logo
#

أحدث الأخبار مع #يوسفجوهر

يوسف جوهر: "أعصر دماغك كويس في المشهد الأول"
يوسف جوهر: "أعصر دماغك كويس في المشهد الأول"

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • ترفيه
  • العربي الجديد

يوسف جوهر: "أعصر دماغك كويس في المشهد الأول"

بين المسرح والإذاعة والموسيقى، قضى فارس يواكيم (1945، مصر) عقوداً من حياته مواكباً ومؤرّخاً ومشاركاً في أبرز محطات المشهد الفني العربي في القرن الماضي، وشاهداً على التحوّلات في عالم الفن. تنشر "العربي الجديد" مذكرات يواكيم مع أبرز الفنانين والمنتجين والمخرجين والصحافيين العرب، مستعيدة محطات شخصية ولقاءات مع هؤلاء في القاهرة وبيروت وباريس، وغيرها من العواصم لم يكن أستاذي في المعهد العالي للسينما بالقاهرة برغم أنه كان أستاذ مادة السيناريو، برغم أن مادة السيناريو كانت مادة رئيسية لنا نحن طلبة قسم الإخراج. الذي حدث أن يوسف جوهر تفرّغ للتدريس لطلبة قسم السيناريو، أما نحن فتوالى على تدريس المادة لنا: حلمي حليم والأميركي جيمس هاتش وعلي الزرقاني. لم يكن يوسف جوهر معلمي المباشر لكنه كان بمثابة الأستاذ الذي استفدت منه الكثير. بدأت علاقتي به من كافتيريا المعهد. كان أحيانا يصل قبل موعد محاضرته، فيتوجّه إلى الكافتيريا، يطالع الجريدة ويحتسي الشاي. وكنت فضوليا أحبّ التقرّب من المشاهير والتحدث معهم. كنت أعرف جيدا من هو، وما هي أشهر الأفلام التي اعتمدت على سيناريو من كتابته. كان أبرزها، وظل ذا مكانة خاصة عندي، فيلم "دعاء الكروان". وكان الكلام عن هذا الفيلم مدخلي لتدشين عادة الحوارات مع يوسف جوهر. قلت له يومها إنني لاحظت نهاية مختلفة عن تلك الواردة في رواية طه حسين. علّق قائلا "أحسنت". خلال كتابة السيناريو اقترح مخرج الفيلم هنري بركات أن نغيّر القفلة. هي نهاية مفتوحة عند طه حسين، وهي نهاية متناسقة مع بناء الرواية. لكن جمهور السينما يختلف عن قرّاء الرواية. صحيح أن المهندس (أدّى الدور أحمد مظهر ) تطوّر وتحوّل من شخصية سلبية إلى إيجابية، وقد طهّره الحب الحقيقي الذي اجتاح قلبه تجاه الخادمة آمنة (في الفيلم: فاتن حمامة). أما هي فالتحقت بالخدمة لديه وفي نيتها الانتقام منه لكونه اغتصب أختها هنادي وتسبب بذلك في أن خالها قتلها. كانت في نهاية الرواية، والفيلم، قد أحبت المهندس! ورأى بركات أن جمهور السينما لا يستسيغ أن يُكافأ مرتكب الذنب في النهاية، حتى لو تغيّر سلوكه قبلها. واقترح أن نهيئ خاتمتين: الأولى مطابقة للرواية، وفي الثانية يقوم الخال بقتل المهندس. وبالفعل صاغ يوسف جوهر المشهدين وتمّت دعوة طه حسين ليطّلع عليهما. شرح له ولده مؤنس ما يحدث في المشهد واستمع هو إلى الحوار. وبعد فترة تأمل اقتنع بالنهاية الثانية. والطريف أن عميد الأدب العربي سجّل بصوته العبارة الأخيرة التي نسمعها في الفيلم بعد اغتيال المهندس وهو في حضن آمنة: "دعاء الكروان! أترينه كان يرجِّع صوته هذا الترجيع حين صُرعت هنادي في ذلك الفضاء العريض"؟ أصبحت لقاءاتي مع يوسف جوهر عادة كلما سنحت الفرصة، على امتداد سنوات الدراسة الأربع، وتواصلَتْ بعد تخرّجي، فأكرمني إذ جعلني صديقا. في الجلسات المتكررة تعلمت منه خبرات نقلها إليّ عند مناقشة موضوع معين، وعرفت منه تفاصيل شيقة من حياته الخاصة، وهي لم ترد في سيناريوهات الأفلام. يوسف جوهر من مواليد بلدة قوص في صعيد مصر سنة 1912. في طفولته انتقل مع أبيه وأسرته إلى طنطا، وهي التي نشأ فيها وتلقّى المعارف في مدارسها. في المدرسة الثانوية اشترك مع فريق التمثيل في أداء مسرحية "نهاية العام الدراسي". لم يعجبه صغر دور الشرطي الذي أُسنِد إليه، فردّ الملابس إلى المخرج الذي كان مدرّس اللغة العربية، فقال له "لا تغضب، أنت لن تصير ممثلا، لكنك ستصبح أديبا ناجحا". وصدق توقّع المدرّس، وأصبح يوسف جوهر الأديب المعروف. درس الحقوق في جامعة القاهرة وتخرّج سنة 1935. مارس مهنة المحاماة إلا أنه آثر أن يجعل هوايته للأدب احترافا. ملفات الدعاوى القضائية أتاحت له فرصة اكتشاف شرائح متنوعة في المجتمع المصري ومشاكلها المختلفة وقد سبر أغوارها حتى أدقّ التفاصيل، الأمر الذي هيّأ له مادة غنية للقصص والروايات وسيناريوهات الأفلام التي كتبها. كانت أول قصة قصيرة كتبها طالب كلية الحقوق بعنوان "الطامع"، وقد نشرتها مجلة "الرسالة" سنة 1933. بعدها نشر قصصه القصيرة في مجلات مختلفة، منها "الثقافة" و"الهلال". كثيرة هي القصص القصيرة التي كتبها وقد بلغت نحو 250 قصة، وصدرت مجاميع منها في كتب أبرزها: "سميرة هانم" و"دموع في عيون ضاحكة" و"أمهات لم يلدن أبداً" و"ابتسامات وحيّة رقطاء" و"نار ورماد" و"شخلول وشركاه". كما ألّف يوسف جوهر الروايات، وأشهرها "أمهات في المنفى" و"الصعود إلى قمة التل" و"دوامات في نهر الحب". وعن رواية "عودة القافلة" نال الكاتب الشاب يوسف جوهر سنة 1942 جائزة "مجمع فؤاد الأول للغة العربية" في القاهرة، مشاركة مع أديبين شابين، أصبحا في ما بعد من الأعلام، هما: نجيب محفوظ وعلي أحمد باكثير. وقد حول يوسف جوهر روايته هذه إلى سيناريو فيلم سينمائي أخرجه أحمد بدرخان سنة 1946، وكان من بطولة سميرة خلوصي وحسين صدقي. أما أول قصة جعلته محترفا فعنوانها "لقد وجد صديقا". أرسلها في مطلع الأربعينيات إلى مصطفى أمين، وكان آنذاك رئيسا لتحرير مجلة "آخر ساعة" الأسبوعية. أعجبته ولم يتأخر في نشرها، بل تعاقد معه على نشر قصصه في المجلة الواسعة الانتشار. ومن باب القصص التي كان ينشرها في "آخر ساعة" دخل إلى عالم السينما. كانت المنتجة السينمائية آسيا داغر تقرأ قصصه بإعجاب، فطلبت منه أن يكتب حوار فيلم تستعد لإنتاجه وتمثيل دور البطولة فيه. أخبرته بأنه اقتباس قام به فتوح نشاطي من المسرحية الفرنسية "مدام إكس" لألكسندر بيسون، وأن المخرج هنري