منذ يوم واحد
لندن تخسر أثرياءَها.. موجة نزوح بعد إلغاء الامتياز الضريبي الشهير
في تحول اقتصادي أثار الكثير من الجدل، ألغت الحكومة البريطانية خلال أبريل 2025 امتياز "غير المقيم لأغراض ضريبية" المعروف باسم non-dom، والذي سمح لنحو 74 ألف مقيم أجنبي بدفع الضرائب فقط على الدخل المكتسب داخل المملكة، مع إعفاء كامل للأرباح الخارجية ما لم يتم تحويلها إلى بريطانيا.
وكانت الحكومة تأمل في تحصيل ما يصل إلى 45 مليار دولار بحلول عام 2030 من خلال هذه الخطوة، لتمويل مشاريع البنية التحتية وخفض الدين العام.
لكن النتائج الأولية جاءت عكسية، إذ سجلت البلاد موجة نزوح جماعي لعدد كبير من أصحاب الثروات، ممن فضّلوا نقل إقاماتهم نحو وجهات ضريبية أكثر مرونة مثل دبي، إيطاليا وسويسرا.
ومن أبرز الأسماء التي غادرت بريطانيا بعد إلغاء الامتياز، رجل الأعمال المصري ناصف ساويرس، شريك ملكية نادي أستون فيلا الإنجليزي، الذي نقل محل إقامته رسميًا إلى إيطاليا، مستفيدًا من نظام ضريبي يتيح للمغتربين دفع رسم سنوي ثابت على الدخل الأجنبي.
كما غادر الملياردير الألماني كريستيان أنغرمير، المعروف باستثماراته في العملات الرقمية، العاصمة لندن متجهًا إلى سويسرا، حيث الضرائب أقل على الثروات.
وفي مثال آخر، قررت المستثمرة الكندية آن كابلان مول هولاند وزوجها مغادرة بريطانيا رغم استثمارها نحو 20 مليون دولار في ترميم قلعة تاريخية وتحويلها إلى مشروع سياحي، وتوظيف نحو 100 شخص، وقد اختارت الانتقال إلى إيطاليا حيث تدفع ضريبة سنوية مقطوعة توازي 230 ألف دولار.
والانعكاسات لم تتأخر على السوق العقارية في لندن، إذ أظهرت بيانات شركة نايت فرانك انخفاض مبيعات المنازل الفاخرة التي تتجاوز قيمتها عشرة ملايين دولار بنسبة 37% خلال الربع الأول من العام، إلى أدنى مستوى منذ عقد، وصرّح ستيوارت بيلي، مدير مبيعات العقارات الفاخرة، أن إتمام الصفقات بات يستغرق أسابيع بعد أن كان يُنجز خلال أيام، مشيرًا إلى تراجع عائدات الضرائب ورسوم الدمغة المرتبطة بتلك الصفقات.
تحركات الأثرياء بين العواصم بعد إلغاء الامتياز
جاء قرار إلغاء non-dom استجابة لضغوط سياسية من أحزاب يسارية طالبت بزيادة الضرائب على الأغنياء كوسيلة لتحقيق العدالة وتقليص الفجوة الاقتصادية. لكن في المقابل، يحذّر خبراء الضرائب من أن بريطانيا تخسر بهذا القرار نخبة المستثمرين، ووصف بعضهم الخطوة بأنها طاردة "لصنّاع الوظائف وأصحاب الإنفاق الكبير".
باسم حيدر، رجل الأعمال اللبناني-النيجيري
كما أشاروا إلى أن الأثرياء باتوا أكثر قدرة على التنقل بين العواصم، واختيار مدن مثل دبي وموناكو وروما التي تقدم حوافز ضريبية تنافسية، بل إن بعضهم بدأ بالفعل تصفية أصوله في لندن، كما فعل باسم حيدر، رجل الأعمال اللبناني-النيجيري، الذي قال لصحيفة وول ستريت جورنال: "هناك لحظة تشعر فيها أنك غير مرحب بك.. لقد حان وقت المغادرة"، كاشفًا أن فاتورته الضريبية قد ترتفع بين خمسة إلى سبعة أضعاف.
اقرأ أيضًا: مؤتمر 2025 Sun Valley للأثرياء ينطلق وسط طوفان من الطائرات الخاصة
ويعود امتياز non-dom إلى عام 1799 حين فرضت بريطانيا أول ضريبة دخل لتمويل حروبها ضد نابليون، وكان يقتصر على الدخل المحلّي دون أرباح المستعمرات، وعلى مدى العقود التالية، بقي الامتياز أحد أهم عناصر الجذب للرساميل الأجنبية، لا سيما خلال سبعينيات القرن الماضي مع تدفق أثرياء الشرق الأوسط، ثم الروس، وصولاً إلى المستثمرين من الصين والهند في السنوات الأخيرة.
وطرحت الحكومة البريطانية بديلاً مؤقتًا يعفي الدخل الأجنبي لمدة أربع سنوات، لكن هذا الطرح قوبل بفتور واسع من المستثمرين الذين وصفوه بـ"غير المجدي"، خاصة لمن يخطط للإقامة الطويلة أو من يملك أصولًا ضخمة خارج البلاد.