#أحدث الأخبار مع #هورسشو،المدن٢٠-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالمدنشوربة بصل في "الهورس شو"منذ توظيفه في شركة American Underwriters الكائنة في مبنى عريضة في شارع الحمرا، شعر متري أنّ جزءًا كبيرًا من أحلامه تحقّق وتبدّل مزاجه كمراهق بدأ يكتشف لذّة التَّدْخِين. وباتَ كل يوم في منطقة رأس بيروت ويتأخر في العودة إلى غرفته في الجبل الصغير، يتنقّل بين مقهى "هورس شو" وشارع بلس، ومرات ينزل إلى أسواق بيروت يتجوّل، وصولًا إلى الزيتونة ومقبرة السنطية ومقهى الحاج داوود ومقهى البحرين. كان متري بعيدًا من أسرته في الضّيعَة الْمَنْسِيَّة، وأصبح قادرًا على احتساء القهوة في الشارع العريق من دون منّة أبيه وعطفه الْقَاسِي أو اِضْطِرَاب أمّه النفسيّ وتوتّرها، وهو المشّاء في تسكّعه الْيَوْمِيّ على الرصيف الطويل، أمام مقاهي الرصيف والواجهات الزجاجية. كان كُل شيء جميلًا. يقارن بين الرصيف الطويل وخطوات المارة، والدروب في هضاب الضِيَعَة، بدا كأنه يعيش في غابة من الرغبات والصور، واكتشف كبته الريفي والبريّ والحلميّ. كان خجولاً منطوياً، يستعيض عن غياب المرأة والحبّ وبراكين رغبته، بالبصبصة وإشباع البصر حتى الأحشاء الدفينة. منذ أًصبحَ متري موظفًا، صار قادرًا على مقاومة الضجر واللاشيء بقليل من القهوة وشراء الكتب. يقرأ تمرّدات جنى جبور ورحلات أمين الريحاني وهذيان رامبو وأنوات المتنبي، لا يصدّق أن يده تلمس الورق الذي يحبّه، وسيرته موزّعة بين الحكايات التي يقصّها الرواة. تستدرجه القراءة للعيش في الأمكنة التي تولد من الكلمات، والأشياء التي تتجلّى في الغياب الآسر. كانَ يتنقل في سيارة الأجرة بين وسط بيروت والجبل الصغير. قبل أن يصبح متري موظفًا في شركة، ويزور شارع الحمرا يوميًا، تحوّل الشارع بالنسبة إليه سحرًا لا يرحم، أو كمن يقرأ في كتاب لا ينتهي، عرفه منذ الصفحة الأولى العام 1960 تاريخ بناء أول سينما على أيدي آل دبغي، وقد بدأ يأخذ الطابع الحضاري الذي عرف به في ما بعد. مقاهٍ ودور سينما حلّت محل مساكن الجنّ التي كانتْ منتشرة في رأس بيروت. وصار الشارع ملاذًا لفتيات بفساتين ملونة قصيرة، يصنعن الرغبات والانتشار، وشعرهن يتطاير على أكتافهن العارية كأنهن باريسيات أو نيويوركيات في فيلم هوليوودي، وأحلام العالم الكون تدور حول سررهنّ المكشوفة. هنّ الفاحشات الجميلات، المزهرات، الحالمات، العاشقات، الخانعات، الساقطات كالحبّ، المنقطعات عن الزواج، الهائمات، الرهوانات... كان متري سعيدًا بالنساء مع أنه يضجر من منبهات السيارات، ودوران عجلاتها على الأسفلت. لم تقمْ في شارع الحمرا مطاعم مثلما قامتْ في شارع بلس. مطعم فيصل ثمّ مطعم الباشا الذي كان اختصاصه الكفتة المشويّة في كَانُون فحم واسع أمام ناظر الزبائن. تذوّق متري الملفوف الكبيس أول مرّة هناك، حيث كان أصحابه آل دفوني مشهورين بتقديم الأطعمة اللبنانية. (بريجيت باردو في الحمرا) بريجيت باردو إذ زارتْ بيروتْ، وذهبتْ تتمشّى مع زوجها حينذاك المسمى غنتر ساخت في شارع الحمرا. نزل متري مهرولًا من الطابق الثاني ليلقي نظرة على الساحرة، كانت الرقابة الغبية تطمسُ مشاهد العري من أفلامها. هكذا أصبحت حياة متري العابرة في الحمرا، جزءًا من حياة الصورة والاستيهامات، بين نساءٍ كنّ على شاكلة بريجيت باردو ومارلين مونرو وهند رستم... يرتدين القصير أو يضعن أحمر الشفاه، أو يدخنّ السجائر أو يصبحن هيبيات