#أحدث الأخبار مع #وابنرشدالجزيرة٢١-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالجزيرةأزمة الترجمة في عالمنا العربيطالعت في عدد مارس/ آذار من مجلة "البيان الكويتية" مقالاً للدكتور "نزار خليل العاني" بعنوان "ملاحظات حول ترجمة أدب ماركيز إلى العربية". رام الكاتب في زاوية معالجة المقال إلى إسقاط الحاجز البريختي بينه وبين القارئ، في محاولة لإشراكه في موضوع اختلافات الترجمة، وتباينها في روايات ماركيز، لا سيما روايته "مئة عام من العزلة"، وعدد من قصصه القصيرة أيضاً. وقد استعرض الكاتب عدداً من افتتاحيات ترجمات روايته ذائعة الصيت "مئة عام من العزلة"، وهي الرواية التي حظيت بعدد مهول من الترجمات، سواء إلى اللغة العربية أو اللغات الأخرى، وكنت قد طالعت من قبل عدداً من هذه الترجمات، منها ترجمة "سليمان العطار" (أول من ترجم النص إلى العربية، وقبل حصول ماركيز على نوبل)، وأخرى لـ"صالح علماني"، المتخصص في ترجمة الأدب الإسباني، وأراها الأقرب إلى النص الروائي. وللحقيقة أيضا؛ فإن معظم الترجمات التي أوردها الكاتب في مقالهِ لم ألحظ فيها أي اختلاف نوعي، يدخل القارئ معه في متاهات سردية، أو يجافي النص الأصلي، وظلت المفاضلة بين ما هو جيد وما هو أجود منه. ولذا تظل عملية الترجمة فعلاً ذوقيّاً طالما سعت في المقاربة للمعنى، مع التسليم بأنه لا بد من هدر لغوي يسقط في المنتصف. وإذا كان الكاتب الدكتور يدين في ثنايا المقال -ولو بشكل خفي- اختلافات الترجمة وتباينها، الذي لم ألحظه، فإن الأزمة التي لا تخفى لا على الكاتب، ولا على أي مهتم بالعمل الثقافي العربي؛ هي النقص الفادح في حركة الترجمة لدينا، سواء على المستوى الفردي، أو المؤسساتي، وتسعى بعض الهيئات في الوطن العربي؛ مثل "المركز القومي للترجمة في الكويت" وكذا مثيله في مصر، لسد هذا العجز. ومع ذلك، فإن الهوة شديدة الفداحة، ليس فقط في مجال الأدب، بل هي أفدح في علوم اللسانيات والتداوليات وشتى المجالات المعرفية بلا استثناء. تتبدى هذه الفجوة الترجمية في الإعلان السنوى عن الفائز بجائزة نوبل في الأدب، ورغم كل ما يقال من شوائب حيثيات المنح، فإنها في النهاية لا تمنح اعتباطاً لكاتب عابر، ومع ذلك تتفاجأ الدوائر العربية بعدم وجود أي عمل مُتَرجم للكاتب، أو ربما رواية يتيمة، أو عملين على أحسن الأقوال، ما يعكس بُعد الأزمة لدينا. تلقفت أوروبا في عصور النهضة والأنوار عمليات الترجمة من العربية والعبرية إلى اللاتينية -لغة العلوم آنذاك- لتنقل كتب ابن سينا، والخوارزمي، وابن رشد الذي تمدد في برودة الشتاء الأوروبي المظلم فبُعث هناك من جديد أهمية الترجمة في حركة التاريخ انتشرت في عالمنا العربي قديماً ومن بداية الدولة الأموية حركة ترجمة هائلة، بلغت ذروتها في عصر الخليفة المأمون، الذي افتتح داراً للترجمة "دار الحكمة"، وكافأ المترجمين بوزن ما تُرجم ذهباً، ومع شيوع هذه القصة -التي لا يمكن التيقن من صحتها- فإنها دالة على أهمية الترجمة كأساس لحركة صعود حضاري، تُرجم من خلاله ميراث الحكمة الفارسية، والأدبيات