أحدث الأخبار مع #يو2


شبكة النبأ
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- شبكة النبأ
أزمة منطاد التجسس الصيني في الولايات المتحدة
حادثة المنطاد لن تخرج عن نطاق السيطرة بين الدولتين ولن تغير جذريًا مسار العلاقات المشتركة، ولا يعني ذلك أن العلاقة الهشّة بين القوتين العظمَيين ستتحسن في المدى المنظور، إذ إن خلافاتهما وتنافسهما يتجاوز عمليات التجسس المتبادلة إلى صراع على النفوذ في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي، والهيمنة العالمية... يُنذر إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن رصد ما وصفته بـ "منطاد تجسس صيني" عملاق في المجال الجوي الأميركي وإسقاطه، في 28 كانون الثاني/ يناير – 4 شباط/ فبراير 2023، بحدوث أزمة دبلوماسية حادة بين الدولتين العظميَين، خصوصًا مع توالي رصد "أجسام طائرة أخرى" مجهولة في الأجواء الأميركية والكندية وصل مجموعها إلى أربعة، جرى إسقاطها جميعًا خلال ثمانية أيام. وقد اتهمت الولايات المتحدة الصين بـ "انتهاك السيادة" الأميركية، فردّت بيجين أن المنطاد كان مخصصًا للرصد الجوي قبل أن ينحرف عن مساره وتفقد السيطرة عليه، مُدينةً إسقاطه بصاروخ؛ لأنه ردّ مبالَغ فيه ومخالِف للأعراف الدولية، وهي تحتفظ بالحق في الرد بالمثل[1]. ويخشى مراقبون أن يؤدي التوتر الجديد الحاصل بين الدولتين وارتباك خطوط الاتصال بينهما إلى تصاعد احتمالات تحوّل حادثٍ عرَضي بين قوات البلدين في بحرَي الصين الجنوبي والشرقي أو حول تايوان إلى صدام عسكري مفتوح[2]. وأعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، في 3 شباط/ فبراير، تأجيل زيارته المرتقبة إلى الصين على خلفية أزمة المنطاد. أما وزير الدفاع الصيني، وي فنغي، فرفض الرد على مكالمة لنظيره الأميركي، لويد أوستين، في اليوم التالي لإسقاط المنطاد بصاروخ[3]. وقد جاءت أزمة منطاد التجسس، كما تصفها واشنطن، في خضمّ مساعٍ أميركية حثيثة لتعزيز وجودها العسكري وتوسيع تحالفاتها في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي بهدف تطويق الصين. تسلسل زمني في 28 كانون الثاني/ يناير، رصدت القيادة الشمالية للولايات المتحدة USNORTHCOM دخول المنطاد أجواء ولاية ألاسكا غير المتصلة جغرافيًا بالبرّ الأميركي الرئيس Mainland، وكان على ارتفاع شاهق يراوح بين 60 و65 ألف قدم. وفي 30 من الشهر ذاته، انحرف المنطاد إلى المجال الجوي الكندي، قبل أن يعود إلى المجال الجوي الأميركي فوق البر الرئيس في 31 كانون الثاني/ يناير. ومع تحليق المنطاد فوق قاعدة جوية أميركية حساسة ومواقع للصواريخ النووية الأميركية في ولاية مونتانا، وبعد التأكد من أنه مخصص للتجسس بعد إرسال طائرات استطلاع من طراز يو-2 "U-2" لمراقبته عن قرب، قررت وزارة الدفاع إسقاطه بصاروخ من طائرة حربية من طراز إف–22 "F-22"، وهو ما جرى فعلًا في 4 شباط/ فبراير فوق ساحل ولاية كارولينا الجنوبية[4]. وفي 10 شباط/ فبراير، أسقطت مقاتلة أميركية من طراز إف–22 جسمًا طائرًا مجهولًا آخر فوق ولاية ألاسكا رصدته قبل ذلك بيوم. وكان أصغر بكثير من المنطاد الأول، وحلّق على ارتفاع منخفض مشكّلًا خطرًا على الطيران المدني[5]. وفي اليوم التالي، اعترضت مقاتلتان أميركية وكندية من طراز إف–22، جسمًا طائرًا مجهولًا آخر فوق شمال كندا وأسقطتاه[6]. وحلّق هذا الجسم المجهول، مثل سابقه، على ارتفاعٍ منخفض وشكّل تهديدًا لسلامة الطيران المدني. وفي 12 شباط/ فبراير، أسقطت مقاتلة أميركية من طراز إف-16 "F-16" جسمًا طائرًا مجهولًا آخر فوق ولايةميشيغان، كان يطير على ارتفاع منخفض[7]. وإذا كانت واشنطن قد أقرّت أن المنطاد الأول كان صينيًا مخصصًا للتجسس، فإنها لم تحسم الأمر بعدُ بشأن الثلاثة الأخرى، في انتظار جمع حطامها وأجزائها لفحصها. على عكس الأجسام الثلاثة الطائرة المجهولة الأخرى، تأخر قرار إسقاط المنطاد الأول أسبوعًا كاملًا منذ رصده. وقد تدرجت تبريرات وزارة الدفاع في هذا الصدد، فقالت بدايةً إنها لم تكن متأكّدة إن كان المنطاد سيعبر إلى البرّ الرئيس. ثمّ قالت إن إسقاطه سيشكّل خطرًا على السكان والممتلكات على الأرض. وبعد ذلك، تمحور التفسير حول تعقّب مساره وكيف يعمل، لجمع معلومات استخباراتية عنه، خصوصًا مع التهوين من حجم التهديد الذي مثّله[8]. وبأمر من الرئيس جو بايدن، وبعد ضغوط سياسية مارسها، تحديدًا، الجمهوريون في ساحل ولاية كارولينا الجنوبية، اتخذت الوزارة قرارًا بإسقاطه في 4 شباط/ فبراير، في مياه ضحلة لتسهل استعادته وفحصه. إمكانيات المنطاد تؤكد واشنطن أن المنطاد كان قادرًا على جمع معلومات استخباراتية، وذلك بمساعدة صور عالية الدقة التقطتها طائرات يو-2 خلال تحليقه فوق مناطق عسكرية حساسة في مونتانا. وأفادت وزارة الخارجية الأميركية بأنه كان مجهزًا بأجهزة لاعتراض الاتصالات الحساسة، وبألواح شمسية كبيرة تزوّده بالطاقة الضرورية لتشغيل "أجهزة استشعار متعددة تجمع المعلومات الاستخباراتية النشطة". وأكد بيان الوزارة أن حمولة المنطاد، الذي كان في حجم طائرة إقليمية نفاثة، احتوت على "هوائيات إرسال متعددة تشمل حزمة من الأجهزة التي قد تكون قادرة على جمع الاتصالات وتحديد موقعها الجغرافي"[9]. وبعد أن استُعيدت أجزاء من حطام المنطاد في ساحل ولاية كارولينا الجنوبية، وفُحصت في مختبرات مكتب التحقيقات الفدرالي في كوانتيكو بولاية فيرجينيا، خلص المحققون إلى أن المنطاد جزء من برنامج مراقبة عالمي واسع النطاق يشرف عليه جيش التحرير الشعبي الصيني بالتعاون مع شركة تكنولوجية صينية، منذ سنوات. وقال مسؤولون عسكريون أميركيون إن المنطاد جرى تشغيله "عبر خمس قارات على الأقل، في مناطق مثل أميركا اللاتينية وأميركا الجنوبية، وجنوب شرق آسيا، وشرق آسيا، وأوروبا"[10]. في حين قالت وزارة الخارجية إن بيجين عملت، عبر أسطولها لمناطيد التجسس، على "مراقبة 40 دولة في القارات الخمس"[11]. وساد خلاف بين المسؤولين والخبراء الأميركيين في تقييم مدى خطورة المنطاد على المنشآت العسكرية الأميركية والاتصالات الحساسة في البلاد؛ فوزارة الدفاع تؤكد أنه لم يمنح الصين قدرات تتجاوز ما لديها مسبقًا من أقمار التجسس الصناعية أو غيرها من الوسائل الاستخباراتية، كالجواسيس وقرصنة الأسرار العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، خصوصًا أن الوزارة تؤكد معرفتها بالمسار المتوقع للمنطاد، على نحو سمح لها بحماية المواقع الحساسة من الأجهزة التي يحملها. في حين يرى مراقبون أنّ قرب المنطاد من الأرض، وبطأه نسبيًا وإمكانية توجيهه وقدرته على التحليق فتراتٍ أطول فوق أهداف محددة، كلها عوامل تساعد على التقاط المزيد من الصور واعتراض اتصالات بطريقة أفضل من الأقمار الصناعية[12]. ومع ذلك، يؤكد مسؤولون عسكريون أميركيون أن مراقبتهم المنطاد خلال تحليقه في الأجواء الأميركية، ثم إسقاطه واستعادة أجزاء كثيرة من حطامه إلى الآن، سيعزز قدرات الولايات المتحدة على تتبّع مثل هذه الأجسام ورصدها على نحو أفضل في المستقبل. رمزية التحدي يوصَف التجسس الصيني بواسطة مناطيد بـ "الطريقة البدائية" إذا ما قورن بوسائل التجسس والاستخبارات الأكثر تقدمًا والأشد تعقيدًا، ومع ذلك، فهو لا يقلل حجم التحدّي الذي مثّله، أولًا للكبرياء الأميركي من خلال انتهاك سيادة الدولة الأعظم، وثانيًا، لما يعنيه من أن "التهديد الصيني" للأراضي الأميركية لم يعد مجرّد تكهنات نظرية لن تتحقق. ويرى بعض الخبراء، أن حادثة المنطاد تمثل مرحلةً جديدة من مراحل التجسس والتجسس المضاد بين الولايات المتحدة والصين[13]. أضف إلى ذلك اعترافًا عسكريًا أميركيًا بأن "القيادة الشمالية للولايات المتحدة" و"قيادة دفاع الفضاء الجوي الأميركية الشمالية" NORAD المسؤولتَين عن حماية الأجواء الأميركية والكندية، فشلتا سابقًا في رصد اختراقات للمجال الجوي للبلدين عبر مناطيد صينية مشابهة، وفي منعها[14]. وأقرّت وزارة الدفاع، بعد حادثة المنطاد، أن أربعة مناطيد تجسس صينية سبق أن حلّقت فوق الولايات المتحدة بالقرب من تكساس وفلوريدا وهاواي وغوام من دون أن تُكتشف، ثلاثة منها خلال إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، والأخير في وقت سابق من رئاسة بايدن[15]. وتقول الوزارة إنها تعاملت مع تلك الحوادث حينها على أنها "ظواهر جوية غير معروفة"، ولم تُصنَّف مناطيدَ تجسس إلا بعد أزمة المنطاد الأخير، وذلك بعد "إجراء تحليلات استخباراتية لاحقة"[16]. ويرى خبراء أنها حوادث تكشف عن خلل في أنظمة الرادار الحالية التي تركّز على الصواريخ والطائرات القادمة إلى المجال الجوي الأميركي، في حين أن اكتشاف أجسامٍ كالمناطيد يتطلب تكنولوجيا جديدة قادرة على التقاط أجسام منخفضة جدًا يمكن رصدها في السماء[17]. ويغذّي القلق من مناطيد التجسس الصينية قلقًا موازيًا من بعض التقنيات التكنولوجية والتطبيقات الصينية على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تطبيق تيك توك TikTok، المملوك لشركة صينية والذي جرى حظره بالفعل على الأجهزة الحكومية في الولايات الجمهورية. وتصاعدت التحذيرات من الشركات الصينية التي تشتري أراضيَ بالقرب من القواعد العسكرية، ومن مزاعم نشر بيجين عملاء سريين في الجامعات الأميركية[18]. الإطار الأوسع للتنافس ترى واشنطن أنّ بيجين تمثّل التحدي الجيوسياسي الأبرز لهيمنتها، وأنها تسعى إلى تقويض "النظام الدولي القائم على القواعد"[19]، في حين ترى بيجين أن واشنطن تحاول احتواء نفوذها المتنامي إقليميًا في شرق آسيا، وعالميًا، وتقويضه، من خلال عرقلة نموّها وتقدّمها، وزعزعة وحدتها الجغرافية مع تايوان، والتدخل في شؤونها الداخلية، عبر دعاوى انتهاك حقوق الإنسان[20]. ويرى العديد من الخبراء أن الدولتين العظمَيين عالقتان عمليًا في "حرب باردة" عالمية جديدة، يحرّكها التنافس التجاري والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري لا الأيديولوجي فحسب[21]. وانطلاقًا من المقاربة الأميركية القائلة بأن "الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها نية إعادة تشكيل النظام الدولي، في الوقت الذي تتعاظم فيه قدراتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية"، وواشنطن لا يمكنها "الاعتماد على أن بيجين ستغير مسارها"، لذلك فإنها ستعمل على إعادة "تشكيل بيئة استراتيجية حولها تعزز رؤيتها لنظام دولي مفتوح وشامل"[22]. انطلاقًا من مفهوم "تشكيل البيئة الاستراتيجية" حول الصين أميركيًا، جاء انتهاك المنطاد الصيني للأجواء الأميركية خلال زيارةٍ أجراها وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إلى الفلبين، حيث أعلن البلَدان، في 2 شباط/ فبراير 2023، عن اتفاق يسمح للجيش الأميركي بإنشاء أربع قواعد عسكرية جديدة في البلاد، إضافةً إلى استخدام خمس أخرى قائمة من قبل، من المحتمل أن يكون بعضها في جزيرة لوزون الشمالية، التي يفصلها مضيق لوزون عن تايوان[23]. وتعتبر الصين تايوان جزءًا من أراضيها وتسعى إلى أن تضمّها إليها، حتى باستخدام القوة العسكرية، في حين تتمسك الولايات المتحدة بموقف مفاده أن أيّ توحيد للجزيرة مع الصين ضمن مبدأ "صين واحدة" الذي تقر به واشنطن، ينبغي له أن يكون سلميًا. وفي كانون الثاني/ يناير 2023، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنشر في جزيرة أوكيناوا في جنوب اليابان وحدة للتدخّل السريع من سلاح مشاة البحرية الأميركية (المارينز). وعززت اليابان قدراتها الخاصة في جزر ريوكيو، وأقرّت مراجعة جذرية لعقيدتها الدفاعية التي أرستها منذ الحرب العالمية الثانية، ورأت أن الصين تمثّل "تحديًا استراتيجيًا غير مسبوق" للأمن القومي الياباني[24]. ويقول خبراء عسكريون إن تعزيز اليابان إمكانياتها العسكرية يندرج في سياق استراتيجية وضعتها واشنطن تقوم على خلق رادع إقليمي لطموحات الصين، علمًا أن تعزيز الوجود العسكري الأميركي في جزر يابانية قريبة من جزيرة تايوان سيضعف قدرة السفن الحربية الصينية على غزو الجزيرة ومحاصرتها[25]. وفي اليابان وجود عسكري أميركي هو الأكبر خارج الأراضي الأميركية، حيث يوجد أكثر من خمسين ألف جندي، فضلًا عن وجود عسكري كبير آخر في كوريا الجنوبية؛ فالولايات المتحدة تطوّق الصين وتسعى إلى كبح صعودها قطبًا عالميًا منافسًا لها، وتعمل على تقليص نفوذها وإضعافها في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي، وهذا هو الهدف الأساس لاتفاقية "أوكوس" الأمنية مع بريطانيا وأستراليا، وكذلك "المجموعة الرباعية"، التي تضم كلًا من الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان. في السياق ذاته، وقبل أيام قليلة من إعلان الولايات المتحدة وجود المنطاد في مجالها الجوي، كان من اللافت أن يرسل الجنرال في سلاح الجو الأميركي وقائد قيادة النقل الجوي، مايك مينيهان، مذكّرةً إلى من يعملون تحت إمرته، يبلغهم فيها بتكهنات مفادها أن الولايات المتحدة ستخوض حربًا مع الصين في عام 2025، وطالبهم بأن يستعدوا لها[26]. ومع أن وزارة الدفاع قالت إن هذه المذكرة تمثل رأيًا شخصيًا، فإنه لا يمكن التقليل من مغزى ما يصدر عن جنرال ينتمي إلى فئة أربعة نجوم rank-star Four - وهي أعلى رتبة في الجيش الأميركي - وكيف يفكر المسؤولون العسكريون في الدولتين، خصوصًا إذا أخذنا في الحسبان أن أحد التقديرات الأميركية ينفي أن يكون الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أو أركان حكومته على علم بمسألة المنطاد الذي حلّق في الأجواء الأميركية قبل أن تكتشفها الولايات المتحدة[27]. ويرى هذا التقدير أنّ إرسال المنطاد قد يكون قرارًا اتخذه عسكريون صينيون يشككون في محاولات التقارب الصيني – الأميركي، علمًا أنه جاء خلال استعداد وزير الخارجية الأميركي لزيارة بيجين، وهو الأمر الذي كانت تراهن عليه الأخيرة لتخفيف حدة التوتر في العلاقة بين الطرفين، خصوصًا بعد القمة التي جمعت بين بايدن وشي جينبينغ، في إندونيسيا، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. خاتمة يرجّح البعض أن حادثة المنطاد لن تخرج عن نطاق السيطرة بين الدولتين ولن تغير جذريًا مسار العلاقات المشتركة، ولا يعني ذلك أن العلاقة الهشّة بين القوتين العظمَيين ستتحسن في المدى المنظور، إذ إن خلافاتهما وتنافسهما يتجاوز عمليات التجسس المتبادلة إلى صراع على النفوذ في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي، والهيمنة العالمية، وكل طرف يرى الآخر التحدي الجيوسياسي الأكبر له. والتحريض في كلا البلدين على التصعيد مع الآخر يضاعف أخطار حدوث صدام عسكري أو تأزيم العلاقات بين الطرفين، فيضطر صناع القرار في واشنطن وبيجين في أحيان كثيرة إلى تقديم المصالح السياسية على المصالح الوطنية، حتى لا يظهروا ضعفاء أمام شعبيهم ومنافسيهم السياسيين[28]. وتبقى مسألة المنطاد قضية هامشية إذا ما قورنت بملفات خلافية أكبر مثل تايوان، التي ينوي رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، زيارتها خلال الأشهر القادمة، ما قد يثير ردَّ فعل صينيًا عنيفًا، كما جرى في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، في عام 2022، ومن هذه الملفات، أيضًا، محاولات الولايات المتحدة تقييد توريد مبيعات تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية إلى الصين، ودعم الأخيرة روسيا وكوريا الشمالية. ............................................ [1] John Hudson, Ellen Nakashima & Dan Lamothe, 'U.S. Declassifies Balloon Intelligence, Calls out China for Spying,' The Washington Post, 9/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [2] David Sacks, 'What China's Surveillance Balloon Says About U.S.-China Relations,' Council on Foreign Relations, 6/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [3] Ellen Knickmeyer, ''It Just Rang': In Crises, US-China Hotline Goes Unanswered,' Associated Press, 9/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [4] Jennifer Hassan & Ben Brasch, 'The U.S. Shot 4 Objects Out of the Sky in Nine Days. What to Know,' The Washington Post, 14/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [5] Ibid. [6] Haley Britzky, 'Here is What we Know about the Unidentified Objects Shot Down Over North America,' CNN, 12/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [7] Hassan & Brasch. [8] Tom Vanden Brook, Josh Meyer & Kevin Johnson, 'Chinese Spy Balloon Sought Secret US Communications Signals, State Department Says,' USA Today, 9/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [9] Ivana Saric, 'Chinese Balloon was Likely Capable of Collecting Communications, U.S. Says,' AXIOS, 9/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [10] Brook, Meyer & Johnson. [11] Ellen Mitchell & Brad Dress, 'Chinese Spy Balloon Revelations Raise Stakes for US Response,' The Hill, 10/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [12] Jeremy Herb, et al., 'US Officials Disclosed New Details About the Balloon's Capabilities. Here's What We Know,' CNN, 9/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [13] Mitchell & Dress. [14] Alex Horton, Dan Lamothe & Ellen Nakashima, 'U.S. Military Failed to Detect Prior Chinese Incursions, General Says,' The Washington Post, 6/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [15] Hudson, Nakashima & Lamothe. [16] Brook, Meyer & Johnson. [17] Mitchell & Dress. [18] Ibid. [19] John Feng, 'China Makes Moves in Middle East After Biden's Frosty Reception,' Newsweek, 21/12/2022, accessed on 19/2/2023, at: [20]Chris Buckley, 'After the Biden-Xi Meeting, Beijing Signals Optimism Over Relations with Washington,' The New York Times, 15/11/2022, accessed on 19/2/2023, at: [21] Tony Kevin, 'Russia and China are Sending Biden a Message: Don't Judge us or Try to Change us. Those Days are Over,' The Conversation, 25/3/2021, accessed on 19/2/2023, at: [22] Ibid. [23] Hal Brands, 'America's Pivot to Asia Is Finally Happening,' Bloomberg, 6/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [24] Ibid. [25] Ibid. [26] Charlie Campbell, 'U.S. General's Prediction of War with China 'in 2025' Risks Turning Worst Fears into Reality,' The Time, 31/1/2023, accessed on 19/2/2023, at: [27] Stephen Collinson, 'Why the Chinese Balloon Crisis Could be a Defining Moment in the New Cold War,' CNN, 6/2/2023, accessed on 19/2/2023, at: [28] Michael Schuman, 'Red Zeppelin: How China's Spy Balloon Blew Up Relations with the U.S.,' The Atlantic, 10/2/2023, accessed on 19/2/2023, at:


