
عودة الإمبراطوريات في عصر الرقمنة
يعيش العالم في المرحلة الراهنة مسارات متعددة من الاتصال، تتجاوز نطاق الاتصال الذي شهده خلال عقود من الزمن، وقد قادت هذه التحولات إلى نشأة وضعيات جيوسياسية جديدة في العلاقات تنتظم حول شتات متعدد من الدول مثل مجموعة البريكس ورابطة دول جنوب آسيا المعروفة اختصاراً ب «أسيان»، ومنظمة شنغهاي في المنطقة الأوراسية التي أضحت رمزاً لبروز دول صاعدة يمرّ عبرها القسم الأكبر من التجارة الدولية.
وقد أشار أحد الخبراء الروس إلى أن منظمة شنغهاي قد تكون نواة لتحالف عسكري جديد يهدف إلى مواجهة تمدّد حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق آسيا، كما ذهب محللون آخرون إلى أن النجاح غير المتوقع الذي حققته الصين في التوفيق بين السعودية وإيران، يحمل بعداً رمزياً قوياً يرتبط بحركة الاتصال الجديدة التي يشهدها العالم.
ويحدث أهم عنصر من عناصر هذا الاتصال الجديد المتشابك، على مستوى سلاسل التوريد العالمية التي تمثل رهاناً كبيراً بالنسبة لاستقرار وأمن الدول والمجتمعات راهناً ومستقبلاً. وهنا يطرح الكثيرون السؤال المحوري المتعلق بهوية الجهات التي تتحكم في الشبكات اللوجستية، التي كان الإنسان هو المهيمن عليها كلياً، وبدأ الوضع يتغير بشكل تدريجي عندما بدأت تقنيات المعلوماتية توجِّه وتتحكّم في القسم الأكبر من نشاط المعاملات التجارية، بعد أن أصبح الإنسان متعوّداً على الحصول على الكثير من حاجياته من خلال استخدام المنصات الرقمية التي تستجيب لمتطلباته في زمن قياسي، وعليه، فإنه وخلف هذه السهولة في التعامل التجاري، كما يقول المتابعون، نجد سلسلة معقدة مجهولة الهوية وعابرة للأوطان، تتكوّن من مصانع ومنصات للتوزيع وشركات لنقل السلع، متحرِّرة من هيمنة مؤسسات الدول التي تسعى إلى الدفاع عن سيادتها.
وتقودنا هذه الوضعيات التي تتحكم فيها شبكات المعلوماتية، إلى الحديث عمّا يسميه البعض ومن بينهم نيكولاس مييالهي بعودة الإمبراطوريات في سياق المقاربة الجيوسياسية للذكاء الاصطناعي، وقد عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأهمية التي أصبح الذكاء الاصطناعي يمثلها بالنسبة للرهانات الجيوسياسية بقوله، أمام طلاب مدارس روس وصحفيين سنة 2017، «من يصبح رائداً في مجال الذكاء الاصطناعي سيكون قائداً للعالم»، وقال إيلون ماسك صاحب «منصة إكس» في السياق نفسه: «إن الصراع بين الأمم من أجل التفوق في الذكاء الاصطناعي من المحتمل أن يتسبّب بنشوب الحرب العالمية الثالثة»، وبالتالي، فإن التطور السريع الحاصل في هذا المجال يجعل من هذا الذكاء أداة قوية على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لأنه يمثل أبرز تجليات الثورة الرقمية، الأمر الذي يجعله يُسهم، بحسب الخبراء، في تحديد توجهات النظام الدولي خلال العقود المقبلة في سياق تسارع ديناميكي في مرحلة تقوم فيها السلطة والتكنولوجيا بدعم بعضهما، بشكل سيُفضي إلى خلق تصورات وعلاقات غير تقليدية بين الأقاليم والمعطيات الزمانية والمكانية.
