أحدث الأخبار مع #وحلمإسرائيل


الأسبوع
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الأسبوع
فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد
مصطفى بكري بقلم - مصطفى بكري نتنياهو ووالده أعلنا العداء لمناحيم بيجين بزعم أنه تخلى عن سيناء للسادات جد نتنياهو أوصى: لا تتخلوا عن شبر واحد من القدس.. فهي لكم، ومنها سيأتي البعث!! نتنياهو كان يرى أن الرئيس مبارك هو «عربي-مصري» أكثر من كونه «مصريًا-عربيًا» في هذه الحلقة الجديدة من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع لمؤلفه الكاتب الصحفي مصطفى بكري، يستعرض الكاتب أهم وصايا عميد عائلة نتنياهو وجده «ميليكوفسكي» والتي كتبها في عام 1935، وجمع أولاده التسعة وأوصاهم بها ومنها: «لا تتركوا القدس أبدًا، استقروا فيها، تزوجوا فيها، أنجبوا فيها، موتوا فيها، القدس لكم وأنتم لها». وأوصى الجد أيضًا بدحر السكان العرب لتكون القدس خالية فقط على اليهود، وهو ما تعهد به نتنياهو لوالده منذ طفولته. ويتطرق المؤلف في هذه الحلقة إلى الخلاف الذى جرى بين نتنياهو ووالده مع مناحيم بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، بسبب ما أسموه بتنازله عن سيناء للرئيس السادات، معتبرين أن ذلك حق أصيل لإسرائيل. ويرصد المؤلف مواقف نتنياهو وعائلته من حكام مصر وتوصيفهم، حيث ظل الاعتقاد والسائد لديهم جميعًا أنهم ليسوا سوى أعداء لإسرائيل وأن إسرائيل يجب أن تتعامل معهم فى حدود مصلحتها القومية والأمنية. يسترجع بنيامين في كثير من الأحيان وصية جده ميليكوفسكي عميد العائلة والتي كتبها في سنة 1935، حيث جمع أولاده التسعة: بن تسيون، وسعديا، واليشع، ونتنياهو، وعاموس، وميريام، وزفارياى وعزرا، وحوفيف (أي والد وأعمام بنيامين) وبعد أن جمعهم وكان قريبًا من الموت، قال لهم وصيته: 'أوصيكم بألا تتركوا القدس أبدًا، استقروا في القدس، تزوجوا في القدس، أنجبوا في القدس، موتوا في القدس، القدس لكم، وأنتم لها، افعلوا ما شئتم ولكن عودوا إلى القدس، وصيتي لكم لا تدعوا يهوديًا لا يعرف قدر القدس إلا وشرحتم له ماذا تكون القدس في الميزان، من القدس سيكون لليهود شأن، وإلى القدس سيكون البعث والخلود، إن كان معكم مال فاشتروا به حفنة رمال أو تراب من القدس لا تدعوا فرصة تفوتكم في شراء المنازل والأراضي، ودحر السكان العرب من هذه الأرض المباركة، اعقدوا رباط الإيمان والمحبة فيما بينكم في القدس، ابنوا بيوتًا جميلة في القدس، شاهدوا العالم وأنتم في القدس، إذا ما حققتم ذلك فإن العالم كله سيأتي إليكم سريعًا مهرولًا، لأن القدس هي القدس، والعالم كله يعرف سر القدس، واليهود آخر من يعلمون سرها العظيم'. كانت الوصية التى كتبها ميليكوفسكى لأولاده عن القدس تعد من أهم الوصايا التى تركها الحاخام اليهودى. هذه الوصية بالذات تجدها عند كل عم من أعمام نتنياهو ووالده، وهى محفوظة عن ظهر قلب لبنيامين نتنياهو الذى كثيرًا ما يتعهد لنفسه وأمام أهله بأنه سيحافظ على وصية جده بشأن القدس، وهذا يعنى أن بنيامين مهما خادع في قبول أي سلام مع الفلسطينيين حول القدس، فإن القدس ستظل في ذاكرة بنيامين كما رسمتها وصية جده ميليكوفسكي، ويؤمن بنيامين بهذه الوصية إيمانًا عميقًا ويدرك أن القدس يجب أن تظل للأبد في يد إسرائيل، ومجرد الحديث في عائلة نتنياهو عن القدس من حيث إمكانية التفاوض مع العرب بشأنها، يعتبر خيانة كبرى في حق دولة إسرائيل، كما أن وصية جد نتنياهو تركت فيه أثرًا عميقًا من حيث ضرورة تشبثه بالقدس، وكان دائمًا يوعظ أبناءه: إذا رأيتم غريبًا دخل القدس فاقتلوه، فالقدس لليهود وليست للأغراب، حيث يقول: يجب أن يعلم الجميع أن القدس هي أرض الميعاد، وهناك اعتقاد لدى بعض أفراد أسرة نتنياهو أن القيامة ستنبثق من القدس، وأن الذين عاشوا بالقدس سيكونون أوائل من يغفر لهم، ويدخلون الجنة، ويبتعدون عن النار، كما أنهم أول من يحاسبون وسيتجنبون زحام يوم القيامة، أو حرقة الشمس، وغير ذلك من تداعيات يوم القيامة، وأن هذه الفكرة الدينية تتناقلها أسرة نتنياهو ويحاولون غرسها في الصغار، وكان بنيامين أحد الأطفال الذين أعجبتهم هذه الفكرة، وكان من طفولته- مثل أسرته- قد بدأ يروج لهذه الفكرة وسط أصدقائه من اليهود الآخرين. وإذا كانت وصية الجد 'ميليكوفسكى' بشأن القدس بدأت تضعف شيئًا فشيئًا لدى العديد من أعمامه بسبب تقلبات الحياة، فإن 'تسيون' والد نتنياهو، وعمه اليشع هما أكثر الأخوة تمسكًا بهذه الصيغة لأن الآخرين فضلوا الانتقال والسعي وراء لقمة العيش، بل إن والده بن تسيون- وتحت ضغوط الحياة في مرحلة من مراحل حياته أيضًا- ترك القدس ورحل إلى الولايات المتحدة، بل إن بنيامين نتنياهو يعتبر في أوراقه ومذكراته أن الـ17 عامًا التي قضاها في الولايات المتحدة كانت فترة إعداد جيد له، من أجل أن يعود ليستقر في القدس نهائيًا وأن أصعب شيء على نفسه أن يُتوفى خلال الـ17 عامًا التي قضاها بأمريكا، حيث كان يخشى ألا يحصل على المغفرة الواجبة في الآخرة بالنسبة إليه إذا لم يستقر في القدس، أو أن يكون قريبًا منها. لقد كانت هذه الأفكار الدينية سببًا في بداية الصدام بين والد نتنياهو 'تسيون' ومناحم بيجين الذى كان قائدًا للمنظمة العسكرية 'إتسل' الذى أصبح فيما بعد رئيسًا لوزراء إسرائيل، حيث إن بن تسيون وأخاه اليشع وغيرهما من أفراد أسرة بنيامين دخلوا في خلافات ومساجلات ضخمة مع مناحم بيجين حول سياساته وبخاصة تلك التي أدت إلى سياسة السلام مع السادات، خاصة وأن أسرة نتنياهو ونظرًا إلى ازدياد الخلافات مع بيجين كانوا يرون أن السادات استطاع أن يؤثر بشخصيته القوية في تفكير وقرار بيجين، وأن الأخير عندما تنازل عن سيناء، إنما تنازل عن حق أصيل لدولة إسرائيل، وأن أكبر خسارة في تاريخ إسرائيل منذ عام 1948، هو التنازل عن سيناء، وكان أحد أعمام بنيامين نتنياهو المستقرين في أمريكا، والذى قام بالإنفاق على الحملة الانتخابية له، سأله: إذا نجحت وكنت رئيسًا لوزراء إسرائيل هل ستعمل على إعادة سيناء إلى إسرائيل؟ هل ستستطيع تصحيح خطأ بيجين، وتعيد لنا الكرامة التي ضاعت في سيناء؟ وعلى الرغم من أن عم نتنياهو هذا لا يعرف شيئًا في السياسة إلا أنه صهيوني متعصب، كل ما يهمه هو الأرض في سيناء، وشراء أكبر عدد من المنازل العربية لليهود في القدس، ويذكر أن أعمام نتنياهو قرر كل منهم أن يخصص ربع أمواله لشراء المنازل والأراضي العربية بخاصة فى مدينة القدس، وأن هذه الفكرة أقنعهم بها بنيامين، عندما طلب منهم في زيارة إلى الولايات المتحدة بعد نجاحه في الانتخابات الإسرائيلية أن ينفذوا نصيحة الجد ميليكوفسكى ويعودوا ويستقروا في إسرائيل، إلا أنهم رفضوا دعوة ابن أخيهم وقالوا له: تستطيع أن تعتمد علينا ونحن هنا، سنمدك بالمال والقوة، سيخصص كل واحد منا ربع أمواله لشراء الأرض والمنازل في القدس، والمناطق العربية، سنفعل ما بوسعنا من أجلك ومن أجل إسرائيل، ومن المعروف أن أعمام نتنياهو مليارديرات وهم من الذين اشتهروا بالتحكم في تجارة الصلب على مستوى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، وعنما سأل عم بنيامين هذا السؤال لابن أخيه كان رد بنيامين ولم لا، يمكن أن يحدث ذلك؟ فرد عمه: إذا استرددت سيناء من مصر سأقول إن إبن أخى نجح فى إسرائيل، لأن التخلى عن سيناء ليس أمرًا سهلًا، ولكنه أصعب من الإدراك، وكان أعمام نتنياهو جميعًا من المعمرين حيث إن أعمارهم تتراوح ما بين عقدى السبعينيات والثمانينيات وجميعهم من أهل الخبرة فى التجارة، والمال الوفير، ويعيشون حياة رغدة، وهم قيادات مؤثرة فى جماعات اللوبى الصهيونى الأمريكى، ولهم نفوذهم الواضح داخل الأوساط السياسية الأمريكية، وهم من الناحية الدينية متعصبون، للأيديولوجية الصهيونية، وهم لا ينشغلون بالأحوال السياسية فى العالم، إلا أنهم منشغلون بتحليل الشخصيات التى تقود المنطقة العربية. ووفق المعلومات فإن أكثر الزعماء العرب كرهًا لأعمام نتنياهو في الماضي هم جمال عبد الناصر والعقيد القذافي والرئيس الأسد، وعندما مات جمال عبد الناصر احتفل أعمام نتنياهو بموته على طريقتهم الخاصة، حيث أعدوا ثلاث ولائم كبرى في ثلاث ليال، ودُعي إلى هذه الولائم السياسيون الأمريكيون وشخصيات من العديد من الدول الأوروبية الأخرى، بالإضافة إلى القيادات اليهودية في جميع أنحاء العالم، كما شارك في هذه الولائم بعض الساسة الإسرائيليين الذين سافروا خصيصًا من إسرائيل إلى أمريكا للمشاركة في ولائم أولاد 'ميليكوفسكي' ابتهاجًا بوفاة جمال عبد الناصر، وعلى الرغم أيضًا من أن نتنياهو اليسع- وهو أحد علماء الرياضيات- يشارك إخوته في ذلك، إلا أنه يرى أن عبد الناصر كان يتصرف بعقلية العربي وليس الإسرائيلي، وأن الإسرائيليين يفكرون مثل عبد الناصر في القضاء عليه، أما والد بنيامين نتنياهو، فكان يرى أن السادات أكثر خطورة من عبد الناصر، لأنه يستخدم سلاح المراهنة والقرارات الفجائية، وأنه إذا كان عبد الناصر عقلًا مفتوحًا للإسرائيليين فإن السادات عقل مغلق، لا أحد يستطيع أن يعرف الخطوة التالية التي يمكن أن يضع فيها قدمه، كان بنيامين يؤمن بأفكار والده في هذا الشأن، أما حسنى مبارك فقد اختلف تقويم عائلة ميليكوفسكي له، فهم وإن كانوا متفقين على أنه شخصية عسكرية إلا أنه لم يخبر السياسة طويلًا، وتوقعوا في أوائل الثمانينيات عندما جاء للحكم أنه سيعسكر المجتمع المصري، وأن الأهمية القصوى له ستكون القوات المسلحة وأنه كان في اعتقادهم أن إسرائيل ستخوض حربًا عسكرية في عهد مبارك، وكان من وجهة نظرهم ضرورة مباغتة مصر عسكريًا، واسترداد سيناء حتى يمكن الحفاظ على الأرض في ظل عسكرة المجتمع المصري والتي سيسعى إليها، إلا أن آخرين كانوا يرون أن مبارك سيحافظ على حدود دنيا للسلام تمكنه من عدم مباغتة إسرائيل، وهكذا هذا الوضع ثابتًا في تفكير عائلة ميليكوفسكي، إلا أن أكثر فترات القلق التي عايشها بنيامين مع تفكير والده وبقية أسرته كانت تلك التي أعلن فيها عن تشكيل مجلس التعاون العربي بين مصر والعراق والأردن واليمن، حيث كانوا يرون أن هذا التحالف لابد أن يفضى إلى عمل عسكري عربي ضد إسرائيل، وقد بذل أعمام بنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة جهودًا كبيرة إبان تلك الفترة لتعبئة الرأي الأمريكي ضد مصر وسعوا إلى إقناع الساسة الأمريكيين بأن العرب يعدون لحرب شاملة ضد إسرائيل، وأن توقيت هذه الحرب مرتبط بالنجاح في إزالة الخلاف السوري والعراقي، وأن مصر هي التي تقود ذلك المحور إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك في تقييم مبارك، هل هو شخصية تريد السلام مع إسرائيل؟ أم أن هناك تفكيرًا آخر غير السلام؟ بنيامين نتنياهو كان يرى أن مبارك هو عربي مصري أكثر من كونه مصريًا عربيًا، وأن التعامل مع مبارك يجب أن يكون في إطار قلب المعادلة وإقناعه بأنه مصري قبل أن يكون عربيًا، وبن تسيون يرى أن هناك دورة للحكم في مصر، حيث إن عبد الناصر كان عربيًا مصريًا، والسادات كان مصريًا عربيًا، ومبارك عربيًا مصريًا، ومعنى هذه المعادلة باختصار أن العربي- المصري يولى أهمية أكثر للمصالح العربية عن المصالح المصرية، والعكس صحيح، وبنيامين نتنياهو وجميع الإسرائيليين يفضلون التعامل مع نموذج المصري العربي، ولكن هناك اتفاقًا بين عائلة ميليكوفسكي على أنه أيًا كان النموذج الذى يحكم مصر، فإنهم جميعًا أعداء لإسرائيل، وأن إسرائيل يجب أن تتعامل معهم في حدود مصلحتها القومية والأمنية، وبنيامين يعد من أكثر شخصيات عائلة ميليكوفسكي مرونة وتطورًا في تفكيره، إلا أن تفكيره لا يخل بالمفاهيم الأساسية لعائلة ميليكوفسكي، أما بالنسبة إلى إليشع عم نتنياهو الذى يقدره بنيامين كثيرًا فيرى أن قوة إسرائيل في قوتها العلمية والتكنولوجية، وأنه إذا كان هناك استعداد للحرب فإن هذا الاستعداد يجب أن ينبع من القوة العلمية والتكنولوجية، ومن المعروف عن إليشع أنه عالم في الرياضيات ويعتز بتعليمه في القدس، وفى التخنيون وهو أرقى معهد علمي في إسرائيل، وإليشع أيضًا متعصب للصهيونية بقدر تحمسه لقوة واستمرار دولة