النهار
١١-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- النهار
إضافة فيلم سبايك لي الجديد إلى قائمة الأعمال المشاركة في مهرجان كانّ
أُضيف فيلم سبايك لي الجديد إلى قائمة الأفلام التي وقع عليها اختيار مهرجان كانّ السينمائي للمشاركة في دورته الثامنة والسبعين، وسيكون صاحب الدور الرئيسي فيه النجم دنزل واشنطن حاضراً لمواكبته، بحسب ما أفاد المنظمون وكالة "فرانس برس". ولم يكن "هايست تو لويست" (Highest 2 Lowest) الذي سيُعرض خارج المسابقة الرسمية في 19 أيار/مايو وارداً ضمن القائمة الرسمية التي أعلنها مهرجان كانّ صباح الخميس. وأوضح المنظمون أنهم كانوا في انتظار "معلومة نهائية في شأن حضور دنزل واشنطن". وبالإضافة إلى الممثل الأميركي توم كروز الذي سيأتي إلى كانّ لمواكبة عرض أحدث أجزاء سلسلة أفلام "ميشن: أمباسيبل" (أو "مهمة مستحيلة") خارج المسابقة الرسمية، والممثل روبرت دي نيرو الذي يُمنح سعفة ذهبية فخرية عن مجمل مسيرته، يُتوقع أن يحضر على السجادة الحمراء عدد من النجوم العالميين. ومن هؤلاء مثلاً المغني والناشط بونو لحضور عرض فيلم عن أغنيات فرقته "يو 2"، ويواكين فينيكس وجودي فوستر وهاريس ديكنسون، الممثل الذي شارك في فيلمي "تراينغل أوف سادنس" (Triangle of Sadness) و"بيبي غيرل" (Babygirl) وانتقل إلى الإخراج. ويشارك ويس أندرسون مرة أخرى في المسابقة بفيلم تشارك فيه مجموعة قوية من النجوم هم غييرمو ديل تورو وتوم هانكس وريز أحمد وشارلوت غينزبور وسكارليت جوهانسون. وتحضر جوهانسون في المهرجان كذلك من خلال أول فيلم لها كمخرجة هو "إليانور ذي غريت" (Eleanor The Great). وأدرج فيلم المخرجة التي تقف وراء الكاميرا وهي في الأربعين، ضمن قسم "نظرة ما" (Un Certain Regard). وفي الوقت الراهن، يتنافس 19 فيلماً على خلافة فيلم "أنورا" للمخرج الأميركي شون بيكر والذي نال السعفة الذهبية العام المنصرم. ويطمح الأخَوان البلجيكيان جان بيار ولوك داردين إلى تحقيق إنجاز تاريخي بانتزاعهما السعفة الذهبية للمرة الثالثة، فيما تأمل الفرنسية جوليا دوكورنو التي استعانت بطاهر رحيم وغولشيفتيه فرحاني في فوز ثان باللقب بعد ذلك الذي نالته عن فيلمها "تيتان". وفي المسابقة أيضاً أفلام للبرازيلي كليبر ميندونسا فيليو، والإيطالي ماريو مارتون، والأميركية كيلي رايكاردت. وتشارك الممثلة والمخرجة الفرنسية من أصل تونسي حفصية حرزي البالغة 38 عاماً للمرة الأولى في المسابقة الرسمية. وأُسنِدت رئاسة لجنة التحكيم في هذه الدورة المقامة إلى النجمة جولييت بينوش. ويُفتتح المهرجان في 13 أيار/مايو بأول فيلم روائي طويل من بطولة المغنية الفرنسية جولييت أرمانيه بعنوان "بارتير آن جور" (Partir un jour).


النهار
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- النهار
كانّ 78: نساء خلف الكاميرا ومنافسة بين 19 فيلماً
أمام الكاميرا تارة وخلفها تارة أخرى، سيكون للنجمة سكارليت جوهانسون فيلمان في الدورة الثامنة والسبعين لمهرجان كانّ السينمائي التي أُعلنت تفاصيل برنامجها الخميس، ويتميز بوجود ست نساء بين المخرجين المدرجة أعمالهم في المسابقة الرسمية، وبعودة جعفر بناهي وويس أندرسون إلى جانب مواهب جديدة. وبالإضافة إلى الممثل الأميركي توم كروز الذي سيأتي إلى كانّ لمواكبة عرض أحدث أجزاء سلسلة أفلام "ميشن: أمباسيبل" (أو "مهمة مستحيلة") خارج المسابقة الرسمية، والممثل روبرت دي نيرو الذي يُمنح سعفة ذهبية فخرية عن مجمل مسيرته، يُتوقع أن يحضر على السجادة الحمراء عدد من النجوم العالميين. من هؤلاء مثلاً المغني والناشط بونو لحضور عرض فيلم عن أغنيات فرقته "يو 2"، ويواكين فينيكس وجودي فوستر وهاريس ديكنسون، الممثل الذي شارك في فيلمي "تراينغل أوف سادنس" (Triangle of Sadness) و"بيبي غيرل" (Babygirl) وانتقل إلى الإخراج. ويشارك ويس أندرسون مرة أخرى في المسابقة بفيلم تشارك فيه مجموعة قوية من النجوم هم غييرمو ديل تورو وتوم هانكس وريز أحمد وشارلوت غينزبور وسكارليت جوهانسون. وتحضر جوهانسون في المهرجان كذلك من خلال أول فيلم لها كمخرجة هو "إليانور ذي غريت" (Eleanor The Great). وأدرج فيلم المخرجة التي تقف وراء الكاميرا وهي في الأربعين، ضمن قسم "نظرة ما" (Un Certain Regard) المخصص للاكتشافات، كرمز للتحول في قطاع يمنح تدريجاً مساحة أكبر للمخرجات ويريد أن يُظهر أنه يتعلم دروس حركة "مي تو". وأعلنت رئيسة مهرجان كانّ السينمائي إيريس كنوبلوك أنّ المهرجان "أخذ علماً بجدية وتصميم بتوصيات" لجنة التحقيق التي شكلتها الجمعية الوطنية الفرنسية في أعمال العنف الجنسي المرتكبة في القطاع الثقافي، بعدما كانت رئيسة لجنة التحقيق النائبة ساندرين روسو دعت في اليوم السابق إلى أن يكون المهرجان "مكاناً لتغيير العقليات" بشأن العنف الجنسي والتمييزي في السينما. وقالت كنوبلوك: "أنا سعيدة جدّاً لأنّ تغييراً لا يزال يفرض نفسه بقوة وشجاعة. أخيراً، أصبح صوت المرأة مسموعاً. يُوليهن المهرجان اهتماماً خاصاً، ولم يعدن يطالبن بمكانتهن". قريب من الرقم القياسي بلغ عدد الأفلام الروائية الطويلة التي تخرجها نساء ستّة ضمن قائمة الأعمال المدرجة في المسابقة، وهو عدد قريب من الرقم القياسي المسجل عام 2023 والبالغ سبعة أفلام. ولا