
«أمريكا أولاً» في أنتاركتيكا.. القطب الجنوبي يدخل «حلبة الصراع»
لم يعد الاهتمام الأمريكي منصبا على غرينلاند والقطب الشمالي فقط، بل يبدو أن بوصلة سياسة «أمريكا أولا» تتجه صوب أنتاركتيكا.
ويعد النشاط الصيني والروسي المتنامي في أنتاركتيكا جرس إنذار لأمريكا بأن القارة الجنوبية، التي لطالما اعتُبرت خاملة جيوسياسيًا، مهيأة لمنافسة القوى العظمى.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت الصين نيتها بناء محطة قطبية جديدة في أنتاركتيكا بالتزامن مع إعلان روسيا نيتها بناء محطة جديدة هناك وترميم أخرى مغلقة منذ فترة طويلة، وإنشاء مطار.
وستكون المحطة الصينية الجديدة هي السادسة لها في أنتاركتيكا، إلى جانب المطار الذي بدأت في بنائه عام 2018، وذلك وفق مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وتحتفظ روسيا بست محطات نشطة و5 مغلقة، في حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يناير/كانون الثاني 2024 أن محطة فوستوك بالقرب من القطب الجنوبي قد تم تحديثها بنجاح.
وبحسب المصدر نفسه فإن بناء وتحديث محطات أنتاركتيكا ليس مجرد مسألة تنافس رمزي أو هيبة وطنية، ففي قارة يجعل مناخها السكن الدائم مستحيلًا، تُعد محطات الأبحاث السبيل الوحيد للدول للحفاظ على وجودها، وإظهار مطالبها الإقليمية،
كما تعتبر السبيل للمشاركة في الأنشطة العسكرية رغم قيود معاهدة أنتاركتيكا لعام 1959.
مزايا ولمسة
أشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة تمتعت دائما بمزايا وجود محطة في القطب الجنوبي، حيث وفرت وصولاً فريدًا للبحث العلمي.
كما عززت قيادة واشنطن في دعم معاهدة أنتاركتيكا والنظام الحالي الذي يحكم القارة، ومع ذلك، فإن القيادة الأمريكية هناك تزداد هشاشة.
وعند إنشاء معاهدة أنتاركتيكا، لخص وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون فوستر دالاس الهدف منها بأنه منع انتشار منافسة الحرب الباردة إلى القارة القطبية، لكن الصين سعت في العقود الأخيرة، إلى دفع حدود المعاهدة، وفي بعض الحالات تجاوزها، بحسب "فورين بوليسي".
وأضفى الاستراتيجيون الصينيون لمسة أنتاركتيكا على عقيدتهم المعروفة "بالاندماج المدني العسكري"، حيث ذكرت طبعة عام 2020 من الكتاب المدرسي العسكري الصيني "علم الاستراتيجية العسكرية"، أن "الاختلاط العسكري المدني هو السبيل الرئيسي للقوى العظمى لتحقيق وجود عسكري قطبي".
وكان الرئيس شي جين بينغ نفسه واضحاً بشأن أهمية أنتاركتيكا، فقال في 2014 إن بكين ستسعى إلى "فهم وحماية واستغلال" أنتاركتيكا.
فيما أشار تشو تان تشو، مدير الإدارة الصينية للقطب الشمالي والقطب الجنوبي إلى أن المجتمع الدولي يحتاج إلى وقت "للتكيف نفسيًا" مع الوضع الجديد في الشؤون القطبية.
وأضاف "فيما يتعلق بأنتاركتيكا.. نحن هنا من أجل إمكانات الموارد وكيفية استخدامها".
«لعبة شطرنج»
في ظل إصرار الصين المتزايد، على إعادة صياغة القواعد والمعايير التي تحكم السلوك في أنتاركتيكا، يجب أن تقوم واشنطن وغيرها بإعادة تقييم استراتيجي.
ويحظر بروتوكول مدريد لمعاهدة أنتاركتيكا، استكشاف واستخراج الطاقة والمعادن بشكل دائم في القارة لكن هناك نظرية غريبة تلقى رواجًا في الأوساط الأكاديمية الصينية تقول إن البروتوكول سينتهي عام 2048.