ومن الواضح أنه وفي سياق هذه التحولات الرقمية، تتقاسم الإمبراطوريتان الرقميتان: أمريكا والصين، الهيمنة على العالم وتحدِّدان المسارات الجيوسياسية الدولية خلال السنوات وربما العقود المقبلة، وتفرضان على القوى الأخرى إعادة التفكير في الرهانات المتعلقة بالسيادة الرقمية، خاصة أن الدول الأوروبية، على سبيل المثال، فقدت قدراتها التنافسية على المستوى الرقمي عندما تعاملت مع التقنية الرقمية الأمريكية وكأنها ملكية غربية مشتركة، الأمر الذي حرص الأمريكيون على تفنيده في مناسبات عديدة.
ويفرض علينا مسار التحليل بداية، التساؤل مع السيد نيكولاس مييالهي، عن المبرّرات التي تدفعنا للحديث عن الإمبراطوريات الرقمية، وتتطلب الإجابة العودة إلى التصور التاريخي الذي يشير إلى أن الإمبراطوريات تميّزت بثلاثة مبادئ: 1- ممارستها للسلطة على امتداد أقاليم شاسعة، 2- عدم مساواة نسبية بين السلطة المركزية والجهات المتحكّم فيها إدارياً والذي عادة ما يتم تفسيره بوجود إرادة في التوسع، 3- بلورة مشروع سياسي اعتماداً على أشكال متعدّدة من التأثير الاقتصادي والمؤسساتي والأيديولوجي.
ومن ثم، فإنه وخلافاً للفكرة الشائعة التي تفترض أن الثورة الرقمية تقود حتماً إلى وضعية من اللامركزية الاقتصادية، فإن الوقائع تثبت، حتى الآن، أن الذكاء الاصطناعي يتسبّب أو على الأقل يُرسِّخ حركة شاملة من مركزية السلطة بين أيدي مجموعة صغيرة من الفاعلين، الأمر الذي يجعل الإمبراطوريات الرقمية تستفيد من اقتصاد قائم على سلّم هرمي ومن وضعيات تتميز بتسارع مسار تركيز القوة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية اعتماداً على ما يقدمه الذكاء الاصطناعي للقوى التي تحتكر عملية الابتكار والتطوير في هذا المجال. وتتحوّل بذلك الإمبراطوريات المُستحدثة إلى أقطاب مهيمنة تتحكم في مجموع الملفات والقضايا الدولية كما هي الحال بالنسبة لأمريكا والصين، بينما تحاول دول أخرى مثل القوى الأوروبية تبنّي استراتيجية «عدم الانحياز».
ويمكن أن نستنتج تأسيساً على ما تقدم، أن أهم تجليات مكر التاريخ في الألفية الجديدة، يكمُن في انتقال المجتمع الدولي بعد عقود من نهاية الحرب الباردة من هيمنة إمبراطوريات قائمة على الردع النووي، إلى إمبراطوريات تسعى إلى إخضاع الدول والتحكم في مصير المجتمعات بناء على الذكاء الاصطناعي، الذي سمحت الثورة الرقمية ببلوغه مستويات غير مسبوقة من الدقة والتعقيد يمكنها أن تجعل الدول فاقدة لسيادتها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 2 أيام
- العين الإخبارية
«أمريكا أولاً» في أنتاركتيكا.. القطب الجنوبي يدخل «حلبة الصراع»
