logo
«أوديسة لغزة-الأبجدية الحمراء».. مجموعة شعرية جديدة للمتوكل طه

«أوديسة لغزة-الأبجدية الحمراء».. مجموعة شعرية جديدة للمتوكل طه

الدستور١٦-٠٧-٢٠٢٥
عمّانصدر عن «الآن ناشرون وموزّعون» في الأردن (2025)، مجموعة شِعرية جديدة للشاعر الفلسطيني المتوكل طه، ضمّت إحدى عشرة قصيدة عن غزّة، وجاءت في مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط. وهي الإصدار رقم ستّون للكاتب.وفي تناوله لهذه المجموعة كتب أ.د. الشاعر راشد عيسى قائلاً: «نحن أمام ملحمة شعرية أو فيلم سينمائي طويل أو مسرحية كونية في صورة مرايا تاريخية وواقعية وأسطورية ودينية مرعبة الرؤى كيوم القيامة. قصيدة من نوع الكثافة المشهدية في الأوديسة الهوميروسية. فإذا كان أوديسيوس البطل الاستثنائي يعرض مغامراته بعظمة العجائب والمستحيلات بعد حرب طروادة، فإن المتوكل هنا يقوم بدور البطولة الشعرية الخارقة بعد حرب غزة. فالقصيدة شجاعة في استدعاء الشواهد الإغريقية والرموز الخاصة بالمعتدي السارق مثل يوشع كنوع من تحدي الضحية للجلاد والسنبلة للمنجل وحبّة الرمل للجبل وصرخة الطفل في القاتل وفي الجدار المهدوم عليه. هذا نصٌّ يتفوّق على التاريخ الأسود للحقد الاستعماري والديني واستلاب تاريخ الشعوب بالمزاعم الكاذبة المخادعة وبجرائم الإبادة الجماعية لكل معنى من معاني الحياة. هنا غزة بطلة كونية جديدة تثبت تفوّقها على إرادة السارق القاتل المجنون الواهم بقدرته على محو التاريخ الكنعاني الخالد. في القصيدة دسم هائل من لقطات العبثية المجنونة التي تقابلها قوى غزية أعظم صبرا ومقاومة وعزيمة لا يمكن أن تنال منها نوايا المراحل السوداء عند العابرين الطغاة. الشاعر هنا يحترم طبيعة الشعر فينأى عن المباشرة والخطابية ويتلاحم ببلاغة الإيماء والتلميح وذكاء الكناية والتورية وعبقرية الإيحاء الاستعاري الساخن في مراميه الدلالية شديدة الإيلام حتى لكأن القصيدة تتحدى وقائع الحرب ومقاصدها بانتصار الحلم المقدس عند الضحايا. فالانتصار المكاني مؤقت في حين أن انتصار الفكرة والحلم ديمومة كونية لا تقبل الهزيمة. في القصيدة مسرات كثيرة أولها أن مثل هذا الشعر هو وثيقة إنسانية جمالية تؤكد تفوق الحضارة الثقافية الغزية تحديدا على مزاعم المحتل الخائف أمام جبروت الحق العادل. وثاني المسرات هو غنى الملحمة بفن استدعاء التاريخ لإدانة الواقع المعيش. في مثل هذه القصائد ينحني فؤاد العالم احتراما لجماليات الألم الفلسطيني الذي يوثق مسار وجوده بأهم الفنون الإنسانية جميعا وهو الشِعر».أما د. الشاعرة دعاء وصفي بياتنة، فقد أشارت إلى أنّ «قصيدة أدويسة لغزة للشاعر المتوكل طه قصيدة ملحميّة دراميّة سينمائيّة خارقة للجغرافيا والتّاريخ، قصيدة كاميرا متحرّكة في قلب الإنسان وغزة صوتًا وصورة.إن فلسفة الشّكل التّعبيري في القصيدة جعلت تجسيد الواقع المضطرب الذي شهدته غزّة يتجلّى في جماليات التفكك باللوحات والمشاهد والتضاد والمفارقة، إذ يسير المتوكل طه في قلب الحدث الشعري ساردًا ومؤرخا ومثقفا وموظفا التقنيات السردية التي تصور دواخل الشخصيات، الأمر الذي منح القصيدة بُعدًا جماليًّا ينسجم مع حركة الواقع. وتنفتح القصيدة على سياقات ثقافية وتاريخيّة تشكّل مقاربة معرفيّة في الرؤية الشعرية.أدويسة لغزة لا بطل فيها بالصورة النمطية إنّها بطولة الحياة رغم الموت، وارتفاع الرفض رغم الصمت، وانتصار التجذّر رغم أنف الآخر».يذكر أن المتوكل قد أصدر قبل شهور، كتابين آخرين عن غزة ما بعد السابع من أكتوبر؛ الأول «توقيعات على جدران غزة» وقد صدر عن اتحاد الكُتّاب الفلسطينيين، كما صدرت طبعة ثانية منه في القاهرة عن سلسلة الإبداع العربي. أما الكتاب الثاني فكان رواية «أخبار نصف جيدة» التي صدرت عن دار طباق في فلسطين، وهي بانوراما عن أحداث العدوان على القطاع الصابر الصامد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أمسية شعرية ضمن جرش39 تحضر فيها غزة والقدس بقوة
أمسية شعرية ضمن جرش39 تحضر فيها غزة والقدس بقوة

