أحدث الأخبار مع #وتويترويوتيوب


العين الإخبارية
منذ 18 ساعات
- سياسة
- العين الإخبارية
بلا جوازات.. الهجرة الرقمية لجماعة الإخوان
بين زحام مقاطع الرقص والفكاهة القصيرة التي تملأ شاشة تيك توك، تختبئ شبكات إلكترونية تنشطها جماعة الإخوان، كما يكشف ملف سري بوزارة الداخلية الفرنسية حصلت عليه "لو فيغارو". ما كان منصة تسلية لحظية، تحول إلى ساحة تعبئة وتحشيد تُدار تحت مسمى "التذكير الإسلامي"، حيث استغلت الجماعة كل ركن من أركان هذا الفضاء الرقمي لتجنيد الشباب الذي يبتلع المحتوى بسرعة، بلا رقيب يوقف هذا الزحف. توضح المذكرة المؤلفة من تسع صفحات كيف أن "الإمام الإلكتروني" لجماعة الإخوان لم يعد مجرد صورة تقليدية للداعية، بل أصبح يتماهى مع أحدث صيحات منصات التواصل، مستخدمًا الفيديوهات القصيرة، والتأثيرات الصوتية، والمرئيات الجذابة، ليخترق عقول الفئات الصغيرة سنًا ويصل إليها بعمق غير مسبوق. تحذر المذكرة من تحول هذا النوع من التأثير إلى استراتيجية متطورة للتجنيد لا تكتفي بالتلقين الديني التقليدي، بل تصنع حالة نفسية وعقلية تمهد طريق التطرف. من منصة ترفيه إلى منصة تجنيد وفقًا للوثيقة نفسها، بات تيك توك من أهم المنابر التي تتصدرها عناصر جماعة الإخوان، حيث يغلب الخطاب المتشدد على المحتوى الإسلامي، وينتج هذا المحتوى تعليقات أشد تطرفًا من أصل الفيديو. وتتجاوز خطورة الأمر المحتوى ذاته إلى تفاعلات المتابعين، إذ تتحول المنشورات إلى أرض خصبة لترويج مواقف متشددة تتجاوز أحيانًا مضمون الرسالة الأساسية. في أوروبا، وعلى وقع تصاعد الصراع في غزة بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والرد العسكري الإسرائيلي، شهدت القارة ارتفاعًا لافتًا في اعتقالات مرتبطة بالإرهاب، غالبيتهم من المراهقين الذين يشكلون حوالي ثلثي المعتقلين بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويونيو/حزيران 2024. ويؤكد خبراء مثل عالم الجريمة الفرنسي ألان باور أن هؤلاء القاصرين غالبًا ما يكونون مجهولين لدى الأجهزة الأمنية قبل اعتقالهم، مما يبرز سرعة انتشار خطاب جماعة الإخوان وسهولة استقطاب الشباب إلى العنف. ملاذات الجماعة الرقمية وليس تيك توك وحده في خريطة جماعة الإخوان، فالتطبيقات الأقدم مثل تيليغرام ما زالت تحظى بأهمية بالغة في وسائل التجنيد والتخطيط للجماعة. تستغل عناصر الإخوان تطور أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى أسرع وأكثر جاذبية، رغم محاولات الجهات الرسمية والشركات الخاصة للحد من انتشار المواد المتشددة، تبقى هذه التطبيقات منبرهم الأول. في النمسا، بدا ذلك بوضوح في مطلع 2023، حين أحبطت السلطات مخططًا إرهابيا، تورط فيه ثلاثة شباب من أصول شيشانية وبوسنية، أحدهم لم يتجاوز الرابعة عشرة، وظهر أن تأثير مقاطع تيك توك التي تمجد الجهاد كان بوابتهم الأولى إلى الانخراط في أفكار الجماعة المتشددة. وامتد تأثيرهم إلى إنشاء قناة على تيليغرام لتبادل المعلومات حول الهجمات وجمع التبرعات لشراء أسلحة، مستفيدين من أدوات الذكاء الاصطناعي لاختبار وتحسين رسائلهم. لكن المواجهة التي تقوم بها منصات التواصل الكبرى مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب لم تضع حدًا للظاهرة، بل دفعت جماعة الإخوان إلى "الهجرة الرقمية" إلى زوايا أكثر ظلمة في الفضاء الإلكتروني. بعد حظر مجموعة "إنسيل" على ريديت عام 2017، انتقل أعضاؤها إلى منتديات أخرى كـ 4chan و8kun ومواقع أخرى خاصة، ما عزز من عزلتهم وعمق إيديولوجياتهم. مراحل التطور الرقمي لعناصر الجماعة تشير الدراسات إلى تطور واضح في مسار نشاط عناصر جماعة الإخوان الرقمية، حيث مرت بثلاث مراحل: الأولى بين 1984 وحتى منتصف الألفينات استخدمت فيها المنتديات ولوحات الإعلانات؛ الثانية في منتصف 2000 حتى 2010 انتقلت إلى منصات التواصل الكبرى؛ والثالثة منذ 2010 وما بعدها، بدأت الجماعة تنسحب إلى منصات أصغر وأكثر خصوصية مثل تيليغرام وSimpleX الذي يقدم تشفيرًا متقدمًا يجعل الرقابة أكثر صعوبة. كلما ضاقت عليهم منصة ما، تجد عناصر الجماعة ملاذًا جديدًا يوفر لهم الحماية والخصوصية، وهو ما يفسر استمرار الجماعة في التسلل من منصة إلى أخرى بلا توقف. من فيسبوك إلى تيليغرام، ومن تيليغرام إلى SimpleX، لا تموت النشاطات، بل تنتقل عبر أزمنة ومواقع رقمية أكثر ظلمة، في معركة مستمرة بين المنع والمراوغة داخل فضاءات تفتقر إلى توازن القوة بين الجهات الرسمية والجماعة. فلا توجد خوارزميات تراقب، ولا إدارة محتوى تمحو المنشورات، بل غرف مغلقة، شفرات عميقة، ورموز سرية. رسائل عناصر الجماعة الإخوان لم تعد صوتًا عاليًا فقط في ساحات مفتوحة، بل همسًا مختبئًا في مجموعات مشفرة، حيث الاستهداف صار انتقائيًا، ويُزرع السم ببطء، في بيئة أكثر خطورة من العلن.حيث غيرت العنوان، وبدأت رحلة هروب رقمي متجددة، تبحث عن ملاذات جديدة بعيدًا عن أعين الرقابة. استراتيجيات "قصف الحب" الرقمية كان استقطاب النساء الشابات أكثر وضوحاً وأهمية. لم يعد الأمر حكراً على استهداف الشباب الذكور كما كان في الماضي، بل امتد إلى النساء والفتيات، لاسيما بعد موجة الانضمامات التي شهدها تنظيم داعش من بينهن. من بين أبرز الاستراتيجيات التي تستخدمها تلك الجماعات لاستقطاب النساء الشابات، نلحظ: • الاستغلال العاطفي: حيث يتبعون أسلوباً يُعرف بـ"قصف الحب"، يقوم على بناء علاقة عاطفية متينة مع الفتيات، ما يجعل التأثير النفسي أكثر عمقاً ويهيئ المجال لانجذابهن للرسائل المتطرفة. • التحريض على الشعور بالذنب: عن طريق استدعاء مفاهيم مثل "فخ الطهارة"، مما يضع ضغطاً نفسياً على النساء الشابات ليشعرن بوجوب الانضمام والدفاع عن أفكار الجماعات. • الاستفادة من التجارب الشخصية: تستهدف النساء اللواتي مررن بتجارب تهميش اجتماعي أو تعرضن للعنف الأسري، مقدمين لهن وعوداً بالحماية، والتمكين، وانتماء جديد يعوض النقص في حياتهن. • الترويج للأخوة الرقمية: من خلال تأسيس مجموعات مغلقة على مواقع التواصل، توفر بيئة افتراضية داعمة ومُحفزة، تسهل عمليات التجنيد وتوطيد الولاء. التشفير اللغوي.. كيف تفر الجماعة بين منصات التواصل؟ دراسة منشورة في مجلة "Journal of Terrorism and Political Violence" تؤكد أن "التنقل بين المنصات وتغيير التكتيكات أسلوب رئيسي تعتمد عليه جماعة الإخوان لمواصلة نشاطها الرقمي رغم محاولات الحظر المكثفة". تطورت طرقهم بشكل مستمر لتجاوز الفلاتر والأنظمة التي تحاول كشفهم. ففي تقرير نشرته شبكة BBC عام 2023، تم تسليط الضوء على استراتيجياتهم في "التشفير اللغوي" حيث يستخدمون رموزاً وكلمات غير مباشرة، وأحياناً صوراً وفيديوهات تحمل رسائل مخفية لا تتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من التقاطها بسهولة، ما يجعل المحتوى كأنه يختفي تحت سطح الرقابة، لكنه في الحقيقة ينتشر بلا قيود. وبحسب دراسة لمعهد "جيمس ماديسون" عام 2024، فإن حظر الحسابات أو المجموعات على منصة معينة سرعان ما يؤدي إلى هجرة جماعية إلى منصات أخرى أقل رقابة، مما يعقد مهمة الحكومات وشركات التقنية ويجعل مكافحة هذه الظاهرة أصعب بكثير. هذا التنقل بين المنصات ليس عشوائياً، بل يعتمد على تقنيات متقدمة كالشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) التي تخفي الموقع الجغرافي للمستخدم، مما يصعب على الجهات المختصة تعقّبهم أو حتى حصر نشاطاتهم. عبر هذه الأدوات، يتمكنون من تخطي الحظر الجغرافي المفروض على بعض المنصات في مناطق محددة، ويزيدون بذلك من نطاق تأثيرهم الرقمي. لكن هذا التجوال المستمر بين المنصات يضع تحدياً حقيقياً أمام جهود مكافحة نشاطات جماعة الإخوان الرقمية. إذ تظل إجراءات الحظر والإزالة محدودة الفاعلية، لأن الجماعة قادرة على التنقل بسلاسة، والاختباء خلف أساليب تمويه متعددة تجعل من رصدها أمراً معقداً ومكلفاً. مبارزة الظلام.. لماذا تفشل جهود المواجهة؟ في عام 2024، أطلق أنصار الجماعة برنامجاً إعلامياً يعتمد على الذكاء الاصطناعي باسم "حصاد الأخبار" بهدف نشر فيديوهات دعائية بشكل مكثف. دراسة نُشرت في مجلة CTC Sentinel يناير/كانون الثاني 2024 كشفت أن بعض منصات الذكاء الاصطناعي تستجيب للطلبات التي تحمل نوايا الجماعة، حتى وإن كانت مشفرة بصيغ غير مباشرة، عبر ما يُعرف بنظام "الجيلبريك"، مما يجعلها عرضة للاستخدام السيئ. وبحسب تقرير صادر عن جامعة جيمس ماديسون، فإن عناصر الجماعة لا يختارون منصات التواصل الاجتماعي عشوائيًا، بل يتبعون استراتيجية مبنية على ثلاثة عوامل رئيسية: مستوى الرقابة على المحتوى، طبيعة الجمهور المستهدف، والأدوات التقنية المتاحة لهم. وفي مقابلة مع موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، قال أحد الباحثين في مجال مكافحة التطرف: "المجتمعات الرقمية التي انتقلت إليها الجماعة باتت أشبه ببيئات معزولة ومغلقة، حيث لا يمكن للجهات الأمنية أو حتى الباحثين النفاذ بسهولة إليها. كل محاولة تدخل قد تُفسر كمحاولة رقابة، مما يزيد من حالة التمرد والتطرف داخل هذه المجموعات." السلطات وشركات التكنولوجيا ليست بلا حول، لكنها أبطأ من وتيرة التغيير. كل منصة تُغلق، تظهر أخرى. كل تقنية مراقبة تُطوَّر، تُقابل بخدعة جديدة. وفي الوقت الذي تنشغل فيه الحكومات بوضع قوانين، ينجح المتطرفون في تجاوزها عبر أدوات مفتوحة المصدر، وشبكات لا مركزية، وبروتوكولات تشفير. وفي الوقت نفسه، تُعيق قوانين حماية الخصوصية، والموارد المحدودة، وتسارع التحولات الرقمية جهود الحكومات والمنصات. هنا تسكن المعركة الحقيقية: صراع مستمر بين التكيف الرقمي للجماعة