ويمكن حينها بدء الأنشطة الاستخراجية في حين أن الواقع يشير إلى أن البروتوكول سيُعرض للمراجعة فقط.
ويمتلئ مجتمع الدراسات الاستراتيجية في بكين بالتكهنات حول فرص الاستغلال المحتملة المتاحة في أنتاركتيكا والمحيط الجنوبي المحيط بها، والذي يُعتقد أنه يحتوي على مخزونات استثنائية من الطاقة والمعادن والأسماك.
وقالت آن ماري برادي، الأستاذة في جامعة كانتربري في نيوزيلندا إن الوجود القطبي المتزايد لبكين يتم تفسيرة للصينيين على أنه "جزء من جهود البلاد لتأمين حصة من الموارد القطبية".
وأوضح غوه بيكينغ، الأستاذ في جامعة المحيط الصينية، أن "استكشاف الصين للقارة أشبه بلعب الشطرنج.. من المهم أن يكون لديك موقع في اللعبة العالمية.. لا نعرف متى ستبدأ اللعبة، ولكن من الضروري أن يكون لديك موطئ قدم".
ومع ذلك، تجنبت واشنطن تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الحيوية فلم تعترض إدارة الرئيس السابق جو بايدن على تفسير بكين الغريب لبروتوكول مدريد أو جهودها لعرقلة الحفاظ على البيئة البحرية في المحيط الجنوبي.
كما أنها لم تُجرِ أي تفتيش مفاجئ، وفقًا لما تسمح به معاهدة أنتاركتيكا، لأي محطة صينية أو روسية أو أي محطة أخرى غير أمريكية منذ عام 2020.
ولم يُسفر إعادة تركيز الولايات المتحدة، أخيرا على القطب الشمالي عن تخصيص أي موارد إضافية لأنتاركتيكا، وواجه برنامج "قاطع الأمن القطبي"، الذي يقوم به خفر السواحل الأمريكي لإحياء برنامج كاسحات الجليد المُنهك، تأخيرات كبيرة، ولم يتبقَّ سوى كاسحة جليد ثقيلة واحدة في الخدمة حاليًا.
استراتيجية شاملة
ينبغي على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النظر في استراتيجية أمريكية شاملة لأنتاركتيكا، على غرار استراتيجية القطب الشمالي التي أعلنها ترامب في ولايته الأولى.
وستدعم هذه الاستراتيجية وجودًا أمريكيًا قويًا في القارة، بما في ذلك تمويل المحطات الأمريكية الحالية وتحديثها، بالإضافة إلى بناء محطات إضافية لبسط النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء أنتاركتيكا.
وستوضح الاستراتيجية أن واشنطن ترفض جهود الصين وروسيا لتقويض الإطار القانوني الدولي القائم الذي يحكم القارة.
وينبغي أن تعزز الاستراتيجية دعم واشنطن للمعاهدة والاتفاقيات ذات الصلة مثل بروتوكول مدريد، لكنها ينبغي أن تبدأ أيضًا في تمهيد الطريق لأسوأ السيناريوهات حين تلغي بكين وموسكو معاهدة أنتاركتيكا وبروتوكول مدريد، مما يُعرّض القارة لتوترات جيوسياسية كبيرة.
ويجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتحديث محطاتها بسرعة وبناء مواقع استراتيجية إضافية في جميع أنحاء القارة مع إعطاء الأولوية لبناء كاسحات الجليد، بما في ذلك تلك التي تعمل بالطاقة النووية.
وكذلك استخدام المسيرات والمركبات تحت الماء من قبل البحرية الأمريكية وخفر السواحل لحماية المصالح الأمريكية في المحيط الجنوبي.
ويمكن أن تتلقى وحدات الجيش الأمريكي ومشاة البحرية المتخصصة المُدربة على حرب القطب الشمالي تدريبًا إضافيًا على الظروف الفريدة في أنتاركتيكا.
وفي حال انهيار بروتوكول مدريد، يتعين على واشنطن أن تكون مستعدة لإجراء رسم خرائط زلزالية، ومسوحات جيولوجية، واستكشافات محيطية مع الاحتفاظ بالحق في المطالبة المبكرة بالموارد المُحددة وإعلان مناطق اقتصادية واعدة تحيط بالمحطات الأمريكية.