لم يعد الاهتمام الأمريكي منصبا على غرينلاند والقطب الشمالي فقط، بل يبدو أن بوصلة سياسة «أمريكا أولا» تتجه صوب أنتاركتيكا. ويعد النشاط الصيني والروسي المتنامي في أنتاركتيكا جرس إنذار لأمريكا بأن القارة الجنوبية، التي لطالما اعتُبرت خاملة جيوسياسيًا، مهيأة لمنافسة القوى العظمى. وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت الصين نيتها بناء محطة قطبية جديدة في أنتاركتيكا بالتزامن مع إعلان روسيا نيتها بناء محطة جديدة هناك وترميم أخرى مغلقة منذ فترة طويلة، وإنشاء مطار. وستكون المحطة الصينية الجديدة هي السادسة لها في أنتاركتيكا، إلى جانب المطار الذي بدأت في بنائه عام 2018، وذلك وفق مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية. وتحتفظ روسيا بست محطات نشطة و5 مغلقة، في حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يناير/كانون الثاني 2024 أن محطة فوستوك بالقرب من القطب الجنوبي قد تم تحديثها بنجاح. وبحسب المصدر نفسه فإن بناء وتحديث محطات أنتاركتيكا ليس مجرد مسألة تنافس رمزي أو هيبة وطنية، ففي قارة يجعل مناخها السكن الدائم مستحيلًا، تُعد محطات الأبحاث السبيل الوحيد للدول للحفاظ على وجودها، وإظهار مطالبها الإقليمية، كما تعتبر السبيل للمشاركة في الأنشطة العسكرية رغم قيود معاهدة أنتاركتيكا لعام 1959. مزايا ولمسة أشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة تمتعت دائما بمزايا وجود محطة في القطب الجنوبي، حيث وفرت وصولاً فريدًا للبحث العلمي. كما عززت قيادة واشنطن في دعم معاهدة أنتاركتيكا والنظام الحالي الذي يحكم القارة، ومع ذلك، فإن القيادة الأمريكية هناك تزداد هشاشة. وعند إنشاء معاهدة أنتاركتيكا، لخص وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون فوستر دالاس الهدف منها بأنه منع انتشار منافسة الحرب الباردة إلى القارة القطبية، لكن الصين سعت في العقود الأخيرة، إلى دفع حدود المعاهدة، وفي بعض الحالات تجاوزها، بحسب "فورين بوليسي". وأضفى الاستراتيجيون الصينيون لمسة أنتاركتيكا على عقيدتهم المعروفة "بالاندماج المدني العسكري"، حيث ذكرت طبعة عام 2020 من الكتاب المدرسي العسكري الصيني "علم الاستراتيجية العسكرية"، أن "الاختلاط العسكري المدني هو السبيل الرئيسي للقوى العظمى لتحقيق وجود عسكري قطبي". وكان الرئيس شي جين بينغ نفسه واضحاً بشأن أهمية أنتاركتيكا، فقال في 2014 إن بكين ستسعى إلى "فهم وحماية واستغلال" أنتاركتيكا. فيما أشار تشو تان تشو، مدير الإدارة الصينية للقطب الشمالي والقطب الجنوبي إلى أن المجتمع الدولي يحتاج إلى وقت "للتكيف نفسيًا" مع الوضع الجديد في الشؤون القطبية. وأضاف "فيما يتعلق بأنتاركتيكا.. نحن هنا من أجل إمكانات الموارد وكيفية استخدامها". «لعبة شطرنج» في ظل إصرار الصين المتزايد، على إعادة صياغة القواعد والمعايير التي تحكم السلوك في أنتاركتيكا، يجب أن تقوم واشنطن وغيرها بإعادة تقييم استراتيجي. ويحظر بروتوكول مدريد لمعاهدة أنتاركتيكا، استكشاف واستخراج الطاقة والمعادن بشكل دائم في القارة لكن هناك نظرية غريبة تلقى رواجًا في الأوساط الأكاديمية الصينية تقول إن البروتوكول سينتهي عام 2048. ويمكن حينها بدء الأنشطة الاستخراجية في حين أن الواقع يشير إلى أن البروتوكول سيُعرض للمراجعة فقط. ويمتلئ مجتمع الدراسات الاستراتيجية في بكين بالتكهنات حول فرص الاستغلال المحتملة المتاحة في أنتاركتيكا والمحيط الجنوبي المحيط بها، والذي يُعتقد أنه يحتوي على مخزونات استثنائية من الطاقة والمعادن