الإخوان، وسباق الحكومات والمنصات في إغلاق المنافذ أمامها. هذه التطورات تفتح أبواباً جديدة لاستغلال التقنيات الحديثة من قبل الجماعة، وتضع تحديات معقدة أمام أجهزة الأمن وشركات التكنولوجيا، التي تحاول جاهدة محاصرة هذه الظاهرة المتجددة عبر فضاء الإنترنت الرحب. التنقل بين المنصات، الترميز اللغوي، المجتمعات المغلقة، واستخدام الذكاء الاصطناعي كلها أدوات في يد الجماعة، تجعلها أشبه برقصة دائمة في الظل، لا تتوقف، ولا تنتهي. aXA6IDgyLjIzLjIxNy4xMzMg جزيرة ام اند امز CH


صوت بلادي
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- صوت بلادي
التاريخ من القاع… سردية المغيَّبين في العالم العربي...!! بقلم: محمد سعد عبد اللطيف
في عالمٍ يُكتَب فيه التاريخ من فوق، حيث تُدوَّن انتصارات السلاطين وأهواء الحكام في سجلاتهم المذهَّبة، يبقى صوت المقهورين في القاع هامسًا، لكنه حاضر. هكذا يتشكَّل التاريخ الرسمي: خطاباتٌ جوفاء، وسرديَّاتٌ تبريريَّة، واحتفالاتٌ مصطنعة بانتصاراتٍ لم تحدث، بينما الحقيقة تُدفَن مع أصحابها أو تبقى صرخةً يتيمةً في الأزقَّة المظلمة للمدن والقرى المنسيَّة. "بين السلطة والكلمة… معركة الوجود" في العالم العربي، التاريخ دومًا ملكٌ للسلطة، يُعاد تشكيله بحسب الحاجة، ويُسحق من يعترض أو يكتب ما لا ينبغي أن يُكتَب. إنها معركةٌ قديمةٌ بين القلم والسيف، بين الخطاب الرسمي والخطاب المضاد، بين السلطة والخطاب الروائي. هذا الأخير هو صوت الفقراء والمهمَّشين، الذين لم يكن لهم يومًا مكانٌ في سجلات البلاط، لكنه ينبعث في قصص الشوارع وأحاديث الحارات. كان" ابن خلدون "من أوائل من كسر هذه القاعدة، إذ نقل التاريخ من صالونات الحكم إلى الأسواق والطرقات، متأمِّلًا في حياة البسطاء، ومقدِّمًا رؤيةً تختلف عن خطابات السلاطين. واليوم، يُعاد إنتاج هذه الفكرة في تيَّاراتٍ فكريَّةٍ وأدبيَّة، مثل: "التاريخ من أسفل" في بريطانيا، و"الميكروتاريخ" في إيطاليا، و"دراسات التابع" في الهند، حيث يُعاد اكتشاف الهامش بوصفه مركزًا حقيقيًّا للحياة والتاريخ. "سوريا… حيث يُكتَب التاريخ بالدم" منذ اندلاع المأساة السوريَّة، أرادت السلطة أن تكون الجريمة صامتةً، بلا شهود. لكنها اصطدمت بجيلٍ مسلَّحٍ بالكلمات والتكنولوجيا، يوثِّق ما يحدث لحظةً بلحظة. المواطنون البسطاء، الذين لم يدرسوا التأريخ أو الصحافة، تحوَّلوا إلى المؤرِّخين الحقيقيِّين لهذه المرحلة. في ظلِّ آلة التزوير الإعلامي، كان الفيسبوك وتويتر ويوتيوب هو الأرشيف البديل، حيث لا يمكن دفن الحقيقة إلى الأبد. لكن، رغم هذا التوثيق، سيظلُّ هناك من يحاول إعادة سرد الحكاية وفقًا لرغبات المنتصر. سيُقدَّم الجلَّادون أبطالًا، وستُطمَس أسماء الأمهات الثكالى والأطفال الذين قُتلوا في صمت. وهنا تكمن أهميَّة أن يكتب الناس تاريخهم بأنفسهم، بعيدًا عن السلطة وسرديَّاتها المصطنعة. "المسكوت عنه في العالم العربي" بينما يُكتَب التاريخ الرسمي في القصور، يُحكَى التاريخ الحقيقي في القرى، بين الرعاة والفلاحين، في السجون المعتمة، في أزقَّة المخيَّمات، وعلى ألسنة من لا صوت لهم. لكنه تاريخٌ مخفيٌّ، ممنوعٌ من التداول، ومهدَّدٌ بالإبادة في كلِّ لحظة. في مصر، يظهر تاريخ القاع في حكايات الفلاحين الذين طُرِدوا من أراضيهم، وفي صمت العشوائيَّات التي تحيط بالقاهرة مثل حزامٍ بائسٍ لا يريد أحدٌ أن يراه. في العراق، هو تاريخ المختفين في السجون والمقابر الجماعيَّة. في فلسطين، هو تاريخ الأمهات اللواتي ينتظرن أبناءهنَّ العائدين من المعتقلات أو الذين رحلوا دون عودة. في لبنان، هو تاريخ من عاشوا الحروب ثم اضطرُّوا لابتلاع مآسيهم في صمت. وفي كلِّ هذه الدول، يُنظِّر مثقَّفو الصالونات عن الحداثة والديمقراطيَّة، بينما يموت الناس في القاع دون أن تُذكَر أسماؤهم في أيِّ كتاب. "السلطة تخاف من الحقيقة" لم تكن هناك سلطةٌ يومًا ما لا تخاف من الكلمة، فالكلمة تكشف، تعرِّي، تفضح، وتبقى حتى بعد سقوط الطغاة. لهذا، تضع الأنظمة قوانين "العيب"، و"الفتنة"، و"إهانة الرموز"، لمنع أيِّ سرديَّةٍ بديلة. ولهذا، تخاف الجماعات الدينيَّة المتشدِّدة من الفلسفة والفكر النقدي، لأنَّهما يدمران الصورة النمطيَّة التي تريد نشرها عن نفسها. بل حتى الأفراد، الذين بنوا حياتهم على أقنعةٍ مزيفة، يخافون من الحقيقة، لأنَّها تُجرِّدهم ممَّا يتخفَّون خلفه. ولهذا، يخشى العالم العربي التاريخَ الحقيقي، لأنَّه يفضح زيف السرديَّات الرسميَّة، ويدمِّر أسطورة الحكَّام المخلِّصين، ويعيد تعريف الهويَّة بعيدًا عن الأكاذيب التي ورثناها. "من هامش البرازيل إلى قاع الوطن العربي" الكاتبة البرازيليَّة (كونسيساو إيفاريستو) كتبت تاريخ الهامش، تاريخ من وُلدوا بلا امتيازات، ومن عاشوا كأيادٍ عاملة في منازل الأغنياء. لم تستسلم لوضعها، بل كتبت، وثبَّتت صوتها في المشهد الأدبي حتى أصبح جزءًا من المناهج الدراسيَّة. إنَّها نموذجٌ للكيفيَّة التي يمكن بها تحويل القاع إلى مركز، وجعل صوت المهمَّشين جزءًا من الرواية الوطنيَّة. في العالم العربي، نحتاج إلى مئاتٍ من هذه الأصوات، إلى كتاباتٍ تأتي من العشوائيَّات والقرى، من أمهات الشهداء، من العمَّال المنسيِّين، من اللاجئين الذين تحوَّلوا إلى أرقام. نحتاج إلى أن يكتب كلُّ فردٍ قصَّته، كما هي، بلا تزييف، بلا محاولةٍ لإرضاء السلطة، بلا خوف. "التاريخ يُكتَب الآن… فإمَّا أن نرويه، أو يكتبه غيرنا" إذا تركنا للسلطة كتابة التاريخ، فسنعيش للأبد في كذبة. إذا لم نوثِّق القاع، سيظلُّ المهمَّشون في الظلِّ، وستبقى الحقيقة مدفونةً تحت ركام الأكاذيب الرسميَّة. التاريخ ليس سجلات الحكَّام، بل هو يوميَّات الفقراء، صرخات الضحايا، أحلام العمَّال، ودموع الأمهات. إنَّه في الأسفل، حيث الحقيقة، لا في الأعلى، حيث تُباع الكلمات لمن يدفع أكثر....،


صوت العدالة
٢٣-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- صوت العدالة
التنظيم القانوني للصحافة في العصر الرقمي: تحديات التوازن بين حرية التعبير والمهنية الإعلامية