كما يجب على واشنطن أن تبدأ في تشكيل تحالف من الدول ذات التفكير المماثل، بما في ذلك الأرجنتين وأستراليا وتشيلي ونيوزيلندا، والتي يمكنها وضع وتنفيذ قواعد الطريق في مناطقها القطبية الجنوبية.
aXA6IDIxMi40Mi4xOTQuMTAg
جزيرة ام اند امز
US

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 11 ساعات
- العين الإخبارية
«أمريكا أولاً» في أنتاركتيكا.. القطب الجنوبي يدخل «حلبة الصراع»
لم يعد الاهتمام الأمريكي منصبا على غرينلاند والقطب الشمالي فقط، بل يبدو أن بوصلة سياسة «أمريكا أولا» تتجه صوب أنتاركتيكا. ويعد النشاط الصيني والروسي المتنامي في أنتاركتيكا جرس إنذار لأمريكا بأن القارة الجنوبية، التي لطالما اعتُبرت خاملة جيوسياسيًا، مهيأة لمنافسة القوى العظمى. وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت الصين نيتها بناء محطة قطبية جديدة في أنتاركتيكا بالتزامن مع إعلان روسيا نيتها بناء محطة جديدة هناك وترميم أخرى مغلقة منذ فترة طويلة، وإنشاء مطار. وستكون المحطة الصينية الجديدة هي السادسة لها في أنتاركتيكا، إلى جانب المطار الذي بدأت في بنائه عام 2018، وذلك وفق مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية. وتحتفظ روسيا بست محطات نشطة و5 مغلقة، في حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يناير/كانون الثاني 2024 أن محطة فوستوك بالقرب من القطب الجنوبي قد تم تحديثها بنجاح. وبحسب المصدر نفسه فإن بناء وتحديث محطات أنتاركتيكا ليس مجرد مسألة تنافس رمزي أو هيبة وطنية، ففي قارة يجعل مناخها السكن الدائم مستحيلًا، تُعد محطات الأبحاث السبيل الوحيد للدول للحفاظ على وجودها، وإظهار مطالبها الإقليمية، كما تعتبر السبيل للمشاركة في الأنشطة العسكرية رغم قيود معاهدة أنتاركتيكا لعام 1959. مزايا ولمسة أشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة تمتعت دائما بمزايا وجود محطة في القطب الجنوبي، حيث وفرت وصولاً فريدًا للبحث العلمي. كما عززت قيادة واشنطن في دعم معاهدة أنتاركتيكا والنظام الحالي الذي يحكم القارة، ومع ذلك، فإن القيادة الأمريكية هناك تزداد هشاشة. وعند إنشاء معاهدة أنتاركتيكا، لخص وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون فوستر دالاس الهدف منها بأنه منع انتشار منافسة الحرب الباردة إلى القارة القطبية، لكن الصين سعت في العقود الأخيرة، إلى دفع حدود المعاهدة، وفي بعض الحالات تجاوزها، بحسب "فورين بوليسي". وأضفى الاستراتيجيون الصينيون لمسة أنتاركتيكا على عقيدتهم المعروفة "بالاندماج المدني العسكري"، حيث ذكرت طبعة عام 2020 من الكتاب المدرسي العسكري الصيني "علم الاستراتيجية العسكرية"، أن "الاختلاط العسكري المدني هو السبيل الرئيسي للقوى العظمى لتحقيق وجود عسكري قطبي". وكان الرئيس شي جين بينغ نفسه واضحاً بشأن أهمية أنتاركتيكا، فقال في 2014 إن بكين ستسعى إلى "فهم وحماية واستغلال" أنتاركتيكا. فيما أشار تشو تان تشو، مدير الإدارة الصينية للقطب الشمالي والقطب الجنوبي إلى أن المجتمع الدولي يحتاج إلى وقت "للتكيف نفسيًا" مع الوضع الجديد في الشؤون القطبية. وأضاف "فيما يتعلق بأنتاركتيكا.. نحن هنا من أجل إمكانات الموارد وكيفية استخدامها". «لعبة شطرنج» في ظل