#أحدث الأخبار مع #وللأممالمتحدة،المدن١٠-٠٥-٢٠٢٥سياسةالمدنالصراع بين الهند وباكستان: البراعة في منع الانفجار الشاملحتى لحظة ما قبل الإعلان عن نجاح الوساطة الأميركية في وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، عاش العالم لحظات عصيبة مع تجاوز الضربات العسكرية المتبادلة للحدود، واقترابها من عواصم البلدين، خوفاً من تدحرج المواجهة القائمة إلى أماكن لا يمكن السيطرة عليها، مما يضع منطقة جنوب ووسط آسيا برمتها على فوهة بركان، قد تحرق حممه الحارقة الجميع من دون استثناء. لكن مهلاً، ورغم التصعيد الميداني الحاصل طوال الأيام الماضية، تؤكد الشواهد التاريخية أن الأمور ليست مرجحة للانفجار الشامل، والمثال الأكبر على ذلك، أنه خلال ما يزيد قليلاً على 25 عاماً من امتلاك البلدين للأسلحة النووية، أصبح كِلاهما بارعاً جداً في خوض مواجهات متوترة وعنيفة دون أن تتصاعد لتهدد الكوكب بأسره. جذور الصراع حول كشمير يقع إقليم كشمير، الذي عُرف باسم (جامو وكشمير)، في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، تحده الصين من الشمال، وولاية البنجاب الهندية جنوباً، ومن الغرب باكستان، وبذلك يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على حدود هذه الدول النووية الثلاث. تبلغ مساحة الإقليم حوالي 222 ألفاً و236 كيلومتراً مربعاً، تسيطر الهند على نحو 48٪ منه، فيما تحتفظ باكستان بما نسبته 35٪ من المساحة، أما الـ17٪ المتبقية فتخضع لنفوذ الصين. يُعتبر إقليم كشمير، من الناحية السياسية، منطقة متنازعاً عليها بتعريف القانون الدولي، على إثر قيام الهند بضم الإقليم لها في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1947، وفرض حماية مؤقتة عليه، بعد أن تعهدت للشعب الكشميري (ذات الأغلبية المسلمة) وللأمم المتحدة، بمنح الكشميريين حق تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه، يتم إجراؤه تحت إشرافها، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 47، الصادر عام 1948، وهو ما لم يتم حتى الآن. وربطاً بهذه الأحداث، خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب، وواحدة مصغّرة. انتهت الأولى بتقسيم كشمير عام 1949، وفي حين لم تُفلِح الثانية عام 1965 في تغيير هذا الوضع، أسفرت الثالثة عام 1971 عن تقسيم باكستان نفسها إلى دولتين بعد انفصال باكستان الشرقية، وتأسيس جمهورية بنغلاديش. أما الرابعة، التي اندلعت عام 1999، فقد وُصفت بأنها مصغّرة، وعُرفت بـ"حرب كارغيل". بحلول ذلك الوقت، أُعلنت الهند وباكستان قوتين نوويتين. الدور الأميركي في التهدئة منذ اندلاع شرارة الصراع الأخير، كان واضحاً أن الجارين اللدودين لا يسعيان إلى حرب شاملة، وبالتأكيد ليس إلى تبادل إطلاق نار نووي. فالحكومتان، رغم خطابهما العدواني، كانتا تجهدان لضمان مكاسب سياسية داخلية من الأزمات، دون التسبب في تصعيد لا يمكن السيطرة عليه. وتبعاً لذلك، هناك عدة أسباب منعت انزلاق الهند وباكستان إلى حرب تقليدية شاملة، يمكن إيجازها بالآتي: أولاً: امتلاك البلدين ترسانة نووية ضخمة، وهذا بدوره كفيل بمنع أي تصعيد قد يؤدي إلى كارثة عالمية تشمل تبريداً مناخياً، وأشعة مضرّة، وانهياراً في شبكات الغذاء، وبالتالي حدوث مجاعة واسعة النطاق. ثانياً: اختلال التوازن العسكري لصالح الهند، وهذا أيضاً يُعتبر بمثابة عامل ردع قوي. فبحسب تقرير "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، بلغت النفقات العسكرية للهند – التي تُعد خامس أكبر إنفاق عسكري عالمياً – نحو 86.1 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 1.6٪، بينما بلغت نفقات باكستان العسكرية نحو 10.2 مليارات دولار. ثالثاً: اتساع الفجوة العسكرية بين الدولتين من حيث الحجم، والتسليح، والقدرات البشرية والمالية. فوفقاً لتصنيف "Global Firepower"، تحتل الهند المرتبة الرابعة عالمياً، في حين تأتي باكستان في المرتبة الثانية عشرة، من أصل 145 دولة شملها التقييم السنوي للمؤشر. كما أن الجيش الهندي يفوق بأضعاف