بقلم : طلوع عبدالإله/ دكتور في القانون العام والعلوم السياسية شهدت الصحافة في العصر الرقمي تحولاً عميقاً نتيجة التقدم التكنولوجي السريع وظهور منصات التواصل الاجتماعي التي جعلت الأفراد والمجموعات قادرين على نشر الأخبار والمحتويات الإعلامية بشكل غير مسبوق. هذا التحول أوجد تحديات جديدة في تنظيم الصحافة، إذ أصبح من الصعب التمييز بين الصحافة المهنية وحرية التعبير الشخصية، ما يضع المشرعين أمام مسؤولية كبيرة لضبط هذه الحدود بشكل قانوني يحمي الحقوق الفردية والاجتماعية. التحديات القانونية في الفضاء الرقمي يواجه المشرع المغربي تحديات قانونية معقدة في تنظيم الصحافة في العصر الرقمي. فإلى جانب القوانين التي تحكم الصحافة التقليدية، مثل تلك المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة، فإن الصحافة الرقمية تثير العديد من الإشكاليات القانونية التي تتطلب تطوير تشريعات جديدة تواكب هذا التحول. فعلى الرغم من وجود قوانين تشترط حصول الصحفيين على بطاقة صحفية تمكّنهم من ممارسة المهنة بشكل رسمي، فإن الفضاء الرقمي يتيح للأفراد نشر الأخبار والمعلومات دون الحاجة إلى أي معايير مهنية أو تعليمية، مما يؤدي إلى انتشار الأخبار المضللة. وبالإضافة إلى ذلك، يطرح قانون الصحافة العديد من التساؤلات حول كيفية معاقبة الأشخاص الذين ينشرون معلومات تتعلق بالشأن العام دون أن يكونوا حائزين على بطاقة صحفي، أو ما إذا كان يجب تطبيق نفس المعايير القانونية على أولئك الذين ينشرون الأخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي. بينما نجد أن الصحافة التقليدية تخضع لمجموعة من المعايير المهنية والضوابط القانونية، لا يخضع المستخدمون العاديون على الإنترنت لنفس المعايير، ما يثير إشكالية التمييز بين حرية التعبير الصحفي والتعبير الشخصي. حرية التعبير والصحافة المهنية في العصر الرقمي في سياق العصر الرقمي، يظهر تداخل بين الصحافة المهنية وحرية التعبير الشخصية. ففي حين أن الصحافة التقليدية تتبع معايير محددة لتحرير الأخبار وجمع المعلومات، فإن الفضاء الرقمي يتيح لكل فرد نشر ما يراه مناسبًا من دون وجود رقابة صارمة. مما يؤدي إلى تداخل في الأدوار بين الصحفيين المحترفين والأفراد العاديين الذين قد ينشرون معلومات على شكل أخبار، أحيانًا قد تكون غير دقيقة أو مضللة. إحدى التحديات التي تبرز في هذا السياق هي كيفية تعامل المشرع مع المحتوى الذي ينشره الأشخاص غير المحترفين. فإذا كان الأفراد يشاركون معلومات أو آراء تتعلق بالأحداث الجارية أو الشؤون العامة، فقد يكون من الصعب التمييز بين هذا النوع من النشر وبين العمل الصحفي الذي يلتزم بمعايير المهنية. فالمؤسسات الإعلامية تتحمل مسؤولية نشر محتوى دقيق وفقًا للمعايير الصحفية، بينما غالبًا ما يتسم المحتوى الرقمي بنقص في الدقة والمصداقية، وهو ما قد يشكل تحديًا في سياق التنظيم القانوني للصحافة. التحديات القانونية لتنظيم الصحافة الإلكترونية لقد أصبح من الواضح أن هناك حاجة ملحة لتطوير القوانين المتعلقة بالصحافة الإلكترونية بحيث تأخذ في الاعتبار الخصائص الخاصة لهذه الصحافة. فمنصات الإنترنت مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب تعتبر منصات مفتوحة للمشاركة، حيث يمكن لأي شخص نشر محتوى دون الالتزام بالضوابط المهنية التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية. هذه المسألة تثير تساؤلات حول كيفية تنظيم المحتوى الرقمي ومنع نشر الأخبار الزائفة أو المضللة. يجب على المشرع