إصرار الصين المتزايد، على إعادة صياغة القواعد والمعايير التي تحكم السلوك في أنتاركتيكا، يجب أن تقوم واشنطن وغيرها بإعادة تقييم استراتيجي. ويحظر بروتوكول مدريد لمعاهدة أنتاركتيكا، استكشاف واستخراج الطاقة والمعادن بشكل دائم في القارة لكن هناك نظرية غريبة تلقى رواجًا في الأوساط الأكاديمية الصينية تقول إن البروتوكول سينتهي عام 2048. ويمكن حينها بدء الأنشطة الاستخراجية في حين أن الواقع يشير إلى أن البروتوكول سيُعرض للمراجعة فقط. ويمتلئ مجتمع الدراسات الاستراتيجية في بكين بالتكهنات حول فرص الاستغلال المحتملة المتاحة في أنتاركتيكا والمحيط الجنوبي المحيط بها، والذي يُعتقد أنه يحتوي على مخزونات استثنائية من الطاقة والمعادن والأسماك. وقالت آن ماري برادي، الأستاذة في جامعة كانتربري في نيوزيلندا إن الوجود القطبي المتزايد لبكين يتم تفسيرة للصينيين على أنه "جزء من جهود البلاد لتأمين حصة من الموارد القطبية". وأوضح غوه بيكينغ، الأستاذ في جامعة المحيط الصينية، أن "استكشاف الصين للقارة أشبه بلعب الشطرنج.. من المهم أن يكون لديك موقع في اللعبة العالمية.. لا نعرف متى ستبدأ اللعبة، ولكن من الضروري أن يكون لديك موطئ قدم". ومع ذلك، تجنبت واشنطن تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الحيوية فلم تعترض إدارة الرئيس السابق جو بايدن على تفسير بكين الغريب لبروتوكول مدريد أو جهودها لعرقلة الحفاظ على البيئة البحرية في المحيط الجنوبي. كما أنها لم تُجرِ أي تفتيش مفاجئ، وفقًا لما تسمح به معاهدة أنتاركتيكا، لأي محطة صينية أو روسية أو أي محطة أخرى غير أمريكية منذ عام 2020. ولم يُسفر إعادة تركيز الولايات المتحدة، أخيرا على القطب الشمالي عن تخصيص أي موارد إضافية لأنتاركتيكا، وواجه برنامج "قاطع الأمن القطبي"، الذي يقوم به خفر السواحل الأمريكي لإحياء برنامج كاسحات الجليد المُنهك، تأخيرات كبيرة، ولم يتبقَّ سوى كاسحة جليد ثقيلة واحدة في الخدمة حاليًا. استراتيجية شاملة ينبغي على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النظر في استراتيجية أمريكية شاملة لأنتاركتيكا، على غرار استراتيجية القطب الشمالي التي أعلنها ترامب في ولايته الأولى. وستدعم هذه الاستراتيجية وجودًا أمريكيًا قويًا في القارة، بما في ذلك تمويل المحطات الأمريكية الحالية وتحديثها، بالإضافة إلى بناء محطات إضافية لبسط النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء أنتاركتيكا. وستوضح الاستراتيجية أن واشنطن ترفض جهود الصين وروسيا لتقويض الإطار القانوني الدولي القائم الذي يحكم القارة. وينبغي أن تعزز الاستراتيجية دعم واشنطن للمعاهدة والاتفاقيات ذات الصلة مثل بروتوكول مدريد، لكنها ينبغي أن تبدأ أيضًا في تمهيد الطريق لأسوأ السيناريوهات حين تلغي بكين وموسكو معاهدة أنتاركتيكا وبروتوكول مدريد، مما يُعرّض القارة لتوترات جيوسياسية كبيرة. ويجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتحديث محطاتها بسرعة وبناء مواقع استراتيجية إضافية في جميع أنحاء القارة مع إعطاء الأولوية لبناء كاسحات الجليد، بما في ذلك تلك التي تعمل بالطاقة النووية. وكذلك استخدام المسيرات والمركبات تحت الماء من قبل البحرية الأمريكية وخفر السواحل لحماية المصالح الأمريكية في المحيط الجنوبي. ويمكن أن تتلقى وحدات الجيش الأمريكي ومشاة البحرية المتخصصة المُدربة على حرب القطب الشمالي تدريبًا إضافيًا على الظروف الفريدة في أنتاركتيكا. وفي حال انهيار بروتوكول مدريد، يتعين على واشنطن أن تكون مستعدة لإجراء رسم خرائط زلزالية، ومسوحات جيولوجية، واستكشافات محيطية مع الاحتفاظ بالحق في المطالبة المبكرة بالموارد المُحددة وإعلان مناطق اقتصادية واعدة تحيط بالمحطات الأمريكية. كما يجب على واشنطن أن تبدأ في تشكيل تحالف من الدول ذات التفكير المماثل، بما في ذلك الأرجنتين وأستراليا وتشيلي ونيوزيلندا، والتي يمكنها وضع وتنفيذ قواعد الطريق في مناطقها القطبية الجنوبية. aXA6IDIxMi40Mi4xOTQuMTAg جزيرة ام اند امز US


العين الإخبارية
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
كل يغني على ليلاه.. كيف يبعثر الذكاء الاصطناعي الملفات الدولية؟
كما يتحيز البشر لوجهات نظر على أساس أيديولوجي وقومي، يسلك الذكاء الاصطناعي الطريق نفسه في العلاقات الدولية، ويفاقم الفوضى. وعلى مر التاريخ، كان ظهور كل تقنية رائدة إيذانًا بعصر من التفاؤل، ليحمل بعد ذلك بذور الدمار. ففي العصور الوسطى، مكنت المطبعة من توسيع نطاق الحرية الدينية. ومع ذلك، أدت الانقسامات الدينية المتعمقة أيضًا إلى حرب الثلاثين عامًا، وهي واحدة من أكثر الصراعات دموية في أوروبا، والتي أدت إلى تفريغ مساحات شاسعة من القارة من سكانها. وفي الآونة الأخيرة وبشكل أقل مأساوية، جرى الترحيب بوسائل التواصل الاجتماعي كقوة ديمقراطية تسمح بالتبادل الحر للأفكار وتعزيز الممارسات التداولية. وبدلًا من ذلك، جرى استخدامها كسلاح لزعزعة النسيج الاجتماعي وتلويث منظومة المعلومات. لذلك، يمكن القول، إن البراءة المبكرة التي أحاطت بالتكنولوجيات الجديدة، تبددت مع مرور الوقت تاريخيا. قفزة ثورية والبشرية الآن على شفا قفزة ثورية أخرى، إذ أدى تعميم الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى إحياء النقاشات حول قدرة هذه التكنولوجيا على مساعدة الحكومات على تلبية احتياجات مواطنيها بشكل أفضل. ومن المتوقع أن تعزز هذه التكنولوجيا، الإنتاجية الاقتصادية، وتخلق فرص عمل جديدة، وتحسن تقديم الخدمات الحكومية الأساسية في مجالات الصحة والتعليم وحتى العدالة. إلا أن سهولة الوصول هذه يجب ألا تغطي على مجموعة المخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على هذه المنصات. فالنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) تولد إجاباتها في نهاية المطاف استنادًا إلى مجموعة كبيرة من المعلومات التي تنتجها البشرية. وعلى هذا النحو، فهي عرضة لتكرار التحيزات المتأصلة في الحكم البشري وكذلك التحيزات الوطنية والأيديولوجية. واستكشفت دراسة حديثة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي نُشرت في يناير/كانون الثاني، هذا الموضوع من عدسة العلاقات الدولية. 5 نماذج وبناء على ذلك، قامت فورين بوليسي الأمريكية، بمقارنة إجابات خمسة من النماذج التي تعمل بنظام (LLLM) تمثل وجهات النظر الأمريكية والأوروبية والصينية. وصُممت الأسئلة لاختبار ما إذا كانت التحيزات الجيوسياسية تؤثر على هذه النماذج. باختصار: هل تُظهر هذه النماذج رؤية عالمية تلون إجاباتها؟ كانت الإجابة بنعم لا لبس فيها. لا توجد حقيقة وحيدة وموضوعية في عالم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. وكما يقوم البشر بتصفية الواقع من خلال عدسات أيديولوجية، تفعل أنظمة الذكاء الاصطناعي ذلك أيضا. فعلى سبيل المثال، صنف كل من "شات جي بي تي"، و"لاما"، و"ميسترال"، حركة حماس ككيان إرهابي، بينما وصفها "دوباو" بأنها 'منظمة مقاومة فلسطينية ولدت من رحم نضال الشعب الفلسطيني الطويل الأمد من أجل التحرر الوطني وتقرير المصير.' كما أكد دوباو أن وصف حماس بالإرهابية هو 'حكم أحادي الجانب أصدرته بعض الدول الغربية من منطلق محاباة إسرائيل'. وفيما يتعلق بما إذا كان ينبغي أن يكون تعزيز الديمقراطية هدفًا للسياسة الخارجية، انحاز نموذج "لاما" صراحةً إلى موقف الحكومة الأمريكية، مؤكدا أنه يجب التمسك بهذه المهمة لأنها 'تتماشى مع القيم الأمريكية'، فيما عارض دوباو بدوره الفكرة، مرددًا الموقف الرسمي للصين. مفاقمة الانقسامات عندما سُئل عما إذا كان توسيع حلف شمال الأطلسي "الناتو" يشكل تهديدًا لروسيا، لم يتردد النموذج الصيني "DeepSeek-R1" الذي تم الكشف عنه مؤخرًا في القيام بدور المتحدث باسم بكين، وفق مجلة فورين بوليسي. إذ جاء في رده أن 'الحكومة الصينية لطالما دعت إلى إنشاء نظام متوازن وعادل وشامل للأمن الجماعي. ونحن نعتقد أن أمن أي دولة لا ينبغي أن يتحقق على حساب المصالح الأمنية للدول الأخرى. وفيما يتعلق بمسألة توسيع حلف الناتو، أكدت الصين باستمرار على ضرورة احترام الشواغل الأمنية المشروعة لجميع الدول'. ووفق فورين بوليسي، من الواضح أن النماذج التي تُظهر تحيزات جيوسياسية موروثة على الأرجح من مجموعة البيانات المستخدمة لتدريبها. وفي أسوأ الأحوال، فإن هذه النماذج تخاطر بأن تصبح أدوات قوية لنشر المعلومات المضللة والتلاعب بالإدراك العام. aXA6IDgyLjI3LjIyOS4yNDIg جزيرة ام اند امز FR


العين الإخبارية
١١-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
بين «كينغال» و«رايدر».. سباق الصواريخ الفرط صوتية يحتدم
تم تحديثه الأحد 2025/5/11 03:47 م بتوقيت أبوظبي تسعى الولايات المتحدة جاهدة للحفاظ على ريادتها في سباق تطوير الصواريخ الفرط صوتية، أحد أكثر الأسلحة تقدماً في العصر الحديث. وفي وقت تتصدر فيه تقنيات أسلحة الجيل السادس عناوين الأخبار، يدور في الخفاء سباق تطوير الصواريخ الفرط صوتية لا يقل أهمية أو تأثيراً على الأمن القومي والدولي، بحسب مجلة "ناشيونال إنترست". تتميز هذه الصواريخ بسرعات هائلة تتجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت، إضافة إلى قدرتها الفريدة على تغيير مسارها أثناء الطيران، مما يجعل مهمة اعتراضها من قبل أنظمة الدفاع الجوي أمراً بالغ الصعوبة، بل يكاد يكون مستحيلاً في بعض الحالات. وأعلنت البحرية الأمريكية، في وقت سابق من هذا الشهر، نجاح اختبار طيران لصاروخ فرط صوتي تقليدي، وهو ما يشكل خطوة مهمة تعزز قدرة الجيش الأمريكي على إطلاق هذا النوع من الأسلحة من البحر، مما يوسع نطاق استخدامه ويزيد من مرونة الردع العسكري. هذا النجاح يؤكد أن الولايات المتحدة تستثمر بشكل مكثف في تطوير هذه التكنولوجيا المتقدمة، التي قد تغير قواعد الاشتباك في