إسرائيل، وكانت له أفكاره التي غرسها بنيامين قبل إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، أهمها ضرورة أن تعتمد إسرائيل على قوة دولية كبرى تكون دائمًا عونًا لها، وأن التحالف الإستراتيجى مع القوى الكبرى هو الذى سيمكن إسرائيل من الانتصار على العرب كلما قويت شوكتهم، وبن تسيون يعتقد أيضًا بأفكار أخيه بالإضافة إلى بقية عائلة ميليكوفسكى، ولذلك لم يتورع إليشع عن أن يحارب في صفوف البريطانيين في الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك بهدف إقناع البريطانيين بعد ذلك بأن اليهود الذين حاربوا في صفوفها يستحقون أن تكون لهم دولتهم، وأن يكون البريطانيون على وعى بأهمية تنفيذ وعد بلفور في عام 1917، واستطاع اليشع أن يثبت جدارته في هذه الحرب، حيث إنه وضع عدة خطط للقصف الجوي البريطاني، كان محل تقدير من القادة العسكريين البريطانيين حتى أنهم عرضوا على اليشع- الذى يتميز بذكائه الحاد- أن يحصل على الجنسية البريطانية وأن يستمر في تقلد المناصب العسكرية البريطانية، إلا أن إليشع رفض هذا العرض البريطاني وألح في أن تجند بريطانيا كل قوتها من أجل تمكين إسرائيل من إنشاء دولتها. وبالتأكد فإن مجهود اليشع أو مجهود عائلة ميليكوفسكي لم يكن مجهودًا فاصلًا، حيث إن هناك العديد من آباء الصهيونية ومؤسسي دولة إسرائيل كانت لهم مجهوداتهم البارزة في هذا الشأن، إلا أن هذا لا يمنع من القول بأن عائلة ميليكوفسكي كان لها دور كبير، ومن المعروف أنه عندما دارت رحى حرب عام 1948، أسهمت إسهامًا كبيرًا، حيث إنهم اشتركوا في هذه الحرب اشتراكًا مباشرًا، كما أن القيادة العسكرية الإسرائيلية قررت الاستفادة من اليشع نتنياهو عالم الرياضيات والاستفادة من خبراته مع الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، فأسندوا له إعداد الخطط العسكرية ذات الأهمية الخاصة، وهذه الخطط كانت بحاجة إلى تفصيلها على خرائط عسكرية حتى تكون جاهزة للتنفيذ. ويفتخر بنيامين نتنياهو دومًا بأن عمه هو الذى وضع الخرائط العسكرية لحرب عام 1948، وأنه لولا هذه الخرائط ما تمكنت القوات الإسرائيلية من السيطرة على جنوب فلسطين، وضرب القوى العسكرية العربية في منطقة النقب، وبنيامين نتنياهو مما لا يعرفه الكثير عنه، أنه يلجأ في أوقات الفراغ إلى رسم الخطط العسكرية بخرائطها مسترشدًا في ذلك بخطط عمه اليشع نتنياهو، وبالتأكيد فإن هذه الخطط والخرائط تكون موجهة لكل دولة عربية على حدة، لذلك فإن البعض من الخبراء الإسرائيليين ووثيقي الصلة ببنيامين نتنياهو يقولون إنه لا توجد دولة عربية، إلا وكانت لها خطة عسكرية جاهزة في تفكير بنيامين.


الأسبوع
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الأسبوع
كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)
الكاتب الصحفي مصطفى بكري بقلم مصطفى بكري تنشر بوابة «الأسبوع» فصولًا من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» للكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس التحرير، والصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع. وفي الحلقة الأولى من الكتاب، رصد المؤلف تاريخ نتنياهو منذ الطفولة وعلاقته بوالده الذي لقنه الأفكار المتطرفة والمعادية للعرب والفلسطينيين، خاصة وأن جده كان من كبار دعاة الحركة الصهيونية. لقد رباه والده على كراهية أي يهودي يقبل بمصافحة العرب، وكان دائم الترديد على مسامعه «أن العربي إذا مد يده بالسلام، فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك» وإلى الحلقة الثانية الحلقة الثانية يحلم باحتلال سيناء وإعلانها عاصمة للدين اليهودى كان يعاني عقدًا نفسية لازمته طوال حياته سر الخلاف بينه وبين شقيقه «يوناثان» يرى أن العرب يجب أن يعودوا إلى مهنة رعي الأغنام وتربية الماشية فى الحلقة الثانية من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار «كنوز للنشر والتوزيع» يرصد الكاتب الصحفى مصطفى بكرى مراحل التطرف فى حياة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من خلال قراءة مذكراته وأقواله وتصريحاته، ويتوقف الكاتب فى هذه الحلقة عند مقولة نتنياهو عن سيناء حيث يقول: «إنها المكان الذى جاءت فيه رسالة موسى الذى أرسل لبنى إسرائيل، ومن الطبيعى أن يكون لليهود عاصمتهم فى سيناء (كما يزعم). ويحلم نتنياهو من خلال كتاباته بأن يبنى وسط سيناء المقر الرسمى للحكومة الإسرائيلية تحيط به المعابد اليهودية الكبرى، وأن تكون سيناء عاصمة للدين اليهودي. ويتناول المؤلف مسيرة نتنياهو فى فترة الشباب وأسباب ارتباطه بالقدس وعقده النفسية التى نتجت من خلال تطرفه ومعاملة الآخرين له. مثّل مقتل 'جوناثان نتنياهو' شقيق بنيامين نتنياهو نقطة تحول خطيرة فى فكر بنيامين، حيث إن 'بنيامين' كان يحب أخاه 'جوناثان' الذى كان بدوره متشددًا ضد العرب، وكان يرى ضرورة العمل على تقوية دولة إسرائيل، حيث يرى أن ضعفها الأساسى هو فى قلة عدد سكانها، وأنه لابد من العمل على تجميع شتات اليهود فى داخل الدولة، وتوفير كل مقومات الحياة الآمنة لهم. كان 'جوناثان' الأخ الكبير لبيبى، وأخوهم الثالث هو 'عيدو'، يجلسون سويًا عندما تدور بينهم أحاديث مهمة فى الحديقة الكبيرة التى كانت تتوسط منزلهم الذى استقروا فيه فى الولايات المتحدة الكائن فى ضاحية وينكوت، وهى إحدى الضواحى الأمريكية القريبة من فيلادلفيا، وكان هذا المنزل الذى استقروا فيه منذ عام1963 مكونًا من طابقين، كان إيجاره زهيدًا، حصل عليه 'تسيون نتنياهو' 'الوالد' من خلال أحد أصدقائه الأمريكيين والذى رشح للعمل كمحاضر للتاريخ فى كلية درونسى، وهى من الكليات غير المشهورة بل كانوا يعتبرونها أشبه بمدرسة، إلا أن 'تسيون' قرر أن يقبل العمل بهذه الكلية بعد الضغوط الشديدة التى تعرض لها داخل إسرائيل. كان عمر 'بنيامين' 13 عامًا، ويحكى عن هذه الفترة من خلال أوراقه الخاصة بقوله إنها 'كانت فترة مفعمة بالحيوية والنشاط وتكوين الأفكار، ويقول: لقد أحببت إسرائيل جدًا وعندما علمت