيكولاس مييالهي، عن المبرّرات التي تدفعنا للحديث عن الإمبراطوريات الرقمية، وتتطلب الإجابة العودة إلى التصور التاريخي الذي يشير إلى أن الإمبراطوريات تميّزت بثلاثة مبادئ: 1- ممارستها للسلطة على امتداد أقاليم شاسعة، 2- عدم مساواة نسبية بين السلطة المركزية والجهات المتحكّم فيها إدارياً والذي عادة ما يتم تفسيره بوجود إرادة في التوسع، 3- بلورة مشروع سياسي اعتماداً على أشكال متعدّدة من التأثير الاقتصادي والمؤسساتي والأيديولوجي. ومن ثم، فإنه وخلافاً للفكرة الشائعة التي تفترض أن الثورة الرقمية تقود حتماً إلى وضعية من اللامركزية الاقتصادية، فإن الوقائع تثبت، حتى الآن، أن الذكاء الاصطناعي يتسبّب أو على الأقل يُرسِّخ حركة شاملة من مركزية السلطة بين أيدي مجموعة صغيرة من الفاعلين، الأمر الذي يجعل الإمبراطوريات الرقمية تستفيد من اقتصاد قائم على سلّم هرمي ومن وضعيات تتميز بتسارع مسار تركيز القوة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية اعتماداً على ما يقدمه الذكاء الاصطناعي للقوى التي تحتكر عملية الابتكار والتطوير في هذا المجال. وتتحوّل بذلك الإمبراطوريات المُستحدثة إلى أقطاب مهيمنة تتحكم في مجموع الملفات والقضايا الدولية كما هي الحال بالنسبة لأمريكا والصين، بينما تحاول دول أخرى مثل القوى الأوروبية تبنّي استراتيجية «عدم الانحياز». ويمكن أن نستنتج تأسيساً على ما تقدم، أن أهم تجليات مكر التاريخ في الألفية الجديدة، يكمُن في انتقال المجتمع الدولي بعد عقود من نهاية الحرب الباردة من هيمنة إمبراطوريات قائمة على الردع النووي، إلى إمبراطوريات تسعى إلى إخضاع الدول والتحكم في مصير المجتمعات بناء على الذكاء الاصطناعي، الذي سمحت الثورة الرقمية ببلوغه مستويات غير مسبوقة من الدقة والتعقيد يمكنها أن تجعل الدول فاقدة لسيادتها.
صحيفة الخليج٢٥-٠٤-٢٠٢٥علومصحيفة الخليجعودة الإمبراطوريات في عصر الرقمنةيعيش العالم في المرحلة الراهنة مسارات متعددة من الاتصال، تتجاوز نطاق الاتصال الذي شهده خلال عقود من الزمن، وقد قادت هذه التحولات إلى نشأة وضعيات جيوسياسية جديدة في العلاقات تنتظم حول شتات متعدد من الدول مثل مجموعة البريكس ورابطة دول جنوب آسيا المعروفة اختصاراً ب «أسيان»، ومنظمة شنغهاي في المنطقة الأوراسية التي أضحت رمزاً لبروز دول صاعدة يمرّ عبرها القسم الأكبر من التجارة الدولية. وقد أشار أحد الخبراء الروس إلى أن منظمة شنغهاي قد تكون نواة لتحالف عسكري جديد يهدف إلى مواجهة تمدّد حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق آسيا، كما ذهب محللون آخرون إلى أن النجاح غير المتوقع الذي حققته الصين في التوفيق بين السعودية وإيران، يحمل بعداً رمزياً قوياً يرتبط بحركة الاتصال الجديدة التي يشهدها العالم. ويحدث أهم عنصر من عناصر هذا الاتصال الجديد المتشابك، على مستوى سلاسل التوريد العالمية التي تمثل رهاناً كبيراً بالنسبة لاستقرار وأمن الدول والمجتمعات راهناً ومستقبلاً. وهنا يطرح الكثيرون السؤال المحوري المتعلق بهوية الجهات التي تتحكم في الشبكات اللوجستية، التي كان الإنسان هو المهيمن عليها كلياً، وبدأ الوضع يتغير بشكل تدريجي عندما بدأت تقنيات المعلوماتية توجِّه وتتحكّم في القسم الأكبر من نشاط المعاملات التجارية، بعد أن أصبح الإنسان متعوّداً على الحصول على الكثير من حاجياته من خلال استخدام المنصات الرقمية التي تستجيب لمتطلباته في زمن قياسي، وعليه، فإنه وخلف هذه السهولة في التعامل التجاري، كما يقول المتابعون، نجد سلسلة معقدة مجهولة الهوية وعابرة للأوطان، تتكوّن من مصانع ومنصات للتوزيع وشركات لنقل السلع، متحرِّرة من هيمنة مؤسسات الدول التي تسعى