أحدث الأخبار مع #هراري،


الجريدة 24
٢٠-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الجريدة 24
العاقل...تاريخ مختصر للجنس البشري(18)
أمينة المستاري ولادة الأديان التوحيدية بمرور الوقت، آمن أتباع الديانات المتعددة الآلهة بالإله الوحيد وبكونه القوة العليا للكون، وآمنوا بإمكانية عقد صفقات معه، وهكذا ولدت الأديان التوحيدية، يقول هراري، وظهر أول جين توحيدي يقول هراري، في مصر سنة 350ق.م بإعلان الفرعون أخناتون أن الإله آتون، القوة العليا التي تحكم الكون، واتخذه كدين للدولة وحاول القضاء على باقي الآلهة لكن بعد وفاته تم التخلي عن عبادة آتون لصالح الآلهة القديمة. ورغم استمرار عبادة الآلهة، إلا أنها بقيت هامشية لفشلها في تبني رسالتها العالمية الخاصة، لم تقدم اليهودية إلا القليل ولم تكن ديانة تبشيرية واعتبرت مرحلتها "التوحيد المحلي" وجاء الاختراق الكبير مع المسيحية، فقد بدأ بالإيمان كطائفة يهويدية باطنية سعت لإقناع اليهود أن يسوع الناصري هو المسيح الذي طال انتظاره، وأدرك أحد قادة الطائفة "بولس الطرسوسي" أنه إذا كان الرب قد تجسد ومات على الصليب من أجل خلاص البشرية فيجب أن يسمع هذا كل العالم وليس فقط اليهود لذلك يجب نشر الإنجيل في العالم. وبدأ المسيحيون تنظيم أنشطة تبشيرية استهدفت جميع البشر، واستولت هذه الطائفة على الإمبراطورية الرومانية. ثم ظهر دين توحيدي آخر في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي: الإسلام. بدأ بطائفة صغيرة لكن بمفاجأة تاريخية أغرب وأسرع تمكن من الخروج والسيطرة على امبراطورية هائلة تمتد من المحيط إلى الهند. حاول التوحيديون مرارا وتكرارا تقوية أنفسهم عن طريق محو أية منافسة. فحوالي سنة 500م كانت الإمبراطورية الرومانية مسيحية، وانهمك المبشرون في نشر المسيحية ببلدان أوربا وآسيا والهيمالايا... ومع القرن 16 سيطر التوحيد على معظم القارة الأفروآسيوية، باستثناء شرق آسيا والأجزاء الجنوبية من إفريقيا. فوسع مخالبه ليجتاح هذه المناطق، والآن يلتزم الناس بدين توحيدي أ آخر والنظام السياسي مبني على أسس توحيدية. يشير هراري إلى أنه كان صعبا على معظم الناس هضم فكرة التوحيد الكامل، واستمروا في تقسيم العالم إلى "نحن" و"هم"، وكانوا يرون السلطة العليا بعيدة وغريبة عن احتياجاتهم الدنيوية. وطردت الأديان التوحيدية الآلهة من الباب الأمامي لتدخلها من النافذة الجانبية، فظهر مجمع آلهة خاص بها، من القديسين، وكان لكل مملكة قديس شفيع يحميها، فقد كانوا هم الآلهة نفسها متنكرة . معركة الخير والشر تولد عن الديانات التعددية أديان توحيدية، وولدت أديانا ثنوية، هذه الأخيرة تبنت وجود قوتين اثنتين متعارضتين: الخير والشر. يضيف يوفال نوح هراري أن الأديان الثنوية تؤمن بأن الشر قوة مستقلة لا تخلقها قوة الخير وليست تابعة لها. وتعتبر أن الكون عبارة عن ساحة معركة بين القوتين. فالثنوية وجهة نظر جذابة للعالم لأنها تقدم إجابة قصيرة لمشكلة الشر التي اعتبرت من اهتمامات الفكر البشري، وتطرح أسئلة حول لماذا يحدث الشر والأمور السيئة لأناس طيبين؟؟ من التفسيرات المعروفة، يقول هراري، أنه في حالة لم يكن هناك شر فالبشر لا يستطيع الاختيار بين الشر والخير ولن تكون هناك إرادة حرة للاختيار. وتثير هذه الإجابة تساؤلات جديدة فاختيار الشر الذي يجلب عقابا إلهيا، يتساءل هراري إذا كان الرب يعلم أن شخصا سيقوم بالشر فلماذا خلقه أصلا؟ كتب اللاهوتيون كتبا يجيبون فيها عن هذا السؤال، ورغم ذلك فالأديان التوحيدية تجد صعوبة في التعامل مع مشكلة الشر. وجهة النظر الثنوية لها عيوبها الخاصة، حسب هراري، فهي تثير مشكلة النظام، أما الأديان التوحيدية فهي جيدة في شرح هذه المشكلة. لقد ازدهرت الديانات الثنوية لأزيد من 1000 سنة، وظهر نبي يدعى "زرادشت" في آسيا الوسطى، وتعتقد الديانة الزرادشتية أن هناك معركة كونية بين إله الخير مزدا وإله الشر أنجرا ماينيو، وأصبح الدين الرسمي للامبراطورية الفارسية والساسانية، وألهم ديانات كالغنوصية والمانوية في الصين ...