السنسكريتية، والعلوم السريانية، والأرامية، فيما حظيت الفلسفة اليونانية بنصيب الأسد، ما أفضى إلى نشوء الفلسفة المشائية العربية شرقاً على يد الفارابي، والكندي، وابن سينا، والرواقية غرباً على يد ابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد.. لتُضرب بعد ذلك المحاولات الفلسفية العربية هذه لاحقاً من قبل القوى الرجعية، التي أعاقت حركة صعودنا الحضاري، وهذا ما لسنا بصدده هنا. تلقفت أوروبا في عصور النهضة والأنوار عمليات الترجمة من العربية والعبرية إلى اللاتينية -لغة العلوم آنذاك- لتنقل كتب ابن سينا، والخوارزمي، وابن رشد الذي تمدد في برودة الشتاء الأوروبي المظلم فبُعث هناك من جديد، وخمد صيته لقرون في وطننا العربي، وهو أمر يدعو للرثاء والحزن والعجب. البيانات المنخفضة تشير إلى أننا بحاجة إلى مجهود ترجمي هائل، مجهود لا بد أن تتبناه مؤسسات بمخصصات مادية مجزية، وخطط واضحة، كمشاريع ترجمية كبرى تأخذ بعين الاعتبار استخدام الوسائل الحديثة في النشر إلى جانب الكتاب الورقي نسب الترجمة في العالم العربي في لقاء معه، يقول الكاتب والمترجم المغربي "عبد الفتاح الحجمري" عن الترجمة، وبالإحصائيات: "متوسط عدد الكتب المترجمة في الوطن العربي هو 4.4 كتاب لكل مليون مواطن سنوياً، في حين يحظى كل مليون مواطن في المجر-مثلاً- بنحو 519 كتاباً سنوياً، كما يبلغ نصيب كل مليون مواطن إسباني في العام الواحد 920 كتاباً". ويقول عن الهوة المعرفية بيننا وبين الدوائر العلمية الغربية: "لا يتعرف الفكر العربي على نظريات في العلوم والفلسفة إلا بعد مرور عقد من الزمن أو أكثر". كما يتأسى على حال مراجع مهمة تعد دعامة نهضة فكرية وعلمية وأدبية لم تترجم حتى الأن. هذه النسب المذكورة تبدو مخجلة بالمقارنة مع حركة الترجمة في الغرب، التي تترجم وبشكل فوري ما يصدر من سرديات العلوم المختلفة، سواء النظرية أو العملية بين لغات الغرب المتعددة، فضلاً عن الصحف والمواقع التي تصدر بكذا لغة في وقت واحد، ما يجسر الفجوة المعرفية بين الشعوب، ويرفع من وعيها الجمعي، فضلاً عن أن القارئ الغربي مداوم أصلاً على فعل القراءة عموماً، وهو ما نكاد نعدمه هنا، وما تشير إليه النسب (الوقت الذي ينفقه المواطن العربي في القراءة) نخجل عن ذكره. البيانات المنخفضة تشير إلى أننا بحاجة إلى مجهود ترجمي هائل، مجهود لا بد أن تتبناه مؤسسات بمخصصات مادية مجزية، وخطط واضحة، كمشاريع ترجمية كبرى تأخذ بعين الاعتبار استخدام الوسائل الحديثة في النشر إلى جانب الكتاب الورقي، مثل الكتاب الإلكتروني، والكتاب المسموع، وغيرها من وسائط حديثة، إلى جانب مجازاة العاملين فيها بعوائد مادية تضمن لهم حياة كريمة، لأن أغلب المترجمين -وللأسف- ينصرفون إلى مهن أخرى، ويترجمون في أوقات فراغهم فقط، متعاملين مع الموضوع كهواية لا تدر عائداً مناسباً. أظن أن رأس المال العربي قادر على صنع "دور للحكمة" لا دار واحدة فقط، وقادر أيضاً على ضخ الأموال اللازمة لمثل هذه المشاريع الفكرية، بدلاً من الإنفاق على المهرجانات الشكلية، والأعمال الفنية رديئة الجودة.