عدد خصمه الباكستاني. رابعاً: تركيز الهجمات العسكرية على خط السيطرة الذي يفصل كشمير، مما يحد من الخسائر البشرية ويوفّر بالتالي مجالاً للتهدئة. خامساً: تمسك الصين العصا من المنتصف، فهي تحتفظ بعلاقات استراتيجية وثيقة مع إسلام آباد، لكنها تُدرك، في الوقت ذاته، أن استمرار التوتر مع نيودلهي قد يفتح جبهات معقدة على حدودها الشرقية، خصوصاً في ظل النزاع الحدودي التاريخي الذي يمتد على أكثر من 3 آلاف و500 كيلومتر. سادساً: خوف واشنطن من أن يؤثّر النزاع القائم على مصالحها وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة، لا سيّما أنها تسعى إلى الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها مع الهند – التي تُعتبر شريكاً اقتصادياً وصناعياً مهماً في مواجهة النفوذ الصيني – وبين دعمها التقليدي لباكستان، المرتبطة معها بتعاون أمني واستخباراتي طويل الأمد، خصوصاً في ملف أفغانستان ومكافحة الإرهاب. القدرات النووية للهند وباكستان تشير التقديرات إلى أن باكستان تملك بين 170 و200 رأس نووي، بينما يوجد لدى الهند حوالي 170 إلى 172 رأساً (وفقاً لمركز مراقبة الأسلحة ومنع الانتشار). ومع أن الدولتين تتبادلان سنوياً قوائم منشآتهما النووية، إلا أنهما ليستا من الدول الموقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. الجدير بالذكر، أن باكستان لا تعتمد سياسة "عدم الاستخدام الأول" لتلك الأسلحة، ما يعني أنها لا تستبعد استخدام القوة النووية لردع هجوم تقليدي. كما أنها أدخلت مؤخراً أسلحة نووية "تكتيكية" منخفضة القدرة إلى ترسانتها، بهدف استخدامها ميدانياً لمواجهة التفوّق العسكري التقليدي للهند. على المقلب الآخر، تُعلن الهند رسمياً التزامها بسياسة "عدم الاستخدام الأوّل"، لكن بعض التصريحات الصادرة مؤخراً عن مسؤولين هنود أثارت شكوكاً حول مدى تمسكها الفعلي بهذه السياسة. في المحصلة، أظهر هذان البلدان، اللذان كانا في حالة عداء طويل الأمد، قدرة على إبقاء هذه النزاعات محدودة، وهو ما حصل فعلاً.
المدن١٠-٠٥-٢٠٢٥سياسةالمدنالصراع بين الهند وباكستان: البراعة في منع الانفجار الشاملحتى لحظة ما قبل الإعلان عن نجاح الوساطة الأميركية في وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، عاش العالم لحظات عصيبة مع تجاوز الضربات العسكرية المتبادلة للحدود، واقترابها من عواصم البلدين، خوفاً من تدحرج المواجهة القائمة إلى أماكن لا يمكن السيطرة عليها، مما يضع منطقة جنوب ووسط آسيا برمتها على فوهة بركان، قد تحرق حممه الحارقة الجميع من دون استثناء. لكن مهلاً، ورغم التصعيد الميداني الحاصل طوال الأيام الماضية، تؤكد الشواهد التاريخية أن الأمور ليست مرجحة للانفجار الشامل، والمثال الأكبر على ذلك، أنه خلال ما يزيد قليلاً على 25 عاماً من امتلاك البلدين للأسلحة النووية، أصبح كِلاهما بارعاً جداً في خوض مواجهات متوترة وعنيفة دون أن تتصاعد لتهدد الكوكب بأسره. جذور الصراع حول كشمير يقع إقليم كشمير، الذي عُرف باسم (جامو وكشمير)، في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، تحده الصين من الشمال، وولاية البنجاب الهندية جنوباً، ومن الغرب باكستان، وبذلك يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على حدود هذه الدول النووية الثلاث. تبلغ مساحة الإقليم حوالي 222 ألفاً و236 كيلومتراً مربعاً، تسيطر الهند على نحو 48٪ منه، فيما تحتفظ باكستان بما نسبته 35٪ من المساحة، أما الـ17٪ المتبقية فتخضع لنفوذ الصين. يُعتبر إقليم كشمير، من الناحية السياسية، منطقة متنازعاً عليها بتعريف القانون الدولي، على إثر قيام الهند بضم الإقليم لها في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1947، وفرض حماية مؤقتة عليه، بعد أن تعهدت للشعب الكشميري (ذات الأغلبية المسلمة) وللأمم المتحدة، بمنح الكشميريين حق تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه، يتم إجراؤه تحت إشرافها، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 47، الصادر عام 1948، وهو