أننى سأغادرها إلى الولايات المتحدة لم أكن فرحًا مثل غيرى ممن يمكن أن يتلقوا هذا الخبر ومضيت أنا وأخى 'جوناثان'، ومررنا على الشوارع والأزقة والمنازل فى القدس، ويضيف أتذكر ذلك اليوم جيدًا على الرغم من أننى كنت صغيرًا وكنت أبكى بشدة وجوناثان يهدئ من روعى، كنت أشعر بأن هناك رباطًا قويًا بينى وبين كل طوبة، وكل رجل وامرأة وطفل، وكان بداخلى إحساس بأننى لن أعود مرة أخرى، وأن هذا الإحساس كان يزيد معاناتى، إلا أننى أقسمت لنفسى أن أعود وأستقر فى هذه المناطق الجميلة، ويقول كانت الحديقة الكبرى فى منزلنا ببينكوت الأمريكية جميلة.. وكنت دائمًا أجلس مع أخواى 'جوناثان' و'عيدو'، وعلى الرغم من صغر سننا إلا أننا كنا نتحدث فى مستقبل إسرائيل وكأننا حكومة إسرائيلية نخطط ونقرر وكنا نطلب من 'عيدو' أن يكتب ما نقوله، وكان 'جوناثان' أكثرنا صوابًا فى الرأى، ودراية بالمسائل والمشاكل التى تعوق نهضة دولة إسرائيل، وأتذكر أنه فى خلال حقبة الستينيات وقبل 1967، كان الرئيس المصرى جمال عبد الناصر يأخذ قدرًا كبيرًا من المناقشات وكانت لدينا رؤية مشتركة فى أن هذا الرجل يجب أن يقتل، وأعددنا خطة على الورق فى 1965 لذلك، وكنا نرى أن قتل جمال عبد الناصر قد يعطى بعض الأمان لإسرائيل لأنه كان شخصية كريهة يتشبث بأفكار كلها تدور ضد إسرائيل، وكان 'جوناثان' يقول: إن هذا الرجل لا يمكن التفاوض معه لأنه يعتبر نفسه زعيمًا للعرب بمعاداته لإسرائيل وكان يرى أنه إذا تفاوض معه الإسرائيليون فإنه سيتخلى عن زعامته، كانت خطتنا التى أعددناها على الورق تقوم على أساس تفجير طائرة الرئيس المصرى فى إحدى زياراته الخارجية بوضع قنبلة فيها فى أى من المطارات الدولية، وخططنا لكيفية الاتفاق مع الشخص الذى سيضع القنبلة والذى يجب أن يكون من العاملين بالمطار، وكتبنا فى الخطة أيضًا جزءًا عن كيفية اختراق أى فرد يمثل عائقا أمنيا مفروضا على الطائرة. ويتذكر 'بنيامين' أن والده 'تسيون' أطلع على بعض هذه الأوراق وأعجب بخطة قتل الرئيس المصرى، ويومها قال: إنه لو كان هناك جهاز استخبارات قوى فى إسرائيل لكان من الممكن أن ينفذ مثل هذه الخطة و ألقى باللوم على حكومة إسرائيل وسياستها واستخباراتها فى عدم التخلص من جمال عبد الناصر، أيًا كان الأمر فإن 'جوناثان' فى جلساته مع 'بنيامين' فى المدينة الكبيرة- على حد ما يرى بنيامين نفسه- كان يفكر فى أن تكون إسرائيل دولة عظيمة وكبيرة وأن عظمتها تكمن فى زيادة سكانها وحدودها وأن يكون لها امتداد جغرافى يمكن حمايته فى أى وقت وبأيسر السبل الممكنة، ويقول: كان لدينا تخطيط جيد على ضرورة أن يتجمع كل يهود العالم فى إسرائيل، كنا نحلم بأن تكون إسرائيل العاصمة السياسية والدينية ليهود العالم وأن تكون هناك ثلاثة أيام فى العام يتجمع فيها كل اليهود من أرجاء العالم ليحجوا إلى القدس وزيارة الأماكن الدينية، وأن يعقد مؤتمر قومى ودولى شامل يتم فيه اتخاذ قرارات جوهرية بشأن مستقبل دولة إسرائيل العظمى، ورأينا أن الوسيلة المثلى لذلك هى إنشاء صندوق لجمع التبرعات وأن تكون هناك نسب مقننة ومحددة فى دخل أى شخص يهودى يجب أن تذهب لهذا الصندوق، وأن تكون له فروع فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومن الفروع تنشأ إدارات فى المدن والأحياء والضواحى الأمريكية والأوروبية، ثم يتم تسليم هذه الأموال فى كل عام قبل بداية أعمال المؤتمر الشامل إلى سفراء إسرائيل وقناصلها والذين بدورهم ينقلونها إلى الخزانة الإسرائيلية وكانت فكرة 'بنيامين'، أن الوظيفة الأولى لهذه الأموال هى إنشاء المستوطنات والمنازل وتشييد دولة عصرية اقتصاديًا. ولا شك فإن هذه الفترة من حياة بنيامين، وما ورد فى أوراقه توضح أمرين أساسيين: أولهما كرهه الشديد للرئيس عبد الناصر وسنرى بعد ذلك أنه يكن كراهية أيضًا للرئيس السادات، لأنه فى ظنه ضحك على بيجين 'كما يرى' وحصل على سيناء وأن هذا الكره متوارث للرؤساء المصريين الذى تشكل فى عقيدة بنيامين منذ صغره وتحديدًا منذ أن كان يبلغ من العمر 13عامًا وهذا يفسر العديد من السياسات التى يتبعها بنيامين حاليًا وأن أكثر شيء يخشاه هو ما عبر عنه فى أكثر من مناسبة وبخاصة فى لقائه مع المستوطنين- هو أن تتوحد المصالح العربية سياسيًا واقتصاديًا وهذا يمثل خطر على إسرائيل. لقد أكد ذلك فى اجتماع مع بعض المستوطنين فى16 من فبراير1996، حيث أشار فى هذا الاجتماع إلى أن هناك ثلاثة أنواع من السياسات الأولى: سياسات مصيرية ولا يمكن التراجع عنها أو تغيير الموقف بشأنها واعتبر أن سياسات الاستيطان من السياسات المصيرية وأمن إسرائيل وحماية حدودها وأمنها. الثانى: سياسات إستراتيجية، وهى أيضًا من الصعب تعديلها أو تغييرها مثل رفض الانسحاب من الجولان أو القدس أو إقامة الدولة الفلسطينية. والثالث: سياسات تكتيكية، وهى نوع من السياسات التى نرفضها فى البداية إلا أننا على استعداد لأن نقبل بها أو نكون مخططين للقبول بها ولكن بعد أن نحصل على ما نريد من العرب، وأن السياسات التكتيكية هى التى يقع فى نطاقها العديد من مسائل عملية السلام أو غالبية الخطط الإسرائيلية فى السلام، وأنه من الممكن إذا رأينا أن السياسات التكتكية فاشلة ولم تحقق أيًا من أهدافها فإننا نسقط بعض السياسات الإستراتيجية ونجعلها تكتيكية، إلا أننا فى النهاية لن نقبل بأى شيء يضر بأمننا أو يغير من نظرتنا إلى المستقبل، وهو يرى هنا أن السياسات التكتيكية لها فوائد كبيرة وأن أهم فائدة يمكن توقعها هو عدم السماح للعرب باتخاذ موقف موحد ضد إسرائيل. ويرى 'بنيامين' أن إسرائيل يجب أن تكون مستعدة اقتصاديًا للتعامل مع الدول العربية، وأن ما يهمه هو تقوية علاقاته الاقتصادية مع الدول الخليجية وأنه لا يهمه أن يكون له علاقات اقتصادية قوية مع المصريين أو المغاربة، ويتوقع أن مسألة التعاون الاقتصادى مع دول الخليج يمكن أن تشكل بداية لنهضة كبيرة فى الاقتصاد الإسرائيلى وأن دخول إسرائيل اقتصاديًا فى مشروعات مع هذه الدول سيجعل إمكانية الاندماج لاقتصاديات الخليج مع