أخبارنا

timeمنذ 13 ساعات

  • أخبارنا

أمسية شعرية ضمن جرش39 تحضر فيها غزة والقدس بقوة

أخبارنا : حضرت "غزة" و "القدس وجراحاتهما بقوة في أمسية شعرية ضمن البرنامج الثقافي لرابطة الكتاب الأردنيين مساء امس الجمعة في المكتبة الوطنية ضمن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون تحت شعار "هنا الأردن.. ومجده مستمر". واستهلت الأمسية التي شارك فيها نخبة من شعراء الأردن وفلسطين والمغرب، بكلمة ترحيبية من الشاعر الأردني رشاد رداد، الذي أشاد بضيوف المهرجان من الشعراء والجمهور، معربا عن شكره لوزارة الثقافة ورابطة الكتاب الأردنيين وإدارة مهرجان جرش على إقامة هذا الحدث الثقافي الذي يؤكد مكانة المهرجان الرفيعة على الساحة العربية والدولية. وبدأت الأمسية بقراءات شعرية استهلها الشاعر الفلسطيني المتوكل طه، ضيف المهرجان، بمقاطع من قصيدته "غزة" التي تصور معاناة الإنسان الفلسطيني. كما قرأ أبياتا من قصيدة"أمي" التي تعكس عمق العلاقة بين الأم والوطن في وجدان الشاعر، الذي تنقل ببراعة بين هذه المقاطع. أما الشاعرة المغربية عائشة بلحاج، التي أكدت أن الشعر في حد ذاته هو شكل من أشكال المقاومة، قرأت من قصائد ديوانها الأخير الذي حمل عنوان "ذهب أجسادهن": "ديموغرافيا"، "أحيا على التراكم"، "شكرا أيها الحب"، "سنوات الاستغناء"، وغيرها، والتي تناولت قضايا اجتماعية وتجارب شخصية. الشاعر الأردني هشام عودة، قرأ مقاطع متنوعة من قصائد قديمة وجديدة له، بدأها بقصيدة " القدس" التي تجلت في أبياتها مكانة المدينة المقدسة في الوجدان، وما تعانيه من أخطار، تلاها بقصيدة "بلادي" التي عبرت في صورها الفنية عن حنين الشاعر لبعض الأمكنة التي ما تزال في ذاكرته، وأخيرا قصيدة "ليس لي أخوة" التي تميزت بدلالاتها الواضحة انعكاسات الراهن العربي في المنطقة. واختتمت الشاعرة رفعة يونس الأمسية بقصائد وجدانية غنية بالصور الفنية، تميزت بمفرداتها التي عكست مشاعر انسانية، ومنها "في الحلم تطير الفراشات"، و "جذوة الحب"، و "جوع"، و "رحلوا"، و"تنهيدة"، و "صهوات"، و"جناح الحرية" التي سجلت معاناة الأسرى في سجون الاحتلال. وفي نهاية الأمسية، سلم نائب رئيس رابطة الكتاب، الدكتور رياض ياسين، الشهادات التكريمية للشعراء المشاركين. --(بترا)