ما لم يتم حتى الآن. وربطاً بهذه الأحداث، خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب، وواحدة مصغّرة. انتهت الأولى بتقسيم كشمير عام 1949، وفي حين لم تُفلِح الثانية عام 1965 في تغيير هذا الوضع، أسفرت الثالثة عام 1971 عن تقسيم باكستان نفسها إلى دولتين بعد انفصال باكستان الشرقية، وتأسيس جمهورية بنغلاديش. أما الرابعة، التي اندلعت عام 1999، فقد وُصفت بأنها مصغّرة، وعُرفت بـ"حرب كارغيل". بحلول ذلك الوقت، أُعلنت الهند وباكستان قوتين نوويتين. الدور الأميركي في التهدئة منذ اندلاع شرارة الصراع الأخير، كان واضحاً أن الجارين اللدودين لا يسعيان إلى حرب شاملة، وبالتأكيد ليس إلى تبادل إطلاق نار نووي. فالحكومتان، رغم خطابهما العدواني، كانتا تجهدان لضمان مكاسب سياسية داخلية من الأزمات، دون التسبب في تصعيد لا يمكن السيطرة عليه. وتبعاً لذلك، هناك عدة أسباب منعت انزلاق الهند وباكستان إلى حرب تقليدية شاملة، يمكن إيجازها بالآتي: أولاً: امتلاك البلدين ترسانة نووية ضخمة، وهذا بدوره كفيل بمنع أي تصعيد قد يؤدي إلى كارثة عالمية تشمل تبريداً مناخياً، وأشعة مضرّة، وانهياراً في شبكات الغذاء، وبالتالي حدوث مجاعة واسعة النطاق. ثانياً: اختلال التوازن العسكري لصالح الهند، وهذا أيضاً يُعتبر بمثابة عامل ردع قوي. فبحسب تقرير "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، بلغت النفقات العسكرية للهند – التي تُعد خامس أكبر إنفاق عسكري عالمياً – نحو 86.1 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 1.6٪، بينما بلغت نفقات باكستان العسكرية نحو 10.2 مليارات دولار. ثالثاً: اتساع الفجوة العسكرية بين الدولتين من حيث الحجم، والتسليح، والقدرات البشرية والمالية. فوفقاً لتصنيف "Global Firepower"، تحتل الهند المرتبة الرابعة عالمياً، في حين تأتي باكستان في المرتبة الثانية عشرة، من أصل 145 دولة شملها التقييم السنوي للمؤشر. كما أن الجيش الهندي يفوق بأضعاف عدد خصمه الباكستاني. رابعاً: تركيز الهجمات العسكرية على خط السيطرة الذي يفصل كشمير، مما يحد من الخسائر البشرية ويوفّر بالتالي مجالاً للتهدئة. خامساً: تمسك الصين العصا من المنتصف، فهي تحتفظ بعلاقات استراتيجية وثيقة مع إسلام آباد، لكنها تُدرك، في الوقت ذاته، أن استمرار التوتر مع نيودلهي قد يفتح جبهات معقدة على حدودها الشرقية، خصوصاً في ظل النزاع الحدودي التاريخي الذي يمتد على أكثر من 3 آلاف و500 كيلومتر. سادساً: خوف واشنطن من أن يؤثّر النزاع القائم على مصالحها وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة، لا سيّما أنها تسعى إلى الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها مع الهند – التي تُعتبر شريكاً اقتصادياً وصناعياً مهماً في مواجهة النفوذ الصيني – وبين دعمها التقليدي لباكستان، المرتبطة معها بتعاون أمني واستخباراتي طويل الأمد، خصوصاً في ملف أفغانستان ومكافحة الإرهاب. القدرات النووية للهند وباكستان تشير التقديرات إلى أن باكستان تملك بين 170 و200 رأس نووي، بينما يوجد لدى الهند حوالي 170 إلى 172 رأساً (وفقاً لمركز مراقبة الأسلحة ومنع الانتشار). ومع أن الدولتين تتبادلان سنوياً قوائم منشآتهما النووية، إلا أنهما ليستا من الدول الموقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. الجدير بالذكر، أن باكستان لا تعتمد سياسة "عدم الاستخدام الأول" لتلك الأسلحة، ما يعني أنها لا تستبعد استخدام القوة النووية لردع هجوم تقليدي. كما أنها أدخلت مؤخراً أسلحة نووية "تكتيكية" منخفضة القدرة إلى ترسانتها، بهدف استخدامها ميدانياً لمواجهة التفوّق العسكري التقليدي للهند. على المقلب الآخر، تُعلن الهند رسمياً التزامها بسياسة "عدم الاستخدام الأوّل"، لكن بعض التصريحات الصادرة مؤخراً عن مسؤولين هنود أثارت شكوكاً حول مدى تمسكها الفعلي بهذه السياسة. في المحصلة، أظهر هذان البلدان، اللذان كانا في حالة عداء طويل الأمد، قدرة على إبقاء هذه النزاعات محدودة، وهو ما حصل فعلاً.