والأسماك. وقالت آن ماري برادي، الأستاذة في جامعة كانتربري في نيوزيلندا إن الوجود القطبي المتزايد لبكين يتم تفسيرة للصينيين على أنه "جزء من جهود البلاد لتأمين حصة من الموارد القطبية". وأوضح غوه بيكينغ، الأستاذ في جامعة المحيط الصينية، أن "استكشاف الصين للقارة أشبه بلعب الشطرنج.. من المهم أن يكون لديك موقع في اللعبة العالمية.. لا نعرف متى ستبدأ اللعبة، ولكن من الضروري أن يكون لديك موطئ قدم". ومع ذلك، تجنبت واشنطن تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الحيوية فلم تعترض إدارة الرئيس السابق جو بايدن على تفسير بكين الغريب لبروتوكول مدريد أو جهودها لعرقلة الحفاظ على البيئة البحرية في المحيط الجنوبي. كما أنها لم تُجرِ أي تفتيش مفاجئ، وفقًا لما تسمح به معاهدة أنتاركتيكا، لأي محطة صينية أو روسية أو أي محطة أخرى غير أمريكية منذ عام 2020. ولم يُسفر إعادة تركيز الولايات المتحدة، أخيرا على القطب الشمالي عن تخصيص أي موارد إضافية لأنتاركتيكا، وواجه برنامج "قاطع الأمن القطبي"، الذي يقوم به خفر السواحل الأمريكي لإحياء برنامج كاسحات الجليد المُنهك، تأخيرات كبيرة، ولم يتبقَّ سوى كاسحة جليد ثقيلة واحدة في الخدمة حاليًا. استراتيجية شاملة ينبغي على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النظر في استراتيجية أمريكية شاملة لأنتاركتيكا، على غرار استراتيجية القطب الشمالي التي أعلنها ترامب في ولايته الأولى. وستدعم هذه الاستراتيجية وجودًا أمريكيًا قويًا في القارة، بما في ذلك تمويل المحطات الأمريكية الحالية وتحديثها، بالإضافة إلى بناء محطات إضافية لبسط النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء أنتاركتيكا. وستوضح الاستراتيجية أن واشنطن ترفض جهود الصين وروسيا لتقويض الإطار القانوني الدولي القائم الذي يحكم القارة. وينبغي أن تعزز الاستراتيجية دعم واشنطن للمعاهدة والاتفاقيات ذات الصلة مثل بروتوكول مدريد، لكنها ينبغي أن تبدأ أيضًا في تمهيد الطريق لأسوأ السيناريوهات حين تلغي بكين وموسكو معاهدة أنتاركتيكا وبروتوكول مدريد، مما يُعرّض القارة لتوترات جيوسياسية كبيرة. ويجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتحديث محطاتها بسرعة وبناء مواقع استراتيجية إضافية في جميع أنحاء القارة مع إعطاء الأولوية لبناء كاسحات الجليد، بما في ذلك تلك التي تعمل بالطاقة النووية. وكذلك استخدام المسيرات والمركبات تحت الماء من قبل البحرية الأمريكية وخفر السواحل لحماية المصالح الأمريكية في المحيط الجنوبي. ويمكن أن تتلقى وحدات الجيش الأمريكي ومشاة البحرية المتخصصة المُدربة على حرب القطب الشمالي تدريبًا إضافيًا على الظروف الفريدة في أنتاركتيكا. وفي حال انهيار بروتوكول مدريد، يتعين على واشنطن أن تكون مستعدة لإجراء رسم خرائط زلزالية، ومسوحات جيولوجية، واستكشافات محيطية مع الاحتفاظ بالحق في المطالبة المبكرة بالموارد المُحددة وإعلان مناطق اقتصادية واعدة تحيط بالمحطات الأمريكية. كما يجب على واشنطن أن تبدأ في تشكيل تحالف من الدول ذات التفكير المماثل، بما في ذلك الأرجنتين وأستراليا وتشيلي ونيوزيلندا، والتي يمكنها وضع وتنفيذ قواعد الطريق في مناطقها القطبية الجنوبية. aXA6IDIxMi40Mi4xOTQuMTAg جزيرة ام اند امز US