«أوديسة لغزة-الأبجدية الحمراء».. مجموعة شعرية جديدة للمتوكل طه
«أوديسة لغزة-الأبجدية الحمراء».. مجموعة شعرية جديدة للمتوكل طه

الدستور

time١٦-٠٧-٢٠٢٥

  • الدستور

«أوديسة لغزة-الأبجدية الحمراء».. مجموعة شعرية جديدة للمتوكل طه

عمّانصدر عن «الآن ناشرون وموزّعون» في الأردن (2025)، مجموعة شِعرية جديدة للشاعر الفلسطيني المتوكل طه، ضمّت إحدى عشرة قصيدة عن غزّة، وجاءت في مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط. وهي الإصدار رقم ستّون للكاتب.وفي تناوله لهذه المجموعة كتب أ.د. الشاعر راشد عيسى قائلاً: «نحن أمام ملحمة شعرية أو فيلم سينمائي طويل أو مسرحية كونية في صورة مرايا تاريخية وواقعية وأسطورية ودينية مرعبة الرؤى كيوم القيامة. قصيدة من نوع الكثافة المشهدية في الأوديسة الهوميروسية. فإذا كان أوديسيوس البطل الاستثنائي يعرض مغامراته بعظمة العجائب والمستحيلات بعد حرب طروادة، فإن المتوكل هنا يقوم بدور البطولة الشعرية الخارقة بعد حرب غزة. فالقصيدة شجاعة في استدعاء الشواهد الإغريقية والرموز الخاصة بالمعتدي السارق مثل يوشع كنوع من تحدي الضحية للجلاد والسنبلة للمنجل وحبّة الرمل للجبل وصرخة الطفل في القاتل وفي الجدار المهدوم عليه. هذا نصٌّ يتفوّق على التاريخ الأسود للحقد الاستعماري والديني واستلاب تاريخ الشعوب بالمزاعم الكاذبة المخادعة وبجرائم الإبادة الجماعية لكل معنى من معاني الحياة. هنا غزة بطلة كونية جديدة تثبت تفوّقها على إرادة السارق القاتل المجنون الواهم بقدرته على محو التاريخ الكنعاني الخالد. في القصيدة دسم هائل من لقطات العبثية المجنونة التي تقابلها قوى غزية أعظم صبرا ومقاومة وعزيمة لا يمكن أن تنال منها نوايا المراحل السوداء عند العابرين الطغاة. الشاعر هنا يحترم طبيعة الشعر فينأى عن المباشرة والخطابية ويتلاحم ببلاغة الإيماء والتلميح وذكاء الكناية والتورية وعبقرية الإيحاء الاستعاري الساخن في مراميه الدلالية شديدة الإيلام حتى لكأن القصيدة تتحدى وقائع الحرب ومقاصدها بانتصار الحلم المقدس عند الضحايا. فالانتصار المكاني مؤقت في حين أن انتصار الفكرة والحلم ديمومة كونية لا تقبل الهزيمة. في القصيدة مسرات كثيرة أولها أن مثل هذا الشعر هو وثيقة إنسانية جمالية تؤكد تفوق الحضارة الثقافية الغزية تحديدا على مزاعم المحتل الخائف أمام جبروت الحق العادل. وثاني المسرات هو غنى الملحمة بفن استدعاء التاريخ لإدانة الواقع المعيش. في مثل هذه القصائد ينحني فؤاد العالم احتراما لجماليات الألم الفلسطيني الذي يوثق مسار وجوده بأهم الفنون الإنسانية جميعا وهو الشِعر».أما د. الشاعرة دعاء وصفي بياتنة، فقد أشارت إلى أنّ «قصيدة أدويسة لغزة للشاعر المتوكل طه قصيدة ملحميّة دراميّة سينمائيّة خارقة للجغرافيا والتّاريخ، قصيدة كاميرا متحرّكة في قلب الإنسان وغزة صوتًا وصورة.إن فلسفة الشّكل التّعبيري في القصيدة جعلت تجسيد الواقع المضطرب الذي شهدته غزّة يتجلّى في جماليات التفكك باللوحات والمشاهد والتضاد والمفارقة، إذ يسير المتوكل طه في قلب الحدث الشعري ساردًا ومؤرخا ومثقفا وموظفا التقنيات السردية التي تصور دواخل الشخصيات، الأمر الذي منح القصيدة بُعدًا جماليًّا ينسجم مع حركة الواقع. وتنفتح القصيدة على سياقات ثقافية وتاريخيّة تشكّل مقاربة معرفيّة في الرؤية الشعرية.أدويسة لغزة لا بطل فيها بالصورة النمطية إنّها بطولة الحياة رغم الموت، وارتفاع الرفض رغم الصمت، وانتصار التجذّر رغم أنف الآخر».يذكر أن المتوكل قد أصدر قبل شهور، كتابين آخرين عن غزة ما بعد السابع من أكتوبر؛ الأول «توقيعات على جدران غزة» وقد صدر عن اتحاد الكُتّاب الفلسطينيين، كما صدرت طبعة ثانية منه في القاهرة عن سلسلة الإبداع العربي. أما الكتاب الثاني فكان رواية «أخبار نصف جيدة» التي صدرت عن دار طباق في فلسطين، وهي بانوراما عن أحداث العدوان على القطاع الصابر الصامد.