بركات كتب السيناريو، وقد تمّ ترشيحه لكتابة الحوار. كان الفيلم الذي أنتج سنة 1942 وعُرض بعنوان "المتهمة" بداية مشوار يوسف جوهر في الكتابة للسينما الذي انتهى سنة 1995 بفيلم "الرجل الثالث"، بطولة أحمد زكي وليلى علوي وإخراج علي بدرخان ، بعدما بلغ رصيده نحو 70 فيلما. لمع اسمه بسرعة في الوسط السينمائي، وتهافت المنتجون على شراء النصوص السينمائية التي يكتبها. في السنة الرابعة من مسيرته، 1946، شهدت دور العرض ثمانية أفلام من كتابته، وهذا رقم قياسي. كانت مساهماته في الكتابة متنوعة: في بعض الأفلام هو مؤلف القصة فقط، في بعض آخر هو مؤلف القصة والسيناريو، وفي بعض ثالث هو كاتب الحوار، في أكثر الأفلام هو مؤلف القصة والسيناريو والحوار. وفي بعض الأفلام كتب يوسف جوهر السيناريو انطلاقا من روايات أدباء كبار، منها "دعاء الكروان" و"الحب الضائع" لطه حسين، و"الرباط المقدس" و"الأيدي الناعمة" لتوفيق الحكيم، و"بين القصرين" لنجيب محفوظ و"معبودة الجماهير" لمصطفى أمين. وهو كان في جميع أفلامه يحرص على السلاسة ورشاقة التسلسل بين المشاهد والتشويق الدائم والشخصيات المرسومة تفاصيلها بعناية، ويولي المشهد الافتتاحي اهتماما كبيرا. وما زلت أذكر نصيحة أبداها لي في سنوات الدراسة "أعصر دماغك كويس في المشهد الأول". وفي بعض الأفلام التي كان يوسف جوهر كاتب السيناريو فيها، كانت القصة مقتبسة من فيلم أجنبي. منها فيلم "يوم من عمري" الذي أخرجه عاطف سالم، وكان من بطولة عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت. الفيلم المصري مقتبس في معظم أحداثه من الفيلم الأميركي "حدث ذات ليلة"، الذي أخرجه فرانك كابرا ومثّل دوري البطولة فيه كلارك غيبل وكلوديت كولبير، مع اقتباس بعض مشاهد فيلم "عطلة في روما"، الذي أخرجه بيلي وايلدر ونالت أودري هيبورن عن أداء دور البطولة فيه جائزة الأوسكار. في عناوين "يوم من عمري" أن السيناريو والحوار من وضع يوسف جوهر وسيف الدين شوكت. الذي يقارن بين الفيلم المصري والفيلمين الأميركيين سيلمس الاقتباس، لكنه في الوقت نفسه سيدرك أن تمصير الشخصيات وحواراتها متقن. وهذه براعة يوسف جوهر، هو الأديب الذي يضفي إبداعه الشخصي وخبرته الروائية على السيناريوهات التي يكتبها. ثمة فيلم آخر شهير اقتبسه يوسف جوهر من فيلم أجنبي، هو فيلم "نغم في حياتي" الذي أخرجه بركات، وتولّى أدوار البطولة فيه فريد الأطرش وميرفت أمين وحسين فهمي. هو اقتباس من الفيلم الأميركي - الفرنسي "فاني" الذي اعتمد على مسرحية بالعنوان نفسه للكاتب الفرنسي مارسيل بانيول. وجه التشابه بين الفيلمين يتمثّل في عقدة الحدث الرئيسي فقط: الرجل الذي يعشق فتاة تصغره بسنوات كثيرة، وهي تهيم حبا بشاب من عمرها وفي غفلة تحمل منه، لكنه يسافر من دون أن يدري العاقبة، وتنقطع أخباره، فتقبل عرض الزواج من الرجل المُسِنّ درءا للفضيحة، وهو يدري السرّ لكن حبه الكبير لها جعله يتغاضى. لكن تفاصيل السيناريو في الفيلم المصري مختلفة، كذلك الأدوار الاجتماعية للشخصيات، وحواراتها وعلاقاتها. واتفق أنني كنت قد اقتبست المسرحية ذاتها "فاني" في مسلسل تلفزيوني عنوانه "المشوار الطويل"، وكان من بطولة الكوميدي اللبناني شوشو ومحمود المليجي ومارسيل مارينا. وكان فريد الأطرش قد أعجبه المسلسل، فاستدعاني لمرافقته إلى القاهرة لحضور جلسة قراءة السيناريو وإبداء الرأي. كان يرغب في رفد دوره بلمسات كوميدية. سألته من كاتب السيناريو؟ قال: يوسف جوهر. قلت له "صعبة. هو أستاذي ومن غير اللائق أن أبدي رأيا في نص هو كاتبه". ثم كان الاقتراح أن أُسرّ برأيي إلى فريد الأطرش فيصدر عنه. كان لقاء ودودا في القاهرة، وفي اليوم التالي قلت للمطرب الكبير "الدور كما هو مكتوب مناسب للغاية لك. والشخصية لا تحتمل فكاهة إلا في المشاهد الأولى. وقد أحسن يوسف جوهر صنعا بتغيير القفلة فجعلك تضحّي بحبك إكراما للحبيبة وتخرج من حياتها، وهذا موقف نبيل سيلقى إعجاب الجمهور". أمضيت اليوم التالي بصحبة يوسف جوهر وكانت جلسة استرجاع ذكريات، وأبرزها أنه عرّفني في بيروت سنة 1967 إلى المحامي والسياسي اللبناني محسن سليم وزوجته الباحثة الشامية سلمى مرشاق التي كانت أسرتها على صداقة طيبة مع عائلة يوسف جوهر. نجوم وفن التحديثات الحية دفاتر فارس يواكيم: رشدي أباظة... الفتى الأول ونسيج مصري إيطالي وحدث أنني انتقلت للإقامة في ألمانيا. وبدأت أعدّ بعض البرامج لإذاعة "دويتشه فيله". وذات يوم، سنة 1991، ذكر أمامي زميل أنه سيلتقي يوسف جوهر عند ابنته، د. ماجدة، كاتبة برامج للإذاعة ذاتها، ولم يخطر في بالي أنها ابنته. طلبت منه أن ينقل إليه تحياتي. وفوجئت في المساء باتصال تلفوني وسمعت يوسف جوهر يقول لي "اركب تاكسي وتعال فورا" وأعطاني عنوان مسكن ابنته. علمت وقتها أن د. ماجدة هي زوجة يورغن كروبورغ، الدبلوماسي الألماني، السفير السابق ووزير الدولة في وزارة الخارجية، وكان مستشار الوزير الشهير هانز ديتر غينشر. تقابلت مرارا مع يوسف جوهر، وسلّمني ملخص قصة سينمائية كتبها عن "مريم المجدلية" وفوّضني ببيعها لشركة إنتاج ألمانية، لكنني فشلت في مهمّتي لضعف صلاتي آنذاك بالمنتجين. توفي يوسف جوهر يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول سنة 2001، يوم الاعتداء الشهير على "برجي التجارة الكبيرين" في نيويورك. ضاع خبر وفاته في زحام الأنباء المتلاحقة من الولايات المتحدة التي أثارت اهتمام العالم بأسره. وبعدما خفتت أصداؤها عرف الناس نبأ وفاة يوسف جوهر، وعمّ رثاؤه في وسائل الإعلام. وانتشرت المقالات والدراسات عن مسيرته الأدبية والسينمائية، وأبرزها الكتاب الذي ألّفه الناقد الشهير أحمد الحضري ووضع له عنوانا ملائما "يوسف جوهر أديب السينما المصرية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store