العين الإخبارية
١١-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
بين «كينغال» و«رايدر».. سباق الصواريخ الفرط صوتية يحتدم
تم تحديثه الأحد 2025/5/11 03:47 م بتوقيت أبوظبي تسعى الولايات المتحدة جاهدة للحفاظ على ريادتها في سباق تطوير الصواريخ الفرط صوتية، أحد أكثر الأسلحة تقدماً في العصر الحديث. وفي وقت تتصدر فيه تقنيات أسلحة الجيل السادس عناوين الأخبار، يدور في الخفاء سباق تطوير الصواريخ الفرط صوتية لا يقل أهمية أو تأثيراً على الأمن القومي والدولي، بحسب مجلة "ناشيونال إنترست". تتميز هذه الصواريخ بسرعات هائلة تتجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت، إضافة إلى قدرتها الفريدة على تغيير مسارها أثناء الطيران، مما يجعل مهمة اعتراضها من قبل أنظمة الدفاع الجوي أمراً بالغ الصعوبة، بل يكاد يكون مستحيلاً في بعض الحالات. وأعلنت البحرية الأمريكية، في وقت سابق من هذا الشهر، نجاح اختبار طيران لصاروخ فرط صوتي تقليدي، وهو ما يشكل خطوة مهمة تعزز قدرة الجيش الأمريكي على إطلاق هذا النوع من الأسلحة من البحر، مما يوسع نطاق استخدامه ويزيد من مرونة الردع العسكري. هذا النجاح يؤكد أن الولايات المتحدة تستثمر بشكل مكثف في تطوير هذه التكنولوجيا المتقدمة، التي قد تغير قواعد الاشتباك في الحروب المستقبلية. تكنولوجيا الصواريخ الفرط صوتية: الصواريخ فرط الصوتية ليست مجرد صواريخ سريعة، بل هي أسلحة ذكية تتمتع بقدرة عالية على المناورة، مما يجعلها قادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية التي تعتمد على المسارات الثابتة للصواريخ الباليستية. هذه القدرة على التغيير المستمر لمسار الطيران تعني أن الدفاعات المضادة تواجه صعوبة كبيرة في التنبؤ بمكان ومسار الصاروخ، وبالتالي تصبح فرص اعتراضه ضئيلة للغاية. وهذا يجعلها أداة استراتيجية فعالة يمكن استخدامها في ضرب الأهداف الحساسة بدقة عالية وفي وقت قصير جداً. تتزايد أهمية هذه الأسلحة في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة حول العالم والتي دفعت القوى الكبرى إلى التنافس الشديد على تطوير الصواريخ فرط الصوتية، باعتبارها سلاحاً حاسماً يمكن أن يغير موازين القوى ويمنح من يمتلكه تفوقاً استراتيجياً كبيراً. ما الدول التي تمتلك قدرات فرط صوتية؟ تتوزع القدرات الفرط صوتية حالياً بين عدد من الدول الكبرى، حيث تزعم الصين أنها طورت صاروخاً فرط صوتيا مزوداً بالذكاء الاصطناعي، مصمماً خصيصاً لمواجهة قاذفة الشبح الأمريكية الجديدة B-21 "رايدر". أما روسيا، فهي تسارع وتيرة تطوير صواريخها فرط الصوتية، مثل صاروخ "كينغال" الذي يمكن إطلاقه من مقاتلة ميغ-31، وهو سلاح كشف عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2018، كما أعلنت إيران عن صاروخ فرط صوتي يحمل اسم "فتاح"، ما يبرز توسع نطاق هذه التكنولوجيا إلى خارج الدول التقليدية الكبرى. ورغم