متحرّرات من كل قيد. لكن كل شيء لم يكن يغير في طباع متري القروية. في الحمرا، كان مرور متري أمام مقهى هورس شو، أشهر مقاهي المثقفين، تحصيل حاصل. ذات مرة، شاهد إعلانًا في سينما الحمرا عن شوربة البصل التي يقدّمها المقهى الرصيفي، ولم يكن قد سمع من قبل أنّ البصل مادة للشوربة، بل إن البصل مادة للسخرية والتهكّم في الأمثال الشّعبية ولغة الفلاحين. دخل متري المقهى من باب الفضول، ليتذوق شوربة البصل مرتفعة الثمن بالنسبة إليه، اختار طاولة وجلس كأنه يعيش عالمًا جديدًا، لم يكن طعم شوربة البصل هو الذي أسعده، بل فكرة اكتشاف نوع جديد من الطعام، صار جزءًا من الذاكرة في لحظة عابرة... العبور أمام المقهى صار مادّة للتذكار والذكريات وصناعة الحكاية. كلما مرّ متري مساءً، طالعته وجوه تعرّف إليها بفضل قراءاته للصحف والمجلات... كان يجد في المشي أمام المقهى نوعًا من اكتشاف المدينة واكتشاف الذات يوازي الكتابة في الصحيفة. وكان المقهى ملتقى الصحافيين والفنانين، وبعضهم لا يكن للآخر ودًا. (ليلى بعلبكي) متري أرعبته فكرة أن يصبح كاتبًا أو شاعرًا ويجلس في المقهى. وأرعبته فكرة أن يتخيّل العالم بلا نساء. ولم يكن قادرًا على كتابة الشعر، ويشعر أنه غير محبوب من النساء. ذكراه الأولى عن الأديبة ليلى بعلبكي ناصعة. هي التي كانت تعلم أنّ ثقافتها وتحرّرها يتحكمان في الشعراء والكتّاب. وبشعرها "المنفوش" تداوم مساءً في المقهى، وتجلس على طاولة الرصيف حتى تحت المطر. الحرمان جعل متري يجاهد لأن يعبر بطيئاً، يتمشى ذهاباً وإياباً كي يلمح جزءًا ضئيلًا من سراب جسمها عندما تضع ساقاً فوق ساق. لا يعرف متري كم الوقت الذي أمضاه على الرصيف بحثًا عن سرابها. ليلى أو "مدام تقلا" عملتْ في مجلس النواب موظّفة "دكتيلو" في ستينيات القرن الماضي قبل شهرتها التي قامت على قصة "أنا أحيا (1958)" وشغلت العالم العربي بروايتها "سفينة حنان إلى القمر". كانتْ ثورة. تزوجتْ واختفتْ. وبقي متري يمر أمام كرسيها في مقهى "هورس شو" (حدوة الحصان-جالبة الحظ)، الذي لم يكن مجرّد مقهى، بل كان روح المدينة وشاهدًا على نموّها وتطوّرها وانبعاث الأحلام فيها منذ خمسينيات القرن الماضي. كان إميل دبغي أول من كسر احتكار ساحة البرج للعروض السينمائية، ودشّن عرض الأفلام في سينما "الحمرا" التي امتلكها. وابن شقيقته منح، لمعت في رأسه فكرة افتتاح مقهى بالقرب من السينما، فاحتل الزاوية عند تقاطع شوارع عديدة... جان، المولع بسباق الخيل واسطبلات فرعون، لمْ يجدْ أفضل من "حدوة الحصان" اسمًا للمقهى. وكان يوم الافتتاح بمناسبة عيد الاستقلال في 22 / 11/ 1959. أصبح "الهورس شو" مركز الجذب الرئيس، فتزاحم فيه الفنانون والأدباء والصحافيون ورجال الفكر والثقافة، إضافة إلى السياسيين من لبنان والعالم العربي... صار المقهى ملتقى غريبًا عجيبًا لبيروت كل مساءٍ. أجمل الذكريات في ذهن متري عن المقهى كان في عيد الميلاد كل عام، إذ تنافس فنانو بيروت في تزيين واجهاته الزجاجية بلوحات مستوحاة من المناسبة. البعلبكيّ رفيق شرف، والأرمنيّ مقدسيّ المولد بول غيراغوسيان، والفتاة الجميلة ناديا صيقلي، شاركوا في المناسبة. أكلتْ الحرب "الهورس شو" ورصيف الشارع. رحل الشّعراء والمثقفون والمبدعون. باع منح دبغي "الهورس شو" في العام 1982. قال له السينمائي مارون بغدادي عندما هاجر إلى فرنسا: لن أعود يا منح إلا عندما يعود "الهورس شو". لمْ يعد "الهورس شو" ومات مارون في غرفة المصعد.