قراءة تفكيكية لقصيدة رسالة عاجلة إلى الشعر لراشد عيسى
قراءة تفكيكية لقصيدة رسالة عاجلة إلى الشعر لراشد عيسى

الدستور

time٠٥-٠٧-٢٠٢٥

  • الدستور

قراءة تفكيكية لقصيدة رسالة عاجلة إلى الشعر لراشد عيسى

د. مي خالد بكليزي تمثل قصيدة «رسالة عاجلة إلى الشعر» حالة وجدانية مركبة، تتقاطع فيها التجربة الشعرية بالسيرة الذاتية، حيث يقدم الشاعر نفسه في أبهى حالاته الوجدانية والفنية، متماهياً مع الشعر حتى يصبحا كيانًا واحدًا لا فكاك منهما. يكتب راشد عيسى إلى الشعر كما لو أنه يطارده، كأن الشعر هارب، أو كأن الوقت يداهمه ولا يجد سبيلاً إلا أن يكتب. في القصيدة، يبدو الشعر ككائن حي يقاسمه الحب، ويشاركه الوجع والبهجة، حتى تكاد جيناته تتحول إلى قوافٍ ودماؤه إلى أهازيج. يتجلى النص كعقد حب مكتمل بين الشاعر والشعر، فلا لحظة من لحظات عمره تنفصل عن هذا الكائن الذي سكنه واستولى عليه. بنية اللغة وصياغة المعنى في هذه القصيدة، تبلغ لغة راشد ذروتها، إذ تصبح مطواعة بين يديه، تنقاد له بلا مقاومة، ليعلن عبرها نفيرًا شعريًا، يستدعي فيه التاريخ والجغرافيا، ويغوص في بحور الشعر من العصر الجاهلي إلى العباسي والأندلسي، مستحضرًا أسماء مثل امرئ القيس، الشنفرى، البحتري، ابن زيدون، المعري وولادة، ليجعل من القصيدة جدارية كبرى تحوي كل معاني الشعر وسحره. هنا يتحول الشعر إلى فضاء جامع، تمتزج فيه الرؤية الصوفية بالوجدانية، مع حضور كثيف للزمن والمكان، إذ تتسع جغرافيا القصيدة لتشمل الصحراء، البراري، الزهر، النجوم، والشجر. هو خطاب شعري يجمع بين التاريخ والحنين، بين الحب والعشق، وبين الغياب والحضور. التوتر الدلالي في العنوان يحمل عنوان القصيدة «رسالة عاجلة إلى الشعر» توترًا معنويًا، إذ يجمع بين الرسالة بوصفها نصًا منتظمًا والعجلة التي تحيل إلى استعجال وقلق. هنا تبرز أولى الإشارات التفكيكية، حيث يُطرح السؤال: من يكتب الرسالة؟ هل الشاعر ذاته، أم اللغة، أم النص نفسه؟ وفق القراءة التفكيكية، يتحول الشعر إلى كيان مستقل، يتلقى الرسائل وقد يرسلها، فتُبطل سلطة الشاعر المركزية، ويصبح تابعًا للشعر لا متحكمًا فيه. وهذا ما يشبه ما طرحه جاك دريدا في نظريته عن «هدم مركزية المؤلف»، حيث لا يكون النص مملوكًا للمؤلف، بل يتحرك في فضاء تأويلي مفتوح بلا مركز ولا نهاية. العنوان ذاته يتحول إلى نقطة تفجير للمعنى، إذ ينقل النص من الرسالة العادية إلى خطاب شعري عميق، يمتلئ بالتوتر والتحذير والدراما، ويُحدث قطيعة مع التصور الكلاسيكي للشعر كحقل هادئ تأملي. تشظي الثنائيات وتحلل المركزيات يُسهم العنوان والقصيدة في تقويض ثنائيات المعنى التقليدي: الشاعر / الشعر المرسل / المتلقي النص / الذات الخطاب / المعنى وبالتالي يصبح النص حقلًا لتفكيك هذه الثنائيات، حيث يتحول الشعر إلى سلطة عليا تتلاعب بالذات الشاعرة، ولا تتيح لها السيطرة، بل تجرها إلى أفق مفتوح من التأويلات والاحتمالات. ظاهر النص وباطنه في ظاهر النص، يخاطب الشاعر الشعر ككائن حي يمتلك صفات الحب والغضب والغياب والحضور، فيكرر النداء المباشر: «يا شعر»، ويطلب منه: «خذني إليك»، «أشعل سراجك». لكن خلف هذا الظاهر، يمكن قراءة طبقات أعمق، حيث يتحول الشعر إلى رمز للذات، للهوية المبدعة، وربما إلى المرأة الحبيبة الغائبة أو الحضور الأنثوي، كما في قوله: «أنتَ الذي عشّمتني بحبيبتي، وقصيدتي، وصددت عني.» كذلك، يتخذ الشعر رمزًا للكتابة وللهوية الثقافية، حيث يغدو قارب نجاة للشاعر في مواجهة الأوجاع والاغتراب: «ما زلتُني في ذمة الريح التي هدمت خيامي.» تفكيك البنية الزمنية واللغوية القصيدة تتلاعب بالبنية الزمنية، إذ لا تسير وفق خط مستقيم، بل تتنقل بين لحظات التذكر والاسترجاع والنداء، حيث يتحول الزمن إلى حالة استرجاعية دائمة، مليئة بالتأجيل والانتظار، تمامًا كما في قول الشاعر: «مرّت عليّ دهورٌ وأنا أبحث عنك.» الزمن هنا زمن قلق، لا يستقر ولا يمنح الطمأنينة، بل يدور في حلقة من التأجيل المستمر. أما على صعيد اللغة، فتعمل القصيدة على تفكيك المعنى التقليدي، حيث تلعب اللغة دورًا مزدوجًا: هي وسيلة للقول، لكنها في الوقت نفسه أداة للإيهام، تصنع المجاز ولا تقدم المعنى المباشر: «ويذوبُ بين مفاتن الإيهام، رمزًا أو قناعًا.» وهذا التوظيف يُحيل إلى مقولة دريدا: «المعنى لا يتحقق أبدًا، بل يُؤجل في سلسلة من الإحالات.» المعجم والموسيقى الشعرية 1. الموسيقى الخارجية: القصيدة تعتمد على شعر التفعيلة (الشعر الحر)، بما يمنحها مرونة إيقاعية واضحة. التكرارات الندائية والعبارات الإنشادية مثل «وَعَلَيْكَ يا شِعْرُ» تصنع إيقاعًا داخليًا شجيًا، وتولد موسيقى نفسية تشبه التراتيل. 