يزال ممكناً تجاوز هذا الرقم، إذ يعتزم المنظمون الذين شاهدوا أكثر من 2000 فيلم وأنجزوا اختيارهم في الأولى صباحاً، استكمال المهمة قبل عيد الفصح. ومن بين المخرجين الذين يُحتمل أن تضاف أفلامهم تيرينس ماليك وجيم جارموش. وفي الوقت الراهن، يتنافس 19 فيلماً على خلافة فيلم "أنورا" للمخرج الأميركي شون بيكر والذي نال السعفة الذهبية العام المنصرم. ويطمح الأخَوان البلجيكيان جان بيار ولوك داردين إلى تحقيق إنجاز تاريخي بانتزاعهما السعفة الذهبية للمرة الثالثة، فيما تأمل الفرنسية جوليا دوكورنو التي استعانت بطاهر رحيم وغولشيفتيه فرحاني في فوز ثان باللقب بعد ذلك الذي نالته عن فيلمها "تيتان". وفي المسابقة أيضاً أفلام للبرازيلي كليبر ميندونسا فيليو، والإيطالي ماريو مارتون، والأميركية كيلي رايكاردت. وتشارك الممثلة والمخرجة الفرنسية من أصل تونسي حفصية حرزي البالغة 38 عاماً للمرة الأولى في المسابقة الرسمية. وأُسنِدت رئاسة لجنة التحكيم في هذه الدورة المقامة في ظل مخاوف الفنانين من رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة وفي خضمّ الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، إلى النجمة جولييت بينوش التي تُعدّ إحدى أشهر الممثلات الفرنسيات على المستوى الدولي، وتتميّز بكونها فنانة صاحبة مواقف سياسية. وعلى الشاشة، يستحضر المخرج الأوكراني سيرغي لوزنيتسا "الاتحاد السوفياتي في ثلاثينات القرن العشرين في زمن التطهيرات الستالينية" (ضمن المسابقة)، فيما يُعرض للمخرج الروسي المنفي كيريل سيريبرينيكوف فيلم اقتبسه من رواية "ذي ديسابيرنس أوف يوزف منغيليه" (The Disappearance of Josef Mengele) للكاتب أوليفييه غيز. ويتوقع كذلك حضور المخرج الإيراني جعفر بناهي الذي ذاق السجن في بلده. وقال المندوب العام للمهرجان تييري فريمو: "في هذا الاختيار، لدينا صناع أفلام يتحملون مسؤولية خطابهم حول العالم". ولاحظ أنّ "هذه الأفلام تصوّر شيئاً من عالم (...) صعب، مليء بالتوتر والعنف (...) وكذلك من عالم هو ذلك الذي عرفناه، والذي نريده، والذي نستمر في رؤيته ينشأ". وأعلن المهرجان أيضاً عن فيلم الافتتاح في 13 أيار/مايو، وهو أول فيلم روائي طويل من بطولة المغنية الفرنسية جولييت أرمانيه بعنوان "بارتير آن جور" (Partir un jour)، يُتوقع أن يعلن قريباً أسماء أعضاء لجنة التحكيم. ومن المقرر أن يتم الإعلان عن الاختيارات الموازية يومي الاثنين والثلاثاء.


Independent عربية
١٢-٠٣-٢٠٢٥
- علوم
- Independent عربية
الذكاء الاصطناعي في وجه الجاسوس التقليدي
في مطالع حقبة الخمسينيات من القرن الـ 20 واجهت الولايات المتحدة تحدياً أمنياً خطراً في خضم منافستها الجارية آنذاك مع الاتحاد السوفياتي، فلم تعد صور طائرات الاستطلاع الألمانية من فترة الحرب العالمية الثانية للقدرات العسكرية السوفياتية توافر المعلومات الكافية، كما أن قدرات المراقبة الأميركية لم تعد قادرة على اختراق المجال الجوي المغلق للاتحاد السوفياتي، وحينها أدى ذلك النقص إلى إطلاق مبادرة مبهرة وجريئة تمثلت بتطوير وصنع طائرات "يو-2" الاستطلاعية. وخلال بضعة أعوام توصلت مهمات "يو-2" إلى إعطاء صور استخباراتية حساسة للمنشآت الصاروخية السوفياتية في كوبا، وقدمت إلى البيت الأبيض رؤى شبه فورية عما يجري خلف "الستار الحديدي". واليوم تقف الولايات المتحدة عند منعطف مماثل، إذ تتكثف المنافسة بين واشنطن وخصومها حول مستقبل النظام العالمي، وعلى نحو يشبه كثيراً مطلع الخمسينيات من القرن الـ 20، يجب على الولايات المتحدة اليوم الاستفادة من قطاعها الخاص العالمي المدى وقدراتها الواسعة في الابتكار كي تتفوق على خصومها، وينبغي على مجتمع الاستخبارات الأميركية التمرس بتوظيف مصادر قوة البلاد كي يقدم رؤى إلى صناع السياسة بإيقاع يتوازى مع سرعة العالم المعاصر. ويتيح إدماج الذكاء الاصطناعي، خصوصاً عبر النماذج اللغوية الكبرى، فرصاً نوعية غير مسبوقة في تحسين عمليات الاستخبارات والتحليل مما يعزز القدرة على دعم أفضل لصناع السياسة وبصورة أسرع من حاله حاضراً، وفي المقابل تأتي هذه الثورة التكنولوجية مع جوانب سلبية وازنة خصوصاً مع استفادة الخصوم من تطورات متقدمة مماثلة بغية كشف عمليات الاستخبارات الأميركية ومجابهتها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع استمرار سباق الذكاء الاصطناعي يجب على الولايات المتحدة أن تتحدى نفسها بأن تكون الأولى في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وكذلك الحال بالنسبة إلى حماية نفسها من أعداء قد يستخدمون تلك التكنولوجيا لإحداث الأذى، إضافة إلى تسنمها مكان الصدارة في استعمال الذكاء الاصطناعي بطريقة تتوافق مع القوانين والقيم السارية في دولة ديمقراطية. وبالنسبة إلى مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة يتطلب الإيفاء بالوعد وإدارة أخطار الذكاء الاصطناعي الدخول في تغييرات تكنولوجية وثقافية، إضافة إلى الرغبة في تغيير طريقة عمل الوكالات المنضوية تحت لوائه، إذ تستطيع المجتمعات الاستخباراتية والعسكرية الأميركية التمرس بالإمكانات الكامنة للذكاء الاصطناعي مع العمل على تخفيف الأخطار المتأصلة فيه، وضمان احتفاظ الولايات المتحدة بمرتبتها التنافسية المتقدمة ضمن مشهدية عالمية لا تكف عن التطور السريع. وحتى أثناء نهوضها بتلك المهمات يجب على الولايات المتحدة أن تتحدث بشفافية إلى الجمهور الأميركي والسكان والشركاء في أرجاء العالم عن الكيفية التي تعتزم هذه البلاد اعتمادها في التوصل إلى استعمال أخلاقي ومأمون للذكاء الاصطناعي يتوافق مع قوانينها وقيمها. أكثر وأفضل وأسرع ينطوي الذكاء الاصطناعي على إمكان إحداث ثورة ضمن مجتمع الاستخبارات بسبب قدرته على التعامل مع كميات هائلة من المعلومات وتحليلها بسرعات غير مسبوقة، والمعلوم أن عملية تحليل مجموعات ضخمة من بيانات يجري جمعها باستمرار بغية توليد تحذيرات في أوقات مناسبة وحساسة أمر صعب، وباستطاعة هيئات الاستخبارات الأميركية توظيف قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي في التعرف على الأنماط لتحديد وتنبيه المحللين البشر إلى الأخطار المحتملة، على غرار إطلاق الصواريخ أو التحركات العسكرية أو التطورات الدولية المهمة التي يعلم المحللون مدى اهتمام صناع القرارات الرفيعي المستوى بها. ومن شأن هذه القدرة ضمان ظهور تحذيرات حاسمة في اللحظات المناسبة، إضافة إلى كونها عملانية وذات دلالة مما يتيح استجابات أشد فاعلية سواء بالنسبة إلى الأخطار التي تتفاقم بسرعة أو الفرص الصاعدة في صنع السياسة، وتتعزز تلك الأنواع من التحليل حينما تستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي المتعددة الأنماط التي تعمل عبر التحليل المتكامل للنصوص والصور والأصوات. ومثلاً فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في التكامل المرجعي المتبادل بين صور الأقمار الاصطناعية وبين إشارات الاستخباراتية يؤدي إلى تقديم منظور شامل للتحركات العسكرية، مما يمكّن من التوصل إلى تقييمات أسرع وأدق للأخطار، إضافة إلى تقديم طرق محتملة جديدة في إيصال المعلومات إلى صناع السياسة. وكذلك يستطيع محللو الاستخبارات إلقاء عبء المهمات المتكررة المستنفدة للوقت على الآلات بغية التركيز على الأعمال الأكثر تطلباً للجهد على غرار التوصل إلى توليد تحليلات أصيلة ومعمقة، وزيادة الروئ الواسعة والشاملة في مجتمع الاستخبارات مع رفع مستوى إنتاجيته، وثمة مثل جيد على ذلك يتمثل في الترجمة من اللغات الأجنبية، فلقد استثمرت الوكالات الاستخباراتية الأميركية بكثافة وفي وقت باكر في الذكاء الاصطناعي المزود بالقدرات المتعددة وأثمر رهانها في ذلك المضمار، وتنامت قدرات النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي وباتت أكثر تطوراً ودقة، وخلال الآونة الأخيرة أطلقت شركة "أوبن إيه آي" [صانعة روبوت الدردشة "تشات جي بي تي"] نموذجيها "أو1" و"أو3" اللذين أظهرا تقدماً وازناً في الدقة والتفكير المنطقي، وبالتالي فمن المستطاع استخدام النموذجين كليهما في مهمات تتضمن الترجمة والتحليل للنصوص والمواد السمعية وأشرطة الفيديو بسرعة كبيرة. وعلى رغم التحديات المستمرة يجري تدريب النماذج المستقبلية للذكاء الاصطناعي على كميات متزايدة من البيانات المكتوبة بغير اللغة الإنجليزية، مما يجعلها قادرة على تمييز الفوارق الدقيقة بين اللهجات وفهم المعنى والسياق الثقافي للهجة أو الإشارات النمطية على الإنترنت، وبفضل الاعتماد على هذه الأدوات يركز مجتمع الاستخبارات على تدريب كوادر من أصحاب التخصصات اللغوية العالية، مع ملاحظة أن هؤلاء يصعب العثور عليهم بالأصل ولا يحوزون موافقة الجهات الأمنية عليهم إلا بصعوبة، إضافة إلى أن تدريبهم يستغرق وقتاً طويلاً، وبالطبع مع وفرة مواد اللغات الأجنبية في الوكالات التي يتطلب عملها ذلك، قد تتمكن هيئات الاستخبارات الأميركية من إجراء عملية انتقاء سريعة لجبل من المعلومات الاستخباراتية الأجنبية التي تتلقاها باستمرار بغية العثور على الإبر المهمة في أكوام القش من تلك المواد الأولية. على الولايات المتحدة أن تتحدى نفسها بأن تكون الأولى في سباق الذكاء الاصطناعي لا يمكن التقليل من مدى أهمية هذه السرعة بالنسبة إلى صُناع السياسة، وتستطيع النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي التفتيش بسرعة عبر مجموعات من بيانات الاستخبارات والمعلومات من المصادر المفتوحة والاستخبارات البشرية التقليدية، ثم تتولى تلك النماذج توليد ملخصات أو تقارير تحليلية أولية فيغدو باستطاعة المحللين التثبت منها أو تنقيحها مع ضمان شمولية ودقة المنتجات النهائية، وكذلك يستطيع المحللون البشر العمل بتآزر مع الذكاء الاصطناعي بغية حل المسائل التحليلية واختبار الأفكار وخوض جولات عصف فكري يخوضها البشر مع الآلات الذكية بطريقة تعاونية تؤدي إلى تحسين كل خلاصة موثقة في تحليلاتهم، والتوصل إلى تقديم معلومات استخباراتية مصقولة وبسرعة عالية. ولنفكر في التجربة الإسرائيلية التي جرت في يناير (كانون الثاني) 2018 حينما استطاعت هيئة استخبارات، وهي الـ "موساد"، أن تخترق سراً منشأة إيرانية وتسطو على نحو 20 في المئة من المواد الأرشيفية التي تتضمن تفاصيل النشاطات الإيرانية النووية بين عامي 1999 و2003. ووفق رسميين إسرائيليين فقد جمع الـ "موساد" 55 ألف صفحة من الوثائق، إضافة إلى عدد مماثل من الملفات المخزنة على أسطوانات رقمية مدمجة تشمل مجموعات من الصور وأشرطة الفيديو، وكانت تلك المواد كلها باللغة الفارسية، وبمجرد الحصول على ذلك الأرشيف مارس كبار المسؤولين ضغوطاً كبيرة على المتخصصين في الاستخبارات بغية الحصول على تقييمات تفصيلية عن محتويات تلك الوثائق وعن مدى تضمنها ما يدل على جهود إيرانية جارية لصنع قنبلة نووية، وتطلب الأمر من المتخصصين أشهراً عدة تضمنت مئات الساعات من العمل الشاق بهدف ترجمة كل صفحة ومراجعتها يدوياً، بغية التوصل إلى المحتويات التي لها دلالة على الأنشطة المطلوبة، ثم صوغ تلك المعلومات كلها في تقييمات. ومع القدرات التي بات الذكاء الاصطناعي يمتلكها اليوم بات من المستطاع إنجاز الخطوتين الأوليين خلال بضعة أيام بل ربما ساعات، مما يتيح للمحلين البشر فهم تلك المعلومات الاستخباراتية ووضعها في السياقات المطلوبة بسرعة كبيرة. عالم شجاع جديد وعلى رغم المزايا المتعددة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لكنه يتضمن في ثناياه أخطاراً وازنة جديدة، خصوصاً مع اشتغال خصوم الولايات المتحدة على تطوير تقنيات مماثلة، فتقدم الصين في الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً أنظمة الكمبيوتر في الرؤية والمراقبة، تهدد عمليات الاستخبارات الأميركية، وبسبب النظام الاستبدادي الذي يحكمها تفتقد تلك البلاد إلى ضوابط الخصوصية فيما تغيب الحماية عن الحريات المدنية فيها، وتؤدي تلك النواقص إلى تعزيز عمليات جمع المعلومات على نطاق واسع مما أدى إلى تراكم مجموعات هائلة الضخامة من البيانات، وتُدرّب النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي التي تتحكم الحكومة فيها على كميات ضخمة من المعلومات