المغربي التفكير في تطوير تشريعات جديدة تحدد كيفية تعامل الصحافة الإلكترونية مع المحتوى الرقمي بطريقة تحترم حرية التعبير ولكن في نفس الوقت تحمي المجتمع من الأضرار التي قد تنشأ عن الأخبار غير الدقيقة. ويجب أن تكون هذه التشريعات مرنة بما يكفي لتلبية المتطلبات المتزايدة لهذا المجال، بما في ذلك مكافحة الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي، بالإضافة إلى فرض معايير لضمان الشفافية والمصداقية في نشر المحتوى. التحدي في موازنة حرية التعبير والمهنية الإعلامية من التحديات الكبرى التي يواجهها المشرع في المغرب هي ضرورة الموازنة بين حرية التعبير التي يكفلها الدستور وحماية الصحافة المهنية من الانتهاكات. فالحرية الإعلامية هي من حقوق الإنسان الأساسية، ولكن في ذات الوقت يجب تنظيم هذا المجال بشكل يضمن احترام القيم المهنية والمصداقية الصحفية. قد يكون من الصعب في بعض الأحيان التمييز بين الحريات الفردية في التعبير عن الرأي والنشر الصحفي الذي يتطلب معايير محددة للتمحيص والتحقق من الأخبار. تتطلب هذه الموازنة النظر في متطلبات حماية الأفراد من التشهير والسب والقذف من جهة، بينما تظل الصحافة الحرة والنزيهة جزءًا أساسيًا من النظام الديمقراطي من جهة أخرى. لذلك، يتعين على المشرع المغربي أن يضمن عدم إعاقة حرية التعبير الشخصية، مع الحفاظ على حقوق الصحفيين في ممارسة مهنتهم بكفاءة واحترافية، وضمان أن تتم محاسبة الذين ينشرون معلومات خاطئة أو مضللة. تطوير التشريعات القانونية في الصحافة الرقمية لتجاوز هذه التحديات، يجب أن يتجه المشرع المغربي نحو تحديث القوانين بشكل يشمل كافة أبعاد الصحافة الرقمية. ينبغي أن يكون هناك تمييز واضح بين الصحافة كوظيفة مهنية، تتطلب توافر معايير محددة مثل النزاهة والمصداقية، وبين التعبير الشخصي الذي يتم عبر منصات التواصل الاجتماعي. من خلال التشريعات الجديدة، يمكن أن يتعامل المشرع مع المحتوى الرقمي في إطار يحترم حرية التعبير دون المساس بمصداقية الصحافة. يجب أن تشمل هذه التشريعات أيضًا أطرًا قانونية لحماية الصحفيين من التضييق عليهم في ممارسة مهنتهم، وضمان احترام معايير الجودة في جمع وتحليل الأخبار. كما يجب أن تشتمل على آليات لمكافحة الأخبار الزائفة والمضللة التي تنتشر بسرعة عبر الإنترنت، وبالتالي تهدد الثقة العامة في الإعلام. هذا يتطلب توازنًا بين حماية المجتمع وبين احترام حرية الصحافة والتعبير، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق التقدم الإعلامي في العصر الرقمي. الخاتمة: ضرورة التحول في التشريعات ختامًا، إن تنظيم الصحافة في الفضاء الرقمي في المغرب يتطلب مزيدًا من الاهتمام التشريعي والتطوير القانوني ليتماشى مع التطورات المتسارعة في مجال الإعلام الرقمي. يجب أن تكون التشريعات واضحة ودقيقة بما يكفي لتفصل بين الصحافة المهنية وحرية التعبير الشخصية، مع ضمان حماية الحقوق الفردية في التعبير عن الرأي. في هذا السياق، يحتاج المشرع إلى تطوير منظومة قانونية مرنة تتواكب مع التحديات الرقمية الجديدة، وتوفر الإطار القانوني المناسب الذي يضمن مهنية الإعلام وحماية المجتمع من الأخبار المضللة في آن واحد.