إلى الدفاع عن سيادتها. وتقودنا هذه الوضعيات التي تتحكم فيها شبكات المعلوماتية، إلى الحديث عمّا يسميه البعض ومن بينهم نيكولاس مييالهي بعودة الإمبراطوريات في سياق المقاربة الجيوسياسية للذكاء الاصطناعي، وقد عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأهمية التي أصبح الذكاء الاصطناعي يمثلها بالنسبة للرهانات الجيوسياسية بقوله، أمام طلاب مدارس روس وصحفيين سنة 2017، «من يصبح رائداً في مجال الذكاء الاصطناعي سيكون قائداً للعالم»، وقال إيلون ماسك صاحب «منصة إكس» في السياق نفسه: «إن الصراع بين الأمم من أجل التفوق في الذكاء الاصطناعي من المحتمل أن يتسبّب بنشوب الحرب العالمية الثالثة»، وبالتالي، فإن التطور السريع الحاصل في هذا المجال يجعل من هذا الذكاء أداة قوية على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لأنه يمثل أبرز تجليات الثورة الرقمية، الأمر الذي يجعله يُسهم، بحسب الخبراء، في تحديد توجهات النظام الدولي خلال العقود المقبلة في سياق تسارع ديناميكي في مرحلة تقوم فيها السلطة والتكنولوجيا بدعم بعضهما، بشكل سيُفضي إلى خلق تصورات وعلاقات غير تقليدية بين الأقاليم والمعطيات الزمانية والمكانية. ومن الواضح أنه وفي سياق هذه التحولات الرقمية، تتقاسم الإمبراطوريتان الرقميتان: أمريكا والصين، الهيمنة على العالم وتحدِّدان المسارات الجيوسياسية الدولية خلال السنوات وربما العقود المقبلة، وتفرضان على القوى الأخرى إعادة التفكير في الرهانات المتعلقة بالسيادة الرقمية، خاصة أن الدول الأوروبية، على سبيل المثال، فقدت قدراتها التنافسية على المستوى الرقمي عندما تعاملت مع التقنية الرقمية الأمريكية وكأنها ملكية غربية مشتركة، الأمر الذي حرص الأمريكيون على تفنيده في مناسبات عديدة. ويفرض علينا مسار التحليل بداية، التساؤل مع السيد نيكولاس مييالهي، عن المبرّرات التي تدفعنا للحديث عن الإمبراطوريات الرقمية، وتتطلب الإجابة العودة إلى التصور التاريخي الذي يشير إلى أن الإمبراطوريات تميّزت بثلاثة مبادئ: 1- ممارستها للسلطة على امتداد أقاليم شاسعة، 2- عدم مساواة نسبية بين السلطة المركزية والجهات المتحكّم فيها إدارياً والذي عادة ما يتم تفسيره بوجود إرادة في التوسع، 3- بلورة مشروع سياسي اعتماداً على أشكال متعدّدة من التأثير الاقتصادي والمؤسساتي والأيديولوجي. ومن ثم، فإنه وخلافاً للفكرة الشائعة التي تفترض أن الثورة الرقمية تقود حتماً إلى وضعية من اللامركزية الاقتصادية، فإن الوقائع تثبت، حتى الآن، أن الذكاء الاصطناعي يتسبّب أو على الأقل يُرسِّخ حركة شاملة من مركزية السلطة بين أيدي مجموعة صغيرة من الفاعلين، الأمر الذي يجعل الإمبراطوريات الرقمية تستفيد من اقتصاد قائم على سلّم هرمي ومن وضعيات تتميز بتسارع مسار تركيز القوة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية اعتماداً على ما يقدمه الذكاء الاصطناعي للقوى التي تحتكر عملية الابتكار والتطوير في هذا المجال. وتتحوّل بذلك الإمبراطوريات المُستحدثة إلى أقطاب مهيمنة تتحكم في مجموع الملفات والقضايا الدولية كما هي الحال بالنسبة لأمريكا والصين، بينما تحاول دول أخرى مثل القوى الأوروبية تبنّي استراتيجية «عدم الانحياز». ويمكن أن نستنتج تأسيساً على ما تقدم، أن أهم تجليات مكر التاريخ في الألفية الجديدة، يكمُن في انتقال المجتمع الدولي بعد عقود من نهاية الحرب الباردة من هيمنة إمبراطوريات قائمة على الردع النووي، إلى إمبراطوريات تسعى إلى إخضاع الدول والتحكم في مصير المجتمعات بناء على الذكاء الاصطناعي، الذي سمحت الثورة الرقمية ببلوغه مستويات غير مسبوقة من الدقة والتعقيد يمكنها أن تجعل الدول فاقدة لسيادتها.