الشخصية والسلوكية، مع إمكان وضعها ضمن استخدامات شتى على غرار المراقبة والسيطرة الاجتماعية. إن الحضور العالمي للشركات الصينية على غرار "هواوي" في أنظمة الاتصالات الحديثة وبرمجيات الكمبيوتر قد يمنح الصين وصولاً مهيئاً إلى كتل ضخمة من البيانات، خصوصاً كتل الصور القابلة للاستخدام في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتخصصة في التعرف على الوجوه، ويثير هذا الأمر اهتماماً خاصاً في بلدان تستقر فيها قواعد عسكرية أميركية، وبالتالي يجب على مجتمع الاستخبارات التفكير في الكيفية التي بُنيَت فيها النماذج الصينية المستندة إلى مجموعات بمثل ذلك الاتساع، وأن ذلك قد يعطي الصين ميزة إستراتيجية متفوقة. ولا يقتصر الأمر على الصين، فهناك ظاهرة تكاثر نماذج الذكاء الاصطناعي "المفتوحة المصدر" على غرار نموذج "إل لاما" Llama الذي تصنع شركة "ميتا" والنماذج التي تصنعها شركة "ميسترال" الفرنسية للذكاء الاصطناعي، وكذلك الحال لنموذج "ديب سيك" Deep Seekالصيني، وتؤدي تلك الظاهرة إلى وضع قدرات قوية للذكاء الاصطناعي في أيدي مستخدمين منتشرين عبر العالم وبكلفة معقولة، ويتسم معظم أولئك المستخدمين بأنهم غير أشرار لكن بعضهم ليس كذلك، بما في ذلك الأنظمة التسلطية والقراصنة الإلكترونيين والعصابات الإجرامية، وتعمل تلك الأطراف المؤذية على استخدام النماذج اللغوية الكبرى بهدف توليد محتويات زائفة وخبيثة ونشرها أو تنفيذ هجمات سيبرانية. وعلى غرار الخبرة مع التقنيات الأخرى المتعلقة بالعمل الاستخباراتي، مثل القدرة على اعتراض الإشارات [الاتصالات الهاتفية واللاسلكية وموجات الراديو والتلفزيون]، والمسيرات المؤتمتة، فستمتلك الصين وإيران وروسيا كل أنواع الدوافع كي تتشارك اختراقاتها العلمية في الذكاء الاصطناعي مع دول تعتبرها من زبائنها، إضافة إلى مجموعات تعمل خارج سيطرة مؤسسات الدولة مثل "حزب الله" و"حماس" وشركة "فاغنر"، وبالتالي يتولد عن تلك المعطيات زيادة الخطر على الولايات المتحدة وحلفائها. واستكمالاً ستغدو نماذج الذكاء الاصطناعي للجيش الأميركي ومجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة أهدافاً جذابة للخصوم، ومع تنامي قدرات تلك النماذج ووصولها إلى قلب عملية صناعة القرار في الأمن القومي الأميركي، ستُصبح نماذج الذكاء الاصطناعي الاستخباراتية أُصولاً وطنية حيوية يجب الدفاع عنها ضد خصوم يسعون إلى إضعافها أو التلاعب بها، ويجب على مجتمع الاستخبارات الأميركية الاستثمار في تطوير نماذج محمية أمنياً في الذكاء الاصطناعي وإرساء معايير "صنع الفرق الحُمر" والتقييم المستمر، سعياً إلى ضمان حماية تلك النماذج ضد الأخطار المحتملة الكامنة. [الفرق الحُمر تعبير رمزي يشير إلى مجموعات تصنعها مؤسسات معينة كي تقلد أعمالاً معادية لها وبالتالي تتدبر وسائل الوقاية منها، ومن الأمثلة على ذلك الفرق التي تعمل ضمن شركات المعلوماتية وتقلد أعمال القراصنة]. وتستطيع تلك الفرق استعمال الذكاء الاصطناعي بهدف صنع هجمات سيبرانية موجهة ضد نماذج الذكاء الاصطناعي مما يؤدي إلى كشف نقاط الضعف الكامنة، ويسهم في صوغ إستراتيجيات تخفيف ذلك الضعف ومُلافاته، وكذلك سيغدو أساساً اتخاذ إجراءات ناشطة وفاعلة تتضمن التعاون مع حلفاء في صنع تقنيات مضادة [للأخطار المحتملة التي قد تكشفها الفرق الحمر] في الذكاء الاصطناعي وكذلك الاستثمار فيها. الوضع الطبيعي الجديد ولن تزول تلك الأخطار بالتمني، فثمة أخطار ذاتية ينطوي عليها الانتظار المتطاول لحين وصول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة النضج التام، ويشمل ذلك المخاطرة بتخلف قدرات الاستخبارات الأميركية عن نظيراتها في الصين وروسيا وغيرها من القوى التي لا تتدخر جهداً للمضي قدماً في تطوير الذكاء الاصطناعي، وهناك حاجة إلى أن يتكيف مجتمع الاستخبارات ويبتكر بغية ضمان أن تستمر الاستخبارات في كونها مساحة تتمتع فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها بالأفضلية، سواء تعلق ذلك بتقديم الإنذارات في أوقات حساسة أو إعطاء رؤى إستراتيجية بعيدة المدى، وبالتالي ينبغي على هيئات الاستخبارات أن تتمرس بسرعة في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحويلها إلى عنصر تأسيسي في أعمالها، ويشكل ذلك الطريق المأمونة الوحيدة للتوثق من حصول الرؤساء الأميركيين مستقبلاً على أفضل دعم استخباراتي ممكن، والبقاء في موقع التفوق على الخصوم وحماية القدرات والعمليات الحساسة للولايات المتحدة، وكذلك يتطلب تنفيذ تلك التغييرات نقلة ثقافية ضمن مجتمع الاستخبارات. واليوم يعمل محللو المعلومات الاستخباراتية على صنع منتجات استناداً إلى معلومات وبيانات استخباراتية مع تلقيهم بعض الدعم من نماذج الذكاء الاصطناعي المتوافرة حاضراً في تحليل الصور والأصوات، وللمضي قدماً ينبغي على مسؤولي الاستخبارات اللجوء إلى استكشاف إمكان العمل عبر مقاربة هجينة تجمع بين استعمال نماذج للذكاء الاصطناعي مدربة على بيانات غير سرية ومتوافرة في السوق، وبين معلومات سرية ومدققة، وفي المقابل يجب التأكد من توافق تلك المقاربة مع القوانين السارية، وقد ينجم عن هذا الخليط من التكنولوجيا والعمليات التقليدية لجمع المعلومات التوصل إلى كيان في الذكاء الاصطناعي يستطيع تقديم قاموس لتفسير الصور والإشارات والمصادر المفتوحة وأنظمة القياس بالاستناد إلى رؤية متكاملة تجمع النشاطات الطبيعية والنافرة، والتحليل المؤتمت للصور والترجمة المؤتمتة للصوت. وبغية تسريع هذا الانتقال يجب على قادة الاستخبارات إعطاء الصدارة لفوائد التكامل مع الذكاء الاصطناعي مع التشديد على ما يقدمه ذلك من كفاءة وقدرات محسنة، ولقد جرى إرساء الكادرات التي تعمل مع مسؤولي الذكاء الاصطناعي الأساس المعيّنين حديثاً ضمن الوكالات العسكرية والاستخباراتية الأميركية، كي تمثل القدوة ضمن تلك الوكالات وضمن مضمار تعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي وإزالة العوائق أمام تنفيذ تبني التكنولوجيا. ومن شأن المشاريع الريادية الأولية والمكاسب الأولية [المتعلقة بتبني