المدن٢٠-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالمدنشوربة بصل في "الهورس شو"منذ توظيفه في شركة American Underwriters الكائنة في مبنى عريضة في شارع الحمرا، شعر متري أنّ جزءًا كبيرًا من أحلامه تحقّق وتبدّل مزاجه كمراهق بدأ يكتشف لذّة التَّدْخِين. وباتَ كل يوم في منطقة رأس بيروت ويتأخر في العودة إلى غرفته في الجبل الصغير، يتنقّل بين مقهى "هورس شو" وشارع بلس، ومرات ينزل إلى أسواق بيروت يتجوّل، وصولًا إلى الزيتونة ومقبرة السنطية ومقهى الحاج داوود ومقهى البحرين. كان متري بعيدًا من أسرته في الضّيعَة الْمَنْسِيَّة، وأصبح قادرًا على احتساء القهوة في الشارع العريق من دون منّة أبيه وعطفه الْقَاسِي أو اِضْطِرَاب أمّه النفسيّ وتوتّرها، وهو المشّاء في تسكّعه الْيَوْمِيّ على الرصيف الطويل، أمام مقاهي الرصيف والواجهات الزجاجية. كان كُل شيء جميلًا. يقارن بين الرصيف الطويل وخطوات المارة، والدروب في هضاب الضِيَعَة، بدا كأنه يعيش في غابة من الرغبات والصور، واكتشف كبته الريفي والبريّ والحلميّ. كان خجولاً منطوياً، يستعيض عن غياب المرأة والحبّ وبراكين رغبته، بالبصبصة وإشباع البصر حتى الأحشاء الدفينة. منذ أًصبحَ متري موظفًا، صار قادرًا على مقاومة الضجر واللاشيء بقليل من القهوة وشراء الكتب. يقرأ تمرّدات جنى جبور ورحلات أمين الريحاني وهذيان رامبو وأنوات المتنبي، لا يصدّق أن يده تلمس الورق الذي يحبّه، وسيرته موزّعة بين الحكايات التي يقصّها الرواة. تستدرجه القراءة للعيش في الأمكنة التي تولد من الكلمات، والأشياء التي تتجلّى في الغياب الآسر. كانَ يتنقل في سيارة الأجرة بين وسط بيروت والجبل الصغير. قبل أن يصبح متري موظفًا في شركة، ويزور شارع الحمرا يوميًا، تحوّل الشارع بالنسبة إليه سحرًا لا يرحم، أو كمن يقرأ في كتاب لا ينتهي، عرفه منذ الصفحة الأولى العام 1960 تاريخ بناء أول سينما على أيدي آل دبغي، وقد بدأ يأخذ الطابع الحضاري الذي عرف به في ما بعد. مقاهٍ ودور سينما حلّت محل مساكن الجنّ التي كانتْ منتشرة في رأس بيروت. وصار الشارع ملاذًا لفتيات بفساتين ملونة قصيرة، يصنعن الرغبات والانتشار، وشعرهن يتطاير على أكتافهن العارية كأنهن باريسيات أو نيويوركيات في فيلم هوليوودي، وأحلام العالم الكون تدور حول سررهنّ المكشوفة. هنّ الفاحشات الجميلات، المزهرات، الحالمات، العاشقات، الخانعات، الساقطات كالحبّ، المنقطعات عن الزواج، الهائمات، الرهوانات... كان متري سعيدًا بالنساء مع أنه يضجر من منبهات السيارات، ودوران عجلاتها على الأسفلت. لم تقمْ في شارع الحمرا مطاعم مثلما قامتْ في شارع بلس. مطعم فيصل ثمّ مطعم الباشا الذي كان اختصاصه الكفتة المشويّة في كَانُون فحم واسع أمام ناظر الزبائن. تذوّق متري الملفوف الكبيس أول مرّة هناك، حيث كان أصحابه آل دفوني مشهورين بتقديم الأطعمة اللبنانية. (بريجيت باردو في الحمرا) بريجيت باردو إذ زارتْ بيروتْ، وذهبتْ تتمشّى مع زوجها حينذاك المسمى غنتر ساخت في شارع الحمرا. نزل متري مهرولًا من الطابق الثاني ليلقي نظرة على الساحرة، كانت الرقابة الغبية تطمسُ مشاهد العري من أفلامها. هكذا أصبحت حياة متري العابرة في الحمرا، جزءًا من حياة الصورة والاستيهامات، بين نساءٍ كنّ على شاكلة بريجيت باردو ومارلين مونرو وهند رستم... يرتدين القصير أو يضعن أحمر الشفاه، أو يدخنّ السجائر أو يصبحن هيبيات متحرّرات من كل