اقتصاديات الدول العربية صعبًا الأمر الآخر: أن نتنياهو استقرت فى عقيدته منذ الصغر سياسات الاستيطان والتوسع فى الأراضى العربية وأن فكرة الحدود الآمنة أساسية وضرورية، مضت الأيام ثقيلة فى الولايات المتحدة خاصة بعد أن تقرر نقل تسيون نتنياهو من كلية درونسى إلى جامعة كورنيل، وكان تسيون هو الذى سعى إلى إتمام هذا النقل وبخاصة أنه كان يريد الانتقال إلى جامعة معروفة بالإضافة إلى الانتقال إلى نيويورك، حيث اليهود ذوو النفوذ والمال، وكان تسيون لدية رغبة فى أن ينخرط وسط هذه المجموعة حيث بدأ بعد إقامته فى ضاحية وينكوف يهتم بجمع الأموال وكان يريد أن يؤمن مستقبل أولاده الثلاثة وبخاصة أن محاضراته فى كلية درونسى التى كانت المصدر الوحيد للدخل لم تكن تشعر أولاده الثلاثة بأنهم يعيشون حياة جيدة ومرفهة ولقد كانت لديهم تطلعات مثل أصدقائهم الذين كانوا يتفاخرون بالدولارات والسيارات والأشياء غالية الثمن، وكان بنيامين يرى فى نفسه أنه ليس أقل من هؤلاء، ويقول عنهم: 'لقد كانوا أغبياء وكنت أذكى منهم كثيرًا وكان لدى طموح بأننى من خلال ذكائى أستطيع أن أجمع المال وأن أكون أكثر قوة من هؤلاء الأغبياء، وكنت دائمًا أرى أن والدى يجب أن يكون من الأغنياء لأنه مفكر وقادر على ان يكون منظرًا لفلسفات وسياسات إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة، إلا أن احدًا لم يهتم بوالدى كمفكر، ويرى أن السبب فى ذلك قد يعود إلى تشدده فى آرائه وأفكاره وأنه على استعداد لأن يدافع عنها حتى الموت، وهو يرى صواب والده فى ذلك وأنه كان يجب أن يكون محل احترام من الآخرين الذين كانوا يحقدون عليه وكان يجب أن يصفوه بأنه رجل مبادئ ورجل فكر، إلا أن العكس هو الذى حدث، حيث أدى ذلك إلى مطالبتهم له بأن يغير افكاره القديمة ويساير ركب الأفكار الجديدة، وكانت جامعة كورنيل التى تقع فى بلدة إيثاكا الأمريكية فى شمال نيويورك من الجامعات المرموقة التى حصل فيها على دخل كبير استشعر معه بأنه من خلال هذا الدخل يمكن أن يعوض أولاده سنوات الحرمان أو سنوات الكفاح كما يطلق عليها، وعلى الرغم من الحياة الجديدة التى انتقل إليها 'بنيامين' إلا أنه كان هناك شيء ما فى شخصيته، حيث كان يلازمه شعور الغربة دائمًا حتى فى ظل حياته الجديدة التى انتقل إليها، لم يكن فرحًا بحياة أكثر راحة وأكثر تألقًا لأن حياته الأساسية كانت القدس كما يقول، كتب ذات مرة إلى أحد أصدقائه فى القدس يقول: 'إن الهواء الذى نتنفسه يا صديقى لن تجد له مثيلًا فى أمريكا أو غيرها، إن روعة المكان الذى تسكن فيه أروع من البيت الأبيض، ولو أن الأمر بيدى لأتيت إليك فورًا، وأرجو أن تقبَّل الجدران نيابة عنى حتى أعود، لا تدع رجلك ترتفع من على الأرض الطيبة التى تسير عليها' وطلب إلى صديقه أن يدعو له فى صلواته ليرحمه من الاختناق وأن يعود سريعًا إلى موطنه وأهله، لقد كان هذا الشعور بالغربة واضحًا فى الحياة المدرسية، حيث إن بنيامين وفق ما يصفه مدرسوه و زملاؤه فى المدرسة كان إنسانًا غير مفهوم لكل الآخرين، دائمًا شارد الذهن إلا أنه حاد الذكاء، يفكر فى شيء ويتكلم مع الآخرين فى شيء آخر، كان إنطوائيًا، لا يحب الدخول فى جدال مع الآخرين حول أمر غير مقتنع به، وبالنسبة إلى الأفكار التى تصادف ولو قبولًا غير مؤكد من الآخرين فإنه يعمل على أن يزيدها قوة، ولكنه أيضًا كان حاد الطبع، وكثير المناقشات مع المدرسين، وأنه كان يهوى لعبة الشطرنج، وكان يرى أنها لعبة التخطيط والذكاء، وكان يعتقد أن من لا يعرف الشطرنج فقد خسر نصف عقله، وكان يبدو ماكرًا فى هذه اللعبة، حيث إنه كان يحرص فى البداية على أن يخدع الشخص بأنه يمكنه الفوز، إلا أنه يأخذ زمام المبادرة فى لحظات، ويقول عنه مدرسوه أيضًا: إن أهم ما يميزه أنه سريع التفكير، وأن القرار الذى يتخذه كان لا يعلن عنه، ولكنه يجرى مشاورات مع كل زملائه الذين يعرفونه ليستطلع وجهة نظرهم، إلا أنه لم يكن على استعداد لأن يتنازل عن قراره بعد هذه المشاورات، كان من الممكن أن يحصل على نقاط إضافية تدعم قراره.. وكان زملاؤه لا يثقون به كثيرًا، فقد كان لديهم اعتقاد بأن بيبى يخطط للإيقاع بهم، وأنه ربما يدبر مؤامرات ضدهم وبخاصة أنه كان يهوى تشكيل حركات غريبة فى المدارس التى التحق بها، وكانت لديه القدرة على أن يكوِّن حركة من عدد محدود من التلاميذ، وكانت هذه الحركات تكتسب شهرة واسعة فى المدارس المحيطة، على الرغم من أن شخصيته الانطوائية كانت لا تنم عن قيادته لهذه الحركات، وكان له صديق يدعى 'هاشومير هاتسير' كان أيضًا عضوًا فى الحركات اليهودية مثل حركة الفتى الحارس.. وكان هاشومير شخصية مؤثرة فيمن حوله، إلا أنه لم يكن مؤثرًا فى بيبى الذى أثر بدوره على هاشومير. وكان بيبى أو بنيامين يعد مخططًا لحركة الفتى الحارس دون أن يظهر على السطح، حيث إنه كان يبلغ هاشومير بالمضامين الأساسية لهذه الأفكار والمخططات، وكان الأخير يتولى الدفاع عنها فى الحركة، ويقول عنه مدرسوه أيضًا 'إن هناك وقتًا كبيرًا قضاه بنيامين فى الظل، ولكن عرفوا مؤخرًا أنه كان وراء تحريك أحداث مهمة فى المدرسة' وكان الاعتقاد أن زملاءه هم أبطال هذه الحوادث، ويقولون عنه أيضًا: إن رغبته فى أن يكون فى الظل ليست رغبة مستمرة ولكن يجب أن يهيئ الأحداث قبل أن يظهر، فإذا جاءت توقعاته مطابقة لخططه وأفكاره فإنه يعلن عن نفسه، وإذا كان هناك فارقًا ما فإنه ينسب الفشل لغيره، ومع ذلك فإن العديد من أفكاره التى كان يشيعها فى المدرسة، وبخاصة المتطرفة التى كانت تؤدى إلى خلافات ومشاجرات بين التلاميذ وبعضهم، وأحيانًا مع المدرسين، كانت تنتقل بسرعة إلى العديد من زملائه. تحدث عنه أحد أصدقائه فى برنامج تليفزيونى إسرائيلى وهو أمريكى الأصل قائلًا: لقد كنت مع بيبى فى المدرسة، وكنا أصحابًا، وكان دائمًا يحدثنى عن إسرائيل، ولكن الشيئ الأساسى فى حياته هو كرهه الشديد للحكام العرب، وكان يلعب الشطرنج لفترات طويلة، إلا أنه فجأة قرر أن يلعب كرة القدم، ولما سألته عن السبب فى ذلك قال إن كرة القدم هى الممارسة العملية للعبة الشطرنج، وكان بنيانه قويًا، وفى خلال فترة قصيرة من التدريب والمواظبة على هذه اللعبة استطاع أن يكون من اللاعبين الجيدين جدًا، وأنه حاز إعجاب مدرب فريق النمور لكرة القدم، وكان يشغل مركز الجناح الأيسر وأحيانًا كان يحب اللعب فى خط الوسط، إذا أدرك أن الفريق الذى يلعب أمامه قوى ومتمرس، حيث إنه كان يجيد اللعب أمام الفرق القوية، وكان يدرك أنه يجب أن يكون عقل الفريق، وأداته المفكرة. ويضيف: أن بيبى مولع بالتحدى وبخاصة تحدى الأقوياء، وأنه على استعداد لأن يلعب فترة طويلة إذا كان خصمه قويًا، حيث إنه لا يحب الهزيمة، وإذا شعر بأن الفريق الخصم ضعيف، ولا يتساهل أن يكون عقلًا مفكرًا للفريق، كان يلعب فى الجناح الأيسر وكان من أمهر اللاعبين فى إحراز الأهداف، وكان مراوغًا جيدًا، ويقول عنه خبراء النفس: إن نتنياهو معتز بشخصيته وبنفسه وبخاصة عقله، وأنه يعتبر نفسه أذكى من الآخرين، وأنه يمكنه الايقاع بهم إذا دخل معهم فى مناقشات، إلا انه من المهم عدم اليأس فى استكمال هذه المناقشات وألا يخالج الآخرين الشعور بالضيق من المناقشة. وقد أحب لعبتى الشطرنج وكرة القدم لأن هاتين اللعبتين بهما العديد من الخطط، ولم يكن يهوى أى نشاط اجتماعى مع بقية التلاميذ الأمريكيين حيث كان يرفض فى مرات كثيرة الانضمام إلى الرحلات أو الألعاب الأخرى، وكان قليلًا ما يستجيب لهذه الأنشطة وبخاصة الرحلات إذا وافقت على مشاركته فى الرحلة زميلته اليهودية 'هاتحياه'، وعلى الرغم من أن هاتحياه كانت عنيفة فى حديثها مع الآخرين، وأن زملاءها كانوا يتجنبون النقاش معها لفترة طويلة، إلا أنها كانت ضعيفة الشخصية مع بيبى، وكان بيبى قد عرفها على صديقه 'هاشوير' أحد رواد الحركة اليهودية المتطرفة 'الفتى الحارس' وكان الثلاثة دائمًا يذهبون إلى دور السينما، وكان بيبى يهوى مشاهدة أفلام العنف، وكان يحرص بعد عودته على أن يروى تفاصيل هذه الأفلام لأخويه، وكانت 'هاتحياه' يهودية متطرفة مثل 'هاشومير'، وكان الثلاثة مع بيبى يشكلون فريق عمل مشترك واطلقوا على حركتهم اسم حركة 'الأم' إلا أن 'هاتحياه' على الرغم من حبها الشديد لبيبى، انقلبت عليه فجأة، حيث اكتشفت أن بيبى بدأ يعشق فتاة أخرى، وهى زميلته فى الفصل الدراسى وهى 'زيلداه راين'، وكانت 'زيلداه' تستمع كثيرًا إلى بيبى ولا تتحدث إلا قليلًا، وكانت 'هاتحياه' تريد إنهاء علاقة بيبى مع 'زيلداه'، إلا أن بيبى كان يرى أن 'زيلداه' بها شيء غامض، وأنه يريد البحث عن هذا الشيء، وإن كان أحد أصدقائه قد قال: إن بيبى نفسه كان غامضًا، وكان لا يحب أن يكون الآخرون غامضين عليه، وكان من الممكن أن يؤرقه، ويذهب عنه النوم ليلًا إلى أن يكتشف الغموض فى شخصية ما، وأنه كان يهوى تحليل الشخصيات التى أمامه، ويرى أن أفضل دراسة لأى شخص هو جعله يتكلم والنظر من بعيد إلى حديثه جيدًا، وكان بيبى يجيد هذه الطريقة فى التعرف على أصدقائه، حيث تقول عنه صديقته زيلداه: إن بيبى كان يدرك شيئًا واحدًا هو أن إسرائيل دولة الأحلام، وكان على الجميع أن يحلم بالرخاء والازدهار فى دولة إسرائيل، وكان بيبى على غير وفاق مع عدد كبير من التلاميذ الأمريكيين لأنه يتكلم بحماس عن إسرائيل، ومعاركها مع الفلسطينيين والعرب، إلا انهم لم يكونوا متحمسين لسماع هذه القصص، وكانوا أحيانًا يسخرون منه، لذلك فضل أن يكون أصدقاؤه من اليهود، وكان دائمًا يطلب من الآخرين أن يحافظوا على ترابطهم القوى وأن تكون لهم هويتهم التى تميزهم عن غيرهم، وأنه من العار على العالم أن يفكر فى إقامة وطن قومى لليهود، فى حين أن هذا ليس حقًا، بل إنه واجب وهدف، يجب أن يكون العالم على استعداد للحفاظ عليه، لأنهم يدركون أن اليهود هم قادة هذا العالم!!


الأسبوع
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الأسبوع
فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (1) سليل الإرهاب
الكاتب الصحفي مصطفى بكري عضو مجلس النواب بقلم - مصطفى بكري ابتداء من هذا العدد، تنشر بوابة «الأسبوع» فصولًا من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» للكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس التحرير، والصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع. وفي الحلقة الأولى يرصد المؤلف تاريخ نتنياهو منذ الطفولة وعلاقته بوالده الذي لقنه الأفكار المتطرفة والمعادية للعرب والفلسطينيين، خاصة وأن جده كان من كبار دعاة الحركة الصهيونية. لقد رباه والده على كراهية أي يهودي يقبل بمصافحة العرب، وكان دائم الترديد على مسامعه «أن العربي إذا مد يده بالسلام، فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك». الحلقة الأولى: - والده رباه على التطرف وكراهية العرب وجده من قادة الحركة الصهيونية - كان يقول له: العرب أقل من أن تحدثهم أو تنظر إليهم - المفكر الصهيوني المتطرف «جابوتنسكى» كان مثله الأعلى في الثالث والعشرين من أكتوبر لعام 1949، ولد بنيامين تسيون نتنياهو في مستشفى 'أسونا' بتل أبيب، أي بعد إعلان ولادة دولة الكيان الصهيوني بعام وخمسة أشهر تقريبًا. كان جد بنيامين خطيبًا مفوهًا.. ومن كبار دعاة الحركة الصهيونية.. وكان يمتلك قدرات هائلة لجذب المزيد من يهود العالم، خاصة اليهود الشرقيين إلى 'أرض الميعاد' حسب الوصف الصهيوني، وقد عرف عنه كرهه الشديد للعرب، ومن المؤمنين بضرورة اختفائهم من فوق ظهر الأرض. وكان 'تسيون' يرى ألا يكتفى اليهود بإقامة دولتهم في فلسطين فحسب، بل يجب أن تمتد حدودها في كل الأراضي والمناطق المجاورة لـ 'أرض إسرائيل' في فلسطين على حد تعبيره. وقد طبّع الجد ميليكوفسكي أولاده التسعة، ومن بينهم 'تسيون نتنياهو' والد بنيامين بشخصيته القوية والمؤثرة.. حتى أن 'تسيون' كان من فرط تأثره بآراء والده.. يردد أمام أولاده بأن العرب.. 