الذكاء الاصطناعي] أن تعمل على مراكمة قوة دفع لمصلحة الذكاء الاصطناعي والثقة بقدراته، وكذلك يستطيع أولئك المسؤولون تسخير الخبرات المكتسبة في المختبرات الوطنية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الشركاء الآخرين، بهدف اختبار نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسينها، إضافة إلى ضمان فاعليتها وأمنها، وتوخياً لإضفاء الطابع المؤسساتي على ذلك التغيير يجب على القادة تكوين حوافز أخرى في منظماتهم تشمل الترقيات وفرص التدريب ومكافأة المقاربات المبتكرة والموظفين والوحدات التي تُظهر اقتدارها في الاستعمال الفاعل للذكاء الاصطناعي، ولقد عمل البيت الأبيض على تكوين السياسة اللازمة في استعمال الذكاء الاصطناعي ضمن وكالات الأمن القومي، وفي عام 2023 وضع الرئيس بايدن توجيهاً تنفيذياً يتعلق بالذكاء الاصطناعي المأمون والآمن والموثوق، ورسم ذلك التوجيه الإرشادات اللازمة للاستعمال الأخلاقي والأمن للتكنولوجيا، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2024 أصدر بايدن "مذكرة الأمن الوطني رقم 25" التي تعتبر إستراتيجية تأسيسية لأميركا في مضمار ترويض قوة الذكاء الاصطناعي وكذلك التعامل مع أخطاره بغية تعزيز الأمن الوطني، وحاضراً يجب على الكونغرس أن يؤدي دوره الخاص في ذلك المضمار، وثمة حاجة إلى مخصصات تُوجه إلى أقسام ووكالات بغية خلق البنية التحتية اللازمة للابتكار والتجارب وإجراء نشاطات وتقييمات ريادية أولية وتوسيعها، والاستمرار في الاستثمار في تقييم القدرات بهدف ضمان أن تبني الولايات المتحدة تقنيات موثوقة وعالية الأداء في الذكاء الاصطناعي. يجب على قادة الاستخبارات إعطاء الصدارة لفوائد التكامل مع الذكاء الاصطناعي وفي السياق نفسه فإن المجتمعات الاستخباراتية والعسكرية ملتزمة بالإبقاء على العنصر البشري في مركز عملية اتخاذ القرار التي يساندها الذكاء الاصطناعي، وقد كونت أدوات وأطراً من أجل النهوض بذلك، وستحتاج الوكالات إلى خطوط إرشادية عن كيفية استخدام محللي البيانات العاملين فيها لنماذج الذكاء الاصطناعي كي يتثبتوا من إيفاء منتجات الاستخبارات بمعايير الموثوقية المعتمدة في مجتمع الاستخبارات، وكذلك ينبغي على الحكومة أن تُبقي على توجيهات واضحة في التعامل مع بيانات مواطني الولايات المتحدة في ما يتعلق بتدريب واستخدام النماذج اللغوية الكبرى للذكاء الاصطناعي، وسيضحي من الأهمية بمكان الموازنة بين استعمال التقنيات الصاعدة وبين حماية خصوصية المواطنين وحرياتهم المدنية، ويعني ذلك تعزيز آليات الإشراف وتحديث أطر العمل ذات الصلة كي تصبح معبرة عن قدرات الذكاء الاصطناعي وأخطاره، إضافة إلى تعزيز ثقافة التمرس بالطاقات الكامنة في التكنولوجيا مع حماية الحقوق والحريات التي تعتبر تأسيسية في المجتمع الأميركي. لقد بات الوضع حاضراً مغايراً لأحوال حقبة الخمسينيات من القرن الـ 20 حينما حازت الاستخبارات الأميركية قصب السبق في المنافسة على الصور الجوية وتلك الملتقطة بالأقمار الاصطناعية عبر نهوضها بنفسها بتطوير تقنيات محورية، ولكن يقتضي الفوز الآن بسباق الذكاء الاصطناعي أن يعمل مجتمع الاستخبارات على إعادة تخيل كيفية تشاركه مع صناعة التكنولوجيا في القطاع الخاص، ويمثل الأخير الأداة الرئيسة التي تستطيع الحكومة بواسطتها تحقيق التقدم الواسع في الذكاء الاصطناعي، ويستثمر القطاع الخاص مليارات الدولارات في البحوث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات وقوة الحوسبة، ومع أخذ التقدم والتطور الذي تنجزه تلك الشركات الخاصة فينبغي لوكالات الاستخبارات إعطاء الأولوية للاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي التجارية المتوافرة ثم تحسينها بواسطة البيانات السرية، ومن شأن هذه المقاربة تمكين مجتمع الاستخبارات من توسيع قدراته بسرعة من دون الاضطرار إلى البدء مما يشبه الصفر، وكذلك فإنها تتيح له البقاء في موقع التنافس مع الخصوم. وحاضراً ثمة تعاون جار بين وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وشركة "آي بي أم" للكمبيوتر بهدف تكوين النموذج التأسيسي الأضخم عالمياً للذكاء الاصطناعي المتخصص في جغرافيا المواقع، وسيليه إطلاق نموذج منه إلى مجتمع صناعة الذكاء الاصطناعي على هيئة مشروع مفتوح المصدر، ويعتبر ذلك الجهد التعاوني مثالاً يبرهن على كيفية عمل ذلك النوع من التعاون بين القطاعين العام والخاص في مضمار الذكاء الاصطناعي. وفي وقت ينكب مجتمع الأمن القومي على إدماج الذكاء الاصطناعي في مشاريعه فيجب عليه ضمان أمن ومرونة النماذج التقنية التي يعمل عليها، إذ إن إرساء المعاير في التوظيف الآمن للذكاء الاصطناعي التوليدي يشكل أمراً محورياً في الحفاظ على صدقية العمليات الاستخباراتية التي تجري بدفع من الذكاء الاصطناعي، ويشكل ذلك الأمر بؤرة التركيز الرئيسة في "مركز أمن الذكاء الاصطناعي" AI Security Center الجديد الذي أنشأته "وكالة الأمن القومي" National Security Agency، ولتعاونها مع "معهد سلامة الذكاء الاصطناعي" AI Safety Institute التابع لوزارة التجارة. وفيما تواجه الولايات المتحدة منافسة متنامية في سياق سعيها إلى تشكيل مستقبل النظام العالمي، بات أمراً عاجلاً وملحاً أن تسثمر وكالاتها الاستخباراتية والعسكرية في التقدم الريادي للبلاد في الابتكار والقيادة لحقل الذكاء الاصطناعي، وتركز بصورة خاصة على النماذج اللغوية الكبرى بهدف تقديم معلومات سريعة محملة بدلالة عالية إلى صناع السياسة، ولا سبيل سوى أن يحصل ذلك ليتمكن أولئك الساسة من اكتساب السرعة والاتساع والعمق في الرؤى اللازمة للتحرك ضمن عالم بات أشد تعقيداً وتنافسية وأكثر اكتظاظاً بالمحتوى. آن نويبرغر نائبة مساعد الرئيس مجلس الأمن القومي الأميركي ومستشارة نائبه لشؤون التكنولوجيا الصاعدة والسيبرانية، وقد عملت بين عامي 2009 و2021 في مناصب قيادية في العمليات الاستخباراتية والأمن السيبراني في "وكالة الأمن القومي"، بما في ذلك أول مديرة لإدارة الأخطار في الوكالة. مترجم عن "فورين أفيرز"، 15 يناير (كانون ثاني) 2025