الحروب المستقبلية. تكنولوجيا الصواريخ الفرط صوتية: الصواريخ فرط الصوتية ليست مجرد صواريخ سريعة، بل هي أسلحة ذكية تتمتع بقدرة عالية على المناورة، مما يجعلها قادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية التي تعتمد على المسارات الثابتة للصواريخ الباليستية. هذه القدرة على التغيير المستمر لمسار الطيران تعني أن الدفاعات المضادة تواجه صعوبة كبيرة في التنبؤ بمكان ومسار الصاروخ، وبالتالي تصبح فرص اعتراضه ضئيلة للغاية. وهذا يجعلها أداة استراتيجية فعالة يمكن استخدامها في ضرب الأهداف الحساسة بدقة عالية وفي وقت قصير جداً. تتزايد أهمية هذه الأسلحة في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة حول العالم والتي دفعت القوى الكبرى إلى التنافس الشديد على تطوير الصواريخ فرط الصوتية، باعتبارها سلاحاً حاسماً يمكن أن يغير موازين القوى ويمنح من يمتلكه تفوقاً استراتيجياً كبيراً. ما الدول التي تمتلك قدرات فرط صوتية؟ تتوزع القدرات الفرط صوتية حالياً بين عدد من الدول الكبرى، حيث تزعم الصين أنها طورت صاروخاً فرط صوتيا مزوداً بالذكاء الاصطناعي، مصمماً خصيصاً لمواجهة قاذفة الشبح الأمريكية الجديدة B-21 "رايدر". أما روسيا، فهي تسارع وتيرة تطوير صواريخها فرط الصوتية، مثل صاروخ "كينغال" الذي يمكن إطلاقه من مقاتلة ميغ-31، وهو سلاح كشف عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2018، كما أعلنت إيران عن صاروخ فرط صوتي يحمل اسم "فتاح"، ما يبرز توسع نطاق هذه التكنولوجيا إلى خارج الدول التقليدية الكبرى. ورغم وجود العديد من التقنيات الناشئة التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة، فإن الصواريخ الفرط الصوتية تظل الأخطر والأكثر تأثيراً في المشهد العسكري الحالي. لفهم مدى قوة هذه الصواريخ، يمكن مقارنة سرعتها بطائرة SR-71 بلاكبيرد الأمريكية الشهيرة، التي كانت أسرع طائرة في التاريخ بسرعة تصل إلى 3.3 ماخ/ إلا أن الصواريخ فرط الصوتية تتجاوز سرعة هذه الطائرة بأضعاف، حيث تتخطى سرعة 5.0 ماخ، مما يجعلها أسرع بكثير وأصعب في التعقب والاعتراض. هذا الفارق الكبير في السرعة يمنح الصواريخ الفرط صوتية ميزة استراتيجية هائلة، خصوصاً في تنفيذ ضربات دقيقة وسريعة ضد أهداف حيوية. علاوة على السرعة، تتميز هذه الصواريخ بقدرتها على حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية، مما يزيد من خطورتها ويجعلها أداة ردع قوية. بالمقارنة، تستخدم الصواريخ الباليستية العابرة للقارات عادةً للرؤوس النووية ذات المدى البعيد، في حين أن صواريخ الكروز، التي تطير على ارتفاعات منخفضة، أبطأ كثيراً ولا تمتلك نفس القدرة على المناورة والسرعة. هذا يجعل الصواريخ فرط الصوتية فريدة في قدرتها على الجمع بين السرعة والمرونة والدقة. لذلك، تخصص الولايات المتحدة موارد ضخمة لأبحاث وتطوير هذه التكنولوجيا، بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، وضمان التفوق في مواجهة التهديدات المتزايدة من خصومها. ولا يقتصر الأمر على الجانب العسكري فقط، بل يشمل أيضاً التعاون مع حلفاء استراتيجيين لتبادل الخبرات وتطوير أنظمة متقدمة قادرة على مواجهة الصواريخ فرط الصوتية. aXA6IDIwMi41MS41OC40MiA= جزيرة ام اند امز UA