لكن الأديان التوحيدية امتصت المعتقدات الثنوية، وإن كان عدد من المسيحيين والمسلمين واليهود يؤمنون بقدرة القوة الشريرة. لكن ذلك مستحيل يقول هراري، فإما أن تؤمن بإله واحد أو بقوتين متعارضتين...واعتبر مفهوم الثنوي أن هناك معركة بين النفس الخيرة والجسم الشرير. يخلص المؤلف إلى القول أن التوحيد هو مطياف من الإرث التوحيدي والثنوي والتعددي والأرواحي...مخلوطة تحت مظلة إلهية واحدة... فالمسيحي النموذجي مثلا يؤمن بإله واحد وأيضا بالشيطان الثنوي...ويسبغ علماء الدين على هذا اسم التوفيقية. قانون الطبيعة يعتبر هراري أن جميع الأديان تشترك في سمة واحدة تركز على الاعتقاد بآلهة وغيرها من الكيانات الخارقة للطبيعة. والتاريخ الديني للعالم لا يختزل في تاريخ الآلهة، فقد ظهرت أديان خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، كالبوذية والكونفشيوسية والأبيقورية... أديان القانون الطبيعي القديمة والتي ترى أن النظام فوق البشري نتاج قوانين طبيعية، لكنها لم تتخلص أبدا من عبادة الآلهة، ومع تطور الطوائف البوذية بدأت في عبادة الكائنات المستنيرة وطلب المساعدة منها.. شارك المقال


الجريدة 24
١١-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجريدة 24
العاقل...تاريخ مختصر للجنس البشري(9)
أمينة المستاري النظام المتخيل وإغراق الذاكرة تخصص العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية جزءا كبيرا من جهودها لفهم كيفية اندماج النظام المتخيل في نسيج الحياة اليومية. يشير الكاتب إلى وجود ثلاثة عوامل رئيسية تمنع الناس من إدراك أن النظام المتخيل مجرد تصور ذهني وليس واقعا ملموسا: العامل الأول: هذا النظام متجذر في العالم المادي إذ يمكن حتى نقشه على الحجر، فالاعتقاد الغربي بالفردانية يقوم على فكرة أن قيمة الإنسان تنبع من داخله وليس مما يراه الآخرون فيه. في العمارة الحديثة تقفز الخرافة من الخيال لتتشكل في واقع ملموس، حيث تقسم المنازل إلى غرف مستقلة، ويحضى الأطفال بمساحتهم الخاصة، ما يعزز فيهم الشعور بالاستقلالية. وهذا عكس ما كان سائدا في العصور الوسطى حين كانت قيمة الشخص تتحدد حسب مكانته في الهرم الاجتماعي وآراء الآخرين وكانت منازل النبلاء نادرا ما تحتوي على غرف خاصة. العامل الثاني: يتمثل في كون النظام المتخيل يشكل رغبات الأفراد، فرغم رفض معظم الناس أن يحكم هذا النظام حياتهم، إلا أنهم يولدون داخل منظومة سابقة لوجودهم، تتشكل رغباتهم بناء على الأساطير. ففي الغرب تهيمن أساطير كالرومانسية والقومية والرأسمالية والنزعة الإنسانية على تشكيل الرغبات...لكنها في واقع الأمر "عميل مزدوج" يأخذ تعليماته من أساطير الحاضر ومن أساطير القرن 19 و20والنزعة الاستهلاكية . على سبيل المثال، أصبح قضاء العطلة في الخارج أمرا شائعا، وهو ما لم يكن موجودا في مصر القديمة حيث أنفق المصريون ثروتهم على بناء الأهرامات وتحنيط أجسادهم لكنهم لم يفكروا في الذهاب للتسوق في بابل أو قضاء عطلة تزلج في فينيقيا، أما اليوم فالناس تصرف أموالها في العطلات في الخارج لإيمانهم بأساطير النزعة الاستهلاكية الرومانسية. تخبرنا الرومانسية أنه يجب أن تكون لدينا تجارب مختلفة ونفتح أنفسنا للعواطف ونختبر أنواعها من العلاقات ونجرب أصنافا من المأكولات ونطرب لألحان مختلفة من الموسيقى.. والسفر لأراض بعيدة لاختبار ثقافات وعادات الآخرين وسماع خرافات الرومانسية. تروج النزعة الاستهلاكية الحديثة، يقول هراري، لفكرة أن السعادة تكمن في استهلاك أكبر عدد من المنتجات والخدمات، فإذا افتقدنا منتوجا فنحتاج لشراء