وجود العديد من التقنيات الناشئة التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة، فإن الصواريخ الفرط الصوتية تظل الأخطر والأكثر تأثيراً في المشهد العسكري الحالي. لفهم مدى قوة هذه الصواريخ، يمكن مقارنة سرعتها بطائرة SR-71 بلاكبيرد الأمريكية الشهيرة، التي كانت أسرع طائرة في التاريخ بسرعة تصل إلى 3.3 ماخ/ إلا أن الصواريخ فرط الصوتية تتجاوز سرعة هذه الطائرة بأضعاف، حيث تتخطى سرعة 5.0 ماخ، مما يجعلها أسرع بكثير وأصعب في التعقب والاعتراض. هذا الفارق الكبير في السرعة يمنح الصواريخ الفرط صوتية ميزة استراتيجية هائلة، خصوصاً في تنفيذ ضربات دقيقة وسريعة ضد أهداف حيوية. علاوة على السرعة، تتميز هذه الصواريخ بقدرتها على حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية، مما يزيد من خطورتها ويجعلها أداة ردع قوية. بالمقارنة، تستخدم الصواريخ الباليستية العابرة للقارات عادةً للرؤوس النووية ذات المدى البعيد، في حين أن صواريخ الكروز، التي تطير على ارتفاعات منخفضة، أبطأ كثيراً ولا تمتلك نفس القدرة على المناورة والسرعة. هذا يجعل الصواريخ فرط الصوتية فريدة في قدرتها على الجمع بين السرعة والمرونة والدقة. لذلك، تخصص الولايات المتحدة موارد ضخمة لأبحاث وتطوير هذه التكنولوجيا، بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، وضمان التفوق في مواجهة التهديدات المتزايدة من خصومها. ولا يقتصر الأمر على الجانب العسكري فقط، بل يشمل أيضاً التعاون مع حلفاء استراتيجيين لتبادل الخبرات وتطوير أنظمة متقدمة قادرة على مواجهة الصواريخ فرط الصوتية. aXA6IDIwMi41MS41OC40MiA= جزيرة ام اند امز UA


العين الإخبارية
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
«تي-90إم».. هيمنة ميدانية لـ«درع» روسيا الحديدي
تُعتبر دبابة تي-90إم الروسية واحدة من أهم دبابات القتال الرئيسية في العالم التي وصفها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها أفضل مركبة مدرعة حاليًا. تحمل هذه الدبابة اسم "Proryv-3" وتعكس أحدث جهود موسكو لتحديث ترسانتها العسكرية وتعزيز قدراتها القتالية في ظل الصراعات المستمرة، لا سيما في أوكرانيا، بحسب مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية. وتؤكد تصريحات المسؤولين في شركة "روستيخ" الصناعية العسكرية الروسية، أن تي-90إم (T-90M) وغيرها من الدبابات الروسية مثل T-72 B3 M وT-80 BVM تمثل أفضل دبابات القتال المنتجة على نطاق واسع في العالم، وذلك بفضل نظام إنتاج مرن وفعال يمكنه التكيف بسرعة مع متطلبات الميدان. تتميز دبابة تي-90إم بتصميم متطور يجمع بين القوة النارية العالية والحماية المتقدمة، حيث زُودت بمدفع رئيسي عيار 125 ملم قادر على إطلاق قذائف دقيقة عالية السرعة، إضافة إلى أنظمة توجيه وتصويب إلكترونية متقدمة تعتمد على تقنيات الرؤية الليلية والحرارية. كما تحتوي الدبابة على درع "ريليكت" التفاعلي، المصمم لامتصاص صدمات القذائف المضادة للدروع وتقليل اختراقها، مما يزيد من فرص بقائها في ساحة المعركة، إلى جانب طلاء خاص يقلل