'دنس.. وأن الكلاب أفضل منهم لو أقاموا فى البلدان المجاورة لنا'. ومن أقواله كذلك 'إنك إذا سرت فى الطريق مع كلب.. أفضل من أن تسير مع عربى'.. وكان يردد على مسامع أولاده بأنه لا مجال للتعامل مع العرب إلا بإبادتهم.. وأنه لا حلول وسط فى هذه المسألة. ومنذ صغره تشرب 'بنيامين' من والده 'تسيون نتنياهو' حبه لزعماء الحركة الصهيونية بل وتمجيدهم، حيث كان الأب يتغنى بآباء الحركة.. بينما نجله 'بنيامين' ينقل عنه هذه الأغانى ويحفظها عن ظهر قلب.. بل ويرددها أمام أصدقائه بين الحين والآخر.. مبديًا تفاخره بأن والده هو صاحب هذه الأغانى. وكانت هناك علاقة تربط فى ذلك الوقت بين والد بنيامين و'زئيف جابوتنسكى' مؤسس الحركة التصحيحية المتطرفة، حيث شكلت تلك العلاقة إدراك وعقلية 'بنيامين نتنياهو'.. .ذلك أنه كان معروفًا عن المتطرف الصهيونى 'جابوتنسكى' ميوله العدوانية الواضحة ضد العرب.. وكرهه الشديد لهم. لقد كان كل من تسيون وجابوتنسكى يؤمنان بالعنف المطلق مع العرب وحتميته.. فيما كان يسعى 'حاييم دايزمان' إلى المرونة فى التعامل معهم. وفى هذا الجو المشحون بالعداء للعرب.. ولد 'بنيامين تسيون نتنياهو'، حيث رباه والده على كراهية أى يهودى يقبل مصافحة العرب.. وكان دائم الترديد على مسامعه 'أن العربى إذا مد يده إليك بالسلام.. فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك'.!! هذه الأفكار التى آمن بها والد 'بنيامين نتنياهو' هى التى دفعت المتطرف الصهيونى جابوتنسكى لأن يعينه رئيسًا لتحرير صحيفة 'هايروين' الصهيونية.. والتى من خلالها لمع اسمه وذاع صيته.. حيث تخصصت تلك الصحيفة فى مهاجمة كل يهودى أو مسئول يفكر ولو بشكل غير مباشر فى السلام مع العرب أو أن يجلس معهم على مائدة مفاوضات واحدة. ومن الكلمات التى كان يرددها 'تسيون' على مسامع ولده 'بنيامين' قوله 'إنك أفضل من أى عربى.. وإذا جلست فاجلس مع من هم نظراؤك.. فالعرب أقل من أن تحدثهم أو تنظر إليهم'.. إلا أن الأكثر تأثيرًا فى عقل 'بنيامين نتنياهو' كانت هى تلك الكتب الصغيرة التى ألفها والده وآخرون من خلال دار النشر الصغيرة التى أنشأها.. وهى كتب تدور فى مجملها حول 'أسس الحركة الصهيونية' و 'كيفية إقامة دولة إسرائيل' و 'إسرائيل المستقبل والأمل' و'العرب إلى الهاوية' و 'إسرائيل العظمى فى كل البلاد العربية'. كان 'تسيون' حريصًا على تلقين ابنه دروسًا يومية فى السياسة.. شارحًا له بالتفصيل كيفية تفكير 'جابوتنسكى' القائد الملهم له.. والذى سيصبح أيضًا القائد الملهم لنجله 'بنيامين'!! لقد عرف جابوتنسكى بكثرة تنقلاته وسفرياته بالاضافة إلى علاقاته الوطيدة بعدد من المسئولين الأمريكيين، والترويج لمقولاته أينما ذهب، فاستطاع بذلك أن يضم إلى جانبه آلاف المتطرفين والذين أمنوا بمقواته فى العام 1940، شغل 'تسيون نتنياهو' منصب السكرتير الشخصى لجابوتنسكى، وبات ملازمًا له فى كل رحلاته وتحركاته.. وأتاح له ذلك الاطلاع على العديد من الأوراق السرية التى كان يتم الإعداد والتخطيط من خلالها لإقامة دولة إسرائيل، وقد ضمت هذه الأوراق وثائق فى غاية الأهمية احتفظ بها 'تسيون' وحده بعد وفاة جابوتنسكى.. وكانت هذه الوثائق تحمل عبارة تقول: 'إلى كل مخلص.. إلى كل وطنى.. إلى كل شريف فى هذا الكون.. إذا ما وقعت هذه الأوراق فى يدك.. عليك أن تكون أمينًا فى تنفيذ ما بها حتى ترضى الله.. فشعب الله المختار الذى شرد ونهبت ثرواته لابد أن يعود.. وعندما يعود لابد أن يكون سيد العالم.. ومع سيادة العالم لابد من إبادة العرب الأقذار'. هذه الأوراق السرية لم يتح لأحد الإطلاع عليها سوى 'تسيلاه سيجل' والدة 'بنيامين نتنياهو'.. ثم شاء القدر أن تشكل تلك الأوراق رؤية 'بنيامين' فى المستقبل، حتى أنه من كثرة قراءته لهذه الوثائق حفظها وكان دائم الترديد لها. وقد كان والده حريصًا على ألا ينسى نجله 'بنيامين' ما تحمله تلك الوثائق من أفكار ومعتقدات، حتى أنه كان يطلب منه ترديدها فى إطار حلقات استماع كان يعقدها بحضور بقية اخوته، لدرجة أن والدته 'تسيلاه' كانت تشفق عليه من والده الذى كان دائم الإصرار على تلقينه كل دروس الصهيونية. وكانت 'تسيلاه' ذاتها صهيونية متطرفة.. فهى من أسرة ثرية تنتمى لرجل أعمال يهودى، لديه العديد من المشروعات المتعددة والمترامية الأطراف، سواء فى الولايات المتحدة أو إسرائيل.. حيث كان يخصص ريعًا سنويًا من هذه المشروعات، بالإضافة إلى مساهمات كبيرة من أجل تنشيط الحركة الصهيونية. وكان لدى والد 'تسيلاه' تطلع دائم بأن يسخر كل القوى الدعائية لصالح إسرائيل والحركة الصهيونية.. ولذا فقد كان يسعى للسيطرة على وسائل الإعلام المختلفة من أجل دعاية مؤيدة للصهيونية. وحين اشتد عود 'تسيلاه' وأصبحت زميلة لـ'تسيون' فى حركة جابوتنسكى، جمعهما كره مشترك لعائلة وايزمان.. ومن هنا تبرز طبيعة العداء الذى حمله 'بنيامين' عن والده ووالدته لرئيس إسرائيل الأسبق عيزرا وايزمان. كانت والدة 'بنيامين' تعشق القانون.. ورأت أن دراستها له يمكن أن تفيد الحركة الصهيونية أكثر بكثير من دراستها لأى فرع من فروع العلم الأخرى، حيث رأت أن القانون سيعلمها المنطق وتفنيد الحجج المضادة التى يمكن استخدامها ضد إسرائيل، خاصة من جانب العرب فى حال إقامة دولة إسرائيل.. وكان ولعها بالقانون وسيلة لتحقيق حلم الصهيونية الكبرى وتنفيذ تعليمات 'جابوتنسكى' فى أن دراسة القانون مفيدة لأسس الحركة.. وأنها ستعطيها قوة جديدة تضاف إلى قوة المفكرين للحركة. كانت 'تسيلاه' مؤمنة بأن 'جابوتنسكى' على حق حين أدرك أن الخطابة وحدها ليست كافية لدعم أسس الحركة.. وأنه لابد من سفراء لهذه الحركة فى مختلف دول العالم وأن سفراء هذه الحركة لابد أن يكونوا على قدر كبير من العلم والفهم الكامل لمتطلبات الحركة فى العقود القادمة. وكان جابوتنسكى حريصًا على توجيه تلاميذه إلى دراسة فروع العلم المختلفة. وقد برز تفوق 'تسيلاه سيجل' بشكل واضح لدى دراستها للقانون بالجامعة العبرية بالقدس.. وعرف عنها الصراحة والجدية فى عملها ودراستها.. ودفعتها دراستها للقانون إلى السفر إلى لندن، حيث انضمت هناك إلى الحركات الصهيونية الناشئة فى ذلك الوقت، وأبرزت اهتمامًا ملحوظًا بأنشطتها داخل تلك الحركات، حتى أنها أصبحت واحدة