قيد. لكن كل شيء لم يكن يغير في طباع متري القروية. في الحمرا، كان مرور متري أمام مقهى هورس شو، أشهر مقاهي المثقفين، تحصيل حاصل. ذات مرة، شاهد إعلانًا في سينما الحمرا عن شوربة البصل التي يقدّمها المقهى الرصيفي، ولم يكن قد سمع من قبل أنّ البصل مادة للشوربة، بل إن البصل مادة للسخرية والتهكّم في الأمثال الشّعبية ولغة الفلاحين. دخل متري المقهى من باب الفضول، ليتذوق شوربة البصل مرتفعة الثمن بالنسبة إليه، اختار طاولة وجلس كأنه يعيش عالمًا جديدًا، لم يكن طعم شوربة البصل هو الذي أسعده، بل فكرة اكتشاف نوع جديد من الطعام، صار جزءًا من الذاكرة في لحظة عابرة... العبور أمام المقهى صار مادّة للتذكار والذكريات وصناعة الحكاية. كلما مرّ متري مساءً، طالعته وجوه تعرّف إليها بفضل قراءاته للصحف والمجلات... كان يجد في المشي أمام المقهى نوعًا من اكتشاف المدينة واكتشاف الذات يوازي الكتابة في الصحيفة. وكان المقهى ملتقى الصحافيين والفنانين، وبعضهم لا يكن للآخر ودًا. (ليلى بعلبكي) متري أرعبته فكرة أن يصبح كاتبًا أو شاعرًا ويجلس في المقهى. وأرعبته فكرة أن يتخيّل العالم بلا نساء. ولم يكن قادرًا على كتابة الشعر، ويشعر أنه غير محبوب من النساء. ذكراه الأولى عن الأديبة ليلى بعلبكي ناصعة. هي التي كانت تعلم أنّ ثقافتها وتحرّرها يتحكمان في الشعراء والكتّاب. وبشعرها "المنفوش" تداوم مساءً في المقهى، وتجلس على طاولة الرصيف حتى تحت المطر. الحرمان جعل متري يجاهد لأن يعبر بطيئاً، يتمشى ذهاباً وإياباً كي يلمح جزءًا ضئيلًا من سراب جسمها عندما تضع ساقاً فوق ساق. لا يعرف متري كم الوقت الذي أمضاه على الرصيف بحثًا عن سرابها. ليلى أو "مدام تقلا" عملتْ في مجلس النواب موظّفة "دكتيلو" في ستينيات القرن الماضي قبل شهرتها التي قامت على قصة "أنا أحيا (1958)" وشغلت العالم العربي بروايتها "سفينة حنان إلى القمر". كانتْ ثورة. تزوجتْ واختفتْ. وبقي متري يمر أمام كرسيها في مقهى "هورس شو" (حدوة الحصان-جالبة الحظ)، الذي لم يكن مجرّد مقهى، بل كان روح المدينة وشاهدًا على نموّها وتطوّرها وانبعاث الأحلام فيها منذ خمسينيات القرن الماضي. كان إميل دبغي أول من كسر احتكار ساحة البرج للعروض السينمائية، ودشّن عرض الأفلام في سينما "الحمرا" التي امتلكها. وابن شقيقته منح، لمعت في رأسه فكرة افتتاح مقهى بالقرب من السينما، فاحتل الزاوية عند تقاطع شوارع عديدة... جان، المولع بسباق الخيل واسطبلات فرعون، لمْ يجدْ أفضل من "حدوة الحصان" اسمًا للمقهى. وكان يوم الافتتاح بمناسبة عيد الاستقلال في 22 / 11/ 1959. أصبح "الهورس شو" مركز الجذب الرئيس، فتزاحم فيه الفنانون والأدباء والصحافيون ورجال الفكر والثقافة، إضافة إلى السياسيين من لبنان والعالم العربي... صار المقهى ملتقى غريبًا عجيبًا لبيروت كل مساءٍ. أجمل الذكريات في ذهن متري عن المقهى كان في عيد الميلاد كل عام، إذ تنافس فنانو بيروت في تزيين واجهاته الزجاجية بلوحات مستوحاة من المناسبة. البعلبكيّ رفيق شرف، والأرمنيّ مقدسيّ المولد بول غيراغوسيان، والفتاة الجميلة ناديا صيقلي، شاركوا في المناسبة. أكلتْ الحرب "الهورس شو" ورصيف الشارع. رحل الشّعراء والمثقفون والمبدعون. باع منح دبغي "الهورس شو" في العام 1982. قال له السينمائي مارون بغدادي عندما هاجر إلى فرنسا: لن أعود يا منح إلا عندما يعود "الهورس شو". لمْ يعد "الهورس شو" ومات مارون في غرفة المصعد.