منذ 2 أيام
الأسر الكردية... في دمشق
خصص د. محمد الصويركي كتاباً للحديث عن الكرد في الشام ومصر.
«كلمة كردستان هي الاسم الأحب إلى قلوب الأكراد، يشعرهم دائماً بأن لهم وطناً قومياً ذا معالم جغرافية». ويقدر الباحث مساحة كردستان «بحوالي خمسمئة ألف كم أكثرها في ترکیا (230 ألفاً) وفي إيران (125) والعراق (79)... والباقي في سورية، أما السكان فيقدرهم، بسبب عدم وجود إحصاء دقيق، بل منع هذه الدول إجراء أي إحصاء دقيق، فيقدر السكان بما بين 35 و40 مليوناً، منهم 35 مليوناً داخل کردستان، و5 ملايين خارجها، فهم إذن ثالث قومية عرقية في الشرق الأوسط بعد العرب والأتراك.
(تاريخ الأكراد في بلاد الشام ومصر، د. محمد الصويركي، عمان - الأردن، 2010، ص 11 - 13).
وقد قدرت مجلة Time الأميركية عدد الكرد في أبريل 1991 بما يتراوح بين 14 و28 مليوناً، 5% منهم في سورية، و18% في العراق، و24% في إیران، و52% في تركيا.
أما عددهم في دول الغرب وأميركا وبلاد المهجر عموماً فكان آنذاك 5 ملايين، وبخاصة ألمانيا وفرنسا وهولندا والدول الإسكندنافية، والكرد من أقدم شعوب المنطقة ممن عاصروا السومريين، وهذا مبحث لا مجال للخوض في كل تفاصيله هنا. وننتقل مع الباحث إلى تاريخ الكرد في سورية، حيث ترافق وجودهم فيها مع وجود التركمان مع تشاحن وصراعات مستمرة بينهما في الجزيرة والموصل وديار بكر، «قتل بها من الخلق ما لا يحصى، ودامت عدة سنين»، كما يقول المؤرخ ابن الأثير. وكان الكرد طوائف عديدة يشتغل بعضها برعي الأغنام أو بيع الكروم أو غيرها من المهن.
ومن «الأسر الدمشقية الكردية»، التي برزت منها شخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، يذكر الباحث أسرة «آجيليقين» التي كان جدها من كبار تجار الخيل في الدولة العثمانية، وتولى وزارة الحج وتوفي عام 1896، وأسرة «أغري بوزي»، من أعيان دمشق التي اشتهرت بالثراء، ومن أسر الأكراد الشهيرة بدمشق «بنو الأيوبي» التي برز منها عدد من الإعلاميين وبعض شخصيات الثورة السورية.
ومن الأسر الشهيرة «آل بدرخان»، ممن كان أجدادهم أمراء بلاد الأكراد، وقد قدم جدهم بدرخان باشا إلى دمشق بعد عصيانه على الحكومة العثمانية لأجل استقلال الأكراد في بلادهم في عهد السلطان عبدالمجيد، وقد توفي عام 1869 تاركاً ذرية من 41 بين ذكور وإناث! ومن الأسر الكردية «الزركلي» التي اشتهر منها خير الدين محمد ت 1976، صاحب موسوعة «الإعلام» للشخصيات، وصاحب المطبعة العربية ومكتبتها في مصر، ومن الأسر عائلة «الزعيم» التي اشتهر من أبنائها الشيخ رضا، أحد علماء الدین في دمشق، وكان يتولى امتحان طلبة العلم، وحسني الزعيم، صاحب الانقلاب الشهير في سوریة، وأسرة «العابد» والد السيدة نازك 1887 - 1959 من سيدات المجتمع ومنظمة الحركة النسائية، وانشأت مصنعات للسجاد اليدوي في مدرسة بنات الشهداء وأسست مجلة «نور الفيحاء».
ومن الأسر الشهيرة في حي الأكراد «ملا رسول»، المتوفي عام 1803 متصرف لواء حوران، وقد ولد له عرفات آغا في موسم الحج على جبل عرفات فسمي به، وإليه نسبت الأسرة، وينسب إلى الأسرة محمد مختار، المولود عام 1936، وهو دكتور في العلوم الجغرافية من لندن، وأطروحته بعنوان «الإعجاز القرآني في العلوم الجغرافية»، ومن الأسر القديمة الشهيرة أسرة «كرد علي»، وأصلهم من «السليمانية» في کردستان العراق، وينتسبون إلى الأكراد الأيوبية، وممن نبغ واشتهر منهم عبدالرزاق، وكان من أهل الوجاهة، وهو والد العلامة «محمد كرد علي»، المتوفى عام 1953، الأديب المعروف ورئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي سافر إلى مصر، وأصدر فيها مجلة «المقتبس»، ثم عاد إلى دمشق وتولى وزارة المعارف بین 1920 و1931، ومن أخواته بلقيس من رائدات العمل النسائي، وريمة، رئيسة الندوة الثقافية النسائية بدمشق.
ومن أسر الأكراد في دمشق «كفتارو»، حيث هاجر جدهم الملا موسى بن علي نظير أفندي، وكان من كبار علماء الأكراد (ت 1894م)، من بلدة كرمة، على الحدود السورية التركية، ومنه ينحدر د. الشيخ أحمد كفتارو، المفتي العام للجمهورية السورية، ومن الأسر كذلك «الصاحب النقشبندي» من ذرية الشيخ خالد بن أحمد النقشبندي الكردي العثماني (1779 - 1826) شيخ مشايخ الطريقة ممن هاجر إلى دمشق واستقر في «حي القنوات»، ونشر الخلفاء والمريدين في الشام والعراق وبلاد الأناضول، حتى قيل إن عددهم زاد على مئة ألف خليفة ومريد، ومن أبنائه وأحفاده محمد أسعد (ت 1928) شیخ الطريقة ود. محمود أفندي رئيس أطباء دير الزور، ود. محمد عبدالخالق (ت 2002) «بطل الشرق الأوسط في الملاكمة» (ص 129).
وآخر الأسر التي يشير إليها الباحث د. الصويركي أسرة «اليوسف»، وكان جدهم محمد بك ابن يوسف من أعيان أكراد «ديار بكر»، من عشيرة الزركلية، أحب تجارة الغنم، واختار دمشق موضعاً لتجارته، فاتسعت ثروته، وجعل منزله منهلاً للقاصد والوارد، وتوفي عام 1843 (ص 129)، ومن سيدات الأسرة زهراء بنت محمد سعيد، زوجة محمد علي العابد، أول رئيس للجمهورية السورية سنة 1939، التي نشأت في قصر السلطان عبدالحميد وكانت من رائدات العمل النسائي.