2. الموسيقى الداخلية: تقوم على التوازي التركيبي والتكرار الصوتي، مع حضور للأصوات الرخيمة مثل السين واللام، ما يضفي نعومة موسيقية، ويخلق توازنًا في النفس المتلقية. كذلك، تتكرر النهايات المدية والمقاطع ذات الجناس الصوتي، مثل: «أنا الحنين، أنا الهنين، أنا الأنين.» هذا التكرار يعزز الانسجام النفسي ويثير التماهي السمعي مع النص. المعجم الشعري: يتسم المعجم الشعري في القصيدة بتوازن دقيق بين الرقة والفخامة، حيث يستند إلى عدة حقول دلالية: المعجم الوجداني: يحضر بقوة في كلمات مثل «التحايا»، «السلام»، «اللآلئ»، حيث يكتسي الشعر قداسة وسموًا روحيًا. المعجم المقدس: يظهر من خلال الألفاظ ذات الطابع الديني أو العرفاني مثل «دانَت»، «سلطتها»، ما يرفع من مقام الشعر إلى مرتبة المعبود أو المرسل الرسولي. المعجم الخاص المتفرد: يتميز راشد عيسى بقدرته على توليد معجم شعري مبتكر، فيخلق تراكيب مثل: «ما أكثرني»، «الناي دوزنني»، «بستنتني»، في توظيف نباتي غريب يجعل اللغة ذات طابع حدائقي جمالي، متجاوزًا المعتاد نحو تشكيل خاص، حيث يبدو وكأنه «يزرع» القصيدة. جوهر القصيدة وفق التفكيك القصيدة بأكملها تمثل نموذجًا تطبيقيًا لنظرية «الاختلاف» عند دريدا، حيث لا يتحقق المعنى بل يتولد من الفروقات والانزياحات الدلالية، ويبقى مؤجلًا أبدًا. كل بيت في القصيدة يشير إلى غيره بلا استقرار أو نهاية، ويتحول الشعر إلى سلطة متعالية، قادرة على سحب الذات المبدعة إلى فضاء الغياب والتشظي. خلاصة تأويلية: في قصيدة «رسالة عاجلة إلى الشعر»، لا يوجد معنى نهائي. الشعر هو الحبيب والعدو، المنفى والملاذ، الوطن والمجهول، الذات والآخر، الحضور والغياب. إنها قصيدة عن الحب والخيانة معًا، عن الحنين والخوف، عن الطمأنينة والقلق، عن السعي نحو الشعر والهروب منه في آن. هي قصيدة عن التشظي الذي لا يلتئم، حيث لا يكون الشعر وسيلة للتعبير فحسب، بل مصيرًا وجوديًا وسجنًا أبديًا، وقوة عليا تستدعي الشاعر إلى هاويتها. هذه القصيدة لا تقدم رسالة عادية، بل تفتح بابًا مشرعًا أمام قارئها على متاهة لا تنتهي، حيث ينصهر الشعر في الذات، وتصبح الذات أثرًا لغويًا، وتتحول الكتابة إلى نداء لا يُجاب، وعشق لا يرتوي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store