من القيادات المعروفة بتخطيطها الجيد من أجل إقامة دولة إسرائيل.. واستطاعت 'تسيلاه' الارتباط فى ذلك الوقت بمن يعرفون بزعماء وآباء الحركة الصهيونية فى إنجلترا.. وتمكنت بفضل تلك الروابط الوثيقة من أن تسافر إلى العديد من البلدان الأوروبية. فى ذلك الوقت.. كان 'جابوتنسكى' المرتبط بآباء وزعماء هذه الحركة يعزز من وضعية 'تسيلاه' ولأن 'تسيون نتنياهو' كان رئيسًا لتحرير صحيفة 'هايروين' ويتابع أنشطة 'تسيلاه' رأى أنه من المناسب الارتباط بهذه الفتاة التى تشاركه الفكر والحلم فى إقامة دولة إسرائيل.. وخصوصًا أن العديد من الصفات الأخرى ربطت بينهما.. وفى مقدمتها الكره الشديد للعرب وضرورة العمل على إزالتهم من الوجود. ولذا.. حين التقى 'تسيون' و 'تسيلاه' كونا ثنائيًا مشتركًا.. وكانا يكرهان أى شخص يحمل جنسية أية دولة- حتى ولو كان يهوديًا- يتحدث عن العرب بلغة لا يرغبانها. كل هذه المؤثرات النفسية المعقدة لكل من «تسيون وتسيلاه» ورثها عنهما فيما بعد ابنهما «بنيامين» الذى قدر له فيما بعد تولى رئاسة حكومة إسرائيل لأكثر من مرة. ومع حدوث الزواج بين 'تسيون وتسيلاه' استجابت الزوجة لمطالب زوجها وقررت التفرغ لمعاونته.. ومع وفاة 'جابوتنسكى' كان همهما الأول هو كيفية العمل على تنفيذ وصاياه التى يحتفظ بها 'تسيون' والذى رأى أن تنفيذها يمكن أن يتم من خلال طبع كتيبات ونشرها على جميع يهوديّ العالم حتى يتجمع اليهود حول الفكرة الصهيونية الأساسية وهى 'إسرائيل العظمى'. وبالفعل بدأت سلسلة كتب 'تسيون' فى الظهور بفضل معاونة زوجته والتى تلقت بدورها دعمًا من والدها رجل الأعمال المعروف فى الولايات المتحدة، الذى أخذ على عاتقه نشر كتب 'تسيون' بين يهود أمريكا.. ثم انتشرت الكتب فى العديد من الدول الأوروبية عبر اليهود الأمريكان. وبدأ صيت 'تسيون' ينتشر بين اليهود فى العالم.. غير أن والد 'تسيلاه' لم يرق له ذوبان شخصية ابنته فى شخصية زوجها. فى العام 1946 قرر 'تسيون' أن يكون أبًا من آباء الصهيونية، رافضًا أن يكون مجرد داعٍ لها.. فنصحته 'تسيلاه' بأن يحصل على درجة الدكتوراه باعتبار أن ذلك سوف يسهم فى وضعه العلمى بين صفوف اليهود.. وكانت ترى أن هذا الطموح يمكن أن يجعله على رأس دولة إسرائيل. وبالفعل حقق 'تسيون' طموحه، وحصل على درجة الدكتوراه من كلية 'درونس' في فيلادلفيا بالولايات المتحدة غير أن هذه الدرجة العلمية خلقت له العديد من المشاكل مع الزعامات اليهودية الموجودة فى الولايات المتحدة خصوصًا بعد شعورهم بأنه يسعى إلى تخطيهم في طريقه للصعود إلى قمة سلم الدولة الوليدة. في ذلك الوقت ثار الكثير من الجدل بين القيادات اليهودية في الولايات المتحدة، حيث كان البعض يرى أن التفاوض مع العرب يمكن أن يمثل إحدى وسائل إقامة دولة إسرائيل، إلا أن 'تسيون' كان يرى عكس ذلك معتبرًا أن العنف هو الوسيلة الأساسية لإقامة الدولة. وحين احتدم الخلاف بين الزعامات الصهيونية فى الولايات المتحدة قرر 'تسيون نتنياهو' العودة إلى إسرائيل في العام 1948وذلك بعد وقت قصير من قيامها على أرض فلسطين المحتلة. ولم يكن 'تسيون' على وفاق مع مسئولي الدولة الإسرائيلية الوليدة معتبرًا أنهم تنكروا لنضاله ودوره فى إقامة دولة إسرائيل.. حيث كان يرى أن كتبه وأبحاثه التي انتشرت في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة قد أسهمت في إقامة هذه الدولة.. والحصول على تأييد الأوروبيين والأمريكان.. في حين كان ساسة إسرائيل ينظرون إليه بازدراء لأنه كان أنانيًا ومحبًا لذاته. ورغم رفض ساسة إسرائيل التعاون معه إلا أنه كان يسعى إلى مشاركة القيادات الإسرائيلية فى مناظراتهم وندواتهم حول مستقبل الدولة الإسرائيلية.. وكان يردد دائمًا أنه تلميذ لجابوتنسكى، وأنه من أكثر الذين تحملوا العبء الأكبر من أجل إقامة هذه الدولة. ووسط هذه الأجواء جاء 'بنيامين تسيون نتنياهو' إلى الدنيا في عام 1949.. حيث شهد هذا العام صراعًا مريرًا ومعقدًا بين تسيون ومناحم بيجين الذى تولى فيما بعد رئاسة الوزارة الإسرائيلية وعقد اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات. كان الصراع فى مجمله يدور حول الحركة التصحيحية التى أرسى قواعدها 'جابوتنسكى'.. وكان مناحم بيجين يرى أنه أكثر قدرة من تسيون على السيطرة على مقاليد الأمور داخل الحركة المتطرفة. هذا الصراع الذى نشأ بين تسيون ومناحم بيجين لم يكن ليختفى أبدًا عن ذاكرة الطفل 'بنيامين' الذى شب على كراهية 'بيجين' منذ صغره، حيث اعتبره السبب الأساسي وراء القضاء على مستقبل والده السياسي. ومنذ ذلك الحين تملكت 'بنيامين نتنياهو' رغبة جامحة فى كيفية الانتقام لوالده وإعادة الاعتبار إليه.. وكان يرى أن ذلك لن يتحقق إلا بوصوله إلى مقعد رئاسة الوزراء في إسرائيل. وبالرغم من انضمام 'بنيامين نتنياهو' إلى ذات تكتل الليكود الذى أوصل 'مناحم بيجين' إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل إلا أنه كان يعتبر أن ما أقدم عليه 'بيجين' من توقيع معاهدة للصلح مع مصر بمثابة خطأ استراتيجى لا يغتفر.. وكان يرى أن 'بيجين' تسرع في التوقيع على هذه المعاهدة.. بينما كان بإمكانه المماطلة لسنوات طويلة يحصل خلالها على السلام دون التفريط فى شبر واحد من الأرض التي احتلتها إسرائيل في شبه جزيرة سيناء. لقد شهد 'بنيامين' كيف أن بيجين أزاح والده عن طريقه، وكان بيجين يردد دائمًا أن 'تسيون نتنياهو' لم يحارب مع منظمة 'أتسل' وهى المنظمة العسكرية الإسرائيلية 'الوطنية' وأنه لم يقدم أى تضحيات.. ولذا رفض منحه أى منصب. من جانبه قرر 'تسيون' ألا يستسلم لأفكار 'بيجين' والقيادات اليمنية الإسرائيلية وأخذ على عاتقه أن يكون زعيمًا لحركة 'حيروت' إلا أن الحركة رفضته.. مما فسره بأن هناك مؤامرة على مستقبله السياسي. لقد نصحه أحد أصدقائه بالتخفيف من أفكاره المتطرفة للغاية، إلا أن زوجته 'تسيلاه' رفضت أن يقدم تسيون أية تنازلات في هذا الصدد، وطالبته بالتمسك بموقفه، وأن يترك السياسة ويلتحق بالسلك الأكاديمي في الجامعة العبرية.