الجزيرة٢١-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالجزيرةأزمة الترجمة في عالمنا العربيطالعت في عدد مارس/ آذار من مجلة "البيان الكويتية" مقالاً للدكتور "نزار خليل العاني" بعنوان "ملاحظات حول ترجمة أدب ماركيز إلى العربية". رام الكاتب في زاوية معالجة المقال إلى إسقاط الحاجز البريختي بينه وبين القارئ، في محاولة لإشراكه في موضوع اختلافات الترجمة، وتباينها في روايات ماركيز، لا سيما روايته "مئة عام من العزلة"، وعدد من قصصه القصيرة أيضاً. وقد استعرض الكاتب عدداً من افتتاحيات ترجمات روايته ذائعة الصيت "مئة عام من العزلة"، وهي الرواية التي حظيت بعدد مهول من الترجمات، سواء إلى اللغة العربية أو اللغات الأخرى، وكنت قد طالعت من قبل عدداً من هذه الترجمات، منها ترجمة "سليمان العطار" (أول من ترجم النص إلى العربية، وقبل حصول ماركيز على نوبل)، وأخرى لـ"صالح علماني"، المتخصص في ترجمة الأدب الإسباني، وأراها الأقرب إلى النص الروائي. وللحقيقة أيضا؛ فإن معظم الترجمات التي أوردها الكاتب في مقالهِ لم ألحظ فيها أي اختلاف نوعي، يدخل القارئ معه في متاهات سردية، أو يجافي النص الأصلي، وظلت المفاضلة بين ما هو جيد وما هو أجود منه. ولذا تظل عملية الترجمة فعلاً ذوقيّاً طالما سعت في المقاربة للمعنى، مع التسليم بأنه لا بد من هدر لغوي يسقط في المنتصف. وإذا كان الكاتب الدكتور يدين في ثنايا المقال -ولو بشكل خفي- اختلافات الترجمة وتباينها، الذي لم ألحظه، فإن الأزمة التي لا تخفى لا على الكاتب، ولا على أي مهتم بالعمل الثقافي العربي؛ هي النقص الفادح في حركة الترجمة لدينا، سواء على المستوى الفردي، أو المؤسساتي، وتسعى بعض الهيئات في الوطن العربي؛ مثل "المركز القومي للترجمة في الكويت" وكذا مثيله في مصر، لسد هذا العجز. ومع ذلك، فإن الهوة شديدة الفداحة، ليس فقط في مجال الأدب، بل هي أفدح في علوم اللسانيات والتداوليات وشتى المجالات المعرفية بلا استثناء. تتبدى هذه الفجوة الترجمية في الإعلان السنوى عن الفائز بجائزة نوبل في الأدب، ورغم كل ما يقال من شوائب حيثيات المنح، فإنها في النهاية لا تمنح اعتباطاً لكاتب عابر، ومع ذلك تتفاجأ الدوائر العربية بعدم وجود أي عمل مُتَرجم للكاتب، أو ربما رواية يتيمة، أو عملين على أحسن الأقوال، ما يعكس بُعد الأزمة لدينا. تلقفت أوروبا في عصور النهضة والأنوار عمليات الترجمة من العربية والعبرية إلى اللاتينية -لغة العلوم آنذاك- لتنقل كتب ابن سينا، والخوارزمي، وابن رشد الذي تمدد في برودة الشتاء الأوروبي المظلم فبُعث هناك من جديد أهمية الترجمة في حركة التاريخ انتشرت في عالمنا العربي قديماً ومن بداية الدولة الأموية حركة ترجمة هائلة، بلغت ذروتها في عصر الخليفة المأمون، الذي افتتح داراً للترجمة "دار الحكمة"، وكافأ المترجمين بوزن ما تُرجم ذهباً، ومع شيوع هذه القصة -التي لا يمكن التيقن من صحتها- فإنها دالة على أهمية الترجمة كأساس لحركة صعود حضاري، تُرجم من خلاله ميراث الحكمة الفارسية، والأدبيات السنسكريتية، والعلوم