آخر. مما يؤدي لتزاوج بين الرومانسية والنزعة الاستهلاكية، وهو ما أسس لصناعة السياحة الحديثة التي تبيع الخبرات كمنتج أساسي. العامل الثالث: يتمثل في الطبيعة الجمعية للنظام المتخيل، فلو أقنعت الملايين من الغرباء للتعاون معك، يصبح هذا النظام واقعا مشتركا، وهذا ما يدفع للتفريق بين ما هو "موضوعي" و" ذاتي" و"جمعي". وهذا ما يميز الظواهر "الموضوعية" كالانبعاث الإشعاعي، فهو ليس خرافة ولا يتأثر بالمعتقدات البشرية، وبين الظواهر الذاتية التي تعتمد على معتقدات فردية، والظواهر الجمعية التي تقوم على التوافق بين عدد من الناس وبوفاة الفرد أو تغيير معتقداته لا يغير من الأمر بخلاف وفاة مجموعة أفراد أو تغييرهم معتقداتهم فإن ظاهرة جمعية تختفي وتتحور، كالقوانين، المال، الآلهة والأمم ... وللتغيير في أي نظام متخيل يجب تغيير وعي مليارات من الناس بمساعدة منظمة معقدة كحزب سياسي أو حركة عقائدية أو طائفة دينية...أي تغيير نظام متخيل بنظام متخيل بديل وحين نهرب من سجن للحرية فإننا نجري باتجاه ساحة أوسع لسجن أكبر. يقدم الكاتب فكرة إغراق الذاكرة كمشكلة تواجه الأنظمة الاجتماعية المتخيلة، وبقدم مثلا بلعبة كرة القدم التي تتطلب معرفة قواعد اللعبة من طرف الفريقين، رغم أن البشر ليس لديهم جينات كرة القدم بل أفكار متخيلة فإذا تشاركها الجميع فيمكنهم لعب الكرة، وبإمكان كل فرد أن يخزن قواعد اللعبة في دماغه، بخلاف أنظمة التعاون الضخمة التي تتضمن ملايين البشر وتتطلب تخزين ومعالجة كميات هائلة من المعلومات، أكبر مما يمكن لأي دماغ بشري. بالنسبة للمجتمعات الضخمة كالنمل والنحل، تعتبر مستقرة وقادرة على التكيف لأن معظم المعلومات التي تحتاجها للبقاء مشفرة جينيا، أما البشر فنظامهم الاجتماعي متخيل لا يستطيعون حفظ المعلومات الضرورة لتشغيله بصنع نسح من جينومهم وتمريرها لذريتهم، بل عليهم بذل مجهود للحفاظ على القوانين والعادات والأخلاق وإلا سينهار النظام الاجتماعي. من الأمثلة التي يوردها هراري، قانون حمورابي الذي قسم الناس إلى سادة وعامة وعبيد، هذا التقسيم لم يكن طبيعيا أو موروثا جينيا، ولولا احتفاظ البابليين بهذه "الحقيقة" في عقولهم لتوقف مجتمعهم عن العمل وعند تمرير حمورابي جيناته لطفله لم تكن مشفرة بقانونه الذي وضعه، فهو لقنه وتم تمريره من جيل لجيل عن طريق التعلم والتلقين وليس عبر الجينات. مع تطور الإمبراطوريات تزايدت الحاجة لإنتاج كميات هائلة من المعلومات المتعلقة بالإدارة والضرائب وجرد بالإمدادات والسفن وتقاويم الأعياد... وخزن الناس تلك المعلومات في أدمغتهم، لكن الدماغ البشري محدود في قدرته على حفظ تلك البيانات، ولو بالنسبة لأصحاب الذاكرة الحديدية، أيضا لأن البشر يموتون وتموت أدمغتهم، ورغم نقل المعلومات من دماغ لآخر فعملية النقل تميل للتشوه والضياع، والأهم أن الدماغ البشري تكيف لتخزين ومعالجة أنواع محددة من المعلومات فقط. مع فجر الثورة الزراعية، ظهر نوع آخر من المعلومات وهي الأرقام، فلم يحتج الجامعون للتعامل مع البيانات الحسابية، ولم تتكيف أدمغتهم لتخزين ومعالجة الأرقام، لكن في مملكة ضخمة فالبيانات الحسابية كانت بالغة الأهمية فقد كان إلى جانب تشريع القوانين وحكي القصص عن الأرواح الحامية كان لا بد ممن يجمع الضرائب وفرضها على آلاف البشر، وجمع بيانات عن مداخيل الناس وممتلكاتهم والمتأخرات والديون... فأضيفت ملايين البيانات التي يجب أن تعالج ويحتفظ بها ولكون الدماغ البشري غير قادر على فعل ذلك ،انهار النظام واستمرت الشبكات الاجتماعية صغيرة وبسيطة لآلاف السنين بعد الثورة الزراعية. يضيف هراري، أنه تم تجاوز هذه المشكل في عهد السومريين ببلاد الرافدين، ما بين 3500ق.م و3000 ق.م، باختراع نظام صمم للتعامل مع الكميات الضخمة من البيانات الحسابية بنظام "الكتابة". شارك المقال