من احتمالية اكتشافها بالرادارات والصواريخ الموجهة حراريًا. وزودت الدبابة التي تزن نحو 50 طنًا بمحرك ديزل قوي بقدرة 1130 حصانا، مما يمنحها سرعة تصل إلى 70 كيلومترًا في الساعة، مع طاقم مكون من ثلاثة أفراد فقط بفضل نظام التعبئة الذاتي (الأوتولودر) الذي يسمح بمعدل إطلاق نار مرتفع يصل إلى 7 أو 8 قذائف في الدقيقة. كما تشير شركة "روستيخ" إلى أن نظام الإنتاج المرن يسمح بإدخال تعديلات سريعة على التصميم وفقًا للمتطلبات الميدانية، مثل تحسين أنظمة الاتصالات أو إضافة حماية إضافية، ناهيك عن أن الدبابة تُصنع باستخدام مكونات متوافقة مع طرازات سابقة مثل T-72 وT-80، مما يسهل عمليات الصيانة والإمداد. من بين المميزات الأخرى التي تتمتع بها الدبابة كاميرات حرارية من طراز كالينا وأجهزة رؤية ليلية تسمح للطاقم بالرصد والاشتباك في جميع الظروف الجوية، ليلًا أو نهارًا، وكذلك نظام إدارة معركة رقمي يوفر معلومات آنية عن ساحة القتال، ويعزز التنسيق بين الوحدات العسكرية. برغم كل هذه المميزات، يشكل نظام التلقيم الذاتي في تي-90إم عيبًا تصميميًا خطيرًا يعود إلى دبابات الحقبة السوفياتية وبدايات الاتحاد الروسي. حيث يتم تخزين الذخيرة بشكل مضغوط داخل البرج، مما يجعل الدبابة عرضة لخطر انفجار الذخيرة بالكامل في حال اختراق القذيفة المضادة للدروع لحلقة البرج. ويُعرف هذا الخطر بـ"تأثير علبة المفاجآت" (Jack-in-the-box)، حيث يُقذف البرج من فوق الهيكل نتيجة الانفجار. هذا العيب كان واضحًا في دبابات T-72 السابقة، ولا تزال دبابات تي-90إم تعاني منه، ونظرا لعدم وجود تعديلات تصميمية جذرية لمعالجته. وللتقليل من هذا الخطر، لجأ الطاقم في الميدان إلى تركيب أقفاص حماية إضافية تعرف بـ"الدروع السلحفائية"، لكنها حلول مؤقتة لا تعالج المشكلة الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، كشفت المعارك في أوكرانيا عن نقاط ضعف أخرى في تصميم الدبابة، مثل ضعف الحماية في سقف حجرة المحرك وعلبة التروس، مما يجعلها عرضة لهجمات الطائرات الانتحارية والقذائف الخارقة. كما تعرض تكتيكات القتال الروسية التي تعتمد أحيانًا على نشر الدبابات بشكل منفرد أو بدون دعم كافٍ، هذه الدبابات لمخاطر عالية، كما حدث في مواجهة دبابة تي-90إم مع مدرعتين أمريكيتين من طراز برادلي، حيث تمكنت القوات الأوكرانية من إلحاق أضرار كبيرة بالدبابة رغم متانتها. من الناحية الإنتاجية، لا تزال روسيا تعاني من فجوة كبيرة بين عدد الدبابات فالصعوبات الإنتاجية التي تعاني منها روسيا نتيجة العقوبات الاقتصادية الغربية، والتي أثرت على توريد المكونات الرئيسية، تجعل من الصعب على موسكو تلبية الطلب المتزايد على هذه الدبابة. ووفقًا لتقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، فإن إنتاج تي-90إم قبل اندلاع النزاع في أوكرانيا كان محدودًا، حيث لم يتجاوز أربعين دبابة، بينما ارتفع الإنتاج إلى حوالي سبعين دبابة في عام 2023، مع تقديرات متفائلة تشير إلى إمكانية الوصول إلى مئتي دبابة سنويًا في أفضل الظروف. aXA6IDgyLjIzLjI0NS4zIA== جزيرة ام اند امز FR