السريانية، والأرامية، فيما حظيت الفلسفة اليونانية بنصيب الأسد، ما أفضى إلى نشوء الفلسفة المشائية العربية شرقاً على يد الفارابي، والكندي، وابن سينا، والرواقية غرباً على يد ابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد.. لتُضرب بعد ذلك المحاولات الفلسفية العربية هذه لاحقاً من قبل القوى الرجعية، التي أعاقت حركة صعودنا الحضاري، وهذا ما لسنا بصدده هنا. تلقفت أوروبا في عصور النهضة والأنوار عمليات الترجمة من العربية والعبرية إلى اللاتينية -لغة العلوم آنذاك- لتنقل كتب ابن سينا، والخوارزمي، وابن رشد الذي تمدد في برودة الشتاء الأوروبي المظلم فبُعث هناك من جديد، وخمد صيته لقرون في وطننا العربي، وهو أمر يدعو للرثاء والحزن والعجب. البيانات المنخفضة تشير إلى أننا بحاجة إلى مجهود ترجمي هائل، مجهود لا بد أن تتبناه مؤسسات بمخصصات مادية مجزية، وخطط واضحة، كمشاريع ترجمية كبرى تأخذ بعين الاعتبار استخدام الوسائل الحديثة في النشر إلى جانب الكتاب الورقي نسب الترجمة في العالم العربي في لقاء معه، يقول الكاتب والمترجم المغربي "عبد الفتاح الحجمري" عن الترجمة، وبالإحصائيات: "متوسط عدد الكتب المترجمة في الوطن العربي هو 4.4 كتاب لكل مليون مواطن سنوياً، في حين يحظى كل مليون مواطن في المجر-مثلاً- بنحو 519 كتاباً سنوياً، كما يبلغ نصيب كل مليون مواطن إسباني في العام الواحد 920 كتاباً". ويقول عن الهوة المعرفية بيننا وبين الدوائر العلمية الغربية: "لا يتعرف الفكر العربي على نظريات في العلوم والفلسفة إلا بعد مرور عقد من الزمن أو أكثر". كما يتأسى على حال مراجع مهمة تعد دعامة نهضة فكرية وعلمية وأدبية لم تترجم حتى الأن. هذه النسب المذكورة تبدو مخجلة بالمقارنة مع حركة الترجمة في الغرب، التي تترجم وبشكل فوري ما يصدر من سرديات العلوم المختلفة، سواء النظرية أو العملية بين لغات الغرب المتعددة، فضلاً عن الصحف والمواقع التي تصدر بكذا لغة في وقت واحد، ما يجسر الفجوة المعرفية بين الشعوب، ويرفع من وعيها الجمعي، فضلاً عن أن القارئ الغربي مداوم أصلاً على فعل القراءة عموماً، وهو ما نكاد نعدمه هنا، وما تشير إليه النسب (الوقت الذي ينفقه المواطن العربي في القراءة) نخجل عن ذكره. البيانات المنخفضة تشير إلى أننا بحاجة إلى مجهود ترجمي هائل، مجهود لا بد أن تتبناه مؤسسات بمخصصات مادية مجزية، وخطط واضحة، كمشاريع ترجمية كبرى تأخذ بعين الاعتبار استخدام الوسائل الحديثة في النشر إلى جانب الكتاب الورقي، مثل الكتاب الإلكتروني، والكتاب المسموع، وغيرها من وسائط حديثة، إلى جانب مجازاة العاملين فيها بعوائد مادية تضمن لهم حياة كريمة، لأن أغلب المترجمين -وللأسف- ينصرفون إلى مهن أخرى، ويترجمون في أوقات فراغهم فقط، متعاملين مع الموضوع كهواية لا تدر عائداً مناسباً. أظن أن رأس المال العربي قادر على صنع "دور للحكمة" لا دار واحدة فقط، وقادر أيضاً على ضخ الأموال اللازمة لمثل هذه المشاريع الفكرية، بدلاً من الإنفاق على المهرجانات الشكلية، والأعمال الفنية رديئة الجودة.